بهيمة عوض الله - حرف واحد وحياة كاملة ( قصة قصيرة )

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

بهيمة عوض الله - حرف واحد وحياة كاملة ( قصة قصيرة )

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]
أكره اسمي .. أكرهه .. وأكره أبى لانه منحني إياه بلا تفكير في آثاره وتبعاته ..
كانت هذه الأفكار تدور في راس فهيمة وهي تقوم بتعبئة استمارة الجلوس لامتحان الشهادة السودانية ... كان القلم يرتجف في يدها وهي تكتب اسمها وشرد تفكيرها وعاد بها إلى الوراء ...
منذ صغرها وعندما بدأت تعي معنى الأشياء أدركت أن هناك خطأ ما فيها ... بإحساس الطفولة البرئ كانت تستقبل الغمزات الساخرة والضحكات المستهجنة كلما سألها شخص ما عن اسمها : تعالي يا حلوة اسمك منو ؟؟ كانت ترد بفخر من تعرف اسمها كاملاً : بهيمة عوض الله محمد احمد .. كانت تنطقه دون أن تعرف معناه ...فتفاجأ بالتعبير المصدوم الذي يعقب معرفة اسمها.. مرت الأيام .. تبعتها السنون والصغيرة مقتنعة بتفسير والدتها لتصرفات الأهل والجيران عند سماعهم اسمها ( يا بهيمة ديل بس بيغيروا منك لانو ما في أي واحدة عندها بت زيك ولا اسم زي اسمك ) ... عندما بلغت بهيمة ست سنوات اصطحبتها الحاجة أمونة التي يحلو للجميع مناداتها بلقب حاجة رغم أنها لم تزر بيت الله وان كانت تتمنى .. إلي المدرسة المجاورة للمنزل لتسجيلها .. وهناك عرفت لاول مرة معنى اسمها الغريب ..
" انتي مرة غبيانة ومخك زي العصفور "
خرجت هذه الكلمات كطلقات مدفع من فم ناظرة المدرسة ما إن فرغت من قراءة شهادة الميلاد
" في إنسان عاقل في الدنيا يسمي بته بهيمة ؟؟ هو الله سبحانه وتعالى خلقها إنسان وانتو تنزلوها لمستوى الحيوانات ؟؟
كانت حاجة امونة تنظر إلى الناظرة باستكانة وخوف انتقل تلقائيا لجسد الصغيرة الملتصقة بها فبدأت تبكي ودفنت رأسها الصغير في ثوب أمها التي احتضنتها بحنان مشفق ...
" والله يا حضرة الناظرة أنا ما لي ذنب ... أبوها هو السماها كدة عشان تعيش "
فنظرت إليها الناظرة باستهجان ساخر
" شنو يعني عشان تعيش ؟؟"
فانكمشت حاجة امونة داخل ثيابها وردت بانكسار
" انا يا حضرة الناظرة ولدت خمسة عيال قبل بهيمة .. كلهم ماتوا وهم صغار .. عشان كدة لمن ولدتها أبوها قال لو سميناها باسم شين ما بيحصل ليها شئ .. وفعلاً عاشت وبعديها أنا ما جبت عيال "
بدا وكأن هذا التفسير الذي تراه حجة امونة مقنعاً .. قد فجر غضب الناظرة بصورة اكبر .. فنهضت من وراء مكتبها وضربت الطاولة بعنف قفزت له بهيمة وهي تتمسك اكثر بثوب امها
" انتو بشر انتو ؟؟!! انتو عايشين وين ؟؟ ايه الجهل دة ؟؟ والله انتو حرام الله يديكم عيال ... شوفي يا مرة انتي ارجعي قولي لراجلك ناس المدرسة قالوا لي لو ما غيرتوا اسم البت دي لاسم تاني ما في ليها تسجيل لا في المدرسة دي ولا في اي مدرسة تانية انتي فاهمة ؟؟ "
عندما سمعت حجة امونة هذا الكلام انهارت آمالها في أن تجد ابنتها ما لم تجده هي وأخذت تنشج بأسى يهز الوجدان مما جعل قلب الناظرة يلين وبدأت تتراجع عن قسوتها على ألام المغلوبة ...
فغيرت لهجتها وسالتها باشفاق : " انتي اسمك منو ؟؟
" أنا اسمي امونة يا حضرة الناظرة "
" اسمعي يا امونة .. أنا باقول ليك الكلام دة عشان مصلحتك ومصلحة بتك .. انتي عاوزاها تبقى مضحكة وسط بنات المدرسة ؟؟ عاوزاها تتعقد وتكره الدراسة ؟؟ دة الحيحصل لو زميلاتها عرفوا اسمها عشان كدة لازم تغيروه ليها عشان تعرف تعيش وسط الناس"...
" والله يا حضرة الناظرة انا حاولت من زمان اخلي ابوها يغير اسمها عشان نسوان الفريق اكلوا لحمي بيه .. لكن هو رفض .. ولو قلت ليه عشان المدرسة حيقول لي خليها تقعد في البيت وما في داعي للقراية .. ما هو انتي امها لا بتعرفي تقري ولا تكتبي حصل ليك شنو ؟؟ ... انتي يا حضرة الناظرة يرضيك البت تبقى جاهلة ؟؟ انا خلاص كبرت وما بقى يهمني بس هي لسة صغيرة وانا عاوزاها تعيش حياة احسن من حياتي " عليك الله وسايقة عليك النبي ما تحرميها من التعليم حاولي تقبليها باي طريقة ".
تنهدت الناظرة وغرقت في التفكير ثم رفعت رأسها وقالت :" خلاص انا عندي فكرة .. يمكن ما نقدر نغير الاسم في الأوراق الرسمية لكن نقدر نغيره قدام الناس .. وعشان ما يكون الموضوع ظاهر حنغير حرف واحد بس بدل الباء في أول اسمها نخت فاء يعني بدل بهيمة تبقى فهيمة .. عرفتي يا فهمية من الليلة لو اي زول سالك من اسمك تقولي شنو ؟؟"
خرجت الجملة من فم الصغيرة متقطعة مع شهقاتها " ف ... هي .. مة "
شاطرة يا فهيمة .. يلا عاوزاك في الدراسة تكوني كدة عشان تفرحّي امك .. خلاص يا حجة امونة أنا حاسجلها ليك ومن بكرة تنزل المدرسة .. واوعي تنسي اسمك فهيمة ما بهيمة " ...
وهكذا كان .. ومرت الأيام وكبرت الصغيرة .. وكبر معها كرهها لحرف الباء بصورة متطرفة .. وتمنت لو لم يكن موجودا في اللغة العربية .. استماتت في الدراسة فكانت من المتفوقات ولكن اكثر يوم تخشاه كان يوم إعلان النتيجة خوفا من أن تخطئ إحدى المدرسات او تنسى الناظرة فيقال اسمها الحقيقي .. لذا لم يصدف يوما ان كانت موجودة أثناء توزيع الشهادات .. تتحجج بالمرض أو أي عذر آخر لعدم الحضور .. لم تكن تشعر بفرحة النجاح ولم تحس بزهو التفوق ... فقد وقف اسمها عائقاً امام السعادة التي تصبو اليها ... ويذكرها في كل لحظة بانها اقل من البشر وإنها أدنى مرتبة من زميلاتها وبالتالي لا تستحق هذا النجاح وكل ما كبرت فهيمة كبر حب حاجة آمونة لها فصارت قرة عينها ومصدر فرحتها وفخرها ولا تستطيع ان ترفض لها طلبا .. حتى عندما اصرت فهيمة على الانتقال الى حي آخر لا يعرف فيه اي كان اسمها الحقيقي .. بدات لاول مرة تفكر كيف تقنع زوجها عوض الله بالانتقال وكانت تدرك يقيناً بانه لن يوافق مهما الحّت عليه .. لكن تحت ضغط فهيمة المتواصل قررت امونة ان تجبر زوجها على الرحيل .. وهداها تفكيرها المتواضع المحدود إلى أن إشعال حريق في المنزل المتواضع سوف يقضي على أسباب البقاء فيه .. وفي صباح يوم غائم كئيب وبعدان خرج عوض الله إلى عمله أحضرت زجاجة الجاز الخاصة بالفانوس ونثرته في المراتب والطاولات الخشبية القديمة و أشعلت الثقاب .. ما لم تتوقعه هو انتشار النار السريع وعودة عوض الله لقضائه المحتوم فقد حضر من عمله مبكراً على غير عادته و فؤجئ بالنار تلتهم كل ما يملكه في الحياة وبلا تفكير اقتحم المنزل المشتعل بعد أن تملص بقوة غريبة من أيدي مانعيه المشفقين عليه .. وظلت صرخاته المدوية كابوساً يطارد كل الذين عجزوا عن إنقاذه في ذلك اليوم المشئوم...
وتم لفهيمة ما ارادت .. انتقلت هي وامها من الحي بعد ان احترق المنزل وابوها بداخله .. لم يكن الفرق كبيرا بين الحيين فكلاهما في أطراف العاصمة وكلاهما من الأحياء البسيط المليئة بالبيوت المتواضعة .. ولكن بالنسبة لفهيمة التي حرصت على قطع علاقتها وامها بكل الجيران القدامى .. كان هو الجنة حيث لا أحد يعرف اسمها الحقيقي ...
مرت الأيام وفهيمة تتجنب حرف الباء وتتفتح مزهوة بحرف الفاء الذي يزين أول اسمها...
بينما امونة تزوي يوما بعد يوم .. فقدت عيناها البريق .. جافاها النوم وعافت نفسها الأكل .. برغم إلحاح فهيمة المتواصل إلا أنها كانت ترفض وتقول لها : يا بتي صراخ ابوك حاميني الاكل والنوم .. انا قتلته بايدي ... انا قتلته "
وظلت تردد هذه العبارة حتى لحقت بعد شهور قليلة ...
وبقيت فهيمة بمفردها .. حصلت على عمل في مصنع الشمع القريب من منزلها صباحاً ... وتذهب الى المدرسة مساء .. كانت مصرة على التعليم ليقينها بانه مخرجها من صفة الدونية المرادفة لاسمها .. كانت تتذكر امها بحزن وابوها بالم وحرقة ... اليس هو سبب كل ما حصل ؟؟ منذ البداية ... منذ ان اسماها بهيمة ؟؟
كانت تنغمس في العمل لتنسى وتنغمس في المذاكرة لتطفو على سطح المجتمع ...
حتى كان موعد التقديم لامتحانات الشهادة ... وتضاربت الذكريات في رأسها وهي تملا الاستمارة وبلا وعي منها كتبت اسم فهيمة على كل الأوراق ونسيت أنها تدعى بهيمة في الأوراق الرسمية ...
واجتازت الامتحانات بتفوق .. وكان مجموعها مثار حسد الكثيرات اللائى تتميزين بوضع اجتماعي افضل منها ...
وجاء وقت التقديم للجامعة ... وتم طلب جميع الأوراق الرسمية كجزء من إجراءات القبول ...
احيلت فهيمة الى التحقيق بتهمة التزوير في اوراق رسمية .. ومحاولة انتحال شخصية أخرى ...
حاولت ان تشرح لهم ان الامر لا يتعدى حرف واحد ..
حرف قد لا يمثل لهم اي شئ ان تركوه او حذفوه او استبدلوه ..
لكنه بالنسبة اليها يمثل وجودها .... وحياتها .. واحساسها بانسانيتها ..
حرف واحد كلفها حياة امها وابوها ... وحريتها ...
وما زال الموضوع بين يدي القضاء ليحكم فيه
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
ÃÈæ ÈßÑ ÓíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 318
اشترك في: السبت فبراير 04, 2006 5:08 pm
مكان: Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة ÃÈæ ÈßÑ ÓíÏ ÃÍãÏ »

[مرحبا بك سناء عدتي وعادت تفاصيلك الصغيرة الممعنة في وصف الوصف .. جعلتي من حرف واحد قصة فما انت فاعلة بالحروف السبع وعشرين....
في انتظار تفاصيلها
لك مودتي
abubakr sidahmed
Blogger:sidahmed.blogspot.com
صورة العضو الرمزية
سناء جعفر
مشاركات: 656
اشترك في: السبت إبريل 15, 2006 10:49 pm
مكان: U.A.E , Dubai
اتصال:

قد يصبح الحرف الواحد مأزق عمر كامل ...

مشاركة بواسطة سناء جعفر »

[font=Microsoft Sans Serif]عزيزي ابوبكر سيد أحمد ...
يسعدني دوماً ان اجدك حيثما انا ... فانت قارئ جيد ... متأمل ... حصيف ...
عندما كنت طفلة منذ زمن موغل في العمق ... كانت زميلتي في الصف الاول الابتدائي تحمل اسماً غريباً ... تحمله بفخر وهي لا تدرك معناه الوضيع ... وتدرجنا في مراحل الدراسة ... وكبرت الصغيرة ووعت معنى اسمها فكرهته ... ورفضته برغم تبريرات امها التي اصرت ان اسمها هو السبب الوحيد لبقائها على قيد الحياة بعد وفاة ثلاث ممن سبقوها الى الحياة والموت ... هذه احدى تفاصيل الحياة الصغيرة التي رسخت في اعماق عقلي ...
كم هم بسيطون اهلنا ... يعتقدون بمقدرة اسم منفّرغريب على تحدي القدر والمكتوب ...
للصمت صوت عال ... فقط يحتاج الى الهدوء حتى يُسمع ...
للصمت غموض آسر .. يجذبنا اليه عندما يموج العالم حولنا بالصخب المؤلم ...
للصمت جمال وكمال وهيبة ووقار ...
للصمت بهجة سرية لا يعرفها الا من عاشه وتأمل معناه ...
للصمت جيرة طيبة ... ودودة ... مريحة ...
صورة العضو الرمزية
ÃÈæ ÈßÑ ÓíÏ ÃÍãÏ
مشاركات: 318
اشترك في: السبت فبراير 04, 2006 5:08 pm
مكان: Dubai
اتصال:

مشاركة بواسطة ÃÈæ ÈßÑ ÓíÏ ÃÍãÏ »

الاسم الذي يلازمنا العمر كله وبعد العمر ويلازم كل الذي ياتي منا الي ما شاء الله ليس خيارنا .. اخص خصائصنا ليست خيارنا ... ثم نمارس نحن تسمية ابناتنا وابناؤنا وهن وهم كذلك ... هل هي حرية الفرض التي لا تقبل الرفض.. هل شيوع الفرض بالتساوي حرية ..مابين فرض اسماءنا وحرية نتحدث عنها نثرا وشعرا ورسما وبندقية خلاف ...ما رائكم دام فضلكم
abubakr sidahmed
Blogger:sidahmed.blogspot.com
أضف رد جديد