في الديمقراطية والثقافة ومناهج النقد: موضوعات متنوعة للنقاش

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي محمد (الجزولي)،

أرجو المعذرة على الاستفسار أدناه:
لم أفهم معنى واقعة سحبك لمداخلتك الأخيرة أعلاه. انشا الله خير؟

بــولا
ÃÔÑÝ ßãÇá
مشاركات: 23
اشترك في: الاثنين مايو 23, 2005 8:55 pm

مشاركة بواسطة ÃÔÑÝ ßãÇá »

الاستاذ عبد الله
أسمح لي ان أستهل سلامي لك بجزء من مداخلة لك والتي تحمل "لمسة" حزن ذكرت اسبابها في نفس المداخلة:

"سوف أبقى بالطبع. وأتمنى بالفعل أن "تتآمروا معي لكي أبقى"، في المنبر وفي دار الدنيا ذاتها، التي أحالتها "العبودية العولمية المعاصرة" إلى شيءٍ لا يطاق بالنسبة لي، وأنا على مقربةٍ من أرذل العمر: عشرة ساعات شغل، وتصل أحياناً إلأى خمسطاشر ساعة، وبدون تأمين صحي ولا معاش؟ وبعد دا كلُّو يا ياسر يطلع لينا من يصفنا بأننا "قاعدين في بلكونات باريس نشرب في البيرة ونعاين للسودان من قمة برج إيفل". فهذا نوع الكلام الذي نحرص على أن لا يدخل ساحة منبرنا. وهو ما نرجو أن تتضامنوا معنا على حظره"

سلام بكل ايات الاحترام والتقدير اليك ايها الرجل الذي عجن من رأسه الي قدميه علما وتواضعا. واجمل ما يشدني وانا أقرا مداخلاتك هو الناصية اللغوية التي تعرض بها مداخلاتك والتي تمتاز بحميمية دون ان تفقد مضمونها الفكري.

إستمتعت بحديثك عن بعض المدارس النقدية وخاصة التي تسمي مدرسة "مافية المافي". هذه المدرسة أعتقد انه يقابلها المدارس النقدية التي يجملها ما يسمي "بعد-الحداثة" Postmodernism والتي كما ذكرت تقوم علي مبدأ الشك في كل شئ كمنطلق بحثي. وأراك بنفس القدرة التمكنية قد تعرضت للصراع بين المدارس الحديثة للنقد و المدارس"القديمة" - باسبقيتها الزمنية وليس بمحتواها - وإن لم تنعتها كذلك. وهو صراع ينتج عنه معرفة ثرية خاصة عندما تتوفر المساحة للاخر دائما. هذه المساحة استاذنا عبد الله لم تكن متوفرة - ومازالت - في بعض المؤسسات الاكاديمية التي تعني بتدريس العلوم الانسانية بكل الوان طيفها. هنالك اشبه ما يسمونه بعقلية "حراسة الباب" والتي لا تعطي الاخر مساحة للتعبير عن رائه والتي تعامل عقول الطلاب وكانها "صفائح خاوية" يجب ملؤها . وهذا نتج عنه وأد للمقدرات النقدية واصبحت سياسة "الخوف" من مخالفة الاخر هي الحاكم. الاختيار بين "مافيات المافي" والمدارس "القديمة" التي يقوم جزء منها علي مبدأ "الحفظ" Spoon-feeding والتراتبية الاكاديمية التي تقوم علي "سياسة المتر" بدل تعقل الاشياء rationalisation والذي قاد الي اشبه ما يسمي ب"الشلل النقدي" في مدارسنا وجامعاتنا. وبناء علي هذه المعطيات فاعتقد ان الخيار لن يكون صعبا خاصة اذا نظرنا الي مدرسة "مافية المافي" من زاوية انها رد فعل اكثر من ان تكون ان تكون فعلا في نفسها. والرؤية من هذه الزاوية مشوبة ايضا برفض القديم لها.
ولك التحية واطال الله لنا في عمرك.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي أشرف،
أخلص مودتي،
هذه عجالة من فرط الزحمة إياها. أتناول فيها فقرةً من إحدى مداخلاتي، استشهدت بها في افتتاحية في مداخلتك أعلاه، والتي استشعرتَ منها محقاً "لمسة حزن" واضحة، هي تعبيرٌ عن حالاتٍ تعتريني من حينٍ لآخر عندما يتجاوز السيل الزبى. ولعل أكثر مثيراتها حالة العزلة الكاملة التي نعيشها هنا، نجاة وشخصي، من بفعل قلة، وأحياناً انعدام، صديقات وأصدقاء الدائرة الحميمة، مما يَسِمُ الحياة بالضجر والرتابة الرتيبة. وهي ضائقة أستطيع التغلب عليها حين لا تمنعني ظروف العمل من الكتابة والقراءة، وممارسة الموسيقى. أما التشكيل فلا سبيل إليه في البيت الضيق أصلاً (فالبيت الضيق أسوأ وأثقل على النفس و الجسد من "المركوب الضيق" هل تعرف قصة المركوب الضيق؟). وهي كثيراً ما تمنعني من ذلك منعاً باتاً. أو منعا جزئياً، مثل حالي في الأسبوع الماضي حيث توفرت لي فرصةٌ ما للكتابة. سوى أنها فرصةٌ للكتابة المستعجلة. أو الكتابة في أمور متوسطة التعقيد. أريد أن أكتب في مفهوم الديمقراطية، على سبيل المثال، من فرط ما أرى من ابتذاله في منابر النقاش السودانية الإلكترونية بالذات. ولا أستطيع لأن وقتي لا يسعفني في معالجة "هكذا موضع". ونعلة الله على هذه ال"هكذا" اللبنانية التي كرهتنا القراءة. (وهذا أيضاً موضع كم تمنيت أن أكتب فيه إلا أنه لا يحتمل الكتابة المستعجلة أيضاً).
فلا خوفَ عليَّ إذاً من غاشياتٍ من الحزن والكآبة أعرف أسبابها وأعمل على أن تزول. وهناك جزءٌ منها سأناقشه في مداخلةٍ أخرى يتأتى، صمت كثيرٍ من الأقلام المستنيرة في منبرنا، وفي غيره من المنابر الإلكترونية (الأقل عنايةً بالنوعية)، عن الابتذال حين تستدعي الأمور النقد الحازم. وهذه يمكن أن تزول بمساهمات العارفين في صد غارات الابتذال "الفكري". وابتذال مفهومي الديمقراطية والحرية على وجه الخصوص. و

لك كل محبتي وجزيل شكري وسأعود لا حقاً (يمكن في نهاية الأسبوع).

عبد الله بــولا
ÃÔÑÝ ßãÇá
مشاركات: 23
اشترك في: الاثنين مايو 23, 2005 8:55 pm

مشاركة بواسطة ÃÔÑÝ ßãÇá »

أستاذنا عبد الله بولا
تحية طيبة
شكرا لك علي هذا الشرح الذي يعرف بالظرف الذي تكتب فيه وكذلك الاستاذة نجاة. واعتقد انه يجعل الكثيرين الذين لديهم متسع من الوقت مراجعة حساباتهم.
أما عن "قصة المركوب الضيق" فالسياق الذي استخدم فيه التعبير - مشكورا - قد وضح المعني المقصود ولكني اكون ممتنا اذا ابتدرت مداخلتك القادمة "بقصة المركوب الضيق" ومناسبتها "الاصلية".

لك وللاستاذة نجاة اطيب المني والتحايا.
ÃÔÑÝ ßãÇá
مشاركات: 23
اشترك في: الاثنين مايو 23, 2005 8:55 pm

مشاركة بواسطة ÃÔÑÝ ßãÇá »

أستاذنا عبد الله بولا
تحية طيبة
شكرا لك علي هذا الشرح الذي يعرف بالظرف الذي تكتب فيه وكذلك الاستاذة نجاة. واعتقد انه يجعل الكثيرين الذين لديهم متسع من الوقت مراجعة حساباتهم.
أما عن "قصة المركوب الضيق" فالسياق الذي استخدم فيه التعبير - مشكورا - قد وضح المعني المقصود ولكني اكون ممتنا اذا ابتدرت مداخلتك القادمة "بقصة المركوب الضيق" ومناسبتها "الاصلية".

لك وللاستاذة نجاة اطيب المني والتحايا.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي أنور (وهذه بداية التخلص من الأبوية والأمومية المزعومة)،
تحياتي،
آسف أن أقول لك إنك تركتَ جانباً كل موضوعات مداخلتي في نقد منهجك، ومنهج شريحةٍ من بنات وأبناء "جيلك"، في "قراءة" التراث التنويري لأجيال الرواد السودانيين المتعاقبة السابقة لجيلك، وعقبت عليها بتعميمات وتأكيدات لا نصيب لها البتة من أي عناصر تحليل منهجية، لا من الوجه الفلسفي للموضوع، ولا من الوجه الواقعي التاريخي. والوجهان متداخلان بطبيعة الحال. الوجه الأول هو الوجه المتعلق بالتعريف بالمفاهيم والمصطلحات. مثل مصطلح "جيل" على سبيل المثال، والوجه الثاني يتعلق بالوقائع والبنى التاريخية، التي هي مدار الصراع ومحك اختبار فهم التطور، أو التراجع الاجتماعي والسياسي والثقافي. أي محك فحص الأسباب والمسببات، والتأسيس للبدائل والممكنات.
وحتى لا تكون لحديثي صفة الأبوية والعطف والعاطفة فسأقول لك جملةً واحدةً أن كتابتك تعبر عن وجود مشكلاتٍ أساسية في المعرفة بتركيب الخطاب وتركيب المفاهيم، الناجم بدوره عن عدم الإلمام بإلانجازات الإنسانية القديمة والحديثة معاً في مناهج صناعة الخطاب لدى الشريحة المشار إليها من أبناء وبنات "جيلك". وأنا معنيٌ هنا بالخطاب في مجال العلوم الإنسانية. وأخصُّ منها هنا الفلسفة، وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. وأزعم أنها غير متوفرة، في حدودها الدنيا الضرورية للنقاش، عند هذه الفئة من "بنات وأبناء جيلك". وهذه في الواقع صفةٌ لمستها، بل عرفتها معرفةً مدققة من قراءتي لكتاباتهن/هم ومن حواراتي معهم/هن. أقول شريحة، ولا أقول كل بنات وأبناء "جيلك"، كما لاأقول إنها الشريحة الغالبة. وقد حرصتُ على هذا التمييز في ذلك في مداخلتيَّ أعلاه إلا أنك لم تحفل به.
حسناً فلنبدأ من البداية. أولاً "لاحظت" أنك أوردت في مداخلتك الأخيرة هذه كل نص مداخلتي الأولى، من المداخلتين اللتين عقبت بها على مداخلاتك المتصلة بالموضوع الذي نناقشه هنا، بينما نص المداخلة موجود في البوست. وهذا مذهب في "الاستشهاد" مخلٌ جداً، ومرهقٌ جداً للقارئ. وأنتَ فضلاً ذلك، لم تتناول في تعقيبك أي مقتطفٍ أو جملة مقتطفات مفتاحيةٍ منها لمناقشتها والاستشهاد بها فيما طرحته من قضايا أوضحتَ فيها تمسكك برأيك. وعلى كل حال، فهذه أيضاً صفة من صفات "منهج" هذه الشريحة من بنات وأبناء "جيلك". فهم يطلقون أحكامهم من دون حاجةٍ إلى شواهد محددة، ومن دون تحليل. يطلقونها هكذا وكأنها حقائق معلومة بالضرورة.
وتمضي على "أثر" ذلك لتقول في مقدمة مداخلتك:

العزيز العم بولا...
سلامات وتحيات...
بداية أشكر لك إفرادك جزء من وقتك النفيس في الرد على ما تقدّم...
وبطبيعة الحال...ان التفاهم ما بين الأجيال يحتاج لزمن أطول من المتوفر الآن...فما تزال دفعاتكم وأجيالكم تزاحمنا في الزمن المستقطع من زمنكم...ومازلت ومعي لفيف من الأصدقاء ننتظر خروج كتاباتكم التي طال إنتظارنا لها وهي قابعة في جهاز الماكنتوش القديم!

حسناً، وأنا أيضا أشكرك على تجشمك التعقيب. إلا أنني كنت أتمنى أن يكون تعقيباً تأخذ فيه بعناصر نصي فتناقشها وتبني على منطوقها نفسه عجزها عن إقناعك ببعض التراجع عن منهج الغلو والتعميم من إصرارك على رأيك في أن "جيلنا" و"الأجيال" التي سبقته، لم تنجز شيئاً من مشروعات النهضة والديمقراطية والتحرر، لا أن تقفز فوقها قفزاً.
لقد أفردتُ بالطبع جزءً غالياً علىَّ جداً من وقتي الضنين. وذلك لأنني أعتقد أن هذا الموضوع مهمٌ جداً، وصاحب أولوية بين أولويات، المناقشات الجارية في بلادنا حول النهضة الثقافية والاجتماعية والسياسية والعلمية إلخ، ودور المبدعين والمثقفين والقادة السياسيين "الطليعيين" فيها. وقد أوضحتُ في مداخلتيَّ إن عادة الحديث في هذا الموضوع ب"منهج" يخلط الأمور ويبهمها إبهاما ذريعاً، ليس أمراً جديداً ابتدعته هذه الشريحة من بنات وأبناء "جيلك". بل هو منهجٌ ذائعٌ شائع بين تكنوقراط التفكير الانقلابي "الامتيازي"، الذين أطلق عليهم حسن موسى عن حق اسم "مخلوقات الحكومة". وهم عندي "مخلوقات الحكومات" والأنظمة الانقلابية على وجه الخصوص، الذين تمثل مقولة "ما في"، المنكرة للتاريخ، المعادية للتاريخ، خالية الوفاض من الحس التاريخي، في خصوص مكتسبات المقاومة الديمقراطية، جوهر إيديولوجياتهم.

وتواصل:
"وبطبيعة الحال...ان التفاهم ما بين الأجيال يحتاج لزمن أطول من المتوفر الآن..."

يا عزيزي أنور "التفاهم بين الأجيال" غير ممكنٍ أصلاً بمنهج شريحتكم ومنهج "أجيال" "مافية ما في"، المتشوقة إلى الإدانة والإنكار والتسليب، لا إلى التفهُّم والمعرفة بإنجازات الأجيال الماضية المتعاقبة، والتمييز الدقيق بين شرائحها، وفئاتها، وخصائصها ومواقفها الطبقية كمان، يا شيخ أنور. وأرجو أن يكون واضحاً للقراء لمرةٍ أخرى أنني هنا لا أخاطبك في شخصك فقط، بل أخاطب أيضا التيار الذي "تمثله"، أو بالأحرى الذي اخترت مؤخراً أن تكون أحد ممثليه بموجب اختيارك الذي أعلنت عنه بالانحياز إلى خطاب كابروس.
أما قولك:

"ومازلت ومعي لفيف من الأصدقاء ننتظر خروج كتاباتكم التي طال إنتظارنا لها وهي قابعة في جهاز الماكنتوش القديم!"
،
فأخشى أن يكون ترديداً لمقولة الكسل التي ينسبها منظرو "مافية ما في"، "العضويين والمتطوعين"، على حد عبارة طيب الذكر، أستاذنا، جورج لوكاتس، إلى "المثقفين السودانيين" جملةً و"تفصيلاً". وأقول "تفصيلاً" من باب المجاز. ف"مافية مافي" تُجمل في أمر "المثقفين" بمنطقٍ هو على خصومة مطلقة مع التفصيل والتمييز، يخلط خلطاً جارحاً ماحقاً بين المثقفين والتكنوقراط السلطويين "مخلوقات الحكومة".
وعلى كل حال معظم أعمالي التي في "الماكنتوش القديم" نشرت من قبل في العديد من المجلات والجرائد، ولن يعدم الباحثون والباحثات عنها، عن جَد، سبيلاً إلى الحصول عليها. وهي فضلاً عن ذلك جزءٌ ضئيل من مساهماتي الكتابية.
وسوف تنشر في هذا المنبر قريباً بضوابط عالية لحقوق المؤلف.لأنني أخشى النشر الطلقيت مثل خشيتي للكلام الطلقيت.
وأواصل

مع كامل مودتي
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الاثنين أغسطس 08, 2005 8:30 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي أنور،
أواصل:
موقفي من "مافية مافي" ليس مجرد "حساسية" يا عزيزي، وإنما هو قبل ذلك خيارٌ مدروس، قضيتُ جُلَّ عمري في تأسيسه، حين كانت كل الخيارات الأخرى ممكنةً. وهو ليس موقفي وحدي بالطبع، بل موقف كل "طلائع" شعبنا التي ساهمت في تأسيس الوعي النقدي وفي الإعلاء من شأن وصوت قيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والمواطن، من بنات وأبناء شعبنا، من مختلف المشارب الفكرية، الذين واللاتي، أفنوا وأفنين، زهرة شبابهن/هم، كما قلت في منابر عديدة، في بناء مؤسسات مقاومة النهب والتغريب، والظلم، والاستعباد، وما زال الأحياء منهم ومنهن يعطون ويعطين بلا منةٍ ولا أذى. أصابوا وأخطأوا، وأصبن وأخطأن، إلا أنهم/أنهن لم يبخلوا/لم يبخلن، على كادحي وكادحات، ومظاليم، بلادهم بأي شيءٍ من ما "يملكن/يملكون".
وأعلمُ أن ورثة وخلفاء "مافية مافي" العضويين والعضويات، و"المغشوشين" و"المغشوشات"، موجودون وموجودات، بين شرائح من أبناء وبنات "جيلِ"(كُم)". إلا أنني لا أملك أن أوافقك على قولك باسم من تسميهم على صفة العموم "جيلنا"، "منحازون للإنقاذ"، وإن هذا "الكلام الما بيعجب" بالفعل، هو "الحاصل بالضرورة..."، على حد تعبيرك.
فأنا يا عزيزي أنور، وغيري كثيرون، نعيش في هذا العالم، ونعلم علم اليقين، كم من أبناء وبنات "جيلك"، مشردات ومشردون، في الأرض هَرَباً من الإنقاذ، وكم منهن ومنهم في الداخل يقاتلون ويقاتلن الإنقاذ قتالاً ضارياً. وقد هزمْنَها وهزموها في أكثر من معركة وهي في أوج عنفوانها ووحشيتها. شوف ليك زولاً غيري تقنعه بكلامك دا. وهذا أيضاً في معنى التنبيه إلى أنه لا أنتَ ولا كباروس، ولا أي "شريحة ما في"، تملكون الحق في الحديث باسم "جيلكم العمري". فالعمر لا يخلق "جيلاً موحداً"، ولا يحق لأي شريحةٍ من "جيلٍ" ما الحديث باسمه على صفة الإطلاق. هذا مع إنني سعيدٌ بخيار كباروس بالبقاء في السودان. وأتمنى له الشفاء من الأزمة والقدرة على منازلة موجات الهبوب والكتاحة فهذا جزءٌ من ضريبة الوطن.
هذا ويسعدني في ختام هذه المداخلة أن ألفت نظرك ونظر القراء والمتابعين والمتداخلين المحتملين إلى هذه القسمة الضيزى في تقييمك للحكومة والمعارضة، الذي جاء في عبارتك، التي تقر وجود "مافية مافي" وجوداً أصيلاً بين بنات وأبناء جيلك:

" جيلنا الذي كثيراً ما إستجار من الرمضاء (الحكومة بكل أشكالها ومثقفيها وإئتلافاتها وإتشقاقاتها) بالنار (المعارضة في كل أشكالها وعبثها ومثقفيها)..."

النار المعارضة يا أنور؟ والرمضاء الحكومة؟!!! إنتَ ما سمعت ببيوت الأشباح ومحرقة الجنوب ومحرقة دارفور، وبورسودان إلخ، ومحرقة "الجيل" البعد "جيلك" في العيلفون؟
والعبث المعارضة يا أنور ولا ناس "أمريكا قد دنا عذابها" البيلحسوا اليوم في جزم أمريكا، جزم جنودها في الواقع؟!!! وهذا من ثمار "عدم التدقيق" في صناعة وتركيب عناصر الخطاب. وهو في الواقع أكثر من عدم تدقيق. هو إلقاء القول على عواهنه. في أكملِ صوَرِه.

بــولا

.
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáãÇÌÏ ÝÑÍ íæÓÝ
مشاركات: 77
اشترك في: السبت يونيو 11, 2005 12:07 pm
مكان: كيمبردج - إنجلترا

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáãÇÌÏ ÝÑÍ íæÓÝ »

الدكتور بولا
أولا أود أن أهنيك والدكتورة نجاة علي هذا الجهد الكثيف والمثمر حتما بإذنه تعالي
وثانيا أشكر سودان فور ال لضمها لنا لعضوية منبرها الديمقراطي
____
قرأت بعناية وتركيز الحوار المتطور بينكم والأخ أنور دفع الله ورغم إنني أحترم وأفهم مايقوله أنور(ولعل تقارب السن هو السبب) إلا أنني أقر بأن دفوعاتكم وتحليلكم قد سهل لي فهم الكثير وحاول وضع إجابات لأسئلة داومت علي طرحها دون أن أجد إجابات شافية لها.
لا أريد أن أردد ماتقول به "مافية مافي" ,وفي ذات الوقت لا أعتقد أن تلك الأجيال قد أدمنت الفشل علي مستوي نخبها وصفوتها , ومثل هذا القول فيه إجحاف بعمل شاق قامت به هذه النخب في مجالات التعليم والفكر والسياسة والطب والآداب وما إلي ذلك من مجالات كثيرة أشبعوها عملا وبحثا وتفكيرا.
ولكن هناك جوانب مهمة كانت لهم فيها إخفاقات واضحة كانت ,حسب إعتقادي, من أسباب التخلف الذي تعيشه بلادنا إلي الآن.
فالأحزاب السياسية السودانية مثلا يرأسها نفس الأفراد منذ زمن بعيد جدا, توصد أبوابها أمام دعاة التجديد والمؤسسية , فالميرغني والصادق يمارسان ضرب من ضروب الملكية الفردية في إدارتهم لأحزابهم. واليسار الذي يفترض فيه الإستنارة والتقدمية تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية, وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي, وأخونا عادل عبدالعاطي من أولئك الذين نادوا بالمؤسسية داخل حزبه حتي بح صوته وذهب.
يقول محمد أحمد المحجوب في كتابه الديمقراطية في الميزان فيما معناه "أن نجاح الديمقراطية يأتي من إستمرارية ممارسة الديمقراطية ". وهنا أتساءل أستاذنا بولا أين هي الدروس الديمقراطية التي تلقيناها من أجيال سبقتنا؟ وحتي تجربة الديمقراطية الثالثة جاءت غير مشرفة وتصارعت فيها الأحزاب حول المناصب والمكتسبات الشخصية بل فرطت في الديمقراطية نفسها وإهدت السلطة لهؤلاء القوم الذين يشتكي من نارهم أنور.هذا علي المستوي السياسي.
أما علي المستوي التربوي فالمدرسة والأسرة هما المشكلان الأساسيان لتربية الطفل, في السودان وغيره من بلاد العالم, فماذا قدمت المدرسة لنا علي المستوي التربوي, التربية الوطنية تكاد تكون منعدمة تماما والتربية الديمقراطية غير موجودة. من منا نشأ علي أن يقول رأيه لأستاذه؟ هل الخوف والترهيب من أسس التربية الصحيحة؟ لا أعتقد ذلك. أما المناهج التعليمية فقد كانت ضعيفة وبعضها مزيف مثل مواد التاريخ حين فالوا لنا مثلا أن محمد علي باشا غزا السودان طمعا في الذهب والرجال ولم يقولوا العبيد , ولاحديث عن الجنوب إلا في منقو وما أدراك مامنقو. أما الأسرة وهنا أتحدث عن معظم الأسر السودانية لاتمارس الديمقراطية فيها ولاتساعد الأسر أطفالها لنبذ العنصرية إن لم تكن تورثهم لها. من هو الذي لم يسمع كلمات عنصرية بغيضة من علي الأقل فرد من أفراد أسرته. هناك مشكلة تربوية أخري وهي تربية الأطفال علي حب العمل وتحمل المسؤلية وهذا مالم تمارسة أكثرية الأسر السودانية في المدن, فالطفل حتي يكبر ويدخل الجامعة ويتخرج منها بعد ذلك يفكر في العمل.
أما علي المستوي الإقتصادي: فقد قضينا ساعات طوال في صفوف الرغيف والسكر والمجازر, بدلا أن نستفيد من تلك الصباحات الباكرة جدا في إستذكار دروسنا أو عمل آخر يعود بالفائدة لنا كالرياضة مثلا, وهنا أذكر أن أستاذي الرياضيات في مدرستي الإبتدائية والمتوسطة كانا يتصيدان حصص الرياضة لتدريس الحساب وكأنهم يقولون لنا إن الرياضة كلام فارغ, وفي بهو المدرسة توجد لافتات كتب عليها النظافة من الإيمان وأخري العقل السليم في الجسم السليم, بالله كيف يستوعب العقل الحساب والجسم لاتتاح له فرصة ممارسة الرياضة. النقطة الأخيرة هذه خير برهان علي أن الشعارات كانت في واد والتطبيق لاوجود له.
ولذلك أساتاذنا الدكتور بولا أنا لا أتفق مع الرأي القائل أن هذه الحكومة هي سبب مآسينا وهي الوحيدة التي قتلت السودانيين في الجنوب وأحرقت القري في الغرب وأشعلت نيران الحرب في الشرق وأهملت ثرواتنا الحضارية وأفقرت الشمال. المشكلة أعمق من ذلك والمسؤلية تقع علي عاتق كل السودانيين وأخص بذلك النخب المثقفة والساسة منذ إستقلال بلادنا. نعم الحكومة هي من تضغط علي الزناد وتحلق بطائرات الإنتوف شرقا وغربا ولكن الحرب كانت قائمة وإن لم تشتعل نيرانها هنا وهناك فالحرب إحساس قبل أن تكون فعل ومتي ماتوفرت لهذا الإحساس البندقية واللغم والقنبلة فلابد أن ينفجر ويشعل معه فتيل الحرب. الجبهة الإسلامية هي إفراز ونتاج لفشل الأحزاب السودانية وهي لم تخلق نفسها بنفسها ولم تصل ماوصلت إليه بوحي من المريخ وماهم إلا سودانيون ضلوا الطريق, وإن قلنا من أين أتي هؤلاء فهم قد جاءوا من السودان من ود الترابي ومن كريمة ومن جامعة الخرطوم , فالسؤال الأكبر كيف سمحنا لمجتمعنا أن ينتج فكرا متطرفا؟ أين كان التقصير؟ .
في فترة الديمقراطية إحتفلت الحكومة بتحرير اللكرمك وقيسان وهللت وكبرت في التلفاز والمزياع وكنا نسمع أن من ضباط القوات المسلحة السودانية من يقول أعطوني الإذن وسأحرق هؤلاء الجنوبيين , ألم تسمعوا ذلك مثلي؟ والميرغني حليف قرنق اليوم ألم يذهب للطاغية صدام ليمده بالأسلحة لتحرير الجنوب من قبضة المتمرد قرنق!! لقد حار دليلنا نقاتل السودانيين في الجنوب بإسم الوطنية تارة وتارة أخري بإسم الدين.
أيضا لدي تساؤلات أخري عن دارفور ومنذ استقلالنا لم نقرأ عن التهميش والتردي في دارفور إلا في تسعينات القرن الماضي فكيف تكون تلك النخب منصفة ومستيقظة ولم تبصر معاناة السوداني في غرب بلادنا ؟ أهو التقصير أم تغيب الوعي المقصود أم ضعف في الرؤية وقصر في النظر لايطول أطراف البلاد الغربية والشرقية. أنا أعتقد أن هذه الحكومة وبأفعالها اللاإنسانية هنا وهناك هي من عجلت بتفاقم أوضاع وإشعال حروب كانت في فترة حضانة طويلة منذ إستقلال بلادنا ..

لكم كثير الإحترام
الوطن يتحدث جهرا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الماجد فرح يوسف،
أصدق تحياتي،

واضح تماماً أنك قرأت الحوار بتركيز. وهذه حسنةٌ كبيرة لأن الصفة الغالبة في "حوارات" المنابر الإلكترونية أن لا يقرأ الناس النصوص بتركيز. ومن هذا تنتج حوارات الطرشان الغالبة أيضاً". والقراءة بتركيز هي من التقاليد التي نسعى إلى ترسيخها عبر منبرنا هذا. وكثيراً ما يبدي بعض الأصدقاء والأعضاء الحادبين على المنبر قلقهم من بطء حركته. الناجمة في غالب الحال، من القراءة المركزة، والتريث قبل "الرد". وأحب أن أقول لهم ولهن بهذه المناسبة إننا سعيدون بهذا الإيقاع المتريث الرزين. قراية اللفحي ما تنفع معانا "وماني دايرناها، وان شاء اللهُ ما تدخل منبرنا أبداً"
والعبارة بين القوسين استلهمها من كلمةٍ لعمتنا فاطنة بت بابكر ود القريش، في معرض إجابتها على سؤالٍ وجهته إليها، من باب الزبلعة، عن رأيها في مقطوعة الطاري "ثورة مايو". أحكيها للقراء مرة أخرى في سياقها الكامل ودلالاتها الكاملة.
وأنا سعيدٌ جداً أيضاً بقولك

"إلا أنني أقر بأن دفوعاتكم وتحليلكم قد سهل لي فهم الكثير وحاول وضع إجابات لأسئلة داومت علي طرحها دون أن أجد إجابات شافية لها".


فمرادي من هذه "الدفوعات" و"التحليلات"، هو أصلاً المساهمة في توضيح طبيعة القضايا موضوع الحوار، أي طرحها بمنهجية تقوم على توضيحٍ دقيقٍ للإشكالية من شأنه أن يساهم بدوره في توضيح قضايا النقاش. وقد قيل عن حق إنه "ليس من الصعب دائماً أن نحل المشكلات، بل من الصعب أيضاً، أحياناً، أن نطرحها". والطرح "المجوبك" للإشكالية، أي لمجمل القضايا والأسئلة والمعطيات الواقعية والتاريخية التي تشكل أُطُرَها، هو الذي يتسبب في كثير من الخلط الذي يميز خطاب منظري "مافية مافي" العضويين والمتطوعين كما أسلفت، و"ورثتهم" من الأجيال "الجديدة"، ولا أقول كل الأجيال الجديدة، في خصوص قراءة، مساهمات "أجيال" "المثقفين" السودانيين المتعاقبة. وبذلك تكون قد وضعت أصبعك على الجرح.

وأنت تواصل وضع أصبعك على الجرح حين تنتقل من مستوى "التجريد الفكري"، إلى مستوى المعطيات والوقائع التاريخية الملموسة فتكتب:


"لا أريد أن أردد ما تقول به "مافية مافي"، وفي ذات الوقت لا أعتقد أن تلك الأجيال قد أدمنت الفشل علي مستوي نخبها وصفوتها، ومثل هذا القول فيه إجحاف بعمل شاق قامت به هذه النخب في مجالات التعليم والفكر والسياسة والطب والآداب وما إلي ذلك من مجالات كثيرة أشبعوها عملا وبحثا وتفكيرا.".


وأنا في الواقع لم أقصد إلى أكثر من ذلك: أن ننصف من قاموا بهذا "العمل الشاق في مجالات التعليم والفكر والسياسة والطب والآداب وما إلي ذلك من مجالات كثيرة أشبعوها عملا وبحثا وتفكيرا.". على حد تعبيرك، وأن نكوِّن صورةً صحيحةً عن ما قدمته وما أخفقت وقصرت فيه، لنؤسس خطاباً ومفاهيم قائمة على تحرٍ دقيقٍ للوقائع التاريخية، ونعرف البينا والعلينا بصورةٍ مُحكمة. أما الجوباك والخلط والتعميم والتسليب فهو شجرٌ لا ينتج إلا ثماراً سامةً عجفاء في مسعى الوعي بتكوين "الذات"، وضرورات ومناهج نقد الذات.

لك كل مودتي،
وأواصل
بـــولا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

حذف للتكرار.
بولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الثلاثاء يونيو 28, 2005 2:41 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

.

عزيز عبد الماجد فرح،
تحياتي، ومساءك سعيد،
أعود فأواصل ما بدأته بالأمس من تعقيبٍ على مداخلتك التي تغري بالفعل بالمواصلة.
بعد التحوطات والتساؤلات المنهجية الجيدة والمستحقَة التي جاءت في مقدمتك الممتازة، تمضي في إيراد شواهد من "الواقع" فتقول:

فالأحزاب السياسية السودانية مثلا يرأسها نفس الأفراد منذ زمن بعيد جداً، توصد أبوابها أمام دعاة التجديد والمؤسسية، فالميرغني والصادق يمارسان ضرب من ضروب الملكية الفردية في إدارتهم لأحزابهم. واليسار الذي يفترض فيه الإستنارة والتقدمية تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية، وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي، وأخونا عادل عبد العاطي من أولئك الذين نادوا بالمؤسسية داخل حزبه حتى بح صوته وذهب.


في اعتقادي أن قولك
فالأحزاب السياسية السودانية مثلا يرأسها نفس الأفراد منذ زمن بعيد جدا، توصد أبوابها أمام دعاة التجديد والمؤسسية"،

ليس دقيقاً كل الدقة إذا ما نأينا بتحليلاتنا عن التفكير بالأماني والرغبات الذاتية والأحكام العجولة المكتفية بالوجه الظاهر المباشر من الأمور. فالأحزاب السودانية أولاً ليست كياناتٍ موحدة الخصائص. وهي لا تمثل على المستويات الاجتماعية والطبقية والإيديولوجية نفس التكوينات الاجتماعية، وإن التقت خصائص بعضها التكوينية في نقاط كثيرة. وهي بالتالي تتأثر بتحولات الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري بدرجاتٍ متفاوتةٍ. إلا أنها لا تملك أن لا تتأثر طوعاً أو كرهاً. وهي في تقديري تتأثر طوعاً وكرهاً.
بعبارةٍ أكثر تفصيلاً، "الأحزاب السودانية" تتعامل مع واقعٍ اجتماعي متحرك ومع حاجاتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ متحركةٍ وضاغطةٍ وفاعلة. وهذا الحراك الاجتماعي يخترقها ويخلخلها على الرغم منها. والراصد لمسيرة الأحزاب السودانية التي جرت العادة على تسميتها بالتقليدية، منذ انقلاب يونيو 1989، ربما لاحظ، إذا حرر نظرته ورصده من الرغبة الذاتية وشهوة الأحكام المطلقة السهلة المريحة، أنها قبلت، على مستوى الخطاب على الأقل، بمسائل كانت في سابق عقائدها الإيديولوجية وتكتيكاتها وتدابيرها "السياسية" من المحرمات العتيدة. ولن يساعدني الوقت بإيراد أمثلة عينية مفصلة في هذه اللحظة التي تأخذ بخناقي فيها ضغوط العمل، إلى جانب جملة ضغوط أخرى كثيرة. وقد أفعل قريباً مع بداية الإجازة الصيفية التي تتوقف فيها المؤتمرات. وأكتفي هنا بالقول بأنني شهدتُ في حواراتي وحضوري في مناسبات سياسية واجتماعية وثقافية دعيتُ لها، وتحدثتُ فيها، أنماطاً من الخطاب والسلوك والتعامل من قبل شخصياتٍ قيادية في أحزابنا التقليدية أدهشتني بالفعل، على الرغم من أنني قد لا أستبعد أن تكون دوافعها العميقة تكتيكية. فحتى حين تدعو ضغوط الواقع مؤسساتنا الطائفية والسياسية "التقليدية" إلى تقييد سلوك قادتها وقائداتها وأعضائها و"عضواتها" الظاهري، على الأقل، بمسحةٍ من الانفتاح على قيم الحداثة، فهذا في حد ذاته تغييرٍ كانت تأنف منه بصلفٍ شديدٍ فيما مضى.
أما كون قياداتها لا تتغير، وأنا أعني أيضاً أحزابنا التقليدية، أو "الطائفية". فذلك لأنها طائفية يا عزيزي عبد الماجد. والطائفية عقيدةٌ مشروعةٌ في فضائنا الديمقراطي والاجتماعي والثقافي. وهي بنيةٌ تاريخية لها مكوناتها ومبرراتها ولن يتم تجاوزها، ومن ضمنه تجاوزها لذاتها، بالقسر والسخط واللعن والتمني.

هذا قولٌ مبتسرٌ مختصر. وأنا أدرك ذلك. إلا أنه يفي بغرضي هنا الذي هو تبيان الاستشكالات الذي يدفع إلى التساؤل والتدقيق في التحليل وفي فحص الأحكام والمفاهيم.
وطالما ظل أتباعُ التنظيمات والمؤسسات السياسية الطائفية أغلبيةٌ في بلادنا، وطالما ظلوا وظللن يختارون ويخترن، قادتهم وقادتهن وقائداتهن، بالانتخاب الحر، حتى وإن غشيته غواشٍ من التكتيكات والترتيبات من وراء الكواليس، فينبغي أن نسميه خياراً ديمقراطياً. فالرأي العام الحداثي والعلماني حين يستحصد، ويتجسد في وعيٍ جماهيريٍّ، وإرادةٍ جماهيرية غالبة، فلن تُفلح تكتيكات الكواليس وغير الكواليس في صده. وإلى ذلك الحين فسوف تظل أوضاع قيادات أحزابنا الطائفية مشروعةً من وجهة النظر الديمقراطية.
ومع ذلك فهي تتغير، على مستوى الخطاب، والسلوك الاجتماعي والسياسي الظاهر على الأقل. تتغير تحت ضغط التحولات الاجتماعية والثقافية، وارتفاع مستويات الوعي، واحتداد واحتدام الصراع الاجتماعي الذي جشمها تجارب أليمة.
أما اليسار، (ومجمل مؤسسات الحداثة والقوى الحديثة في بلادنا)، الذي تقول إنه

"يفترض فيه الإستنارة والتقدمية تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية، وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي"


فهو في تقديري قولٌ فيه الكثير من الغلو وجفاء دقة النظر في الوقائع التاريخية. وهو موضوعٌ معقد سأكتفي في المداخلة القادمة، ربما في صباح الغد، بتبيين وجهة نظري في جوانبه الإشكالية التي تتطلب قراءةً تنجو من التقديرات العجولة المتسرعة إلى الإدانة والشجب والتجريم.

موع مودتي
بــولا

.
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الخميس يوليو 14, 2005 11:33 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáãÇÌÏ ÝÑÍ íæÓÝ
مشاركات: 77
اشترك في: السبت يونيو 11, 2005 12:07 pm
مكان: كيمبردج - إنجلترا

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáãÇÌÏ ÝÑÍ íæÓÝ »

الدكتور الفاضل بولا
تحياتي وسلامي الكتير جدا
أنتظر مواصلة تعقيبك بصبر جميل وشيق, ونحن نعلم تماما المسؤوليات والمشغوليات الملقاة علي عاتقك ,وستجدنا لإذنه تعالى من الصابرين.
نعلم أننا نقوم بدور سهل وهو طرح الأسئلة التي تؤرقنا وأنتم كتب عليكم إجهاد الفكر وتعليمنا.
خالص مودتي وإحترامي وسأعقب علي مداخلاتكم الثرة والمهمة جدا عند إكتمالها .

عبدالماجد
الوطن يتحدث جهرا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الماجد،
تحياتي الصادقة،
أواصل من حيث توقفت في "الحلقة" الماضية، التي اختمتها بقولي:
أما اليسار، (ومجمل مؤسسات الحداثة والقوى الحديثة في بلادنا)، الذي تقول إنه

"يفترض فيه الإستنارة والتقدمية تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية، وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي"


[size=18]فهو في تقديري قولٌ فيه الكثير من الغلو وجفاء دقة النظر في الوقائع التاريخية. وهو موضوعٌ معقد سأكتفي في المداخلة القادمة، ربما في صباح الغد، بتبيين وجهة نظري في جوانبه الإشكالية التي تتطلب قراءةً تنجو من التقديرات العجولة المتسرعة إلى الإدانة والشجب والتجريم.

وهاأنذا أفعل.
فدعني أقول من فوري إنني لستُ ممن يجادلون في أن "اليسار" الشيوعي، و"الاشتراكي الديمقراطي" و"الاشتراكي القومي" لم يخل في ماضيه، وهو لا يخلو اليوم أيضاً من بعض وجوه الجمود الفكري، ومحدودية الأفق العقائدية. وهي عوامل تسببت في عدم القدرة على رؤية سوس الجمود وهو ينخر في المعسكر الاشتراكي. وربما لا تزال، بعض أشكال الجمود، وعناصره، تتسبب في أوجه قصورٍ كثيرةٍِ من القدرة على استيعاب حجم ومشروعية التحولات التي شهدها العالم في السنوات الثلاثين الأخيرة، بالذات، والتي تفرض رؤيةً نقديةً صميمةً: رؤية تقوم على مفاهيم ومناهج أصيلة وخلاقة في التفكير والتحليل، ولا تكتفي بالمباصرة، مما يقوم عليه أغلب الحال. وأقول استطراداً إن ثمة وجوه قصورٍ لا ينجو منها حتى "اليسار" "ما بعد الحداثي"، الذي يزعم لنفسه "التجديد"، و"تجاوز" كل "مناهج الماضي". وأحب أن أوضح أنني سأُعنى هنا باليسار الاشتراكي الديمقراطي والشيوعي، المصطلح على تسميتهما بهذا الإسم، إذ أنني لا أملك الخبرة والتوثيق الكافيين "للإفتاء" أداء التنظيمات واليسارية الأخرى في السودان (القومية والدينية). كما أحب أن أوضح أيضاً أن وجهة نظري الموضحة هنا لا تعبر إلا عن رؤيتي الشخصية، ولا تنطلق من أي موقعٍِ تنظيمي من مواقع اليسار المعني، في اللحظة الراهنة على الأقل.
إن مثل هذه الملاحظات والمقاربات النقدية، من جانب "أجيالكم"، والساعية إلى "التبصير" بأوجه القصور في أداء "أجيال" اليسار "السابقة"، الفكري والسياسي و الثقافي، سعياً مشكوراً، ومشروعا،ً ومبرراً، ومستحَقاً، لا تبيح، في تقديري، نزعة التسليب الطليقة، والمطلقة، التي يتسم بها المنحى "النقدي" (المشروع أيضاً) لمن تسميهم ب"أجيالنا"، والذي عبرت عنه بقولك: "(...) تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية، وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي".
فعبارتك تقول في الواقع، لدى فحصها بمنهج قراءةٍ داخليةٍ تفكك نزعتها التقريرية، بأن اليسار، لم يعرف قبل قدوم "أجيالكم" أي نزوعٍ إلى "التجديد، والتأسيس العلمي والديمقراطي"، فضلاً عن كونه يفتقر تماماً إلى المؤسسية والديمقراطية"، قبل مجيء "أجيالكم" إلى ساحاته. ويضيق من مجرد "التلويح بالتجديد".
أعتقد أن في هذا كثيرٌ من الإجحاف في حق الرواد الأوائل، و"الأجيال" المتعاقبة في حركة اليسار الديمقراطي والشيوعي، السابقة ل"أجيالكم المنتمية إليه"، وغير المنتمية إليه. فاليسار المحدد الذي رأيتُ أن أجعله موضوع حديثي هنا، وهو في الغالب نفس اليسار الذي يشير إليه مصطلح "اليسار" الوارد في مداخلتك موضوع النقاش، هو في تقديري، صاحب المساهمة الكبرى والأساسية، في تأسيس فكر الحداثة، ومناهج الحداثة، وبناء مؤسسات الحداثة السياسية، والثقافية، في بلادنا، من دون أن ندعي له عصمةً من النقد، وتنزيها من الأخطاء، حتى الفادح منها. وسأسعى لأن أقدم في مداخلاتٍ لاحقة شواهد على هذا الزعم، في مضمار نقدي لمذهب التسليب، الذي هو في تقديري، صيغةً من صيغ خطاب "مافية ما في" المتعدد الصيغ والوجوه. حشاك، وأجارك الله منها.
وأرجو أن تسمح لي، وأن تسمح لي القارئات، ويسمح لي القراء بأن أزعم، أنني كنتُ في مطلع شبابي وما أزال وأنا في "ريعان" شيخوختي، أحد رؤوس "العصاة" الأشداء، الtrouble makers، على حد تغبير حسن موس في ساحة اليسار، وغير اليسار، الفكرية والثقافية، وأعلم أنني "أحظى" بالكثير من الضيق من جانب بعض الرواد والرائدات الأوائل، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أشهد بأنهم وأنهن، لم يواجهوا ولم يواجهن، جهودنا ودعاوانا "التجديدية"، التي تجاوزت مستوى التلميح إلى مستوى القول والفعل والسلوك، بمسافةٍ بعيدة، بأيِّة إجراءاتٍ أو توجهاتٍ يجوز تسميتها "إقصائيةً" بالمعنى الكامل للعبارة. ثمة تذمرٌ، كان ولا يزال، وثمة شكوى. وهذا أمر طبيعي في مواجهة غير المألوف من الأفكار وأنماط الفعل السياسي والثقافي، من جانب، من آمنوا وأمَنَّ بغيرها، ومَنْ ألفوا وألِفْن غيرها. أما المحاولات "الإقصائية" فلا. "حتى إشعارٍ آخر".

كل مودتي
وأواصل
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في السبت أغسطس 20, 2005 12:14 am، تم التعديل 5 مرات في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الماجد، وعزيزاتي وأعزائي المتابعين والمتابعات،
أصدف تحياتي،
أرجو المعذرة مرة أخرى عن التغيب الطويل نسبياَ. وليس من سبب آخر سوى استحكام نير العبودية العولمية المعاصرة الذي تعلمون وتعلَمن. وسوف يكون عندي مع العولمة الرأسمالية المتوحشة، أصل الداء، ومحميِّها من أعراض الداء، حسابٌ عسير في هذا المنبر عما قريب. كما أريد أن "أنتهز" هذه الفَرَقة لأعيد التذكير بأن هذا الحوار ليس مع عبد الماجد وأنور وحدهما، وإنما هو مع "شرائح" من "أجيال" جديدة متعددة لها وجهات نظر مماثلة بهذه الدرجة أو تلك لوجهتي "نظريهما". علماً بأنني لا أعتبر وجهات نظر أنور وعبد الماجد متماثلة تماماً هي الأخرى. وأتمنى أن يشارك آخرون وأخريات في إخصاب الحوار.

مع عامر مودتي
بــولا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي أنور،
أصدق تحياتي،
شكراً على اللطف والصبر، وأتمنى أن تجد عندي من الإجابات والشواهد ما تصبو إليه وتتوقعه. وقد يتطلب ذلك أيضاً أن تُنمي استعداداً كاملاً لاحتمال أن لا تكون الشريحة التي "تعبر عنها" من بنات وأبناء جيلك على حقٍ في أحكامهم الماحقة على "الأجيال" السابقة لهم. بل أن تعيد النظر في تقسيم وتصنيق وتقدير طبيعة وقيمة المساهمات بمعيار"الأجيال".

بـــولا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الماجد
التحية والمودة

أعود إلى قولك،

"
واليسار الذي يفترض فيه الإستنارة والتقدمية تشكو أجيالنا المنتمية إليه من عدم المؤسسية والديمقراطية, وعادة ما يتم إستئصالها لأنها لوحت بالتجديد والتأسيس العلمي والديمقراطي, وأخونا عادل عبدالعاطي من أولئك الذين نادوا بالمؤسسية داخل حزبه حتي بح صوته وذهب.


لأواصل ما انقطع من حديثي عن زعم "غياب المؤسسية" في أداء اليسار،
أود أولاً أن أصارحك وأصارح المتابعين والمتابعات باعتقادي بأن المؤسسية في إدارة العمل السياسي والنقابي والثقافي والاجتماعي تَوَطَّنَ ما تَوَطَّنَ منها في بلادنا، على علاته، ب"فضل" اليسار، وب"فضل" الحزب الشيوعي على وجه الخصوص. هذا إذا ما كنا نعني بالمؤسسية بنيات العمل التنظيمي وآلياته القائمة و"الساهرة" على ضمان حق التعبير والاختلاف و"الترقي" من القاعدة إلى "القمة" لكافة العضوية، والحؤول دون الاستبداد الفردي. هذا مما يقر به حتى أشد خصوم اليسار والحزب الشيوعي تشدداً.
وهذا ما لا يتوقف عنده الأخ عادل، وكل تيارات نقاد الحزب الشيوعي ممن غادروا في صفوفه لأسبابٍ مختلفة، أشك في أن غياب المؤسسية كان دائماً أول أولوياتها وسوف أقول لماذا لا حقاً.
من هذا المنطلق، وأعني بعد الإقرار بهذه الحقائق والوقائع التاريخية الأولية، يصح، ويجوز، ويلزم، وينبغي، نقد أوضاع المؤسسية في المجالات المذكورة أعلاه في بلادنا، وفي مواقع ومؤسسات اليسار الشيوعي والديمقراطي على وجه الخصوص، لكي يستقيم منطق النقد ومنهجه على جادة تحري الإنصاف، وسداد القراءة وسلامتها من أن تنزلق إلى التفديرات الذاتية، والمقولات التفريرية التي لا زاد لها من حقائق الواقع التاريخي. وبإقرار ذلك، لا بالقفز فوقه، أعني لا بالقفز فوق حقائق الواقع التجريبي الأولية، يكتسب الناقد جدارة وحق النقد. وبذلك أيضاً نصل إلى تحديدٍ دقيقٍ للقضايا موضوع النقد.

في تقديري أن موطن النقد في أداء اليسار المؤسسي، ليس غياب المؤسسية في حد ذاته بقدر ما هو نوعية المؤسسية، أو "المؤسسيات" التي استندت إليها وتبنتها مختلف فصائل اليسار الديمقراطي والشيوعي. الإشكال بعبارةٍ أكثر دقة، في المفاهيم المؤسِّسة التي قامت عليها بنيات وآليات المؤسسية لدى فصائل اليسار الديمقراطي والشيوعي.

وأواصل
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الجمعة يوليو 15, 2005 10:09 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الماجد،
أواصل، من حيث توقفت عند نقطة المؤسسية والقول بغيابها في بنيات وآليات عمل اليسار الديمقراطي والشيوعي. وهو القول الذي أوضحت عن عدم موافقتي عليه بهذا الإطلاق المديد الذي جاء في ملاحظاتك وملاحظات الشرائح التي "تعبر عنها" من بنات وأبناء "جيلك" (وجيل أنور).
سأقف هنا قليلاً أمام مفهوم المؤسسية نفسه، لاعتقادي بوجود خلطٍ واعوجاجٍ في تعريفه في معظم الخطابات المساهمة والناشطة في الدعوة للمؤسسية في ساحاتنا السياسية، والثقافية إلخ. وأحب أن أوضح في البدء أنني من دعاة المؤسسية ظاهراً وباطناً. ومع ذلك، وبالأحرى، ولذلك، فإنني لا أوافق على فهمها على أساس أنها عصاً سحريةً فيها العلاج الشافي لكل أداوء السياسة (والاجتماع والثقافة إلخ) بضربةٍ واحدة. المؤسسية في اعتقادي مثل الديمقراطية أداةٌ وليست غاية نهائية. أداة لتنظيم الصراع الاجتماعي أولاً للخروج به من حالة الوحشية والفوضى و"قانون الغاب". وهي بالتالي لا تحسم الصراع، ولا تقضي على أسبابه ومسبباته، بل تقننه وفقاً لموازين القوى الاجتماعية والسياسية على مستوى طبقات وفئات المجتمع ككل، وعلى مستوى الصراع داخل المؤسسة، أو المؤسسات الحزبية المعينة (وخلافها)، لإدارة الصراع فيها ب"القوانين" واللوائح التي هي بدورها أدواتٌ للاتفاق على الحدود الدنيا. و بالتالي فإن المؤسسية، مثل الديمقراطية، ليست ضمينة للحرية، وليست مرادفاً لها كما يجري الاعتقاد الذي أصبح سائداً في السنوات لأخيرة بالذات في معظم خطاب أنصار الديمقراطية في بلادنا (وفي غيرها) المتأثر بالإيديولوجية الليبرالية، التي تزعم أن "المساواة" في الحقوق، وحرية التعبير القولي، هي نهاية المطاف.
وهذا بالطبع تعريف مختصرٌ ومبسط جداً للمؤسسية، نزولاً على مقتضيات الحيز، وقد أردتُ به أصلاً إثارة المشكلة، التي ربما اعتقدت الغالبية الساحقة من المساهمات والمساهمين في حوار تأسيس وترسيخ الديمقراطية في بلادنا أنها محسومة. من وجهٍ آخر في بيان تعقيد مشكل المؤسسية في المستوى الفلسفي، المتصل ب"صناعة المفاهيم" وفحص صحتها ودقتها، والمستوى الواقعي الذي هو المختبر الحقيقي لصحة المفاهيم وقدرتها على تغطية وشمول "وقائع الواقع" الحي، فالمؤسسية متعددة المفاهيم ومتعددة الأشكال والصور والبنيات والمقاصد والغايات. وهي، على قيمتها العالية، ليست بالضرورة صنواً للعدالة الاجتماعية والمساواة والإخاء وحقوق الإنسان. (المافيا عندها مؤسسية يا عبد الماجد ياخوي! بل عنها مؤسسيةٌ صارمةٌ جداً).

وأواصل
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الجمعة يوليو 15, 2005 10:21 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

أواصل الحديث السابق عن المؤسسية واليسار،

ومن مفاهيم المؤسسية ونماذجها المتعددة مفهوم ونموذج المركزية الديمقراطية اللينيني الذي قامت عليه الأحزاب الشيوعية، والحركات الاشتراكية الديمقراطية، والاشتراكية القومية في العالم الثالث، ردحاً من الزمان، واستلهمه الكثير من الأحزاب في كل أنحاء العالم (حتى الليبرالية منها)، والنقابات والمنظمات الدولية، بهذه الصورة أو تلك، من دون أن تطلق عليه هذه التسمية، في إدارة الخلاف والصراع الداخليين. إلا أنه انطمس في الحركة الشيوعية، والتجارب "الاشتراكية"، في العالم الثالث على وجه الخصوص، في صيغة الحزب الواحد، صاحب الخطاب الواحد، والقرار الواحد، الذي لا يعصى ولا يُنتقد إلا في السر، وعلى وجه الخصوص في الفترة الستالينية التي تحولت فيهاالمؤسسية إلى أداةٍ وقناعٍ للاستبداد المحض. بينما جرى استلهامه وتطبيقه في "الديمقراطيات" الليبرالية في إطار التعددية (الذي لم يعصم المؤسسية من أن تكون أداة للا ستبداد والتكتكة ولعب الحواة من وراء الكواليس، وفي مقدوري تقديم أمثلةٍ حية لا حصر لها من واقع تجربة الأحزاب الليبرالية في "العالم الحر").
وقد كان هذا في تقديري خطأً قاتلاً في مفهوم الحركة الشيوعية العالمية، وحركات "الديمقراطيين" والقوميين الاشتراكيين في العالم الثالث، للمؤسسية وللديمقراطية معاً، بل وللاشتراكية والشيوعية أيضاً ومن باب أوْلَى.
إلا أن هذا المفهوم للمؤسسية القائم على "دكتاتورية" ومركزية رأي الأغلبية، قد تطور اليوم، بفضل مفاهيم جديدة نابعة من إخفاق كل تجارب المؤسسية المركزية الدوغمائية المغلقة، وربما، بل ولاشك، بفعل بروز قوى جديدة، وتوازنات جديدة، وتحت ضغوط مؤسسات وتنظيمات اجتماعية جديدة، تنظيمات المجتمع المدني على وجه الخصوص، ووعي جديد، إلى مؤسسيةٍ تقبل بالتعدد، وبالأحرى تقوم على التعدد وحرية التعبير، في داخل المؤسسة الحزبية، (والنقابية، والثقافية وال... إلخ) نفسها، مع احترام رأي الأغلبية والقبول به، من دون المنع القسري لنقده العلني.

وفي تقديري، بل في يقيني، إن اليسار الشيوعي والديمقراطي في بلادنا، وفي بلدان العالم أجمع، قد يمم وجهه ووُجهتَه اليوم، في غالبيته العظمى، بتصميمٍ حازمٍ، شطر المؤسسية الديمقراطية التعددية، منذ النصف الأول من السبعينيات، على مستوى الخطاب بأقل تقدير. ومستوى الخطاب ليس مما لا يؤبه به. فهو، على الأقل، القاعدة الني تستطيع أن تقف فوقها بيقينٍ وقوةٍ وحق لتنتقد ممارسة القيادات والهيئات "العليا" إذا ما ضلت عن جادة المؤسسية الديمقراطية التعددية في داخل المؤسسة الحزبية، وفي الساحة السياسية العامة، وحين يناقض فعلها قولها في هذا الخصوص.
وإن كان لنا عليه مآخذ حازمة ونقدٍ حازمٍ ومشروع، فلن يكون المنطلق المناسب، أعني الموقع المناسب لفعالية نقدنا، واستقامته، ونفاذه، وحزمه، هو موقع التعميمات التقريرية التبسيطية المريحة، بل قمم الرصد التحليلي المبصر، المنصف، الفاحص، الدقيق، المميِّز، لأن مثل هذا النقد وحده هو المؤهل لاقتلاع الأدواء التي يعاني منها أداؤنا المؤسسي، والفكري والثقافي، ولا مراء، من أعمق أعماق جذورها.

وأواصل في الموضوعات الأخرى غداً

بــولا
أضف رد جديد