أحوال الماء عند عبد القادر حسن المبارك

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

تجربة الجبل

حين يكتب المرء عن جبل مرة، لا يكتب عن شيء عادي. فجبل مرة هو "شِعْب بوان السودان" وفي شعب بوان الفارسي قال المتنبيء:

ملاعب جِنَّةٍ لو سار فيها سليمانُ، لسار بترجمانٍ

هذه الهضبة العالية الفسيحة الفينانة غني لها المغنون، وسارت بسيرتها الركبان: ((لو شفت مرة جبل مرة)) أو ((لوحة فنان، تنسي الأحزان، خضرة وحمرة، زرقة وصفرة، زفة ألوان)). لم تكن في ذهني صورة لذلك الجزء من القطر. ولذلك فقد قصدته بذهن مفتوح على جميع الاحتمالات. وحين نزلنا قرية قلول في أعالي الجبل، قبيل منتصف الليل بعد رحلة مرهقة في الطريق الجبلي المتعرج، أدهشنا المكان. فقد وجدنا أنفسنا فجأة في جنة أحسسناها رغم الظلمة المحيطة بنا. انتقلنا فجأة من عتمة البص الذي ظل يتمايل بنا على الطريق الجبلي لساعات، ومن صوت حسن موسى الذي ينطلق كل فترة وأخرى بلا مقدمات رافعا عقيرته بالغناء والتهريج مرددا المارش الشهير: ((ود الشريف رايو كمل، من دار قمر جابو لي شالايتو)). أو ((باليلل ده ماشي وين؟ .. باليلل دا ماشي وين؟ .. بالليل ده )). صمت هدير ماكينة البص الذي شكل خلفية للنوم والتناوم وأحلام اليقظة عبر ساعات السفر الطويلة، فانقضى فصل، وبدأ فصل جديد. نزلنا لتفاجئنا رائحة الغابة وروحها وأصواتها وايحاءاتها والأشجار الضخمة الفارعة الطول، ورطوبة الليل، وهسيس الكائنات المتنوعة وهي تجمع أطرافها وتخلد للهدوء تحت معطف ذلك الليل الجبلي الكثيف الحضور، ويندغم كل أوائك في صوت الشلال القريب الذي لم ينم منذ فجر الخليقة، أو منذ الانفجار البركاني الذي أحدث جبل مرة. أما حين دنا الصباح وصحت الغابة وتمطت في ((رونق الصبح البديع)) كما حكى عتيق، وأطلقت كل طاقاتها من روائح وأصوات وألوان متنوعة عرفنا كبر النقلة التي انتقلناها. وذلك حديث يطول ربما عدت لاحقا إليه.

في يوم السفر إلى جبل مرة، قصدت منزل الأستاذ محمود محمد طه لأودعه، كعادتي حين أكون مسافرا. كان الوقت صباحا باكرا، دخلت غرفته المعتمة التي أفعم جوها بخور اللبان وطالعني وجهه البهي، وبريق عينيه السهارتين. لم يكن الأستاذ محمود محمد طه ينام الثلث الأخير من الليل قد. وحين سأله أحد محرري الصحف في واحدة من المقابلات عن هوايته، قال: ((قيام الأسحار)). وما أكثر ما سمعته وهو يتحرك داخل غرفته وهو يرتب بعض شؤون غرفته، وهو يترنم ببيت إبن عربي: ((تهوى ليلي، وتنام الليل؟ فَوَحَقَّكَ ذا طلبٌ سمجُ)). ويظل يردده بتنوعيات إلقائية مختلفة، تجعل المعنى أوضح من شمس الظهيرة.

أتوا بالشاي كالعادة وشربناه في تلك العتمة وساد صمت. صمت كان كثيرا ما يسود عندما نكون في حضرة الأستاذ محمود. وفجأة رفع الأستاذ محمود رأسه وصوب بصره نحوي وقال: ((ماذا أعددت للبرد في جبل مرة؟)). فقد كانت الرحلة في فصل الشتاء. فقلت مجرد فنيلة. فقال: الفنيلة لا تكفي هناك. جبل مرة بارد جدا. ولقد كانت تلك الحقيقة غائبة عنى تماما. وعموما فقد كنت ممن يستهينون بالبرد، ويتحدونه، وينتصرون عليه بالصبر والجلد، وتفعيل ماكنزمات الطبيعة الاستدفائية المتمثلة في ارتجاف الركب واصكاك الأسنان. في تلك السن وتلك الظروف السودانية التي تتسم باللامبالاة كنا نواجه عوادي الطبيعة بما تيسر. وحقيقة الأمر أنني ما عرفت التدبير إلا بعد أن عشت في نصف الكرة الشمالي، وأيقنت أن التدبير في تلك البقاع إنما يعني الفرق بين الحياة والموت..

قال لي الأستاذ: حين يقف بكم القطار في محطة سنار انزل واسأل عن عبد المحمود عبد المجيد. وقد كان عبد المحمود عبد المجيد جمهوريا، يعمل في محطة سنار التقاطع. قال لي الأستاذ قل لعبد المحمود أن يسلفك واحدا من معاطف السكة الحديد. ويسمي أهل السكة الحديد والخفراء الذين عملوا منذ حقبة الإستعمار ذلك المعطف بـ "الكبوت". نزلت في محطة سنار في صباح اليوم الثاني، والقطار يقف ساعة كاملة هناك، فذهبت أسال عن عبد المحمود، ودلني على مسكنه الواقع ضمن بيوت المحطة بعض العاملين. استقبلني ببشاشة وحرارة، وأخبرته ما كان من قول الأستاذ لي.

انتقى عبد المحمود كبوتا بنيا ثقيلا حين ارتديته ناء به كاهلي. وقد كنت أزن في تلكم الأيام 58 كيلو غراما فقط لا غير. ولكن حين وصلنا جبل مرة، عرفت لم وجهني الأستاذ محمود بأخذ ذلك الكبوت. فدرجة الحرارة في الجبل في فصل الشتاء، وهو الفصل الذي زرناه فيه، تتدنى في ساعات الليل حتى تقارب درجة التجمد. ولولا ذلك الكبوت لكانت ليالي وصباحاتي هناك سهدا ووجعا. وحين أعود سأحكي عن قاطرات السودان، وعن مدينة نيالا، وعن بص إبراهيم بخيت، وعن سوق أم دفسو، قبل أن أدلف إلى كاس، وقلول، ونرتتي، ومارتجلو، ومفاجآت الجبل السارة لأبناء السهول المنبسطة الرتيبة.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »

الجميع، بلا فرز..
خدر الله ضراعكم... حلقتم بنا، حيث لاحيث، وبارك الله في الماضي الجميل، والمستقبل كمان..
ياله من شوف!!، يعاااااااااااااااااادي



احترااااااااااااااااام....
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

ولك الإحترام أيضا يا عبد الغني.
نحاول تخفيف وطأة الوحشة التي يذخر بها هذا العالم على أنفسنا، وذلك بالاغتراف من خزائن جنان الروح والعقل، وما
علق فيهما مما طوته سدف الزمان. فالجنان إنما هي في الدواخل في نهاية المطاف. ((وفي أنفسكم، أفلا تبصرون)). سمعت الأستاذ محمود محمد طه يقول مرة: ((الحياة دي مجرد حلمة طويلة)). فما الأصل يا ترى: الحياة أم مقابلها؟ وقال محمود درويش، فيما أذكر، ولست بواثق مما أذكر: ((خرجت اليوم من جلدي فعانقت الطفولة)). الطفولة والصبا حالتان تشبهان العيش في حلم طويل. ولا أشك أبدا أن الطفولة حالة حُلمية. وهي حالة يصحو منها الإنسان رويدا رويدا. يتقدم المرء في العمر فتقل ظزاجة الأشياء في وعيه. حتى طعم الطعام يتغير في الفم. فهل يحدث ذلك نتيجة لتحول فسيولوجي وكيميائي يتسبب في ضمور الحواس ونقص حساسيتها تجاه ما نذوق وما نشم وما نرى وما نحس، أم هو تغير روحي مرتبط بالخروج التدريجي من حالة الحلم تلك التي نعيشها في سني الطفولة؟ وهو في ما وردني في هذه اللحظة خروج من الجنة، مماثل للخروج الأول.

هل تذكر يا عبد الغني طعم اللقيمات في سني الطفولة مع الشاي باللبن ذات صباح شات؟ هل تذكر طعم الفول بالزيت في فسحة الفطور؟ هل تذكر روائح الطناجر وهي تختلط في فضاء القرية قبيل الظهيرة. هل تذكر رائحة البنزين المحروق الذي ينبعث من لوري فورد 46، وهو يسير على مسافة نصف ميل؟ هل ذهب كل أولئك أم أنه لا يزال معنا وفينا بكيفيات مختلفة؟

أجد متعة غير عادية في زيارة تجاريبي الماضية والكتابة عنها. ورغم أن كل ما يخرج من قلمي لا يساوي شيئا يذكر مقارنة بما أود التعبير عنه حقيقة، وما أود ذكره حقيقة، إلا أنه بالرغم من السنسرة والابتسار وصعوبة الكتابة عن المشاعر والأفكار فإن هذا القدر البئيس الذي أكتب، يسري عني، ويغذي وجودي ولحظتي، ويثريهما. لا أدري هل سيجيء وقت فيه نصبح قادرين على كتابة كل ما نحس به وكل ما نود أن نشرك فيه الآخرين، أم أن السنسرة الطوعية و(المفروضة في ذات الوقت)، ستبقى على ما هي عليه. ويصبح لا مناص، من قبر عوالم بأكملها مع من يموتون، كما ظل الحال منذ القدم؟
آخر تعديل بواسطة Elnour Hamad في السبت مارس 01, 2008 8:23 pm، تم التعديل مرة واحدة.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
Óáãì ÏÇÄæÏ
مشاركات: 51
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:15 pm

مشاركة بواسطة Óáãì ÏÇÄæÏ »

سلام يا دكتور النور
حديثك عن السنسرة الطوعية قد مس "السلك العريان" من وجداني..
ولم أجد أنسب من قصيدة أليشيا كيز أدناه ذريعة للمشاركة في هذا الخيط والدخول إلى عوالمك الساحرة التي حكيت، والتي أتخيل صوتك يتهدج حين تحكيها من حميميتها ولذتها وما تعمله بك من ذكريات ومشاعر..
خالص احترامي لك.. والشكر لمبتدع هذا الخيط ورافديه.

[align=left]I'm a prisoner of words unsaid
Just lonely feelings locked away in my head
I trap myself further every time I stay quiet
I should start to speak but I stop and stay silent
And now I've made my own hard bed
Inside a prison of words unsaid

.I am a P.O.W
Not a prisoner of war
A prisoner of words
Like a soldier I'm a fighter
Yet only a puppet
Mostly I only say
What you wanna hear
Could you take it if I came clear?
Or would you rather see me
Stoned on a drug of complacency and compromise

.M.I.A
I guess that's what I am
Scraping this cold earth
For a piece of myself
For peace in myself

It'd be easier if you put me in jail
If you locked me away
I'd have someone to blame
But these bars of steel are of my making
They surround my mind
And have me shaking
My hands are cuffed behind my back
I'm a prisoner of the worst kind, in fact
A prisoner of compromise
A prisoner of compassion
A prisoner of kindness
A prisoner of expectation
A prisoner of my youth
Run too fast to be old
I've forgotten what I was told
?Ain't I a sight to behold

A prisoner of age dying to be young
To my head is my hand with a gun
And it's cold and it's hard
Cause there's nowhere to run
When you've caged youself
By holding your tongue

I'm a prisoner of words unsaid
Just lonely feelings locked away in my head
It's like solitary confinement
Every time I stay quiet
I should start to speak
But I stop and stay silent
And now I've made
My own hard bed
Inside a prison of words unsaid

By Alicia Keys
From her book Tears for water - Songbook of Poems & Lyrics
This little light of mine, I'm gonna let it shine
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

عزيزتي سلمى

أسعدني دخولك سعادة كبيرة. وأسعدتني مشاركتك بهذه القصيدة الرائعة.

تصوري الغربيين مع ما يتمتعون به من سعة في حرية التعبير، يشكون من كونهم سجناء للكلمات التي لم تقل! فكيف يكون حالنا نحن يا ترى؟ شكوت إلى صديقي حسن موسى في التسعينات عن حياتي في أمريكا فكان أن كتب لي: ((مالك يا رجل تضيق ببلاد يمكنك أن تخترع فيها ديانة ولا يسألك أحد؟))

سئل الطيب صالح في نهاية الثمانينات في ندوة أقيمت بدار الكتاب السودانيين عن كتاب أمريكا اللاتينية. وأذكر مما قاله في رده إن الكاتب في أمريكا اللاتينية لا تحد حريته في التعبير عن ما يريد سوى حدود موهبته ذاتها! فهل لنا أن نحلم بحرية داخلية أولا، ثم برأي عامٍ متسامحح ثانيا، يفكان عنا هذه الأصفاد المعتقة؟

ما رأيك يا حسن موسى في تعبير "الأصفاد المعتقة" الذي وردني للتو؟

أشكرك عزيزتي سلمى مرة أخرى على المشاركة، وعاطر تحياتي للأخ العزيز صابر.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

السلام للجميع
حقيقة لست أدري لمن أتوجه ، تحديداً ، بإمتناني لهذا الخيط البديع الذي أنارنا فيه ذوو الخبرة والإختصاص بشئ من ثقافة اللون وأحوال الماء ( يا للتسمية ) بأريحية وحرفية عالية . وقد طاف بنا الحديث إلي آفاق رحبة في التأمل والإنبهاربمعطيات هذا الوجود المادي ، بتضاريسه الجغرافية ومناخاته المتباينة ، وإلي إجترار ذكريات بين رفقاء الدرب ذات مغزي وجودي وفكري غاية في الإمتاع .
أجدني ممتناً للأخ د. النور بصفة خاصة ، لإمساكه بتلابيب الموضوع ، إن جاز التعبير ، في مزاوجة حريفة بين الخاص والعام ، و بين المهني وما قد يبدو خواطر مرسلة تفيض من نبع روحي لا ينضب . وقد إستوقفتني بشكل خاص ، في معرض الحديث عن ذكرياته ، عبارة :-
في تلك السن وتلك الظروف السودانية التي تتسم باللامبالاة كنا نواجه عوادي الطبيعة بما تيسر. وحقيقة الأمر أنني ما عرفت التدبير إلا بعد أن عشت في نصف الكرة الشمالي، وأيقنت أن التدبير في تلك البقاع إنما يعني الفرق بين الحياة والموت..

ودون الإنجراف بعيداً عن مرامي هذا البوست وهدفه الرئيسي ، خطر لي أن أتساءل ، دون توقع رد ، ما الذي يجعلنا نهتم بالتدبير في نصف الكرة الشمالي ، أكثر من إهتمامنا بالتدبير في نصف الكرة الجنوبي ، علماً بأن المسئول عن مصائرنا في كلا الحالتين، من الناحية التوحيدية ، يفترض أن يكون هو نفس المسئول ؟ أم أن المسئول ( إقرأ الخالق ) في نصف الكرة الشمالي هو أكثر عقلانية ( Rationality ) من المسئول في نصف الكرة الجنوبي ؟
أكرر ، ياعزيزي النور ، مجرد خاطرة قد لا تحتاج لرد خاص .
مع وافر مودتي .
سيف
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

شكرا يا سيف. لقد ابهجني حضورك. وأسعدني تعبيرك عن المتعة التي تلقاها في متابعة هذا الخيط، فهذا مما يشد العضد ويستحلب "الواردات" كما يقول المتصوفة.

ما تسأل عنه ليس المسؤول فيه بأعلم من السائل، كما ورد في حديث جبريل. غير أن سؤالك سؤال ممتع والإجابة عليه ستكون بلا شك ممتعة أيضا. سؤالك سؤال مغري، ولابد أنني مجترح في أمره شيئا. ولذلك سوف أعود قريبا جدا لملاحظتك الشيقة. مع عاطر تحياتي وغامر أشواقي.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

نقاط الزير!!...

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »


نقاط الزير!!..

يالها من مطرة!!.

نقطة، إثر أخرى، تهوى من قعر الزير الأخضر، اللزج، للأرض، أضيق سماء، لا تكفى لجناح عصفور، أو رعد جليل..

تتكور القطرة في قعر الزير، ببطء موزون، على ساعتها الخفية، تنظر بعينها الزجاجية للقاع تحتها، خائفة، مترددة بين المغامرة، والحنين للأصل، تهددها سيولتها، بيدها، ثم تنسل من العقر، وهي لاتزال ممسكة بقعر الزير، متخذة شكل الكرة، ثم تتمطى أكثر وأكثر ، نحو الأسفل، منتحلة شكل ثدي امرأة مرضع، ترضع الروح؟، وأطفال الملائكة، غير المرئيين، للرقة ألف ثدي...

تطاولت أكثر، تبدو كفصي ثمرة فول سوداني، ثم هوت القطرة السفلى، وظلت العليا ممسكة بقعر الزير، كنهد حسناء، وليست "ثدي مرضعة"، لم تعد، تحس بالأمومة، وهي راجعة للأرض، كطفلة، ..أهناك فرق بينهما؟... بين الطفولة والأمومة!!

في تلك المسافة الصغيرة، نحو الأرض، استعادت تكورها، "أنثى حامل بمسيح يغني بالشعر فور ولادته".. صارت كرة لؤلؤ، تعكس بوجهها الأملس، شاعرية الضوء، بل حملته بداخلها، كي تواجه مصيرها، مضيئة كأنثى، كقمر..

تكورت بسرعة مذهلة، لا أذن أو فم أو عين، في وجهها الكروي الصبوح، مستغنية عن الفضول، كله، وغير آبهة بمصيرها، هي!! تفهم الموت كميلاد جديد، وإلا لم استعدت له، بجسد أملس، كوري متقن، محتشدة حول ذاته، حول روحها، وشاعريتها السائلة...

كونت بركة صغيرة تحت الزير، فتحت البركة فمها، وهي مغمضة عيونها كي تحضتن جوارحها العائدة، تغوص القطرة في وجه البركة، تحفر ثقب صغيرة، وعلى حواشيه حائط مائي، دائري، ورزاز صغير، وكأنها تنفث زفير فراشة، ثم تلتئم البركة من جرحها المؤقت، وتتداعى كدوائر من شعور مخمور، حتى أطراف وشواطئ البركة المقدسة، كزمزم.. ...

لاتزال البركة مغمضة عيونها، أنها في حالة قبلة أبدية، يهتز جسمها، كله، لا تترك النشوى حيز، في جسمها الرخو، تنداح النشوى بشكل دائري، حتى نهاية ضفافها الصغيرة، ياله من كرم فطري، من خلقه، ..

لم تأخرت هذه القطرة، لم كسرت الايقاع، تأخرت أكثر مما يجب، بدت كعين خائفة، (المسافة بعيدة، سوف اتشظى)، فجأة فكت يديها وهوت..
لم اختارت الرخاوة والسيولة جسدا لها، فلتتصالح مع قدرها..
هوت.. في طريقها للفناء، ستفقد ملامحها كلها، وتعود بركة صغيرة تحت الزير..
لقد هوت، لم تسمع حتى خواطري، نهاية خواطري..
لقد هوت.. بل غاصت في البركة، كسهم حب في قلب منتظر..
ماذا لو غيرت رأيها في منتصف الطريق، هل بمقدورها أن ترجع إلى قعر الزير الأخضر، اللزج..
للماء قدرة على الاستحالة، ألا تتجول خرافه فوق اديم السماء، (سحب، سحب بيضاء، سحب سوداء، سحب بنية، وغيم)، وفوق الجبال الشاهقة، كالصقور الجارحة، يعلب الماء هناك، كتاج ابيض على رؤوس الجبال، كشعر أشيب لرجل حكيم..

بمقدورها ان ترجع، بل تتسامى كناسك، ولكنها حازمة في قرارها، لا تتراجع..
هاهي في منتصف الطريق للحتف، هل بمقدورها ان تعود لقعر الزير اللزج، الاخضر.. يالها من خيانة، لسيولتها.. ان تبل اليد، والجبل، والارض..
وتهوى نقطة الماء، الكروية،، كمطرة من قطرة واحدة، خالقة ساعة من دقات قلب السيولة، وصوتها، ورائحتها، وعبقريتها..
صورة العضو الرمزية
ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå
مشاركات: 269
اشترك في: السبت فبراير 03, 2007 10:38 am

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÛäí ßÑã Çááå »


الاعزا، جميعا،ء.... واخص استاذ حسن موسى واستاذ النور،

معليش لو جرى البوست، كعادة الماء، لافاق، لم يعرفها خالق البوست خلقت ام لم تخلق، والله دي ظاهرة في الحياة غريبة، أين تقودنا الطرق، لاشياء لا ندري اين كانت، هل كانت عدم (أيوجد عدم)، أم انها نائمة في المستقبل، وتصحو على وقع حضور الحاضر، والموية هذا المخلوق الغريب، السائل، الجامد، الطائر، كسحاب، كمطرة، كنهر، كبحر، كعطش، كحياة، محير ومربك.. والحياة دوما تنسل منه، عبر الخضرة، وعبر الثلج، الذي دهش النور، وماركيز، ومائة عام من عزلته، ولا زال يدهشني، بشكله، وبرودته (باااااااااااااااااااارد)، ماهو احساس البرودة..

اول امس اتصلت باستاذ النور، قلت ليهو والله البوست دي رد الروح، وحلق بي بعيدا بعيدا، وكأنو الواقع، بعيون الناس الفاهمة، يبدو جنة، جنة حقيقية، عشان كدة صار الواحد يحب المذكرات، والذكريات، (قصة الإنسان عجيبة)، زي ما بقول الاستاذ، وقراءة الايام، وتأمل الماضي، غريب برضو، وصديقي احمد جون، استاذي الجميل، دوما بقول (والله الحاضر حاضر، تجلي جلالي لبعض الناس، لكن لمن يسكن الماضي، تنطفئ ناره، ويبدو نوره، بعيد يلوح كحياة حلم)... ومن البوست ده، وتداعيات استاذ حسن، واستاذ النور، والآخرين، ومن بذرة الماء، والورق الناشف، العطش للون السائل، وتشبعه بها، جرت خواطر فنانين، زخرفوا باطني، و ظاهري..

والله حكاية شوف الحياة، بعيون فنانة، تجلي الصدأ عننا، وتكشف مواطن الجمال، حيث كان، واكرر احساسي الخاص، بأن الكتابة صارت (ذاتية)، حتى على مستوى الادب، هسي فازت دوريس لسينج، عن (الكراسة الذهبية)، وهي اشبه بالمذكرات الشخصية، ومذكرات ماركيز، عشت لاوري، والله شخصيا شايفها انا احسن من كل كلتبه، بل كل كتبه موجودة بداخلها،... ومذكرات رودانا، زي حسن نجيلة، وبابكر بدري، ومذكرات الانجليزي، بل حتى ابن بطوطة، في رائعته تحفة النظار، هي رؤى ومذكرات شخصية، وكأنو الادب الحقيقي، المؤثر، هو النزل من سماء (الخيال)، لارض (الذاكرة)، لا ننكر اهمية الخيال، بل الواقع الماثل كان خيال في الماضي..

وهسي والله منظر قريتي، الصغيرة، الساذجة، بيوت من طين، وحيشان تشكلت بفعل الغرائز، والطعم، والكرم، واصوات بائهم، ورواح، تزخرف ذاكرتين اكتر من طرق الخرطوم العديلة، المزعجة...واحساسي بالتكل، ورائحة الكسرة، والصاج، والحجارة التي يوضع عليها الصاج، وبقايا اعشاب محروقة، جزء منها، زي السجائر، يهزني اكثر من قصائد، واشعار مصطنعة، فالذكرى بركة من بركات العقل، واخوها الخيال..

والله كم طربت بهذه الكتابات، وارجعتني لطفولتي، عشان كدة ياربي المسيح قال (لن تدخلوا الجنة حتى تعودوا اطفال)، وحظ هؤلاء الكتاب العظام، في سبر الماضي، وتأمل سنى العمر الفائت، العائد، في شكل ذكرى، وكتابة، لعصر وطني، وعالم كان يحلم بكل شئ، حتى الاستحالة، حتى عودة المسيح، وملء الارض عسل وخمر، وجمال..

معليش، للماء شجون، فكلنا ماء، ولون، ولوحة، ياريت يمتد هذا البوست، ويجري التداعي، بهذه العقول والقلوب المحبة، للحق، والحقيقة، والإنسان،..
طوبى لكم..
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

سلام للكل

مولانا النور حمد

أمتعتنا والله رسما بالماء وبالكلمات. أرجو أن تكتب لنا عن جميع رحلاتك مع الماء ومع غير الماء. قامتك ككاتب مجود حريف لن تكون تكون أقل طولا من قامتك كماءوئي واصل.
ياخي كلية الفنون دي في أيامكم بقت كلية آداب تخرج كل فن وبصورة أفضل. السبب شنو؟ الظاهرة عايزة دراسة. يمكن تكون بسبب حرية في التعليم لم تمتد لمؤسسات علمية أخرى؟
كما أرجو التوسع في بسط آثار الأستاذ محمود لأن مؤلفاته تحتاج لتعضيد السيرة. من يكتب في السيرة المحمودية بتبويب كامل؟ أنتم.

ولولا أنني لا أملك كمبيوترا لكنت شاركت في هذا البوست بقوة.

أمتعتنا يا عبدالغني المن يومك عوام.
أما قصيدتك يا سلمى ما أروعها وقد أحسنت الاختيار.

وبفضلكم اشتريت علبة ألوان موية وبديت أجلبط زي ما شايفين. يمكن داير لي شهور وشهور.

ودمتم
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

العزيز سيف إبراهيم

أعود لتساؤلاتك لأدلي فيها بدلوي. فحين تحدثت عن تعرفي على قيمة التدبير في الغرب، كنت أفكر بشكل أكبر في الكيفية التي كنت أقابل بها الطقس في السودان، والتي وجدت أنه لا مناص لي من تغييرها حين عشت في الغرب. فالبيئة الطبيعية في المنطقة المدارية بيئة رفيقة بالبشر الذين يعيشون فيها. فتقلبات الطقس فيها لا تتأرجح بين نقيضين متباعدين تباعدا شديدا. ففي المناطق الإستوائية، والمناطق المدارية بشكل عام، تظل درجات الحرارة متقاربة أغلب أوقات السنة. والتأرجح الذي يجري بين طرفي البرودة والحرارة، ليس كبيرا جدا، وهذا يتيح فرصة لتفعيل ماكنيزمات الصبر والإحتمال. أما شمال الكرة الأرضية فالحرارة تبلغ فيه في الصيف، كما في بعض جهات الولايات المتحدة، الأربعين درجة مئوية، ثم تنخفض لتصل في الشتاء إلى ما دون الصفر بعديد الدرجات. مثل هذه البيئة تعلم التدبير، في الملبس والمأكل والمسكن، وتعلم الإقتصاد، والتخزين، والاحتياط، والحرص بشكل عام. في حين أنه في بلاد مثل السودان مثلا، يمكن للمرء أن ينام في العراء معظم أيام السنة من غير أن يحتاج لدثار، في حين لا يستطيع إنسان شمال الكرة الأرضية أن يفعل نفس الشيء.

أيضا للثقافة السائدة دور كبير في درجة قوة أو ضعف النزعة الفردانية، والحرص على الذات. يقول الكاتب هادي العلوي إن الشرق عموما لقاحي وجماعي. أي أن روح الشرق بشكل عام، روح تميل نحو الاشتراكية. أما روح الغرب فهي روح فردانية. وبطبيعة الحال فإن للتجارب القاسية مع عنف الطبيعة ومع المجاعات والمساغب المختلفة مضافا إليها تطور بنية الوعي الرأسمالي قد جعلت الإنسان في الغرب أكثر عملية، ومن ثم أكثر حرصا، وأكثر عناية بحسابات الدخل والمنصرف. وحتى يومنا هذا لا يزال التكافل الإجتماعي في بلدان الشرق جزء من حياتنا، ولا تزال الأسرة الممتدة جزء من تكويننا. كما لا تزال الحياة الجماعية والارتباطات الجماعية عنصرا فاعلا في خياراتنا، وقيمنا الخلقية، وتواصلنا مع المحيط الإجتماعي. الخوف على الرزق لدينا ـ أعنى حين نكون في بيئتنا الطبيعية التي نشأنا فيها وتطور فيها وعينا ـ أقل من الخوف على الرزق عند الإنسان الغربي. ولسنا بطبيعة الحال محصنين ضد التحورات التي حدثت للغربيين. فلو تطورت العلاقات الإقتصادية لدينا، وأنشبت فينا الرأسمالية أنيابها بأكثر مما هي فاعلة الآن فليس هناك ما يحول بيننا وبين التأقلم مع القوى الضاغطة الجديدة. فمثلا، إذا تأخر المرء من دفع إيجار الشقة في الولايات المتحدة لفترة أقلقت المالك، يصبح المستأجر عرضة للطرد بواسطة شريف المدينة. وكم عاد أفراد وعوائل ليجدوا متعلقاتهم الشخصية قد أخرجت من الشقة، وتم تغيير القفل! مثل هذا لا يحدث كثيرا في المجتمعات التقليدية، على الأقل حتى الآن.

من ناحية أخرى، كنت أتأمل طفولتنا حيث كنا نستقبل البرد بالجلابيب فقط. فثقافتنا لا تهتم بالتدبير بقدر ما تقوم بتفعيل طاقاتها في الصبر والاحتمال. نحن نتصالح مع النقص، ومع المشاكل، والغربيون لا يتصالحون، وإنما يسعون إلى التغيير. وأذكر أنني حين ذهبت إلى أمريكا أول مرة، والتحقت بالجامعة هناك، كنت الوحيد الذي يأتي إلى حجرة الدراسة مبتلا!! فأنا لم أعتد في حياتي السابقة على مظلة المطر. أيضا، لا أحرص على سماع نشرات الأرصاد كل يوم قبل الخروج. ورويدا رويدا تعودنا وبدأنا نأخذ بالانضباط الغربي والتحوط الغربي والحسابات الغربية الدقيقة، التي لا تترك شيئا للمصادفة. الأمر في جملته باعث على التأمل في الكيفية التي تشكل بها البيئة الطبيعية وعي الإنسان، وخياراته، وطرائق عيشه، ومسلكه، وأيضا الكيفية التي يؤثر بها الإنسان في البيئة التي تضمه.

أما جزئية سؤالك المتعلقة بـ "التوحيد" بمعنى نهج التوكل على الله، الذي ينتهجه المتصوفةعبر تاريخ التصوف، فأعتقد أنه لا يتم بمعزل عن حقيقة رفق البيئة المدارية والمتوسطية وحنوها النسبي على قاطنيها. ولا أظن أن نهج التصوف الذي اجترحه المتصوفة في السودان أو العراق أو المغرب كان من الممكن أن تتم ممارسته على نفس الصورة في بيئات شديدة البرودة. فالتوحيد والتوكل، ورب التوحيد والتوكل، هم هم. فهذه لا يغيرها المكان، على الأقل من الزاوية النظرية. غير أن الإطار التاريخي للجهة الجغرافية، والإطار الثقافي لها، تخلق فرقا. والله أعلم كما يقول الفقهاء.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

عزيزي د . النور
أتفق معك في مجمل ما ذهبت إليه .
ولكن لي ملاحظتان :-
أما جزئية سؤالك المتعلقة بـ "التوحيد" بمعنى نهج التوكل على الله، الذي ينتهجه المتصوفةعبر تاريخ التصوف، فأعتقد أنه لا يتم بمعزل عن حقيقة رفق البيئة المدارية والمتوسطية وحنوها النسبي على قاطنيها. ولا أظن أن نهج التصوف الذي اجترحه المتصوفة في السودان أو العراق أو المغرب كان من الممكن أن تتم ممارسته على نفس الصورة في بيئات شديدة البرودة. فالتوحيد والتوكل، ورب التوحيد والتوكل، هم هم. فهذه لا يغيرها المكان، على الأقل من الزاوية النظرية. غير أن الإطار التاريخي للجهة الجغرافية، والإطار الثقافي لها، تخلق فرقا. والله أعلم كما يقول الفقهاء.

قد يحتاج هذا الطرح ، مع صحته ، إلي مزيد من البحث والتدقيق . ولكن المقام غير المقام ( والبال أيضاً غير البال حالياُ ) .

من ناحية أخرى، كنت أتأمل طفولتنا حيث كنا نستقبل البرد بالجلابيب فقط. فثقافتنا لا تهتم بالتدبير بقدر ما تقوم بتفعيل طاقاتها في الصبر والاحتمال. نحن نتصالح مع النقص، ومع المشاكل، والغربيون لا يتصالحون، وإنما يسعون إلى التغيير

مع الجلاليب ، ماتنسي ايضاً السمن وعصيدة الدخن ! ( وجه ضاحك ) .
ولكني أفضل ، ياعزيزي ، فكرة أننا نتصالح مع بيئتنا ، وليس مع النقص والمشاكل ، بينما يسعي الغربيون بالفعل للتغيير ، بل والتمادي فيه ، مما يؤدي أيضاً إلي كوارث بيئية ، وليس بدافع من غريزة حب البقاء فقط .أنظر ما تفعله ، مثلاً ، رؤوس الأموال الإستثمارية الضخمة في صناعة الأخشاب ، من مجازر بقطع الأشجار في غابات حوض الأمازون . الإنسان في نصف الكرة الشمالي صاحب ذكاء ( عقلاني ) قد يعجل بحتفه في مسيرة التطور ، بينما الإنسان في نصف الكرة الجنوبي صاحب ذكاء ( وجداني) ، أدعي للمصالحة والتواؤم مع البيئة . وكلاهما ، بالطبع ، مشتق من " العقل الكلي القديم " ( بتعبير الأستاذ محمود محمد طه ) الذي يوجه الحياة في مختلف صورها ودروبها .
ولأعد للجلوس في مقاعد الإستماع ، والإستمتاع ، بأحوال الماء.
مع وافر مودتي وأشواقي .
سيف
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ما الغرب؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

و ما الغرب؟
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

الغرب في التعريف المبتسر الذي يمكن أن يجترحه العبد المفتقر إلى مولاه في هذه العجالة، يا حسن موسى، هو أن "الغرب" كمفهوم وممارسة يمثل جماع الرؤية للعالم world-view التي سادت في القرون الأربعة الماضية، وأنشأت مركزا للمعارف العلمية التطبيقية، وللمعارف الإنسانية، وللثروة وللسلاح، لم يعرف له التاريخ مثيلا. وقد أخذ ذلك المركز يستتبع قسرا كل ما هو خارج عن إطار بنيته المعرفية والإقتصادية.

"الغرب" هو منظومة التصورات التي بدأت بفلسفة التنوير، مرورا بالثورة الصناعية وعلائق انتاجها، وانتهاء بالرأسمالية المتوحشة التي تريد أن تجعل كل سكان الكوكب أقنانا في اقطاعية لم يعرف التاريخ مثلها ضخامة. وهي اقطاعية تملكها قلة قليلة، ترى أن الإنسان الجدير بالبقاء وبالحياة الأفضل، لهو ذلك الإنسان القادر على تنمية المال، ثم بقدر أقل، الإنسان المنصاع لقوى السوق، القادر على الاستهلاك.

"الغرب" فكرة عن صلة الإنسان بالكون، وعن صلة الإنسان بأخيه الإنسان، وهو بهذا المعنى فكرة، ومكان جغرافي، في آن معا. في تلك الفكرة، وتلك الجهة، أخذت علائق الإنسان بذاته وبمحيطه وبغيره من بني البشر منحى جديدا سمته امتلاك القدرة على السيطرة وعلى التحكم في وعي ومسلك وخيارات الناس بشكل غير مسبوق. باختصار "الغرب" هو ما يسمى في أدبيات ما بعد الحداثة بالـ "الموديرنست بارادايم" Modernist Paradigm الذي انبنى على تصور أن الوعي منفصل عن بنية الكون، وأن الذات تقف في مواجهة الكون ومواجهة الآخر باستقلال عن القوى "الماورائية" التي تعمل في بنية الكون، والذات، والآخر، في منظومة كلية موحدة.

هل أنا ممن يرون أن الغرب غرب، والشرق شرق، ولن يلتقيا كما قال كيبلينغ؟ لا!! فأنا أرى أن في داخل بنية الغرب قوى "شرقية" وفي بنية "الشرق" قوى "غربية". ولابد لهذه القوى أن تتكامل لتنتج مدنية جديدة تحل محل ما هو سائد اليوم.

أكتفي بهذا التعريف المبتسر، وانتظر عودتك لنقلب وجوه الرأي في هذه المسألة.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


العزيز عبد الماجد

أولا أعتذر عن التأخير في الرد عليك، فقد أخذت الأمور برقاب بعضها بعضا وصرفتني عن ما انتويت. ولقد كانت النية قائمة باستمرار في الرد على كلماتك الرقيقة، منذ أن قرأتها. أشكرك على ما تفضلت به في حقي وحق زملائي ممن زاملونا في ذلك الزمان الرائق. كثيرون يقولون مثل ما قلت به عن تلك الدفعات من طلاب كلية الفنون. أيضا أحب أن اقول لك أن الأستاذ محمود محمد طه كان شديد الإعجاب بطلاب كلية الفنون. وكان يقول لنا ((طلاب كلية الفنون بالحيل عجيبين)). وقد كان يسألنا عن ما ندرس وعن الكيفية التي ندرس بها. وأذكر أننا كنا في السنة الثانية، وهي أولى سنوات التخصص وكان أن سألني في ذلك العام عن الكيفية التي يتم امتحاننا بها. قلت له يطلبون منا في بداية العام عددا من اللوحات: ثلاث لوحات طبيعة صامتة، وثلاث بورتريهات، وثلاث مناظر طبيعية landscapes، وملف رسم portfolio، نقدم كل هذه الأشياء للتقييم عند نهاية العام. فقال لي: هذا أفضل أنواع التعليم. وعلق قائلا إن نظام الإمتحانات التي يؤديها الدارس عند نهاية دراسته نظام عقيم. وزاد على ذلك قائلا: كان حكماء الصينيين القدامي حين يودون اجازة أحد التلاميذ يجلسونه في حجرة ويقولون له: أكتب كل ما تعرف!! كان الأستاذ محمود مغرما بالحرية وكان يرى في نظام التعليم في كلية الفنون مقارنة بغيره نظاما أفضل فهو يتيح حرية كبيرة للمتعلم ليعلم نفسه بنفسه ولينشء علاقة شخصية بالتعلم وخلق دافعية للتعلم نابعة من الذات وليست مفروضة من الخارج. وعموما هذا حديث "شرحه في الكتاب مما يطول" كما قال السهروردي المقتول.

قال السهروردي المقتول:

فنزلنا على منازلٍ قومٍ، صرعتهم قبل المذاقِ الشَّمُولُ
ولكلٍ رأيت منهم مقاماً، شرحه في الكتاب مما يطولُ

حديثك عن ضوروة رصد سيرة الأستاذ محمود محمد طه حديث في محله ووقته تماما. والكتابة عن سيرة الأستاذ محمود محمد طه مسؤولية جسيمة تقع على رقاب من عايشوه، وأنا واحد من أولئك الذين عايشوه. وهذا ألأمر ظل يؤرقني لفترة طويلة، ويبدو أن الوقت قد أزف، ولابد من عمل شيء في هذه الوجهة، وإن قل، وإن جاء أقل مما يطمح المرء فيه.

لاتزال هناك بقية في قصة رحلات الماء في كلية الفنون، أرجو أن أتمكن من كتابته قريبا، كما أرجو أن تجد فيه ما تهفو إليه نفسك.

وقبل أن أزايل مقامي هذا اثبت مائية رسمتها لمطعمي الأثير بمدينة سبوكان في ولاية واشنطن. واللوحة احتفال بتأثيرات الضوء، ومحاولة لتجميد حالة انفعال بذلك الأصيل. فقد ذهبنا بعيدا عن شؤون الماء وكان لابد من استراحة مائية.



صورة
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.
صورة
رحلة كلية الفنون لجبل مرة



صورة
رحلة سواكن

.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رحلات الماء

مشاركة بواسطة حسن موسى »

يا أهل الماء
سلام
يا النور
نبشت اضابيري فعثرت على تصاوير فتوغرافية قديمة بكاميرا الصديق الفنان عبدالله عابدين ( أين عبد الله عابدين اليوم؟) في منتصف السبعينات.الصورة الفوق منظر من رحلة جبل مرة ( قلول 1974 غالبا) و التانية من رحلة سواكن عام 1972 (ضريح الشريفة الميرغنية او جامع تاج السر ، لا أذكر).منظر قلول تم تنفيذه على ورق "كارتريدج" ثقيل و مشهد سواكن على ورق " وطمان". لا أدري اين توجد أصول هذه المائيات اليوم، و أظن ان بعض الصحاب، في البلد الحار الجاف ، يستعين بها على كفاح الغبار فهنيئا.
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

حسن موسى!!
أمانة ما جبت خبر!!
تصور! كنت سوف أسألك أن تنزل صورة جبل مرة التي أنزلتها عاليه، وذلك بعد أن أنزل المداخلة التي أعدها عن الجزء الثاني من رحلة جبل مرة. وها أنت تنزلها قبل أن أسألك وهذه "كرامة" بمصطلح أهل التصوف!! وفي مضمار تفكيري في طلب انزال تلك اللوحة كان الغالب في ظني أن تلك اللوحة لن تكون بحوزتك بأي شكل من الأشكال، بعد كل هذه السنون.
لقد ظلت تلك الصورة منطبعة في ذاكرتي ولم أنس تفاصيلها أبدا. ويخيل لي أن التصوير جعلها مصفرة بعض الشيء. فقد كان فيها قدرا أكبر من الخضرة فيما أذكر.

المهم يا زول سعدت بتلك الصورة سعادة كبيرة.

الصورة الأخرى من سواكن رسمناها معا وفي وقت واحد ذات أصيل بديع. وهي لقبة ومسجد السيد تاج السر الميرغني في سواكن. ولقد كانت أخر مرة رأيت فيها صورتي تلك التي رسمتها معك، حين كانت معلقة في منزل شقيقي مضوي وهي في برواز أنيق في بيته بمدينة جدة في السعودية في عام 1985. ولا أدري أين ذهبت من هناك!

أما عبد الله عابدين فعهدي به ربما يكون مثل عهدك به. فأنا لم أره منذ السبعينات حين كان يعمل في "سوداناو"
مائيتك من جبل مرة أنعشت ذاكرتي ولسوف أعود قريبا بشيء عن سحر جبل مرة وسحر تلك التجربة الفريدة
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

سلام أهل الماء

شكرا لكم فقد أمتعتمونا وأفدتمونا ولولاكم لظللنا ضائعين. إنتو تاريكم مولودين جوّة الموية ؟! الحق إني ألتفت للماء فقط بعد افتتاح هذا البوست. لم أتعلم السباحة بعد ولعلي لن أتعلمها أبداَ ولكن الدرس كان مهما جدا. بدا لي أن القصة كلها (في ابتسار شديد) تكمن في أن معادلة الوصول لنتائج جيدة في مجال التلوين عموما تكمن في صراع ومجابدة بين واحدٍ من جهة وثلاثة من الجهة الأخرى: الذي يحاول الإبداع في مواجهة الأسطح والخامات وأدوات استخدامها. يعني ما لم يمتلك التقنية لا يمكن له أن يبدع ولو أودعت فيه الطبيعة موهبة كبيرة ووجهته البيئة والذائقة لهذا المعترك. إن التشكيل لمركب عسر ويحتاج لهمة عالية (وحرة قلب).
شكرا عبدالقادر حسن
شكرا النور حمد
شكرا خلف الله عبود
شكرا (مٌدَبّلا) حسن موسى وبقية المتداخلات والمتداخلين.
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أهل الماء

مشاركة بواسطة حسن موسى »

عبد الماجد
سلام جاك
شكرا لك على إنتباهك النقدي المضيئ. و أنا ما زلت" ألكلك" في تركيب الكلام عند مقام التداخل بين الكتابة و الرسم بصدد ملاحظاتك الأولى في خصوص مائيات أخونا عبد القادر. شفت مائياتك في البوست التاني بتاع الكمبيوتر
و يا حبذا لو نقلتها لنا هنا حيث المقام يناسبها اكثر.و اعتذر عن تسويفي الجائر لكني مزنوق هذه الأيام في أكثر من شأن أجارك الله.
النور
سلام و كلام كتير مؤجل..
فعلا مائية منظر " قلول" ادركها الإصفرار ربما بفعل الزمن فالصورة الفتوغرافية مستنسخة عن شريحة شفافة عمرها يتجاوز الثلاثين( ياخي خليك من مائية قلول التي هي ماء و لون على الورق، شوف قلول ذاتها و أهلها الأماجد بقوا في تولا بفضل نظام إنقاذ البشيرة أم حمد ).لكن إنمساخ التصاوير في مستنسخات التكنولوجيا باب واسع للريح لا بد اننا سنفتح مصاريعه في مقام مستقل على هدي مولانا والتر بنيامين كرم الله وجهه.
أضف رد جديد