جيوبوليتيك الجسد العربسلامي في السودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

عدوى الحب

مشاركة بواسطة حسن موسى »

بيكاسو
حبـّك الخرز معد
واصل
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

بين الطهورة و التطهّر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد26





بين الطهورة و التطهّر

إن واقع الخفاض كما تتضامن على تخليقه المواقف الإجتماعية المتباينة و وجهات النظر القانونية و السياسية المتعارضة و مجمل الأدبيات المتواترة على محاور الحداثة/التقليد و حقوق الإنسان و حركة تحرير المرأة المسلمة و مساعي رد الإعتبار لمبدأ سيادة الفرد على جسده ..إلخ. كل هذا الواقع المركب يقعّد ظاهرة الخفاض ضمن المشهد المعاصر، كظاهرة حديثة ، هي من صميم هموم مجتمع عربسلامي يفاوض فرص إندماجه ضمن المجتمع المعاصر على مبادئ يوتوبيا الحداثة الإنسانية.و في هذا المنظور فالخفاض الذي نتحدث عنه اليوم ينطرح كظاهرة حداثية بعيدة كل البعد عن صورة الخفاض الذي عرفته المجتمعات الفرعونية أو الجاهلية في جزيرة العرب أو ذلك الذي خبرته بعض مجتمعات غرب أفريقيا قبل عهد التماس مع الحداثة الرأسمالية. باختصار: كلنا ضالعون في الحداثة سواء بإرادتنا ، كوننا وجدنا فيا مصلحة مادية و رمزية لا محيد عنها ،أو نحن ،على الأقل، متورطون فيها، رغما عن تمنـّعنا و تأفـّفنا الظاهري من حداثة أوروبية المنشأ توقعنا ـ و بشكل يومي ـ في حرج كبير تجاه موروثنا الثقافي قبل الرأسمالي.
و في التحليل النهائي ، إن كان هناك" تحليل نهائي" لهذا الإشكال ، فالخافضون و الخافضات و المخفوضات بسلامتهم "في سرج واحدّ، هو سرج الحداثة الراهنة.فنحن صنائع الحداثة الإستبعادية الممسوخة المنقسمة الملتوية الجائرة العايرة و التي تبقى ، فيما وراء علاتها و مخازيها الظاهرة و الخفية ،تبقى مخرجنا الوحيد من أحبولة " صراع الحضارات" التي تتهددنا و تتربص بنا كلما ابتدرنا تمردا على منطق رأس المال المتعولم و على تعاليم البنك الدولي و لوائح منظمة التجارة العالمية .و في هذا المنظور التاريخي، فالأولوية الحقيقية التي علينا مواجهتها هي إعادة إختراع حداثة على صورتنا جميعا، حداثة إنسانية على مقاسنا جميعا. و أصر على " جميعا" التي أوصّفنا بها لأن أي منظور جزئي أو إنتقائي لمشروع الحداثة لا يؤدي إلا إلى الإنغلاق في تصانيف الفئوية العرقية و السياسية و الدينية.و إعادة إختراع الحداثة ـ و لو شئت قلت: إصلاح الحداثة ـ و توسيع مواعينها لتسعنا جميعا ،مهمة عسيرة لأنها تفترض محلا إجتماعيا تاريخيا قوامه وحدة المصالح المادية و الرمزية.هذا ال" محل" الذي يتضامن أعضاءه ضمنه على تنظيم أولويات الصراع بينهم على أساس تقديم الصراع الأساسي ، ضد أعداء الحداثة الإنسانية ،على الصراعات الثانوية بين" الأعدقاء" ، هو نفسه مشروع عمل عام كبير و معقد ، و بالذات في مجتمعنا المعاصر المتردد بين الماضي و المضارع و المفشوق بين مزالق العروبة و مزالق الإفريقية و المشلهت بين مغابن الدين الإسلامي المحدّث وأوهام علمانية السوق المتسربلة بسرابيل النصرانية الأوروبية.
و الـ محل التاريخي الذي يتخلق ضمنه مجتمعنا العربسلامي المعاصر يفرض علينا الحياة تحت شروط تناقض المصالح ضمن مشهد الصراع الطبقي بين العربسلاميين الأغنياء و العربسلاميين الفقراء.و في هذا الأفق تبدو أي محاولة للحديث عن المسلمين كـ " مسلمين و كفى"، أي مسلمين خارج التاريخ أ أو عن " العرب " كعرب بدون فرز طبقي تنتهي بالضرورة إلى السقوط في فخ المواجهة المزيفة بين " الشرق" و " الغرب"، بين " التقليد و " الحداثة "،بين" العقلانية" و" العاطفة" و قيل بين" الروح " و المادة " الخ.و في هذا المنظور ، منظور الصراع الطبقي ، داخل( و خارج) المجتمع العربسلامي الحديث، تبدو قضايا رقصة العروس و خفاض الفتيات و الحجاب كما الجزء الظاهر من آيسبيرغ الأزمة الوجودية الكبرى التي تعصف بمجتمعنا مثلما تعصف بغيره من المجتمعات المعاصرة.
كانت الحياة داخل ثقافة المجتمع التقليدي قبل الرأسمالي توفـّر لأجدادنا و جداتنا جملة من الضمانات النفسية و الرمزية التي تمكنهم من عبور أوعار الوجود و " أسباره" و مخاطره المتنوعة وصولا إلى الموت دون تردد أو وجل.فصرنا اليوم ـ تحت نير ثقافة السوق ـ في " حيص بيص" بدون الضمانات النفسية و الرمزية التي عرفها أجدادنا.و هو فقد يعوقنا عن إتخاذ المبادرات المعنوية و المادية التي تمكننا من ممارسة حقنا المشروع في شراكة وجودية تليق بقدرنا كطرف أصيل في المجتمع الكوني المعاصر، و يموضعنا في موضع المُنبت في تيه الوجود.
و إذا كانت المناقشة في شأن ثقافي تفصيلي كرقص الفتيات تملك أن تثير كل هذا الكم الهائل من العنف اللفظي على صفحات منابر الأسافيرـ و عن العنف الجسدي داخل مؤسسة تعليمية مرموقة كجامعة الخركوم فحدّث ـفما ذلك إلا لأن الصراع حول رقص السودانيات العربسلاميات يموّه من وراءه صراعا آخرا، بين مصالح فئات إجتماعية متعارضة. و" خلاصة القضية" لا يمكن أن "توجز في عبارة"، لكننا اليوم على مشارف تعريف جديد ضروري لمفهوم الجسد ضمن المجتمع العربسلامي المعاصر.و كون تعريف مفهوم الجسد الذي نحن بصدده هو بالضرورة حداثي فذلك لا يعني أنه يعتمد بالكلية على ما أورثنا إياه أدب الجسد الحديث في سياق الثقافة الأوروبية التي طورت مفاهيمها للجسد على المحاور الرمزية لتقليد النصرانية المتوسطية و إحتياجات السوق الرأسمالي للمجتمع الصناعي.فنحن اليوم أمام قارة عذراء جديدة لم يستكشفها أحد بعد.و الخرائط الوحيدة الممكنة لهذه القارة الجديدة هي الخرائط التي سنرسمها لها أثناء توغلنا في دروبها التي سنفتحها بوسائلنا و أدواتنا المتواضعة،وسائلنا و أدواتنا التي يتوجب علينا تخليقها على قدر طموحنا الفادح نحو تأصيل مشاركتنا في صياغة جسد حي للوجود الإنساني الخلاق.
هذه" التخريمة" المبدأية ضرورية لعقلنة مخاوف الدكتورة بيان و فهم حربها المعلنة على رقصة العروس كوجه من وجوه " العادات الضارة"، " مثلها مثل الخفاض".أو كما قالت:
" إعتراضي الأساسي هو على عرض رقصة العروسة التي أرى فيها حط للمرأة وتحويلها إلى جسد لاغير.."
و إعتراضي أيضا على إستخدام أغاني البنات الهابطة"
"..فتحت عيني على حقيقة رقصة العروسة..و رفضتها و أرفضها و أرى أنها محطـّة للمرأة مثلها مثل الخفاض"
" و من ثم فإن رقص العروسة يجب محاربته مثلما العادات الضارة.."
( " المنبر الحر " سودانيز أونلاين دوت كم ـ 3 مارس 2004)
و مركز إعتراضات الدكتورة بيان يتمثل في إنمساخ المرأة" إلى جسد لا غير"،والدكتورة الفصيحة تنتفع نقديا بالتركيب المفهومي لموضوعة الـ " جسد لاغير" على مرتكزين أيديولوجيين ظاهرهما التناقض إلا أن باطنهما الكسب البراغماتي لـ "قضية تحرر المرأة" من مشهد هذه " الجندرية الإسلامية"، خريجة" قسم النقد" في" معهد المسرح"( الماركسي اللينيني). و لا جناح عليها و لا" قشة مُرّة" عندها و لا حزن،فالغاية تبرر الوسيلة:
فمن جهة أولى ، جهة الخيال التقليدي الذكوري العربسلامي ـ الذي تقيم الدكتورة بيان في حرزه الآيديولوجي ـ تستدعي موضوعة المرأة/ الجسد،" لا غير"، صورة الجسد المؤنّث الذي هو عورة و حرم و حرث و قارورة و ضلع أعوج و شيطان إلخ.. هذا الجسد المؤنث الملغوم بالفتنة يتهدّد تماسك الأمة و سلامتها،و يفرض على ذكور الأمة جملة من تدابير الحماية التي تبدأ بالمنع و الحجب و البتر و القهر لغاية القتل، حتى يستتب لهم أمر أمن "الشرف الرفيع" من أذى هذه الفتنة الفالتة التي صارت تمشي في الأسواق على عينك يا تاجر.
و من الجهة الثانية، جهة الخيال التحرري للحركة النسوية الحديثة ـ الذي تستلف الدكتورة منه متاعها النقدي الجندري ـ تستدعي موضوعة المرأة/ الجسد " لا غير" ، صورة التسليع المهين لجنس الإناث الذي تثبّت في خاطر الثقافة الحديثة بفضل بروباغاندا التسويق اللبرالي الذي لا يتورّع عن شيء بسبيل الكسب التجاري.فمبادئ و أساليب السوق اللبرالي المفتوح على كل شيء تشيّئ صورة المرأة و تمسخها محلا للهوس الإيري ( فاليك) و هدفا لإسقاطات الهواجس الذكورية المريضة ، ثم تفرض هذه الصورة الزائفة للمرأة على الجميع ـ بما في ذلك جمهور النساء أنفسهن ـ و في هذا المشهد التجاري تقوم مؤسسات التسويق بفرض نموذج جمالي للجسد المؤنث بعيد كل البعد عن واقع النساء الحقيقيات.هذا النموذج ، نموذج الـ " باربي قيرل" و الـ" بين آب قيرل"
Pin up girl
هو النسخة الأوروبية النصرانية الحديثة لصورة الأنثى/ الشيطانية /الحرم /العورة/ الفتنة/ البغي/ الحرث / الحرمة المبذولة لمن استطاع إليها سبيلا.و ليس عرضا أن حضورنموذج فتيات الـ " باربي"و الـ " بين آب" بأجسادهن الشابة العارية الفتانة صار يؤثـّث الجزء الأكبر من تصاوير البروباغاندا التجارية، ذلك أن آلة التسويق التي وجدت في تسليع الجسد المؤنث فرصة طيبة للرزق السهل تعرف كيف تصون هذا الطُعم المجزي في خاطر جماهير المستهلكين.و أفضل مثال على ذلك يتمثل في صعود نجم عارضات الأزياء و ملكات جمال العالم في سماء المشهد الأعلامي المتعولم حتى أن جل مراهقات العالم صرن يحلمن بنجاحهن الفارغ الذي يعتمد على إنطباق موصفاتهن الجسدية مع مواصفات النموذج الجمالي لتصاوير البروباغاندا التجارية، و هي مواصفات ليس بينها المعرفة و الموهبة و القدرة على التفكير النقدي.فالطفلة الصغيرة التي تلعب بدمية" الباربي" اليوم تهيّئ نفسها بعفوية لقبول و تمثـّل جمالية آيديولوجيا التجارة التي تموضع قيمة المرأة في جسدها قبل كل شيء.
هذا النقد، لصورة المرأة المتشيّئة جسدا برسم السوق، هو نقد سليم و " قولة حق" سواء جاء من جهة الجندريات البيوريتانيات الإسلاميات أو من جهة الجندريات البيوريتانيات العلمانيات.و ليس لأحد بيننا مصلحة في زرزرة الدكتورة الفصيحة بغاية زحزحتها عن هذا المركز البراغماتي المتقدم الذي تشغله بذريعة الدفاع عن أدب الجسد السوداني العربسلامي. و إنما الغاية من هذا "التخليل" هي تبصيرها بمدى التشعب و التركيب المتكنـّز في ثنايا مفهوم المرأة/ الجسد " لا غير".و في نهاية التحليل فهي " على الدرب" كما تقول العبارة،و" كل من سار على الدرب وصل"، و دروب تحرر النساء(و تحرّر الرجال) في بلادنا حافلة بالمفاجآت.
و يبقى" من حتى" أن هذا " الجسد " الـ " لا غير" ،هذا الجسد الذي تحتفل به ثقافة المجتمع قبل الرأسمالي من خلال طقس رقصة العروس، لم يقل كلمته بعد.فهو جسد " بطنه غريقة " كما يعبر الأهالي.و من عمق أدب الجسد الذي ورثناه من أجدادنا و حبوباتنا تتفتّق عبقرية فريدة غايتها تقعيد جسد الوجود الفردي مع جسد الوجود الجمعي على مقعد الحياة ، على شرط الحرية.
كيف؟ مندري.
فهذا سؤال جبّار أتشرّف بطرحه و أتباعد لرؤيته من مسافة آمنة عسى أن يورثني الله علم ما لم أعلم في أحوال أدب هذا الجسد المكار المخاتل الذي هو ، بسبيل الدفاع عن حقه في الرغبة ـ الرغبة في البقاء ـ الرغبة في الحياة ـ يظهر غير ما يبطن و لا يبالي أن يكيد للأيديولوجيات البيوريتانيات كلما سعت لضبطه في واحدة من زواياها الضيقة.و وعي الجسد الغريزي بأولويات الحياة يملك أن يلهم الجسد عقلانية عملية مادية فالتة من القيود و الأعراف الموروثة و معارضة مبدئيا لعقلانيات الوعي الإجتماعي التاريخي.و في هذا المنظور أرى في الأشكال البدائية لتأكيد حضور الجسد و الإحتفال به (على نحو رقص الأهالي في الأعراس و في حلقات الذكر أو في حلقات الزار إلخ) نوعا من ضمانة رمزية ثمينة ضد جور آيديولوجيات حداثة رأس المال بأنواعها.

ترتاع الدكتورة بيان من فكرة جسد يكشف عن مفاتنه" على الملأ"، و " بكامل ملابسه غير الساترة" كما تقول.و في العبارة:" بكامل ملابسه غير الساترة" تناقض بلاغي ظاهر قد يضايق القراء من غير أهل الفنون المشهدية الذين يرون منفعة " كامل" الملابس في الستر و ليس في الكشف.لكن لو قرأنا العبارة بشيء من سماحة أهل المسرح مكننا ذلك من النفاذ لفكرة الدكتورة الناقدة. فالجسد المؤنث الموجود على الخشبة إنما ينتفع بالأسلوب الذي يضع به" كامل ملابسه" ليؤكد من قيمة إنكشافه كعورة، لكنه إنكشاف تحكمه ضوابط الطقس المشهدي و غاياته التي تحميه من الوقوع في فحش الإستعراضية المرضية (الـ" إكزيبيشينيزم"). و هذا إنكشاف يحتمي بالوهم المسرحي الذي يتقاسمه أهل الخشبة مع أهل الصالة.
لكن روع الدكتورة يتضاعف من واقع إنكشاف هذا الجسد المؤنث المتبرج أمام الأجانب بوسيلة الفحش الأدبي الذي تسميه بـ " أغاني البنات الهابطة" ـ ترى هل تعرف الدكتورة لـ " البنات" أغان تصون لوائح الأدب الرفيع الهادف و تتنزّه عن الرفث و "الهبوط" الأدبي إياه؟و هل غفلت الدكتورة الناقدة عن رؤية المعنى المسرحي" التطهري" المضمّن في فعل الخروج المتعمّد على لوائح السلوك السوي من بوابة " الهبوط" في أغاني البنات؟
فالـ " هبوط" في أغاني البنات هو خيار خروج جمالي و رمزي و أخلاقي و سياسي في آن، لأن" بنات القبايل" و" العوايل" المحافظة " يهبطن" من علياء الأدب الصارم و يتخففن من حمولة التربية الجمالية البيوريتانية لطبقة وسطى عربسلامية تعتبر نفسها " خير أمة أخرجت للناس".و هذا " الهبوط" المحسوب المضبوط في إطار البهجة النسوية الخالصة الدسم ـ غناء البنات يتم بين البنات للبنات ـ يمثل لحظة تطهّر لا تقدر بثمن، لأن المغنيات يبحن فيها لأنفسهن كل أنواع الكلام الممنوع على الإناث في السودان.و قد يجمحن ـ باسم التطهر ـ في أدب التفحش الغنائي حتى تخوم البذاءة الصريحة فينكرهن من يعرفهن في إطار الواقع اليومي المألوف.لكنهن بعد إنقضاء طقس" الهبوط " يستعدن وعيهن بالأدب العالي و يعدن إلى حالهن الطبقي و قد نفـّثن عن غبائن نسوية متراكمة عبرحقب القهر الذكوري العربسلامي.
إن مفهوم" التطهّر" (كاثارسيس)
Catharsis
يعتبر من أعرق مفاهيم نظرية الفعل المسرحي في التقليد المتوسطي. و أهل الفنون المشهدية يرجعون مفهوم التطهر الى أرسطو الذي عرّف منفعة التمثيل المسرحي بالنسبة للجمهور على أساس مشاركته الإيجابية في الحدث الدرامي، و ذلك على زعم أن الجمهور ليس متفرجا سلبيا و إنما هو شريك في الحدث الدرامي.فالجمهور يشارك ـ على الأقل على مستوى الخيال ـ في الحدث الدرامي، و ذلك من خلال إسقاط الأحداث و الشخصيات المسرحية على تجربته الذاتية.و تترتب على مشاركته في الحدث الدرامي نوع من التفريغ النفسي الذي يحرر المشاعر المكبوتة التي كانت حبيسة في دخيلته و يطهره من أثقالها.و قد انتفع أهل التحليل النفسي ، على أثر" فرويد" و" بروير"، بمفهوم التطهر في تعريف حالة الإرتياح التي تعقب تفريغ الشحنة العاطفية الكبيرة الناتجة من إستحضار ذكرى حدث مغمور في أعماق اللاوعي إلى دائرة الوعي.و بعض أهل علم التحليل النفسي يستخدمون تقنية التطهر الدرامي لغايات علاجية كتخليص المريض النفسي من حالات القلق و العدوانية.
كنت أتوقع من الدكتورة الناقدة المسرحية أن تدخل على" أغاني البنات" ، هذا الأدب الرفيع "الهابط" عن سبق القصد و الترصّد، من باب أرسطو و فرويد،لكنها فضلت الدخول عليه ـ بالساحق و الماحق ـ من باب" المطوعين" السعوديين الذين يحملون العصا في وجه كل من عصا و الأجر على الله.
و الجسد المؤنث الذي يكشف عن مفاتنه هو مصدر الفتنة الفتاكة التي تتهدد أمة المسلمين حتى أن البرامج السياسية للأصوليين تحفظ لمهمة ضبط أجساد الإناث محل الحظوة بين أولوياتها.و مفهوم " الفتنة " في مشهد شريعة المجتمع الذكوري يرادف الفوضى الجنسية و الإضطراب و التخريب الذي تجد له الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي في " الجنس و الآيديولوجيا و الإسلام" ، علاقة بمفهوم " شريعة الغاب" التي يستحيل معها بناء المجتمع الإنساني عند فرويد.و يتوجه الجزء الأكبر من محاذير الشريعة الإسلامية لحماية المجتمع الذكوري من عواقب هذه "الفتنة" الصادرة عن الجسد المؤنث.و ذلك من خلال مساعي فرض الأحجبة المادية و المعنوية على جسد الأنثى ، سواء بمصادرة قدرها الإنساني كـ " ناقصة عقل و دين"، محض جسد "لا غير"،سواء بحبسها و تحجيبها و تكميم رغبتها في الحياة و إلغاء حقها في الأشتهاء و ..و.. وهيهات.
و مع ذلك ـ و بعد " هيهات" ـ نجانب الدقة لو اعتبرنا أن شريعة المجتمع الإسلامي قبل الرأسمالي تلغي موضوعة الرغبة الجنسية عند المرأة بالكلية.ذلك أن شرع المسلمين إنما ينظم موضوعات الرغبة و المتعة على مبادئ إقتصاد نكاح مغاير عن إقتصاد نكاح مجتمع الحداثة الرأسمالية.فعقد النكاح المدني الحديث يجعل من المرأة ذات فاعلة ذات سيادة و مساوية لذات الرجل في الحقوق و الواجبات، بل هي و قمينة بتأسيس علاقة تبادل عاطفي في ندية كاملة، في حين أن عقد النكاح الإسلامي يموضع المرأة تحت ولاية رجلها ماديا و روحيا.لكن هذه المرأة المسلمة، حتى و إن بقيت رهن إشارة زوجها و تحت ولايته و تحت خدمته ، إلا أن عقد النكاح لا يلغي حقها في التعبير عن رغبتها الجنسية داخل إطار إيروتولوجيا إسلامية فصّل فيها الفقهاء الذكور و أورثونا من ذلك أدبا ضخما في أحوال الجسد المسلم.و هو أدب تمحيصه يحتاج لأجيال من فرق البحث في شتى المجالات المعرفية .
" و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"(الروم ، 21)." ..هنّ لباس لكم و أنتم لباس لهن.." (البقرة ، 187). و رغم أن التقليد الذكوري للمجتمع العربسلامي ينزع الى تكريس المرأة كـ " حريم" وكـ " حرث" تابع للرجل إلا أن النصوص القرآنية تحفظ للنساء المسلمات ثغرات لا بأس بها في بنية الفقه، تسوّغ لهن أن ينفذن إلى مركز المساواة في مقام "التساكن" و" المودة" و "الرحمة" و" اللباس".مقام الحب و الرغبة كموضوعات مشروعة للنساء المسلمات بقدر ما هي مشروعة للرجال المسلمين.فالشرع لا يصادر حق المرأة في الإشتهاء لكنه يقننه ضمن إطار العقيدة و ضوابطها،و تقنين شهوات النساء و الرجال في الإسلام فولة تفيض عن سعة مكيالي هذا و أتركها لمقام آخر.
و لعل وعي الدكتورة بيان بـ "الهامش/ الثغرة" الذين يتيحهما شرع المسلمين لموضوعة الرغبة المؤنثة هو الذي حدا بها للتذرّع بذريعة " السياق الإجتماعي" كشرط لقبول رقصة العروس على علاّتها الإيروتيكية المشهودة، قبولها كـ "طقس نسوي".فالدكتورة تقول:" و ذلك العرض لو قدم فيه رقص شعبي ، مثلما قالت روضا،رقصات حصاد من الرقصات التي تقدم جماعيا لما اعترضنا. و لكن أن يقدم طقس نسوي على الملأ بكامل ملابسه غير الساترة و أغنياته الهابطة فهذا ظلم للسودان.و ظلم للفتيات اللاتي قدمن هذا العرض .عندما خرج المشهد من سياقه الإجتماعي إعترضنا عليه..".
المشكلة هي أن السياق الإجتماعي الذي أورثنا مشهد العروس التقليدي قد إضمحل و باد و لم تبق منه سوى تلك الحفريات المتحفية التي تصونها فرق الرقص الفولكلوري بمشيئة السلطات السياسية حين تعرض فرق الفنون الشعبية كدليل على حدبها على ثقافة الشعب.أو بمشيئة المؤسسات السياحية التي تجد في الرقص الشعبي البائد بضاعة ذات مردود تجاري ميسور في سوق الإكزوتية الثقافية.. و الشاهد في الأمر هو أن الراقصات الحديثات يواصلن رقصهن و خاطرهن يستبطن قسمة الحداثة المفجعة بين الإيروتولوجيا العربسلامية ، كما طرحتها أيقونة التقليد الثقافي المستحدث ، على أمشاج الحفريات المتحفية و ما جادت به ذاكرة الأجداد و الجدات، و الإيروتولوجيا النصرانية المتوسطية ، كما تفرضها علينا( و على غيرنا) ثقافة السوق الرأسمالي المتعولم.و أهي عايرة و أدوها سوط و كلنا في الهم غرب.
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

وفى حديث مزالق أو فشيق (الحداثة) دون فرز طبقى لازم للمواقع والسياقات التى أنتجت أليات الهيمنة من غير (كوم العرب كلهم فى صفة ثقافتهم العربو أسلاموية كما جرى فى تعريفكم) أو ( الأفارقة المستعبدين والمهمشين) فى بعض تعميمات مثقفى الهامش..تحركنى غبينة خاصة ياأستاذ حسن وغبينة هنا (فكرية) بحته لاتحمل فى داخلها نوايا وجدان متربص بالشر..
سؤالى..هل ماتطرحه هنا هو أستمرار متناسق مع مشروعكم الفكرى أنت وبولا لما توظفه وتسربه الأيدلوجا للمشهد الثقافى كخطاب وسياق فالبعض (جبدوا) منكم النقد التشريحى المنتشى بأكتشاف مكامن المرض داخل الثقافة العربوأسلاموية (ودبجوا به مشاريعهم اللاحقة فى الصراع السياسى والفكرى) لكن فكرة الموقع والفرز الطبقى لم يتم النظر أليها كأصل منهجى فى المشروع مما(لفحوه) على عجل حتى أنتظرنا حوارات لاحقة تفسيرية أو ربما ترمم ماسقط سهواً أو بفعل (نشوة التشريح) فى أتحاد الشاقية وحتى قصة جيلى وجيلك البهناك....وقريبنا المرق عراقيه حتى يكسى العارى الفقير (قيم ماقبل تدشين الرأسمالية)

بشكل اكثر تحديداً..الكلام ده قديم ؟..ومستصحب بتعيين أدق للمنهج وواضح فى متون ماقدمتموه..أنت وبولا أم أنكم غيبتم بعض مافى المنهج عفوا أو قصداً من بعض منطلقاته المفاهيمية والتحليلية فى النظر للوقائع قصداً كى تستنفعوا بغنائم (أختلافكم) السياسوية أيضاً مع الطبقة (.........) العربوأسلاموية..فى صراع سياسى خاضه أهل اليسار بشكل مجانى أحياناً لكسب ود بعض أهل البلد من المستضعفين والمهمشين بسياق التشكيلة وعلاقات الهيمنة..

(عدل)


مع ودى
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

حاتم الياس
سلام جاك
زمان في بوست " الضحك" مازن مصطفى كتب ليهو كلام ملغوس ما في زول فهم فيهو حاجة ، لامن جات عالية عوض الكريم و سألته بكياستها البصيرة :" لو قلت حاجة يا ربي حتزعل؟ "
أها يا حاتم،ما تزعل ، لكن أنا و الله قريت كلامك دا أكتر من تلاتة مرات و ما فهمت قصدك:
" البعض" ديل منو؟ و عملوا شنو بالضبط؟
و العبارة بتاعتك عن: " فكرة الموقع و الأصل الطبقي لم يتم النظر إليها كأصل منهجي في المشروع مما( لفحوه).." هذه العبارة لم أفهم المقصود بها ، كما لم أفهم قصدك من عبارتك التانية التي تقول فيها:
" أم أنكم غيبتم بعض ما في المنهج عفوا أو قصدا ".." كي تستنفعوا بغنائم إختلافكم السياسوية أيضا مع الطبقة العربواسلامية"
و تتكلم عن " صراع سياسي خاضه أهل اليسار بشكل مجاني أحيانا لكسب ود بعض أهل البلد من المستضعفين و المهمشين بسياق التشكيلة و علاقات الهيمنة ".
هل نفهم أن" أهل اليسار" هم الحزب الشيوعي السوداني؟
أم هم مجمل مكونات حركة اليسار؟
و مادلالة" مجانية" الصراع السياسي الذي خاضه أهل اليسار؟
أنا أسألك كل هذه الأسئلة لأني استشعر أن وراء الضباب الذي يلف عباراتك رؤوس مواضيع نافعة في خصوص المناقشة الدائرة هنا و هناك حول مواضيع الآيديولوجيا و الطبقة و المنهج.
سلام
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ما العمل؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 27

ما العمل؟

رغم أن رقصة الرقبة في صورتها ـ و في صيرورتها ـ الحالية تتميز بجملة من التبدلات المشهدية و الكوريغرافية إلا أن المضمون الحركي الرئيسي للرقصة يظل هو فعل الإنفتاح.إنفتاح الجسد المؤنث على مد البصر، على وجه العموم، و على مد البصر المذكر، على وجه الخصوص.و تبقى علاقة الجسد و النظر هنا علاقة جديدة مغايرة لما كان عليه حال الجسد و النظر على عهد التقليد الثقافي قبل الرأسمالي.
فعلى صعيد عمارة المشهد نلاحظ أن فتيات أمدرمان الثلاثينات ،اللواتي كن يحضرن الحفلة و وجوههن مُيمّمة وجهة الحائط ، حتى لا يلاقي نظرهن نظر الرجال،قد غيّرن من وضعيتهن بشكل حاسم ، في الخمسينات،ليتخذن وضعية المواجهة البصرية مع الرجال ـ و العين بالعين ـ و ليكلن الصاع صاعات في حرب النظر الإيروسي التي طالما خلدت الأغنية الحضرية الذكورية فيها صولات و جولات لذلك اللحظ الأنثوي الفتـّاك. ثم جاءت سنوات الستينات برهط "الأكتوبريات" و قد قويت عينهن ـ و بصرهن اليوم حديد ـ بفضل حركة نسوية، حيويتها العالية تطورت ضمن نسيج المنظمات الشعبية السياسية و النقابية المؤثرة بالذات في المراكز الحضرية. وقد استفادت الحركة النسوية السودانية ـ على تباين تياراتها ، من خبرات العمل العام الحديث و أدواته التي تطورت في إطار الحركة الشعبية الحديثة. و "قوّة عين" النساء الأكتوبريات في فضاء العمل العام في السودان محصلة طبيعية لتطور الحركة الشعبية التقدمية بين منعطف" الإستقلال"(1956) و منعطف " ثورة أكتوبر" 1964.فقد تميزت " ثورة أكتوبر" 1964 بكونها مكنت شعب الحواضر من إعادة تأسيس المنتدى السياسي السوداني على هيئة محفل عرس منعقد بين تحالف القبائل و العشائر و البطون السياسية الحديثة . و هي القبائل و العشائر و البطون التي تضامنت على
" عقد " سياسي ديموقراطي غايته استبعاد العسكر وابتدار دورة سياسية مدنية تطمح لتحقيق وحدة وطنية على قاعدة السلام العادل لعموم أهل السودان.
في ذلك العرس القومي المتسمي بـ "ثورة أكتوبر" كان لا بد لصورة الشهيد الشاب " القرشي" من أن تتداخل، بل و تلتبس إلتباسا تاما، مع صورة العريس الشاب، سيّما و أهلنا تعودوا على تزيين الميت اليافع الذي مات " بلا حنة و لا ضريرة ، و لا سيرة لا عديلة" كما يزينون العريس الحقيقي.لكن هذا" العريس الميت" اليافع الذي استشهد على ساحة" العمل العام" لم يعد ابن أمه و أبيه و أهله و قبيلته فحسب. إنه ابن الشعوب و القبائل السياسية المتعاقدة على شرف مشروع عمل سياسي عام بذريعة هذه الجثة المباركة الماثلة في صورة " مؤخر صداق مقدّم " لعرس الديموقراطية في بلد الأشتات .و على شرف هذا " العريس/ الشهيد"، أو، بالأحرى، على شرف جثته المقدّسة ـ تنتظم حركة المجاميع الدرامية ، عبر الأمكنة و الأزمنة المدينية، من خلال المواكب و المسيرات الصامتة و الناطقة التي تستلهم سيناريو طقس " السيرة".و هي " سيرة" عجيبة يتحدد مسارها بين أنحاء المشهد المديني (المشرحة ـ الدار ـ الجامعة ـ ساحة القصر ـ المقابر ) بنوعية الدلالة الرمزية و المنفعة السياسية التي تتأتـّى من حضور جثة " العريس/ الشهيد" في المكان و الزمان المشهديين. في هذه السيرة التراجيدية تعلو أصوات الرجال و النساء بالهتاف المموسق بعناية على إيقاع الخطو و الزغاريد التي ترافق الجمع الهادر " إلى القصر حتى النصر" إلخ.و في لحظة المواجهة بين المتظاهرين و عسكر السلطة تلعب زغاريد الإناث المتظاهرات دورا كبيرا في تحفيز المتظاهرين الذكور و تثبيت أقدامهم حتى أن بعض الشباب كان يفتح قميصه و يكشف عن صدره صارخا في وجه الجنود المسلحين " الرصاص لن يثنينا" فكأن ساحة التظاهر انمسخت في تلك اللحظات إلى نوع من ساحة" بطان" تسع الوطن بحاله. و قد استشهد نفر من شباب تلك الأيام و قدموا دمهم مهرا فادحا لعرس الحرية الذي استقر في خاطر ذلك الجيل من " الأكتوبريين" كلحظة مفتاحية في تاريخ السياسة السودانية . لحظة مشحونة بكل طاقة الرموز القوية في التاريخ السياسي الحديث.( و هل من رمز أقوى من ذلك الحلف السياسي ، غير المعلن ، الذي تواطأ على صيانته" الأخوة الأعداء" من الشيوعيين و الأخوان المسلمين في جامعة الخرطوم بسبيل التخلص من الديكتاتورية العسكرية؟).
وضمن سياق هذا العرس الجديد الذي يقدم منفعة مشروع العمل السياسي العام على منافع التدبير التقليدي لعلاقة الإناث و الذكور بالمكان و الزمان، تخلّق حيز رمزي و مادي جديد قبل الناس فيه الحضور الجديد للنساء السودانيات، ضمن المجال العام، كحضور ذي نوعية حداثية غير مسبوقة .
و في تحليل نهائي ما، يمكن القول أن لحظات العرس الأكتوبري، كانت مناسبة فريدة سوّغ عليها شعب الحواضر إعادة تعريف أدوار الرجال و النساء في المجال العام، لأن النساء اللواتي خرجن يتصدّرن المظاهرات لم يقرن في بيوتهن بعد سقوط نظام العسكر، بل تمركزن في ساحة العمل العام يشاركن في الندوات السياسية و يبتدرن الخطط الإجتماعية والتدابير المهنية و الثقافية و الجمالية ، و هن على قناعة صلدة بأهمية و ضرورة دورهن في دفع حركة التقدم الإجتماعي. و حين وصلت فاطمة أحمد ابراهيم لساحة السياسة كأول نائبة برلمانية كان ذلك الوصول علامة مهمة في تاريخ حركة الحداثة السودانية ، كان وصول فاطمة أحمد إبراهيم للبرلمان، ديموقراطيا ، تتويجا منطقيا لمسار طويل من العمل العام السياسي و غير السياسي و من التضحيات و من التحولات الإجتماعية التي ساهم فيها السودانيون من دعاة التقدم رجالا و نساء.
كل هذه التحولات المادية و الروحية التي لعبت دورا مهما في تبديل علاقة النساء السودانيات بالمجال العام كان لا بد لها من أن تنعكس ، بصورة أو بأخرى، على أنماط السلوك ضمن محفل " بيت العرس"، سواء تعلق الأمر بتنظيم المحفل العام للمناسبة، أو تعلق بتنظيم مكوناته الرمزية و تدابيره الجمالية في أدق تفاصيلها.
و أظن أن الجزء الأكبر من التغيير الذي أدرك التدبير المشهدي لمحفل العرس في السبعينات، إنما يعود الفضل فيه للتحول الكبير في الأعراف و الأخلاق الحضرية بعد " ثورة أكتوبر" 1964 . ففي نهاية الستينات و بداية السبعينات بدأت التغييرات تطال ـ و بشكل حاسم ـ التدبير المادي و الرمزي لمشهد العرس. فمكان الحفل إنتقل من حوش الدار لبراح" الصيوان " المنصوب في الشارع أو في الأندية الثقافية وأندية الـ " الجاليات الإقليمية" التي عرفتها العاصمة بعد الستينات.فأمكنة مثل نادي رابطة أبناء حلفا أو نادي رابطة أبناء كردفان بالعاصمة، إنطرحت في منظور السلوك المديني كشكل جديد من أشكال تنظيم المنتديات ،و هو شكل إقتضاه التنظيم المؤسسي للعلاقات بين الأشخاص الذين وفدوا على العاصمة من الأقاليم.لكن تنظيم المنتديات المدينية كان يقوم أيضا على نوع الأمكنة المرتبطة بالعلاقات المهنية كـ " دار المهندسين" و " دار الأطباء" و" نادي أساتذة جامعة الخرطوم"و " نادي الضباط" إلخ.
و الإنتقال المادي لمكان محفل العرس من حوش الدار لهذه المنتديات العامة ـ بما فيها الفنادق الكبيرة و أندية الجاليات الأجنبية الأوروبية ـ ينطوي على نوع من الإنتقال الرمزي و النفسي الذي لا يمكن إهمال عواقبه على طبيعة سلوك المعنيين بالعرس في إطار المحفل الجديد. فكل هذه المنتديات بأعرافها و بأساليبها و طرائقها التي تتداخل و تتقاطع تفرض على مرتاديها تدابير سلوكية جديدة، أو هي ـ على الأقل ـ تحفزهم على تبني أنماط بعينها في السلوك المديني ضمن المجال العام.و بالذات في ما يتعلق بطرائق الحركة و الهيئة الجسدية و تفاصيل الملبس و المأكل و المشرب و أسلوب الحديث إلخ...
و البراح المديني الجديد لمحفل العرس هو براح مؤثـّث بأثاث مختلف.فأهل المحفل يجلسون على الكراسي حول الموائد المبثوثة بطريقة تراعي " ميزانسين" أو مَنـْظـَرَة الحدث المسرحي الذي يمثـُل فيه المشاهدون كطرف أصيل ذي فعالية دراميةمقبولة.و تدبير التأثيث بديكور الكراسي و الموائد لا يكون ما لم يتم حصر العدد الإجمالي للمدعويين، فالدعوة لم تعد عامة للغاشي و الماشي في مثل هذه المحافل. الدعوة محدودة بالأشخاص الذين وجهت لهم الدعوة شفاهة أو كتابة من خلال بطاقات الدعوة التي صارت نوعا أدبيا مستقلا له قواعده البلاغية المرعية وسط أبناء و بنات الطبقة الوسطى المدينية.و الدعوة المحدودة بعدد الكراسي و الموائد لها علاقة بنوعية الطعام و الشراب الذي يقدمه أهل العرس لضيوفهم، فمن المستحيل إطعام كل من هب و دب و قادته قدماه لمحل الحفل.و إطعام المدعويين باب قائم بذاته لأنه في الغالب يتم على يد محترفي هذا" البيزنيس" الجديد الذي حرر اهل العرس ـ حرر النساء بينهم ـ من مشقات تدبير الطبخ و الخدمة.و أهل الحرفة حين يقدمون للمدعويين طعاما حديثا يستلهم تقليد الأكل الأوروبي غالبا ، فهم يمدون المدعويين بالشوك و بالسكاكين البلاستيكية و أطباق البلاستيك و الورق التي ترمى مع النفايات بعد الأكل فلا داع لغسيل العدة و لا غسيل اليدين إلى المرفقين ولا المضمضة و الإستنشاق و الإستنثار إلخ.و خلاصة هذا الوصف هو أن تفاصيل الجلوس و الأكل و الهيئة العامة لمحفل العرس المديني تنتهي بنقل الحضور إلى مستوى من الوجود الرمزي المغاير الذي يجعل من مجرد الحضور في محفل العرس المديني ، مساهمة في نسيج النمط السلوكي الجديد.
و تنظيم معمار المحفل بين الستينات و السبعينات يكشف عن تحول كبير ،و قيل عن إنكسار جذري ، حين نقارنه بمشهد محفل العرس في الخمسينات.فقد انتهى التنظيم القائم على شكل الحلقة التقليدية، و في مركزها العريس و العروس، بينما محيطها مقسم بالتساوي بين قوس الذكور ـ غالبا خلف المغنين ـ في مواجهة قوس الإناث، إنتهى إلى نوع من صالة مسرح مكشوف ، يتوجه نظر " الجمهور " فيه إلى خشبة أو " مصطبة" تحتلها الأوركسترا وراء المغني وسط أثاث التصاويت و آلياته الإلكترونية. و هي خشبة يفصلها عن المشاهدين مساحة واسعة نوعا ، مخصصة للراقصين و للراقصات أزواجا أو فرادى.فقد كانت ستينات " التويست" تمثل بداية استقرار أشكال الرقص الأوروبي الحديث بين أولاد و بنات المسلمين من سكان الحواضر السودانية.و أظن أن معظم راقصي التويست في البداية كانوا من " أولاد القبايل" ممن وجدوا في الرقص الحديث وسيلة ناجعة لاستقطاب نظر الحضور المؤنـّث.لكن " بنات القبايل" لم يتأخرن كثيرا. فمع حلول السبعينات تعود جمهور محافل الأعراس على رقص أولاد و بنات المسلمين داخل حلقة يختلط فيها الحابل و النابل وسط جو من البهجة الجمعية الجديدة.و قد كانت ساحة الرقص في ذلك الزمان بمثابة خشبة مسرح يتقاسمها الراقصون مع المغنين بالتساوي.و مع هذا التدبير الجديد تم نفي العروس و العريس من مركز المحفل إلى الهامش ، في نوع من منصّة جانبية مزينة بالثريّات و الزخارف المذهّبة.هذه المنصة هي " الكوشة" ، و أصلها من الفرنسية في معنى المضجع أو المرقد
Couche
و تطلق على نوع الأثاث المستخدم للجلوس المريح بين السرير و الكرسي .كانت أمي و بعض خالاتي يتعجبن من حظوة هذه " الكوشة" التي تطفلت على التدابير التقليدية لمحفل العرس و أربكت التنظيم الطقسي الذي تلقينه من أمهاتهن. و كن لا يتورعن عن التشنيع على هذا المسخ الطقوسي الثقافي الوافد من شمال الوادي بالإشارة لدلالة عبارة " الكوشة" في العامية السودانية ( موضع القمامة). لكن النساء الأميات اللواتي أدمنّ ـ في السبعينات ـ متابعة المسلسلات التلفيزيونية المصرية كن على وعي تام من كونهن يخضن معركة خاسرة ضد المد الغامر للثقافة الشعبية المصرية في السودان .و أظن أن حكمتهن هدتهن في النهاية إلى تبني "الكوشة" و تطقيسها في سماحة مشهدية" سودانوية" يحسدهن عليها غلاة منظري السودانوية السياسية.أقفل قوس الإستطراد في شأن " كوشة " السودانوية بسرعة، حتى لا نبتعد عن موضوعنا، و أعود لموضع العروس و العريس في مشهد المحفل الحضري الجديد.
من علياء كوشتهما المذهبة يرضى العرسان بالفرجة على الإستعراض كمثل ملك و ملكة يرقبان الرعية الجامحة التي استأثرت بحظوة الحركة في مركز الحلبة الراقصة. و من ثغرة " التويست" دخلت سلسلة من الأنواع الكوريغرافية الحديثة كالـ "سامبا" و الـ "جيرك" و الـ "فالس" والـ "سلو " و ماخفي.و وسط هذا السياق تم تحجيم رقصة الرقبة إلى حيز الخطاب الجسدي الفلكلوري الذي تعرّج عليه الراقصات من حين لآخر بشهامة جمالية كبيرة و يستقبله الجمهور بسماحة وطنية سودانوية سعيدة.بيد أن رقصة الرقبة التي تؤديها راقصات السبعينات تميزت بكونها رقصة تموّه، وراء شكل الخطاب الحركي التقليدي، جملة من اللقيّات الكوريغرافية المستعارة من أنواع الرقص الحديث الوافد من خارج حدود الجغرافيا الثقافية التي تكونت فيها رقصة الرقبة في خبرة الجيل السابق.و غني عن القول أن الرقصات الحديثة التي خصّبت من الخطاب الحركي الجمالي لرقصة الرقبة، بما حملته إليها من مفردات و صيغ كوريغرافية جديدة،إنما تجذ ّرت في مشهد الرقص الحضري ، ضمن جملة من التأثيرات الإجتماعية و الثقافية الحديثة التي استوعبها جسم المجتمع الحضري في سودان ما بعد أكتوبر 1964 .و إذا جاز القول بأن رقصة الرقبة ،من وجهة نظر كوريغرافية، حافظت بشكل عام على معنى إنفتاح الجسد المؤنث ، رأسيا بثني الظهر، و أفقيا بفرد الذراعين ،كما حافظت على عرض تكاوير الجسد المؤنث في حركات الصدر و الأرداف، فإن المراقب ليلمس بسهولة أثر خطوة السامبا في بعض تنويعات المشي ضمن حركة رقصة الرقبة في السبعينات.مثلما يلمس أثر حركة التويست على التنويعات الحركية الجديدة في حركة هز الأرداف.و قد تنبهت راقصات الرقبة، في منتصف السبعينات، لبعض لقيّات الرقص الأثيوبي في التنويع على حركة الكتفين و الصدر.و أظن أن مجمل هذه التأثيرات الكوريغرافية المستنبتة في تقليد الرقص الحضري الحديث، قد لعبت دورا كبيرا في خلخلة القناعات الرمزية التي كانت تستبطن الحركات الكوريغرافية لرقصة الرقبة التقليدية، و هي قناعات الأنثى / الحيوان الدابة المطية الطيّعة، ناقة كانت أم مهرة أم غزالة أم أوزة إلخ.هذا الواقع الجديد يكسب للرقصةأ بوصفها مسندا للخلق الحركي، قدرا معتبرا من المرونة التشكيلية، و ذلك لأنه يحرر الخطاب الحركي من أسر دلالاته الرمزية، الإثنية التي تمخض عنها التاريخ الجمالي للمجتمع قبل الرأسمالي، و يبذله لراقصات الرقبة الحديثات كمجرد خامة " محايدة" برسم الإختراع الكوريغرافي المعاصر.و تحييد الخامة و تخليصها من أثقال التاريخ الإثني و تبعات الجغرافيا السياسية كسب كبير في منظور شرط الحرية الذي ينبغي له أن يلازم فعل الإبداع .و من وجهة نظر جمالية فإن وضعية تحرير الخامة الكوريغرافية من أثقال موروث التاريخ و الجغرافيا ، تموضع فنان الرقص المعاصر في وضعية جديدة تماما أشبه بوضعية الرسام أمام " اللوحة العذراء" أو بوضعية الكاتب أمام " الورقة البيضاء".و أنا، في هذا المقام، أستخدم صفات " عذراء" و " بيضاء" في المعنى المجازي بعد " هيهات " كبيرة ضرورية للتذكير باستحالة القطيعة الحاسمة مع موروث التاريخ وعواقب الجغرافيا.أقول بأن وضعية المبدع الكوريغرافي المعاصر أمام خامة كوريغرافية مُحيّدة تبقى وضعية غير مريحة بالنسبة للراقص أو للراقصة التي تتصدى للإختراع بالـ " سليقة" أي بدون تحضير تقني و فكري مسبّق.و في عبارة أقول : لم يعد من الممكن اليوم إختراع الرقص المعاصر ، كمشروع جمالي ، بدون وعي نقدي بمجمل الشروط التي يتخلق ضمنها فعل الرقص.و هذه" دوغما" تسري على الجميع بصرف النظر عن نوع ميراثهم الثقافي و بصرف النظر عن نوع مشروعهم الآيديولوجي أو عن موقعهم الجغرافي من خريطة العالم.و غياب" الراحة" الذي سيتنكبه جمهور الفنانين و الفنانات الذين يتصدون لإختراع الرقص اليوم يمثـُل في الواقع الجمالي الوعر المتخلق ضمن تداخل الثقافات الموروثة و المكتسبة و إرتباك العوالم السياسية المفخخة بمعاني العولمة الرأسمالية. ضمن هذا الواقع تجد راقصة الرقبة نفسها (أو يجد" راقص الرقبة" نفسه و كل شيء في الحيا جايز)، بين خيارين:إما أن تبقى في إطار التواليف الحركيةالإثنية الموروثة التي إنمسخت مبرراتها الرمزية الأولى وتمحّقت شحنتها الجمالية الأصلية بالتقادم و التحات المراجعي التاريخي.و هذا مصير مضجر و بائس لا يطيقه فنان.أو أن تبتدر تواليف حركية جديدة على مرجعية تاريخية أكثر طموحا ، مرجعية " فوق /إثنية "على منطق خطاب كوريغرافي متحول و منفتح على كل إحتمالات الرقص بدون فرز.و هذا المنطق يقعّد الرقصة الراهنة بشكل نهائي ضمن مشهد الرقص المعاصر ، باعتبارها مبادرة جمالية فردية قدرها المساهمة في إثراء حركة الخلق الكوريغرافي المعاصر.و تقعيد رقصة الرقبة ضمن مشهد الرقص المعاصر ، يعني تحريرها و إنتزاعها ، كما الشعرة ، من عجين الموروث الثقافي السوداني و بذلها للعالمين ـ و لو في الصين ـ و كل " حساس" يملا شبكتو..و تحرير رقصة الرقبة من إسار الدلالات الرمزية التاريخية يعرّضها ـ من جهة أخرى ـ لمخاطر إكتساب دلالات رمزية جديدة ترتهن بنوع الخيارات الآيديولوجية و الجمالية للفئة الإجتماعية التي تتطور ضمنها الرقصة الحديثة.هذا المصير الذي ينتظر رقصة الرقبة ليس بالضرورة شرا بالكلية مثلما هو ليس خيرا بالكلية.فالسودانيون ما فتئوا يبدلون في الدلالات الرمزية و الجمالية لرقصة الرقبة عبر تواتر الأمكنة و الأزمنة دون أن يمنعهم تعاقب الإنمساخات من التعامل مع رقصة الرقبة كما لو كانت ممارسة منزّهة عن تبعات القطيعة الثقافية و الإجتماعية.و تعامي القوم ـ أو تظاهرهم بالتعامي ـ عن إنمساخات المعاني الرمزية لرقصة الرقبة أمر بعيد كل البعد من موقف الجاهل بطبيعة التبدّل المراجعي للممارسة الجسدية.بل هو موقف على درجة عالية من التركيب تجعله أدخل في تدابير التحوّط البراغماتي، تجاه مخاطر الإنقطاع في مسار التحولات الضرورية ـ المادية و المعنوية ـ التي تصون رقصة الرقبة كماعون يحتوي طاقة التعبير الجمالي في فضاء الكوريغرافيا السودانية المعاصرة.فالعروس التى ترقص رقصة الرقبة اليوم ، تعرف أنها تؤدي رقصة بعيدة كل البعد عن نسخة رقصة الرقبة في أداء والدتها أو جدتها.و هي قد تجهل الأسباب الإجتماعية و الجمالية التي أدت بها إلى حيث الأداء الكوريغرافي الراهن،و لا جناح عليها في هذا ،فهي صنعة الباحثين في سوسيولوجيا الثقافة.لكن المهم في خاطر عروس اليوم هو أنها ترقص بهذه الطريقة المختلفةـ و قيل " المشاترة" في نظر جداتها ـ دون أن يراودها الشك في كونها ترقص ضمن إستمرارية التقليد المتوارث.و هذه القناعة العميقة بثبات التقليد و استمراريته في خاطر الراقصات اليافعات تشكل نوعا من ضمانة نفسية ضرورية، تستند عليها الراقصات في تسويغ خروجهن الناجز على التقليد الكوريغرافي كمحض لعب بريء في الظاهر.و في نهاية "التخليل" ، فإن الخروج الناجز على التقليد ـ أي تقليد ـ لا يكون إلا على نوع التقليد المتمتع بصورة الثبات و الإستقرار و الإتصال العريق منذ أقدم العصور.
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

حسن موسى..تحياتى

كتبت هنا كلام كتير لكنه (ضاع أكترونياً) هذا لايعفينى من العودة به..وأوافقك أن ماكتبته يشبه (الخواطر) ومرات هذه الكتابة العائمة فى البلاغة مابتكون بريئة فهى أما خائفة من أن تقول بوضوح أو تلتف على ضعفها المنهجى بردم هواته باللغة والتعبير..

بأختصار..بعض افكاركم كانت ملهمة لتيارات سياسية و فكرية رأت أن ( الجوهرى) فيما قدمتموه هو نقد الثقافة العربية فى السودان كسياق ثقافى محض مجرد من سياقها الأجتماعى..وأعنى بالأصل المنهجى الأطار النظرى الذى بنيتم عليه مناقشتكم للمشروع ككل فى الوجه الأكثر تعقيداً للوعى فى تجليه الثقافى والأيدلوجى للطبقة العربواسلاموية..البعض الذى أعنيه و الذى قلت بأنه (لفح) كلامكم هذا.. تيار كامل قام على النقد والنفى والتنميط والتجريم حتى, لثقافة الوسط والشمال فى السودان بأعتبارها اس بلاء ومشاكل البلد دون النظر الى فكرة الموقع الأجتماعى لمختلف القوى فى رهان التغيير والوعى بمخاطر هذا الأستعلاء الثقافى..أها الناس ديل (باروكم) فى كشوفاتكم تلك لاعلى أساس المقدمة والنتيجة الضرورية التى يراها المنهج فى السياق النظرى الكلى لدراسة الظواهر الأجتماعية والثقافيةوأنما (لفحوا) النتيجة النهائية لهذه الثقافة (بت اللذينا) ومشوا يردحوا...لمكاسب أفرقة مرات وهامش ومركز مرات تانية

أذاً...الكلام الذى ظهر مثلاً فى نقاشك مع دكتور أبكر فى أتحاد الشاقية ومع الجريفاوى فى التمييز بين نوع القيم التى تستحق النقد والأدانة والتى تستحق أن نثمنها ونبقى عليها هل كان واضح قبل كده فى متون ماقدمتموه بفكرة (يأخى نحنا بنتكلم عن موقع أجتماعى بفرز بين مواقف الناس والقوى المختلفة ماقلنا والله ثقافة الوسط والشمال دى أى الثقافة العربية دى معلقة فى سما الله ده من غير أساس مادى يقود لتبنيها وأنتاجها وأعادة أنتاجها والوعى بها فى أطار أيدلوجى يوظفها حسب موقع القوى المنتفعة بثمارها...القوى دى نفسها مختلفة فى مشاريعها

أنت هنا..تباشر فى خيط معرفى أرى أنه يتداخل بشكل أو أخر مع أستفسارى أعلاه وهو سؤال عن سبب القراءة (الأنتقائية) لما قدمتموه من نقد لبنى الوعى الأيدلوجى للطبقة العربوسلاموية حين أفرغ البعض المنهج من سياق المشروع ورؤا فيما كتبتوه دليل أدانة للثقافة العربية فقط مجرداً من حيثيات السياق وبينية الصراع الأجتماعى التى حددت وجودها..
هل ثمة حطأ ما فى البداية السعيدة بكشوفاتها النقدية للسائد..آم فى القراءة الأنتقائية التى نظرت اليكم فقط كمتمردين على نسق قيم أهل البلاد البالية..

أرجو أن أكون أوضحت مطلوبى ولم أفسر الماء بالماء....



مع ودى...
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

فنانة الجماهير " الغفيرة" ندى القلعة، قالت في برنامج تلفزيوني على " الهوى" بثه تلفزيون السودان يوم الجمعة الماضي، أنها تعشق أداء أغاني الحماسة و" الرجالة". ومع ضحكة غريبة منتشية ، لا تمت إلى نوع الضحك المقتضب الذي عادة ما يصاحب اللقاءات التلفزيونية، بأية صِلة ، يعني آآآخر انبساط و فرح حقيقي أظهر " البَحّة إياها في الصوت ، قالت: أنها شاهدت رُجال بجّالدو ( طبعاً لم تقل بُطان) و فرِحَت فرح شديد" لامن شافت أثر السوط على الضهر ... أبيياض ..." و الواضح أن ذلك إشارة لبطان " حامي الوطيس" . و جاءتها أخرى تطلب منها الاستزادة من أغاني الرجالة ، حتى تشفى غليلها من الرجال " المجنننا ديل".
لاحظ أن الفنانة التي يطرب لها الكثيرون "صفوة ولاّ عوام" من الشيب و الشباب ، و تُمثل ظاهرة اجتماعية –ثقافية منتجة ضمن آليات الخطاب المديني العرب-إسلامي ، تمتاز بأناقتها المفرطة ، و خصوصاً " النيو لوك" : زمام الأنف، التي تمت الإشارة إليه ضمن خطاب جيوبوليتيك الجسد السوداني.

[و هي دابة تتبع إشارة سيدها الماسك بزمامها بيد بينما يده الأخرى تحمل سوطاً أوسيفا.ترى هل هي مجرد مصادفة كون الحلية التي تثقب منخر العروس تسمّى بـ " الزمام "؟]
و أين هذا الموقف السادو-مازوكي ، إذ أنها ما زالت قانعة شكلاً ، يستبطن جوهر، يقبل بوضع المرأة ضمن الترتيب العرب-سلامي ، أين ذلك من القوة السحرية لفعل "البُطان" كم ورد في الجزء الخاص بذلك :
[يقوم الشبان و الشابات بإنجاز طقس تأهيل الشاب المباطن و تمكينه من استكمال المستلزمات الرمزية و النفسية لصفة الرجولة و الفتوّة أو" الرّجالة " في التعبير الشعبي التقليدي].
دا يكون موقعو وين يا حسن من جيوبولتيك الجسد؟ و لاّ المسالة جاطت ضمن الانهيار الأخلاقي-الثقافي الكامل ، كما قال أحدهم في معرض مناقشة الاقتصاد السوداني بأن دراسة الاقتصاد تُعنى بدراسة البِنى " الأنظمة " التي يقوم عليها اقتصاد ما ، و هذا لا يتأتى مع دراسة الاقتصاد السوداني لانعدام تلك الأنظمة!
هالة الكارب
مشاركات: 110
اشترك في: الخميس ديسمبر 21, 2006 2:47 am

مشاركة بواسطة هالة الكارب »

ألاستاذ حسن موسى: تابعت لاحقا جدا نافذتكم النافذة جدا عن جيوبوليتيك الجسد العربسلامي.

حول مسائل تطهير الجسد وتجليها فى القطع او ازالة الاعضاء المرتبطة بالعلاقة الجنسية للنساء(الختان) وعلاقة كل ذلك بالعروبيه والاسلاموية.
انا لا امتلك المفاتيح التى تمتلكونها فى التحليل والتقصى ولكن من منظور مغاير و حسب معلوماتى المتواضعة فان مسأله القطع (الختان) فى مصادرها اتت من طقوس افريقيه بحتة تعود فى جذورها لمراحل تاريخية نائيه جدا. هذة الطقوس تقاطعت مع الديانات وتم تبنيها او لم يتم، الا اننى كنت احسب ان تلك الطقوس ارتبطت بسيادة الذكورية وا شتهاء النقاء المتاصل فى الثقافة الذكورية بدوافع التملك وعلاقات السلطة والسيادة. احببت جدا تحليلكم العميق الا اننى لا ازال ارى المساله كلها فى صياغ سياسة العلاقات بين النساء والرجال والتى تتشكل بالايدولجيا الدينيه او تشكلها .

على مستوى اخر وفى صياغ الحديث عن الجسد وعزلته، اجدنى افكر فى مسألة اغتصاب النساء والبنات باعتبارها صارت احد سمات النزاعات الاهليه والتى وصلت الى قمه تجلياتها فى النزاع فى دارفور واجزاء اخرى من السودان. ارى ان هذه المساله تجاوزت اغلاق وحفظ او تجميد جسد النساء ( مايسمى بالختان) الى امتهان جسد النساء والغائة تماما بفعل الاغتصاب و تقاطع ذلك مع مسألة النقاء العرقى التى صارت احد هواجس العالم الذى نحياهو اليوم وتجلياتها فى السودان وكأن الانتماء العرقى الى مجموعات محددة يتيح الغا و امتهان الجسد النسوى ودلالات هذا الفعل.
ارجو ان يجد تعليقى صدى لديكم ولدى القراء
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

على مستوى اخر وفى صياغ الحديث عن الجسد وعزلته

يبدو ان كلمة "صياغ " ترّسبت الان علي الاقل لدي الاخت الكارب !
بعد .. استاذ حسن فلقد اعجبني دائما هذا الدرس العميق في الجسد وعلاقتنا به ، ولقد لاحظت دائما تزايد اعداد المتفاعلين معه وتلك في ما رأيت اّية علي اهميته .. وبدافع من هذا الاحساس انزل هنا مقال سبق ان كتبته تعقيبا علي مقال للاخ السر السيد .. وهو بتقديري قريب جدا مما اثرته انت هنا .. ارجو ان يكون كذلك بالفعل ..



من يخاف .. حنان الجاك!؟*

عصام أبو القاسم


قرأت في العدد 5008من ملف الفنون لصحيفة الخرطوم الغراء (29سبتمبر 05 )مقالة للناقد السر السيد بعنوان ( مسرحية رغوة صابون من المسرح ألي صيغة التمسرح ) ولقد لفتت نظري بعض المسائل أود هنا أن أشرك معي قارئ المادة أمر التفكير بها .
ابدأ بإشارة إلي أنني أفكر أن المساهمات النقدية للسر السيد المخصوصة بالمسرح تمثل النبض النموذجي ـ ليس في ذلك مدحا" ـ لما تطرحه الذهنية النقدية ألان بالمشهد المسرحي السوداني وهي كذلك ليس لغزارتها المنظورة بالصحف والإصدارات المختلفة،وليس لأن كاتبها اتاحت له ظروفه الخاصة أن يتحرك بالمجال المسرحي ( المسرح القومي ، شجرة الزهاجة ، كلية الدراما .. الخ ) بقيم أخلاقية وثقافية مكنته من الحصول علي الكثير من المعارف والمعلومات المتعلقة بسيرة الحركة المسرحية وأسرارها وغير ذلك ، ما يكسب أي مبحث أو مساهمة .. يقدمها أهمية ببلوغرافية أو مرجعية بالنسبة للأجيال المسرحية الحديثة التي تعاني من حال شح المعلومات ، وحال : قبض الريح حينما تطرح أي سؤال علي الحركة المسرحية بالسودان .
كذلك ليس لأن ثمة شح في الأقلام التي تأنس في نفسها كفاءة مقاربة القضايا المختلفة التي تطرحها الممارسة المسرحية ، كيفما بدت أو خبت .
لكن لأن المساهمات النقدية للسر السيد تبدو ، حتى لا يبدو الحكم جزافيا"، وكأنها تنطوي علي حس معرفي رفيع أن ذلك يلوح فيها بوضوح بالنظر أليها ضمن المساهمات النقدية الاخري . من هنا أفكر : أن محاورتها هي محاورة للعصب الحي ، أن جاز القول ،للتفكير النقدي الذي ترتكز عليه ممارستنا المسرحية .
تأسيسا" علي ذلك ابدأ في مقاربة ما خطه قلم السر السيد حول مسرحية ( رغوة صابون ) .
المدخل الأساس الذي اعتمده السر لقراءته هو صيغة التمسرح وهو يطرح مفهوما" للتمسرح كالتالي:
( التمسرح " .... " صيغة تعتمد بشكل أساسي علي عمل المخرج في إعادة بنائه للنص برؤية جديدة وهي صيغة تزواج بين حضور الكلمة وغيابها والاهم من كل ذلك أنها تؤدي إلي عرض يكسر الإيهام عند المشاهد بل يحفز حسه النقدي .. )

من بعد يحاول أن يماثل مابين الاداء الإخراجي ، باختياراته الجمالية و الدلالية المختلفة ، وتحديدات المفهوم الذي تبناه لمصطلح " التمسرح " بصورة ميكانيكية في الأغلب الأعم . أي بلا تشغيل مجازي يضفي نوع من الحيوية أو الشعرية علي القراءة .

ثمة ما يحمل علي السؤال،عموما" ، هل يحقق العمل الفني ، اعلي درجات التأثير الفني ، بعبارة فاليري ، عندما يكون علي مقاس مفهوم مصطلح نقدي ما . بمعني هل كفاءة العمل الفني مرتبطة بايفاءه لاستحقاقات مفهوم نقدي ما ؟

قد يقول قائل أن السر السيد ، لم يقصد من خلال قراءته أن يوقفنا علي الكيفية التي حقق بها عرض ( رغوة صابون ) تأثيرا" قويا" علي الجمهور أو الاختيارات التي تضّمنها ـ العرض ؛ فحققت استجابة نوعية لدي المتلقيين ـ كما لاح من مقدمة مقالته ، أنما قصد أن يبين الكيفية التي تكّون وتعين بها العرض ؛ أي انه قصد أن يفجر البنية الفنية للعرض ؛ ليكشف ، لاحقا" ، عن المهارات التي توفر عليها مؤلف العرض ـ قل مخرجه ـ ليحقق قيما" مسرحية وفنية مختلفة وجديدة أو قل قيما تحفز حساسية نقدية كالتي للسر السيد نفسه وتحملها علي مقاربة العرض ، ودعك هنا من الجمهور ! عقب ذلك ـ أي بعد تفجير البنية الفنية للعرض ـ ينظر إلي علاقتها بالمعايير التي أرستها المباحث النقدية ، متي ما كان ذلك سهلا" ومتيسرا".
إذن لم يكن السر معنيا" بمبحث علاقة العرض بالجمهور ، ولكنه انشغل بالعرض في علاقته بمكوناته البنائية وان انشغاله هذا أخذ به إلي أن عرض " رغوة صابون " تمظهر علي صيغة التمسرح ،وفقا" للمفهوم الذي استقر لديه للمصطلح . وان كل الخيارات الجمالية والفكرية التي توسل بها المخرج، كيفما تجلت ، عبر الإضاءة ، الحركة ، الاستعراض ، الموسيقي .. الخ . يمكن كشفها وتعيينها بالنظر إلي مفهوم مصطلح التمسرح حيث نجد تفسيرا" نوعيا" لما تم اعتماده في العرض من قيم بصرية وسمعية ؟!
مثل هذا القول بالطبع لا يحمل علي الاستغناء عن السؤال بل يعززه فهو يفتح ثغرة لاعتبار أن السر السيد يعتقد أن العمل الفني يستمد قيمته المؤثرة ـ في الجمهور أو السياق الفني العام أو.. أو.. أو ـ من خلال استيفاءه لمعيار نقدي منجز ومستقر . وذلك ما نري انه غير صائب ، هكذا ، إذ أننا نعتقد أن العمل الفني يكتسب فنيته من قدرته علي أن يزيد من إيفاءه للمعيار المعين بقدر ما ـ علي الأقل ـ يستفز الخيال النقدي ويدفعه علي التنقيب والتقصي ، من ثم ألي ابتكار و بلورة قيم واعتبارات نقدية جديدة ، وهو ما لا نري أن عرض " رغوة صابون " قد حققه بالنظر ألي ما كتبه السر السيد نفسه ..
بعد ، الشاهد أن مفهوم مصطلح " التمسرح" بالصورة التي تبناها السر السيد ليس ألا تنويع ـ لعلها خاصية مقصودة ـ علي مفهومات متعددة ، اجترحتها المقاربات النقدية المعنية بالمسرح ، ومن وقت بعيد ؛ فثمة "كسر إيهام " ( برخت ، بيتر بروك ، جرتوفسكي .. الخ ، ثمة حضور الكلمة وغيابها ( جرتوفسكي ، والكلمة المعلقة لدي بروك ) ثمة كذلك (أعادة بناء للنص ) وتلك تقنية فنية غالبة في كل العروض المسرحية بالعالم ، منذ البداءة ، وخلالها يسعى المخرج ـ ببساطة ـ ألي أن يشحن نص ما ، بمحمولات دلالية وفنية تنحرف به عن السياق الذي أراده مؤلفه ـ علي الأقل كما يستوهمه المخرج ـ لتلبي بعض تطلعاته وطموحاته ، وطريقته في النظر ألي العالم ، عندما يعرضه بخشبة المسرح .
يقول السر السيد :
( يحسب للمخرج انه استطاع وبشكل لافت للنظر أن يفلت من اغواءات نص المؤلف وذلك برهانه علي التقنيات الكامنة فيه ؛ فنص المؤلف بمعزل عن هذا الرهان قادر علي إن يغري المخرج بالوقوف علي ما يمكن تسميته بسطح النص أو المستوي الخارجي له حيث الواقعية الناتجة من الحكاية البسيطة والشخصيات الواضحة والموضوع المباشر وهيمنة الكلمة " ... " الذي راهن عليه المخرج .. يتمثل في تقنيات الجنون والسكر " ؟! " والحكي الفردي ـ تفجير الذاكرة ـ والتمثيل داخل التمثيل والتحقيق والاستجواب .. )
كل ما يحاول فعله هنا السر السيد انه يحاول الإيحاء بأن المخرج عباس الزبير فعل ما يزيد عما يمكن أن يفعله المخرج العادي في حين أن ما حدث هو نتيجة استلزمتها عملية تحويل نص مقروء ألي نص مشاهد ! وان تلك التقنيات ـ المشارة أليها ـ خيارات عرض سهلة تتوفر علي يد أي مخرج مبتديء . لكن السر السيد يرفض أن يمض بقراءته بلا تضميّنات سرية .. ينحرف من خلالها بذهن القارئ ويجعله ينحاز لتجربة ذاك المخرج ّ؟ وهذه النية المبطنة بكتابة السر السيد تتجلي بمستويات عديدة .. ثمة أيضا هنالك الإشارة التي يوردها في مقدمته :
" تميزت المسرحية ، علي حد تعبير المسرحي المعروف ( المعروف هذي لإسباغ الأهمية علي ما يقال ) مصطفي احمد الخليفة بأنها أعادت للمسرح السوداني ملمحا" افتقده طويلا" وقد عني بذلك تماسك العرض الذي يحقق المتعة والفكر معا" ... "
ويمكن أن نسأل أيضا" كيف يصدر السر السيد حكما" من موقع مسرحي مثل مصطفي الخليفة هذا ويدفع المتلقي ، هكذا ، لتبنيه ؟ ثم ألا يبدو غريبا" علي حساسية نقدية كالتي للسر السيد أن تبدأ في الكتابة بنتائج لا مقدمات ؟

إننا ننحاز للرأي النقدي القائل بأن المصطلحات النقدية تتغير مفهوماتها مع الوقت ؛ مع تغير الجهاز المعرفي لكل مرحلة .. وفقا" لما ترشحه المستحدثات العلمية والمعرفية من قيم ومبادئ . بهذا الاعتبار لا نري ما يحملنا علي الممانعة في تبني السر السيد للمفهوم إياه لكن ربما في الكيفية التي رأي أن يعبر بها عنه .
لقد كان ملفتا" بالنسبة لنا إلا يتطرق السر السيد إلي الرقصة التي أدتها الممثلة حنان الجاك في واحدة من أهم مفاصل العرض . كان ملفتا لنا ألا يتسع المفهوم الذي تبناه لهذه اللحظة الأدائية المخصوصة ؟!
سنشير إلي أن الرقصة التي تعمل خلالها الممثلة حنان الجاك امكاناتها الجسدية ، بحذق واقتدار ، هي من السلوكيات الجسدية الفنية التي باتت ، بين ليلة وضحاها ، محرمة . ولم يعد يتم التفكير فيها كضرب من الفنون ،التي يمكن أن تعرض علي العامة في المسارح أو في التلفزيون ، كواحدة من نتاجات التفكير الإبداعي في السودان ، أو قل كطريقة فنية من طرائق التعبير الجسدي لا تقل قيمة عما عداها من اداءت جسدية اتيح لها ، طيلة الوقت ، أن تطل عبر التلفزيون (كالتي لدي فرق الفنون الشعبية ).

واقع الحال أن كثير من الرقصات التي أبدعها المجتمع القروي ـ مثل رقصة الحمامة والرقبة وغيرها ـ هي مما لا يجوز عرضه في التلفزيون أو المسرح (ألا بتدخل مقص الرقيب ) دعك من الرقصات التي أنتجها المجتمع المدني ـ كالرقصة التي أدتها حنان الجاك .ـ " فوقه وتحته " . فهي اداءات جسدية ماجنة ومحفزة علي ارتكاب المجون والعهر الخ . هذا نمط من التفكير في هذا الضرب من الفنون . تفكير تحركه قيم زائفة ـ أي لم يطرحها المجتمع السوداني . لكنه سائد ومعمم .
لكن حركة المجتمع ( بالأغاني والرقصات ) تطرح كل يوم ما يعارضه، وتحاول الفكاك من سلطته . ونشير هنا إلي أن هذا التفكير حاول ، في سياق جهده علي مدارة أو درء هذا الضرب الأدائي ، أن " يسد الفرقة" التي يسببها غيابه بالتلفزيون ـ مثلا" ـ عبر الاستعاضة بأجساد الأطفال البضة في الاداءات الراقصة في برامج المنوعات بالتلفزيون . ( وهي عملية غير تربوية بالطبع يجهد فيها أولئك الأطفال لمدي زمني طويل ، و بلا اجر ..)
ولنذكر في هذا السياق أن ثمة مفكر نوبي ( لا نذكر اسمه ألان ) طرح رؤية من وقت ، ننحاز لها ، تفيد أن العرب في غزوهم للسودان لم يدخلوا الإسلام ـ فلقد دخل الإسلام قبل ذلك بكثير ـ إنما ادخلوا الثقافة العربية . ولقد مثّل للأمر بالإشارة إلي موضوعة " الرقص" حيث أورد أن المجتمع السوداني هو مجتمع إفريقي بالتالي هو مجتمع امومي وأن الملمح الامومي للمجتمع السوداني يتجلى في الهامش الذي لم يتأثر كثيرا" بالثقافة العربية القادمة من مجتمع أبوي / ذكوري والتي تتجلي في المركز . ويشير من بعد إلي أن التمثيل لذلك يصلح في الإشارة إلي الرقص . حيث أن من ينظر لحفلات الإعراس والمناسبات المختلفة في الهامش يمكنه أن يري أن الكل يرقص وان ليس ثمة فصل مابين النساء والرجال . و فيما لو شاهد حفلات المركز يجد أن عدد ألـ " فراجة " أكثر بكثير من الراقصين ، وان ثمة فاصل يحد الرجال بجانب والنساء بجانب آخر . وان تلك سمة من سمات الثقافة العربية التي تنظر ألي المرأة وجسدها ، بحساسية ذكورية عالية .

إذن هذا التفكير مرجعه الثقافة العربية ، أي ليس جزءا" أصيلا" من المجتمع السوداني ، كما تعطي تلك الشواهد . بالتالي زائف ولا علاقة له بواقع حركة المجتمع وما تطرحه من قيم أخلاقية وثقافية .
السؤال أو الأسئلة ألان لماذا قفز السر السيد عن هذه الرقصة المضمنة بذاك العرض ، بتمام أهلتها ؟ لماذا لم يشر ، بصورة مخصوصة ، إلي ما أضفته من قيم دلالية وجمالية علي العرض ؟ لماذا لم يلفت انتباهه أن هذه الرقصة استقطبت أعدادا" كبيرة من الجمهور وان الكثير منهم كان يخرج ، بصورة ملحوظة ، بعد أن تأديها الممثلة حنان الجاك ؟ لماذا لم تعط هذه الرقصة ،المستبطنة لقيم الحياة اليومية ـ بأسفل المدينة ، أي اعتبار نقدي ضمن صيغة التمسرح المشار إليها . ألا تنفتح عليها بطبيعتها غير المسرحية ؟ هل تحرك السر السيد من موقع ذلك التفكير ونزعته التطهرية الزائفة و تجاوز ذكر تلك الر قصة ؟ تجاوز أن ينظر ألي التفاعل الحيوي مابينها والجمهور ! ألي معاكستها للرؤية التي دفع العرض عناصره كلها لأقامتها وإشاعتها ليتبناها الجمهور ( الرؤية القائلة أن الكل خير وطيب وخلوق ألا ست الشاي ؟!) ؟ لماذا لم يلحظ أن كل يوم من أيام العرض كان يشهد قطع جزء من تلك الرقصة .. تقليصا لما تحدثه من تشويش قيمي وأخلاقي في خطاب العرض ؟
نشير ألي أنه من الممكن القول أن تلك الرقصة قصد بها إن تعزز صورة "ست الشاي" التي حاول العرض إشاعتها ـ أنموذج ست الشاي الذي يفيد أنها ( مجرمة أو محرضة علي الأجرام أو ماجنة.. ) . أي أن العرض حاول أن يخلق عبرها ـ الرقصة ـ معادلا تعبيريا جسديا لمجون وفجاجة "ست الشاي " . كما حاول ذلك عبر اللغة / الكلام .. إذ ثمة قاموس سوقي تستمد "ست الشاي " منه عباراتها وقهقهاتها !؟ لكن دائما" مثلت لحظة أداء هذه الرقصة انفصالا" نوعيا" عن لحظات العرض المختلفة . واحتفظت باستقلالية من نوع ما ضمن العرض .

و لفت نظرنا أكثر أن السر السيد عرض للرؤية التي حملها هذا العرض بضرب من التفسير غريب بالفعل . يمضي العرض الذي شاهدناه إلي تكريس انموزج ( ست الشاي ) الذي يفيد أنها ( مجرمة أو محرضة إلي الأجرام ، أو فاسقة أو .. أو .. ) ؟؟!
صحيح أن ثمة لوحة تداعي فجة ( أي ليست مبنية فنيا" بالدرجة التي تجعلها مؤثرة وفاعلة..) يقدمها العرض لتدرج خلالها الممثلة الظروف التي أجبرتها علي أن تبدو بالصورة التي أعرب عنها العرض ألا أن هذه اللوحة بالنظر إليها ضمن العناصر المكونة للعرض ، منذ بدايته ، تكشف القدر الهزيل من الاهتمام الذي اعتمده المخرج في تبيان الجانب الآخر من لوحة " ست الشاي " تلك . ما يبين أن العمل اجتهد في إشاعة تلك الصورة أكثر من أي شيء آخر . ليس في ذلك بحثا" في النيّات .
يلوح مما طرحه السر السيد أن القيم المعبرة عن صيغة التمسرح بعرض " رغوة صابون " تتمثل ، بوجه من الوجوه ، في خرق الشروط الأدائية التقليدية المتعلقة بالعرض المسرحي . ولقد جاءت بالمقالة إشارات بهذا المعني حيث تمت الإشارة إلي حركة الممثلين من الصالة إلي الخشبة في سياق التدليل علي اعتماد العرض علي صيغة التمسرح بالإضافة ألي بعض الحركات الاخري التي لا علاقة لها باللعب في الخشبة .
إننا نري أن في ذلك ما يحمل إلي عدم تجاهل الرقصة التي بذلتها الممثلة حنان الجاك وجيشت " من جيشان " بها الحالة الحسية والمعنوية للجمهور لحد الصفير والتصفيق ، ونري إن السر السيد عمد إلي عدم التوقف عندها ،بل غيبها ، لأنها لا تتسق وانحيازه للنظرة التي تنظر بحس تجريمي للرقص . ما يكشف عن منطلقات غير علمية ـ من سنام السلطة ـ كانت موجهة لمقاربته لعرض ( رغوة صابون ) . علي النحو الذي عرضنا له .

*العنوان بايحاء من نص (من يخاف فرجينيا وولف )
اعتقد ان اجواء المقال نقلت اجواء مقال السر السيد الذي لم استطع ان انقله هنا . في ذلك مايخفف الاثم ، اليس كذلك .
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

من يخاف حنان القلعة؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 28
من يخاف "حنان القلعة"؟

الأعزاء
ألف معذرة على تأخري في العودة لهذه المناقشة، لكنها ملابسات المشاغل المتداخلة التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد( و هكذا "دواليبك").

حاتم الياس
سلام
أعجبني تعبيرك:" الكتابة العائمة في البلاغة ما بتكون بريئة"
لأنه يكشف عن منفعة سرية للبلاغة هي منفعة تعويم الدلالة لإغراق الحوت.لكن يا حاتم هل هناك كتابة" بريئة"؟
الكتابة مُغْرضة بالضرورة، بيد أن هناك كتابة مغرضة و واعية بطبيعة الغرض الذي يتلبسها كما أن هناك كتابة مغرضة و غير واعية بمراميها، و هي تلك التي ينمسخ الغرض فيها مرضا، و لله في خلقه شؤون و له أغراض. و بعدين يا حاتم إنت القال منو إنو الغرض بطـّال؟و أنا شخصيا مغرض تماما في كتابتي، و لولا أولويات الغرض لما كتبت حرفا. و لكن شتان ما بين غرض و غرض.و لو مكضبني أمشي أقرأ كتابات ناس د. الشوش و د. خالد المبارك التي " أدّت غرضها" بكفاءة عالية يحسدهم عليها كل من مسك قلما.و أهلنا قالوا في المثل غير المعروف:" الفي إيدو القلم بستفيد من البلم".
و لو رجعنا لموضوعك ، فأنا لا أعتقد أن " الجوهري " في كتاباتنا(أعمل حسابك من ضمير الجماعة دا) كان " نقد الثقافة العربية في السودان"، وهذه يا صاح مهمة عجيبة.فنحن لم نحاول " نقد الثقافة العربية" و إنما سعينا لنقد بعض أحوال التعبير الإجتماعي لثقافة أهل الحظوة في الطبقة الوسطى العربسلامية .و حين أقول الطبقة الوسطى العربسلامية فأنا أعني النادي العربسلامي القابض على مقاليد الثروة و السلطة ، والذي انتهز إفتراضا نظريا نبيلا لأمة سودانوية في حرز الإحتمال، بذرائع المزج العرقي و التخلّس الثقافي حينا و بذرائع التطهير العرقي و التخلّص من شوائب الثقافات المغايرة حينا آخرا.
أها، الجماعة الطيبين الإنت شايفهم ناشطين على " تجريم ثقافة الوسط و الشمال في السودان".." دون النظر إلى فكرة الموقع الإجتماعي لمختلف القوى في رهان التغيير"، الجماعة ديل بطريقتهم و كل شاة معلقة من أجندتها. و إذا في أي زول عاوز يشتغل سياسة أو أدب و أو فلسفة بطريقة "إنتقائية" ( و قيل بدون آيديولوجيا و بدون طبقات كمان ) فهو بطريقتو لكن بس ما يجي يعلق شاته من عصباتنا (تاني أعمل حسابك من ضمير الجماعة دا).

مصطفى آدم،
سلام و كلام
يا خي" فنانة الجماهير" دي زولة كويسة استحقت لقبها كـ " فنانة الجماهير " عن جدارة و بعد جهد مركّب مقدّر، فرفقا بها و لنحفظ لها براحا في " حزب الفن"، فالدنيا ما معروفة و" كل شي في الحيا جايز" بعد غناء محمد وردي العظيم عند أبواب السلاطين. والأستاذة الفنانة" ندى القلعة"، هي، في نهاية تحليل ما، " بنت زمانها"، بل هي أصدق تعبير عن الإلتواء الحضاري العجيب الذي بلغته " الجماهير"، جماهير الشعب العربسلامي الحداثي المتسربل بقميص التقليد البائد بغاية توطين حداثة السوق المتعولم في تربة الواقع المحلي.
فـ" فنانة الجماهير" ليست سوى الطرف البارز من آيسبيرغ النسخة السودانية العربسلامية من إلتواء الحداثة.لأن هذه الشابة ، التي هي غالبا في عمر بنات " البلابل" ، لم تخرج من البادية لتستلم الميكرفون و تغني للجماهير، بل هي سليلة ثقافة المدينة الحديثة ووراءها تقليد سلوكي وغنائي و مشهدي يدين بالكثير للحركة الشعبية الديموقراطية و الحركة النسوية المدينية.و التطور الطبيعي لفنانة من جيل "ندى القلعة" يفترض أن تتبنـّى نوع الحضور المشهدي و الفني الذي يتطور من حيث وصلت " البلابل".لكن " التطور الطبيعي" للأمور في السودان شيء نادر، أندر من الغول و العنقاء و الخل الوفي و من الكبريت الأحمر زاتو.و لو كانت أمور تطور المجتمع السوداني بهذه البساطة لكنا تطوّرنا من نظام ديكتاتورية النميري لنظام ديموقراطية علمانية تراعي قيم التعدد الثقافي و الحرية إلخ. دون أن نسقط في حفرة المشروع الحضاري لثلة الصيارفة المتأسلمين المستعربين الذين لا يتورعون عن إشعال الحرائق في البيت بسبيل تأمين مصالحهم المذنبة.
حكى بعض الصحاب أن سنوات نظام العسف الإنقاذي في السودان دفعت الناس لمصانعة السلطان الإسلامجي بإطلاق اللحى.و تفنن الرجال في أنواع اللحي و صاروا يفرزو ن بين اللحية الصغيرة الخجولة التي تعرف بـ " دعوني أعيش" و اللحية الضخمة التي تغطي الصدر و تنزل حتى الكرش ، التي تعرف بـ " تمكـّنـّا".أعتقد أنه شيئ طبيعي أن تسعى المغنيات من جيل ندى القلعة للتنكر في هيئة " المغنية الإسلامية" طالما أن هذا" الزي الشرعي" يمكنها من ممارسة فنها. بيد أن ندى القلعة ـ على الأقل في مجموعة التسجيلات القليلة التي شاهدتها لها ـ لا تكتفي بالتنكر في هيئة " المغنية الإسلامية " فقط ،و إنما هي تتقمّص دور المغنية الريفية العربسلامية تماما، طالما استشعرت بغريزتها المشهدية أن" الجماهير" تنتظرها في مقام التراث الريفي المؤثّث بـ "أغاني الدلوكة" و الحماسة من مديح " الشيخ سيّرو" لغاية نوع غناء الوطنية العربسلامية كـ" بلدي يا حبوب أبو جلابية و توب .." . و لا جناح عليها و لا حزن، فهي إنما تتوجه لجمهور تعرف أنه ينتظر منها هذا النوع من الغناء.لكن الجناح يحصل حين تتصدى بنت المدينة الحديثة للخوض في ظاهرة بالغة التعقيد من شاكلة بطان الرجال في السودان المعاصر.فالبطان في مشهد الفنانة ندى القلعة، بنت المدينة الحديثة، ينطرح كظاهرة إكزوتية منبتـّة تماما من سياقها الثقافي التقليدي، هذا البطان في مشهد أهل المدينة هو ظاهرة غريبة، بعدها الإيروسي السادومازوشي يطمس فيها قيمة " طقس العبور" الذي تبذله الجماعة لتنظيم عبور اليافعين من مرحلة الطفولة لمرحلة الرجولة.و الأستاذة ندى القلعة التي اكتشفت البطان في إحدى الجيوب الريفية للمدينة إنما تعبر ببراءة كبيرة عن فرحتها بالإلتذاذ الإيروسي السادومازوشي " بالوكالة" لمجرد حضورها على مقربة من المتباطنين .و هي تطلق الزغاريد ـ رغم إعترافها بعدم إجادتها للزغاريد ـ ربما لتحفيز متباطنين جدد ،من باب السعادة البالغة بهذه النشوة الفريدة التي اكتشفتها بالصدفة. نشوة إيروسية تحكيها فنانة الجماهير لجماهير التلفزيون في براءة ساذجة كما براءة الطفل الذي يكتشف الإلتذاذ الإيروسي الذاتي بالصدفة فينشر إكتشافه على الملأ دون أدنى إحساس بالإثم أو العار.و ربما كانت هذه البراءة الظاهرة هي الدرع النفسي الحقيقي الذي يحمي" فنانة الجماهير " من عواقب موقف القسمة التي تحاول فرضها السلطات الدينية من الخارج بين الأنا الداخلية للإنسان المتخلقة من حاجاته الطبيعية و أناه الإجتماعية المصنوعة من مجمل ضوابط الثقافة.فالقسمة التي تسعى بها السلطات السياسية على أجساد الرجال و النساء و على خواطرهم تهدف إلى السيطرة على الغرائز و الطاقات الجنسية و توجيهها وجهة المصلحة المادية التي تعرفها السلطات،و يروى عن أبي هريرة أنه استخار النبي في الإختصاء لأنه رجل ورع رقيق الحال لا يستطيع الزواج و لا يطيق المعصية، فنهاه النبي.و موقف أبي هريرة دليل على تمثل مشيئة السلطات لأقصى ما يمكن .و المتأمل في حالة ندى القلعة و أسلوب حضورها المشهدي و نوع التصاويت و الإشارات التي يبثها جسدها الملفوف في الأحجبة الشرعية يلمس أن مشيئة السلطات الإنقاذية تتوقف عندها في حدود المظهر الشرعي الخارجي ـ و الشريعة عليها بالظاهر ـ لكن أناها الداخلي كوريثة لتقليد طويل من الحضور المشهدي النسوي يتنائى عن مساعي الضبط و الربط التي تحاول بها السلطات إحكام قبضتها على الفتنة المقيمة وراء الحجاب.و حين تنطلق ندى القلعة في الغناء فهي تعرف بالغريزة أن صوتها (عورتها) ينطلق عاريا كما الفضيحة المجلجلة التي لا ينفع معها أي من أحجبة التقليد الذكوري.و معرفتها بعواقب تصاويتها تمنحها مسافة من هذا الصوت المتغنـّج المبذول لزنا السمع الذكوري، هذا الصوت الكيّاد الذي يخرج من جسدها ليخترق مسامع المسلمين و يبلبل خواطر إيروس التقليدي فيهم. و كيد المغنية يكمن في كونها ترد جمهورأولاد المسلمين الحديثين،" أولاد البلد" العُزّل من أي متاع نقدي،تردهم إلى حدود الذاكرة الذكورية للمجتمع العربسلامي قبل الرأسمالي فينكفئون ـ و هم في عز المدينة ـ على لوعاتهم العشائرية السمجة و على فسالاتهم العرقية التافهة في حفرة ضيقة لا فرصة فيها لشراكة أو لقسمة مع غيرهم من أهل السودان الآخرين.لكننا نظلم ندى القلعة كثيرا لو اختزلنا كيدها الجمالي لمجرد صلب جمهورها المديني الحديث على صليب الفسالة العرقية العربسلامية.ذلك أن المغنية هي مغنية فنانة قبل كل شيئ ( و بعد كل شيئ). و قدر المغنية الفنانة ينتظرها كلما علت عقيرتها بالغناء.و يوم تستشعر المغنية المقيمة في دخيلة أناها الفنانة أن هناك فرصة أداء إبداعي أكثر تنوعا و ثراءا من مجرد مداهنة العواطف الإيرية لجمهور الذكور العربسلاميين، فهي ستطوي صفحة التصاويت التراثية المعرقنة لتنفتح على عوالم غنائية أكثر رحابة و على جمهور أكثر تنوعا.و أنا أراهن على قدرتها على تجاوز نفسها و تجاوز الأحجبة المادية و الرمزية و العرقية التي تقعد بها في خانة المنتج الجمالي لعهد الإنقاذ." و الله يكضّب الشينة".
(يا مصطفي لو عندك الرابط بتاع المقابلة المعنية مع ندى القلعة نزّلو لينا عشان الكلام في موضوع مغنيات زمن الإنقاذ محتاج لمباصرة إضافية).

هالة الكارب
سلام و شكرا على القراءة الرشيدة.
لا خلاف معك في قولك :"أرى المسألة كلها في صياغ سياسة العلاقات بين النساء و الرجال و التي تتشكل بالآيديولوجيا الدينية أو تشكلها.."
لكني توقفت عند حديثك الذي يقارن بين ختان الفتيان و إغتصاب النساء في الحرب الدائرة في دارفور.و الذي قد يفهم منه أن إغتصاب النساء هو تطور منطقي لممارسة الختان:
"أرى أن هذه المسألة تجاوزت إغلاق و حفظ أو تجميد جسد النساء( ما يسمى بالختان) إلى إمتهان جسد النساء و إلغائه تماما بفعل الإغتصاب".و قد استرعت عبارتك " هذه المسألة تجاوزت إغلاق.. " انتباهي لأني لم أفهم الربط الذي تم عندك بين ختان الفتيات كطقس عبور أصيل و قديم مقصود منه تأهيل الفتاة لدخول مقام الأنثى ضمن التقليد الثقافي قبل الرأسمالي، و فعل الإغتصاب الذي أنتجته ملابسات الحرب البربرية التي أعلنها نظام الإنقاذ على المواطنين في دارفور.و الإغتصاب في هذا الأفق ممارسة همجية غايتها إرهاب المواطنين و إذلال الخصوم لتحقيق الأجندة السياسية لنظام الإنقاذ.و إذا عاد السلام لربوع دارفور في الأشهر القادمة ،فسيمر وقت طويل قبل أن يكف أهلنا في دارفور عن ختان بناتهم.
أرجو أن أقرأ لك المزيد من التفاكير في هذا الأمر.

عصام أبو القاسم
سلام
و شكرا على إيراد المقالة" من يخاف حنان الجاك؟"
و فعلا تساؤلك مشروع تماما: من يخاف حنان الجاك؟
أولاد المسلمين على بكرة أبيهم يرتجفون من الهلع لمرأى حنان الجاك.لماذا؟ لأنهم تعلموا أن المرأة شيطان رجيم عظيم الكيد.جاء في إحياء علوم الدين،ج2 ، ص 45 أن نساء العرب كن" يعلمن بناتهن إختيار الأزواج، فكانت المرأة تقول لابنتها :ابدئي زوجك قبل الإقدام عليه فانزعي زجّ رمحه، فإن سكت فقطـّعي اللحم على ترسه، فإن سكت فاكسري العظام بسيفه، فإن صبر فاجعلي الاكاف(برذعة الحمار) على ظهره و امتطيه فإنما هو حمارك".
و أنت تجيب على السؤال بكون رقصة حنان الجاك صارت " من السلوكيات الجسدية الفنية التي باتت بين ليلة و ضحاها محرمة." لكني متشوق لمعرفة رد السر السيد على تساؤلك؟و من يدري؟ فربما كان هو الآخر يخاف حنان الجاك.
على كل حال إذا كانت رقصة حنان الجاك تتعرض للقص و التقصير كل يوم "تقليصا لما تحدثه من تشويش قيمي و أخلاقي في خطاب العرض" فما علينا إلا تنظيم كتائب راقصة من زميلات حنان الجاك و تعبئتهن و إطلاقهن في هجوم نهائي حاسم على نظام الإنقاذ فنضرب "حجرين بعصفور واحد": منها نتخلص من الديكتاتورية الإسلامجية و منها نثبت الرقص كمنهج في العمل العام السياسي.و عاش" حزب الفن" الوطني الديموقراطي.
يا زول موضوع رقصة حنان الجاك دا داير ليهو جكـّة تانية و لو لقيت مقال السر السيد فاتحفنا به يرحمك الله.
سأعود
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

يا موسى
أنا متابع عن كثب، لكن "العين بصيرة واليد قصيرة"
ومع ذلك فأنني أعد بالقفز قريبا في هذا الماء العريض العميق. يبدو لي أن الحياة تقلبت في تاريخها بين صور متعددة للتعبير، تنوعت بين تعبير متحجب وآخر متكشف. قال الشاعر العربي:

قل للمليحة في الخمار الأسود، ماذا فعلت بناسك متعبد؟
قد كان شمَّر للصلاة ثيابه، لما خطرت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه، لا تقتليه، بحق دين محمد!

وقال توفيق صالح جبريل في حديقة عشاقه الشهيرة:

ظلت الغيد والقوارير صرعى، والأباريق بتن في إطراقِ
وتلاقت في حلبة الرقص أيد، وخدودٌ والتف ساق بساقِ
والغواني والحسان بين يدينا تتثنى في القيد والإطـلاق
أقبل الصبح والنهودُ شهودٌ، مسفرات، أما لها من واقي؟

فالإثارة قائمة في كلتا الحالتين: حالة السفور، وحالة التحجب، وأيضا في حالة الإقبال وحالة الإعراض:

قال الشاعر العربي:

أوَّاه إن نظرت! وإن هي أعرضت! وقع السهام، ونزعهن أليم!

جيبولوتيك الجسد كان فاعلا في كل الحضارات الإنسانية. يرتفع التعبير الجسدي، والإنشغال بالجسد، فتطفو النزعة الحسية على السطح، غير أن النزعة الحسية تخبو حين ترتفع نزعات التطهر، "وهكذا دواليبك" كما تقول أنت.

يبدو لي أننا نعيش بدايات حقبة "كيريوغرافية" جديدة. من يتابع الشوبيزنيس show buisness
الأمريكي وأصدائه في بقية بقاع الأرض المغرمة بتتبع آثار الحراك الثقافي الأمريكي المرتبط بتمدد الرأسمال وتمطيه في البرية، يشاهد أن شمس العصر الكيريوغرافي قد أصبحت بقامة الرمح في الأفق، كما يقول علماء التوقيت من فقهاء المسلمين. امتلأت شاشات الفضائيات بصور التعبير الحركي الجسدي. هناك موجة جديدة من جنون "الفيزيك" physique تجتاح العالم. كم من "الجيمنيزيومات" يتم فتحه كل يوم؟ وكم من صرعات الرقص الذي يحاكي الأفعال الجنسية تخرج علينا كل يوم؟ وكم من وصفات التخسيس يتم طرحه كل يوم؟ ويبدو أن الموجة في علو، وأن لها ما بعدها. إذ غالبا ما يعقب الإسراف في وجهة الجسد صحوة روحانية. حدث هذا للرومان من قبل ولغيرهم من الحضارات. غير أن التاريخ لن يعيد نفسه على الأنساق القديمة.

هذا دخول موجز بقصد التبرك، كما يقول المتصوفة. وأعد بالعودة.







((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

لكني متشوق لمعرفة رد السر السيد على تساؤلك؟

انا الاخر متشوق يا استاذ حسن موسي !؟
ÃÍãÏ ÂÏã
مشاركات: 40
اشترك في: السبت يناير 06, 2007 11:34 am

مشاركة بواسطة ÃÍãÏ ÂÏã »

الفنان حسن

شكرا لفتح أفق للحديث عن الجسد العربسلامي في السودان ، والحديث ذو ( سجون ) ، واعتقد أنه لا يوجد ما هو أخطر في الثقافة من الجسد كمساحة لا متناهية لصياغة الرموز ، في الطريقة التي يعيش بها الجسد نفسه والعالم حوله أو في الشكل الذي يتم به عبر الجسد بلورة كثير من المعايير والتصنيفات الاجتماعية وتكمن صعوبة الكتابة عن الجسد في أن دلالاته في تغير مستمر فالسمة المادية والمعنوية ذاتها كالجسد النحيف أو البدين على سبيل المثال ، واستهلاك الكحول والمخدرات أو الامتناع عنها قد تتخذ قيما متعارضة عند المجتمع نفسه في فترات مختلفة أو في مجتمعات مختلفة . صعوبة التقاط حالات الجسد ودلالاتها يجعلني أقرأ هذا الخيط كعمل فني ، بالمعنى الواسع لكلمة فن كقدرة على التقاط ما يصعب أو ما لا يمكن التقاطه .
هذه المساهمة نتجت عن متابعة هذا ( الخيط ) وهي محاولة لكتابة الجسد وعلاقته بالمكان ، الانتقال في الجغرافيات كتصور جديد للجسد ، وهو تصور يعطي الجسد هوية جديدة وهي هوية ديناميكية ، بمعنى أنها دوما مجال لمفاوضات قد تفضي الى أزمات ، ودوما أتصورها كوشم يوشم به الجسد (Marked Body) .
وربما من المفيد وضع الجسد العربسلامي في المنفى على محك البحث وذلك لتوضيح فكرة الوشم . في اعتقادي أن وضعية الاستغلال الخصوصي الذي تعرفه المرأة في سياق التبادل الاقتصادي داخل المجتمع ، سواء كان تبادلا سلعيا ، اجتماعيا أو رمزيا يجعل جسد المرأة هو المثال الاكثر قدرة على رصد حالات القمع ، وباتخاذ البنت اللبنانية في سيدني كمثال ، نجد أن واقعة انتقالها من لبنان الى استراليا تنقلها من خانة الجسد غير الموشوم (un marked body) الى خانة الجسد الموشوم (marked body) وهي حالة تحدد هويتها كملونة (women with colour) وهو وشم يذهب الى ما وراء العرق ليعبر عن التصنيف الاقتصادي والاجتماعي والتاريخ الثقافي ، وهي تصنيفات تضعها في (الهامش) بالنسبة للجسد غير الموشوم وهو الجسد ( الانجلوساكسوني) في الحالة الاسترالية ، كجسد مدعوم بالمؤسسات التي تحتكر (التمثيل)...وتلجأ معظم (الصبايا) اللبنانيات للعديد من الحيل للفرار من (الوشم) في محاولة أن تتطابق مع النموذج(الانجلوساكسوني) المطروح كنموذج (ستاندر) ، وذلك لتشكيل آلية للدفاع داخل علاقات اجتماعية اضطهادية كابحة...حالة أن تكون امرأة يعني أن تتعرض للاقصاء ، وأن تكون امرأة ملونة يعني أن تتعرض للاقصاء مرتين ( Double out of place) .
وللتماهي مع النموذج (الانجلوساكسوني) تلجأ العديدات الى تغيير الاسم من (آمنة) مثلا الى (آنا) وتغيير لون العينين بعدسات لاصقة ولكن حتى عندما يكون (التقليد) على درجة عالية من الاتقان ، يوجد شيء مفقود وهو لغة الجسد وطريقته الخاصة التي يحمل بها نفسه ويتفاوض مع الفراغ حوله ، هنالك طريقة معينة (لبنانية) ، كما أن هناك طريقة معينة (انجلوساكسونية)...في راي أن محاولة الفلتان من (الوشم) في جوهرها محاولة للهروب من النظرة (البيضاء) المسلطة من أعلى وهي نظرة تمر عبر (فلتر) السلطة والاقتصاد ، ففي ظل الهيراركية الرأسمالية البيضاء فان البنت البيضاء تمثل (بت قبايل) بحسب تعبيرنا السوداني...
بناء على ما تقدم هل يمكن الانطلاق من الجسد لصياغة خطاب عن (المركزيات) ، في اعتقادي ان (المركزيات) وهي تمركز نفسها تقوم بمركزة جسد نسائها باعتبار أنهن الأقيم ...وهذه المركزة لا تخلو من الانتظام حول حبكة دينية أو ثقافية أو عرقية مخصوصة وهي حبكة تصاغ استنادا الى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية (الدينية والادبية والتاريخية والجغرافية والفلسفية والانثربولوجية) للذات المعتصمة بوهم النقاء الكامل ، والآخر المدنس بالدونية الدائمة في تمركز هو نوع من التعلق بتصور مزدوج عن الذات والآخر والرواية الغربية في القرون الأربعة الأخيرة أنتجت غربا متمركزا يوافق يوافق الرؤية الرغبوية للذات والعالم خارج مجال الغرب ، وهي رؤية تخفي دائما درجات من التمثيل السردي الذي يتدخل في صوغ العلاقات الانسانية ، والتصورات الخاصة بالأنا والآخر(د.عبد الله ابراهيم، المركزية الاسلامية،ص9، المركز الثقافي العربي2001).
وقد لا نحتاج للحديث عن رواية المركزية الاسلامية عن الذات والآخر ، فالايديولوجيا الاسلاموعروبية قدمت منذ زمن صورة الصرحاء والهجناء وهو تمثيل تم فيه استخدام جسد المرأة (كوسيط) وخلال هذا الخيط تم التعرض لوضع المرأة (الحرة) و(المسترقة) في الثقافة الاسلامية ، وقد يفيد في سانحة أخرى البحث في الصور المتشكلة في المخيال (الاسلامي) عن (الآخر) وعن (امرأة الآخر) وهي صورة على درجة كبيرة من التشويش .

ما بين ندى القلعة ومادونا

الحوار الذي ابتدره الاستاذ مصطفى عن فنانة الجماهير ندى القلعة ، ذكرني بموضوع قرأته للناقدة الامريكية بيل هوكس عن
مادونا كأيقونة ثقافية ، حيث تعتقد بيل هوكس( Bell Hooks) أن النجاح الجماهيري لمادونا يجب أن يقرأ من خلال بنية المجتمع الرأسمالي العنصري الأبيض ، وهو مجتمع كما تعتقد يرسخ باستمرار صورة البنت البيضاء الشقراء البريئة ، وكل ما فعلته مادونا هو تسويق (marketing) صورة البنت البيضاء البريئة التي تملك قدرا كبيرا من الجسارة لتنفلت. وتطرح بيل هوكس سؤال مهم وهو: هل بامكان مغنية سوداء أن تصبح أيقونة ثقافية وذلك عن طريق تسويق صورتها كبنت سوداء منفلتة ؟...تجيب بيل هوكس بالنفي وتقول أن جسد المرأة السوداء أو الملونة تم ويتم تمثيله باستمرار من قبل البطرياركية العنصرية الرأسمالية البيضاء كجسد /علامة لتجربة جنسية بمعنى أنه جسد غير بريء (منفلت بالطبيعة) ، لذلك لا يمكن استثماره وتسويقه كجسد بريء يملك الجسارة لينفلت (Bell Hooks,Black looks and Representation,South End Press,P160) .
ما ذهبت اليه بيل هوكس عن أنه ليس بمقدور مغنية سوداء (تسويق) نفسها على طريقة مادونا ، جعلني أفكر في ظاهرة ندى القلعة
في السودان ، ويجعلني أعلق على كلامك في معرض ردك على الاستاذ مصطفى بأن فنانة الجماهير استحقت لقبها عن جدارة وبعد جهد مقدر مركب... ، في رأي أن ما وراء هذه (الأيقنة) يوجد سند ضخم من (الهيراركية العربسلامية) التي تحتكر التمثيل ...
في البال أسماء لمغنيات في عمر ندى القلعة أو أصغر منها وأكثر موهبة ، على سبيل المثال هاجر كباشي ، ولكن هل تستطيع هاجر كباشي (تسويق) نفسها في تلفزيون (السودان) بضحكة غريبة منتشية ، لا تمت الى نوع الضحك المقتضب الذي عادة ما يصاحب اللقاءات التلفزيونية كما تفضل الاستاذ مصطفى بوصف ضحكة ندى...؟
ولي عودات
هالة الكارب
مشاركات: 110
اشترك في: الخميس ديسمبر 21, 2006 2:47 am

مشاركة بواسطة هالة الكارب »

الاستاذ حسن موسى سلامات :

شكرا على التعليق على مساهمتى المتواضعة:

انشغلت كتير فى الفترة الماضية فعذرا للتأخر فى الرد. بالاشارة الى تعليقكم حول ما عنيت بتجميد الجسد والغائه والعلاقة ما بين فعل الاعتداء المنظم على النساء والبنات فى دارفور وجيوبلتيك الجسد.

قبل عدة اشهر فى رمبيك وعقب مشاهده مثيره جدا من قبل المجتمع المحلى لفلم عثمان سمبين "مولادى" والذى يتعرض لقضية العنف ضد النساء والبنات و بتر الاعضاء التناسلية من خلال قصه افريقيه بسيطة وجميلة . احتدم النقاش عقب المشاهدة بين الحاضرين حول مفهوم العنف ضد النساء ، بعض السلاطين كانوا موجودين ونساء من مختلف مشارب المدينة الصغيرة. وقف احد السلاطين وقال: " كيف المرة ما يدقو انت مرة دى بتشتريها بى بقر بتاعك" ما قصده السلطان ان استثمار الموارد للحصول على النساء يبرر العنف والسيطرة . ردت كراك احد النساء الائى يمتلكن وزن داخل المجتمع: " يا سلطان مرة ده ما ممكن بيكون امك؟؟ يدقو كمان" . ارتبك السلطان لدقائق ثم قال خلاص بقر دا يقسموا، مره تدفع وراجل بيدفع عشان مرة ما يدقو .

لفت الحوار انتباهى لعدة مسائل: واحد، ان ان هناك هويات متعدده للنساء فى الذهنية الذكوريه . منها الهوية المرتبطة بالعلاقة الاقرب الى التقديس فى شكل دينامكية علاقات الابناء والامهات ومستوى اخر ينعكس فى علاقات الاباء/ بنات والازاواج/ زوجات حيث ان الابنة مملوكة للاب والزوجة ملك للزوج باعتبار ارتباط كل هذة العلائق بمسألة الموارد المملوكة للمجتمعات والتى تتقاطع مع المورث والثقافة.

واحدة من صاحباتى من دارفور قالت لى: انتى قايلة هم بغتصبوا النسوان لية؟ النسوان ديل ما ارض.

الاغتصاب يرمز قطعا بالاضافة الى الاذلال الى تاكيد الهيمنة. وحدوثة فى دارفور كما كان فى الجنوب مرتبط تماما بالغاء مجموعات كاملة من اراضيها ونفى وجود تلك المجموعات.
وفى نفس الوقت دا بيعنى الغياب التام لامتلاك النساء لاجسادهن. اى ان الجسد ملك للقبيلة او المجموعة الاثنية المحدده والتى تمتلك اجساد نسائها فى راي ان فعل الاغتصاب ياتى من هذا المنظور اولا .

نفس الشى بالبنسبة للختان ،والذى هو فى جوهره يهدف الى تجميد الجسد واعاقة سيطرة صاحبة الجسد عليه، واشتراط استخدام الجسد بموافقه الجهة المهيمنه والتى قامت بفعل الاعاقه. حيث ان جوهر العمليه هو تجميد لفعالية الجسد لحين ان يتم استخدامه وفق شروط تتسق ومصالح االجهة المهيمنة.

ما اود قولة ان فعل الاغتصاب فى سياق ما يحدث فى دارفور والختان يعكسان اغتراب النساء عن اجسادهن اولا والاهم ان اجساد النساء مرتبطة فى اذهان مجتمعاتنا بعوامل الوجود والثروة واستمرارية الهيمنة.

هذا الموضوع لة عدة وجوه and has so many layers


ارجو ان يجد ما ذكرته صدى.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

صادرات أفريقيا بأقل الخسائر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صادرات أفريقيا
بأقل الخسائر الممكنة
جيوبوليتيك الجسد 29


معذرة للمتابعين الأعزاء على إنقطاعي عن الخوض في موضوع هذا الخيط و لكنها ملابسات الإنشغال بأكثر من خيط في أكثر من جهة.

النور حمد
سلام
شكرا على الدخول الموجز "بقصد التبرّك" و أنا متشوق لدخول أقل إيجازا.بالذات في موضوع صورة الجسد ضمن فضاء الفكر المحمودي و في خاطري تفاكير تتعاق بجسد المسلم و جسد المسلمة و جسد الأمة و جسد "الإنسان الكامل".. و هلمجرا..

أحمد آدم
سلام.. و كلام:
" سجون" حديث الجسد لا تحصى،كما قلت ، و لو نظرت في المناقشات التي تستقطب خواطر القراء و الكتاب الأسافيريين لوجدتها كلها تقريبا تدور ـ بطريقة أو بأخرى ـ حول محور الجسد.و شكرا لك على قراءة هذا الخيط " كعمل فني بالمعنى الواسع لكلمة فن كقدرة على إلتقاط ما يصعب أو ما لا يمكن إلتقاطه". و هذا يا أحمد آدم أفضل تقريظ أطمح إليه في حق هذا الخيط، كون شجون حديث الجسد و معانيه المتداخلة تجعل من إلتقاط أمر الجسد مهمة شبه مستحيلة.ورغم أن إهتمامي بأمر الجسد بدأ من حيث هم التعبير الجمالي التشكيلي إلا أنني سرعان ما وجدت نفسي في فضاء مركب تتداخل في نسيجه خيوط السياسة والتاريخ و الإقتصاد و اللغة و علم الإجتماع و علم التحليل النفسي إلخ.
شايف أخونا محمد عثمان دريج قال:
"لا يمكننا أن نتغاضى عن الجسد على أية حال.."
و كمان شايف أستاذة " نجيضة" إسمها حليمة عبد الرحمن عاملة أرضي لأولاد المسلمين في سودانيز أونلاين في بوست بعنوان " لـَوْطـَنـَة العالم"، البوست دا مجرد عنوانو عامل لأولاد المسلمين " أم هلاّ هلاّ"، ( كيف مرة سودانية تقوّي عينها و تتكلم في موضوع رجال زي دا؟). و البوست يعالج أسئلة الجسد تحت شروط قوانين السوق الرأسمالي المتعولم. و الأستاذة حليمة قلقة على مصير أطفالها في عالم أصبحت تربية الأطفال ( الجنسية و غير الجنسية) فيه شأن القائمين على سوق الإتصالات المعولمة بتلفزيوناته و أقماره و شبكاته الأسافيرية إلخ .. و في ما وراء قلق الأم و تساؤلاتها المشروعة في خصوص مسئوليتنا تجاه القيم التى نباشر عليها تنشئة أطفالنا، يتفتـّق أفق المناقشة القريب عن أسئلة أخرى، أكثر فداحة، حول العواقب الأخلاقية لقوانين منظمة التجارة العالمية التي تهدف لتوحيد السوق في كل العالم . هل قلت:" توحيد" السوق؟ توحيد شنو يا زول؟ أحسن نسمّيها "وحدانية" السوق عديل كدا، في المعنى الديني للعبارة.و هي وحدانية بربرية على الطريقة النيوليبرالية الأمريكية ، القوي فيها يستعبد الضعيف و يهرسه هرسا وفق قانون منظمة التجارة الدولية والماعاجبو يمشي يشتكي في محكمة منظمة التجارة الدولية ، يعني "من دقنه وافتل له".أها في شروط "وحدانية" السوق، بكرة لو في زول داير يفتح ليهو كازينو وبار في مكة المكرمة عشان يبيع فيه البيرة أم كحول، و جوهو" المطوعين"( بتاعين الأمر المنكر و النهي المعروف) عشان يقنعوه بأن الخمر و الميسر رجس من عمل الشيطان، فصاحبنا ممكن يطلـّعهم محاكم و ينزّلهم محاكم لمن يقولوا" الروب"، و كمان فيها يطلب من وزارة داخلية حارس الحرمين ترسل ليهو ناس يحرسوا حرم مؤسسته و يضمنوا حرية التجارة .و كان مكضبني أسأل الإقتصاديين و القانونيين القاعدين معانا في منبرنا دا.
أحمد آدم،
تقول:" لا يوجد ما هو أخطر في الثقافة من الجسد ". و هذا قول سديد. بدأ أولاد و بنات المسلمين في الإنتباه له مؤخرا.لكن الإنتباه وحده لا يكتل غزال.و المطلوب تعريف دبارة منهج لمقاربة سؤال الجسد على ضوء متغيرات العالم المعاصر، و نحن ضالعين في العالم المعاصر لي ديننا، رضينا أم أبينا.و المطلوب هو أن نحقق إندماجنا في حضور العالم المعاصر بأقل الخسائر الممكنة لنا و لسوانا. شفت كيف؟
و تاني عندي ملاحظة على المصطلح:
أراك تستخدم عبارة " الوشم" و " الجسد الموشوم" في حديثك عن الـ
Marked Body
و أنا أحبّذ عبارة " الوسم" و " الجسد الموسوم" على أساس أن دلالة عبارة "الوسم" أوسع من" الوشم" ( تاتو) لأن " الوشم" تدل على ممارسة محددة في تقليد الكتابة الجسدية .فالوسم عام بينما الوشم خصوصي من منظور التقنية، كونه يتم بطريقة ( شك و خدش البشرة) و بأدوات (إبرة) و خامات ( ألوان و أحبار) تحدّد الممارسة وسط قطاع معين من الأشخاص ذوي البشرة البيضاء أو الفاتحة اللون ،لأن أثر الوشم لا يظهر على البشرة السوداء الذين يميلون لأنواع الوسم الجسدي البارزأو الغائر( الفصد والشلوخ).و قد سبق لي معالجة أنواع الكتابة الجسدية ضمن تقليد الجسد الموسوم في السودان قبل سنوات في ورقة نشرت في كتاب " السودان : الثقافة و التنمية، نحو استراتيجية ثقافية"، تقديم د. حيدر ابراهيم. مركز الدراسات السودانية، 1999.و أنوي إعادة كتابة هذا النص بشكل أفضل لبذله لقراء سودان للجميع لأنه ، في نظري الضعيف ، مكمّل لهذا الخيط حول جيوبوليتيك الجسد.
المهم يا زول، كلامك عن " البنت اللبنانية في سيدني" في خصوص إنتقال الجسد غير الأوروبي( اللبناني أو السوداني) إلى فضاء الجسد الأوروبي (و أنا أعتبر الفضاء الثقافي الأوسترالي أو الأمريكي جزء من الفضاء الثقافي الأوروبي) فيه قولان، و ربما ثلاثة.فأنت تقول:
".. و باتخاذ البنت اللبنانية في سيدني كمثال، نجد أن واقعة إنتقالها من لبنان إلى أوستراليا تنقلها من خانة الجسد غير الموشوم".." إلى خانة الجسد الموشوم، و هي حالة تحدد هويتها كملوّنة
(women with colour)

و هو وشم يذهب إلى ما وراء العرق ليبعبر عن التصنيف الإقتصادي و الإجتماعي و التاريخ الثقافي. و هي تصنيفات تضعها في( الهامش) بالنسبة للجسد غير الموشوم ، و هو الجسد (الأنجلوساكسوني) في الحالة الأوسترالية، كجسد مدعوم بالمؤسسات التي تحتكر ( التمثيل). و تلجأ معظم( الصبايا) اللبنانيات للعديد من الحيل للفرار من( الوشم) في محاولة أن تتطابق مع النموذج الآنجلوساكسوني المطروح كنموذج ( ستاندر).و ذلك لتشكيل آلية للدفاع داخل علاقات إجتماعية إضطهادية كابحة.. حالة أن تكون امرأة يعني أن تتعرض للإقصاء، و أن تكون امرأة ملونة يعني أن تتعرض للإقصاء مرتين
(Double out of place)
قلت أعلاه : أنا أعتبر الفضاء الثقافي الأمريكي و الأوسترالي طرف أصيل من الفضاء الثقافي الأوروبي.لأن الأوروبيين" أوْرَبوا" الأرض التي غنموها و فرضوا و عمّموا عليها مواصفات النموذج الثقافي الأوروبي.( النسخة النصرانية من إقتصاد السوق الرأسمالي).و هذا القول لا يكتمل ما لم نستطرد عليه أن الأوروبيين لم يكتفوا بأوربة الأرض التي غنموها و إنما" أوربوا" خيال العالمين قاطبةسواء داخل القارات التي استوطنوها أو خارجها.أنا أقول " أوربة الخيال" بينما " أميناتا تراوري"، المالية المناضلة ضد العولمة النيوليبرالية،
، في غبنها الأفريقاني المشروع، تقول" إغتصاب الخيال" في نص غاضب ناصع معنون:
Le Viol de l’ Imaginaire,Aminata Traoré, editions Actes Sud, Fayard, 2002.
و أنا أعتقد أن البنت اللبنانية (أو السودانية) التي تفد من الفضاء الثقافي اللبناني للفضاء الثقافي الأوروبي ليست غريبة أو دخيلة على النموذج الجسدي الذي تمخّضت عنه الثقافة الأوروبية.إنها تمثـُل في مشهد الجسد الأوروبي كنسخة لبنانية (أو سودانية) لنفس النموذج الأوروبي المهيمن.و في هذا المنظور تنظـّم الدوائر المتحكمة في سوق الثقافة الأوروبية تراتب النسخ حسب المصلحة الطبقية حول نسخة مركزية يتم تعريفها حسب مواصفات السوق و يتم تثبيتها في قمة هرم أحكام القيمة الجمالية المزعومة كونية (يونيفيرسال) .و في هيكل هرم النماذج فاللبنانية أو السودانية أو الصينية إلخ يمثلن كعرائس " باربي" ملوّنة تدين بكل شيء لـ " باربي غيرل" الأوروبية التي تعلو و لا يعلى عليها.(و حتى لا تظن أن الأمر يخص الفتيات فحسب أذكـّرك بأن هناك نسخ غير أوروبية من
" كين"، فتى أحلام "باربي". و قد كان أول الغيث " كين " هاواي بجسمه الرياضي المتزييّ بزي التزحلق على الموج، و من يدري فقد يخرج علينا أهل السوق قريبا بـ " باربي " إسلامية محجبّة و برفقتها فتى أحلامها المسلم الملتحي، و كل شي في الحيا جايز. أما عن مولانا " مايكل جاكسون" فحدّث،فالرجل في مقام جمالي مغاير جملة و تفصيلا و هو يحتاج لفصل خاص يصون التركيب العظيم اللاحق بمكيدته الجسدية و أنا عائد له في براح منفصل).و داخل بنية الهرم الأوروبي للنماذج الجمالية ، تكافح الفتيات المستبعدات للإبتعاد من النموذج البناني (أو السوداني) للإقتراب من النموذج الجمالي الأوروبي ،و التشبه به، سواء من الظاهر بمكائد المكياج و الجراحة التجميلية، سواء من الباطن باستنباط نظرية " شرقانية " أو " أفريقانية " لجمالية جسدية غير أوروبية،غايتها أن تدعّم من واقع هيمنة النموذج الجمالي الأوروبي على هرم مملكة جمال العالم.أي و الله، فقد عودنا الأوروبيون أن نقبل مواصفاتهم لـ "ملكة جمال للعالم" بحاله في ترهات عرقية من نوع( مس يونيفيرس)، وباعونا أنواع المقاييس الجسدية المثالية للإناث كما للذكور، و فرضوا علينا أنواع الملبس و المأكل و الأدوات و الأثاث و طرائق الحركة و السكون التي تتماشى مع ضرورات التجارة الكبيرة و نحن حامدين شاكرين و طامعين في المزيد و الحمد لله على كل شيء.و على كل حال فالحرب سجال بين النماذج الجسدية المتخلقة داخل هرم مملكة جمال السوق المتعولم.و خبراء التسويق يعيدون ترتيب المواقع حسب حاجة السوق ، و ذلك بالإستجابة المباشرة لطلب أغلبية جمهور المستهلكين(" الجمهور عايز كدا") بطريقة لا ينسون معها مطالب الأقليات العرقية و الثقافية.
كتب " ميلان فيزيلي" محرر الـ " آفريكان بيزينيس"اللندنية
African Business
In Courrier International, 20 Octobre 1999
" يعتبر إنتخاب "مس يونيفيرس" أفريقية بمثابة هدية حقيقية للقارة السوداء. فبعد التركيز الأعلامي الطويل على الحروب الأهلية الدامية و الإعتداءات على السياح و البؤس الإقتصادي للقارة السوداء [ تاني؟]، إحتفل الأعلام الأمريكي بإنتصار " مس بتشوانا"، و التي أنتخبت ملكة جمال العالم في مايو 1999 ، و قد تم الإحتفال وسط هيلمان الإنتاج المشهدي الهوليودي.و عبر شاشات التلفزة اكتشف ما لا يقل عن مئة مليون مشاهد من مختلف أنحاء العالم، اكتشفوا " مبول كويلاغوبي" الشابة القليلة الحجم بأعوامها ال19 .".." و يعتبر الظهور المتأخر للجميلات الأفريقيات في مجالات الموضة و صناعات التجميل بمثابة ظاهرة إستثنائية.وهذا النجاح يجب أن يلهم القارة الأفريقية، و بالذات صناعة السياحة الأفريقية،أن تستثمر الوزن الإعلامي لمواهبها.و يعلق الأمريكي جون باورز الذي يدير وكالة باورز لموديلات الموضة في مدينة دالاس:"ينبغي على وزارة السياحة في بوتشوانا أن تستثمر إنتصار مبول كويلاغوبي و ذلك بسبيل عرض الميراث الطبيعي الرائع لبتشوانا".. و يتحسر كاتب المقالة من أن" غرف التجارة في البلدان الأفريقية (جنوب أفريقيا و بتشوانا و كينيا) تتلكأ في إنتهاز هذه الفرص لتطوير البنى التحتية لصناعة السياحة بشكل جاد" .
و هكذا لا يتردد خواجات الخبرة العرقية لحظة في رسم خطط التنمية الإجتماعية و الإقتصادية لبلدان أفريقيا لمجرد أن سوق الجمالية العرقية في أوروبا و أمريكا يحتاج لدماء إكزوتية جديدة تروّح عن الأرواح الأوروبية الملولة وطأة النموذج الجمالي الآري المألوف.و بالمناسبة يا أحمد أدم ،المغنية الشهيرة " مادونا" ،عارفة بحدود النموذج الجمالي الآري الذي كرّسها في مركز حظوة ضمن هرم الجمالية العرقية، و لعل وعيها بحدود النموذج المهيمن هو الذي يحفزها من وقت لآخر لإستعارة الإكسسوارات و المحسنات التزيينية( الكوزموتيك) الوافدة من خارج تقليد الزينة الأوروبي كزخارف الحناء و أنواع الحلي المجلوبة من الشرق كالححجل و الزمام و الأقراط الكبيرة و الأزياء إلخ. و ذلك بغرض إضفاء لمسة " إثنية" ( إكزوتية ) على حضورها المشهدي.
و في نفس مقالة " آفريكان بيزنيس" يواصل" ميلان فيزيلي" بأن " تدفق العملات الصعبة في بلدان أفريقيا أثر إبرام العقود المجزية مع صناعة الموضة ، يمكن أن تنعش خزائن البلدان الأفريقية ( كذا).
فـمبول كويلاغوبي" تسلمت من رعاتها الإعلانيين ( سبونسرز) حوالي مئة ألف دولار مكافأة على فوزها بالإضافة إلى عقود عمل كعارضة أزياء لكبار بيوتات الموضة الأمريكية و الأوروبية. و هكذا يمكن لشهرتها الإعلامية أن تدوم لسنوات.و إذا قرنت إسمها مع منظمات مكافحة الإيدز فسوف تتمكن من تسليط الضوء على النضال العملاق الذي ينبغي على القارة الأفريقية أن تخوضه ضد مشاكل الصحة.سيما و أن محاربة وباء الإيدز في القارة يحتاج لدفعة من هذا النوع."و ترجمتها بالعربي يا خواجة: إذا البنية السمحة دي ما كسبت يانصيب" مس يونيفيرس" بتاعكم دا، شعوب أفريقيا بحالها ممكن تموت سُمبلة ساكت..
و يواصل الخواجة فيزيلي:" هذا الحدث – يعني فوز "مس بتشوانا" بلقب "مس يونيفيرس" - كشف للعالم سرا ظل مكنونا بين الخواص حتى اليوم."و حين نرخي أضاننا لنتلقى الكشف الجليل يقول الخواجة فيزيلي :
" جمال النساء صار اليوم أحد أرفع صادرات أفريقيا.و صارت أكبر الوكالات ، مثل وكالة " وليام موريس"، صارت ترسل صائدي الحسناوات يجوبون أنحاء القارة بحثا عن أجمل الصوماليات و السودانيات و الجنوب أفريقيات..".." و نجاح أليك ويك ، من الوكالة النيويوركية " تالنت" ،ما زال يدهش الجميع.فهذه الفتاة السودانية ، سلسلة الدينكا، إكتسحت عالم الموضة بفضل جسدها الأفريقي الأصيل( تيبيكلي آفريكان)، ".." فهي تجسد بدقة الملامح الخصوصية لشعب الرعاة النيليين الذين تنحدر منهم.و هي بين المفضلات لدى الشباب الأمريكي. بشعرها القصير ، بل الحليق،و لونها الأسود الفاحم و جاذبيتها الجنسية من الأمور التي تستهوي القائمين على العلامات التجارية الكبيرة في عالم الموضة من نوع " غاب " و " تارغيت" و " نينيان ماركوس".."
أحمد آدم ، يازول خلاصة هذا الكلام هو أن السوق المتعولم " ما عندو قشة مرّة" و ربنا يجيب العواقب سليمة.

هالة الكارب
سلام و شكرا على القراءة الرشيدة
إشارتك لتعدد الهويات تستحق المزيد من النبش، و سأعود لمسألة النسوان كأرض مبذولة للإغتصاب..لكن هذه الأرض تبقى مفخخة بتعدد الهويات الذي أربك السلطان في مناقشة رمبيك. و هذا باب يجيب الريح و هو مسدود.
سأحاول العودة لكل هذا في أسرع فرصة.


حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الأرضة جرّبت الحجر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 30
الأرضة جرّبت الحجر

أحاول في هذه السطور إستئناف التفاكير الواردة في خصوص رقصة الرقبة ، و كنت قصدت من هذا الجزء أن يكون بمثابة خاتمة للنص المنشور في عدد " جهنم رقم 25 " ولكن تعقيبات الصحاب المتابعين فتحت دروب جديدة للمفاكرة في موضوع جيوبوليتيك الجسد مما جعل نيّة الخاتمة تنمسخ لإرادة استهلال متجدد لهذه المناقشة التي بدأت بذريعة رقص السودانيين..
المتأمل في مشهد رقصة الرقبة الراهن يملك أن يميز بين حساسيتين
متعارضتين تطبعان الأسلوب الذي تباشرعليه السودانيات فعل الرقص :
فمن جهة أولى يبرز إتجاه الفجور الجامح الذي تحمله " أغاني البنات" بعفوية و تلقائية لا تخلو من روح اللعب. و الرقص "لعب" في لغة السودانيين ، و قيمة اللعب تتأكد من الطبيعة البريئة للفجور الأدبي و الحركي الذي ينبثق ضمن مشهد" التعليمة".و فجور "أغاني البنات" مكشوف منشور على الملأ عن سبق القصد بغرض المنفعة الدرامية " التطهرية"(كاثارسيس) .
catharsis
و في مشهد الممارسة التطهرية ينفتح هامش حرية متحرك متحول للتعبير الحركي العفوي.في هذا الهامش المعملي تتخلق اللقيات الكوريغرافية الجديدة، الوافدة من مصادر متنوعة محلية و أجنبية، و يتكون نوع من قاموس كوريغرافي عليه تتأسس الإضافات الجديدة لرقصة العروس.
و من جهة ثانية ، في مواجهة " اللعب الفاجر"، طوّرت مؤسسات السلطة إحتمالا في الخطاب الكوريغرافي المهجـّن على هدي آيديولوجيا التمازج السودانوي ، و ظهر نوع من الرقص المسرحي الذي يجعل من راقصة الرقبة نوعا من ممثلة تلعب دور العروس على خشبة مسرح الفولكلور السودانوي. و في هذا المقام يبدي منظمو المحفل إهتماما كبيرا بالتفاصيل و الإكسسوارات الفولكلورية و العادات القديمة البائدة (حتى بلغ الشطط حد تنظيم طقس البطان في أعراس اليوم).و قد صار تمجيد نبرة الفولكلور السوداني، في مشهد رقصة العروس، صار وجها من وجوه التعبير السياسي لطبقة وسطى حضرية تعتبر نفسها تجسد جماع التعدد الثقافي السوداني،ولا يراودها شك في كونها مركز الثقل الحضاري لمجمل شعوب السودان.
و بين هؤلاء و أولئك تمتد أرض الإشتباهات التي يرقص فيها رهط السودانيات المحتارات مجاملة ، و هن غير مقتنعات، لا بضرورة الرقصة و لا بهجرانها.و في رقصهن يستغنين بالضروري عن الفضول و يختصرن رقصة الرقبة لمجرد حركات آلية خالية من معاني الإشارات الإيروسية التي تأسست عليها رقصة الرقبة في أصلها كفعل إنكشاف فريد في نوعه.
و من الصعب اليوم التكهن بطبيعة المضمون الرمزي الذي ستتخذه رقصة الرقبة بالنسبة للجيل القادم من الراقصات السودانيات.و إذا كان للخيار الفولكلوري أن يمدد من عمره بفضل دعم السلطات التي تقدر عائده السياسي المجزي ، على صعيد الآيديولوجية السودانوية، فان المسعى الفولكلوري سيبقى رهين الرقص الإحترافي ( كما في إطار فرق الفنون الشعبية و الصناعات القومية التي لا تقوم لها قائمة بدون دعم السلطات).و الرقص الإحترافي مهما علت نوعيته التقنية ، يظل غير مؤهّل ، بحكم طبيعته الإصطناعية ـ لحمل المشاعر و الرغبات الفردية التي تحفز الراقصة على إقتحام حلبة الرقص لتعبّر عما لا يقال في غير لغة الجسد.
و أراني أميل للمراهنة على خيار الفجور الحركي و الأدبي الذي يسود حلقات الرقص اليوم، بالذات في لحظات التعليم ـ أو " التعليمة " ـ التي تجتمع فيها الفتيات حول العروس بذريعة تعليمها تقنية الأداء الكوريغرافي ، في حين أن الأجندة المضمرة في " التعليمة" تتجاوز التقنية الكوريغرافية لجملة من الأمور التي تهدف لتحضير العروس و تهيئتها لطقس العبور الوشيك.و هي لحظات يتحرر فيها الجسد و اللسان من رقابة الرقباء القوّامين على النساء، و تتفنن القرائح في ابتكار الإشارات التي تموّه التمرد تحت غشاء التفحّش الحركي و الأدبي الذي ينتظم مشهد " التعليمة ". ذلك أن التمرد ، تمرد الجسد على معاني الحركة الرمزية لثقافة المجتمع قبل الرأسمالي، يظل هو الموضوع الرئيسي لمباحث الجسد الجمالية. و رغم أن المضمون الإيروسي يظل هو القاسم المشترك الأعظم للرقصة، في شكلها التقليدي كما في شكلها الحديث،إلا أن لغة إيروس الحديث تعبر عن نفسها بشكل مخالف عما كان عليه حال راقصات حسن نجيلة الأمدرمانيات في " ملامح من المجتمع السوداني" في عشرينات القرن الماضي.
و في واقع الأمر تتباعد رقصة الرقبة الحالية كل يوم من حيّز الحريم، حيز الخضوع و الطاعة، و تتقارب من حيز القطيعة الثقافية مع التقليد البائد.و هو الحيز الذي تتخلـّق فيه الأنثى الحضرية المتعلمة العاملة، و الواعية بدعاوي المساواة في الحقوق و الواجبات مع ذكور المجتمع الحديث.و مكسب المساواة الإقتصادية و الفكرية الذي حصلت عليه الإناث السودانيات(الأكتوبريات) يؤثر بشكل مباشر على رؤيتهن لدورهن كإناث ضمن العلاقة المركبة الجارية بين الرجال و النساء في السودان،سواء على صعيد فضاء الرقصة أو على صعيد البعد الإيروسي للعلاقة.فراقصة الرقبة التي تفتح جسدها و تبذل لحمها لنظر الذكور اليوم، إنما ترقص يعيون مفتوحة على رجل جديد، غير الرجل الفحل و الفارس الأسطوري الذي يسكن ملاحم الأدب الشعبي.هذا الرجل الجديد ، بطل الأسطورة الحضرية الحديثة، الذي تنظر نحوه راقصة الرقبة، هو رجل تختاره و يختارها باستقلال عن إرادة العشيرة، باعتباره طبقها المتعلم المتواطئ معها على دعاوى المساواة و التقدم، و هو في تصوير الأدب الشعبي الحضري " أفندي " في خاطره براح للحب كأحد دعامات الزواج الناجح.و من المحتمل أن هذا الواقع الجديد الذي تتحقق ضمنه رقصة الرقبة هو المسئول عن التحولات التعبيرية على صعيد حركة الراقصة الحديثة.فالكثيرات من راقصات السبعينات كن يؤدين رقصة الرقبة و أعينهن مفتوحة، و أحيانا تغطي وجوههن الإبتسامة، و قد يضحكن ، ضمن إضمار بكون المسألة مجرد لعب مسرحي.و أذكر أني سمعت سخرية لاذعة من طرف بعض خالاتي بخصوص عروس شهدنها ترقص " و عينها بيضا".لكن فيما وراء الإضمار يتم إنجاز اللعب المسرحي بعناية ظاهرة و بجدية كبيرة، و أظن أن العروس التي ترقص و " عينها بيضا" هي راقصة حريصة على دورها كمتفرجة على نفسها في دور العروس ، مركز المشهد.
و إذا كانت راقصة الرقبة التقليدية ،التي ترقص مغمضة العينين، تستغني عن المشهد المسرحي الخارجي بمشهد مسرحي داخلي يمكنها من مواجهة الجمهور و هي متقمصة لدور العروس الأسطورية ،على نحو مرضى الفصام العقلي،" الشيزوفرانيا"، الذين ينسحبون من العالم الواقعي لعالم خيالي ذاتي،فإن راقصة الرقبة الحديثة لا تغمض عينها عن مشهد الواقع المادي و لا تستغني عنه بأي ثمن.فهو المشهد الوحيد الذي بقي لها ، و ضمنه تحرص على إنجاز الحركات الكوريغرافية المفرغة من محتواها الطقسي التقليدي، كمجرد مفردات مسرحية تكتسب معناها الجديد من إنسجامها مع الرؤية الجديدة لعلاقة الرجال و النساء الأكفـّاء و المتساوين المجتمعين في المحفل بذريعة الزواج.
هذه الراقصة الممثلة " الواقعية"، ما زالت تتظاهر بفتح جسدها، بيد أن وراء أناقة الظاهر الحركي يتكشـّف التعبير عن فتور في الأداء أدخل في " الدلال" منه في قلة الدراية الكوريغرافية.و هذا لعمري وجه من وجوه البلاغة الكوريغرافية الغميسة التي يستقبلها الجمهور اللبيب الحديث و يقدرها حق قدرها. بل ان راقصة الرقبة الحديثة ما زالت قادرة على التظاهر بمنح الشبّال و رمي ضفائرها الإصطناعية ـ أو الوهمية ـ على وجه طالب الشبال المحظوظ ، الفالت ،على كل حال ، من عواقب البطان.
و هو شبال رمزي ، رشيق و أنيق، تكافأ الراقصة عليه ، في كل مرة ، بجائزة الزغاريد المتضامنة البهيجة.
لكن الأشكال الطقوسية التي وصفناها كـ "أشكال فارغة "، من دلالاتها الرمزية التقليدية ، لا تطيق " الفراغ "، الذي يعني موت الممارسة، إلا كوجه من وجوه التدبير المنهجي العملي الذي نفرز عليه بين المضامين التقليدية و المضامين الحــديثة للرقــصة.و إذا ســلمنا باستحالة فــكرة
" الفراغ" الدلالي ، فما هي الدلالات الرمزية الحديثة التي تستبطن حركة العروس في رقصة قطع الرحط اليوم؟
هذا سؤال كبير عويص الإجابة عليه لا تكون بدون سياحة بحثية في ثنايا الممارسة الراهنة. فهذه الرقصة لم تكف يوما عن مسلسل الإنمساخات الدلالية رغم أن الجميع يصرون على تعريفها بنفس الإسم
القديم: " رقصة الرقبة"..و أي " رقبة"؟و بلاغة الأهالي، التي تكنـّي عن " الروح" بعبارة "الرقبة" ، تخرج بالرقبة من دلالة العضو التشريحي لحيث الذات الإنسانية الفاعلة المتحولة على هوية الإنمساخ المستديم.أي رقبة؟؟
المراقب لرقصة العروس عند " قطع الرحط" يلاحظ أن جملة الإشارات و العبارات و الأغاني و نقرات الدلوكة تخضع لنوع من التشفير تتقاسمه العروس مع جمهور مشجعاتها الإناث.و ذلك بغرض توجيه حركة العروس لكسب الـ " ماتش" ضد العريس الذي يمثل فريق جنس الرجال كافة.و الـ " ماتش " المعني لعبة يؤديها العريس و عروسه أمام الجمهور.و فحوى الأمر أن العروس أثناء رقصها تتظاهر بالسقوط على البرش، و على العريس الواقف جنبها أن يمسك بها فلا تسقط.و إذا غافلته و سقطت يحصل " القون"، إصابة في مرمى العريس.و إن تمكن العريس من تلافي سقوط العروس يكون القون في مرمى العروس، و قد تسمع الحضور يعبرون في براءة اللعب بأن " العريس دخّل فيها قون " أو " العروس دخّلت فيهو قون" أكثر من مرة.و يستمر اللعب بين الفريقين وسط الهلولة و الزغاريد و الضحك ، و كل فريق يحسب حصيلته من " الأقوان".إن استعارة رقصة العروس الحضرية للمضمون الرمزي لرياضة كرة القدم يموضع كل من العروس و العريس في موضع الخصم الند الذي يتصدى للعب بغاية الكسب و حيازة تقدير الجمهور. و غني عن القول أن الإشارة الإيروسية لفكرة إصابة المرمى في رقصة" القون" لا تغيب عن خاطر جمهور المشجعين من الجنسين ، بيد أن " القون " هنا مجازفة محتملة يتقاسمها الطرفان ، فالعريس معرّض للقون كما العروس.و هذا النوع" الحديث" من اللعب يساهم في نخر و خلخلة أساس الإتفاق الرمزي البائد للقوامة الإيروسية التي تفترضها ثقافة المجتمع الذكوري في جنس الرجال على جنس النساء.و هكذا، بذريعة" الرقص/اللعب" تنقل رقصة العروس المعاصرة موضوعات الندية و الكفاءة الرمزية إلى مقام حداثي يساعد الرجال و النساء المعاصرين على إعادة إختراع العلاقة ضمن منظور غير مسبوق.
و المتأمل في تحولات رقصة العروس ، بين مشهد الأمدرمانيات اللاتي وصفهن حسن نجيلة في الثلاثينات لغاية مشهد الراقصات المعاصرات اللاتي يجعلن من رقصة العروس مناسبة لتنظيم مباراة ضد جنس الرجال، يلمس بسهولة أن المسافة بين الرقصتين هي المسافة التي قطعها رجال و نساء مجتمع الحواضر العربسلامية بسبيل إبتداع طقس جمعي حديث مموّه ضمن الإتفاقات الأيقونية التقليدية، و ذلك على صورة حداثتهم الملتفعة بثياب التقليد.و غاية الجهد مباصرة المخارج المريحة لأولاد و بنات المسلمين من عسف "النظرة الأولى" و من هول "النظرة الثانية" الزانية.فالنظرة الأولى المباحة لا تشفي الغليل بينما الثانية المحظورة تفسد الدين. و المشكلة هي أن حياة السودانيين الحديثة، التي لا تستغني بحال عن هذه النظرة الثانية الزانية، لم تزل تفاوض فرص إعادة تعريف العلاقة بين أبناء و بنات المسلمين بما يضمن للجميع أن يقعـّدوا ما تبقى لهم من متاع الذاكرة التقليدية في فضاء الحياة الحديثة بأقل ضرر ممكن..و هذه المفاوضة التاريخية حاصلة ـ منذ فجر الغزوة الإستعمارية ـ تحت ضغوط شتى مادية و رمزية. وحتى تخلص هذه المفاوضة الحضارية التاريخية، (ترجم " الطبقية")، إلى نتيجة مقبولة (و هيهات)، سيبقى حال التجريب قدرا مكتوبا على كياناتنا الإجتماعية و الثقافية ، و " الأرضة جرّبت الحجر" ( كما يقول مثل لم أخترعه ).
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.


صورة


.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حديث البوشاني 1

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جيوبوليتيك الجسد 31


السطور التالية مواصلة للمناقشة في موضوع الرقص في السودان. و هي تتضمن المراسلات مع بعض الأصدقاء من قراء "جهنم" الذين نفعوني بتصانيف في القراءة الرشيدة فشكرا لهم و شكرا لكل من برني بانطباعاته النقدية شفاهة ، فالكتابة في هذا الموضوع المعقد المركب لا تكون إلا تضامنا و اليد الواحدة لا تصفـّق و لا تكتل غزال كما يقول المثل الشهير غير المعروف.
أبدأ هنا بنشر المراسلة مع الأخ الفاضل الهاشمي ( المنشورة في" جهنم" رقم 26 فبراير 2005) و تعقبها رسائل من صحاب آخرين كنت أزمع نشرها في عدد لاحق من " جهنم" حالت دونه ملابسات ضيق المجال و تشتت الحال مما تعرفون.و للأعزاء أن يتدخلوا ليعدلوا أو يصححوا أو يستطردوا ما شاء لهم حتى نستعدل مسار هذه المناقشة القديمة الجديدة و ندمجها في هموم أهل السودان ضمن مشهد العصر.


حديث البوشاني1
رسالة من الفاضل الهاشمي(تورنتو/ أكتوبر 2004)

العزيز حسن
استلمت جهنم، العدد 25، و وزعتها على الصحاب التورنتيين.
تهانينا على عمق الورقة و هي" تطمح لطرح مؤشرات نقدية في صدد علاقتنا بالتعبير الجمالي لحركة الجسد، و ذلك في إحتمال الرقص ، كما يطرحه تقليد رقصة الرقبة في السودان"(كشف المكنون، ص 3).
هذه هي الصيغة و الصياغة ، بل الهدف الذي طرحت الورقة نفسها به.
و كقارئ أحاول أن أحكي تجربتي مع الورقة الباسلة، و هي تسعى لقد عين الشيطان ، شيطان الجسد،.. و ربما تجاوزت في تعقيبي المهمة التي طرحت بها الورقة نفسها..
في نظري أن التحليل يتحرك كثيرا على عدة مستويات، نظرية جمالية و سوسيو سياسية، و هذه المستويات أكسبت النص تعقيدا يجب تأهيله بمقدمة منهجية قبل الدخول المباشر في المشاهد.. طبعا أشير هنا إلى ما اعتدناه في مناهج البحث التقليدية ، اللهم إلا إذا كان عندك اعتراض عليها..لا أقصد أن الورقة ليست مسنودة بمنهج و إنما بمدرسة" حداثة طليقة" ، لو استلفت تعبير د. عبدالله بولا في مكان آخر...
لتوضيح وجهة نظري سأورد مقتطفات من الورقة تصلح لأن تشكل مدخل نظري أو توطئة منهجية، مثلا:
1ـ كون الجسد " هو أول خط للمواجهة بين التقليد و الحداثة" و آخر خط لتلك المواجهة كمان.و أن أهل الحواضر السودانية فتنتهم" الحداثة التي استقرت في بلادنا بالعنف و التقتيل و بأنواع الغوايات الحديثة" إلخ ص 3
2ـ الشروط التي تتحرك فيها الحداثة ..شروط " السوق" و كونه " في تحليل ما إنما هو آلة توحيد نهائي للمواصفات التنظيمية الإنتاجية و الإستهلاكية، و هي آلة لا تطيق الإستثناء أو التسويف الذي قد يعترض أداءها بذريعة الميراث الثقافي لهؤلاء أو لأولئك.و هي آلة لا تطيق الثقافة إلا كترس إضافي يزيد من طاقتها الإنتاجية" ص 7.و يا سلام عليك و على هذا التحليل السلس.. و القلم الرسام المدهش.. تذكرني بحديث ماركس حول الدين.. و الذي أحكم سبكه..
3ـ و الفقرة 2 أعلاه دخلت في صلب تحليل مشهد أولاد العرب حيث " معاني الجسد في سياق الحداثة الرأسمالية تبقى رهينة منطق السوق.." إلخ. ص 14 .و ليتك أسهبت في حكاية "التم تم" و ربط مشهد أولاد العرب بالعنصرية.. و لعلك افترضت أن القارئ مُلم بذلك...
4 ـ الحداثة الطليقة.. كون تقليد الرقص الموروث" يستفيد من الدم الجديد الذي تحمله المساهمات المجلوبة من تقاليد حركية أجنبية، يستفيد منه في تمديد و بسط خصوصياته الثقافية السودانية، بل و " السودانوية" التي وردت أكثر من ثلاث مرات في الورقة دون أن توضح ما ذا تقصد بها.كذلك العودة لسنار ، فهناك إفتراض أنك لا تحتاج لتعريفها. " و" السودانوية " وسط أهل الحواضر المتعطشين لقرائن تدعم مزاعم هويتهم الثقافية المتصلة ضد بؤس وجداني متنام في ظل القطيعة الثقافية الراهنة" ص 18.
"و كون السودانيين يتقاسمون تراث التشكيل الجسدي الإنساني، مع غيرهم من خلق الله شرقا و غربا، شمالا و جنوبا" ص 18.
إذا كانت هذه مؤشرات مدرسة حداثة طليقة فبالأحرى التمهيد لها في توطئة و مدخل نظري.
5ـ ربط السماحة المشهدية بمشهد المحفل الوطني السعيد، لتعرية مدرسة منصور خالد و آخرين " سودانويين" كثر، عنصريين احتفلوا بالتقليد الثقافي السوداني " النيلي ـ الجلابي"، بوصفه" تقليد هجنة عفوية مؤدّاها الحتمي تحقيق التمازج على قيم الإسلام و العروبة بدون قسر" ص 19.
و قد أهنيك ثانية على إقحام منصور خالد، داعية تقليد الهجنة العفوية. و بالمناسبة فقد قرأت له ذات المعنى مؤخرا، لعله في " إتفاقيات السلام، البدايات و المآلات" ( الرأي العام، يوليو 2004).
و المحطات أعلاه أراها مرة أخرى تتبلور في مساعي إصلاح الحداثة:" و السعي المحموم المتعدد المصادر نحو يوتوبيا الحداثة، و الذي ما يزال يتخل"ق تحت أشكال حرة متفرقة، و أحيانا متناقضة. في أمكنة متنوعة ، و بدون أي رابط تنظيمي مركزي،لا بد أن يؤتي أكُله بشكل أو بآخر، لصالح حداثة أخرى جديدة تصحح إنحرافات السوق و تقعّد لقيات التقدم في آفاق الحرية و العدل و الرفاه" ص 25... كل ذلك بغير مقدمة نظرية..
مداخلات أخرى:
تقول : " منطق السوق الرأسمالي الحديث لا يدمر البنى الإقتصادية للمجتمع فحسب و إنما يدمر وراءها مجمل البنى الثقافية التقليدية التي كانت تدعمها و تبررها في الخاطر الأخلاقي للمجتمع" ص 8 ...
لا أتفق مع الجزء الأول فيما يخص المستعمرات و العالم الثالث، فقد احتفظ السوق الرأسمالي بالبنى الإقتصادية للمجتمع التقليدي في أفريقيا لصالح عملية إنتاجية شائهة ليستفيد من العمل الرخيص في القطاع التقليدي.و في السودان أبقى على مؤسسات سياسية( الإدارة الأهلية) لنفس الغرض. أما على مسنوى البنى الثقافية...مندري. فهذه فولة أنت كيّالها.. أو كما قال..ثم أن مقولة التدمير تنفي وجود " تقليد الرقص الموروث" بشكل ما..و المقوبة بإطلاقها تجعل مفاوضة مشروع إصلاح الحداثة" دون أن نتناسى ما في ذاكرتنا الجمعية من " كسور و بواقي" من ثقافة المجتمع العربسلامي قبل الرأسمالي"(ص 25)، المقولة تجعل هذا الـتـفاوض خالي الوفـاض، و تمـسخ شروط التفـاوض و تحوله لـــ
" ون وي"... خاصة و التقليد انحصر في "كسور و بواقي" و " أطلال التقاليد الشرقية" و " حفريات التقليد اليهودي" (ص 25).و لا شنو؟
ــ ص 2 تبدأ بكلمة " القانون " ما فاهم يا وسطى..؟؟ علمني أفادك الله..
ــ يا حسن ياخي خليك حساس شوية و رفقا بالعواجيز، زوّد " الفونط " دا درجتين.. ناس تورونتو زهجانين من الحكاية دي..

ــ هناك تحدي لمشروع إصلاح الحداثة.. فالحداثة صنوة السوق..و السوق " آلة لا تطيق الثقافة إلا كترس إضافي يزيد من طاقتها الإنتاجية" ص7.و صنو السوق نظم إستبعادية ثقافية. و ضمن هذه النظم ثنائية الجسد /العقل التي تكرّس للثنائية الليبرالية بين المواطنة السياسية و الإقتصادية.. دحين مع "كسور و بواقي "التقليد كيفن ينعدل مشروع إصلاح الحداثة؟ ما عندي إجابة لكني ما متشائل.
غايتو ما شايف في كل تفاصيل رقصة الرقبة غير رؤية ثاقبة مفتوحة على فضاءات مدارس
Feminist& anti-racist thought
مبروك عليك يا زول..و عفارم أنا مستمتع و منسجم...
ــ تقول : " و أستخدم عبارة الطبيعي في معنى " الحيوي"، و قيل الحيواني الأولي ، بما يسوّغ لي موضعة لغة الجسد الحيوان قبل لغة " لسان المقال" في عمق الذاكرة الحيوانية للإنسان."ص9. يا سلام على الحساسية . فال بلموود
Val plumwood

انتقد شومسكي ، و سأقتطف الآتي:
« Chomsky lacks a broad theory of oppression,which might be able to unite the conserns of oppressed groups, but also in some areas his thought contains elements of insensitivity to certain forms of oppression or is downright inconsistent with liberation perspectives…He modified his account of syntax and criteria for language use so as to deny the key elements of linguistic capacity to non human animals. Thus he has done much to reinforce a traditional mechanistic account of animals, which denies them access to reason and present humans as discontinuous from the « lower » animal world.Historically, this treatment of the animal ( and of oppressed human groups identified with animality or nature) as radically other, has been a key element in denying kinship, blocking identification and sympathy, and maintaining the structures of oppression for animals, for nature and for those human groups(such as women) assimilated to them ».P.3, Noam Chomsky& Liberation politics.

ــ السماحة المشهدية في رقصة العروس بكل تهتكها الذي يقف على مشارف الـ "ستريبتيز"
Striptease
هل لهذه السماحة صلة بسماحة " عفا الله عما سلف"؟؟
لكن لعبة " إبرة ودّر" تجاوزت الستريبتيز.
ــ " الطبقة الوسطى العربسلامية" إلخ ص 20.أنا ما معاك في حكوة الطبقة الوسطى دي..ما مرتاح للوسطى دي..يا وسطى..مثلما لا أرتاح لتوصيف أحزاب الوسط و اليمين في السودان.. غايتو ، أسلم عندي " أهل الحواضر العربسلامية"(ص 24).
ــ " وضعية الضعيف المغلوب على أمره إنما تمثل المصير القاسي الذي كتب على السودانيين، و على غيرهم ، مكابدته في حركتهم و سكونهم، و من واقع بؤسهم الجمالي و النفسي الراهن، ينحدر القوم نحو وهدة الإحباط الروحي و هم يشهدون الهاوية تتسع بين سمو عقيدتهم الجمالية الموروثة من الأسلاف، و إنحطاط جماليتهم الإيروسية و إضطراب نظامهم الرمزي الراهن..و في نظري الضعيف[حاشاك] فإن شرط الإحباط الجمالي الراهن مسئول لحد كبير عن وقوع مشهد رقصة العروس المتأخرة في شرك مثلّث حديث ـ و قيل حداثوي ـ مكون من الرفث المشهدي و الرفض الديني و الغوغائية الوطنية" ص 26.
I am impressed
هذه الفكرة أيضا تصلح ضمن المقدمة النظرية للورقة.. و هذا لعمري مانيفستو جمالي..
ــ أول مرة على ما أظن يتم ذكر العربسلاميين و ربطهمبـ " أهل وادي النيل الأوسط" تم في صفحة 32.هناك عربسلاميين غرب النيل برضو..
ــ و بعد نحن " أمام قارة عذراء جديدة لم يستكشفها أحد بعد. و الخرائط الوحيدة الممكنة لهذه القارة الجديدة هي الخرائط التي سنرسمها لها أثناء توغلنا في دروبها التي سنفتحها بوسائلنا المتواضعة و على قدر طموحنا الفادح نحو تأصيل مشاركتنا في صياغة جسد حي للوجود الإنساني الخلاق" ص 38.و بدون الثقافة الحداثية الأوروبية و بدون" الكسور و البواقي" ص 35.التي بذاكرتنا التقليدية و التي دمرها" منطق السوق الرأسمالي الحديث الذي دمر قبلها البنى الإقتصادية للمجتمع التقليدي" ص8.يعني مافي "عطاء متبادل ضمن السياق التقليدي" يجعل أو يخلق " مشروعا في أنسنة الحداثة و إصلاحها أخلاقيا"حسب ملاحظة " مارسيل موس" التي أوردتها في ص 8.غايتو يا حسن الكلام أعلاه بتاع صفحة 38 (أول تلاتة سطور في صفحة 38) مابمشي مع تفاوض مشروع إصلاح الحداثة بتاع صفحة 35 الفيهو" كسور و بواقي" و " حفريات التقليد اليهودي"..نان كيف يتم" تأصيل مشاركتنا" من الدمار الثقافي العظيم إياه الذي إكتسحه السوق و العولمة؟؟
تقول أغنية عقد الجلاد:" نحتاج دوزنة ..وترا جديدا"، لا يهم إذا كان الوتر من صنع آخرين، فسيتم " تأصيل مشاركتنا في صياغة جسد حي" للنشيد و لحنه.. أنا شخصيا مقتنع لكن البقنع الديك منو؟
ــ كيف ترى هذين النموذجين أراء الجسد الإنساني الممسوخ؟
نموذج أول:
أغنية محمد الأمين( لا أذكر شاعرها)، تقول أبياتها:
" جديات العسين قالن لي: أحمي رهودنا
عن أسد الشرى
و امنع ضواري فهودنا
قالن لي: لو تحفظ مواثيقنا و تراعي عهودنا
تتوسد ضفايرنا و تنام في نهودنا.."
غايتو في هذه المقايضة " غير الضيزى" المرأة كسبانة مرتين..
كيف نهد اللعيب يا بشارة؟با أقول : كيف جدي العسين يا حسن موسى؟ أو كيف ود جدي العسين الراقد حدارة؟؟
هذا جسد كردفاني مبين؟و هو أول و آخر خط للمواجهة بين الأسود و النمور. كدي كب لينا علم جمال في الأنثروبولوجيا دي يا دكتور.
نموذج ثاني:
قال الخليفة عبدالله للبوشاني: " قوم بوشن في الأنصار يمشوا للجهاد بلا قنقنة ( يعني بلا نقنقة .. أو كما قال).كان ذلك أيام الجهاد العصيبة التي لابد لها من توجيه معنوي قاس. فانبرى البوشاني مبوشنا يتشكـّر و يتنبـّر:
أنا الجُلـّة الفرطقتْ
أنا عريانة دَنـْقـَرَتْ
أنا اليوم الأبتا الكتيرة
يوم خيلنا لاقو خيل الترك
كِن فرسي أبى بي راسا
بي ضيلا بدخُلا "
هذا البوشاني الفصيح فارس " شين " ما بتقابل.. غايتو أنا ما تشكيلي و لا حاجة...ماهو موقف "عريانة دنقرت" من إعراب الجسد و الهوية؟؟ أفيدونا يا علماء الجمال بهذا القبح و الشنا المزعومتين..
و بعد أرقد عافية ، و في انتظار رسالتك.
الفاضل الهاشمي
تورنتو 2004
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ
مشاركات: 267
اشترك في: الأحد مايو 22, 2005 9:57 am
مكان: كندا

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ »

الاخ حسن موسى كتبت:

"(يا مصطفي لو عندك الرابط بتاع المقابلة المعنية مع ندى القلعة نزّلو لينا عشان الكلام في موضوع مغنيات زمن الإنقاذ محتاج لمباصرة إضافية)."
أعتقد هذا هو الرابط المعنى:-
https://almshaheer.com/modules.php?name= ... it&lid=271

"بحب دائماً لمّن يكون فى حتّة بنجلدوا فيها ناس..
يعنى حصلت لى قبل كم يوم كده شغالة حفلة.. فكان فيها جلد.. و أثناء ما كان الراجل بشيل السوط كده
(ضحكة) يضرب التانى ده.. بشوف اللحم بتاعو لونه أبيض كده.. بشيل اللحم بتاعو فى السوط بتاعو..
فأنا ما تتخيلى بتكيّف كيف..
من شدّة ما فرحت قمت زغردت ليهو و أنا ما بعرف بزغرد..
إتكيفّت و تقول أنا بجلدو فينى..
متكيّفة و ما دايرة أوقّف كلو كلو..."

تحياتى
دريج
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

يجازي محنك يا دريج،
نَكّتَّها كم وين؟
مراسيلي لناس الخرطوم تطاقش للحصول على تسجيل للحلقة ، لامن نسيت الموضوع.
ملاحظ يا حسن التغنى وسط معمعة الجلد بأمجاد أحفاد سلالة العباس من أم الطيور و كَلِي !
أضف رد جديد