أحوال الماء عند عبد القادر حسن المبارك

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أحوال الماء عند عبد القادر حسن المبارك

مشاركة بواسطة حسن موسى »

المشكلة في الشغل بالألوان المائية هي في تعريف نسبة حضور الماء في اللون بما يضمن للعمل إنتسابه للمائيات دون أن يغرق اللون في الماء فيمحق و يزهق. هذه المعادلة الصعبة هي هاجس كل فناني المائيات شرقا و غربا.و في كل مرة نظرت فيها في عمل رسامي المائيات كان همي الأول هو التعرف على المنهج الذي فاوض عليه الفنان مخارج الماء و اللون على بياض الورق.
و بفضل الصديق تاج السر حسن، الفنان الخطاط العارف بالمائيات، اتيحت لي فرصة التعرّف على مجموعة من مائيات الصديق الفنان عبد القادر حسن المبارك. ففرحت بها أيّما فرح و تجمّلت بها و ما زلت أنظر فيها و لا أملّ. ذلك أن عبد القادر يضمّنها جُملة من لقيـّات أهل الشرق الأقصي و أهل الغرب( الأقصى؟) بين هوكوزاي و تيرنر مع شطحات شخصية تكشف عن عكوف طويل و حميم على مراقبة أحوال الماء و اللون.
و من الظلم الحديث عن مائيات عبد القادر حسن المبارك البالغة التركيب في سطور ثلاثة و لكني أتذرّع بهذا التقديم المستعجل للإعلان عن معرض المائيات الذي يقيمه عبد القادر حسن المبارك في دبي منذ الخامس و العشرين من ديسمبر 2007 في دائرة الأراضي و الأملاك بالتعاون مع مجلس دبي الثقافي.
و للصديق عبد القادر العتبى حتى تتيسّر لنا فرصة أفضل للخوض في الماء الغريق الذي بذله لنا.
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

وأنا ذاتي فرحان!!..

عبدالقادر حسن من المجودين في هدوء لأدواته..
تتقد عيناه برؤية علاقات مميزة علي أسطح ورقة الوان الماء الفاخرة
فتزدان القا بضربات فرشاته وانسياباتها،
شخص لايحب الضجيج وصخب الاعلام، وشغل الـ (بي آر)..
وعلى المستوى الانساني قدورة كنز للصدق والمودة وحب الناس..
رسااام وملون من الطراز الأول.

دخلنا الكلية وهو يهم بالتخرج،
كانت له آراء متفردة، كان يقول في تلك البواكير بانه لايفصل بين عملية الرسم والتلوين،
أو بالاحرى لايرسم ليبدأ بالتلوين،
لايخطط للعمل ولكنه يبدأ بوضع الالوان مباشرة على السطح .. باستعمال فرشاة ( فلات) عريضة بمقاس واحد..
فسرت هذه الطريقة بيننا لفترة في قسم التلوين وكادت آن تؤدي بالبعض الى هجران الشغلانة مرة واحدة ..
وربما بدأت حساسيته العالية لعلاقات اللون وصياغاته المعقدة في التخلق حينذاك،
لتصل للدرجة العالية التي نراها في أعماله الراهنة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة
.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

وأحوال الورق

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و أحوال الورق..

أحمد
يا أخانا الذي في" الولاياد" ذات العماد" التي لم( و لن؟) يخلق مثلها في البلاد".
سعدت بملاحظتك في شأن مائيات عبد القادر ح. المبارك كونها تضيئ ما عتم عندي من جوانب تجربته و التي هي علامة مهمة في مشهد المائيين السودانيين منذ عهد أستاذنا عبدالله حسن بشير "جُلّي". و المائيون السودانيون نهر جوفي مسكون بمكنون الدُّرر التي لا سبيل لاستجلائها و بذلها لجمهور التشكيل في بلادنا بغير مشقة الغوص في الغريق.و سأعود لهؤلاء و لأولئك و القلم كما تعرف ليهو رافع.
تقول:
" كانت له آراء متفردة و كان يقول في تلك البواكير بأنه لا يفصل بين عملية الرسم و التلوين أو بالأحرى لا يرسم ليبدأ بالتلوين، لا يخطط للعمل و لكنه يبدأ بوضع الألوان مباشرة على السطح.."
و في هذه العبارة: " وضع الألوان مباشرة على السطح" تلخيص بليغ لتجربة عبد القادر، فما كل من هبّ ـ و أنت أدرى ـ قادر على وضع الماء " مباشرة على السطح"، سطح الورقة المضرّس بالكثبان و التلال و الوديان و أنواع الإنكسارات فيما وراء المظهر الأملس.نعم، أهل المائيات يعون مخاطر وضع الماء مباشرة على السطح الذي هو ـ كما الماء ـ لا يستقر على حال وإن ثبّتـّه على طاولة مستوية .فالماء كما يقول المثل " يبحث عن مستواه" و هو بحث لا ينقطع إلا بالتبخر، كما في قيظ بلادنا، أو بالتجمّد ،كما في صقيع الأوروبيين. مرة، في عز الشتاء، كنت ارسم بالمائيات منظرا جبليا في نواحي" الألب" الفرنسية، ولا حظت أنني كلما فرشت طبقة من الماء على مسطح الورقة كانت برودة الجو تتكفل بتجميد الماء على الورق في الحال. و كانت نتيجة هذا الوضع أن صورتي بدأت تتخلّق بشكل مغاير لما كنت انتويته بفضل تأثيرات اللون الذي كان يتجمّد على السطح قبل أن تتشرّبه لـُحـْمة الورق.و حين رجعت بصورتي لدفء الدار اضطررت لوضعها بشكل أفقي حتى يتيسّر للألوان ان تستكمل تسرّبها في لـُحمة الورق، و أظنني بقيت على قلق ـ مسحورا ـ أراقب هذه الصورة التي ترسم نفسها بشيء من العجب و أنا أتحسّب من أن تفسد نزوات الماء بعض تراكيبي اللونية التي أعوّل عليها في تعريف موضوع الصورة..
المهم يا زول، " وضع الألوان مباشرة على السطح" مربط كبير لأفراس المصورين الذين يخوضون أمواه التشكيل و بينهم من يغوص في الأعماق و بينهم من يطفو على السطح و" الله ما شق حنكا ضيّعو".ذلك أن صاحب الماء إن دخل مشهد الورقة بغير مكيدة ـ و قيل "بغير مكيدة كبيرة" ـ فمآله الهلاك لا محالة.لأن تصاوير أهل الماء ـ على خلاف عادات أهل الزيت و الغواش و الأكريليك و أنواع الخامات الكثيفة ـ إنما تنبني على منطق معكوس يبدأ من أخف درجات الفاتح ( ماء كثير و لون أقل) لينتهي عند أقصى درجات الغامق ( لون مركـّز و ماء أقل). و أخف درجات الفاتح إنما تكون في الماء الصافي الطهور من أي لون.و هي حيلة في الإنتفاع بأبيض الورق.فعلبة ألوان المائي الحقيقي تستغني بالماء الخالص عن اللون الأبيض الذي يصر بعض صانعي الألوان على تضمينه علبة الملوّن المائي.( و في رواية أخرى يملك المائي الماهر أن يستغني عن اللون الأسود بمجرد تنظيم التراكب الذكي للألوان و الله(و" تيرنر") أعلم .
أحمد،
إشارتك لفرشاة عبد القادر ال" فلات" و ال "عريضة" التي سحرت أهل قسم التلوين حتى " كادت أن تؤدّي بالبعض إلى هجران الشغلانة" تنطوي على تفهّمك لمكيدة عبد القادر المائية، ففرشاة أهل الزيت الجعدة الجشبة لا تسمح بنقل الماء بوفرة لسطح الورقة. و لقد لاحظت أن جل العارفين بالمائيات الذين عاصرتهم، من أستاذنا عبدالله حسن بشير( جـُلـّي) لخلف الله عبود لفاروق خضر لعمر عبد القادر(قبل هجرانه الرسم) و بعض الخواجات و بعض الصينيين، يحرصون على حضور الفرشاة العريضة القادرة على نقل الماء و نشره بيسر فوق مسطح الورقة.بل أن بعضهم يقوم بتنفيذ كل أجزاء المائية بالفرشاة العريضة وحدها على زعم أن ذلك يصون للصورة وحدة بصرية و تقنية و نوعا من الإنسجام الخطوطي " الغرافولوجي" يشهد عن نوعية الأداء الحركي لليد.و الكلام في البعد الغرافولوجي لحركة يد المصور المائي يفتح الباب لريح الإستبصار في المائيات كمقام كتابة فريدة كائنة بين الخط و الرسم.و في هذا المقام أحاول التأمل في آثار فنانين سودانيين توزّعت جهودهم بين غوايات الخط و الرسم بالمائيات كما هو الحال مع الخطاطين الرسامين من عيارعثمان و قيع الله و إبراهيم الصلحي و أحمد عبد العال و كما هو الحال مع صديقنا الخطاط تاج السر حسن الذي اشكره على تنبيهي لعمل عبد القادر المبارك.
و بعد.. و قبل
كل هذا لا يستقيم ما لم نتأنـّى عند مقام الورق، و عن الورق فحدّث و لا حرج ( قال سيدنا ماو تسي تونغ مرّة : "كل الإمبرياليين نمور من ورق" فتأمّل ماذا فعل الإمبرياليون بثورة الصين اليوم؟ لقد مسخوها إلى ثورة من الورق تجري هاربة أمام نمر من الورق المـُقوّى بجاه آلة الإعلام المعولم)..
أقول : الورق هو المقام الذي يستقبل حاصل تدابير الماء و اللون و اليد و الأداة. و أنا لا أعرف نوع الورق الذي يفاوض عليه أخونا عبد القادر علاقات الماء و اللون و اليد،و لا نوع الورق الذي توفر لكم أيام الكلية.لكني أذكر، و أنا طالب بالأبيض الثانوية، أنني تعلمت الكثير من تقنيات الرسم بالمائيات على يد أستاذنا الجليل عبد الله حسن بشير"جـُلـّي". و "جلـّي" من أساطين الرسم بالمائيات،( و لو شئت قل : هو " عملاق" بالمرّة) و ذلك سواء أن نظرنا لعمله ضمن مشهد التشكيل في السودان أو خارج السودان.و "جـُلـّي" رجل قليل الكلام إلا أن له قدرة فائقة على توصيل مقصده بالإشارة الذكية على نهج " البيان بالعمل" و لا جناح،فالمقام الذي يعمل ضمنه هو أصلا مقام ممارسة عملية لا تطالها وسيلة الكلام، و يكفيك أن ترقبه و هو يعمل.و حين التقيت بعمل "جـُلي" أول مرة كنت على وعي بإشكالية الماء و اللون في مشهد رسام المائيات ( الآسيوي) و لكني لم أكن منتبها لدور الورق.و قد نبهني عمل "جُلّي" إلى أن أولوية حضور الماء على غيره من عناصر الصورة المادية إنما تكتسب معناها من نوعية الورق.فحسب نوعية الورق و قابليته على امتصاص الماء الملوّن تنفتح (أو تنغلق) أمام الملون المائي فرص تنظيم تناقضات الضوء و الظل( الفاتح و الغامق) من خلال تراكب طبقات اللون الشفافة.في تلك الفترة كنا، ضمن جمعية الفنون بالمدرسة( محمود عمر و حسين كناني و آخرين)،كنا قد تعوّدنا أن نحمل أوراقنا و أدواتنا و نخرج لنرسم نواحي المدينة بصحبة أستاذنا
" جُلّي".و مرة وزّع علينا " جلّي" وريقات جديدة أقوى و أثقل من ورق الـ" كارتريدج" الخفيف و الرخيص الذي كنا تعودنا عليه فيما كانت تجود به أريحية وزارة التربية و التعليم ( ياله من زمان).قال لنا "جلّي": " هذا ورق " وطمان"مصنوع خصيصا في بريطانيا لتقنية المائيات، كون طاقته على استيعاب طبقات اللون المائي أعلى بكثير من طاقة الورق العادي الذي، عادة،لا يحتمل أكثر من طبقتين لونيتين. و قد كان العمل على ورق مائيات " وطمان" فتحا تقنيا و جماليا كبيرا في تجربتي المائية. لكن ورق الخواجة " وطمان" الثمين سرعان ما طرح علينا مشكلة جديدة.فحماسنا للرسم يتجاوز بمراحل سعة الوريقات التي أكرمنا بها جلّي (و " خرب بها طبعنا") و لا سبيل لتوفير المزيد من ورق ال"وطمان" في تلك المدينة المنسية على تخوم الصحراء الكبرى.
أذكر أنني ، من باب إقتصاد "البصيرة أم حمد" قمت بتقطيع آخر ورقاتي لثلاثة أقسام و قلت في نفسي: لا ينبعي أن أبذّر وريقاتي الباقيات في رسم موضوع عادي، و إنما علي إنتظار الموضوع المناسب و الضوء المناسب، و هكذا واصلت الخروج للرسم على ورق ال" كارتريدج" العادي أو أي أنواع ورق الرونيو الرخيص و وريقات الخواجة " وطمان" راقدة في حرزها الأمين حتى حال عليها الحول، و أنا لا أجروء على لمسها.و أظنني حملتها في متاعي حين وصلت كلية الفنون و تمكنت من استخدامها في واحدة من رحلات الكلية ، بعد أن صار العمل على ورق ال" وطمان"( و كمان وطمان هاند ميد) أمرا عاديا ( على الأقل بين طلاب قسم التلوين). في كلية الفنون تعلمت من أصدقاء أعزاء من ذوي المكيدة التقنية العالية كخلف الله عبود و فاروق خضر أن ورقة الوطمان لها سبعة أرواح: يعني ترسم عليها و تغسلها بالصابون و تبييضها ثم تكويها لتنفرد و ترسم عليها من جديد.. و دي الخواجة " وطمان" زاتو ما فكّر فيها.
المهم يا زول، حديث الورق في مشهد المائيات يطول ،فهذا الورق الذي يتيح لعبد القادر المبارك كل هذا اللعب الحر يحتاج للمزيد من التأمل، و يا حبذا إضاءة من طرف عبد القادر في شأن الورق و الماء.
أحمد
أقول قولي هذا و استعفر الله لي و لك كوننا نفتي في أمر المائيات بينما الرسام المائي الحاذق خلف الله عبود واقف " يراعي" ويستعجب ساي.
شايف؟
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة


.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
عادل السنوسي
مشاركات: 839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:54 pm
مكان: Berber/Shendi/Amsterdam

مشاركة بواسطة عادل السنوسي »

سلام يا حسن و يا أحمد ..
الأخ عبدالقادر حسن كان من أبرع الملونين (المائيين و الزيتيين ) الذين مروا علي كلية الفنون و كان صديقا عزيزا رغم انه كان بالسنة الرابعة بينما كنا نحن ( أنا و أحمد ) في السنة الأولي و كان قدوة لنا جميعا ....
كما ذكر الأخ أحمد ، كان ( قدورة ) يعمل في صمت وهدوء و لا يحب كثير الأضواء و الاعلام و الضجيج ، و كما ذكر الأخ أحمد أيضا ، فهو علي المستوي الشخصي ، رجل ذو أخلاق عالية ولا يتبجح أبدا و يقول أنا و أنا و أنا .... كما كان يفعل غيره من بعض أبناء دفعته و مازالوا !
في انتظار المزيد من أعمال هذا الفنان القدير ..
يمكنك يا حسن أيضا مشاهدة بعض أعمال قدورة في شبكة www.sudanartists.org ( بتاعت ناس ايمان و أحمد ) و أيضا علي شبكتنا الحديثة : www.sudanartistunion.com
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

الأخ د. حسن موسى

لك التحية

ولك الشكر على فتح هذا البوست وتعريفنا بهذا الفنان العظيم ونشكرك - أيضا - بتناولك للجوانب التقنية في ما يتعلق بالمائيات وأوراقها وجملة المكائد المتبعة في مجالها واختلافها عن بقية الألوان.

وللحق لم ار عملا يقارب هذه الأعمال منذ زمن بعيد، إلا أنني أذكر أعمالا شاهدتها للشايقي في أول السبعينات تماثل هذه الاعمال(لحدٍّ ما) وسأجتهد في الحصول على نماذج منها لو بقي منها شيء في حوزة الشايقي.

وربما أذخل للبوست من جانب تاريخ الورق وتاريخ استخدام ألوان الماء وهو اهتمام انبثق إثر مشاهدتي هذا البوست. ولكني سأرجئه لوقته.

ولك الود
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ألمي حار و لا لعب قعونج

مشاركة بواسطة حسن موسى »

أحوال الماء 3


فرشاة عبد القادر المبارك

الأعزاء عادل و عبد الماجد
شكرا على إهتمامكم
و يا عبد الماجد أنا متشوق لقراءة تفاكيرك في أمر الماء و الورق.
أحمد
كما ترى فحكاية فرشاة عبد القادر الـ "فلات" العريضة التي ذكرتها ما تزال تحتاج لمزيد من التأنيّ ،و قد جاء في حكمة الشعب أن " الغزّالة الشاطرة تغزل بضلف حمار". و ذلك في معنى قدرة المبدع على الإلتفاف على شرط الندرة الأداتية و استنباط الحلول الناجعة التي تسوّغ للـ "فسيخ" أن ينمسخ" شربات" ضد ضيق ذات اليد بقدرة المبدع القادر. لكن فرشاة عبد القادر المبارك الفلات العريضة إنما تنطوي على قصد واعي لصاحبها الذي اصطفاها بين أنواع الفرش المتوسطة و الصغيرة و المدورة و المربعة إلخ، التي تواضع عليها المائيون العاديون. و في هذا فهي تنطرح ، في مشهد الممارسة التشكيلية ،باعتبارها خيار جماليا أصيلا بدلا من أن تكون مجرد صدفة أوحلاّ إضطراريا فرضته ظروف الندرة.و في هذا المنظور، لا أشتط إن زعمت أن عبد القادر المبارك قد روّض فرشاته و راض نفسه عليها و دمجها في جسده كإمتداد طبيعي ليده، بغير هذا الإنمساخ لا ينبغي له أن يجسر على توليد كل هذه التراكيب المائية البالغة الإحكام التي فيما وراء مظهرها كمناظر طبيعية تبدو على قرابة بديهية بتجربة الكتابة الغرافولوجية، فالفرشاة العريضة تفتتح المنظر كما البلدوزر الجبّار و تعرّف مكوّناته الأساسية : السماء و الأرض ثم تعود اليد بنفس الفرشاة ،و قد تبدّل اللون، لتؤثث جغرافيا الورقة بتضاريس تؤكد للسماء طبيعتها و تثبّث للأرض حدباتها و شعابها. و حين يتعلّق الأمر بتفاصيل المنظر تلحظ العين العارفة بأن نفس الفرشاة العريضة تبني تفاصيل العمارة و النبت من خلال استخدام اكروباتي لحواف و جوانب الأداة، فكأن الفرشاة لسان يلحس الورقة لحسا أو هي نصل يقطع عمقها أو حتى إبرة تخدش أو تطعن فيخرج من فعلها أنواع الحجر و البشر و الدواب و النبات .كل هذا اللعب الحر لا يتاح إلا لرسام ممارس وراءه خبرة السنين في تحرّي مسارب الماء على الورق وفي يده أداة سحرية ـ و لو شئت قل أن يده نفسها استحالت أداة سحرية فريدة في نوعها.هذا اللعب لا يكون بغير استقصاء إمكانات الأداة و ضبطها لتندمج في يد الرسام حتى يشتبه عليه الذي يجري في شرايين الأصابع بما يجري في تلافيف الفرشاة.
و لو تأملت في تكوينات المناظر الطبيعية التي جاد بها خيال عبد القادر المبارك لوجدتها على بساطة كبيرة في التركيب المعماري.مجرد سماء و أرض منبسطة و من بعيد تبدو عناصر العمارة بشكل تقريبي يعتمد كثيرا على جهد الترجمة و التأويل الذي يتوسمه عبد القادر في من يشاهد تصاويره. و بساطة المعمار عند عبد القادر يمكن فهمها إذا قارنتها بتراكيب رسامين مائيين من عيار أخونا النور حمد الذي يملك أن يغرّق الحوت و يونس و موسى و قومه و فرعون و جنده في أمواه التفاصيل و تفاصيل التفاصيل ثم يبقى في نفسه شيئ من حتى ، و تلك طريقة في معالجة أحوال الماء لا بد أننا سنعود لتشقيق الحديث في أسبابها في براح لاحق ( و في الإنتظار راجع تصاوير النور حمد المائية في موقع سودان آرتيست غاليري) على الرابط:
https://www.sudanartists.org/elnourhamad.htm

لكن زهد عبد القادر المبارك في عمارة التفاصيل ليس من باب الكسل عن ترصيع السطح بالتراكيب الهندسيةالمنمنة، فأنا افهمه ، من جهة أولى ، كأحد عواقب معالجة الماء بهذه الفرشاة العريضةالـ "فلات" كما المِلْوَق أو المالق (و قيل " القرقريبة"في لغة أمهاتنا).و هي أداة على علاقة بنيوية بقطـّة قلم الخطاط.و أنا لا أعرف إن كانت ممارسة الخط بين غوايات عبد القادر المبارك الراهنة ، لكن اليد التي تتحرك على الورق بقلم الخطاط لا تملك إلا أن تقفو أثر الخطاط على منحدر الكتابة . و مهما كانت نوعية الحركة التي توجه الأداة فإن الحاصل البصري لا بد له ـ كسر رقبة ـ أن ينزلق بالرسام في مقام الكتابة. و أظن ، آثما، أن عبد القادر المبارك، بذريعة الأداة، إنما يسلك نفقا سريا نحو أرض الكتابة.بيد أن كتابته لا تمثل بين الكتابة الجميلة الرسمية التي تعرفها مناهج تعليم الخط التقليدية داخل إطار : الأقلام الستة ".لا، فكتابة عبد القادر إنما تنطرح كقلم جديد (قلم" سابع"؟ )، قلم شخصي قانونه الداخلي قوامه التداخل بين ضروات البصيرة المتفردة و سعة البصر و إمكان الأداة .
و من الجهة الثانية، فأنا أفهم زهد عبد القادر في عمارة التفاصيل الهندسية بكون التفاصيل الهندسية إنما تنطرح في مشهد الرجل كبعض من فضول القول التي تتطفل على السياق العام للصورة و تشوّش على الصانع إنسجام المنطق الحركي لعملية الكتابة التشكيلية.فجوهر المنطق الحركي لعملية الكتابة ينبني على علامة خطية فريدة غير قابلة للتكرار هي نتاج لحظة تحقق فعل الكتابة. و لحظة تحقق الكتابة عملية معقدة تتركب من عدة أطراف.و لو اقتصرنا على طرفها المادي و حده ـ و الشريعة عليها بالظاهر ـ لساغ لنا القول بأن القلم في اليد ( أي قلم ؟ و أي يد؟) حين ينزف خيط الحبر أثناء إنزلاقه على المسند، فهو يملك أن يتوقف ليعاود المسير أو/ و يتقافز هنا و هناك لكنه لا يعود القهقرى أبدا، مثلما هو لا يطيق سلوك نفس المسار الخطي مرتين ( و هو مسلك شائع داخل أرض الرسم التقليدي حيث يعاود الرسام التخطيط مقتفيا أثر الحركة السابقة وقع الحافر على الحافر).هذا المنطق الخطوطي هو الذي يحكم أسلوب عبد القادر المبارك و يعصمه من الوقوع في منزلق عمارة المنمنمات التي تتربص بالمائيين و تفسد عليهم بهجة اللعب في الماء.فالمسأة في النهاية لعب ، لكن مقامه " حار" و لا يجوز فيه " لعب القعونج".هذا اللعب الجليل يفرض على هذا الاعب الحريف أن يهيئ أرض الملعب و يخلصها من كافة أنواع الفضول التشكيلية المفهومية و العملية،فعبد القادر ـ في مناظره الأفقية ـ يختزل عملية تركيب الصورة إلى نوع من ممارسة خطوطية أدخل في عملية التوقيع الشخصي. و التوقيع كتابة ذاتية زاهدة في المقروئية الجمعية، يتمرّس عليها صاحبها فيألفها و يقوى على إعادة إنتاجها و لو تم فعل الكتابة في الظلام الدامس. فصاحب التوقيع لا يحتاج لرؤية مسار الأداة أثناء التوقيع، إنه يعرفه بقلبه بعد أن عرفه عن ظهر قلب.

و فرشاة " موريتا":
حكى مولانا الفنان "بيير أليشينسكي"
Pierre Alechinsky
مرة:
" كل مرة أذهب فيها لنيويورك أحرص على شراء فرش التلوين المستوردة من من الصين و اليابان. وعندي منها مجموعة بحالها رابضة في علبها، بلا فائدة، فأنا استخدم دائما نفس الفرشاة. وهي فرشاة كان قد اهداني إياها "موريتا" الخطاط الياباني الكبير في عام 1955 عقب إكمالي تصوير فيلم تسجيلي عنه. وحين وهبني"موريتا" فرشاته لم أقدّر هديته حق قدرها، فقد بدت لي تلك الهدية رقيعة نوعا.في ذلك الوقت لم أنتبه لقيمة فرشاة موريتا كأداة السحرية عالية الكفاءة كما غاب عنـي مدلول الهدية كتعبير عن تقدير و إجازة رمزية يمنحها المعلم لتلميذه. بعدها بسنوات اكتشفت معنى العبارة المنقوشة باليابانية على مقبض الفرشاة حين ترجموها لي:
"صنعت خصيصا لموريتا من صوف أغنام تضاهي نعومته شعر عانة الفتاة البكر"..
شايف فرشة عبد القادر العريضة مرقتنا وين؟
سأعود لمولانا بيير أليشينسكي و لتفاكيره الملهمة في علاقة الكتابة بالرسم و دور الأداة.
مودتي
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

صورة
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

سلام يا حسن
وعادل وعبدالماجد


ارسل لنا عبدالقادر مجموعة ضخمة من الاعمال البهية
نعمل على تجهيزها للنشر بسودان ارتيست
سوف أقوم بانزال ما تيسر منها بهذا البوست تباعا حال الفراغ من اعدادها..


ولي تفاكير وحكاوي أخرى حول أعمال عبدالقادر وأحوال الورق وتلك الفترة بالكلية سوف أعود بها لاحقا


في الويك اند أو قبله




اذكر في أمر الفرشاة العريضة انني كنت استخدم فرشاة الحلاقة العريضة المدغلبة
بتاعة زمان ديك فهي تحسم أمر السماء والارض بحركة واحدة او مايزيد على ذلك قليلا وتقوى على حمل الماء الى السطح بسخاء



وماني داري يا حسن دي شعرها كان شعر شنو في الشعر المنثور



:!:




طابت أيامكم
ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä
مشاركات: 101
اشترك في: الاثنين ديسمبر 26, 2005 9:15 am
اتصال:

مشاركة بواسطة ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä »

استاذنا حسن

عرفنا عبد القادر (قدوره) كطالب -سنير بالنسبة لنا كما ذكر مرضي- وفنان قليل الكلام غزير الانتاج.
وعندما تتامله وهو يرسم تحس بيسر الممارسة التي تخفي كم الخبرة ووضوح الفكرة لديه.
تخرج الالوان من علبته الصغيرة صافيه عبر فرشاته الكبيرة الحساسة لوزن الماء وكثافة اللون
فالمائيات ميدانه الاول، وياله من ميدان!
اما قولك في علاقة الرسم بالخط- الكتابه، فيحضرني الاستاذ جلي: كلما دخلت عليه قسم التلوين وجدته
(يمشق) متمرنا بقلم البوص..وقد وصل خطه الي مقام جميل ونكهة مدهشه..وزميلي الملون عمر صبير
لايمر يوم دون ان يمارس هوايته السرية: تمارين الكتابة! ان كل ملون جيد هو خطاط جيد ان ازاح الستار.
في فن الخط يقولون ان من شروط جمال الحرف التوفية والاكمال..بمعني ان ياخذ كل قوس في رسم في الحرف
منحناه المكتمل غير مكسور ولا منقوص, اوليس القوس المكسور رسما جارح للعين مؤذي للبصر هالك للبصيرة؟
تأمل ضربات فرشاة عبد القادر الكبيرة، فلعل من اسرار جمالها اكتمالها وتوفيتها، ونجاحها في اختزال الشكل
وتوصيل دفقة تفاصيل وظلال وضياء وعال وواطيء في ضربة واحدة! (وهو شغل العارفين)
اما الحوار مابين ضربات الفرشاة الماكنه ونمنمات التفاصيل المعمارية والنقاط الرشرش الدقيقة (وهي الرديفة لزينة الخط)
فيمثل بلاغة في تصميم المشهد ومتعة للمشاهد الضهبان لا تخطئها العين.

ولكم التحيات
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة
بيير أليشينسكي


.
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

صورة


أكريلك أو زيت علي ما اعتقد!!
Ahmed Elmardi
مشاركات: 1279
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:08 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Elmardi »

صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المشـّاقين الرسامين

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و الرسامين المشـّاقين

مامون يا أخانا في هم المشاهدة
شكرا على تعقيبك السديد في تداخل المشق و الرسم. و المشق في مصطلح أهله يكنـّى به عن التركيب البالغ اللاحق بممارسة الخط كطرف في الكتابة الجمالية،( و أعني بعبارة " الكتابة الجمالية" كل كتابة تتجاوز الكتابة الوظيفية، سواء تلك الضالعة في نوع الكتابة الجمالية الرسمية ( ذات الأقلام الستة أو الستة عشر) أو تلك المستقلة عنها بقانونها الجمالي الخاص). ذلك ان الكتابة الجمالية إنما تنهض على عمد متداخلة ، رمزية و مادية، تشمل طبيعة حركة يد الخطاط ( و جسده) و نوعية الأداة و المسند كما تشمل الترجمة الأيقونية التي يسقطها المشاهد على أثر الحبر علي الورق.و في هذا الأفق يجوز القول بأن كل كتابة جميلة هي في الحقيقة صورة جميلة.و المشق في اللغة يدل على معاني الطول مع الرقة، و يقال :"قدّ مشيق و ممشوق"أي طويل مع رقـّة.و المشق في الكتابة يدل على مدّ حروفها. و الإمتشاق هو أيضا الجذب و الإستلال و الإختطاف و الإختلاس و الحلب و الإقتطاع.و كلها معاني يدركها العاكفون على هندسة الكتابة كونها تنمّ عن تلك الحركات التي يؤديها قلم الكاتب كما تواليف حركة الكوريغرافيا على خشبة هذا المسرح الصغير الكبير، مسرح مسند الكتابة.و في هذا يحق وصف الخط، في عبارة "اقليدس" المشهودة التي ترجع للقرن الثالث قبل الميلادي:" الخط هندسة روحانية و إن ظهرت بآلة جسمانية".و حتى أعود لتشقيق موضوعة "هندسة الروح" في مقام الكتابة اكتفي بهتاف يعلن هندسة الروح اكبر و أجلّ من أن تنسجن في قمقم الوعي الجمالي و الأداتي الذي تمخض عنه تقليد الأقلام الموروثة عن السلف الصالح .
لقد انتبه تشكيليو القرن العشرين من الأعاجم و من الأعراب لتداخل و تناقض ثنائية الخط و الرسم و استجابوا لهذا الواقع بأشكال شتى سنعرض لها في براح لاحق.
و في الحقيقة يبدو تداخل الخط و الرسم في مشهد الخطاطين العرب المعاصرين كما لو كان شذوذا عن قاعدة الخط بينما الأمر من منظور الرسامين يجعل من الخط إحتمالا في الرسم. و ربما أمكن فهم الأمر بالرجوع لتدريب الخطاط الذي يتم غالبا في حدود إقليم الخط كممارسة تطبيقية تستغني بإتباع النموذج المودع في ذاكرة التقليد( الأقلام الستة) عن كل ابتداع ( و هيهات). بينما تدريب الرسام يتميز بانفتاحه على جملة من إحتمالات الممارسة التشكيلية بما فيها إحتمال الكتابة. و من المحتمل ان يفسر هذا الواقع ميل الرسامين الذين ذكرتهم ( جلّي و عمر صبير و كمالا اسحق و آخرين كثر) للمشق بأدوات الخطاط.ربما لهذا السبب انطلقت الحركة الحروفية العربية في الستينات و السبعينات على أيدي الرسامين بينما بقي أبناء جيلهم من الخطاطين يتفرجون، و قيل : يتوجسون من هذه البدعة الجديدة و يستريبون بهؤلاء الأشخاص الذين يتطفلون على التقليد و ينقلون الخط من حرز الحبر و الورق و قلم البوص لفوضى خامات الحداثة و أدواتها بين الزيت و الكانفاس و الفرشاة إلخ.
تعرف يا مامون، قبل شهرين تقريبا هاتفني ، من هولندا، الصديق الفنان عمر دفع الله و هو من خريجي كلية الفنون الذين يحفظون الجميل لهذه المؤسسة الفقيرةالباسلة التي تعلمنا فيها الكثير، و قال لي أنه بصدد تنظيم حملة لتجميع مجموعة من الوثائق و الكتب عن الرسم لحملها معه لمكتبة كلية الفنون في الخرطوم، و اثناء مناقشتنا قال الصديق:
"يا زول عندي خبر سعيد،تصوّر إدارة الكلية قررت إعادة قسم الرسم بعد إيقافه بسنين"
فتعجبت وسألته : " طيب و الكلية كانت شغالة كيف بدون قسم رسم؟"
" و الله ما عارف، لكن الحمد لله أهو فتحوا القسم من جديد".
أنتهت محادثتنا في ثرثرات أخرى، لكن حادثة إيقاف قسم الرسم شغلت خاطري لفترة.كوني كنت ـ و لا أزال ـ أعتقد في محورية الرسم عقيدة دوغمائية لا يثنيني عنها شيئ.ذلك أن الرسم هو العمود الفقري لأي مؤسسة تهتم بتدريب تلاميذها على فنون التشكيل.و مما يحمد لمناهج كلية الفنون بالخرطوم ـ على علاّت كثيرة ـ هو اعتمادها مادة الرسم كتدريب أساسي يخضع له كل طلاب الكلية على اختلاف أقسامهم و مستوياتهم و اهتماماتهم.ذلك ان مادة الرسم كانت بمثابة المجال الذي يتم ضمنه ترويض التشكيلي على وعي تناقضات" الشوف الشامل" الذي لا تقوم للتصاوير قائمة بدونه.و "الشوف الشامل "، شوف البصيرة، فعل مركب معقد تتضافر عليه مجمل جوارح الرسام و في قلبها جارحة البصر.والتدريب على الرسم الذي كان يتلقاه طلاب كلية الفنون التي خبرناها لم يكن ـ في الظاهر ـ شيئا معقدا، فقد كانت حلقات الطلاب تنعقد حول "الموديل" الحي لرسم الجسد او "البورتريه" ، أو حول أمتعة" الطبيعة الصامتة" أو أنواع المنظور، فضلا عن صباحية درس التشريح الأسبوعي في كلية الطب.بيد ان التعقيد ينبثق داخل خصوصية الممارسة حين يجد الرسام نفسه مواجها بخيارات" الشوف" فيما يخص طبيعة استخدام الأداة( قلم الرصاص أوريشة الحبرأو الفحم أو الباستيل أو الفرشاة) و نوعية حركة اليد و كيفية شغل فضاء المسند .في هذا الدرب الوعر العام الذي سلكه سلف الرسامين الذين عبروا أرض الرسم في مشارق الأرض و مغاربها، و الذي هو على عموميته التاريخية يظل دربا بالغ الخصوصية للتلميذ الذي يستكشفه، يصبح حضور الأستاذ العارف بتضاريس المجال الي جانب التلميذ ضرورة قصوى كونه ينبهه للمزالق و المطبات التي قد تعترضه مثلما ينبهه لإمكانات الدروب الجديدة غير المطروقة التي يمكنه استكشافها لنفسه و لغيره (بما فيهم الأستاذ).
و تجربة دروس الرسم الإجبارية لكافة طلاب الكلية على اختلاف تخصصاتهم خلقت وضعية تعليمية( تقنية و مفهومية) مشتركة بين كل من تدربوا على التشكيل في كلية الفنون.هذا الواقع أتاح للخطاطين، الذين تخرجوا في قسم الخط في الكلية، ان يباشروا الخط من منظور الفنان التشكيلي المسلح بخبرات متنوعة في معالجة الأدوات و الخامات. و قد انتفع جل الخطاطين الذين خرّجتهم كلية الفنون بادوات الرسام التي احتازوا عليها في دروس الرسم في استكشاف أقاليم الخط.ولعل هذا الواقع الخاص هو الذي يفسّر تعدد الغوايات الجمالية بين الأنواع التشكيلية بين الخطاطين السودانيين.فمعظمهم يمارس الخط التقليدي دون ان يهمل انواع التشكيل الأخرى.و إذا تأملنا في آثار أجيال الخطاطين السودانيين مثل أساتذتنا عثمان وقيع الله و أحمد عبد الرحمن و تاج السر حسن فسنلاحظ التداخل الواضح عندهم بين هم الخط كممارسة تقليدية و هموم الكتابة الجمالية التي تتوسل للإبداع بوسائل الرسام الحديث.بل و من الصعب عقلنة التنوع المدهش في آثار هذا النفر المبدع من ممارسي الخط كرسم ( و الرسم كخط) ـ إذا ما قارنتهم بمجايليهم من الخطاطين في العالم العربي ـ بدون التأمل في تجربتهم مع الرسم.
و أظن ـ غير آثم ـ أن تجربة دروس الرسم في كلية الفنون قد اسهمت في تبديل الطريقة التي ينظر بها الخطاط السوداني لعمله بعين الرسام كعمل تشكيلي مصمّم اكثر منه خطاطا مجودا لنماذج السلف. و ليس صدفة ظاهرة المبحث الرائد ، النظري و العملي، لنفر كبير بين الخطاطين السودانيين العاكفين على مشروع تطوير الخط العربي المطبوع من خلال طرح تصاميم جديدة للحرف المطبوع. يا مأمون حكاية الحرف العربي المطبوع دي " فولة" جبارة لا يسعها مكيالنا الراهن لكني أعد بتناولها في أول فرصة مواتية.و في الإنتظار أحيلنا للتأمل في التصاوير الخطوطية المائية لكل من عثمان وقيع الله و السر حسن حتى اتمكن من العثور على تصاوير أحمد عبد الرحمن و في هذا" تلتين" المال.

مودتي
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة


.
أضف رد جديد