الصادق الرضي يكتب عن عمر خيري جورج إدوارد

[صدقي كبلو]

كتب الصادق الرضي في عدد السوداني الصادر اليوم:
[font=Arial]
بين عمر خيري وجورج إدوارد

الصادق الرضي

[email protected]


*في العام 1988 شهد المجلس القومي للآداب ورعاية الفنون - سابقا - اسبوعا ثقافيا مدهشاً، وكان ذلك بمناسبة افتتاح اول صالة للعرض التشكيلي بالمجلس. حيث دشنت الصالة بمعرض للفنان الكبير الراحل عمر خيري، المعروف في الأوساط التشكيليلة باسم (جورج ادوارد). وعمر خيري صوفي الفن التشكيلي عندنا - ان جازت العبارة - صاحب اسلوب فني متميز لدرجة قصوى، تنفتح أعماله ذات التصميم القوي بـ الأبيض والأسود والخطوط المستقيمة والمعقوفة والدوائر، على عوالم ذات روح سينمائية فذة وشخوص نادرة المرح.
*جلس عمر خيري في صباح ذلك اليوم - يوم افتتاح معرضه - يرسم بقلم عادي، بينما كان الجمهور يتجول بين اللوجات، جلس قربه الفنان التشكيلي سيف اللعوتة - رد الله غربته - وهو يتصفح الدفتر المخصص لتعليقات الزوار وملاحظاتهم وأسئلتهم، قرأ سيف الدين أحد الأسئلة التي كتبها أحدها الزوار بصوت مرتفع: (من أنت: عمر خيري؟ أم جورج إدوارد؟!) وكان الفنان الراحل خيري قد درج على توقيع لوحاته باسم (جورج إدوارد)، لم يلتفت عمر خيري وظل صامتاً، فكرر سيف اللعوتة السؤال. أخيرا أجاب عمر خيري بعبارة واحدة: (جورج إدوارد فنان عظيم) فلم أعرف بالضبط - وقد كنت أجلس معهما - من كان يعني بـ (فنان عظيم) ، عمر خيري؟ أم جورج إدوارد؟.
*لماذا كان بكل هذا التفرد وقد اكتفى غيره ببعضه؟، لماذا اتسم عمله بهذه الدقة الفنية وهذا النزوع الوجودي لدرجة التلاشي؟، لماذا رحل لكل هذا الهدوء وانسحب متواريا خلف أعماله بتفرد مُهْمَلٍ؟.
*أسئلة تعتمل، وفي الخاطر مشاهد من أعماله التي كنت احرص على تأملها في معارضه العديدة. أمر هذه الأسئلة تلك التي تتعلق بغيابه عن الساحة فور رحيله المؤلم، وهو الذي كان حاضرا على الدوام - بمعرض سنوي على الأقل ے- غيابه الماثل لعدم الاهتمام والاكتراث بتجربته الكبيرة، إلا من النزر اليسير مما يعبر عن وفاء بعض أصدقائه وزملائه من التشكيليين الكبار، لكن أين تحليل أعماله الفنية نقديا؟، اين توثيق أعماله وحفظها للأجيال القادمة؟، أين سيرته الفنية الباذخة؟!.
*بطبيعة الحال نعلم الحاصل الثقافي ولكن لا بد من السؤال

[صدقي كبلو]

قرأت قبل فترة ما كتبه حسن موسى عن عمر خيري في جهنم، هل يتكرم حسن بنشر ذلك المقال المدهش هنا؟ وهل يتكرم من يعرف عمر خيري وفنونه (ولربما وجنونه الإبداعية)، بالكنابة عنه؟
إنني أجلس في مقاعد القراء، وأترك الخبز لخبازيه شرط ألا يأكلوا نصفه.
لكم الحب

[حسن موسى]

الصادق و صدقي ( عاشت الاسامي )
نصي عن عمر خيري منشور في سودان ارتيستس
https://www.sudanartists.org/a3.htm


مودتي حتى اعود
حسن

[سيف اليزل الماحي]

شكراً د. صدقي
لاطلاعنا على ما كتب الصادق الرضي في خصوص سيرة الفنان عمر خيري
وحقاً المصاب كبير في خيبة التوثيق عندنا،
كان جورج ادوارد آفـة في الرسم وتأمل الاشياء وهو المعني البليغ للرسم الذي لا يدركه سواه
فقد كان متجها للرسم كليا
دفق الشعور بالاشياء حالة خاصة ملحوظة في خطوطه الغنيه والحية
فعندما ضرب الفقر المنهجي والابداعي مباني الكلية العتيقة وأخذ كل (ذي حاجة) شليته، كان عمر خيري يرسم
حتى رحيله الهادئ.

سيف اليزل

[عبد الله الشقليني]

عزيزنا دكتور صدقي كبلو
لم أزل أذكر يوم أن كان جورج أدوارد قد اشترك معنا في معرض الفن التشكيلي في كافيتريا كلية الهندسة بجامعة الخرطوم عام 1975 م ، واشترك لفيف من التشكيون منهم : حسن محمد موسى / عبدالله بشير بولا ، علاء الدين الجزولي / أحمد سيد أحمد / أسامة ... وجمع من لآلئ الفن التشكيلي بكافة ألوان طيفهم .
كانت لوحات جورج أدوارد بكونه وخطوطه السوداء وتفاصيله لمناخ رآه في تصوره كوناً إبداعياً .
يستحق جورج الكثير في ذكراه .
بيكاسو
عبدالله الشقليني

[صدقي كبلو]

ما كنت أود أن أبارح مقعد القراء مستمتعا بإعادة قراءة مقال حسن موسى الذي أورد رابطه مشكورا، تاركا التعليقات للأعزاء ممن يعرفون عمر خيري وفنونه أفضل مني، ولكن عبدالله بيكاسو الذي صار الشقليني، قلقل مقعدي (ما رأيك يا حسن في هذا الإعتداء على لغة العرب والمستعربين)، فأثار ذكريات عزيزة عن إسهام ديمقراطيي كلية الفنون الجميلة، طلبة وخريجين منذ عهد خلف الله عبود وحتي عهد أحمد البشير الماحي، وهاشم صالح وحسن موسى والباقر موسى وأسامة وغيرهم من أسهموا في دفع نضال الطلاب الديمقلااطيين في كل الجامعات والمعاهد العليا بمعارضهم وبتصميمهم البوستالز وكل أوجه الدعاية والعمل الإثاري والثقافي والسياسي، ولقد كان ذلك الإسهام لبنة في بناء صرح عظيم للطلاب الديمقراطيين وهي مركزية الجبهات الديمقراطية والتي كان لي شرف إقتراحها أولا ثم الإسهام في تأسيسها في عام 1970 وإعادة تنظيمها في عام 1973 . وهذا حديث ربما بدأ خارج النص، ولكنه في الحقيقة لا بد أن يقال عند الإحتفاء بذكري عمر خيري، ذلك أنه عبر بالرسم عما عبر عنه آخرون بالكلمة والقصيدة والعمل السياسي: التحرر من قيود الدولة العربية الإسلامية ومثقفيها الرسميين والملحقين. وهذه الحركة الديمقراطية العامة في السياسة والثقافة والإبداع هي التي أعطتنا جماعة العصاة (كما يسميهم بولا) في الفن التشكيلي وجماعة المسرح الجامعي، والتطور الموسيقي التجريبي الحديث في الموسيقى السودانية وشعرا وأدبا حديثا. صحيح أن عمر خيري لم يكن ناشطا سياسيا بالمعنى المباشر الضيق، ولكنه اسهم في وعي الناشطين سياسيا وقدم إسهامه رسما تشكيليا يمثل أحد أعمدة الثقافة الديمقراطية في السودان.

[عبد الله الشقليني]

عزيزنا صدقي

تحية طيبة وكثير من الود والاحترام لك من بعد فُسحة الزمن .
قال الشاعر : كانت لنا أيام ..
لن أتعجب أنا إذ تمكنت من وصالك . أنت الآن
قلمٌ في السماء ، بعد أن كنت لحماً و دماً وقلباً،
وإلى الأحضان كنت رفيقاً ولم تزل .
تعجب صديقنا حسن موسى عندما علم أن
الشقليني هو اسم جدي المكتوب في كل الوثائق الثبوتية
بداً من الجامعة ، ولم يكن حجاباً رغم إغراء الحُجب .
أقرأ لك كثيراً ، لكنك مُقل و قلما تُفسِح وتُفصِح .
لم أزل أذكر أننا اشتركنا صديقاً من الزمن الماضي وغيبه
الموت : ( دكتور وولتر كونجوك ) . كتبنا سوياً عنه .
كنا نشترك السكن معاً في أول ما بدأنا الدراسة الجامعية .
ولتلك قصة أول ما بدأت أكتُب بدأت بها ...

لك الود وللسلالة أيضاً .

بيكاسو
عبدالله الشقليني

[عبد الماجد محمد عبد الماجد]

عمر خيري

حالة اعتزال وليست حالة عزلة

قابلته مرّتين أو ثلاثا لا غير

مرة في المحطة الوسطى وكان معي الفنان عثمان محمود (كوريا) فأشار إلى شاب في العشرينيات من عمره يمشي في هدوء مرتديا بنطلون كاكي وفنيلة أشبه بالقميص البلدي ويعلق حقيبة يد على كتفه وكأنه مسافر قدم من محطة القطار على التو. قال لي أتعرف من هذا؟ قلت لا. قال: دا العبقري عمر خيري. فنان عظيم وكأنه قال يا خسارة أو تحسّر عليه. ولما تساءلت قال لي: يعاني من حالة غريبه ولكنها لا تمنعه من الرسم العظيم و بالحير الشيني فقط على ألواح خشبية. رد علينا السلام في همهمة وكأنه لا يعبأ بنا أو بمن حوله من عالمين. صدّقت عثمان وقلت في نفسي. النفسيات عمرها لم تمنع الإبداع والشواهد كثيرة في التاريخ. على العكس هي ربما فتقت المواهب بالانصراف الكلي لعالم الفن وإعطائه أكثر مما يتيسر في حال النشاط الاجتماعي المحموم وبخاصة في المجتمع السوداني الذي تصرف دواماته اليومية المبدعين من إعطاء مواهبهم ما تستحق من صقل وتنمية. (وإني لأعرف مبدعا معروفا يستأجر لها بيتا لا يعرفه إلا هو وخاصته هربا من متطلبات مجتمع الرهط ويتذرع بأنه كان في مامورية أو سفر وما شابه ) وإذا طبّقت هذا على الكثير ممن خلقوا واعدين - بما فيهم شخصي - أجد أن منهم من انصرف عن مجال الإبداع بوعي مغلبا رغبات المجتمع ومنهم من ينجرف غفلة حتى تنكمش قدراته تماما أو تتلاشى في هربه من جمرة الفن ليقع في اللهث وراء العاديات وملذات أخرى (كأن ينتهي سكيرا أو زيرا أو متصوفا يصرّف طاقته في مجالات آخرى ويحسب أنه أفلح والحقيقة أنه يتداوى بمجرد مسكنات لا تجتث متأصل مرضه, ومنهم من ينتهي إلى سياسي فاشل أو يتحوّم حول مجال إبداعي أخف وطأة وأقل حرقا.
وذات يوم كانت مناسبة في دار القافة ذهبت لها مجاملة - وكنت اتحاشى تلك المؤسسات لاعتقاد خاطىء بأنها تعج بنفر كثير من يتكلّم أكثر مما يفعل أو من يقيم الدنيا ولا يقعدها وبموهبة مقدار خردلة ليته اجتهد فيها اجتهادا عميقا ولم يكتف بما يكتب بما تعج به الصحف السيّارة عمّا يؤثر عن فلان وفلتقان من عرب وفرنجة ولا يغوص في أعمالهم ولكنه يخوض قليلا في ما يقرأه آخرون إنابة عنه. لا يكفي.
في ذلك اليوم رأيت عمر خيري يرسم بالحبر الشيني على اللوحة الخشبية. وهالني ما رأيت حتى فزعت وركبني العجب. كان يرسم كأنه ماسحة ضوئية SCANNER تنقل بخيوط غير مرئية من صور واقعية تقبع في مكان آخر من عالمنا هذا. أو كأنه يرسم على سطح يشف عن لوحة من تحته ولكه يراه ونحن لا نراه. ولمّا لم أكن أؤمن بمخالطة الجن البشر (دأب العرب في الجاهلية في حديثهم عن علاقة الشاعر بأهل عبقر) ذهب ظني إلى أن الرجل يتمتع بذاكرة فوتوعرافية.
ولكن الفوتوغرافيا لا تخلق علاقات جمالية ولا تتلاعب بالأبعاد وليس بإمكانها إظهار ما يقع خلف الأجسام الأمامية. إذن قوّة الذاكرة وحدها لا تكفي لتفسير الظاهرة. وخلصت بأن الرجل يتمتع بذهن عالى الكفاءة وبخيال يمكنه من خلق علاقات تجاور وإنسجام بين الأشكال والخطوط لا يمكن أن تتحقق في الواقع الخارجي دفعة واحدة.
وهكذا استبعدت الخلل الذهني واستبعدت اعتماد الذاكرة وحدها مصدرا لتفسير حال الفنان. وخرجت باعتقاد - مجرد اعتقاد - بأن هذا الرجل اعتزل النمط الاجتماعي السائد وابتنى له دارا في فضاء العقل لا يعرفها إلا هو. وبرغم ذلك فإن النفسيين لا يتوقع منهم إلا الذهاب لعلة في النفس. وأعذرهم لأنه ليس في مقدورهم غير هذا, ذلك ان علم النفس بنيت قواعده على الاجتماعي المألوف. أما غير المألوف فليس لهم به قبل. ومن قبل كُفّر الرسل والأنبياء, وأعطي سقراط الكأس وحكم على محمود بالشنق وقبله الحلاج و... و......
يبدو فعلا أن المعاصرة قناع ومن دلائله هذا الاستيقاظ على أعمال عمر خيرى بعد حين من الدهر. وغدا سيعرف أكثر ويفهم بجلاء. عمر سيملأ المستقبل وستسيل أطنان من الحبر في تعقب أعماله وسيرته بالدراسة.
عبدالماجد

[صدقي كبلو]

شكرا سيف اليزل.
شكرا يا عبد الماجد لمقلك الجميل ووصفك الفنان لحالة الفنان عمر خيري لحظة الرسم!

[عادل السنوسي]

الاخ صدقي كبلو ، تحية و سلام .....شكرا علي اثارة الموضوع = عمر ادوارد ..
يعتبر فرويد ان الفنان ما هو الا شخص انطوائي يعجز بسبب دوافعه الغريزية المفرطة عن التجاوب مع متطلبات الواقع العملي ، فيلجا الي اشباعها الي عالم الوهم . حيث يجد بديلا عن الارضاء المباشر لرغباته .. و يستعين للوصول الي ذلك ، بتحويل مطالبه اللاواقعية ، الي غايات قابلة للتحقيق ، من الوجهه الروحية علي الاقل بما يسميه فرويد ب " القدررة علي التسامي " ... وان شئت الاستزادة ، يمكنك الرجوع الي كتاب : فلسفة تاريخ الفن للمؤلف ارنولد هاوزر = Arnold Hauser / Philosophie Der Kunstgeshicht صفحة 51 ، تتوفر ترجمات انكليزية و فرنسية للكتاب - حسب علمي - و يري فرويد ان هذه هي احدي اليات الدفاع التي تعفي الفنان من القصاص او المرض ، لكنها تجعله رهين عالم وهمي حيث لن يطول به المقام قبل ان يصبح مريضا بالعصاب ، فهل ينطبق ما تقدم علي المرحوم عمر خيري ؟ = الي حد ما ....
كنت قد سالته مرة مباشرة : من هو جورج ادوارد ؟ فرد قائلا : هي = وليس هو ، الكلية التي درست بها في انكلترا ! و فيما بعد علمت من الاستاذ عبدالله جلي - بضم الجيم و تشديد اللام ، ان عمرا لم ير انكلترا ابدا في حياته !! ان العمل الفني في نظري هو نشاط جاد يستلزم و جود عقل سليم ( الي حد ما ) ! فدافنشي كان يقول عن الرسم انه شيء ذهني ، وكان يعني ان الابداع الفني يتكون من مثلث اضلاعة هي : الفكر / اليد / الارادة ...و هذا يعني بالتالي ان ( المجنون ) لا يستطيع انتاج اي اثر من اثار الفن العظيم ! وقديما قال اهلنا في بربر : الجن بداوي ( يمكن مداواته ) ، كعبة ( سيئة ) الاندراوة ( وهي الكشكشة او الحلجة علي خفيف ، كان تفط سطرا او سطرين ، لا اكثر ! ) ، ولكن هل كان عمر خيري مجنونا او مكشكشا ؟ ذات از ذا كويسشن ! و نقول ردا علي ذلك : ليس بالضرورة ، ونستعين هنا ببعض مما قراناه حول الموضوع : خلافا لما قال هايني " كما ان اللؤلؤة داء يصيب القوقعة ، فقرض الشعر مرض يصيب الانسان " فان جوتة يقول : الفن يعتبر مخرجا من الاختلال العقلي و بديلا للجنون ، و فهمي لذلك هو ان الفنان يمكن ان يكون عصابيا : لوتريك ، فان خوخ ، دالي .. و ربما فناننا خيري واسامة و ربيع ...الخ . ) و لكن ليس بالضرورة ان يكون الامر دائما كذلك ( لاحظ حالة دافنشي ، مايكل انجلو ، بيكاسو ، فرانسيس بيكون...الخ ، فهؤلاء كانوا - يتمتعون ب ( كامل قواهم العقلية ) او هكذا يبدو !! ان الفرق بين العصابي و الفنان هو في اعتقادي ان الثاني تصدر عنه اعمال فنية ، اما الثاني ، اي المصاب بالعصاب = كلمة مخففة = ربما تصدر عنه بعض ( المخلفات ) الفنية ، او ربما تلك التي تشبه بعض اعمال الفن !
لا اعتقد ان يستطيع (المجنون ) انتاج اي اثر من اثار الفن العظيم ، وفناننا المرحوم عمر خيري استطاع ذلك ، مما ينفي عنه التهمة ، و اعماله باقية و شاهدة .
ع.ب.السنوسي / روتردام.