اٍختفــــاء: حكــايات الزمـــن المــوات

Forum Démocratique
- Democratic Forum
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

اٍختفــــاء: حكــايات الزمـــن المــوات

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

نقطـــة نظــام

ثمــة لحظات ، تأبى أن تغادر رصيف الذاكرة .. و تظل تطل بين الفينة و الأخرى .. لا هي هاجس..لا هي كابوس..لا هي حلم .. و لكنها معنا .. أو مع البعض منا .. و من تلك اللحظات .. تأريخ وقائع هذى الحكاوي ..
و كما يقــول أهلنا " الموت هو الكأس الدائم " الذي لابد أن يشرب منه الإنسان في لحظة ما .. و هو الحقيقة الكبرى في حياة الإنســان ..
و لكن .. !
هنالك الإختــفاء أيضــا..
و مهما تطابقت الحكاوي (هنا) .. مع الأحداث ..الأسماء..و الأماكن ، تظل هذى الحكاوي محض خيال..
و ربما ، تكون مرارة الوقائع في الواقع .. أعمق و أبعد من حدود الخيال..
و في مجمل الأمر .. هذى الحكاوي شــهادة ضد زمن ما .. و لحظة ما .. و تأريخ قريب .. مهما حاولنا التهرب منه .. كان هنالك قابع ..يطالعنا بوجهه القبيح القوي الملامح ..
أما أمانتها و صدقيتها .. فهي متروكة لتقدير القارئ/ القارئة ..

محمد النور كبر
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

الإهــــداء:


الي روح..
محمد عبد اللـه جرناس
و عصمت..
ويوسف..

وآخرين كثر..
طـوتهم تفاصيل الزمـن الموات بحزنها ورعبها

م . النـــــور. ك
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

الاسطــــــورة

تنحـنحتْ المرأة العجـوز، لتزيل البلغم من حنجـرتها.. و تفتح دروب الكــــلام...لتحدث حفيدتها
" تســاقطتْ أســناني ، لذا آكل السمسم المسحـــون.. و أحمد الاله.. انه جعل ســر الحـياة في الماء.. ولا يحتاج المـاء الى أســنان.. و كما تقـول جـدتي الكبرى .. أشتهر جدنا الأكبر بزراعة السمسم ..لأن فيه الطعام لنا و لأنعامنا.. و الزيت .. والشــفاء.."

ثـم هشتْ غشاوة عن رؤيتها.. و انسابت تواصل..

" احدثك الليـلة ، يا بنيتي ، عن خصــومة الأبنوسة و شجــرة الهجليج.. فلقد كانت الأشــجار تتكلم و تحاور بعضها البعض و هي فرحة .. تعلم أغصانها الصغيرة رقصــة الحياة و البهجة و السرور.. و كانت شجرة الهجليج تتميز بالرقة و لدانة القــوام .. و حسدتها الأبنوسة على ذلك الجمال.. فصارت هذه الأخيرة مهمومة .. الى أن جاءتها الحية الرقيطــاء .. و كانت الحيــة ، هي الأخرى امرأة جميلة .. و لكن تغلغل الغل في قلبها .. فسخطها الاله .. و صارت تزحف على بطنها..
قالت الحية الرقيطاء للأبنوسة : لا عليك .. فاٍن قبلت صداقتي و خوتي الحقة..سنعمل مع بعضنا البعض..
فقالت الأبنوسة: لا خصومة لي مع أحد .. و لكن يضايقني و يحزنني قوام شجرة الهجليج و ساقها الأملس الناعم..
تبسـّـمتْ الحيـّة الرقيطاء .. و قالت : اٍن أذنت لي .. ســـأجعل ساقها أشــوه .. و سأبدل ملوسته حرشة .. و لن تستطيع الرقص بمهارة .. أو حتى التباهي بعودها الجميل..
قالت الأبنوسة : و كيف يكون ذلك؟
قالت الحية الرقيطاء : ســألدغها .. و سمي كفيل بأن يفعل فيها الفعائل..
و أتفقتا على ذلك..
و تحركت الحية الرقيطاء تزحف و هي تودع الأبنوسة .. بعد أن طمأنتها بأنها ستفعل ذلك في جنح اللـيلة القادمة..
قاطعت الحفيدة جدتها و هي تسأل : و لماذا تفعل ذلك في الظلام؟
قالت الجدة : لا تقاطعيني .. و لكن حسنا .. تقول جدتي الكبرى..الليل غطى الجبال.. و في الظلام تنمو كثيرا من الأشياء القبيحة..التي تختشي من الضوء.. وكان الليل مثله و مثل كافة الخلائق يحسد الضــوء .. وصــار يخاصم الشمس .. ويغطي وجهها حتى لا تسكب الضياء..و لكن الشمس لم تعرف الحقد.. فألهمها الاله حيلة.. و حينما تحدثت الى الليــل ، تسأله لماذا يغطي ضؤها و يحجيه.. قال اللـيل: حتى تنمو بيقية الأشــياء !!
فتبسمت الشمس .. في الواقع ضحكت الشمس ضحكة كبيرة.. فتناثرت أسنانها على جسد الليل .. فكانت النجوم و الأقمــار..و أخرست الليــل و غلبته بالحيلة.. فمهما طال مقام الليل ، ستظل النجوم و الأقمار تضئ .. و لن تنعدم الضياء في الحيــاة..!!
و لكن دعيني أكمل لك حكاية الأبنوسة وشجرة الهجليج..
جاءت الحية الرقيطاء في ميقاتها.. و عدت على الأبنوسة و قالت لها : اليوم موعدنا يا خيتي.. و لكن قبل أن أذهب الى شجرة الهجليج لألدغها.. أرجوك أن تعاهديني على شــئ..!
قالت الأبنوسة : سأفعل لك أي شئ..!
قالت الحية الرقيطاء : أجعلي من براعمك الصغيرة أشواكا اتوخذ أقدام المشاة الحفاة.. حتى يسيل الدم..فالدم هو سر حياتي و فرحي..
ترددت الأينوسة عن تنفيذ هذه الطلب المرهق..
و عرفت الحية الرقيطاء ما بدواخل الأبنوسة.. فقالت ، تذكرها،: غدا عند الفجر سيهب النسيم.. و سترقص شجرة الهجليج بصورة أفضل منك..!!
فقالت الأبنوسة و هي مهمومة : سأجعل من براعمي أشواكا..
ففرحت الحية الرقيطاء و قالت لها : سيكون حلفنا هو الأقوى..
ثم مضت..
لدغت الحية الرقيطاء شجرة الهجليج.. دون أن تراها هذه الأخيرة.. فتفطر جسدها .. و اصبح الأملس أحرشا..و غمق لونه و تكدر .. و نمت لها الأشواك .. و كل ذلك بفعل ســم الحية الرقيطاء.. و مرت بالقرب منها طفلة في مثل ســنك، كانت تريد أن تداعب أغصانها اللدنة..فوخذتها الأشواك..و عندها بكت شجرة الهجليج.. و قالت تناجي الآله.. خذ روحي ، فلا أريد أن أؤذي أي كائن كان..!
فقال لها الآله : سأمنحك بركة ..!
فصارت شجرة الهجليج تثمر ثمرة حلوة.. في ظاهرها غذاء للناس و الأنعام .. و دواء لضغط الدم .. و في وسطها جزء حلو يذهب بآلام البطن..و في جوفها جنين يصلح لصناعة الزيت نعمل منه الطعام و نعالج به داء السكر في أجسامنا .. و من عودها الأحرش .. نأخذ اللحاء ..لنغسل ملابسنا .. و أحزاننا..حتى اصير نظيفة..!!
أما أشواكها .. فتأكلها الابل و الأبقار و الأغنام ، لتدر علينا لبنا كثيرا .. و حينما تكبر البنات .. تأخذ أشواك شجرة الهجليج .. لترسم وشما على شفاههن السفــلى.. فتغدو نضرة داكنة جميلة ..تسر الفرسان..!
و كانت شجرة الهجليج فرحانة و هي تهب كل تلك العطايا بفخر وسرور..
أما الأبنوسة فلم تشعر بالسعادة قط..لأنها .. حينما أستجابت لقول الحية الرقيطاء .. نمت لها الشواك القوية ..لتوخذ العابرين من الكائنات الأخرى.. و صار قلبها أسود داكن من الحسد و الغــل..و لم تستطع الرقص بعد ذلك اليوم..
صمتت المرأة العجوز..
ثـــم ، قالت مستدركة..
أملئ عيونك و روحك بالضــوء يا بنيتي..و تأكدي أن الضــوء هو سر الحياة الجميل..و مهما تكاثفت ظلمة الليل و طالت .. فان النجوم تكمل عمل الشمس و تضئ لنا الحياة ..!
ثم ..صمتت.


نواصــل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

تفســــــــــــــــــــــــيح
1.

عــدتُ من العاصمة .. بالرغم من خطابات اٍنتصــار العديدة ، التي كانت تؤكد لي.. أن حضــوري غير مرغوب فيه.. و لكن ..!
كانت بي رغبة جارفة للإ قتراب بأكبر قدر ممكن .. أو ربما كانت الأمور فعلا تحتاج قربي..
في مدخل المدينة .. كانت الأشجار صامته..صمتها يثير كوامن الرعب.. ليتفجر توجسا روي..أما الجبال.. فكنت أحس بدمعها يتحدر حارا..مملوءا بتلافيف الحكايا الأســرار..!!

قابلتني ثلة من الأصدقاء .. في موقف البصات القادمة من العاصمة.. و كانت المدينة قد أستطابت عزلتها.. و توافقت مع قوانين طوارئها الخاصة..و لم تكن الناس تحتاج كثيرا .. لتعلم عن مبدأ تجزئة تطبيق القوانين..فكل المدن الأخرى ، كانت تنعم بالهدوء و صيرورة الأشياء العادية..و لكن مدينتنا دمغت بصفة مستولدة اسمها ..منطقة التماس .. و هي منطقة عسكرية..

سلمت عليهم جميعا.. و أحتضنت انتصــار بلهفة السنين الجموحــة..
و همست هي ..تقــول.. عليك أن تتعلم جيدا صياغة الأسئلة بصورتها الصحيحة..و الأهم من ذلك أن تتخيّر الزمــن الصحيح لاٍلقــائها..
ضحكت أنا .. و قلت لها: أنا متصالح مع كل أســئلتي .. خصوصا الكبرى منها ..!


حينما وصلنا الحــي .. أخذتني انتصـار الى منزلهم..بعد أن عرّجت بي على أمـي و أبــي.. و أختي وفــاء.. لأحيّيهم تحية مقتضبة.. لا تليق بزمن غيابي الطويل..
جلسنا في داخل غرفة انتصــار ، المرتّبة بعناية و زوق فنّان..
وضعت هي الموسيقى.. و كنّا نتأمل بعضنا البعض بدهشة عطشــى .. و اٍن كان الزمن لا يسمح بسرد تفاصيل الأشواق كلها..
في لحظة مـا .. أحتضنتني اٍنتصــار بقوة .. و بكّتْ..
اٍرتبكت أنا .. و لم أكن أدري بالضبط ماذا أفعل.. و مطلقا لم أكن أحتاج أن أرى اٍنتصــار باكية..على الأقل في مثل هذا الوقت ذي التعاريج الكثّيفة..
قالت ، وهي تكفكف دموعها ،: المأساة تكمن في أننا نحتاج أن نمارس البكاء بسريّة تامة..لأننا يجب ألأ تشـي وجوهنا بملامح الاٍنكسار..
عندها أحسست أنا بالوطن ظلا يستطيل ليبلل عطش الدواخل و جفافها العصيّ..
صمت..
ثــمّ همسّت لها : البكــاء عمق .. و هذا خطل كبير الذيّ يفهم أنّ البكاء علامة الإنكسار ..!
همستْ هي : بي شوق عظيم لك .. و لجسدك .. و نبضك .. و خوفك..أريد أن افتش دواخلك بتؤدة.. أتسكع فيها، كأني أتجول في معرض تشكيل ..يغص باللوحات العميقة المعاني..
أريد أن أقرأ ما تقوله دورة الدم في شرايينك كافه ..!!
قلم أنا مؤكــدا لحلمها ذاك : و هذا ما دعاني للحضور..!
ضحكت اٍنتـصــار بخلاعة .. و قالت : حتى لو وصفوك بالطابور الخامس؟!
قلت : بي قدرة على اٍحتمال أحكام القيمة المسبقة.. و في نظام قيّم الكثيرين ، لا أعدو أن أكون أكثر من عبد مغفل !!
ضحكت اٍنتصــار للمرة الثانية .. وقالت : عبيـــد أولاد الكلب!!
تغدينا .. وشــربنا الشــاي بالنعناع الأخضر..
وعدنا لغرفة اٍنتصــار..
أحكّمت هي اٍغلاق باب الغرفة.. ثــم همستْ لي.. سنرقص الليــلة حتى مطلع الفجر..!
و لكن قبل أن نبدأ الرقص .. أجب على ســؤالي..!
قلت : أســـألي..
قالت : هل تعرف التفســــيح ؟
قلت : التفسيح من الفسحة .. و هي الخروج للنزهة..
و أضـافت هي .. قائلة: و قد تعني هذه النزهة .. الخروج النهائي عن الحياة بكل سخفها .. و ميوعتها التي تضيق من صفاء الأصفـــياء..!!
ثــم .. أدارت صـــوت الموسيقى عاليا..
و كنّا نرقص .. نرقص بجنون..
و كلّما أقترّبت منها .. تذكر لي اٍسم أو اٍسمين .. من أسماء الذين تمّ تفسيحهم.. و زمان التفسيح.. و مكان التفسيح.. و من قام به ..!!
و لم أكن أنا .. أحتاج للتوقف عن الرقص..
كنت بي فضــول ..لأسمع المزيد..
وكانت هي ترقص بفرح حقيقي..
قلت : وماذا عليّ أن أفعل؟
قالت: مكانك شــاغر .. و ثق بأنّه لن تتاح لك السانحة للتحدّث الى أيّ اٍنسان.. فقط اٍنتصــار ..!
قلت : أريّد أن أعرف عن تفاصيل عديدة..!
قالت : ستعرف كلّ شــئ .. فقط عليّك بالرقص معيّ..!
قلت : هلّ سنكتب كتابنا؟
قالت : كتب كتلبنا بدم الغائبين..و لا أحتاج أنا لمثل هــذه الشكليّات و الرسميّات الفارغة..لي القدرة على التواصــل معك على هذه الهيّئة..فلا تخفْ يا حبيبي .. فقط .. لا أستطيع أن أنجب لك طفلا في هذا الزمن الموّات.. و هيّئ نفسك .. أنْ ترى مشهد اٍغتصـــابي أمامك..ووقتها .. تماسك.. فقط تماسك ..!!
وواصــلنا الرقص..
كنت أمدد سـاحات خيّالي لأحتوي وجهها الخرافيّ..و أتماهى فيه صــورة من الســـرّمد .. لا أبغى أكثر منها ولا أقل..
و كانت هي تحتويني .. و تنثرني ســلال من الضــوء المجنّح في أنكســارات رموشــها الغريبة..
أحسست بها كأرّحب ما يجود به الزمان من آمان عابر..
قلت : أريّد أن أذهب الى خـــور العــفن ..!!
قالت، و كانت قد مــلأتْ عينيها عذوبة و تركيزا و تماسك ، : ربما تتاح لك الفرصة لأن تذهب الى أيّ مكان يخطر ببالك.. و لن تجد أوراق تكتب عليها..أو ترسم فوق سطحها الخالي.. أو حتى أدوات تسجيل أو تصــوير..فقط عليك أن تعتمد على الذاكّرة..تعلّم جيّدا، و منذ اللحظة ، أن تكتب في الذاكّرة.. خاصـة تفاصـيل هذا الزمن الموّات..
أبتلعت ريّقي .. و شعرت بعطش لئيم يخنخقني..
قلت: هل سألتقي ..حجّاج و يوسف و عصمّت؟
قالت : سيأتون اليك غدا، لتلعبوا الوست و الهارّتْ .. و لن تحتاجوا الى لعب الحريقْ..لأنه سيأخذ منكم الزمن..
حــدّقت أنا في سقف الغرفة .. أستشير مــلامحه لكي تهشّ عني جيوش التردد..
و أبتسمتْ اٍنتصــار .. اٍبتســـامة عرضها السموات و الأرض..
داهمتُ صمتي.. و داهمتًها هي .. نزعتُ عنها بلوزتها البنفسجية ، التي أستعّارتْ لون الموجة الشارّدة.. وواجهتُ نهــديها العاريين .. و أنا أتلو تراتــيل الشــهيق ..لجبلين أحتـــويّا ضــعفي و خيّبتي.. و اٍنكســـاري الصفيق. . و تهًنا في مشــــوار الجحيم و نحن نرقص ..!
و كانت الموسيقى أيضــا ترقص.. كانّما قررت أن تمارس لحظــة صمتنا على طريقتها الخاصـة..
شــعرتُ بأشــياء كثيرة تهــدرً في رأســـي..
و بعد أن اتيتها للمرة الرابعــة .. و بنهــم لا يشــبع.. قالتْ: هـــذا يكفي.. اٍنه زاد الإنتـــــماء.. و تأكد أن الــزمن لن يسمح لك بمثله قريبا..فعليك أن تتزوّد جـــيّدا ..!
ضحكتًُ أنا .. و فلتُ لها : يجب أن تكوني مًُتاحة لي بأكــبر قدر ممكن!
صفعتني على وجهــي بقـوة .. ثم قالتْ: لو فكّرت جيّدا في معاني الأشــياء و قيمتها الحقيقية ، فلن تحتاج الى اللحظات الماديّة العابرة..!!
قلتُ :ً ممارسة الحب..هي طقس..ترانيــم..و صــلاة روحـانيـــة..!
قالتْ : و لكن الإكثــار منها .. سيجعلك في مرتبة الهـــوس .. و يصــرفًك عن رؤية كثير من الحقائق. .ثم ألأ يعنيك كثيرا رهْط الغائبين ؟
قلتًُ: أتذكّرهم جيّدا ..
و حاولتًُ أن أهشّ طيف دمعــة مــا...!
قالت: ألا تحزن عليهم؟
قلتًُ: أحزن عليهم كثيرا .. و يا .. ليتني كنت أملكُ معانقــة أيّ منهم في لحظاته الأخيرة..!

و أيضــا .. حاولتً أن أهشّ طيف الدمعــــة اٍيّاها..!

صمتتْ هي برهـة ..
وقالتُ: اٍذن .. فلنؤجل كل أفراحنا الصغــيرة اٍكراما لهم..!!
شعرنا بالتعب.. و كانت الساعة تشير الى الثانية صباحا..
قالت اٍنتصـــار: ستنام الآن..

أطفأتْ النور .. و أحكّمتْ الغطــاء حـــولي.. و قبلّتني على خــدي الأيســـر ..
ثم .. قالتُ : .. تصبح على فـرح .. و اٍيّاك أن تنام حتى الضًحى ..فسوف تفوتك أشياء كثيرة..!
ثمّ..همستْ: هل تفتقــد أمك؟
قلتًُ: .. أشتاقها .. و أشتاق كسرتها.. و ملاحها .. و قهــــوتها..!!
قالتْ اٍنتصــــار: تصبح على وطــــــــــــــن..!
و خرجتْ..

لم تكن بي رغبــة في النـــوم.. و ظللتًُ أرددً أسماء الغائبين.. و المواقع.. و حاولتًُ جاهدا أن أرسم تصــور أمثل للأشـــياء..أرجعتُ اٍيقاع الزمان دورة كاملة لأتابعهم..فهم لم يذهبوا بين عشــــيّة و ضحاها ..و اٍنما كانت الحوادث متفرقة على مدار الزمن الموّات.. غيابهم ..كان أشبه بالنتــوءات الممتدة على ســاق الزمن..لتؤكد للدنيا.. بأنهم كانوا هنا..و ذهبوا..و لازالو هنـــا..!

نواصــل..


محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

تفســــــــــــــــــــــــيح
2.

عنـــد الفجـــر ، خرجتً.. كنت أعانق الجبال.. البيوت..الطرقات و الدروب ... بتحيات صــامته..و أكلل عيوني بضباب الفجر الذي صنع هالة حــول قمم الجبال... و كنت أحاول اٍغتيـــال الخوف ، بعــد أنفاسي المتضاربة..
في طرف الــحيّ الشـــرقيّ .. تبينتً ملامح شــــبح قادم..و بعد قليل عرفته..لقد كان هــو عصمت..
همس لي: لا تقترب ..لا تعانقني .. فقط عــد الى غرفة اٍنتصــــار.. الى أن أحضــر اليك..
تلفتً أنا.. و لم نكن ســوى نحن الأثنين في قارعة الدرب..
و عــدتًُ الى غرفة اٍنتصــار..
ونمـــتًُ..


****

عند منتصف النهــار ..
صحوتُ على صــوت اٍنتصــار و هي تجلب صينية الفطـــور.. شــربتُ القهـــــوة.. و كانت هي قد أعادت ترتيب الغـرفة بصـــورة أزهــــى..
قلتُ: أريد أن أقــــرأ..!
ضحكتْ هي.. و قالت : هذا ترف لا محل له من الإعراب !!
تجاهلتُ تعريضها.. و قلتُ: أريد أن أقلّب اشــيائي ..كتبي.. أوراقي..لوحاتي التي رسمتها. .
قالت: تفرّقت أشــيائك .. بعضها في القريّة .. و بعضها في كراكير الجبال النائية.. و الآن لا أملك شيئا ســوى هذا الســرير.. و التربيزة و المسجل..
شــعرتُ ً بحزن لإختفـــاء كتبي.. و لكن يبدو أن الزمن لا يسمح بممارسة مثل هذه الأحزان الشفيفة..

عند الثالثة ظهرا.. جاءوا..عصمت و حجاج و يوسف.. و الأغرب أنهم جاؤوا مع بعضهم البعض ، رغم أن الجماعية كانت سًــبة.. و هي كفيلة باٍثارة الشــّك .. خاصة من قبل عفاريت الزمن المــــــوّات .. التي يزعجها كثيرا أن يمشي الناس زرافات .. ولو كانت صغيرة العدد..!!

سلمّت عليهم..

و قال حجّاج: نريد أن نسمع أغنية .. يا اٍنتصــــار ..
أحضرتْ اٍنتصــــار مشروب الليمون .. وأدارت صــوت الموسيقى عاليا.. و كانت تعرف مزاجنا جميعا..
و كان صــوت عبدالعزيز محمد داؤود يصـــدح ..

كيف الحياة ..غير ليمك ..
في بعدك ..
أصبّح حظي ..
زيّ لون هضليمك..
يا نعيم الدنيا ..آهـ..

وقتها، كان يوسف قد فرغ من تجهيز تربيزة اللعب..و بدأنا نلعب الورق..
يوسف و عصمت في فريق.. و أنا و حجّاج في الفريق الآخر..
اٍبتدأ التسميّة .. حجّاج قائلا: تسعة طويلة..!!
و علا صوت الموسيقى .. مبتهجا بهذه الإفتتاحية الصاخبة..
قال يوسف .. بعد برهة: و ما هو الآتوه يا عبيد الشًوم؟!
قال حجاج : الآتوه أســود يا كيشتي ..!
ثـمّ .. أضاف عصمت: لن تستطيع رؤيّة أمّك اٍلا بعد اسبوع.. لأن الأشياء ليست على ما يرام.. و الوقت قد لا يسمح لك بذلك..

ســــيك ..!!
صــرخ حجاج .. و أبتدر مغالطة صــاخبة مع يوسف.. و كان يرقص طربا .. ويغني أغنية خاصة..
النار.. النار من السًـنبهار..!

لم تدم لحظة اٍجتماعنا طويلا .. و كانت الكلمات مقتضبة .. تشرح لي ملامح الموقف..
و أستأذنوا في الذهاب..
كان آخرهم في الخروج من غرفة اٍنتصـــار.. هو عصمت .. الذي همس بثلاثة كلمات..الطبول .. الشموع.. الذاكرة..
وقتها كان حجاج .. قد وصل الى باب الحوش الخارجي.. و عاد كأنما نسى شــئ .. ثم عانقني بحرارة ..كأنه يكتسف وجـــودي لآول مرة..
ثم ضــحك ضحكته الصافية الكبيرة..و قال : أعمل حسابك يا عبد الشــوم من التفســـيح..!!
قال يوسف .. بلهجة محايدة : نعم ..خــــذ و صية حجاج على العين و الرأس..
و خرجـــوا..

نواصــل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

تفســــــــــــــــــــــــيح
3.

كانت الساعة تمام الخامسة مســاءا .. حينما جاءت اٍنتصـــار.. و شعرتُ بالتعب يكلل عينيها بهالات غامضة..
قلتُ: عليك بقليل من النوم..
أشاحت هي عن هذه الفكرة.. وهمستْ : أحيانا كثيرة أحس بأن النهار لا يكفي لمشــاويري..!
قلتُ: يجب أن يقوم شخص آخر بذلك..
قالتْ : معي أمــــــــيرة و بعض البنات.. لكن عددنا قليل..
قلتُ : و هل هناك اٍمكانية أن يزيد العدد .. أو ان أشارك أنا في فعل شيئا ما مثلا؟
قالتْ : قلت لك مكانك شاغر.. و لا يعني ذلك أن تقوم بالمشاوير.. فما ينتظرك ليس بالقليل.. و يحتاج كثيرا من التركيز و صفاء الذهن..
قلتُ : و كيف لي أن التقي بالناس؟
قالت: فقط أبقى مكانك.. و سآتيك انا بما عندهم .. أخذ منك ما يستحقون.. و اٍن خرجت أنا .. فسوف تأتيك امـــــــيرة. . فقط أنا و امــيرة ..و لا أحد سوانا..
قلتُ : متى سأرى أمــــــــــيرة؟
قالتْ : بعد قليل ستجلّب اليك بعض الكوانين.. وعليك أن تقوم باٍصــلاحها..!!
ضحكتًُ أنا .. و قلت : لا علم لي بالحدادة والسمكّرة..!
قالت اٍنتصــار بجديّة أرعبتني : تعلّم.. يجب أن تتعلّم..!
في تلك اللحظة دفعتها .. و رميت بها على السرير ..و قبّلتها.. و سحبت الغطــاء فوقها .. و نامتْ..
كنتُ أجلس على الكرسي.. و أنا أتابع أنفاسها.. تهــدأ .. تضطرب.. تتدافع.. تتقطع.. و أنا أمدد ســاحات خيــالي ، لكي تحتوي و جه اٍنتصـــار و هي نائمــه..!

بعــد برهة من الزمان حضــرتْ أميــرة.. وهي تحمل بعض الكوانين.. و جلســنا في بؤرة فســحة الحوش الواسعة..
قالت لي : لك متسع من الوقت .. لا تطرق طرقا عاليا.. ولا تنجز المهمة بســرعة..تمهّل الي أن أشير اليك بزمن النهاية..!
قلتُ: أريد أن أعرف..!!
قالت أميــرة : عن ماذا مثــلا ؟ ألم تقل لك اٍنتصـــار؟
قلتُ : سمعتُ من اٍنتصــار .. ولكن هنالك بعض الأشـــياء...
قاطعتني متســـاءلة : مثـــلا؟
قلتُ : أريد أن اتســـكّع في المدينة..!
ضحكتْ أميرة .. و قالت : نحن الذين سنتسكّع نيابة عنكم..فهذا هو زمن البنــات يا صديقي..!
قلتُ : و هل ستحدثني اٍنتصــار عن الطبــول .. و الشموع..
و أكملت أميرة قائلة : و الذاكرة..
ثم .. أضافت تنادي شقيق اٍنتصــار ذي الثمانية أعوام ... قائلة : وين البالات و السلوك يا تنقا؟
جاء تنقــا يحمل الأشــياء بســرعة تشـــي عن دقة التنسيق و توزيع الأدوار..
همستً لأميرة..و قلتُ : أحسدكم على هذا الترتيب و التنسيق..!
ضحكتْ و قالتْ : الزمن الموّات كفيل بأن يعلّمك أشياء كثيرة..

ثم أضافت : الشموع هي فكرة عصمت ..لأن الغياب له القدرة على اٍبتلاع الكثيرين.. و كذلك الإختفــاء.. و احدى وسائلنا أن نقيم مهرجان الشموع كنوع من الإحتجاج الصامت .. و سيكون ذلك في احدى الليالي ..لكن قبل ذلك الميعاد.. علينا أن نقوم بأشــياء عديدة..

قلتُ : ربما نحتاج أن نكتب كتاب..و لابد أن نطور قدرتنا علي التوثيق..!
قالت: وهذا بعض مما عليك أن تفعله..فقط تذكّر الوقائع جيّدا.. و يبدو أن العالم لا يؤمن اٍلا بأدلة الإثبات الصلبة.. و عفاريت الزمن الموّات تدرك ذلك جيّدا..
نحن دوما نتحرّك في خطين: الخط الأول أن نعرف أنفسنا.. و الخط الثاني أن نعرفهم هم.. كيف يفكرون..يتنفسون..يشربون..يضاجعون..و ماذا يخافون..و من هنا ستهل علينا أشياء كثيرة..!!

كنا حينها .. قد شــارفنا على اٍنتهاء مهمة اٍصــلاح الكوانين.. و شعرتًُ أن أميرة تريد الذهاب.. و كانت عينيها تشـــع ثقــة و أمانا سيكفي الدنيا و يفيض قليلا..!
قلت ضاحكا : أين هي اٍشــارة النهاية؟
قالت تودعني : اٍذهب لتوقظ اٍنتصــار.. و لا تنســى أن تحدّثك عن الطبــول..!


نواصــل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

هاجـــــــــــــــــــــس
1.
ترنّح نفس الليــل الأوســط ..كانت له كأسات سـكْره الخاصة.. تترعها النسمات المتسللة غلالات من الصمت الملتبس .. و هي تلتحف الدروب..!
وكانت لي اٍنتصـــار.. صهبــاء.. يلتمع جســدها .. بكل تفاصيله المجنونة المرعبة.. ترقص لي.. و يرقص قلبي.. و تمارس جيوش النبض تدافعها نحو الرايات البعيدة ..
كانت اللّمبة الفانوس .. هي الأخرى تمارس شهيقها و طربها الخاص..فتضــئ لي..و تفيض عيوني أحلاما تطاردها سرابات الفراشات الملّونة..
لا أدعي .. أن وجه اٍنتصــار أيضــا يضئ .. و لكني .. لا أستطيع أن أنكر أن به شــئ من ســر الحياة اليانع..!
جلست أنا .. على الأرض .. و دوما ما يحلو لي ذلك.. أعانق الأرض في ممارسة خفيّة للإنتــماء..!
قامت اٍنتصـــار .. و خلعت ثوبها الأسود .. بكل خطوطه الذهبية المفرّحة...و تدلّتْ خصــلاتها و هي توقّع تواقيع الخرز حينما تتراقص.. فتجن الطبول الخفية في شــرايين دمــي و تعاريجها الجوانيّة.. و تسكنني حالات الجذّب المدهشـــة..!
كانت بي رغبــة جامحة لأرقص..و هذا هو الشهر الخامس منذ أن ألتقينا لآخر مرة..!
مــلأتْ كفيّها بوجهي..وثبّتت عيونها المشتعلة صـــبّا و رغبة.. و حلم عصــيّ المعاني..و ســألتني.. هل شــربتْ العرق ليلة البارحـــة؟
أجبتً ، و أنا ضــائع في عيونها حتى النخّــاع،: لم يكن في الوقت .. متســعا لممـارسة البهـــاء ..!
و لكنها قررت أن تواصــل مشوار التســاؤل ، الذي لا يخلو مطلقا من اٍتهامات تتواطأ كثيرا مع اٍدعاء اللامبالاة.. واصلتْ تســألني: هل أتيت اٍحـــداهن؟
و لم تكن بي رغبة على الإجابة..
و لكني جذّبتها .. حتى ترنّحتْ على أوراكي..و قبّلتها بتؤودة..و دعوتها للرقص..وقتها .. كانت عينيها تبدو ليلا اخر..غير ليل الكون الذي نعرفه.. ليل تتناثر فيه أنجم نادرة المــلامح.. ترفل تيها و لمعانا و بريقا صــاخب..!
أدارت هي المسجل البانوسونيك.. و أنسكب نغــم .. يؤكد بأن اخر ما سيبقى في الدنيا هي الموســيقى..!
اٍنتصـــار ظلّت ترقص بحماس.. و كلّما أشتدّ رقصها .. كلمّا أعلن ذلك عن جبــال الإحباط في دواخلها..التي تبعثـّر رســالات الإنكســـار و التعب .. اٍشــارات تتلتقطها خــــــلايا حســـي قاطبة..!
و حينما حاولتً أن أقبّلها .. أشــاحتْ عني بعنف.. وكانت عينيها تمتلئ بنداءات غريبة.. تلتفح شــئ من الزجـرْ..و ا لردّع .. و الرغبــة..!
تأملتها بنهــم..و لا أدري ماذا كانت تقول عينيّ لها..تدافعتْ نبضـاتها..و أنتابها اٍحســاس الرّكض.. و ظلّت تدور بســرعة فائقة ، و هي تمارس رقصــة الكْشــف الشهيرة..تدور .. وتدور كملكة النحــل التي ضـلّت طريقها الى درب الخـــلايا..!
و كانت تقــول.. الرقص .. أكثر ما يجعلني أتحقق من اٍنســـانيتي..و كينونتي..
ذاتي .. يكمن عمقها.. كلّما رقصــتً.. تصـــوّر.. أريد أن أحكي لك بجســـدي ..كلّما عجزت أن أقــولك .. و أقول أشـــيائي فيـــك..!
كانت تلمس بطنها بقدسّية و هي تبتسم .. وتقــول.. من هنا تجــئ الحياة..و من هنا تبدأ الأســرار..!
أندمجتً أنا مع تراتيب النغــم و الريتم الحارّ.. متحققا من كينونة الإتحاد الكبرى..و شــعرتً بهدير جــوانيّ صــاخبْ..تبدتْ مــلامحه و أصبّحت لامعة الى حد اللاتـــوازنْ..!
قلتً: نحن نحكي أفراحنا في رقصــاتْ الحصــّاد.. و الميلاد..و الإنتصــار.. و السمــايـّة ، وســم.. والوسم هــويّة..تحتاج فرح خصــوصيّ يليق بها..!
قالت : فقط.. لو أستطيع تحقيق المعادلة..فالرقص ..هو أجمّل ما يجعلني أقاوم تفاصيل الزمن المـوّات.. الرقص تماسك.. و التماســك ســـمة من سيمات البقــــاء..!
ثـــمْ ســكتتْ برهـة..
أرتمتْ اٍنتصـــار على صــــدري.. و كانت تبكي..تبكي..!
ولآني .. لا أملك أن أهبها الأمان و الحماية الكافية..لم تكن لي القدرة على اٍســـكاتها..!
بكتْ على صـــدري.. و بكيت على صــــدرها..
و خرجنا لجلب العــــــرق...!


****



نواصـــل
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

هاجـــــــــــــــــــــس
2.
الليــــــــــل ، كان يلبس وشــاح التــواطـــؤ بكل قــوة عين..!
و ظللنا نســــــــير بصــمت وفــيّ..و لم أدعوها لممارسة شـــتيمة القمــــر.. لأنها قررتْ .. أن القمــر كائن متعالي.. ومهما بحّت حناجرنا من فعل الشــتيمة .. ســـــــيظّل هــو .. هــو..
لكنها كانت تضــحك .. حينما تعلم أن روّاد الفضــاء الأوائــل قـد تركوا بعّض من خــرائهم على وجــه القمــر..!
ثـــمّ .. تزيّد من ضحكتها و تقول.. الرحمــة على جــدتي..لقد كانت تقتنع تماما بأن الأقمــار و النجـــوم ..هي أســنان الشمّس..!
قلتً : ربّما هي بقايا الضــوء المقــروزة بعناد في وجــه الليّـــــل..!
تهكّمت هي .. و قالت : و الليــــل مــــــــــلاذ العاشــــقين ..!
و اكّملتً أنا : و الليــــل غـطــى الجبـــال .. وتفاصيل الرعب التي تنسجها أيادي العفاريت في الزمن المـوّات..!
و كنــّا نســـــير..
عرّجنا على عثمان الفـــوّال.. و حملنا شــيئا من الطعام .. و كانت المدينة تستطيب الإرتماء في أحضــان جبالها الخمسة..و تمارس نوع من الإرتخاء الحالم..تفعل ذلك في كل مواسمها .. لياليها .. و نهاراتها..
يوما ما.. قالت اٍنتصـــار.. نحن تعلمنا ســر الإحتضان و التمازج الدفاق من ممارسة المدينة و جبالها .. و رفضت أن تقايضها بأي مدينة اخرى..!
أشباح الناس تتماهى في الطراقات .. تتحاشى الإضــاءات الخافتة و تتسلل خلسة .. تأتمن الدروب على الحكايات الصــفاء ..!
لمحّنا اٍمرأة و رجل يســرعان في خطاهما ..
كانت عيوني .. تتلصصهما.. تغوص في بحر من الفضول المترامي الأطراف..
و لم يعجب ذلك اٍنتصـــار .. صفعتني بقوة.. و همست بعدها تقول .. اٍنه الخوف يا حبيبي .. و أتعس اللحظات .. هي تلك التي تكون فيها الناس متهمة في كل شــئ .. في صــفائها.. في حبــها .. في تســــكّعها .. و في خــوفها..
ليتهم عرفوا ..أن التســـكّع فيه شـــئ من تحقيق الذات.. و لو كنت في مكان عفاريت الزمن الموات .. لسمحت للناس بأن تتســكّع.. على الأقل سيشغلهم ذلك عن التفكير في السياسة..!!
قلت : و هل أنا مســئول عن اٍخافة الناس .. و زرع شــتول الخوف الشيطانية في دواخلهم..؟
قالت : حمـــار..!!
أحيانا كثيرة أحس بأنك أكثر تبلدا من عفاريت الزمن الموات في ذات نفسها.. الخوف يا حبيبي له مصادر و منابع عديدة .. و أخطرها ذلك المندفع من جهة من نحبهم !!
قلت : و هل يعني ذلك أن عفاريت الزمن الموات هي ضمن من نحبهم ؟
سكتت اٍنتصــار ... و هي تشرب صمت الليل المخاتل .. كانت في زمن جــواني اخر.. كل ما كانت تبغيه .. أن تصفعني و الســلام .. أو ربما.. أن تتقيأ خــوفها و هي تمارس التســكّع المســروق في صحبتي..!

دخلنا الغرفة..
و كنت أرغب أن احتضــن اٍنتصـــار بقوة.. لكنها كانت تمانع..
جلســـنا..
خلعت هي كل ما كانت تلبسه.. و ظلّت عاريّة تماما..
ثــمّ .. تمتمت .. كأنها تمارس .. صـــلاة ســريّة قديمة.. و قالت : أظنك في يــوم ما .. قد درست الفنون ..ثـمّ بعتها و ذهبت لتدرس القانون ؟
قلت : ليست هي مســـألة بيع.. و اٍنما تكامل .. و كل من درس الفنون .. عليه أن يكمل مشـــواره بدراسة القانون!
قالت : أو ربما .. هي عقدة نفسية .. بأن الدراسة هي جامعة الخرطوم فقط .. و غيرها يدخل في باب النقاص..!
و سكتتْ..
رتلتْ أغنية خفيفة .. دندنة النغم في مداخل حنجرتها .. كانت تضــفي على صمت الغرفة و ليل الكون بعدا من أبعاد الطمأنينة و المحــــبة ..
ثـــمّ .. ســـألتني أن أرسمها .. في الواقع .. امرتني أن أرسمها .. !
ضــحكتً أنا بخبث .. و قلت لها : لا يوجد شـــئ .. بلا مقابل !
قالت : دينـــك .. ودين أهلك ..!
و حاولت أن تصفعني.. لكني تحاشيت صفعتها في الثانية الأخيرة ..
أخرجتً الأوراق البيضــاء .. و ظللتً أرسم مــــلامح اٍنتصـــار بتفاصــيل ممتعة ..
و نحن في لحظــة التوحّـــد تلك .. سمعنا هسيس أقـــــدم آتيه نحــو الغرفة ..
قلت .. هــامســـا : أظـــن أن هناك قادم ..
قالت باســمة : اٍذن قـــم و أفتـــح الباب... يا شـــاطر !
و عقب ذلك .. صـــوت الطرق الخفيف على الباب ..
قلت : من هناك ؟
جـــاءني صــوت نســـائي مكســـور .. أميرة !
واربتً الباب قليلا .. و وقفت بكل جســـدي لأحجبها عن رؤيــة اٍنتصــار .. و قلت .. أهلين أميرة ..
اٍرتمتْ أمـيّرة على صــدري.. و هي تشـــهق بحرقة .. كان صــدري عاريا تماما .. و أنا أرتدي رداء الجينز الداكن المتســخ..
بكّـتْ أمــيّرة على صـــدري لمدة قاربتْ ثلث الســـاعة.. واٍنتصـــار تجلس .. جلستها الملوكية تلك في آخر الغرفة و هي ســـاهمة..!
استندت أمــيّرة على كتفي و هي تدخل الغرفة.. كانت منهكة.. بالية.. و لم تســلم على اٍنتصـــار.. و يبدو أن اٍنتصـــار لم تكن هي الأخرى راغبة في ممارسة طقس الســلام..!
ظلّت أمــيّرة صــامته لحين..
عزمتها على العــرق .. و لكنها أعتذرتْ ..
و عدت أنا لمواصلة الرســم..!
ضـــوء الفانوس .. أعجبه تواطـــؤ الليل.. و حاول هو الآخر أن يمارس التسلل و الخفوتْ..
قلت لإنتصـــار: الرؤية صارت معتمه .. و لا يمكنني مواصــلة الرســم ..
تجاهلتْ هي هذه الإفادة .. و بعد صــمت ما .. قالت .. واصـــل ..!
قلت : كيف لي ؟
قالت : ارسمني .. عليك أن تكمل رســـمي !
ابتسمتْ أميــّرة بســمة شـــــاحبة .. و لم تكن ترغب في الحـــديث ..!
ســكبتً قليلا من العرق في جـــوف الفانوس .. أضـــاء بحماس .. وواصـــلتً الرســـم..

خلّــعتْ أمــيّرة ثــوبها الــورديّ اليانع.. في محاولة منها لإغتيال غـــلالات المـــلل و الإرتباك ..
و حينما شـــعرتْ براحــة من فعلها ذاك .. تكـــلّمتْ..
انفجـــرت شــــرايين الكــــلام فيها.. و هـــذتْ بأشــــياء عــــديدة ..
جمـــلاتها .. كانت تتدافع بصـــورة مزعجـــة .. و لم أتمكن من فهـــم جمــلة مفيّــــــدة ممـــا تقــــول .. !
و ظـــللنا .. أنا و اٍنتصــــار نراقبها و هــي .. تهـــــذى ...
و في لحظـــة مـا .. باغتتنا أمـيّرة بالضحكة الخليعة .. المكــتنزة بقهــقـهات متواصـــلة .. كأنّما أياديّ خفيّــــة تكلكلها تحت نهـــدها الأيســــر ..!
و أدارت المسّــــجل البانوســونك .. و ظـــلّتْ ترقص بعنــــف ..!
و لم تكـــن اٍنتصــــار ترغب في اٍرتــــداء ملابســها قـــط ..!
و بعــد قرابة الســـاعة من الرقص المتواصـــل .. هـــدأت أمــيرة .. أبتلّـــتْ بمطر العرق النضّـــاح .. الذي أذاب سيله الجارف .. كتل التردد و الرعب في دواخلها .. ثـــمّ قالت جمــلة واحدة .. مفيّدة : خرج عصـــمتْ قبل ثـــلاثة أيام و لم يعـــد حتى الآن ..!!

و دونـــما أشـــعر .. وجدت اٍنتصــــار تضـــمني اٍليها بقـــوة .. اجتهدت أن تذيب كل ذاتي في ذاتها.. و هي تحس بصـــورة وحش كاســـر.. تبدت مـــلامحه في الظلمة العتية .. لكي تخلق بعدا آخـــر للظلمة.. أشدّ عتوا و رهبة ..!
ســــكبتً أنا .. ما تبقى من زاجة العرق في جــــوفي.. و لم تكن بي رغبة أن اســـأل أكثر عن عصـــمت ..!
اٍرتدت اٍنتصــــار ملابسها .. وجلســـتْ على الأرض .. و ظلّت تضع رأســــها بين ركبتيها و تبكي ..تبكي بحــــرقة ...!







نواصــــل
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

طـــابـــــــــــــور خــــامــــــس
1.
ظلت المدينة تلوك الاشــاعة بســرية و خيبة..و في صــباح اليوم التالي ..كانت الناس قد لبست غــلالات من الفزع و التردد و الخذلان..
مضــى أسبوع و لم ألتقي اٍنتصــار.. و تحاشيت أنا عن عمــد زيارة خالتي كلتــوم ، والدة عصــمت ، و الهـــدير يأز في رأســـي..
لم تكن هي مجــرد مسألة ســؤال و اٍجابة .. بقــدر ما كانت هي لحظـــة ترقب حارقة..
مـــلأتني أحاسيس متضــاربة..و بت لا أشــعر بحدود الزمن و المكان..
في ظــهيرة الثــلاثاء ، نســيت أن اقول أني اٍلتقيت اٍنتصــار مســاء الخميس ..و هو نفس المســاء الذي جاءتنا فيه أميرة ، كانت خطــاي تمارس رتابتها في شــوارع الســوق.. عبرت مقهــي كازبلانكا .. في طريقي الى مكتبة النهضـــة.. ابتسمت و أنا أقترب من تــوتو كــورو..حســبت أنها فاتحــة خير .. خاصــة الأسطورة التي تسـود المدينة منذ وجودها بأنه هو فاتحة الخير و الســعد ..
قابلتني اٍنتصـــار أمام دكان علي الدنقـــلاوي .. و كانت بالجد مرعــوبة !!
الفــزع قد أقام مهرجانا فــوق تقاســيم وجهها.. ســـحبتني من يــدي ، كما تفعل الأم العجلي مع طفلها ســــاعة الخطر المحدق ، و هي تقـــول ..يللا قـــدامي..!
انســـقت لأمــرها .. و عنـــد مدخل الســـوق الجنـــوبي .. قبالة الطريق القادم من حي كلمو..قبـــلتني بعنف وســـط تلك الظهــــيرة الغــريبة .. ثم قالت .. الى البيت حالا..!
توجهت أنا نحـــو طريق البيت .. و بعــد ثــلاثة خطـــوات .. زعقــت اٍنتـصـــار ، وهي تقـــول ..قف .. عـــد..!
و عــدت اٍليها.. اٍحتضــنتني اٍنتصـــار برعب .. ثم قالت.. و عينيها تغوص في عيني رعبا خرافيا : لأ.. يجب أن تراهــم..!
ســـحبتني ، كانت خطواتها متســارع ، كنيزك عاتي مل صمت الفضاء و خر ســاقطا نحو الأرض..
قالت ، وهي تهرول ،: اٍنها مصــيدة .. و لكن لابد أن تذهب..!
قلت بحياد :الى أين؟
قالت ، دون أن تلتفت،: الى ميدان الحـــــرية..!
كان ميدان الحرية يقبع في الجزء الجنوبي الشــرقي من الســـوق الكبير.. رأيت جمهرة من الناس.. و هي تقف في دائرة عريضـــة في ميدان الحرية ..اقتربنا .. و قبل ان نصــل الدائرة .. قالت اٍنتصــار : لا تدع وجهـــك يفشـــي عن دواخلك .. كن محايدا .. فاٍن تعابير الوجه فضـاحة .. يمكنها أن تقول ما في دواخلك بســهولة..
و لم أجب أنا بأي اٍفادة..
كانت الناس صــامته ..كصمت صــلاة النســاء.. و حرصت كلها أن تستشف وصــية اٍنتصــار و تعمل بها .. كلهم قد لبسوا أثــواب التقاسيم المحايدة .. ووجوههم قررت ، تماما ، ألا تفصــح عن دواخلهم..
كانوا ثــــلاثتهم .. عصـــمت ويوســـف و حجــــاج ..
عصــمت ببنطـــا ل الجيـــنز الأزرق الباهت .. الذي وضـــع فيه ثـــلاث رقعات بها شــعارات لشـــــركات الكوكاكولا .. و النايك .. و الاســبورت.. و يرتدي قميصــه الأحمــر الباهت أيضــا.. و على معصــمه الأيمن ســاعة الســيتزن .. و شــوكاتها تمارس حساب نبض الزمن بتواتر ممل .. كأنما لا يعنيها ما حــدث ..
يوســف .. ببنطـــا له الأســود و قميصــه الأصــفر الفاقع .. و على صـــدره خرزة الودع البيضــاء اليتيمة .. و كان يسميها الشــاهد الأخير للزمــن الموات .. و يحرص بوفاء .. على بقائها في صــدره..!
حجـــاج .. كان يرتدي جــــلابية الدمور البيضــاء .. رفضــا لأن تدنس المنســوجات الغربية الفارهة جســده النحيل .. جــلابيته الوفية كانت أقرب الكائنات اٍليه .. و لكنها اتســخت من بقع دمه المســفوح عبطا و غدر..
كان خيط الدم الرفيـــع ، يســـيل من فـم عصمت .. مضــمخا أغنية لم تكتمل بعــد.. و يروي تراب ميــدان الحــــرية .. ليضــــيف معنــى اخر للحـــرية .. أو ربما أضــافة شـــهادة ضــد هاجس الزمن المــــوات ..!
اٍنتصــــار ، كانت تشـــد زندي بقـــوة ، لتذكرني على ضــرورة التقيد بمظهـــر الحياد في تعابير وجهــي .. و كانت العفاريت تتجـــول .. تبحث عن أي بادرة أو عـــلامة تشــــي عن الاٍستنكار ..التضــامن.. التواطـــؤ.. أو غيرها من الأحاسيس التي يستطيب لها المقام في الوجوه المكدودة في مثل هذه اللحظـــات .. !
مـــلأت عيـــني بمنظرهم .. و كنت أجتهد أن أقـــرأ اخر كلماتهم ..
تراجعت قليـــلا .. و أنتابتني رغبــة في الاٍبتعـــاد عن ميـــدان الحـــرية ..
همســــت اٍنتصــــار .. هل ترغب في أن تصــــلي صـــلاة الحـــرية الآن ؟
و لــم أجـــبها .. و تســـللنا ..
في طريقنا خارج ميدان الحـــرية ، أقترحت علي اٍنتصـــار أن نذهب الى منزلها .. و لكني عــدلت عن ذلك .. فتبعتني هـــي ..
ذهبـــنا الي منزل خالتي كلتــــوم ، والدة عصـــمت .. الحي كان هادئا .. يمارس صمت ملتبس.. كأنما غادره الســكان .. انســـربوا بعيدا ليؤسسوا كل تفاصيل التواطـــؤ و ممالك النسيان ..!
كانت ، خالتي كلتوم ، تجلس على بنبرها الهباب و هي تقلي البن ..
ســلمت عليها .. و ردت هي بثبات ..
لم أكن أدري بالضــبط ماذا يفعل الناس في مثل هذه اللحـــظات .. هل أقرأ الفاتحة على روح عصـــمت ؟ هل أزعق و أنتحب؟ هل أضـــحك بجنـــون؟ هل أتبـــول؟ هل أقبل اٍنتصـــار؟
أنقـــذتني خاتي كلتـــوم من هاتيك الهـلهـــــلات الســــائبة .. و قالت .. لقـــد ذهب .. و كلنا ســـنذهب .. أحس بالرضــــا عنـــه .. و الدرب يا ولـــدي واحـــد ..!!
جلست اٍنتصـــار على الأرض .. بعد ان خذلتها ركبتاها .. و جلست أنا بجانبها ..
ثم قالت خالتي كلتــــوم : مهمـــا كانت الأســـئلة شـــرســة .. و مهما كانت الدنيا لئــــيمة .. فلابد أن تســـأل يا ولـــدي.. و لابد أن تواجه الغش الأبدي بكثرة الســـؤال .. و أن استطعت أن تفعل شـــيئا ، فحتما ستحس بالراحة العميقة .. بغض النظـــر عن فداحة النتائج و الملابسـات ..!
ثم صـــمتتْ ... !
و بعد برهــة قالتْ : اٍنها اٍضـــافة أخرى في دفــــتر الاٍضــافات غير المتناهية في اٍبتذال معنى الحـــرية و ميـــدانها العـــريق.. !
تحـــدثت اٍنتصــــار لأول مرة و قا لت : ليتني أستطيع أن أمحـــو عن كل المدن ميادين
الحرية ..!
قالت خالتي كلتـــوم : ليست المســـألة هي مســـألة محـــو .. المحـــو هو ســـلاح العاجـــزين .. بالعكس .. يجب أن تبقـــى ميادين الحرية .. ليخـــرأ الناس فيها .. و يقيمـــوا فيها اٍحتـــفالات الاٍســـــتقلال و مهـــرجانات عيد المولد.. و نثر جثث الشـــباب عليـــها ..!!
رشـــفت أن فنجـــان القهــــوة .. و شــعرت بالدوار المهلك .. و تقـــــيأت .. تقـــــيأت .. ثم انحـــدرتْ دمعـــة على خـــدي الأيســـر .. و هو منظـــر كثيرا ما يزعج اٍنتصـــار ..التي تســـاءلني دوما عن عدم قدرة عيني اليمنـــى عن سكب الدمع الحقيقي..!
قلت لهــا : فلنذهب..
ودعـــــنا خالتي كلتـــــوم .. و كان الأصـــيل يتهادى بشـــوق نحـــو المغـــربية ..
أنتابتني الحمــــى .. و أنا أتأمـــل الوجـــوه المهـــزومة بجيوش الكــد و التعب.. فالناس في هذه المدينة .. يبدو أنهم لا يرغـــبون في التعبيـــر عن دواخلهم .. و شــعرت أن أهل المدينة قد ماتت فيهم لغـــة الوجـــوه تماما .. !!
دخلنا أنا و اٍنتصــــار في غـــرفتي و أغلقنا الباب .. في محاولة يائسة بحثا عن الحماية ..
لم تكن بي رغبـــة في أن أفـــرغ شـــحنات الهـــزيمة في جســـد اٍنتصــار المنهوك.. و لم تكن هي الأخـــرى ترغب في أن تحتــــويني و تقاتل بدفء صـــدري لئــامة الدنيا الزنيمــة ..!
جلســـنا في لحظـــة صـــمت ..امتـــدتْ من الخامســـة مســــاءا حتـــى الرابعـــة فجـــرا ..!
ثم اســـتأذنت هي في الذهــــاب .. حاولت أن اخـــرج معها .. و لكنها أعترضــت على فكرة خــروجي .. و قالت ، باٍقتضـــاب ،: لا داعي لخروجك ..
قبلتها .. و أحتضــنتها لبرهـــة .. و خــرجتْ..
عـــدت أقابل هــــدوء اللحظـــة التالية .. و لم تكن بي رغبة في النـــوم ..
بعـــد نصـــف ســـاعة ..شـــعرت بطرق خفيف على الباب ..
قلت : من هناك؟
أجابني صـــوتي نســــائي مخنــــوق : عـــرفة ..!
قمت .. فتحت الباب .. و لم تكن عــرفة بالباب .. و اٍنما واجهتني ركـــــلات بوت قـــوية .. اســـقطتني على الأرض.. و قبل أن أنهـــض .. اندفعت عفاريت اللــــيل .. تنتهـــك صـــمت الغـــرفة ..
لم يكن هناك أي حـــوار .. و كانوا خمســـة أشـــباح .. جـــذبوني بشـــدة من ذراعي الأيســـر الى الخارج .. انصعت لاٍشـــاراتهم الملتبسة .. سكبوا شـــيئا من الكيروسين على الغـــرفة و أشـــعلوا فيها النار .. و رموني في ســـيارة التايوتا البيكب .. و بدأت ركـــلاتهم تتبادلني بنهـــم الى غاية اطـــراف المــــدينة .. و عنـــد حـــوافي المـــدينة .. كانت أصـــواتهم واضحـــة تؤدي أنشـــودتهم المقيتة .. عـــاوزنك دقيقة ..!
و لم ينتظـــروا منـــي اٍجـــابة ..
دخلنا مباني الشـــركة الأمريكية ، التي لملمتْ بعض من حــوائجها و غادرت المـــدينة قبل عامين .. تاركة المباني و المكاتب المستباحة ..
قبعت داخل الحجـــرة الضيقة ، و التي يبدو أنها كانت حمــاما في يوم ما .. كانت اٍضـــاءتها خافتــة .. و لكني تبينت العبارات المكتـــوبة بالفحــم و الدم ..
ثـــــــوري يا بلــــد .. ثـــوري..
يا جبــــــال .. ابقي أميـــــنة على الشـــهادة ..
ابقـــــوا عشــــرة على القضــــــية ..
واصـــــلوا النضــــال ..!
درب الحــــق .. درب الأمــــــانة .. واجــــب المســــير ..

تنـــاهتْ ، الي من على البعـــد ، أصـــوات الأنيــــن و الصـــراخ المكتـــوم ..
و من بين تلك الكوابيس .. أطــــل وجـــه اٍنتصـــار باســما بقـــوة ..!


****
نواصل
إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »

بديع يا صديقي كبر
سأعاود الرواح والمجئ إلي هنا
وتسعدني رؤيتك في هذا الفضاء
سلامي
إيمان
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

صديقتي اٍيمان ..حبــابك
سعيد بحضورك هنا..
اذن ..سنكتب معا .. ما تبقى من سيرة الأصدقاء الصفو..
و ما تنقطعي يا صديقة ..
و دمت

كبر
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

صــديقي بله موسى ..حبابك
كتر خيرك على المرور.. و الكلمات الطيبات ..
أحيانا .. اطنطن .. بيني و بين نفسي ..و هل غادر الشعراء من متردم .. لأني كلما تخيلت .. أني اود أن أقول .. أجد القول قد كان هناك .. و هي معادلة كثيرا ما أستكين ..لها .. بحجة أنني لازلت موجود .. طالما ..ما أفكر فيه يفكر فيه انسان ما في موقع ما ..من هذا الكون ..

من عبرك ..احي الأصدقاء ..نجاة..محسن .. و منعم ..

أما على ذكر المدمس .. فهي حكوة عجيبة يا صديق.. ذكرتني أيام مضت في السودان .. و كنت حينها أعمل مدرس بالخدمة الإلزامية .. في مدينة أبوزبد ..في تلك المدائن يا صديق .. يغريك عطش الصبايا للمعرفة .. بارتكاب أي حماقة .. ولن يخطر على بالك ما أرتكبته وقتها .. فلقد قمت بتدريس مادة الميكانيكا .. أي و اللــه يا بله .. ديناميكا حتة واحدة .. و اذكر وقتها كنت أشرح لطالباتي الطيبات الفرق بين المقياس الأنجليز (ميل..قدم ..الخ) و النظام الفرنسي المتري ..و رأيت عجمة في عيون طالباتي .. و لأني من أهالي أبوزبد .. فلقد سمحت لنفسي بٍاجتراح فهم مقارب لقياسات المسافة .. و حدثت طالباتي عن الحبل ..والمخمس ..و الفدان .. و هي مقاييس ليها شنة و رنة هناك ..اتكيفت جدا يا بله يا أخوي.. اول حاجة حسيت بالإنبساط في عيوني طالباتي اللائي تهيأ لهن فهم ما أود شرحه ..وثانيا .. سألت نفسي .. هل معاييرنا اليومية ..القريبة منا .. ما قدر المقام ولا شنو؟
و تفجرت أسئلة كثيرة عن غياب ملامح انساننا العادي من مناهج وزارة التربية الأكاديمية .. تلك المتنطقعة على الفاضي ..
اذن يا صديق .. ننتظر منك الكثير ..
و ما تنقطع

كبر
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

طـــابـــــــــــــور خــــامــــــس
2.


هــل درســـتْ بجامعـــة الخـرطـــوم؟
ســــألني أحـــــدهم ..
أومأت بالاْيجاب .. فركلني أخـــر صـــائحا .. عليـــك منـــذ اللحــــظة أن تتعلم اٍســتغلال فيهـــك في الرد عليـــنا .. لأن لغـــة الاٍشــــارات هــــــذي .. هي اٍســتصــغار لشـــأننا .. هل تعرف كيف تتحـــدث ؟
قلت : نعــــم
: اٍذن .. جاوب على ســـؤال صـــاحبنا الأول ..
قلت : نعــم .. درســـتْ في كلية القانــون بجامعــة الخــرطـــوم ..
ابتــــسم صــاحبهم الأول بخبث و تشـــفي ..
ثم ، قــال : أود أن اذكرك .. بانه لا يرغب أحـــد قط في صــحبتنا .. و نحن نعـــلم أنها قاســـية .. لكن .. اٍن كنت متعاونا معنا ، فلن تنعــم بطــول الاٍقامة بيننا .. و اٍن ركبتْ رأســك خيل العنــاد ، فحتما ستـــظل بيننا .. او ربما تكـــون قربان ميـــدان الحـــرية المرتقب ..!
قلت : ما هــو المطــلوب منـــي ؟
ركلــني اخر .. قائلا : لا أحـــد يملك القــدرة على تحـــديد ما نفعـــل أو ما نــريد .. عليك فقـــط بالاٍنصــــياع .. و هـــذا تحقــــيق رســـمي ..!
قلت : حــاضـــر ..
ثـم ، قال صـــاحبهم الأول : هل تعـــرف حمـــامات كلية القانون ؟
قلت : نعـــم
قال : و هل تســـتخدمها كثيرا ؟
قلت : نعـــم
قال : كم عـــددها ؟
قلت : ثمـــانيــة ..
قال: أين اٍتجاه ابوابها ؟
قلت : الباب الرئيســـي يفتح في اٍتجـــاه الجنـــوب .. و الأبـــواب الداخليــة تفتح في مواجهة الغرب ..
قال ، باســما ، : ســــمعنا أن لك اٍحتجـــاج على هيئة اتجـــاه الأبــواب الداخلية ؟!
قلت : لا أذكـــر ..
ركلني احـــدهم قائـــلا : نحن لا نحب الاٍجــابات المحـــايدة .. لقــد كرهنا حــركة الطلبة المحايدين .. لذلك لا نحب ترديد مثل هذه العبارات .. مفهــوم ؟
قلت : نعــم .. كنت أتحدث مع بعض الطـــلاب في داخلية البركس ..
قال صــاحبهم الأول : نتــــمنى أن نســـمع ما قلت به ..!
قلت : تســـاءلت لماذا لم تكن الأبواب متجــهة شـــرقا ..!
ابتســـم و قال : أن الشـــرق ناحيـــة مقـــــدسة عندنا .. و لا نحب أن يجلس الاٍنســـان مواجهــا الشـــرق أثنــــاء قضـــاء حاجــــته .. لذلك كان لابــد أن تكـــون في مواجهــة الغرب .. و هنـــالك أيضـــا ســـبب اخـــر .. هل تعلم عنه شـــيئا ؟
قلت : لم أســـمع به من أحـــد..
ابتســــم بتشـــــفي ، و قال: نحن نقصــــد أن يجلس الاٍنســـان في مواجهة الغرب عند قضـــاء الحاجة .. لأن الغرب هو الاٍتجاه الفاتح على وجـــوه الشــــيطان العشـــرة .. و نفعـــل ذلك تحـــديا لأمريكا و كل الدول الغــــربية ..!
ثم واصـــل يسألني : هل تســـتخدم الحمام الثالث من الجنـــوب ؟
قلت : في بعض الأحيان ..
لكمــــني أحــــدهم .. و قا ل : ســــبق و أن نبهــــناك لمســـألة الاٍجابات المحايدة هــــذي ..
قلت : نعـــم .. أســـتخدمه .. مثلي ومثل كافة طـــلاب الجامعة ..!
قال صـــاحبهم الأول ، و قد تجـــهم وجـــهه ، : اٍذن لماذا كتبت فيه دار الجبهـــة القــومية الاٍســــلاميـة ؟
قلت’ : لم أكتب’ فيه أي شـــيء .. لأني لا أفعـــل ذلك في الحمامات .. !
قا ل: اذن من الذي كتب ذلك ؟
قلت’ : لا ادري ..
قا ل : و لكنك قـــرأته ؟
قلت’ : رأيت ذلك في باب الحمـــام المعني ..
قـا ل : و لمـــاذا لم تقـــم بمســـحه .. فهـــو أذى و المســـلم عليـــه اٍماطــــة الأذى !
صـــمت’ أنا .. و لم يعجـــبهم صـــمتي .. فتبــــادلوا ضـــربي بشـــراســة ..
لم أكن أدري بحـــــدود الزمـــان .. هل هــو مســـاء .. أم ليـــــل .. أم نهـــار .. و لكــــني كنت’ فقـــــط أدرك حــــدود اللحــــظة ا لهــــادئة التي تستطيب تعــــذيبي بأصـــوات الأنـــــين الهـــــــــدارة .. !


****

دخـــــــــلوا ، هــــــــذه المــرة ، أثنان فقــــط .. و كان أحــــدهم يرتـــدي جــــلابية بيضــــاء تنــم عن النعمـــة و رفعة المقام .. و عمــــة تــــوتل ناصـــعة .. و يحـــتذي مركوب من جلد النمــــر ..
حيـــاني مصـــافحا بتأفف .. و قا ل لي : عــــلاقتك شـــنو بحـــزب البعث ؟
قلت’ : لا عـــلاقة لي بحـــزب البعث ..
قال : عـــلاقتك شـــنو بحـــزب الأمـــة ؟
قلت’ : لا عـــلاقة لي بحــزب الأمــة ..
قا ل : عـــلاقتك شـــنو بحركة التمـــرد ؟
قلت’ : لا عـــــلاقة لي بأي تنظيــــم ســــياسي ..
قا ل : هـــل لك اتصـــال بيوســــف كــوه مكـــــي ؟
قلت’ : لا اتصــــال لي بأي أحـــد ..
قا ل: و أين كان يــذهب عصـــمت في ليلة الجمعـــة الأخيـــرة من كل شـــهر ؟
قلت’ : يذهـــب لزيارة جـــدته في القــــرية ..
قا ل: و حجـــاج ؟
قلت’ : حجــــاج لا يســــافر كثيرا ..
قال: و متـــى ذهـــب يوســــف الى كـــاودا؟
قلت’ : لا علــــم لي بـــذلك ..
تجـــهم وحهــــه.. و بدت عليه عـــلامات الضـــيق و التبرم .. و هــو يطنطن .. و عامل لي فيها ناشـــط حقـــقوق اٍنســــان .. ثم نادى على ثـــلاثة و قال : الزول ده لو ما عاوز يتكلم و يتعاون ، اربطــــوه طيــــــــــــــــــــــــارة قـــامـــتْ .. !!



نواصل
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

قيامــات آخــر الليـــل .. و طيارة قامت

1.


لا أدري بالضبط أين هي هذه الزنزانة ، و اضــحا أنها ليست بالحامية ..و لا هي في مباني الشركة الأمريكية ..و لا حتي مباني مكاتب الأمن .. لكنها كانت ..
تيبس القميص على جـســـدي ، بعد ان ابتّل بالعرق و الدم و ما تبّــولوه عليّ..و لم تعد حاســة الشّـــم عندي تميّز بين الروائح .. أصبحت المذاقات كلها باهتة ..
و كانت أمسّـــية ..
أخرجونا جميعا ..قارب عــددنا الثلاثين شــخصا .. بعضــهم اعرفه ، و البعض الآخر أراه لأول مـرة .. أمرونا بالجلوس على الأرض .. و أبتدر الحديث صــاحبهم الأول قائلا : اليوم هو عيد الإستقلال الوطني .. و كما تعلمون أننا تخلينا عن أهلنا و زوجاتنا في سبيل ســواد عيونكم ..و لكن بودنا أن نتشـــارك جميعا في عمل حفل بهذه المناسبة الوطنية .. و في نهاية الأمر أريدكم أن تعلموا حقيقة واحدة .. أنتم و نحن ســـيّان .. لا فرق بيننا و بينكم .. و أعلموا لا فرق على الســجان و المسجون الا بالتكسـّب .. فالدولة هي التي تدفع لنا ثـمن ما نفعل بكــم .. و اٍن تقاعس أحدنا عن أداء و اجبه ، في اليوم التالي سيكون بين صفوفكم .. فلا حدود بين المعاني ..اللهم الا ما نضفيه عليها اٍعتباطا من حـــدود و تفريق بين المفاهيم ..
ثــم نزل عن المنصّـــة الصغيرة .. و صعد اخر مــدجج بالمدفع الرشاش سريع الطلقات .. و قال : فلنكن أكثر وضــوحا .. الليلة هي ليلة القيامات الكبرى .. لا نريدكم أن تقــوموا قيام المسيح، أو حتي قيام البعاتي .. و لكن .. نحن نعلم أنكم و المعارضة أمرتم كوادركم بالإنضمام للخدمة الإلزامية ، حتي يتدربوا تدريبا عسكريا مجانيا .. ثم تستغلونهم في عملية اٍسقاط النظام .. حسنا نحن نعرف ذلك .. و حتى تكونوا قد اكملتم تدريبكم ، عليكم أن تراجعوا امامنا الآن كل قيامات الجيش .. لكي نتأكد من كونكم تلقيتموها على الوجه الأكمل ..!
ثم جذبوا واحد منا .. و أمروه بأن يقوم قيام الأرنب .. فقال أنه لا يعرف كيف هو قيام الأرنب ..
ضــربوه حتى أغمــيّ عليه ..
و توجهوا بالحديث نحونا : هل يعرف أحدكم شــيئا عن القــيامات ؟
تقدم عثمان كودي بمرح و هو يبتسم .. و يقول لهم بصــوته الجهوري : أنا أعرف كل القيامات! و توا لت عليه الأوامر ..
قيام التقل.. قيام الأرنب .. ســت العرقي ..اطوي البرش.. و هو يؤدي كل تلك القيامات بروح عالية..
اخيرا قالوا له : حسنا فعلت .. و لكنا الآن نريدك أن تــؤدي لنا رقصــة حنان بلوبلو !!
ابتســم عثمان كــودي ، وبكل مرح قال لهم : دي ما قــرّونا ليها ..!!
و ســكنت ســت طلقات في جســده .. !!
ثـم أنهالوا علينا ضــربا مبرحا .. و امرونا بالتوجه نــحو زنزانتنا .. و هم يشتموننا على عدم اٍكمال الحفــل..!!
كانت اٍبتســـامة عثمان كــودي الأخيرة قد احتلتْ خيالي برعب ، و تعلّمت أن لا شــئ يستاهل ..!


****

نواصــل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

قيامــات آخــر الليـــل .. و طيارة قامت

2.


ُفــتح باب الزنزانة ، و دخــل عليّ مراهق في الرابعــــة عشــر من عمره .. و أزعجــني كثيرا منظــره .. و توجّســتُ .. لأول مــرة أشــعر بالرعب الحقيقي .. و لم تكن عليه عــلامات الإعتقال و التعــذيب .. بالعكس ، كان يبدو منعّما.. و هــو يرتدي بنطــاله المحـــذّق..!
حــدّقتُ فيه بدهشــة .. ثم ابتســم هــو.. و قال لي : كيف عامل؟
قلتُ بحذر : بخير ..
قال بدلال النواعم : بس .. حالتك صـعبة خــالص ..!
و صــمت ..
ثم قال: أنا بتكلم معاك ..شــنو عامل فيها ما شــغّال بي كده؟
لم أكن أرغبُ في التحدث اليه.. لأنني لم أدرك بالضبط ماذا يريد .. أو ماهــو دوره في مسلسل البــؤس الذي أعاني منه .. مثلي و مثل البقية .. بالضبط .. لا أدري ماذا سيحدث بعد قليل..
نادى هــو على صــاحبهم الأول ..فكان يقف على باب الزنزانة .. فقال المراهق : ســعادتك ده مش عايز أي حاجة حــلوة ..!
أبتســم صــاحبهم الأول .. و أمرني بالوقـــوف .. ثم قال لي: اذهـب الى الحمــام ، فالليلة هي ليلتك..!
و قادوني الى حمــام فاخـر..و فعــلا مارســت الإســتحمام بشــهوة حقيقية ..و خرجتْ ..ألبســوني بنطال جينز نظيف..بعد أن أخبروني بأنهم ذهبوا الى اٍنتصــار في البيت و أخــذوا منها بعض ملابســي..
ثم أقتادوني الى غــرفة واســعة .. و كانوا أربّعــة ، يتــحلقون حــول الغرفة..و لم أكن بالضبط أســتطيع التنـــبؤ بما يحــدث .. و لكني كنت متوجّســا ..بأنها حــالة أخرى من حــالات التعذيب ..و صــنوفه التي لا يعدمون حيلة في تخــريجها ..
كانت عيــونهم محايدة .. أداروا صــوت الموســيقى .. و كانت حنان بلوبلو تغني بصــفاء لا يشبه تلك اللحــظة ..و لا ذاك المكان .. و كان المراهق ، يرقص بجنــون ..ذكرني تماما برقصــات اٍنتصـار و أشــيائها التي لا يمكن التنــبؤ بها ..
قال صــاحبهم الأول: قبل أيام ســألناك أن تعلمنا الإســتمناء .. و لكنك ركبت رأسك .. و عاندت كثيرا.. نعم نحن نحب العــناد ..لأن ذلك يشــعرنا بروح التحــدي..و يؤكـد لنا أن عملنا يحتاج نوع من التميّــز .. و لكن لا عليك.. لا نريدك أن تحكي لنا عن اٍتصــالك بأحد .. أو نشــاطك..أو حتي نشــاط أصــحابك .. أنســى كل ذلك يا صــاحبي .. اليوم نريدك أن تفعل لنا شــيئا من باب التســلي .. فالسجين هو مســلاة السجان .. و كما تعلم أن السجن ليس كله ســوء الى هذا الحد..
و صـــمت هــو..
تقــدّم أحــدهم .. و أمــر المــراهق أن يخـلّع مــلابســه.. تعــرى تماما .. و هــو يســتطيب ذلك .. و كأنما الغرفة خالية تماما.. و لم ينســى أن يتمايل رقصــا و هو يردد مع حنان بلوبلو غنائها..
ثم تحــدّث صــاحبهم الأول قائلا: يا له من جســم لدن .. يانع.. أنه أجمــل من جسد أي فتاة على وجــه الأرض ..!
و كان رديّ هـو الصمت المستغرب ..!
ثم واصــل قائلا: نحن نعلم أنك تحــتاج جسدا..فهل لك أن تسمتع بهــذا الغــلام .. اٍنها نعمة ياصــاحبي .. و اٍيّاك أن ترد النعمة..!
ثم أمــرني أن أخلع مــلابســي .. و اَتي ذلك الغــلام..!!
قلت لهم ، متذكرا مرح عثمان كــودي و جــرأته ، اني لم أفعل هذا من قبل .. و اٍن كانت بهم رغبة أن أفعل ذلك أمامهم ، فعليهم أن يأتوا لي بفتاة و أنا مســتعد أن أفعل أيّ شــئ ..!
ركلني أحدهم بقوة ، قائلا : أننا لا نمارس التعريّص يا صــاحبي ..!
أبتســم صــاحبهم الأول ن وقال لي : اٍن لم تفعل ما اُمــرت به ، ســيفعله بك أحــدهم ..!
و نادوا على شــخص .. دخل الغرفة .. ممتلئ الجــسم .. و ذو بنية قــويٌة.. و هــو أشــبه بالروبوت العاتي..
قالوا له : اٍن رفض صــاحبنا هــذا مضــاجعة هذا الغــلام ، عليك أن تفعل به ما رفض القيام به !
أخــذ ذلك الروبوت يخلع مــلابسه .. حتى ظــلٌ عاريا كما ولدته امه.. و أنتصــب شــيئه بصــورة مزعجــة ..!!
و لم يكن أمـامي بـدٌ .. قبٌلت المراهق بتــؤودة ..كأنما اقــبٌل اٍنتصــار.. و أتيت الفعل كاملا .. بتفاصــيل مرعبة .. و رأيتهم يدعكون الآتهم في ممارسة كاملة للإستمناء.. و حينما قـذفت .. شـــعرت بالرهــقْ ..و أنين المراهــق تحت أضــلعي .. قمتُ ..
قلت لهم .. أريد أن أســتحمٌ..
ضــحك صــاحبهم الأول بخــلاعة ، وقال لي : أنت لا زلت في أول المشــوار ..عليك أن تأتيه على الأقــل ثــلاث مــرات .. ثم يا صــاحبي .. أنه ليس كمثل اٍنتصــار.. لن يحمل..و لن تحتاج الذهاب الى الدايّة أم بنين لكي تســاعدكما على الإجــهاض .. أرايت لا يخــفى علينا أيٌّ شــيئ.. و لا زلنا نتحــسر على اٍجهضــات اٍنتصــار الثــلاثة .. قــم الى نعمــتك يا صــاحبي ..!
نظــرتُ نحــو الشخص الغريب .. و كلما أمروه اٍنتصــبْ ..!
و عــدتُ للمراهق .. أتيته للمرة الثانية و الثالثة .. و كان يأنُ شــهوة و هو يســتمتع بالفعل ..!!
بعد أن فــرغتُ ، أمروه بالخــروج ..
و أسكتوا صــوت المسجل .. و تمنيت لو أن اســتمرٌ صــوت حنان بلوبلو ، ليشــهد معي هــدير الخيبة و أحــدٌ تعاريج الزمن الموات ..!
قال صــاحبهم الأول يخاطبني : الآن ..بالنسبة لنا .. لم تعــد مجــرد طابور خامس ..فأنت الآن زاني .. و هــولاء الشــهود الأربعة الذين رأوك تأتي الفعــل كالمرٌود في المكحلة ..!
قلتُ ، بلا مبالاة ، : و هل ستقيمون عليٌ الحــد؟
ضــحك هـو و قال: الحد جلد ، و الجلد سيزول أثره بعد ايام .. و لكنا أعددنا لك مفــاجأة ســارة ..
بعــدها .. دخــل الغرفة طبيب ، في بدلة المعمل البيضــاء .. و هـو يحمل حقيبة فضــيٌة صــغيرة ..
قاموا بشــدٌي على الســرير .. ربطــوا أقدامي متفــرٌقة .. و يــداي متفرقة.. و حقنني الطبيب بالتخــدٌير .. و بدأتْ الأشــياء تتراقص أمامي .. و اَخــر ما سمعتُ .. هو ضــحكة صــاحبهم الأول ، الذي قال لي : نحن نعلم أنك مخـــتون .. و لكننا نود أن نعيد ختانك ..!
وغبتُ عن الوعـــي ..!


نواصــل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

وقــــــائـــــع خــــــور العــــفٌــــــــنْ

1.

أفقتً من التخــدير .. ولا أدري ، بالضبط ، كم مــرّ عليّ من الوقت.. كنتً أرتمي على أرضية الزنزانة ، دعكتً عينيّ .. ووجدت الطعام قد تعفن .. و قد تراكم .. بعضه اعتراه شــئ من الصــفن .. تلمســتً جســدي .. أثار الحبال علي معصميّ و رســقيّ ، تقف شــواهدا على مســألة طيــارة قامت ..!

ضــحكتً على نفسـي بصــوت عالي ، و قلتً لأحدثها ، الطيارة تقــوم نحــو المدائن البعيدة التي تتباهي بشــوارعها النظيفة ، و نحـو الخروج من مغبة الزمن الموات .. و لكنها هنا تقــوم بطريقة مختلفة..!!

شــعرتً بأني أريد أن أتبول .. ناديت عليهم .. و أخرجوني .. و كان الحارس ينظر لي بنظرة التشفي و الإنتصـار .. قلتً له : لا شــئ بيني و بينك .. و لا أحس تجاهك بالإحتقار أو الغبن .. و لكن دع اللحظات تمــر بســلام ..!!
و لم تكن به رغبة في التحدث اليّ .. و هل يتحدث الوحش الي جيــفة ؟ !
ذهبتً الي الحمام .. شــعرت بألم في خصــيتي اليسـرى .. و نظرت الى أســفل .. كانت هنالك أثار جرح في طريقه الى الإلتئام .. و لم أكن مطلقا في حالة تتيح لي التفكير فيما حــدث لي .. تجاهلت الأمر تماما .. و عــدتً ..
بعد ســاعة جاءني صــاحبهم الأول .. و تبســّم نفس الإبتســامة المغرقة في خبثها .. و حيــّاني .. و دعاني الى مكتبه ..
جلـستُ قبــالته .. و كنت أحسُ بالألم في خصيتي..
قال : يبدو أنك .. استمتعت بالنوم الطويل .. و كان بالإمكان أن نجعله أبديا .. لكن حســنا فعلت .. و نتمنى أن تقــول لنا الآن ..
قلتُ : لا شــئ لديَ لكي أقــوله ..!
صــمت هــو بحياد .. و بعد برهة قال: نعم .. لقد أخرجنا خصــيتك اليســرى .. لأننا نكره اليســار.. أينما كان .. كيف ما كان .. و حثيما كان .. لأن اليســار ، يا صــاحبي ، لفي خُســر مبين ..!
و لنا القدرة على اٍخراج الأخرى .. و لكن لدينا الأمل في التعاون معنا .. كان خطأ كبير مســألة ذهاب أصحابك الثــلاثة .. لأن ذهابهم قد قصّــر عليهم المشــوار .. و لم يؤثر كثيرا في مجرى الأمــور .. فلا زالت خــلايا الطابور الخامس تتناسل و بنهم جــم.. و لن نيأس نحن .. لأننا ما نقوم به هــو حماية الدولة و أمنها .. و لن نسمح بالتخريب.. بالتأكيد سينقص اٍخصــائكم عدد ذريتكم .. و لا تنســى .. لنا وســائلنا الأخرى في محــوها و محوكم و محـو تأريخكم النجس..!
و صــمت هــو ..

بــدأتْ خــلايا جســدي تنتفض .. و كأنما كنتُ في بــؤرة اللاتــوازن .. تماما أشــيه بتلك اللحظة ، حينما ذهبتُ الي خالتي كلتوم والدة عصــمتْ .. مباشــرة بعد مشــهد ميدان الحريّة ..!
و تمنيتُ أن أحدد ما أريد .. و لكني تجاهلتُ كل ذلك .. أو ربما .ز لم تكن بي رغبة في أن أفكّر في أيُّ شــئ ..
نادى هـــو على أثنين .. و عادا بي الى الزنزانة ..
في الطريق ، مــلأتُ عينيّ بضــوء الشمس الساطع .. و شــعرتُ ان الحياة لم تكن مطلقا مثلما كنا نتصــورها .. ربما لازالت هنالك قدرة غير متناهية على التجدد..و شــعرتُ بالحســرة على الزمن المضــاع ..

عند الظهيرة ، أخرجونا .. نحن ستة أشــخاص .. وضعوا على أعيننا بعض الأقنعة ..و ســارتْ بنا العربة البيكب .. و بعد مسيرة الساعتين .. أمرونا بالنزول ..
ســــألوني : هل تعرف هــذا المكان؟
قلتُ : لم أراه من قبل ..
قال صــاحبهم الأول : هــذا هــو خــور العفــــنْ ..أتدري لماذا ســموه بخور العــفنْ ؟
قلتُ : هـو مكان لحجر المجــذومين ..
ضــحك .. حتى شــعرتُ بالأشــجار تهــتز من ضــحكته المرعبة ..
و قال: هــذا صحيح.. و لكن الدولة قد قضتْ على الجــذام منــذ أمد بعيد..
وصـــمت هــو..
تــحولتُ بنظري .. لمحتُ تحت شــجرة العرديب الكبيرة جماجم تلمع في ضــوء الشمس ..و تمنيتُ لو أني أســـتطيع الذهاب لتأملها من على القرب ..!
و كان الخــلاء ..صــامتا ..بصــورة تجعلك تســمع نبض قلبك .. و تتدافعه ..

أختلوا ببعضهم .. وهم يوسوسون .. و أغتنمناها نحن فرصــة..
قال شيخ من بيننا .. يحدثنا عن اٍتجاه هذا الموقع .. و أن تلك الجماجم هي لرفاق نعرفهم .. و عدد لنا أسماء كثير من الذين جــاؤا الي هنا .. و لم يتمكنوا من العودة " بالطبع لأسباب خارجة عن اٍرادتهم " .. ثم ختم حــديثه يحذرنا .. قائلا : اٍن طلبوا من أحدكم الذهاب .. فلا تفعلوا ..لأن الطلقات ســتلحق بكم .. أتلوا صــلواتكم الأخيرة .. فنحن قاب قوسين أو ادنى ..!!
ثـم واصــل يهمس : و لو ذهب البعض منا دون الأخرين ، فليتذكر من تبقى هذه الوقائع جيدا.. و حتما ســيأتي يوم تعلم فيه الدنيا عنها ..!
ثــم .. شـــعرنا برغبة في الصمت الأكيد ..
و عادوا هـــم ..
أمــروا أحــدنا بالذهاب .. تردد.. و لكنهم ألحـــوا عليه..
قال صــاحبهم الأول : عليك بالركض .. لا تلتفت.. لا تتبـــاطأ .. الى أن تخــتفي عنّـــا ..
و بعد اٍلحــاح .. ركــض ناحية الشــرق ..
أشـــحنا بأعيننا .. كأنما نريد أن نختبئ عن تلك اللحــظة .. و لكنه ركض ..ركض ..الى أن أختــفى في الأفـــــق ..!
ألتفت صــاحبهم الأول نحونا و قال: نحن رجال لنا كلمتنا .. و لن ينقصــنا شــئ اٍن ذهبتم جميعا..
ثم .. اٍختاروا الرجــل المســن .. و قالوا بنفس واحد : الآن دورك يا عمنــا..!
تردد الرجل المســن..
ثـم قال يخاطبهم : يا أولادي .. أنا قد كبرتُ على مثل هــذه الأشــياء .. و لا أستطيع الركض..!
قالوا : حــاول .. على الأقــل ســتتخلص من رؤيتنا..!
و تقــدم هــو في خطوات ثابتة .. ناحية الشــرق.. و ظللنا نحن نحســب خطواته الوئيدة ..و عند الخطوة السادسة عشــر .. اٍنهمر عليه ســيل من الرصــاص الأرعن ..و أرتمــى و هــو يتلوا الشــهادة ..!
قال صــاحبهم الأول بلهجة متحســرة : وووووبس .. ! أنه خطأ فني ..لقــد حاول عمكم الفرار !!
و تبقينا أربعتنا ..
عــزلوني عن الثلاثة .. و أمطــروهم بالرصــاص ..!
ثم أمــروني بالصــعود الى العربة ..

****

نواصل..
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

وقــــــائـــــع خــــــور العــــفٌــــــــنْ

2.
تكررت رحــلات خــور العفـــنْ .. لثــلاث مرات أخــرى ..
في المرة الثانية .. كنا ســبعة .. نزلنا .. و نحن نرزح تحت قيد الســلاسل المتينة .. أخــذوا منا واحد .. اٍسمه التوم .. أوقفــوه تحت شــجرة العرديب الضــخمة ..
قال صــاحبهم الأول يخاطب بقيتنا : هل يعرف أحد منكم كيف يذُبــح الإنسان ويُســلخ؟
فاليوم هو أول يوم في عيد الأضــحى .. و لابد من قــربان متميـــز ..!
تلفتُ أنا أســأل الأفق و الأشــجار و الطيور .. أســألها أن تكون شــاهد على أحـــدّ تعريجات الزمن المــــواتْ ..
ربــطوا حــبل متين على أرجل التــوم .. و كانت لهم بكارة .. فجــذبوا الحبل .. و كان التوم قد اٍنقلب رأســا على عقــب.. أقدامه ناحية السمــاء .. و رأسه ناحية الأرض..عيونه مفتوحة بوضــوح .. كأنما يريد أن يمــلأ ها بمنظرنا و منظرهم و منظر الأرض ..!
أدخــلوا شـــنكل في عرقــوب رجله اليســرى .. ألم يقولوا بأنهم يكرهون اليســار أينما كان؟ ..و ظل التوم ينزف لمدة ســاعة .. و ظل الصمت هو الآخر ينزف بتــؤودة ..
ثم عقروه كالبعير .. وهم يهللون تيمنا بالقربان ..!
تقــدّم من صفوفهم الخلفية .. أحد الزبانية الشداد.. و بكل حـرفنة و مهارة فصــد الجلد بالقرب من نهاية الســاق .. و نثر مادة أشــبه بالملح .. ثم جـذب جلد التوم .. و أنسلخ بسهولة ويســر..!!
قال أحــدنا : و هل ستستخدمونه في أداء الصــلاة .. أم ستذهبون به الى بيت الخليفة ؟
لم يلتفتوا اليه ..
و ظلوا في لحظة محايدة ..!
همس رجل مسن من بيننا و قال: ما يفعلونه ..يقصدون به أفرادهم .. أكثر مما يقصدوننا به .. و هو نوع من اٍخافتهم .. لأنهم لا يثقون في بعضهم البعض ..!
ثــم صــمت ..
بعد برهــة أخرى .. كانت هنالك ثلاثة براميل .. تصطف على بعد منا.. أمروا ثلاثة منا بالتقدم ..أولهم ..اٍسمه حمدان .. و لم نكن ندري بالضبط ما بداخل تلك البراميل ..
قال صــاحبهم الأول : صــاحبكم حمدان هذا ، قد وشــى بنا .. و أفترى علينا الأباطيل .. فلقد زعم أننا نستخدم الغازات الســامة في بعض الجبال .. حسنا .. لم يكن الأمر كذلك .. و جزاه اللــه عنا كل خير .. فلقد نبهنا لأحر لم يكن في الحسبان ..! و لكي نؤكد لكم .. و للكافة بأننا لا نخاف أحد .. فســوف يكون حمدانكم هذا أول قربان من قرابين الكيمياء ..بالتأكيد هو لن يجد ســانحة ليقول عن ما حدث له .. و لكن البقية ستقوم بذلك.. و لكم منذ الآن أن تقولوا بالحقيقة ..!
ثم اٍلتفت نحو الزبانية الغــلاظ .. و رموا بالثلاثة في البراميل ..
لم تمضي ســاعة من الزمان .. و قد كانت الجماجم و الهياكل تصــرّ برعب داخل البراميل!!
و حــرصوا هم تماما .. أن نشــاهد التفاصيل الأخيرة بكل ملوحتها .. ومللها.. وســأمها..!


***


في مــرة أخــرى ..

كانت الدنيا برد.. و الزمهرير يصتك في الآفاق ..و كان الوفت هــو صــدر المســاء..
أجلسونا حــول دائرة .. و مركزها ، أشــعلوا نا كبيرة .. ثــم أخــذوا منا كلمبوس..و هــو رجل ضــخم البنية.. و له بســطة في الجســم و الصــحة .. و كان أحد فرســان المصارعة.. و قد قدم مــؤخرا لركبنا المنحــوس ..
كان يرتدي رداء جينز قصير ، توقف تماما على ركبتيه .. و هو عاري الصدر..
وقف أحدهم فوق رأسه ، وقال : هل أنت جوعان يا كلمبوس ؟
صمت كلمبوس .. ول يرد عليه ..
قال صــاحبهم الأول ، الذي كثيرا ما يغيظه و يخيفه الصمت المتجاهل ، : أجب عليه..هل بحب الشــــيّة؟
صــمت كلمبوس للمرة الثانية .. و يبدو أنه تعمّد اٍغاظتهم بالصمت التام .. لأن مماحكة الحديث ..لا تجدي في مثل هذه اللحظات ..
تقدم أحدهم .. و كان يحمل ســاطورا ضــخم و فأس كبيرة .. ثم أخذ يقطع من فخذ كلمبوس الأيسر قطع متساوية من اللحــم.. و يرمي بها في النار.. و كان الجمر يتقد بعنف ، كأنه شــفاه تتلــمّظ من الجوع و شــهوة الطعام ..!!
و ظــل كلمبوس ينــزف في صــمت ..
رائــحة الدم الحــارّ ، جعلتنا غصــبا عننا نتقيــأ بالجملة .. و كانوا يركلوننا بشــراسة .. لأن ما يهمهم أن نرى جيّدا تفاصيل المنظر ..!
ريــح الشــتاء زعرتْ .. و زأرتْ بعنف.. , أصبحت الأشجار تتمايل بــشدة.. و سقط غصــن كبير من شــجرة العرديب فــوق رؤوســنا..
و كانوا هــم أكثر زعرا منا .. ز كادوا أن يتزعزعوا ..
ذعق فيهم صــاحبهم الأول يدعوهم للتماسك و الثبات .. وقال: ليس هــولاء العبيد المناكيد الأنجاس من هم في طهر الرب ليسقط عليكم مطر اللعنة .. فهم خــونة مارقين ..!
و أشــتد زئير الريح ..
خــرجتْ من باطن الأرض دواب عــديدة.. عقارب .. و فئران .. وثعابين .. و لدغتْ بعض منّا..و ذهــبوا .. فالغياب له وســائله العديدة .. و طرائق مختلفة في اٍقتناص قرابينه ..!!


***


فاق عــدد الذين اٍبتلعتهم بئر الغياب ، ناحية خــور العفـــن ، العشــرين بقليل.. و في كل مــرة .. كانت عفاريت الزمن المــوات .. تحرص على أن أكون العائد الوحيد ..!
في الســجن كان البعض يســخر مني .. خصــوصا بعد ســريان الإشــاعة القوية ، بأنني أنا المســئول عن اٍرشــادهم .. و اٍلا لماذا أعود في كل مــرة ؟
ذات لحظة ، اٍقترب مني شــخص في العقد الخامس من عمره ، وقال يخاطبني:خســئت ، اٍن كنت تستطيب ما يفعلونه برفاقك ..!
قلت ، و لأول مرة تحــدّرتْ مني دمعة حقيقية ، : لا أظنك تعلم ، يا عمي ، ما حدث لي .. فلقد أمروني بلواط غــلام .. ثم أشــهدوا عليّ أربعة .. و أخصــوني .. فلا أظن أنني أحتاج لمثل هذا الدور ,, و لكنها النكاية يا عمي.. و ما تخبئه الأيام أعظم ..!!
تراجع عن لهجته و صــار متعاطف معي .. و حكيتُ له عن وصــية ذلك الرجل المسن و عن خـــور العـــفنْ ..

***


بعــد ايام ، دعـوني مســاءا الى تلك الغرفة .. و شعرتُ بالتوجس .. و لم يكن أمامي خيارا ســوى الذهاب ..
تحلقوا أربعتهم .. و أجلسـوا اٍنتصـــار على الأرض ..
كانت ترتدي غــلالة شــفيفة تســـتر بها جســدها .. و تبدى الإعياء في وجهها ..
قلتُ ، بعد أن رأيتها، : أطلبوا ما شــئتم .. و لكن دعوها تذهب ..!
بصــقتْ اٍنتصــار على وجهــي .. ثــم صــرختْ تشــتمني بحــرقة .. و قالت : لم يتــبقى ما يســتحق الحــرص..!!
ضــحك صــاحبهم الأول ، و قال : ســبق أن قلت لك بأننا تجاوزنا عنادك .. و أننا لا نرغب في معلوماتك .. و لكن عليك أن تعي الدرس جيــّدا ..
ثم قال ضــاحكا بتشــف : و هل تهمك اٍنتصــار أكثر من أمن الدولة؟
قــلتُ : يهمني أمن الدولة .. و لكن لا عــلاقة لها بأي شـــئ ..
صــمتوا لحظة ..
و أقترب أحــدهم من اٍنتصــار .. و أخـــذ يخــلع مــلابســه ..
قلتُ ، بترجي ، : أرجــوكم دعــوها تذهــب ..
و أنفجــرتْ اٍنتصــار ، تشــتمني للمــرة الثانية .. و تجــاهلتها أنا ..
أقتــرب منها ذلك العاري ..
ثم قال صــاحبهم الأول : اٍن المتعـــة واحــدة .. مثلما تمتعت أنت بغــلامنا ، فدعنا أن نتمتع الآن باٍنتصـــارك هـــذي ..
مــدّ الرجــل العاري نــحو نهـــد اٍنتصــار الأيســر .. و كان عضــوه ينتصــب ، كأنما الآلة التي تعمل بالرموت كنترول ..
و لم تكــن بي رغبــة أن أغمض عيــنيّ .. و هل فعــلا تبقى ما يمكن أن تغمــض عنه العين؟!
تناولتْ اٍنتصــار يــده بســرعة فائــقة .. و قضــمتْ خنصــره.. و قطعت الفــص الأول منه .. و كان هــو يصــرخ كالثــور .. حــتى انهالوا عليه هــم ركــلا مبرحا .. و أخرجوه .. و خــرجوا معــه..
كنــا نحن الأثنــان فـقــــط ..
أحتضـــنتُ اٍنتصــار بقــوة .. و همــســتْ هي : لا تقــل شـــيئا..ســتمر هــذه اللــحظة..و لا تخــف علــيّ ..!
ســـألتها : مــتى قبضــوا عليك ؟
قالتْ : قبل ثــلاثة أســـابيع ..
قلتُ : و هـــل ...؟
وضــعتْ يــدها فــوق شـــفتي .. تحبس خروج الكلمات .. و أبتســـمتْ ..!!
عنـــدها .. كانوا قــد عادوا .. و أتوا برابع لهم ..بدلا عن ذلك الذي قضمت اٍنتصــار خنصــره..
ثــم حاولوا الإقتراب منها أربعتهم .. و نهضــتْ اٍنتصــار بشــراسة .. و طبـزتْ أخر في عينه اليمنــى .. واضــح اٍنها فقـــأتها ..!
حاول أحدهم أن يطلق عليها الرصــاص ، و لكن زعيــق صــاحبهم الأول ألجمه في اللجظة الحاســمة ..
أخـــذوا يضــربون اٍنتصــار حتى أُغمــي عليها.. ثم حملوها خارج الســجن ..
أعــادوني الى الزنزانة .. و أوثــقوا يــديّ و رجــليّ.. و بدأوا حفــلة من حفــلات طيــارة قامتْ..!!

***


لــم أعـــد أشـــعر بالألم ..
لـم أعـــد أشــعرُ بالحـــزن ..
ولا غيـــرهما من خــواص الإنســـان..!
مكثــتُ في الحــبل و العــزل ثــلاثة أيـــام بليــــاليها ..


نواصـــل
محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

الـطبــــــــــول



" علـــينا أن تخــترع لغــة للتواصــل "
..

قالتها اٍنتصــار يــوما ما ..

كنا حينها ، نجلس على صــخرة في ســفح الجبل .. و نضــاحك الشــجيرات اليانعة ..
ضــحكتُ أنا ، وقلتُ لها : قــد يحتــاج ذلك الى دهــور ، لكي يفهــم الناس ما تقــوله الطبــول !!
قالتْ ، بجـــدّية ، : الناس تحب الرقص ..و تســتخدم الطبــول في دلالات متــنوعة ..فالأمـر مــوجود يا حبـــيبي ..فقـــط علينا اٍعادة ترتيبه ..!
قلتُ : المســألة هي مســألة زمـــن ..
أشــاحتْ عــني ، و هي تـــحدق ، بمتعــة فائــقة ، في المــدينة النائــمة في أحضــان جــبالها الخمســــة ..
ثم قالتْ ، اٍنتصــار ، : أنت تفــهم اٍيقــاع نبضـــي ..و حــرارة الإرث الدفاق في الدم ..الطبــول يا حبيبي .. هي هـــدير الحيــاة هـــنا .. و تأكــد أن الأشـــجار تفهــم ما تقــوله الطبــول.. و أن بيــوت الطــين .. و القطـــاطي كافة .. تختـــزن في ذاكـــرتها صــوت الطبــول ..!!
همســـتُ أنا : بيـــني وبينـــك الحـــب ..تعــالي لنشــرب نخــب الطبـــول ..!

في اليــوم التالي .. أحســتُ بأني أريــدُ أن أقــابل جــدي في القــرية..
و ذهبتُ .. حرصتُ أن أخــرج ســرا .. و كانت بي رغبــة أن أســأله عن الطـبــول ..
أخــرج هــو نقــارة عتيــقة .. و حــدثني عن تأريخــها الشــخصــي ..
وقــال ، لي ، : هي من أقــيّم الأشــياء التي تدخــل في نظــام الإرث ..
و علمــني التمييــز بين الأصــوات الخــاصــة بكل قبيــلة ..
ثــم قال لي : صــوت النقـــارة .. هــو صــوت الفــرح .. و الغيــاب ..و الحضــور .. والرحيــل.. و الضـــياع .. والرحيـــل ..!
ز كانت بي رغبــة أكيــدة في أن أخــلق تقارب بين الأشــياء ..
و عــدتُ الى المدينـــة ..
حــدّثتُ اٍنتصــار عن ما قال بــه جــــدي .. و ضــحكتْ هي بمــودة.. و قالتْ : فقط لو نعرف كيف نخبر مندوب حقوق الإنســان عن هــذه اللــغة ..!!
قلتُ : و هــل حقــا نحتــاج أن نتــواصــل مع العالم عبر لغــة الطبول؟
قالتْ : هـــي مرحــلة .. ليست بالضــرورة التواصل مع العالم .. و لكن هي ضــرورة أن نتواصــل مع بعضــنا البعض ..!!

بعد أيام قــلائل .. قررتْ المدينة أن تفهــم ما كــنا نقــول به أنا و اٍنتصــار..و لم يكن ميقــات الطبــول هــو فقط ميقات اٍكتمال دائرة القــمر ..كما كان يحدث في مهرجانات القبائل ..فكان لابد أن نخلق مساحات من الزمن الخصــوصي لقرع الطبول .. و صــارتْ الأحياء و القرى تتبادل جدولها الزمني .. ز كانت هناك ثلاثة ليــالي في الإسبوع .. أمسية الإثنين .. و الأربعاء .. والسبت..
و جاءتنا الإشــارات من مختلف النــواحي .. يقول لنا من هم على البعد منا .. أننا نفهم ما تقــولون .. !!

تجـــددت خــلايا النشــاط .. و صــار الشباب حريص على قــرع الطبــول .. و لم تكن هي مساحة للفرح فقط .. و اٍنما بعـــد اخــر لقيــمة الإنســان فيــنا ..!
كنا نتخاطب عبرها لفترة من الزمن ..
و رتبنا مهــرجانات الشــموع .. و كانت أيضــا .. زمن اخــر يحتاج كثيرا من التنسيق ..
أشــترينا عدد من الشــموع .. فاق الخمسة الآف شــمعة.. و لم تكن الشــموع وقتها قد دخلتْ في دائـرة الســلع المشبوهة .. و المتهمة بالتواطؤ .. كالمح و السكر و الشاي و ألأدوية ..
و كنا نراقب بصمت ما يحدث من حــولنا.. و قد حــدث في مرات عديدة وكثيرة .. أن مات بعض الشــباب .. أو اٍختفــوا .. لمجــرد شــرائهم لكميات زائـــدة من الملح ..!!

***
كانت اٍنتصــار تتكئ على صــدري .. و نحن نتحــدث مع أميـــرة .. و كانت أمســية دافئة قليلا..
ضحكتْ أميرة ، وقالت : ما تفعله هــو الإشتطاط ..!
قلتُ : كيف ؟
قالتْ : نعم .. أنا أحب الشجار .. و لكن لم تكن لي القدرة على التصور بأن حياة الشــجرة تســاوي حياة الإنســان ..!!
و كانت اٍنتصــار تخلل شــعري بأصــابع يدها .. و هي تضــع رأسها على حجري ..
ثم قالتْ اٍنتصــار : فقط نريده أن يكون أمينا على أشيائه ..!
صفعتها أعلى وجهها .. وقلتُ : لا أحتاج لمن يذكرني كيف لي أن أمارس وفائي ..

و في وسط تلك الأحاديث المتفرقة رتبنا مهرجان الشــموع الأول .. و كانت القوائم تصلنا باٍنتظام .. و كنا نحرص بدقة على التأكد منها .. وتصــديرها خارج المدينة .. و خارج القطر.. و كانت كل شــمعة تمثل اٍسم من اسماء الذين ابتلعهم حــوت الزمن المـــواتْ ..!
ســنحتْ لنا ســوانح عديدة .. لملاقاة كل أسرة .. و تأريخ الحوادث المتتالية.. و لم تكن لنا فسحة من الزمن لتسمية الأشياء.. فقد تكون هي .. اٍختفاءات.. تصفيات جسدية.. تعذيب ..الخ
في النهاية .. هي اٍنتهاكات لحقوق الناس الأساسية ..
تعلمنا أشياء عديدة.. و أن المدينة قد تدعي الصمت في ظاهرها .. و قد تدعي الغباء و التجاهل المستمر.. و لكنها تعرف جيدا كيف لها أن تقــوم بتقييم الأحداث و ترتيبها وفقا لسياقتها المتشابكة!!

تعلمنا ترتيب المقامات .. و كنا نعلم جيدا .. ان أيّ واحد منا .. أو ايّ واحدة منا.. سيذهب .ز أو ستذهب .. في المنعطف القادم .. و لكن هي أمانة في عنق اخر من يتبقى منا .. فقط نريد أن تعرف الدنيا .. !
تعلمنا جيدا أن نحفظ أسماء من أبتلعتهم أبار الغياب النهمة..!!
قال ، لي حجاج يوما ، و هو فرح : سيكون شعار الزمن القادم هو الطبول.. عليك أن تجهز طبولك يا رفيقي..!
قلتُ : سأجتهد في أن أدخل الطبول في نص الدستور الوطني الجديد..!
ضحك يوسف وقال: دعك من اسستهبال أهل القانون هــذا .. فغدا ستأتي و تحدثنا بالرطين العجيب .. و تقضي بقية العمر تلوك عبارة واحدة.. اٍن موكلي ، سعادتك ، غير مذنب !!

ضحكنا ثلاثتنا .. و أنهينا وقتها ، الإجتماع القصير و تفرقنا ..!

***


تذكــرتُ تلك الأشــياء .. و أنا مســجي على أرضية الزنزانة .. و تقاطعتْ مع خواطر عديدة عن مفهوم الوطن .. البيت.. الأسرة .. الزنزانة ..!
تناهي اليّ الأنين الهادر من الزانزين القصيّة ..!
و دخــلوا عليّ أربعتهم .. ثم أقتادوني ..
قال صــاحبهم الأول : حــدثنا عن لغة الطبــول ..!
قلتُ : الطبـــول .. الآت تستخدم للتعبير عن الفرح .. وتستخدم في الأعراس و الختان و السماية ..
خبط على وجهي بلكمة بكماء ..ثم نفض يده .. وهو يقول : لقد نجّســت عليّ طهارة يدي .. فأنت لا تستحق ســوى الركل بالأحذية .. هل تعرف لماذا ؟
و لم ينتظرني أن أجيب عليه .. وواصل قائلا : الأحــذيّة هي التي تحملنا الى المســتراحات.. ووجوهكم .. اعفن من المستراحات بمراحل ..!!
أخفيتُ تعابير الألم عن تقاسيم وجهي ..و قلتُ : لا أدري عن أيّ اٍتخدام اخر للطبول ..
زأر و زمجر هادرا : اٍذن كيف كان يتواصل الطابور الخامس مع أهل الخارج ؟..أتظنون أننا أغبياء الى هــذا الحد؟ .. بل أنتم الأغبياء .. فلا يمكن أن تمارس هذه المدينة التعيسة .. الفرح المتواصل و لمدة خمسة أشهر على التوالي .. كنا نحسب ليالي فرحكم المزعوم .. كنا نعرف متى تقرعون طبولكم .. و تجدثونهم عن الإعتقالات و حركة الجيش ..!
ثم صمــت..
و بعد قليل عاد يســألني : ماذا كانت تقول الطبول بالضبط؟
قلتُ : تقــول أغنيات الفــرح ..!
ركلني أحد الثلاثة على بطني .. ثم صــرخ يشــتمني .. و يشتم أمي .. و جدتي .. وكل اٍمرأة ســاهمتْ في وجــودي .. أو منحي سبب من أسباب الفرح عبر تعاريج الجياة الحادة ..!!
قال صــاحبهم الأول : لن تنعم بالموت ..و لن تغيّــر فينا أفعالكم شــيئا .. فدعك من حضـور كاسبار بيرو .. قسما .. لو جاء الأمين العام للامم المتحدة بنفسه .. فلن يثنينا عن ما نفعل.. و اٍن كنت تحلم باٍنجيل الشيطان المسمى ديموقراطية .. فلن يأتي .. فلقد تولى زمن الرســالات الكبرى و أنقطع الوحــي يا صــاحبي ..!
حـــدّقتُ فيه بنظرة محايدة .. و أعادوني الى الزنزانة ..!



نواصــــل

محمد النور كبر
مشاركات: 33
اشترك في: الثلاثاء يونيو 07, 2005 9:16 am

مشاركة بواسطة محمد النور كبر »

اٍختفـــــــاء

1.




كـانت ليلة عجيبة .. أبتدأت بســحب الغبار الداكنة.. و صــوت الريح ، كان يهدر بقــوة .. و كنت أسمع صــريره من خلف قضـبان شــباك الزنزانة العالي .. و لم تكن الإضــاءة واضــحة ، كأنما الإغراق في ســلب الحرية يحتاج لمزيد من الظــلام ..

ســمعت صــوت مفاتيح كثيرة على الباب.. كأن من يســتخدمها غير متأكد أي المفاتيح أنسب .. و دخل شــخصان.. قال لي أحدهما هامســا: قــم ..!
حاولت الوقوف .. و انا اتقي بيدي سيل الضــوء الجاهر .. و مـد لي كتفه لكي أتكئ عليها.. و خـرج بـي ..
في المكتب الملحق .. لم اجــد صــاحبهم الأول .. و لا حتي بقية الصــحاب الغــلاظ ..
و كانوا ثــلاثة ..
ابتســم أحدهم ، و كان الشــيب ، يبدو على فــوديه كثيفا.. ثـم قال لي:
لا وقــت للكــلام .. فقط تذكــرنا.. وتذكر غيرنا ..
كنت أنظر اليه بذهــول .. غارق في محاولة يائسة جــدا لإســتشـفاف مــلامح اللحظة القادمة.. و لم يمهلوني .. و ضــعوني في السيارة البيكب .. و كان معي ســتة حــراس ..مدججين بالمدافع الأتوماتيكية ..
قال لي ذي الشيب الأبيض : في رعاية اللــه .. و ما في أي عــوجة ح تحصـل ليك.. فقط نريدك أن تلحق باٍنتصــار .. فهي أكثرنا حاجة الي قربك ..!
كدت أن أقــول لهم ارجعوني الي زنزانتي ..
دمعت عينــي .. انحدر خيط الدمع الحار .. مطرا من الحزن الهتون ..
و عانقني هــو بدفء .. و همس : لقد تحملت بما فيه الكفاية.. و لقد وصــلت رســالتك الي العالم كافة.. خيرا فعلت يا صــديقي..!!
ثــم خــرجنا ..

***


لا أرغب في قــول تفاصيل الســفر .. فلقد كانت لعينة..و لقد كانت حـزينة.. و لقد كانت مريرة و مرعبة..!
في أديس أبابا ، عرفت أن اٍنتصــار مرتْ من هنــا.. و ذهبتْ الى نيروبي ..و كمبالا .. و بجمبورا .. و دار الســلام .. ثم توقفتْ في القاهرة .. تنتظرني هنــاك ..
قضــيتُ اسبوعين في أديس أبابا .. و ســافرتُ بعدها .. الى القاهرة ..




***


نواصــل
أضف رد جديد