الفنان محمد عمر خليل: لا شيء في هذا الكون ينسيني الوطن

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
نصار الحاج
مشاركات: 120
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:59 pm

الفنان محمد عمر خليل: لا شيء في هذا الكون ينسيني الوطن

مشاركة بواسطة نصار الحاج »

الفنان محمد عمر خليل: لا شيء في هذا الكون ينسيني الوطن

حاوره: عباس يوسف
(لبحرين)


في أبريل من العام 2004 أقيم ملتقى البحرين/أصيلة للثقافة والفنون وقد شارك العديد من الفنانين والنقاد في هذه الفعالية من جنسيات مختلفة ومن بين المشاركين الفنان محمد عمر خليل، هذا المشروع إن جاز لي القول النابض بالحيوية والتواضع والتفاني حيث هم نشر ثقافة فن الجرافيك ونشره في كل العالم وبالخصوص في العالم العربي هو الهاجس المسيطر عليه دوما، فمن بعد تأسيسه محترف الجرافيك بموسم أصيلة - المغربي- في العام 1978 ها هو يسهم وبصورة فاعلة في تأسيس محترف آخر لفن الجرافيك علي ضفاف الخليج العربي، حضوره لا يشبهه أي حضور أبدا، كان الأخ والصديق والفنان والمعلم البارع المخلص لفنه ولقناعته، وعليه ومن هذا التواجد خرج هذا الحوار معه وسط معمعة المكابس وروائح الأحماض وحركة الفنانين والمطبوع من الأعمال...

* من أصيلة المغرب عام 1978 إلى البحرين أصيلة عام 2004 عمر تأسيس طويل، لكنه قصير في عمر الفنانين، ما هي أوجه التشابه والاختلاف ؟

التشابه والاختلاف.. في أصيلة لما بدأت، في كل منطقة تقام فعالية لابد وأن تجد شبها لها في منطقة ما أخرى.. في شكل ما، دائما الناس يقفون أمام الأشياء والمشاريع الجديدة ويعكسوها ولا يحبوا التغيير وهذا أمر طبيعي، لكن إذا ما المرء فكرّ قليلا فيما يقوم به من أفعال، أفتكر أنه سيغير رأيه بسرعة وسيلحق المتغير الجديد وهذه مسألة ليست قابلة للرفض بدئيا، ففي المغرب كانت السياحة هي عامل أكبر كتركيز مثلا (لما سيقوم ويحصل في أصيلة)، فالسياسة كانت الدافع الأول ضد موسم أصيلة حيث معظم الفنانين ضد هذا المشروع، لم يعجبهم بن عيسي والمليحي .. ضد الموسم ربما كانوا يعتقدون في عمل أشياء أخري هم مقتنعون بها، مهما كان السبب ومهما كان الدافع للمقاطعة، لم يكن سببا مقنعا بحيث يدفعهم إلي ما اتخذوه من قرارات ذات صلة بمقاطعة الموسم وعدم الاشتراك في فعالياته.
الفنانون قاطعوه تحت مبرر أن سياستهم تختلف عن مثل تلك التوجهات، والتجار قاطعوه أيضا لأنه موسم لا يدر ربحا أولا يؤتي أكله فعملوا علي تأسيس موسم آخر أسموه (فير) وأنا في الحقيقة عندما ذهبت للمشاركة بموسم أصيلة الأول حطت رحالي بموقع مهرجان سفير، وأول مرة قابلت فيها محمد بن عيسي في نيويورك والذي لم أكن أعرف سواه من المغرب، هناك أخذت أسأل ألا يعرف أحدكم محمد بن عيسي ؟ فيصلني الجواب بالنفي، قلت للرجل الذي وضعت قدماي راحتهما في مكانه لأول مرة، اسمع لقد قطعت آلاف الأميال قادما من أمريكا ولا أعرف طريقي وأنتم أهل البلد تعلموا كل شيء عنها ألا يوجد أحد منكم يعرف محمد بن عيسي ؟ يمكنه توصيلي إليه، أخذت أشرح أبين إليه ظروف ودواعي مجيئي إلي هنا، بعدها طلب مني الانتظار وراح يدير أرقام الهاتف، وإذا بمحمد بن عيسي علي الخط يطلب مني التريث حتى يأتي أحد وإذا بمحمد المليحي ينتظرني بالخارج، وذهبنا للقاء بن عيسي، بعدها عرفت أن أكثر الفنانين كانوا يرسمون علي الجدران لكنهم يرفضون المشاركة بموسم أصيلة بخلاف فريد بلكاهية ومليكة، وقتها كلما أقابل فنانا وأساله عن سبب عدم مشاركته ومساهمته في الموسم وأدعوه للمشاركة يجبني باللغة الفرنسية أنا فنان في عطلة، وأنا عمري ما سمعت أن فنانا يكون في عطلة لا يشتغل، الفنان في أقل تقدير يحمل أوراقه وأقلامه معه أينما وليّ يخربش ويخطط .
المهم أنه تدريجيا سنة بعد أخري جاء الفنانون واشتغلوا في موسم أصيلة، في نهاية المطاف عرفوا أن هذا المشروع مشروعهم، يخصهم وحدهم ويعنيهم وأنه لا يخص الأجانب فقط الذين يأتون ويقضون وقتا ممتعا يأكلوا ويشربوا ويرسموا ويرجعوا إلي بعدها إلي مواطن سكناهم، الغريب في الأمر أن البعض رفض المشاركة بموسم أصيلة بحجة أنه سيذهب إلي أوربا للاشتغال هناك، وقتها أتذكر أجبتهم لماذا الذهاب إلي أوربا والنبع والماء قريب منكم وبين أيديكم، إلاّ أن العناد والرفض هو المسيطر علي التفكير، ثمة أشياء تحصل في بداية كل مشروع لكن بالاستمرارية والتعاون الجماعي تسهل وتتيسر أمورها وتمشي بصورة طبيعية، كما أن في أصيلة كانت البدايات صعبة جدا، لم تكن كل الحاجات المطلوبة متوفرة كما هي عليه الآن بورشتكم هذه بالبحرين، كنا نمشي إلي البئر لأخذ الماء والإضاءة كانت معدومة لأن وقت العمل يبدأ منذ الصباح لحد العصر ويتوقف العمل ليلا بسبب عدم توافر الضوء وكنا نسكن في الطابق العلوي للقصر وعلي الجانب بالأسفل كانت الورش بعكس ما هو حاصل الآن، الفنانون بحاجة إلي فندق بسيط وليكن في وسط المنامة بالسوق القديم مثلا حتى تكون المسافة الواقعة بين السكن والورشة قريبة للتغلب علي هذا المشوار، مشوار الذهاب والمجيء الطويل، يعني أن ما هو متوافر عندكم كان في أصيلة معدوما، إلا أن الناس والفنانين استمروا وواصلوا العمل فيه، وسنة بعد سنة نجح الموسم، في العام الثاني علي التأسيس كان من أجمل المواسم التي عشتها ورأيتها لأن الفنانين الذين مرّوا في تلك السنة كانوا من أرقي وأفضل الفنانين، من أسبانيا وفرنسا ومن البلاد العربية أيضا، بالنسبة لهذا الملتقي الفتي وللقائمين عليه أقول (وّلوا بالكم شوية) اشتغلوا دوما دون راحة، الراحة لا تنتج شيئا أبدا.
البحرين - أصيلة من أجمل الأشياء حقيقة التي سمعت عنها وحيث أعيشها حاليا، الفكرة رائعة في حد ذاتها، عموما بالرجوع إلي الوراء قليلا يمكنني القول أن الفكرة لدي محمد بن عيسي التي تحدثنا فيها وعنها منذ زمان حيث كان يفكر في أن تكون بلدة كبيرة أو قرية بالغرب يقام علي أرضها مهرجان ثقافي فني فكانت أصيلة.
بهذه المناسبة أيضا تصورت لو كانت هذه الفكرة مجتمعة في كل دول منطقة الخليج العربي والتي أتصور لو يحدث ذلك ليكون المشروع أحلي وأجمل، أقصد تعميم الفعل هذا ونشره علي أكثر من مساحة ومنطقة، لأن بعض المناطق مهيأة مسبقا لذلك، ففي قطر مثلا مشغل للجرافيك معد بأحسن التجهيزات وبقي أكثر من سنتين غير مشغول، ناهيك عن بعض المناطق التي اكتسبت خبرات كبيرة في تنظيم الفعاليات الدولية.


* من خلال تواجدنا في الورشة نلاحظ التركيز علي الأساليب والتقنيات القديمة، إن جاز لنا القول فما تبرير ذلك ؟

الحفر لم يبدأ البارحة أو أمس، الحفر بدأ منذ 1400-1300، وقبلها بدأ بحفر الدروع ونقشها، لكن بالضبط تاريخ بدايته غير معروف، إلاّ أنه كفعل جرافيكي - الحفر - ابتدأ بألمانيا قبل دورر حيث كان ماندين شونجر، الفنانان دورر وفانداندن كانا من أجمل الحفارين خصوصا في طريقة الحفر بالمنقاش والتي تعد من أصعب وأنقي التقنيات المعروفة في عالم الحفر، هي أنقي وأحسن وأنظف من الحفر بواسطة المعدن الذي جاء لاحقا وانتشر بحيث صار الحفارون يمزجون بينه وبين الحفر الجاف والعكس صحيحا.
هيركليز قبل رامبرنت اشتغل بكل التقنيات التي نشتغل بها نحن الآن حتى هذه اللحظة وهو الذي اخترع الفرنيش الطري soft ground والسكر sugar وتلوين المطبوعة والذي يعد أوّل فنان يطبع بالطريقة الملونة، كان يشد القماش ثم يطبع عليه، رامبرنت كان يجمع أعماله، هناك لوحة مشهورة أسمها يعقوب والملائكة اشتراها رامبرانت لما توفي هيركليز ووقتها لم يكن هناك تسجيلا للحقوق، فمن الممكن جدا أن تشتري لوحة لأي فنان وتغير عليها بعض الشيء وتطبعها وتوقعها باسمك، ماذا فعل رامبرنت باللوحة ؟ مسح يعقوب والملائكة وأحل مكانيهما مريم العذراء ويوسف والسيد المسيح علي حمار في رحلة إلي مصر، بقت هذه اللوحة من أهم الأعمال المحفورة لرامبرانت وهو الذي يعد من أعلي قمم فناني الحفر إلي جانب كونه رسام وملون من الطراز الأول وأعمال الحفر التي استخدم فيها الحمض والإبرة الجافة تعد من أجمل الأعمال الفنية التي حصلت في العالم - عالم الحفر علي المعدن، بعد ذلك تطورت التقنية وازدادت أيضا عن طريق الفنان جويا عندما استخدم Aquatint - القلفونة - بطريقة سريعة على خلاف من سبقوه بحيث أنها تميزت بروح الخفة واللطف والجمال فهو استخدم الحفر Etching مع القلفونة Aquatint بتدرجات مختلفة وقد وظّف الظلال من خلال هذه التقنية بصورة رائعة وجذابة، بعد رامبرانت وجويا يدخل بيكاسو الذي يعد من الفنانين الذي اشتغل بكل شيء وفي كل شيء وبصورة رهيبة بمعني أنها عصية علي الوصف ولا تقدر بثمن. تاريخ الفن لم يتغير أبدا إلا عندما دخلت الصورة الفوتوغرافية والأشياء الميكانيكية، في أمريكا واليابان وألمانيا الكثير ممن يشتغلوا بالصورة ويظنوا أن الاشتغال بالصورة أفضل من الفعل المنجز باليد، لماذا ؟ لأن هذا الزمن الذي نعيش - حسب هذا التصور - يتوجب مسايرة حداثته، أنه زمن حديث، مهما كانت الأسباب التي تدعو فرضا لترك القديم - التقليدي - ذهابا إلي الجديد لا أتصور أن قيمتها وجودتها ستصل إلي مثل تلك الأعمال المنجزة باليد وعلي هذا الأساس نحن مازلنا نشتغل باليد وننجز أشياءنا الفنية بالصورة التقليدية القديمة.


* في هذه الورشة أدخلت بعض التقنيات، مثل الحفر علي الكرتون المقوي، هل هذه التقنية تثري أم تعيق، وهل مثل تلك الأمور تطرح عادة في مثل تلك الورش المتخصصة ؟

الكاليجراف.. الشغل علي الكرتون.. الجبس.. المعاجين، بمعني استخدام مواد خارج نطاق نظم وقوانين الحفر علي المعدن التقليدية مثل (لصق قطعة حديد علي المعدن) ابتدأت منذ فترة زمنية عندما أدخلها فنان إسكندنافي - روش نيش - باستخدامه بعضا من قطع الحديد المزخرفة الصغيرة مع المحفورة ويطبعها، أي أن هذه الطريقة ليست وليدة اليوم وليست جديدة، وما جاء من جديد بدأ من أمريكا عن طريق اثنين من الفنانين أريمانو وجان روس الذين ألفا كتابا عن الكاليجراف - والاثنين اشتغلت معهم بمدينة نيويورك، عموما المنظر العام للعمل المطبوع بالكاليجراف دائما يوحي بالتجارية ولا يعطيك الأشياء الدقيقة والناعمة، الأشياء التي تعبر وتغوص في الملامح، لذلك نجد كثيرا من الفنانين لا يشتغلوا بها أو يتعاطوها، ممارستها والاشتغال بها عادة تتركز في المدارس التي تدرس خارج إطار المنهج المدرسي، كما قلت سابقا، الفنانون الكبار لا يقربوا هذا النوع من التقنية. الفنان الأمريكي جيم داين أقام معرضا استخدم خامة المسونايت وغطاها بمادة معجونية بغية الحصول علي ملمس ما ضمن بحثه التقني والغرض من ذلك كله هو المغايرة فقط والخروج علي ما يسمى الكاليجراف، وطبعا الناس اندهشوا واستغربوا من هذه النتيجة التي تبدو بالنسبة إليهم أمرا ربما خارقا لأنهم غير ملمين بما يقوم به هذا الفنان، علما أنه وبكل بساطة لم تأت بالجديد (في التجربة) بقدر ما هي تصب في نفس الاتجاه الأول الذي أشرنا إليه.

* هذا الاغتراب الطويل ماذا أضاف إلي تجربتك الحياتية ؟ وإلي تجربتك الفنية علي وجه الخصوص ؟

حتى لو كنت في السودان وطوال حياتي أبدا سأمارس وأنجز نفس العمل، يعني لن يتغير أسلوبي ويمكن القول أن الإفادة الوحيدة الهامة هي مشاهدتي متاحف كثيرة في أمريكا، لكن العمل الفني مهما ذهبت وزرت وإن وضعت علي سبيل المثال في مكان ما بالتأكيد لن يخرج إلا ما بداخلك كما هو موجود بالضبط، مثال ذلك الفنان الأمريكي جوزيف بريندو الذي كان مساعدا للفنان الشهير مارسيل دوشامب، هذا الرجل لم يخرج من بيته أبدا، لكنه أنتج أعمالا غاية في الجمال والروعة والقوة، كان يصنع صناديق يبدع منها ويبتكر أشكالا فنية متميزة الجمال والرونق، بالضبط كما تتخيل نفسك في معمل، هذا الإنسان لم يخرج ليري الأشياء ربما تؤثر عليه لذلك فضل البقاء بالبيت، والسؤال من أين جاء هذا كله ؟ لم يتأتى إلا من الاستمرارية في العمل ورؤية ما حوله ومعرفة كيفية استخدام المواد المتاحة لديه ولبين يديه، أنا لو كنت في السودان طوال حياتي، أظن أني سأفعل وسأنتج نفس الفعل الإبداعي الذي أنتجه حاليا، إنما الرغبة في السفر والعمل والرؤية وحب الاطلاع هي من قادني إلي ذلك، لأنه عبر الرحلات تشاهد وتتعلم وتتفتح لك آفاق، كذلك احتكاكك بناس آخرين يهب طابعا خاصا، حياتك دائما معك أينما بقيت ووليت، هل لاحظت وفعلت ذلك ؟ لحد المشي للقبر، هذه الحقائب لن تلق بها علي الأرض، بل ستأخذها معك، وهذا الأمر الجميل الذي اعتقده في الشخصية المنفردة، لأنها دائما تحمل حقائبها، وكل ما تنجز من أعمال هي في متناول يديك.

* بعد هذه التجربة الفنية الحافلة بالمنجزات، أين تجد نفسك ؟ في الرسم الزيتي أم في الجرافيك ؟

أنا أقسم وقتي بين ثلاثة أشياء، وقت للعيش متمثلا في التدريس، ووقتان للتلوين والجرافيك، أنا كنت بداية فنانا ملونا أكثر مني فنانا جرافيكيا، لكن في أمريكا وجدت صعوبة في بيع اللوحة الزيتية، لأن ألواني رمادية، رملية باهتة ووقتها كان الفنان ستيلا يستخدم ألوان قوس قزح في لوحاته، كل الناس ترغب في هذا النوع من الألوان، وأنا بطبيعتي ونفسيتي التي جبلت عليها لا تسمح باستخدام مثل تلك الألوان، أو لنقل بعبارة أخري لم أكن مهيئا وقادرا نفسيا علي اقتحام هذه المساحة اللونية الصاخبة، وعليه بدل الاستمرارية في التلوين غيّرت ونحيت صوب الحفر (يث كانت العائلة والالتزامات المادية) ابتدأت اشتغل في مجال فن الحفر والذي عن طريقه وجدتني أبيع بسهولة ويسر، بمعني أنه ليس بسعر اللوحة الزيتية، عموما إذا ما استطعت بيع عملين إلي ثلاثة إلي جانب التدريس، أمورك تمشي بالصورة المستورة.

* من خلال متابعتك لنشاط الفنانين الحفارين بالوطن العربي، وبعد هذه التجربة الطويلة، كيف تنظر إلي هذا الواقع ومستواه ؟

نحن لم نزل في بداية الطريق.. في العتبة الأولي من فن الحفر، فن الحفر كان حاضرا واقعا يمارس عند الأوربيين منذ زمان، منذ فترة طويلة، نحن لم نبدأ بعد إلاّ في ستينات القرن الماضي، فبل الستينات لم أكن أعرف شيئا عن الحفر، سوي الحفر علي العود - الخشب - والحفر Etching هذه لم تدخل ببالي مطلقا، تخرجت من المدرسة وبخلاف اللينوليوم والخشب لم نعلم شيئا ولم أنجز عملا فنيا ذا صلة بهذا النوع من الفن حتى ذهابي إلي إيطاليا عام 1963 وهناك ابتدأت اشتغل Etching واستوعبت تقنية الحفر، بالفعل كان حلما، في البلاد العربية لم تكن الأدوات متوافرة حتى يمارس هذا الفن، لا المكابس ولا المعادن ولا الورق، لا شيء يساعد ويخدم هذا المجال، فتطور فن الحفر في هذا الوقت القصير جدا الممتد منذ ستينات القرن الماضي حتى الآن، يمكن القول إننا خطونا خطوات بديعة، ومسألة موسم وملتقى البحرين وأصيلة تعدان نقاط مهمة جدا في طريق إشعال الحركة هذه، أي حركة الحفر بالدول العربية، أتمني أن تكبر النار وتلتهم ألسنتها العالم كله، أعني نار فن الحفر وانتشاره.

* ورشة الجرافيك بالبحرين وبهذا المستوي، بعد أصيلة المغربية، تري ماذا تعني إليك وأنت الفاعل والحالم دوما بنشر هذا الفن وانتشاره ؟

حركة موسم أصيلة بالنسبة لي حلما، بقائي في نيويورك كانت محض عزلة، لم ألتق بفنانين عرب هناك أبدا، فلما أسس وأقيم موسم أصيلة شعرت بأنها البوابة التي أخرجتني من ذاك السجن الذي قضيت سنين طويلة بداخله، فكان وقع حلم جميل أن ألتقي بفنانين عرب.. أحتك بهم وأري كيف يفكرون، لأننا وببساطة حتى ونحن بالسودان كنا في عزلة، إخواننا المصريون لم يوجهوا لنا دعوات للمشاركة في معارضهم الدولية التي ينظموها، أنا أول مرة عرضت فيها بالقاهرة عام 1994 بمناسبة ترينالي الجرافيك الأول، فلاحظ منذ كم سنة.. إنها فترة طويلة جدا من الغياب والانقطاع وقبل ذلك لم أسمع بأي فنان شارك وعرض هناك، يعني موسم أصيلة هو الشعلة التي أضاءت وفتحت لي الأبواب لي لأطل علي العالم العربي بالتحديد والناس صاروا منذ ذلك التاريخ يعرفون أنه ثمة فنانا حفارا سودانيا اسمه محمد عمر خليل يقيم بأمريكا، كنت أعرض وأشارك بأوربا دائما في الفعاليات العالمية مثل كراكاو والنرويج وإيطاليا... الخ إلاّ أنني لم أشارك أعرض بالدول العربية ولا مرة، المرة الأولي وهي الفاتحة، موسم أصيلة عام 1978، والثانية كانت عام 1992 بالأردن بدارة الفنون ثمّ القاهرة عام 1994.

* هل للسودان - الوطن - حضور في عملك الفني ؟

دائما للسودان حضوره المسيطر في عملي الفني، إنها حقائق وإن متّ سأحمل هذا الوطن معي، ثمة حقائق مليئة بالذكريات وبكل صغيرة وكبيرة ربيت عليها وترعرعت بينها ومازالت حاضرة وبقوة بداخلي مهما طالت المدة وسنوات الغربة، السودان يعني الكيان كله، يصعب الحديث عن السودان بوصفه وطنا وأما، قضيت وطرا من العمر بأمريكا أكثر مما قضيت بالسودان لكن مع ذلك أنا سوداني من الرأس حتى أخمص القدمين، لا أملك القدرة علي تغيير الإحساس والشعور بالانتماء والحب والحنين، ربما يستطيع المرء تغيير الأمور الخارجية وتناسيها، لكن ما بالداخل بالنسبة لي يصعب تغييره وتبديله أو الاستعاضة عنه بشيء آخر، مازلت صلبا تجاه الوطن والفنان بحاجة إلي صلابة حتى يتمكن من الاشتغال في مجال الإبداع بحساسية سليمة وعاطفة.

* إلام تعزي محدودية انتشار فن الجرافيك ؟ (لذي تأمل مثلما تفضلت سابقا بانتشار ناره) وبطء ممارسة هذا الفن للأسف؟

مثلما قلت سابقا إننا ما زلنا في العتبات الأولي، للأستاذ علي عبد الله خليفة كلاما طريفا مفاده أن الناس سمعت بأنه ثمة آلات للحفر، ففكروا أننا سنحفر الأرض بها، القول الصحيح أنه عندما تنظموا معرضا فنيا (لأول) لنتاج الورشة ويأتي الناس والمتابعون ويشاهدوا المنتج سيتعرفوا آلات الطباعة ويعلموا ماذا تعني، سيدخل في عقولهم أن هذه آلات للطباعة، لكن بشكل وبطريقة أخري وأنها ليست لحفر الأرض كما كانت النظرة الأولي لغاية ما تترسخ الفكرة الحقيقية لذلك الفعل لأنها بالمناسبة صعبة الدخول في الرأس، كون هذا المجال عملي وليس نظريا، علي الجمهور أن يشاهد ويتابع النتيجة حتى يتعرف عن قرب ويقتنع بعد ذلك لأن الشرح والجانب النظري هما المعززان للموضوع والفكرة.
إذن أنتم بحاجة إلي عرض نموذج متسلسل للخطوات التي تمرّ بها اللوحة المحفورة بالضبط كما فعل الفنان الصيني صن صن ياب، من المهم جدا أن يري الجمهور المحفورة عمليا.


* من خلال تواجدك بالورشة، رأيتك شغف بالتدريس، تتنقل من فنان - متعلم - إلي آخر تقدم المشورة وتهب التعاليم، ألا تخشي كشف الأسرار، أسرار المهنة كما يراها البعض ؟

ليس هناك فنانان اثنان ينجزان نفس العمل، وأنا منذ درسي الأول كنت أحب إعطاء كل ما أملك من معلومات لأي فنان ولكل طالب علم في هذا المجال، إلا أنه مهما كانت هذه المعلومة كافية شاملة يستحيل علي من استقاها فرضا منك أن يفعل أو يستغل أو يؤدي ما تنجزه بنفس الروح والحساسية، وأنا مثلما بينت سابقا موقفي وإيماني بهذا الفعل والطريق لا أخشى أبدا إعطاء المعلومة لأي فرد كان. وحتى في أمريكا أسال دائما لم تعط وتقدم كل هذه المعلومات التي تعد أسرارا بهذا اليسر والبساطة - تتحول إلي حالة من الاستغراب - باعتبار أن كل فنان يملك تقنية أو معلومة ولو بسيطة تراه يحتفظ بها لنفسه، أنا في حقل التدريس إذا ما شعرت يوما أني غير قادر علي إيصال المعلومة للطالب بأمانة وصدق سأتوقف حالا، يعني أصل لقناعة أنه لا داع للتدريس بعد. نحن هنا بالبحرين، جئنا.. اجتمعنا.. وقطعنا آلاف الأميال، لنتقابل، لنتبادل الأفكار والخبرات والتقنيات، لم نأت بها لغرض حفظها بعيدة عن متناول الآخر، في الوقت الذي يعلم الجميع أن فنانين عطشى ينتظرون تلقي معلومة ما وتقنية جديدة لم يتعرفوا عليها بعد، في الوقت الذي اعتقد أنه ما من تقنية أعرفها هي عصية عليكم وبعيدة منكم أو تجهلوها، إذن كل التقنيات والمعلومات ذات الصلة والعلاقة بفن الجرافيك متاحة لنا جميعا ونعرفها، لكن تختلف طريقة العمل والتوظيف والتنفيذ في العمل الفني، مثلا عندما أراك تعمل بطريقة يمكنني الاستفادة منها لكن يستحيل عليّ استغلالها أو استخدامها بالصورة المطابقة.
بالنسبة لي، تصرف مثل طرح أن هذا سر المهنة لا أراه صائبا أبدا، أية أسرار تلك التي سنخفيها في هذا الكون، وعن من فرضا ً؟ إليك هذا المثال: أحد الفنانين ذات مرة قال لي، أنا الآن استرحت، لأني أعمل وأنفذ كل شيء لوحدي وبمفردي فأجبته من أنت ؟ تشيرينكو الذي لصق الورق، نعم يقول لي وبخفة أيضا أن هذه التقنية لم أتعلمها من أحد، تساءلت مرة أخري عن من تغطي هذا وتخفيه ؟ عن فلان الذي لا يعرف الحفر ؟ أم عني؟ أنا الذي أعرف الحفر، هذا الفلان لا علاقة له بالحفر ولا بالفن، فمن أين لك هذا ؟ لمَ لا تسجل براءة اختراع فرضا ؟ في هذه الأثناء لم يدر ببالي مسألة إخفاء الأسرار والاحتفاظ بها داخل صندوق الأمانة للفنان، دائما أحب أشرح وأعلم وأقدم للناس المعلومة الصحيحة لأن في ذلك تعلم وإفادة أيضا من الآخر تتمثل في طريقة ونوعية السؤال المطروح في أقل تقدير.


* جبار الغضبان متسائلا مرة أخرى: هل مارست أو نفذت أعمالا ليثوغراف ؟

نعم أنجزت عملين فقط في حياتي، لم تعجبني أبدا، الحفر علي المعدن به حاجة ملمسية أكثر وفيه الاتصال، في اليثوغراف ثمة حاجة ميكانيكية بحتة وسطحية، ليس بها عمق ولم أشعر أنها تهب شيئا يشفي غليلي ويكفي فضولي وحب استطلاعي، يعني نادرا ما أري عملا فنيا منفذا بطريقة الليثوغراف وأقول أنه جميل، الوحيد الذي أعجبني عمله فعلا هو الفنان لندرويل، جاسي في جونسن، ووينجنج روث الذي توفي في القرن الماضي وقد اشتريت منه قطعة، وهي أوّل قطعة ليثوغرافية أقتنيها، لأن في عمله الفني إحساس بالظلال لم أرَ أحدا يشتغل مثله بهذا الاتجاه رغم واقعيتها.

* كيف تنظر إلي إدخال بعض التقنيات الحديثة كالديجتل - الرقمية - مع تقنيات الحفر التقليدية المعروفة في القطعة الواحدة ؟

تقنية الديجتال لا تشتغل ولا تتلاءم مع الحفر، بمعني أنها لا تتماشى تماما، لأنها بتصوري صورة فوتوغرافية محضة وفيها الميكانيكية طاغية علي اليد. حديثا الفنان رووه أنتج كتابا فنيا منفذ بأسلوب الفوتوغراف بالطريقة الميكانيكية، بمعني تصوير اللوحة فوتوغرافيا وطبع اللوحة بعدها، في هذه الأثناء أحس ّ ورأى أن ما قام به لا يرتقي ورغبته وليس هو ما يبحث عنه، فراح مغيرا كل معالم ما أنجز واستخدم تقنية السكر والذي بواسطته حصل علي نتائج راقية فكانت من أجمل ما أنتج وأبدع في هذا الحقل،

* قلت للأستاذ محمد عمر مقاطعا ً، الحاصل حاليا أن بعض الفنانين في وقتنا الحاضر يستخرجون العمل مطبوعا من آلة الطباعة علي ورق الطباعة الخاص (لآرش مثلا) إما أن يوقع كعمل مستقل قائم بذاته أو أنه يضاف إلي تقنيات الحفر التقليدية.. ما رأيك في مثل ذلك ؟

قال كل ذلك يبقي صناعيا بحتا وليس به إحساس اليد، أي انه ميت لا روح فيه والكثير من الفنانين بأمريكا يشتغلون بهذا الاتجاه لكن في الفترة الأخيرة تناقص عددهم لأن إمكانية اقتناء اللوحة ذات هذا الاتجاه ضعفت وتقلصت رغم قلتها أيضا، وعندما تطغي الميكانيكية علي اليد تفقد اللوحة الروح وكل الناس في هذه الحالة يشبهوا بعضهم البعض لأن الآلة لا تفرق بين فرد وآخر، الآلة مبرمجة سلفا لا تختلف وتتغير إلاّ إذا أدخلت يدك، شاهدت معرضا بمتحف بروكلن بنيويورك، أقيم خصيصا للمطبوعة الرقمية- الديجتال - أسموه Digital Print Making ولم يكن بهذا المعرض من الأعمال المنفذة بطريقة Print Making إلاّ لوحة واحدة، وكنت وقتها علي معرفة بالمرأة المنظمة لهذا المعرض فقلت لها أن ما تقومون به هذا لا يصب في خدمة مشروعك بل ربما أضر واثرّ علي ذلك وكونك ذات مكانة وتتمتعين بسمعة مرموقة فالرجاء عدم تسمية هذا المعرض ب Digital Print Making وقتها كانت في شك من أمرها بخصوص هذا الموضوع، إلاّ أن رئيسها أصر علي التسمية والإقامة فكانت النتيجة معرضا بائسا، لم يحالفه النجاح، بل وكتب عنه بصورة سلبية، بعدها لم نر له علي أثر يذكر، أي توقف ولم تنظم معارض لهذا النوع من الأعمال

* ما الرؤى التي يمكن طرحها للنهوض بهذا الفن ونشره بالوطن العربي مثلا ؟

نتمنى أن الناس يشتغلوا ويفهموا العمل وأن يعمل الفنانون علي نشره وألاّ نركن نحن معشر الفنانين في مرا سمنا دون أن يعرف الفنان والمتابع والمهتم بما يدور ويحدث في هذا المجال، إذا بقي هذا الفن بكل تبعاته حبيس المراسم وبقينا نحن معه أيضا سيظل كالفقاعة، بمعني أن المسئولين والفنانين الجميع يتحمل مسئولية نشر هذا الفن والذي يتوجب إخراجه للجمهور حتى يطلع علي كل ما هو جديد من منجز ومن تقنيات، أتصور أن هذا الأمر بحاجة إلي مجهود مضاعف يبذل في هذا الاتجاه.
ربما يلاقي الفنان في البلاد العربية صعوبة تكمن في تسويق اللوحة المطبوعة بحجة تعدد النسخ، وهذا بدوره عامل مؤثر في مسألة الاقتناء.


* قلت هل هذا الأمر ينسحب علي أمريكا وأوربا مثلا ؟

اسم الفنان له دور في وسعر الطبعة أيضا يلعبان دورا في تحديد قيمة الطبعة وانتشارها، الكثير من الفنانين الكبار بأمريكا يعتمدوا علي العمل المطبوع لأنهم يبيعوا كميات من النسخ أكبر من اللوحة الزيتية الفريدة مثلا والذي يمكن اعتبار هذا مصروف جيب ومعلوم أنها تدر عليهم دخلا ليس سهلا أبدا، فالمقتني فرضا بدل أن يشتري لوحة زيتية بمبلغ 200000 ألف دولار أمريكي يمكنه شراء لوحة بمبلغ 4000 دولار وبهذه المناسبة لا أحد يطبع مائة طبعة من العمل من الفنانين الكبار، يتوقفوا عند حد الخمس وعشرين نسخة فقط، أما طباعة مائة نسخة من العمل تعني أنها تجارية جدا، فالفنان كلما قلّل من عدد النسخ (من 12 إلي 25) نسخة كلما ارتفع سعر النسخة الواحدة وزادت قيمتها الفنية أيضا، في أوربا جرت العادة عند الفنانين الحفارين طباعة مائة نسخة من العمل الفني الواحد، مثلما هو عند الفنان منير الإسلام وتكون أسعار الطبعة بحدود 400 دولار وهي تعد غالية نسبيا قياسا بالحجم المطبوع، أنا شخصيا أطبع خمس وعشرين نسخة فقط، في أمريكا يصل سعر الطبعة الواحدة بالنسبة للفنانين الكبار المشهورين إلي 1700 دولار، لأن سعر اللوحة الزيتية مثلا - غير المطبوعة - يكون سعرها من نصف مليون إلي مليون دولار، وهذا هو الفرق والمفارقة بيننا وبينهم فقط.

* بين أمريكا وأصيلة أين يكون محمد عمر خليل ؟

قال ضاحكا في المشرق: مدت البقاء بأمريكا طالت فعلا، عندما ذهبت إلي أمريكا كنت مقرر البقاء لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات، لكن وجدت الأمور تعقدت، جاء الأولاد وحلّت معهم الالتزامات اليومية، رتم الحياة تغير، تغير كل شيء، السرعة.. البطء، سرعة الحياة الغير ملحوظة أبدا، وإذا بها تصبح في غمضة ليل وضحاها خمسة وثلاثون سنة تمضي من العمر كلمحة برق، ربما تكون غير محسوسة، لكن أنا أفكر حاليا في الذهاب والاستقرار إما في المغرب أو ببلد عربي آخر إما بباريس، لكن بالطبع لن تكون هذه المرة أمريكا لأنها تغيرت كثيرا خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خلال هاتين السنتين القادمتين أتمني أن تتحسن الأمور وتسير بالسلاسة التي أخطط لها. هل العمل الفني يعتمد علي التقنية فقط ؟
كل شيء تعمله وتجهل تقنيته يعني عدم إتقانه وربما السيطرة علي مفرداتها والتقنية هي وسيلة الدخول للعمل الفني، فإذا ما طغت التقنية علي العمل الفني ذاته تبقي المشكلة قائمة والعكس صحيح بالنسبة لنقصانها، الاثنان يمشيان مع بعضهم بتوازن مشترك، معرفة التقنية وتوظيفها بالصورة الملائمة في العمل الفني بحيث تتمشي ووظيفتها وحاجة العمل الفني لها، يعني النجاح بتقديري.
أستاذنا الكريم، هذا سؤال ربما يشوبه شيء من الحرج، لكن لابد من طرحه والإجابة عليه بكل صراحة ودون مجاملة، كيف وجدت حال ممارسة فن الجرافيك بالبحرين ولديك فكرة علي ما أنجزه بعض الفنانين وأنت الآن بيننا بالبحرين.
أنا دائما عندما أكون في الفصل الدراسي أشجع كل الطلبة دون استثناء وأقول لا تفكروا في أي شيء بخلاف ما تفعلوه ومهما كانت النتيجة يجب أن نستمر في العمل، يعني مسألة مستوي العمل لا تهمني أبدا، المهم بالنسبة لي أن الفنانين يقبلوا علي ممارسة فن الحفر ويشتغلوا دون توقف، ولحسن الحظ رأيت هنا بالبحرين أن الفنانين لديهم الرغبة في تعلم هذا الفن وهذا ما لم ألقه وأراه في بداية العمل والتأسيس في موسم أصيلة حقيقة، كثيرون هم الفنانون الذي شاركوا ووجدت اندفاعا فظيعا للعمل والإنتاج من قبلهم، ومهما كانت النتيجة والمستوي ضئيلا وهو علي غير ذلك من الصعوبة بمكان وصفها بالتافهة والضعيفة مثل، حتى الأعمال التي نفذت بطريقة الكرتون - الكولوجراف - كانت بديعة وذات مستوي جميل، لهه قيمتها الفنية كطبعة تفتخر بها ويمكن القول أنه أنجزت بملتقى البحرين - أصيلة الأول، أنا عمري كله لا أجامل في الفن، وإذا ما واجهت وش عملا لا يعجبني أقولها بصراحة دون خشية ومواربة، أقول بصدق أن هذه اللوحة لا تصل للمستوي الذي يستحق أن تعلق علي الحائط، ويمكن القول إنك أنجزت هذا، هي درجة رسالة بالتحديد، لكن هذه المرة الأولي التي أرى فيها فنانين مقبلين علي ممارسة فن الحفر بهذا الحماس والشغف ويظهروا بهذا المستوى اللائق، (نهم زي العفاريت) وهذا كلام خارج المجاملة تماما، لقد قلت لجبار الغضبان أن أعماله القديمة هي القديمة والجديدة هي امتداد لها، أي أن للغضبان طابعه الخاص الذي تميز به.


* بمناسبة الزمن.. التاريخ كيف تنظر إليه ؟

ما كل ما كتب تاريخا أو صحيحا، التاريخ مليء بالأخطاء والتزويرات، لأن من كتب ما كتب ضد فنانين عالميين ومشهورين لهم حضورهم المتميز ومكانتهم الفنية الرفيعة، اتضح بعد ذلك أنه كذب وافتراء، فقط أعطوا الناس صورة عن وجوههم الحقيقية وعدم فهمهم للفن، وأشهر القصص ما حدث بين ويسلا وروسكن، روسكن كان يفضل الفنان تيرنر علي ويسلا، والقطعة الفنية المشهورة - اللوحة التي جرتهم للمحكمة - هي لوحة للفنان ويسل الذي أنجزها في فترة قصيرة لا تتجاوز يمكن الساعات أو اليومين أو الثلاثة أيام وطلب مبلغا طائلا نظير هذه اللوحة، يبدو أن روسكن اشمأز من هذا المبلغ الطائل ورأي فيه مبالغة فكتب نقدا لاذعا ضد ويسلا، الذي بدوره راح رافعا دعوى قضائية، كلفته أموالا طائلة إلاّ أنه في نهاية المطاف كسب الحكم، ولما سئل عن أسباب هذا السعر الكبير الذي وضعه نظير اللوحة، قال: إنها حياة أنا عشتها .. إنها تجربة حياة وليست مسألة ساعات أو أيام معدودة صرفت في إنجاز هذا العمل الفني، أخيرا أثبن التاريخ أن ويسلا من أهم وأكبر الفنانين في العالم وأن روسكن لا يفقه شيئا في الفن.
بهذه المناسبة وعن النقد أيضا يمكننا القول أنه ليس لدينا نقد ولا في أمريكا كذلك، هناك بشرا تعرفهم ويعرفوك، يكتبون عنك بصورة حسنة وجيدة وآخرين لا تعرفهم ولا علاقة تربطك بهم، لا يعرفوا أية شيء عنك ولا عن أعمالك وبالتالي لن يكتبوا عنك كلمة، إذن فالنقد بالنسبة لي غير موجود لا هنا ولا في أمريكا ولا في أي مكان آخر، في أمريكا مثلا إذا لم يهد الفنان الناقد لوحة لا يكتب شيئا، إذن أين النقد ؟ صارت الكتابة النقدية تساوي المبلغ المدفوع، أنا كتبت عني وعن أعمالي مقالات عدة وجميلة ورائعة من ناس عرفوني وعرفوا أعمالي وأنا أعتز بها وافتخر جدا جدا، لكن هي ليست نقدا بالصورة الحقيقية وربما تحمل نوعا من المبالغة تجاهي، النقد حقل صعب جدا يحتاج إلي الصراحة والصدق الخالصين، إلي الصراحة مع الذات لذلك الناس يخشون الكتابة الصادقة .


* بعيدا عن النقد .. نحن نعيش حدث ملتقى البحرين - أصيلة وأنا علي يقين بأنك فرح بهذا، تحمل حقيبة مليئة بهم نشر فن الجرافيك في كل بقاع العالم سيما الوطن العربي: ماذا تقول للفنانين وللمتابعين وللقائمين علي هذا الملتقي ؟

أن ينظروا أين كانت أصيلة في الماضي وأين هي الآن، لو أحدهم سألني قبل ذلك هل الفن يغير المجتمع لقلت أن هذا كلام فاض وبلا معني، لكن لمست ورأيت بعيني ما قبل وما بعد 1978 أعني منذ تأسيس موسم أصيلة فتحت نافذة لا تقفل.
البحرين هي البوابة الأخرى.. من الغرب إلي الشرق، أتمني أنها تستمر مثل هذه الفعاليات والمشاريع ليس في البحرين فقط، بل تمتد لدول الخليج العربي وعلي المسئولين أن يطيلوا البال ويبذلوا المجهود الشخصي إلي جانب المال لغرض استمرار هذا المشروع، حتى تصل أفكاره وأهدافه إلي الناس ويستوعبوا أن ثمة حركة جديدة بمعطيات جديدة موجودة بشكل ما وعلي الجميع العمل باتجاه بقائها واستمراريتها لأن في ذلك خير للفن والفنانين والمتابعين الذي هو خير للبلد.


الفنان السوداني مقيم في أمريكا منذ ثلاثين عاما وهو من مواليد 1936
درس الفن في السودان وإيطاليا- فلورنس ودرّس في جامعة نيويورك وجامعة كولومبيا
ساهم في العديد من المعارض الدولية وحصل علي العديد من الجوائز الدولية


نقلا عن جهة الشعر على الرابط التالي:
https://www.jehat.com/ar/default.asp?act ... le&ID=8513
أضف رد جديد