خلافات الإخوان في السودان ...إلى أين تنتهي؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

[B]بارجة الأسطول والزوارق الملحقة

محمد احمد عثمان

وكانت نهاية حقبة الراحل «الرشيد الطاهر بكر» القيادية للإخوان المسلمين بعد انحرافها وجنوحها نحو العمل الإنقلابي العسكري المسلح دون إذن التنظيم وعلمه والتي تماثلت مع الحلقة المفرغة لسلسلة الإنقلابات المتتالية لعبد الرحيم شنان وكبيدة ومحيي الدين أحمد عبد الله وعلي حامد وآخرين، ضد نظام الفريق عبود إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العمل السياسي والدعوي والفكري للحركة الإسلامية، تجّلت بالفعل بعد أحداث ثورة أكتوبر 1964م. وبعد أفول نجم الراحل (الرشيد الطاهر بكر) بأخطاء تنظيمية وإدانة وحكم قضائي بالسجن لمشاركته في إنقلاب عسكري ضد نظام (عبود) قبل أن يصبح في مرحلة لاحقة رئيساً لمجلس وزراء النظام المايوي العسكري الجُنتوي، برزت إلى سطح الأحداث في (ثورة أكتوبر) شخصية الدكتور حسن الترابي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والقادم آنذاك من (فرانكفونية السربون). وكان للمثقفين والأكاديميين ومنهم (الترابي) وجبهة الهيئات ونقابة المحامين والطلاب بقيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والجماهير، دور كبير في تأجيج (ثورة أكتوبر) وانجاحها. ولتمتع الترابي بروح الكاريزما وفصاحة وجاذبية الخطاب السياسي وجرأته في المطالبة برجوع الجيش إلى ثكناته، ورغم عدم شهرته آنذاك حيث ظنه العديد من المثقفين ماركسياً تمكن من إحراز أعلى الأصوات في انتخابات دوائر الخريجين والتي كانت في جملتها حصاداً للشيوعيين بأسباب دورهم النافذ في جبهة الهيئات ونقابة المحامين.
وربما يُعزى فشل الخطاب النُخبوي للإخوان المسلمين وجبهة الميثاق الإسلامي خلال الفترة (1964م- 1968م) لاختراق سيكلوجية الجماهير على مستوى المدن الكبرى والأقاليم بأسباب قصر المدة حيث أن الوقت كان باكراً أمام اكتشاف ومعرفة الإسلاميين، وبأسباب عدم قدرة نخبة الإسلاميين في استخدام أدوات الثقافة الشعبية popular culture لاستمالة الجماهير. ورغم نجاح وتمدد جبهة الانتشار الإسلامي القومي والتي تمثّلت في نتائج انتخابات عام 1986م بعد استكانة دامت لمدة سبع سنوات خلال الفترة (1969-1976م) منذ الإنقلاب المايوي حتى المصالحة الوطنية (تميزت بالعمل السري الدفين واتسمت بشتات الإسلاميين)، باستثناء انتفاضة ثورة شعبان في 1973م. ومن ثم بزوغ فجر «الجبهة الوطنية« خلال الفترة (1974-1976م) للإطاحة بالنظام المايوي عن طريق الغزو من الحدود الليبية. وأفرزت نتائج فشل الغزو من الحدود الليبية فيما اصطلح عليه «بأحداث المرتزقة» العديد من الشكوك حول نوايا الأحزاب التقليدية الطائفية العائلية بأسباب خيانة العهود والإخلال بمواثيق «الجبهة الوطنية» والمواقف الخيانية لتصفية الشركاء الإسلاميين بعد نجاح الإطاحة بالنظام المايوي. ولهذه الأسباب تميزت الفترة (1976-1985م) بالتحالف بين «الحركة الإسلامية» والنظام المايوي بنسخته الإسلامية. وتمكن الإسلاميون خلال هذه السنوات التسع من تجميع شتاتهم لمجابهة مستقبل ما بعد سقوط النظام المايوي والذي حدث بالفعل في انقلاب المشير عبد الرحمن سوار الذهب والتي أطلق عليه مجازاً انتفاضة ابريل 1985م. وتميّزت أيضاً الفترة الممتدة بين (1976-1985م) بتنامي (العزلة الشعورية) وفق الثقافة الفقهية لسيد قطب التي أنتجت في العقل الباطني للحركة الإسلامية عدم القدرة على التعايش والتواؤم مع أحزاب العائلات التقليدية (الأمة والاتحادي) والتي لا تزال راسخة ومستمرة حتى يومنا هذا ومنذ أن أفرزت نتائج انتخابات عام 1986م طامة الأحزاب الطائفية. وربما عكس الصراع بدائرة الصحافة (27أ) بمستهل الديمقراطية الثالثة flash - back إعادة إنتاج الماضي بخسارة الترابي بدائرة المسيد عام 1968م بالديمقراطية الثانية بأسباب زحف (الجبهة الإسلامية) النهم نحو مناطق نفوذ حزب الأمة التقليدي والميراثي والتاريخي بدارفور الكبري. بالإضافة إلى الولاية الشمالية التي شهدت ميلاد الإمام المهدي عليه السلام بجزيرة الأشراف (بلبب) قبل هجرته الظافرة إلى (أبا) وجبل (ماسا) وقدير عندما كان الفاتح محمد علي وأحمد علي الإمام وحسن ساتي يجرون بروفة إقصاء شخوص ماضي الولاية الانصاري المتمثّل في سيف الدين الزبير الملك وأمين التوم ومحمد السيد عثمان آخر مديري شركة (ميتشيل كوتس) الإنجليزية التي تغيّر اسمها في مرحلة لاحقة إلى (كوبتريد). ولعله ولأسباب هذا النزاع حول مناطق النفوذ فمن المستحيل ان يتم وفاق (في أي مرحلة من مراحل التاريخ) بين (الصادق المهدي) و(الترابي) حتى نرى الغول والعنقاء أو يدخل الجمل في سم الخياط.
ولعجز (الترابي) عن الفوز في الدوائر الجغرافية لانتخابات الديمقراطيات (الأولى والثانية) في 1968م و1986م واحتفائه بفوزه في انتخابات الثقافة العليا للمجتمع high culture بدوائر الخريجين عام 1965م انعكست عقدة النخبة والصفوة (كعقدة أوديب) في كتبه ورسائله وإصداراته من (الإيمان أثره في حياة الإنسان) والذي كتبه في النصف الاول من عقده الخامس عندما كان في أسر النظام المايوي حتى (الاسلام والحكم) وأجزاء من (التفسير التوحيدي) وقد كتبهما بعد الستين والسبعين من عمره -فهي كتب موجهة بلغتها الصارمة وجملها وعباراتها المعقدة واسلوبها اللغوي الانتقائي بمفردات المعلقات العشر ولهجة أبي حزام العُكلي- لصفوة الصفوة وعصارة النخبة. وهذا مما عابه البعض من معاصري الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر في اعتماده الكثيف على حدة اللغة وغريب العبارة واليبوسة اللفظية والالتواء على طريقة رسائل ابي العلاء طبعة دار الشروق 1/25: (إذا مَرَّ بالرتبٍ جعله غضارة) ويعني بذلك (إذا تجاوز الصخور المتقاربة جعلها طيناً يصنع منه الخزف).
ولعل القارئ لرسائل الإمام الشهيد حسن البنا من (دعوتنا) حتى (المؤتمر الخامس) لا يجابه وحشية اللفظ والعبارة ونمطية صناعة الجمل المعقّدة على غرار رسائل عبد الحميد الكاتب وأبن المقفع، ولكنه يستصحب جزالة العبارة ويسرها وإيجازها. وكذلك يجد القارئ لكتب الإمام الراحل أبي زهرة وطيب الذكر الشيخ محمد الغزالي والأديب الأريب الشهيد سيد قطب دلالات لغة والفاظ العصر في العبارة والصورة والمعنى والتسلسل والنظم. وبالطبع فإن لكل عصر أسلوبه الفقهي والأدبي بعروضه وإنشائه أو قل نثره وشعره ومقاماته وله ايضاً طرائقه في تدوين العقائد والفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديث، والسِيّر والجرح والتعديل والمغازي والخطب والرسائل... إلخ. ولهذا لم تكن اللغة المعقّدة التي استخدمها شعراء المعلقات في العصر الجاهلي تشبه حتى لغة المخّضرمين الذين نظموا أشعاراً في العصر الإسلامي ناهيك عن شعراء الدولة الأُموية مثل جرير والأخطل والفرزدق حتى شعراء الدولة العباسية والعصور التي تلت وصولاً إلى احمد شوقي وأبي القاسم الشابي والتجاني يوسف بشير والبارودي وابي ماضي والسياب حتى نازك الملائكة ومحمود درويش والفيتوري. وربما أطلق على هذه العصور المتتالية وبالأخص منذ أواخر العصر العباسي الأول تجاوزاً عصور انحطاط اللغة، حيث ضعفت لغة الخطاب الفقهي بضروبه المختلفة والخطاب الأدبي بشعره ونثره. ولم يكن ذلك صحيحاً حيث برز نموذج شعر أبي الطيب المتنبي في أواخر العصر العباسي الأول ونموذج (رسائل أبي العلاء المعري الانشائي الاعجازي بعد عدة عقود). والصحيح أن معظم العلماء والفقهاء والأدباء تواضعوا لمستوى عصورهم الإدراكي اللغوي بدوافع اسقاط الأدب والفقه والعلوم كي يستوعبها عامة الناس لا خواصهم. ولم يكن فقهاء وعلماء وأدباء الأمة يوجهون فقههم وعلومهم وآدابهم لأندادهم وللخواص والصفوة والنخبة بقدر ما كانوا يقدمون خطابهم وعصارة فكرهم للمجتمع بكافة أطيافه الثقافية وقدراته الذهنية. ولهذا كان المجتمع وانسانه هو المستهدف في نظر الغالب الأعم من أولئك العلماء والفقهاء والأدباء بالإضافة إلى المتلقين من طوائف طلاب العلم وتلاميذه. وانتقد الكثيرون كتب (الشيخ) لعدم استدلالها بالمراجع رغم بعض الإشارات الرمزية لأن العلوم كلها تبدأ من حيث انتهى الآخرون. وكان علماء الأمة يستدلون بالثمار والمجاهدات الفقهية والعلمية التي استنبطها من سبقوهم وذلك بأسباب الأمانة العلمية من جهة وبأسباب ربط تطوّر الحركة الفكرية بعصورها المتعددة داخل مسار واحد متصل يمتد أفقياً بين الأزمنة منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا. ولا تعكس على سبيل المثال الحالة الانعزالية الفردية لحدة الصراع الفلسفي بين الإمام الغزالي وابن رشد حول تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت سوى جدلية النزاع الفكري بين ثقافة أرسطو الغازية والثقافة الصوفية المحافظة. وهكذا كانت الديانات الإبراهيمية من اليهودية إلى المسيحية حتى الإسلام تتطوّر وترتقي منذ في (البدء كانت الكلمة) حتى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). ولم يتجاهل (القرآن) نظرية الترابط الزمني بين الأديان والعقائد الإبراهيمية، عندما يكلمنا عن المسيح والعذراء وزكريا ويحيى المعمدان وموسى وهارون وقارون والالواح والعجل والتيه وسيناء وجبل الطور وأصحاب الأخدود وأهل الكهف وأكذوبة عزيز ابن الله... إلخ.
ويعكس تعمد عدم الاستدلال بنمطية لغة العصر عند بعض (الشيوخ) مثل (الترابي) عدم التمييز بين (القارئ الضمني) implied reader (القادر على مزج أفق كسب ثقافة الماضي مع أفق كسب ثقافة الحاضر لاستخلاص الفُضالة residue الناتجة عن تفكيك النصوص لتفسيرها وربطها ودمجها). «والقارئ المُلِم» informed reader (صاحب التجربة الذاتية في القراءة والاطلاع والقادر على تمييز النصوص وتصديرها وفهمها وملء فراغها ونقدها). ولهذا لا ينبغي لنصوص العلماء وأساليبهم في النقل بلا استدلال أن تكون مثل الرسائل المشفَّرة المنمّقة بروح التشفّي والانتصار اللغوى بثقافة ابي الطيب المتنبي «أنام ملئ جفوني عن شواردها ٭ ويسهر الخلق جراها ويختصم». وهذا ما فطن اليه «رولاند بارت» في كتابه (نظرية النص) ص44: (إن النص ليس خطاً من الكلمات التي تقدم معنىً لاهوتياً مفرداً غير قابل للنقد. ولكنه -أي النص- فراغ متعدد الأبعاد تمتزج وتصطرع في داخله صيغ متنوعة من ثقافات الماضي) «والمكان الوحيد عند رولان بارت والذي تترّكز في داخله التعددية الثقافية هو القارئ وليس المؤلف». إنتهى. وفي تقديري هو (القارئ الملم) بمستوى وحدة النص بين نقطة الاقلاع take off منذ (هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) ونقطة الهبوط landing في زمن نهاية الكون عند النفخ في الصور. ولا يؤمن الترابي بثقافته الاستعلائية النافية للآخر سوى أنه هو بارجة الأسطول.. أما الآخرون فليسوا سوى زوارق ملحقة ولا يؤمن بفقه «التناص» ولكنه يؤمن فقط بلاهوتية «النص» الفردي المطلق في الفقه والسياسة والقانون والإدارة والتنظيم organization. ولا يعكس هذا بالطبع سوى صدق دلالات فقه المتنبي: (وإذا الشيخ قال أُفٍ فما ملّ/ حياةً وإنما الضعف ملاّ).
الصحافة
10/3/2008
[/b]
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

رسالة مفتوحة الي الدكتور نافع علي نافع من المحبوب عبد السلام

4/17/2005 4:59 م
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة الي الدكتور نافع علي نافع
و قماشة الأيام من خيطان غزلك و هيَّ ضافيةٌ عليك
المحبوب عبد السلام
لندن – أبريل 2005م

للمرة الثانية خلال عقد واحدٍ يجد السودان المغلوب نفسه في مواجهة الشرعية الدولية الباطشة و لأسباب متشابهة و من ذات الأيدي الممسكة بمقاليد الحكم و السلطان و الأمن و الاقتصاد و الماء و الهواء منذ يونيو 1989.
المرة الأولى كانت في يونيو 1995 فيما عرف بالمحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أديس أبابا و هو في طريقه من المطار الى قاعة مؤتمر القمة الإفريقية، حيث انتهت اصابع الإتهام كافة الى أجهزة الاعلام السودانية التي آوت و موّلت و رحّلت المجموعة المصرية المنتمية لتنظيم الجهاد و التي نفذت و فشلت.
الرئيس المصري ما لبث لدى عودته بلاده بعد سويعات نجاته فيما يشبه المعجزة أن صرح باتهامه للسودان، تعينه الظروف كافة و حوله: علاقات متوترة بين البلدين و اطنان من المعلومات تمده بها أجهزته عن تورط أجهزة الأمن السودانية في علاقات بلا حدود مع الجماعة الإسلامية المصرية الموسومة بالارهاب.
أثيوبيا سلكت طريق (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا ...) ظلت لاسبوع لا تقول شيئاً و لا تتهم أحداً، و أصدرت بياناً عشية وصول فريق مشترك من المخابرات الداخلية و المخابرات الخارجية الامريكية إلى عاصمتها أنها لم تتوفر بعد على أي أدلة كافية لاتهام السودان. فرحنا ساعتئنذٍ، بل أن الخرطوم كلها قرعت الطبول للبراءة الاثيوبية، فالحبشة ما تزال كما وصفها الرسول صلى الله عليه و سلم- أرض صدق لا يظلم عند مليكها أحد و لكن الفرحة الجاهلة لم تعمر سوى بضع أسابيع و توفرت أثيوبيا على الشواهد الدامغة. خرج علينا رئيس الوزراء الاثيوبي بكلمات كأنها من مآسي شكسبير ( إن محاولة إغتيال الرئيس المصري على أرضنا إغتصاب في رابعة النهار)، وجه المأساة أن رئيس الوزراء الأثيوبي شاكلة أخرى من الرجال يرعى العهد و يمنعه وفأءه أن ينسى تاريخاً قريباً سلخ فيها سنوات من عمره في السودان و أنه دخل عاصمته فاتحاً على ظهر دبابته. لكن من الذي تردى بالعلاقات السودانية الأثيوبية و السودانية الارترية و بلغ بها كل ذلك الوحل ؟!
في الخرطوم تزلزلت الأرض شيئاً ما و بدأت ملامح الانشقاق في الصف الانقاذي الاسلامي بارزة لأول مرة. تعطلت اجتماعات القيادة نحو شهر و اعتكف كل في بيته في أعقاب الاجتماع الشهير الذي اعترف فيه علي عثمان وزير الخارجية - يومذاك- لأول مرة امام أكثر بضع و عشرة من أعضاء الصف الأول باشتراكهم في الحادث. يعني نفسه و مجموعة جهاز الأمن في تغييب محكم لزعيم الحركة و رئيس الجمهورية، و أعقب إعترافه باقتراح شنيع زعم أنه يملك كل مبرراته السياسية و الشرعية. تغييب القيادة و الحركة ساعة الائتمار و التآمر و القرار ثم استدعائها و حشدها ساعة الانفاذ و الفشل و المأزق منهج علي عثماني راسخو مزاجٌ أمني غالب ، فالإجتماع أساساً كان من أجل ذلك المقترح الذي لم يقوّ على المضي به وحدهم. الرئيس في آخر الأمر( outsider) كما يقول الأنجليز أو (لا منتمي) بلغة كولن ويلسون و (غريب) بلغة آلبيرت كامو و يسهل توظيف، انتحى به مناجياً علي عثمان - كما يفعل دائماً – و جنده بسهولة لإقتراحه، و اجتاحتهما معاً سيول الغضبة المشيخية المضرية ساعة المساس بحدود الله أو مقاربتها الحرام، المناجاة بالإثم و العدوان حمل عليها القرآن حملة شعواء لولا أنه على قلوبٍ أقفالها و الغريب أن منهم من أدعى أنه تأمل في في سورة محمد خاصة. و الى هذا الاجتماع تحديداً تعزى أصول الإنشقاق في الحركة الإسلامية السودانية التي بلورتها فيما بعد معركة الحريات العامة و اللامركزية أو قضية الدستور و التوالي، ثم أكملت حلقتها الاخيرة مذكرة العشرة في أكتوبر 1998.

أما المجموعة الأمنية بقيادة الدكتور نافع علي نافع فقد تجلى فيها المثل الأمدرماني البليغ (ملك الموت و قد زاره فجأة الموت). الدكتور المدير العام لم يعد نافعا لأيما اعباء ينتظر أقداره و معه حكومة الحركة الاسلامية بل و السودان كله تسونامي العقوبات الاول بتعبير قطبي المهدي – سبقه تسونامي التنقلات : الطبيب مطرف صديق مدير العمليات الخاصة إلى سفارة السودان بنيجيريا ، نائبه المهندس صلاح عبدالله قوش الى التصنيع الحربي، المهندس حسب الله عمر مدير المخابرات المضادة الى السفارة السودان بباريس ، نصرالدين محمد أحمد مدير معهد التدريب الى سفارة السودان بالقاهرة، كمال عبد اللطيف مدير ادارة الولايات الى سفارة السودان بنيروبي.
السودان كأنه استراح من شر عظيم و جهاز الأمن يتهيأ لمرحلة جديدة بعد سنوات بيوت الأشباح، و الحركة الاسلامية السودانية قد تقف لحظة لتتأمل في أمر تلك الجماعة. الحركة الاسلامية السودانية من سماتها المدهشة التأدب الشديد مع كل من يوضع فوق رأسها و من بينهم جماعة (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغه). صحيح في السياسة البسيط إن اقالة الدكتور نافع علي نافع و مجموعته يعني اعتراف ضمني بارتكاب الجرم، و لا يشبه اقالة الرئيس السوري لمدير استخباراته بعد اغتيال الحريري، و لكن ساعة الحقيقة كانت أكبر فمغزى قرار الرئيس يشار الى أن مدير أمنه و كأنه قد تقاصر عن مسؤليته في حماية الحريري، و قرار القيادة السودانية يومها كان يقول أن السيل قد بلغ الزبى ، لولا أن الشيطان لا تعتريه فترة أو رهق.. و كذلك الدكتور نافع.
كانت الانقاذ يومها لا تزال تغشاها نفحات من عبير فتوتها و عنفوانها فامتصت الصدمة، بل و تجاوزت الهجوم بهجوم مضاد و بدا المنطق المصري و الاثيوبي شديد الضعف أمام إعلامها الذي ترفده الآلاف الأصوات و ملايين القلوب علىامتداد ساحة العالم الاسلامي، فهم يدافعون عن مثال الاسلام الذي شخص على الأرض بعد قرون و عن أعز أحلامهم. كما وجدت مجموعة الدكتور نافع من يعطف عليها و يتعاطف معها فهم في رأي الكثيرين يومها يشملهم أجر من أجتهد و أخطأ، و انهم فوق ذلك كمن شرى نفسه ابتغاء مرضات الله، و غفرت الجماعة أو غفلت أن مقتل المستكبرين دائماً في حظوظ نفوسهم و أنهم غادروا الميدان يطون كشحاً على مستكنةٍ، لم تلبث أن عصفت بالحلم الاسلامي التاريخي و ادخلت الحركة في الفتنة الهوجاء التي امتدت السنتنا و استدارت عليهم. ارتاح الدكتور نافعفي بيته الحكومي و اختار كتاب ابن كثير تفسير القرآن ليجتاز به عزلته المفاجأة و بدى لأول مرة في التاريخ السودان الرجل المناسب في المكان المناسب، لو استطاع معه صبرا.
و من بين الملايين التي بذلت خطاها و عرقها و دمائها و صلواتها و دعائها لتشديد صرح الحركة الاسلامية، هنالك ثلة تعتقد أن لها حق خاص في هذا الميراث و انها خلقت من رأس الإله و بينما خلق الآخرون من صدره و قدميه، و من أكثر الذين تتلبسهم مثل هذه الأوهام و تستغرقهم بالكامل هواة الاستخبار و المعلومة. من لدن "مترنخ" و حتى الدكتور نافع، دون أي ميزة واضحة من علمٍ أو أخلاق، أما اذا تناسخت شياطين الوهم مع شياطين الدولة فقد حدث الكمال.
فقبل ان تشتغل حرائق دارفور، و التي عبرت ابشع تعبير عما تنطوي عليه نفوسهم من افكار خاطئة، قام فصيل الدكتور رياك مشار المتحالف وقتها مع حكومة الانقاذ بمبادرة فريدة لاصلاح الحال بين قبائل التماس في الجنوب و الشمال تحديدا (الرزيقات، المسيرية و الدينكا) لأنه استشعر بوادر انفراط الحال في ظل استمرار الحرب و استخراج البترول و بين يدي بشائر السلام. قام للمبادرة الدكتور كستيلو قرنق، نجل أحد أكبر سلاطين الدينكا في منطقة أويل هو السلطان رينق وصهرٌ لآخر لا يقل عنه هو السلطان عبدالباقي أكول. و لأن والده كان عضواً يشار اليه بالبنان في حزب الامة و له وشائج تليدة مع تلك القبائل العربية على تخوم الجنوب، جاء اختياره انسب ما يكون سوى أن البلاد كانت قد خلصت للدكتور نافع و جماعته في مفارقة قلبت المعادلة الى مظالمة الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.. نافع في مستشاراً للسلام. كان الاعتراض الأول أن الدكتور كستيلو إستعان بمنظمة الدعوة الاسلامية، و المنظمة يقوم عليها الدكتور الأمين محمد عثمان، والدكتور الأمين مدهوم بأنه شعبي. قال الدكتور كستيلو للدكتور نافع: (أنا جئت من ألمانيا و لو جاءت معي منظمات أوروبا الانسانية و الكنسية لقلتم ان الجنوبيين يحبون النصارى و الخواجات، و اذا جئنا بمنظمة الدعوة الاسلامية تقولون شعبي). الاعتراض الثاني ان كوستيلو اذا ذهب الى العرب فسيقتلونه، إختار الدكتور كستيلو رداً عملياً على الدكتور نافع هذه المرة، أخذ سيارات منظمة الدعوة الاسلامية و اتصل بنافع عبر هاتف الثريا و اخبره أنه الآن في منطقة الميرم و قد استقبله اصدقاء أبيه القدامى خير استقبال و أن العرب جميعاً يرحبون بمؤتمر الصلح.
جاءت نصيحة الكتور جليـة : (يا كـستـيـلو عــد الى الخرطوم و سافر فوراً الى بلادك المانيا). و عندما جاء كستيلو الى الخرطوم و اخبر الدكتور نافع عن الأوضاع لا تبشر بخير و أن المسيرية سيتمردون اذا شقتهم خطوط النفط دون أن تنتبه أو ترعى حاجاتهم. لم يزد قلب الدكتور الآمن دقه و هو يقول: (يا كستيلو هل تظن ان الدولة بسكويت؟ اذا تمرد المسيرية فسنلحقهم بحبوباتهم!) إلتفت الدكتور كستيلو الى ابن اخته في جواره كمن لا يفهم، فقد طال العهد بينه و بين خواص عاميتنا، لكن الاشارة جاءت لتؤكد بأن الدكتور يعني جز الرؤوس.
حالة كستيلو أشبه بحالة تيتو عندما قال له خرتشوف لماذا لا تبتلع الجمهوريات من حولك و عندما علت الدهشة وجه تيتو أشار خرتشوف بيده الى أغوار حلقه و هو يردد: (swallow, swallow ) نافع هو خرتشوفونا، لكنه جاء بعد حمل طالت مدته و وُلِد في غير زمانه، خورتشوفونا ملك متوج على حطام مملكة، و قائدٌ بغير معركةً.
جمع الدكتور كستيلو أوراقه و خرج و لم يعد، و تبعه كثيرون لم يعودوا (تعبان دينق، رياك مشار، د. لام أكول و آخرون) .. و ذات الذين ورطوا السودان مع الخارج أفسدوه من الداخل. قال الدكتور كستيلو للشيخ حسن الترابي أنه كان يريد مؤتمر الصلح شعبياً و لكن الجماعة رفضوا مجرد الاتصال به و بزعماء الأحزاب، و خشوا أن يذهب الفضل الى آخرين بدلاً عن مستشارية السلام. ضحك الشيخ الترابي و قال: ( هؤلاء لا يعرفون الشعب بل لا يعرفون حتى جيرانهم في بيوتهم ).. يا دكتور نافع ما أقصر الرحلة، ما أطول الثورة.. ما أعظم الفكرة ما أصغر الدولة.
كانت الارض قد سلمت لنافع و جماعته بعد هزيمتين صاعقتين و ثالثة... و لكن الشيطان لا يفتر. الجماعة الامنية لها مرشد روحي لا يفتأ يذكرها كان ينبغي أن يذهب معها و لكن الحركة الطيبية وفقاً لنزار قباني- اختارت لي منصبا أرفعاً نائباً أولاً لرئيس الجمهورية في اعقاب استشهاد الزبير محمد صالح.
النائب الأول على استحياء قليل وضع الدكتور نافع علي نافع فيما يشتبه أنه تخصصه وزيراً للزراعة.. و لكم ان تسألوا عن مشروع الجزيرة و المناقل و مشاريع النيل الأبيض و الأزرق و صادرات السودان الزراعية في عهد الدكتور الزراعي المختص، و لكن تلك قصة أخرى..
كانت كلمة الدستور بغيضة للجماعة الأمنية السياسية، فهُم (دكاترة بلا حدود) إلا حدود شهواتهم المريعة، أما أن تأتي قيود الدستور بالحريات العامة و لو توالياً سياسياً ( فعلى أجسادنا) كما يحلو للدكتور أن يقول. و لكن التوالي انتصر تحت رآية الشيخ الهمام في شمس نهار الشورى و أحترقت صيحات الدكتور، خذله يومذاك الأقربون يقدمون رِجلاً و يؤخرون أخرى و لكنهم لم يخذلوه فيما وقر في قلب من كفر بالديمقراطية. و في معركة التوالي داخل صف الحركة الاسلامية الملتزم رأينا لأول مرة الفوضى التي أشعلناها في الخارج ترتد إلينا، سُنة الله التي لن تجد لها تبديلا. و لأول مرة يستعمل الترغيب و الترهيب و المخادعة في إعمال قرارت الشورى التي لا يدخلها العضو الا بقسم غليظ في مقدمة منطقية للفجور الفاحش بالخصومة الذي وقع فيما بعد على أشقاء الأمس أعضاء المؤتمر الشعبي اليوم فيما تلى من أعوام.
قال لنا الأستاذ الكريم منير شفيق: ( جماعتكم هؤلاء في غاية العجب، كنا في منظمة التحرير الفبسطينية حول عضو في القيادة و أثبتت عليه كل ما يحدث أن يحرم من حضور الاجتماعات و يقصى من منصبه لكن لا أحد يحرمه من مرتبه أو يطرده من بيته، جماعتكم هؤلاء لمجرد اختلاف في الرأي يأخذون حتى الموبايل!!)
وذات صباح أكمل الدكتور نافع و صحبه عدتهم للإنتصار لكبريائهم الجريحة و أفكارهم الكسيحة في معركة الرد على انتصار التوالي، و ليفاجئوا مجلس شورى المؤتمر المطني بورقة من خارج أجندته. جاء الرئيس وفقاً لنصائحهم بزيه العسكري ليضفي على الجلسة أجواء الانقلاب و الرهبة و القهر يوافي عشقهم السرمدي و يباعد عن الطبيعة الشورية المدنية الشعبية لمؤسسة الشورى.
أطالت مذكرة العشرة التباكي على ضياع المؤسسية و الشورى و تحدثت عن الحركة الاسلامية و لم تذكر المؤتمر الوطني الذي اختطفت جلسته و أحصرت أجندته، و لكن الدكتور نافع ورفاقه كانوا يبكون على أيام جهاز الأمن حينما كانت الحركة الاسلامية ترفدهم بكل شئ و هم يشوهون مثلها و تاريخها، كانوا حانقين على فسحة الحرية حاقدين بوجه خاص على الشيخ الذي أنزلهم من عليائهم و ذكرهم بأنهم مثل سائر جنوده في معركة بناء مجتمع الاسلام قبل دولته. و مهما يكن الذي كتب المذكرة أو تلاها أو نظم أفكارها ممن التقت حماقته أو أحقادة باحقاد المجموعة الأمنية، فإن الدكتور نافع و ثلته كانوا على بصيرة من أمر معركتهم و انها ماضية حتى اقالة الشيخ و ابطال الحريات و اعادة المجد لجهازهم (ذو الشر).
كانت الريح تجري رخاءً بالريئس البشير داخل أجهزة الحركة الاسلامية و أروقتها، لا يكاد ينازعه أحد أو يعكر عليه صفوة أيامه حتى عرض له الدكتور نافع و جماعته كما عرّض ابليس لآدم في الجنة، عادوا من هزيمة الاخراج و هزيمة التوالي بطاقة أوفر للشر و وجدوا ضالتهم في هواجس النفس البشرية و ضعفها ثم في موافاة أجندتهم السرية لأجندة النائب الأول. قال النائب الأول لكاتب هذه السطور عشية الحريق الذي أشعلته مذكرة العشرة، و قد جاء الى الاجتماع متأخراً و تسلل منه مبكراً قبل أن تحسم المداولات في أمر المذكرة بعد أن نقلت إليه بالتفصيل ما حدث.. ( هنالك مشكلة بين الرئيس و الشيخ، نعم.. و لكن لا يمكن أن تحل بهذه الطريقة، أخبروني بأنهم سيقومون بعمل يحل المشكلة و لم أتصور أن يتم بهذه الطريقة.. سنخرج من هذه الفتنة بحزبين أو ثلاثة أو أربع إلا اذا لطف الله و صفد ت الششياطين في رمضان المقبل بعد يومين).
و بحساب السياسة البسيط - كذلك – لا تكاد تجد أي مصلحة للنائب الأول في جعل عاليها سافلها و قد عكف الرئيس و الشيخ معاً يخيطان له تاج الامارة، و مهما تكن أفكاره تتناقض جذرياً مع أفكار الشيخ فقد أثبت في مرات عديدة أنه يخلص إلى أهدافه في هدء أكثر. أما الرئيس فقد أفلحوا في بعث الفوضى في عالمه و وضعوه على حافة الجنون: (لن تكون أنت مرشح شيخ حسن للرئاسة على أية حال، سيختار محمد الأمين خليفة أو علي الحاج، الشيخ صار همه كله مع ناس الغرب... الشيخ لا يشربك و يضعك كما تفعل مع زجاجة البيبسي و لكنه يشربك و يعفصك و يلقي بك في سلة المهملات كما تفعل مع علبة البيبسي).
يستعيد الدكتور أيام دراسته في أمريكا و يذكر كاوبوياً نزقاً فعلها لأنه لا أحد يفعل ذلك بعلبة البيبسي.
ثم أدخلوا الفوضى الى عالم النائب الأول المعتزل المحصن، و دفعوه أن يقول في جلسة عادية للمجلس القيادي يريد أن ينقض في أسبوع واحد ما أثبتته في الاسبوع الماضي: (أنا من اليوم إنسان آخر لقد صمتُّ كثيراً و لكن كل سيوفى سأشرعها منذ هذه اللحظة).
و كما أدخلوا الفساد و الفوضى الى اروقة القرار الداخلي للحركة أثاروا لأول مرة نتانة العنصرية و جاهليتها، و لنعرف لأول مرة - كذلك - بعد ربع قرن قضيناه في الحركة الاسلامية أن هناك شايقية و جعليين و دناقلة و أولاد غرب و أولاد بحر... و أن هنالك من يريد جنوب بلا جنوبيين... و اختاروا للفصل الخاتم من فتنتهم مناسبة شديدة الدلالة على بؤس الأخلاق و بؤس النظر، قطع الطريق على انتخاب الوالي من شعب الولاية.. القرار الذي اتخذه المؤتمر العام.
و الذي أمَّه عشرة آلآف من كل انحاء السودان. و لهم ان يحقدوا خاصة على مؤتمر اكتوبر 1999 لأنه أفصح لهم عن أوزانهم داخل الحركة حينها أقصى كل جماعة مذكرة العشرة عن مجرد عضوية مجلس الشورى الذي يضم أكثر من ستمائة عضو. و عندما كانوا غارقين في مؤامرات الخرطوم (كان الشيخ يحاصرهم بالولايات كما فعل الإمام المهدي) بتعبير أحد الأساتذة الأجلاء. واقع الأمر أن الشيخ استفرغ وسعه في ترسيح الطبيعة الشعبية للحزب الحاكم و هم كما قال لا يؤمنون أصلاً بالشعبية، اما الذي اذاقهم مرارة الاقصاء فهم ثلة من أنصاره أدارت عليهم مكرهم و أعملوه فيهم بعد أن كان المكر و التآمر منكراً و حراماً في داخل أروقة الحركة الاسلامية، و المكر السئ يحيق بأهله على أية حال.
وفي فاتحة أعمال ذلك المؤتمر العام تحديدا عبرت الحركة الاسلامية أو حزبها المؤتمر الوطني لحظات شديدة الأثربالغة العاطفة، إذ استشرى نبأ الخلاف و تسرب الى صحف الخرطوم و حتى الى صحف العالم، أن الشيخ و الرئيس لا يلتقيان منذ وقت طويل. و ذلكم كان واقع الحال بالفعل فقد رفضت بعض القيادات و منهم الدكتورعوض الجاز و الأستاذ ياسين عمر الامام أن يتم اللقاء على ملأ مما عرف يزمها بالقيادة الوسيطة (المجموعة الممسكة فعلا بدولاب العمل اليومي). و استعصم الشيخ يرفض أي لقاء آخر. و أخيراً تمكن كاتب هذه السطور بالذات أن يجمع الصف القيادي بما فيهم الرئيس قبل منتصف ليلة المؤتمر بقلي لفي الصالون الملحق بغرفة الشيخ الترابي الخاصة، و بمساعدة سخية من د.علي الحاج محمد و الأستاذ علي عثمان محمد طه، و قد اتسم اللقاء بكثير من المشاعر الفياضة بعد أكثر من عام على التجافي و الخلاف. و قد انتقلت تلك المشاعر الى جلسة الافتتاح صباح المؤتمر حيث أكد كلاهما أن الذي ينتظر الخلاف و الشقاق سيخيب رجائه. و تجاوب العدد الكبير من المؤتمرين بحناجر باكية و عيون دامعة سوى رجل واحد.. الدكتور نافع أقسم على الملأ أن أي خروج عن سياق خطتهم لن يكون و قد أخذته المفاجأة، فهو لحسن الحظ لمن يشهد اجتماع منتصف الليل.
الدكتور نافع من حسناته التي لا فضل له فيها أنه لا يكاد يكتم مشاعره: و كما في تصريحاته الأخيرة بعد قرارات مجلس الأمن أنه سيرد الكأس كأسين الى أمريكا و بريطانيا و فرنسا و مجلس الامن ( يقصد الصاع صاعين) : ( أنت يا مستر مصطفى سعيد رغم المجهود الذي بذل في تثقيفك تبدو و كأنك تخرج من الغابة لإول مرة). استطاع مصطفى سعيدنا أن يبر بقسمه و يدفع أجواء المؤتمر الى عكسها تماماً و يحوله الى حلقة في مسلسل الكارثة التي بدلت ملحمة الحركة الاسلامية الى مأسأة و لعنة.
لقد انتصر الشيخ الترابي عبر المؤتمر العام تحت رآيات الشورى و الشفافية و الوضوح و لكن طليعة الشؤم انتكست الى الطريق الذي تعرفه و تألفه.. التآمر ثم التآمر ثم الارهاب ثم القهر.. و كما توهموا أن الاغتيال تحول استراتيجي يمكن أن يغير التاريخ ، خدعوا أنفسهم بأن شق الصف الاسلامي و نقض قراراته سيمضي وفق أهوائهم. إن قرار حل المجلس الوطني الذي دفعوا اليه الرئيس عشية التعديل المرتقب للدستور ليوافي تطور خطة الحركة الموضوعة منذ سنوات هو الذي فتح الطريق أمام فتنة دارفور و فتنة الشرق و أجبرهم على قبول كل الأفكار و المبادئ التي بسطها لهم الشيخ من أصول الاسلام، و لكنهم أذعنوا لها على الأقل نظرياً و وقعوا على أوراقها تحت ضغوط الغربيين الكفارو كفى بها مذلة لمن أبى أن تكون العزة لله و لرسوله و للمؤمنين. و هي مذلة ستمضي عليهم سننها حتى النهاية و قد ساروا طريقها حذو النعل بالنعل، فبعد شق الحركة و بعد تسليم الاسلاميين و بعد تعريض البلد للتشرذم و التقسيم سيأخذ الغرب بخطام أنوفكم حتى تطبعوا مع إسرائيل في مشروع الصفقة التي قد تنجو بكم من محكمة لاهاي و لكنها لن تنجو بكم من ابتزازهم حتى يكبكم على وجوهكم في النار، و ما أحرى الدكتور نافع و ثلته بدعوة الحجاج بن يوسف: ( اللهم أغفر لي، فقد زعم أناس أنك لن تفعل). ثم قدر الله ألا يهربوا بعيداً بجريمة دارفور، أحاطت بهم دماء بريئة و أنفس استعصمت بالجبال و الوديان و الصحارى عن ظلمهم و عكفت تكتب القرآن صباح مساء. لكنهم أدركوها بالطائرات، و أكرر أن الجريمة و المجزرة ليست في عشرة آلآف ينتخبون من ينتخبون و يعضومن من يعضون و لكن الجريمة و الفضيحة أن تقصف شعبك بالطائرات مهما تكن المسوغات و الحجج سوى ما رسخ في القلب من الاستكبار و العنجهية و العنصرية و صدقه الإثم و العدوان.
ان الذي أوقع عليكم القرارات 1590، 1592، 1593 هو ما كسبته أيديكم و ليس القوائم التي أعدها قادة المؤتمر الشعبي في الخارج - كما زعم الدكتور نافع و هو يخدع نفسه و يخادع الناس- ، ان الذي يستطيعه كاتب هذه السطور ان يكتب فيكم مثلها كل صباح و يقل لكم في أنفسكم قولاً بليغاً، و لكنه لم يفعل لأن الله سبحانه و تعالى لا يحب ذلك، و لأن بدوياً بسيطاً جاء من اغوار البطانة او مغـاويرها كما جاء الدكتور نافع لقال لنا ( كـعب الاقـربين اتفاتتـوا الامغـاس ) ولأنه أراد ان يلقي ببصره بعيداً نحو المستقبل و يغضه عن أمثالكم. أما أن جحافل ضباط الأمن الأذكياء منهم و الأغبياء المؤهلين منهم والعاطلين عن الموهبة والتأهيل إلا من رضـاً عـرقي او محسوبيـة و أرتال المرتزقة الذين تشترونهم بأموالكم وجيوش الدبلوماسيين والسفراء لم يخبروكم بحقائق العالم الصعبة، وبالذي يستطيع أن يؤثر على قرار امريكا و بريطانيا و فرنسا و مجلس الامن، و يجلبكم من آذانكم الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، و أن امساككم بمقاليد الحياة و الموت في السودان وتداولكم على المناصب في لعبة الشطرنج الانقاذية منذ ستة عشر عاماً لم يسعفكم في فهم طبيعة السياسة الدولية الراهنة و حقائقها فانها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلو ب التي في الصدور.
و لو أن قادة المؤتمر الشعبي يقبلون المساومة على المبادئ و الأصول لجلسنا معكم في حل و سهل نرتع في أموال الشعب الحرام و نتطاول في البنيان و نحدث الناس كل يوم بلسان :

و آل يزيد عليهم نعيم غلائل في السحن الزائفة
و آل عليًّ عراة حفاة على الرمل يمشون في الصائفة
و يسألنا سائل: و فيم اضطرراكم و المرارات و المحن الجمة المسرفة
وان شئتم مثل من شاء كنتم .. ففيم و فيم ؟!
نجيب : ولكنها الحمية والمعرفة
درجنا علي الزود عن شعبنا
و ذلك جد مكلف
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الترابي للأحداث : (1) تحـــالفنا مـع الشيـــوعيين والبعثيـــين ولكـــــن الوطــــني هــــــو الاقــــــرب
حوار : عادل الباز ــ عثمان فضل الله
ليس بينكم وبين الافكار المتجددة التى يرفد بها دكتور الترابى الساحة السياسية كلما تيبست جذور الفكر فيها الا هذه المقدمة التى لن تفعل سوى تقديم الدعوة ل

كم لتروا كيف يسبح الفكر فى نهر السودان القديم وكيف يحاول دكتور الترابى نسج تحالفات جديدة من قماشة سودان قديم.ثلاث ساعات كانت (الاحداث) على مائدة اشهر صناعها وعبر اكثر من خمسين عاما. مرحبا بكم فى ضيافة ( شيخ) حسن.
د. تبدو الساحة الان قبيل الانتخابات تبنى تحالفاتها على جبهتين السودان القديم بقواه التاريخية وقوى السودان الحديث (الحركة واليسار) كيف تنظر لهذه التحالفات واين انتم منها؟
الترابى : البنية القديمة للسودان هى نتاج تخلف عن قيام الدين الذى اغترب او غاب عنها وكل مايعانى منه الان السودان هو ناتج من البحث عن معادلة جديدة يقوم عليها بناء الوطن وماتزال الامور مضطربه ، معادلة تستثمر فرص الثروة التى تفجرت بين ايدينا ومايزال السودان يبحث عن جديد .من سنن الحياة دائما قبل الممات يجد المعلول المريض صحوة قبل الموت والناس احيانا تراودهم نعشة بشرى ,ينبغى ان ندرك لابد من معادلات المجتمع كله يتعادل بوعى فى معاشه وفى قيامه وموضعه فى العالم الذى اصبح يتقارب بحثا عن الامن حيث لابد أن تضع نفسك الى منسوب مايسمى العالم. يمكن لذات القوى القديمة كلما لاحت ازمه وظهر تحد جديد ان تتداعى مرة اخرى وتحاول ما حاوله الاقدمون بالتصدى له.
انت جزء من السودان القديم؟
الترابى: انا جزء من محاولة لتجديد السودان لكن المحاولة لم تبلغ مبلغها الاعلى.
* هل ترى الان هناك قوى تجديد تتحالف معها ام ستتحالف مع ذات قوى السودان القديم التى سبق ان تحالفت معها اكثر من مرة ؟
الترابى :الانسان اصله دائما يتعامل مع الواقع والواقع هو نتاج للتاريخ تأخذ هذا الواقع وتريد ان تدفعه نحو افق جديد وهذا لايعنى ان القوى القديمه ستحارب وان وقعها فى السودان وما حوله وفى العالم سيكون بذات الوزن القديم اصلا والذى اخشى منه ان يحاول السودان ان ينهض ولكنه ينهض وهو معلول..
*هل ستتحالف مع قوى السودان القديم يادكتور؟
الترابى :انا اقصد انه لابد من التعامل مع واقعك، مادتك الخام اينما كان اذا كنت تريد ان تصنع شيئا، تبدع شيئا جديدا.
ومن يصنع ذلك القادة ام الشعوب؟
* الترابى: القاده تصنعهم الشعوب والشعوب اذا تخلفت تقدم قادة متخلفين واذا فسدت تقدم الفسادين ويمكن ان يبلغ مقامات القيادة ودائما الناس من عجزهم كثرة التشكى من هؤلاء القيادة ومن الذى يغير القادة هم الذين اختاروا القيادات وقدموها ،هى التى تستند عليهم، يتبدلوا هم ويتغير القادة لما هو افضل تماما .
* نعود للتحالفات يادكتور كيف ترى تحالف الامة والوطنى الذى وصل مرحلة النضال المشترك ؟
الترابى: طبعا اتجاههم ليس بالتحالف لانه لم يقم الا بين يدى الانتخابات ، كل الذى فى السطان يريد ان يبسط لنفسه شيئا ما حتى لاتقع عليه مصائر ماحدث فى بعض البلاد الاسيوية فى انتخابات حرة والذين خارج السلطه يخشون ان تحاصرهم السلطة تفتن كل الناخبين بالعطاء والترغيب والترهيب يدخلون فى انتخابات ويخرجون منها . هذه التحالفات هى محاولات فقط ولا احسب ان المقاصد واحدة والمسالك واحدة نتطلع لتحالف متين يمكن ان نعول عليه لمدة من الزمن فى ذلك السودان القادم .
انتم الان بعيدون عن كل التحالفات لا احد يقبل بالتحالف معكم لا اليسار ولا اليمين؟
الترابى: طبعا انت تعرف انه مع تطور الزمان القوى تتبدل، اصلا اليسار ضعيف ولازالت له اشخاص معالم بالسودان ، لها تاريخ وكسب كيفما قدره المراقبون ولكن هو لم يعد قوة فى الساحة العالمية ولابد من موازنة ومراقبة الامور كما نراها قياسا لسنن التطور فى الزمن والسودان قامت فيه اجيال جديدة تبدلت ولاءات الدين والعرف تحولت من كثرة الحركة والهجرة ومن غزو النزعة المادية والمعاشية للناس ومن تقادم التاريخ وتباعده وانحجاب الاحزاب لفترة عن الاتصال مع القواعد حتى تتواءم مع القواعد فتنصلح اذا انصلحت القواعد فتتبدل معها يعنى وتحاول الاحزاب ان تؤثر على القواعد اذا كانت لها خواطر ورؤى جديدة . لنا محاولات نحسبها من المحاولات الحديثة فى السودان وهى بين المتعلمين من القطاعات فى السودان وهى الناهضة والنامية ،ايضا فى الحركة اليسارية فى السودان والحركة القومية ستجد فيها شعاب واذا نظرت للعالم العربى والاسلامى لاتجد لها اثرا وما جاءت نزعة منظمة لبرالية غربية حتى النهج الذى اصبح طاغيا فى العالم ليس لها فى السودان منظومة تحمل تلك القوى وموصولة بقواعد شعبية بذات الفكر والرأى حتى تكون أي قوى لها وزن وقوة الاسلام ظهرت الان لوحدها تقريبا فى الساحة تتخذ احيانا مسالك جهاديه لنطح عدو الاسلام وقليلا يفتح لها المجال لانفاذ مشروع وسياسات ومناهج ونحن من هذا المد.
هل انتم يائسون من اى تحالف يجمعكم مع أي من المعسكرين ؟
الترابى : ما يجري حاليا ليس محالفة مع التجمع ولا اقصد التحالف الذى كان بالخارج ،الذى كان ضد الانقاذ ولم يكن تراه على مقاصد وعلى مسالك فيخوض معاركه ولابد ان يكون فى السياسة ويصادم لبلوغ تلك المسالك، كانت هى اعداء بمساقات مختلفه وبدوافع مختلفه لجهة واحدة فجمعهم هذا فقط وهذه دائما ظرفية عادة لانه اذا التقى الناس لانهم اعداء فلان يعنى حتى الحركة فى الجنوب لاندرى هل هى اتصلت بالتجمع ام المعارضة الشمالية وبناء تحالفاتنا فى السودان تتم لاضعاف العدو فقط فاذا تحولت الظروف يمكن ان تهمل وفعلا التجمع انفض ليس لانهم اصبحوا الاقرب فى السياسات الاقتصادية والسياسية والعالمية والفكر الدينى والثقافيه والاجتماعيه والعلمانيه ابدا ولا اليسار اثر عليهم فلذلك اصبح مده عليهم اوسع مما كان ولا الاخوة بالجنوب خرجوا منهم بشى انفعلوا به منهم او فعلوا بهم بشيء هى معارضة فقط وكذلك كنا نجتمع معارضه
* معارضه مع من ؟
الترابى : معارضه مع الاحزاب المختلفة والتى كانت معارضه مع نظام طاغيه نريد ان يتبدل النظام الى حرية لتنافس وعند التنافس ترى بيننا التباين والمنظومات السياسيه هى التى تقدم للناس فى المناهج وتعرض للناس نفسها فى منافسه حرة ليوجه الناس لها الثقة بعد تجريبها بدلوها او امتدت الثقه.
هذا هو الواقع حاليا لكن المؤتمر الشعبى من حلفاؤه فى المرحله القادمه؟ *
الترابى : على المبادىء كلها لاتكاد تجد حليفا بين حزب واخر المبادىء التقليديه نفسها اسست على عداء فى تاريخها القديم ولكن ظروف القوى الحديثه اطرتها احيانا الى ان تتجمع معا فى مواجهة قوى حديثه ظهرت فى الساحة هو لقاء عرضى والسودان الان تتجلى فيه خيارات حزبيه للناخب الواعى وليس للناخب ذي الولاء التاريخى
تعنى انه لاتوجد خيارات حزبيه؟ *
الترابى : خيارات مناهج الان غير بيّنه ،اظن ان المؤتمر الشعبى يعرض واحدا حتى لا افاخر الاخرين جميعا والاحزاب التقليديه دون ذكر اسمائها، اصلا لم يكن بها مناهج كان لديها منهج قبل الاستقلال مناهج بعضها طرح الاستقلال و الاخر وحدة وادى النيل اليس كذلك ، لما تجاوزنا هذه المرحله بعدها لم تقم مناهج اصلا ،فقط كان الامر بالولاء القديم بين سلف كان يواليه سلف والحركة اليساريه كانت منهجا لكن المنهج الان فى العالم افلس ومافشل القائمون بالمنهج حتى يقوم اخرون بذات المنهج على الامر ولكن المنهج كله سقط والاسلام هنا عمل محاولة منسوبة للقائمين بها ولكن الاسلام لم ينقص الوعى والايمان به فى العالم الاسلامى الان بالعكس ازداد نصراؤه.
لا زلت يادكتور ابحث عن حلفاء المؤتمر الشعبى ولم تجبنى؟؟
الترابى : معادلات معدلات الحكم قد لاتتيح لاحد ان يجتاز الاغلبيه المطلقه حتى يحكم وحده فيضطر ان يرى اقرب الناس اليه لا الحليف المماثل ،الحليف هو يعنى اذا كنت تقصد بالمحالفات العرضية هى سنة كون فى الحروب احيانا تتحالف جهة مع جهة تحالف الشرق مع الغرب الاقصى على المانيا مثلا وتحالفت الصين واسيا مع الغرب حينا من الدهر ولكن هو تحالف عرضى فقط ولا تحالف دائم مؤسس ولكن كل احد المتحالفين له درجه مختلفه بالايمان بهذه المقاصد يعنى كانت اشتراكية او ديمقراطية واللامركزية فى الاقتصاد والانفتاح.هل تعلم ان الاحزاب مناهج والتحالفات هى من عرضيات الحياة كل يوم انت فى شأن كالشارع الصحفى يجد فيه مشهدا من الجريمه او مواكب الحفلات يوم تجد فراغا كاملا فى العطله.
* طيب يادكتور نعبر لمنطقة اخرى , هل قررتم خوض الانتخابات ؟
الترابى : اولا نحن لسنا حزبا سياسيا وحسب ،لايعمل الا للسياسة اما ان يكون حاكما ينفذ كل سياسته بالسلطه واما ان يكون معارضا يطرح ،لابد من ان تسقط هذه السلطه لان برامجك لاتجد وسيله للتنفيذ الامن خلال القانون والسلطة ، نحن حركة ثقافية نريد ان نغير ثقافة الناس حتى المتدين بالاسلام مثلا نرى انه متخلف جدا هذا فى فكره ونريد ان نغير المجتمع الى الصالح وكذلك نجاهد فى الحياة السياسية فنحن جامعين كل الحياة بمنهج واحد ، فالانتخابات بعد سنه ،لايمكن ان نعطل كل اعمالنا لنعمل لشئ بعد عام اذا عملت فى المجتمع هذا يمد فى القواعد ومد من التأثير وسينفعك يوما من الايام في السياسة
تعنى انكم لم تحددوا موقفا؟
الترابى : نحن لاندرى هل فى انتخابات لها حد ادنى من الحريه ومن العدالة ولا نقرر مقاطعتها، لان النظام نفسه ليس له سياسات وخطط مبرمجه كل يوم هو فى شأن ،هو طبعا يريد ان يبقى فى السلطه بكل وسائل القوى المتاحة له لكن اذا كان هذا يطيح به تماما يضطر ان ينزل ولاندرى للقوانين الاستثنائية التى لاتتيح للاحزاب ممارسة حريتها والان الاحزاب حريتها بيد النظام لاتستطيع اقامة مؤتمر او ندوة او انشاء صحيفة فهى بيد النظام وثانيا الاحزاب نفسها بيد النظام يمكن ان يحيط بكل الدعاة لحزب واعتقالهم والان اموال الدوله كلها مسيطر عليها و المجلس الوطنى معين وتسيطر عليه جهات بعينها فهى ان ارادت تحول الاموال كلها الى الانتخابات لها ذلك و ان شاءت تبنى بها دورا وتفعل بها الافاعيل، لايوجد اصلا ميزان للعدالة الكاملة ولاتتوفر اصلا فى السودان .

الاحداث
11/3/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الترابي للأحداث : (2) يمكـــــــــــن أن ينصـــــلح الحـــــــال إذا قامــــــت انتخــــــابات حـــــــرة

عادل الباز ــ عثمان فضل الله

ليس بينكم وبين الافكار المتجددة التى يرفد بها دكتور الترابى الساحة السياسية كلما تيبست جذور الفكر فيها الا هذه المقدمة التى لن تفعل سوى تقديم الدعوة

لكم لتروا كيف يسبح الفكر فى نهر السودان القديم وكيف يحاول دكتور الترابى نسج تحالفات جديدة من قماشة سودان قديم.ثلاث ساعات كانت (الاحداث) على مائدة اشهر صناعها وعبر اكثر من خمسين عاما. مرحبا بكم فى ضيافة ( شيخ) حسن.
من لايذكر ياكتور تحالفاتكم من حزب الامة؟
· الترابى : لم يسبق لنا التحالف مع حزب الامة استراتيجيا، كل تحالفاتنا معه كانت عرضية ومعروف ان العلاقة الظرفية العارضة تقتضيها الضرورات ، اما العلاقات الاستراتيجية العميقة تقوم على المبادئ وماتم الان بيننا والقوى السياسية قائم على ظرفيات تتمثل فى ان كل القوى السياسية ترغب فى ان تقوم الحكومة باطلاق الحريات وتنافس حر وعادل فى الانتخابات المقبلة
· اذا هل تعتقد ان حزب الامة تحاور مع المؤتمر الوطنى على هذه المبادئ؟
· الترابى : لاندرى باى زاد رجع حزب الامة فى حواره مع الوطنى هل عاد بزاد يمكنه من الاستغناء عنا ام غير ذلك لاندرى
* هل انت زاهد فى التحالفات؟
الترابى : لا لست زاهدا فى التحالفات ان قلت لك انا اشترى من بعض الناس وقطعا هم لهم اهدافهم فى البيع ولى اهدافى فى الشراء. واذا اتفقنا على عقد وذلك العقد بالقطع لايمكن ان يكون عقدا للزواج .
بمعنى انكم لاتجدون فى الساحة السياسية من يتزاوج معكم؟
الترابى : لا ممكن ان نجد وربما يتوب اخواننا فى المؤتمر الوطنى الى اصول الدين ويرجعوا
*هل لد يك امل فى ذلك؟
الترابى : لن استيأس (لست يائسا ) ان يعودوا يوما ليقولوا نحن عندما تمكنا من السلطه فات علينا (ان دولة الاسلام تبنى على اساس المشيئة الحرة للجميع مسلم وغير مسلم) واستعملنا السطان بالقوة ولم نعمل الشورى فى شؤوننا وفات علينا ان الامانه تقضى ان ما أخذته من الشعب مالا او سلطان ،لابد ان تتعامل معه بأمانة وترجع الامانات الى اهلها و ان يعملوا على محاصرة بؤر الفساد ، قطعا انا لاأقصد شخصا بعينه لاصوب عليه فقط اود ان اقول ان الفساد انتشر بيننا ونسينا قصة ان العقود ملزمة لن ايأس منهم بل لن استيئس من المجتمع السودانى كله لان اصوله كله دينية حتى الشيوعى منه غدا يصبح صوفيا بعد ان يتحول من الشيوعية
* دكتور اذا امعنا النظر فى التحالفات التى اسميتها بالعرضية نجد انها حققت نجاحا خاصة فى قانون الانتخابات الاخير الا يشجع ذلك لتطويرها فى عمل خاص بالانتخابات نفسها؟
الترابى : لن اقول ان ذلك مستحيل ولكنه أعثر لان كل حزب له اصول مختلفة قام عليها والعمل السياسى اشبه بكرة القدم والقوى الساسية هى الفرق المتنافسة والميدان هو العملية السياسية والحكم هو الشعب.تحالفاتنا مع الاحزاب كلها عرضية, مثلا
عقب سقوط نظام نميرى حزب الامة سلط علينا حملة شديدة فى الانتخابات مافى حملة سلطت علينا من الاتحاديين الا الحملة الكلامية لكن ديلك سلطوا علينا حملة كلامية ورفض للتجمعات فى غرب السودان وشرقه لكن بعد أن ظهرت النتائج فى الانتخابات وحزنا على مجموعة كبيرة من الدوائر الانتخابية بدأ الحديث من قيادة ذات الحزب الذى شن علينا الحرب الكلامية عن الائتلاف ولم يكن يخشى ان لايحوز على الاغلبية لكنه لم يكن يرغب فى ان تكون له معارضة بهذا الحجم والدرجة من الوعى وقطعا من العسير ان تحكم السودان بوجود ذلكم الكم من المثقفين ودوائر الخريجين معارضين لك وفى النهاية دخلنا الحكومة وائتلفنا مع حزب الامة وفض الجيش هذا الائتلاف بالقوة هذه من التحالفات العرضية لغرض ولمدى محددين والسودانيون دائما يظنون التحالف المحدود ممتدا وهو فى حقيقته تحالف عرضى ( انتهازى ) انا استخدم هذه الكلمة فى معناها اللغوى لانها اصبحت كلمة سلبية جدا لكن معناه اللغوى هو ان تنتهز فرصة سانحة وفيها تدبر العلاقات بمنهج بما يرضيك بالضبط
المشهد بشكله الموجود، الحزبان الشركان هما.....
الترابى مقاطعا : هما غير مؤتلفين ولا متحالفين ،اتفرض عليهم كده بوضع ضرورات الحرب والقتال، ان يشكلوا هذه الحكومة مع بعض بنسب معينة والان يوجد صراع بينهما وصل الى حد الاقتتال فى ابيي وهناك ارتباك فى أمانة المال العام والسياسة الخارجيه ، لذا لا اسميه ائتلافا لكن هذه ضروره مشاركة سياسية للضرورة (مش) لانهم اتفقوا على غالب مناهج الحكم
* رغم ذلك اقوى من معارضتهما الضعيفة شمالا وجنوبا ؟
الترابى : الضعف له معانى كثيرة فى ضعف مادي وسياسي وفكري والقوة.
من يمتلك ذلك كله؟
الترابى : انا لاحب المفاخرات ، لكن اقول انه لدينا فى الحزب برنامج مكتوب ومترجم بالانجليزى فى كل مناحى الحياة ليس فى السلطة فحسب بل فى الفن والكورة ويشمل أي مذهب لمساقات الحياة
* نحن مقبلون على انتخابات يعقبها تقرير مصير، قراءتك لهذا المشهد ومستقبل السودان فى ظل كل ذلك ؟
الترابى : المستقبل لانتحكم فيه ، الغيب يعلمه الله ، الاحتمال الاغلب المؤتمر الوطنى اشد الناس الحاحا وحوجة للتنظيم واتوقع ان يتراجع ويبسط حريات اوسع فى الانتخابات ويكف سلطة الدولة التى يمكن ان تعوق حرية العمل مثل الاعتقال و استخراج الاذونا ت من الشرطه .
هل هذا مجرد تفاؤل؟
الترابى : على كل حال ربما لايقيم كل ذلك ولاينزل عليه لكنه سيكف شيئا ما وقد يتستر فيه ويسمح لهيئة الانتخابات لتعرض دعاية شبه متساوية بين الاحزاب لكل ذلك الانتخابات ليست مستحيلة ولكن اذا هذه العوائق ظلت قائمة ربما تأتى الاحزاب وتعلن مقاطعتها وتقول انها لن تدخل الانتخابات
هل تعتقد يادكتور ان الانتخابات هى الحل؟الم تخب الامال عقب كل انتخابات بل بعد كل ثلاث انتخابات فى تاريخ السودان وقع انقلاب!!
الترابى : كل الامال التى علقت عليها تخيب لكن هى تتقدم نحو الامال ،حاليا السودان متقدم فى مسألة الانتخابات هل تقوم الانتخابات أم يمكن ان نقلبها بحكم عسكرى الآن كل القوى جربت هى يعنى رئيس حزب الامة جرب الانقلاب العسكرى الاول فاصبح وبالا عليه وعلى الانصار والحزب الشيوعى جرب الانقلاب العسكرى واصبح وبالا عليه والجبهة الاسلامية جربت الانقلاب العسكرى واصبح وبالا عليها فكلهم الان بتجربتهم لابقراءة الكتب عن الديمقراطيه فى الغرب باتوا مقتنعين بالاحتكام للديمقراطية ، الشعب السودانى كله تقدم ، الآن المتدين فيهم وعيه الدينى اصبح اشد عمقا بإيمانه بالشورى الحرة بين الناس، السودان الان خير مما مضى مافى ذلك شك وثانيا السودان كل سنة يتقدم ، كان كله تابعا لقادة تقليديين تبعية تكاد تكون بضع و90 % ، هواذا اتفق السيدان السودان كله سكت ، الان اعداد هائلة من السودانيين اما تحرروا تماما من الولاء التاريخى او انهم باتوا يعملون النظر فى البرامج التى تطرحها تلك القوى. التعليم انتشر والاتصال انتشر والحركة كثرت.
*وكانك ترى انه لوسمح النظام بانتخابات حرة ينصلح حال البلد؟
الترابى : نعم حال البلد سينصلح ما العسير؟
*هل تتوقع ان يكون المؤتمر الوطنى حينها خارج الدائرة ؟
الترابى : قد لايخرج مطلقا ،لكن لا استبعد ان يحدث له كما حدث فى باكستان وحاكم كينيا كذلك اهتز لانه ادار الانتخابات بمنهج لم يرض به الشعب الكينى وأنا لاأرضى أن تزور الانتخابات فى السودان وتغلب هكذا والشعب السودانى لا اظنه اقل شجاعة من الشعب الكيني.
*ماذا تريد ان تقول؟
الترابى : ، انا اعرف الشعب السودانى احيانا نقارب أنفسنا شمالا وجنوبا ونقول نحن أكثر صراحة وحرية ، الاخرون كلهم يخضعون للحاكم دائما ونكتفى بالحديث ، الاخرون يتجاوزونا ونحن مستكينون ساكنون
*توقعاتك للانتخابات اذا جرت فى عدل؟
الترابى لا انتظر عدالة مطلقه حتى فى اوربا وامريكا ليست مطلقه الناس ينفعلون فى امريكا بانفعالات غير المنهج ، الذين اصولهم لاتينية ضد الافارقة مثلا والبيض ضد الافارقة ولكن البيض تحرروا كثيرا خاصة الشباب منهم فكل المعادلات تجد منها الطيب والخبيث لكن الطيب بدأ يغلب والخبيث مازال قائما وأنا أتوقع ان المؤتمر الوطنى سيخسر خسارة واسعة لأن الشعب ينسب إليه الفساد . ثانيا الشعب السودانى شعب لايتعلم الطاعة لحاكم إلا أن يكرهه خوفا، فكرههم الآن الضغوط أشد من ضغوط عبود ونميري .
*الشعب السودانى كله ؟
الترابى : نعم
*الاتخشى ان يغضب هذا الحديث الشعب ؟
الترابى : انا مابشتغل دعاية ،يعنى نحن اذا قارنا أنفسنا مع الشعوب فنحن من أدنى الشعوب فى ممارستنا
* نحن اجازنا ثورتين فى تاريخنا ؟
الترابى :لا هى ثورة واحدة والشعوب كثيرة التى قامت بثورات أوربا الشرقية قامت بها ثورات عديدة ومن قبلنا قامت ثورات بإيران
* ثورتنا قبل ايران واروبا الشرقية ونحن استاذة الثورات فى افريقيا ؟
الترابى : لا نحن لم نعلم الشعوب لاننا لانملك الآلة الاعلامية التى نعلمهم بها وصورتنا ماكانت عندئذ منشورة كما هى الآن ، السودان الآن اشتهر ونشره الكارهون له وليس المحبون أزمات الجنوب ودارفور هي التى نشرت صورته ، أصبح الناس يتابعون اخبار السودان أكثر فأصبح الذين يتابعون أكثر من قبل ودي واحدة من المسائل التى لابد أن يتنبه لها السودان، أنه اذا عابت الانتخابات فستعيب صورته فى العالم
كلام رائج ان المؤتمر الوطنى اذا خسر الاتخابات لن يخسر السلطة ؟
الترابى : يستعمل البندقية !
لا.. بمعنى جهاز الدولة كله يسيطر عليه المؤتمر الوطنى الطبقة العليا ستظل تسيطر على الشركات والبنوك وكل مفاصل الدولة هم مسيطرون عليها ؟
الترابى : لا لا ماهى دي قيادات اذا أطيح بها تتغير كل البلد ونحن وددنا لوأن السودان كانت فيه الخدمة المدنية مستقرة حتى لو تغيرت الحكومة يتغير الوزراء و تتغير السياسات وذات الادارات تنفذ السياسات بخبرتها ولكن الآن لو جاء نظام مختلف يمكنه اصلاح ذلك.
*تقول الست يادكتور مهندس سياسة التمكين؟
الترابى : التمكين مافى الدولة التمكين دا ياأخي فى قلوب الناس والناس لايفهمون الكلام الاسلامى ، فكلمة توالى الناس ظنته برنامجا إسلاميا ولذلك يقولون لك حسن الترابى ابتدع التوالى
*لكن انتم طبقتم التمكين عمليا وليس نظريا ؟
الترابى : أحزاب التوالى اليوم داك لمن طلع القانون ماكان فيه اي شرط على برنامجك لو برنامجك عدم الايمان بالله
انا اتحدث عن سياسية التمكين يادكتور؟
الترابى : ماتقول لى التمكين لان كلمة التمكين المقصود بها تمكين الدين فى قلوب الناس وتمكن المؤمنين فى المجتمع ليكونوا هم الغلبة عندئذ سيتمكنوا فى السطان تلقائيا
* ولكن تمكنتم بالسلطان لا بالقران ؟
الترابى : تمكنا بالقوة لان الغرب لايرضى ان يتمكن الاسلام يتمكن بالديمقراطية وهذا ماحدث فى الجزائر وتركيا مرات سابقة، الآن الغرب فى فلسطين، عباس الذى ترشح وحده يسمح له، ويتعاملون معه كرئيس والآخرون الذين ترشحوا وتنافسوا وحصلوا على أغلبية بالديمقراطية كما حصل لهم الان هم يذبحون!!!.


الاحداث
11/3/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية: (9)
ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!
د.محمد وقيع الله
تحدثنا في المقال الماضي عن توازن الحركة الإسلامية السودانية، في تركيبتها القيادية العُمْرية، حيث بان لنا أنها الحركة السياسية السودانية الوحيدة التي تملك تشكيلة قيادية، تمثل أفضل تمثيل التركيبة العمرية العامة للشعب السوداني في الوقت الحاضر. وتناولنا بالحديث التركيبة الاجتماعية للحركة الإسلامية السودانية، فاتضح أنها تركيبة قومية، بحق وحقيقة، تتمثل فيها جميع ألوان الطيف الإثني السوداني.
وبهذا التركيب المتوازن، الذي ميز الحركة الإسلامية السودانية، وزانها، اكتسبت تصرفاتها، وأفعالها، توازنا مشهودا، نأى بها عن التطرف في وجهيه: إفراطا وتفريطا.
التعامل المتوازن مع الأحزاب:
ونود اليوم أن نتحدث اليوم عن بعض أنماط التعامل السياسي المتزن، للحركة الإسلامية السودانية، بادئيه بتعامل هذه الحركة مع الأحزاب السياسية الأخرى. فبالرغم من أن الأحزاب السياسية التقليدية والعقائدية قد استقبلت الحركة الإسلامية السودانية، في تجليها السياسي، منذ حقبة جبهة الميثاق الإسلامي(1965-1969م) ، بكثير من التحفظ، والاستهانة، والاستخفاف، والازدراء،( تشهد على ذلك مداولات الجمعية التأسيسية بوجه خاص، وهي مصدر جيد لدراسة السلوك السياسي في حقبة الديمقراطية الثانية)، إلا أن الحركة الإسلامية السودانية، ظلت تعامل تجمعات الأحزاب السياسية الأخرى (عدا الحزب الشيوعي) بقدر كبير ووافر من التقدير والإحترام، ويمكن القول بأنها ما زالت تعاملها منذ ذلك الزمان بكثير من التقدير والاحترام لأوزانها وأقدارها.
لقد جاءت الحركة الإسلامية السودانية بمحتوى حزبي، أصيل، واعد، متفوق، من حيث الخلفية والبنية الفكرية، والبرامج السياسية المفصلة، ونوعية الكوادر المدربة المحتسبة. ومع أنها كانت متقدمة على الأحزاب من هذه النواحي، إلا أنها عمدت مع ذلك إلى التعامل مع هذه الأحزاب، على أساس التفهم والاستفادة من تجارب من سبقوها في التجربة والبلاء، بدل أن تصادمهم وتسعى سعيا عاجلا لإزاحتهم، وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية من كل حزب خير ما فيه، ونبذت ما فيه من الشرور والبذور التي لا تنسجم مع برنامجها السياسي المستقبلي التقدمي.
وقد بحثت الحركة الإسلامية السودانية دوما عن المشترك بينها وبين الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، فاتضح لها أن ما يجمعها بالأحزاب التقليدية هو البرنامج الإسلامي، أي التوجه السياسي الإسلامي، أو ما كان يدعى حينها بالدستور الإسلامي، إذ لم يكن أمر القانون الإسلامي، أو الأسلمة الشاملة مما يمكن أن يطرح أو يستوعب في أفق ذلك الزمان.
(معالم في الطريق) السوداني:
وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية، في ذلك الزمان الذي كان فيه كتاب (معالم في الطريق)، يرج العالم العربي والإسلامي، بأطروحاته الجسورة الخطرة، تتعامل تعاملا هادئا غير ثوري، ولا جذري، مع الأوضاع السياسية السودانية. بل تعدى الأمر ذلك عندما كتب أحد فلاسفة الحركة الإسلامية السودانية، وهو الدكتور جعفر شيخ ادريس، حلقات متصلة بصحيفة (الميثاق) الإسلامي، لسان حال الحركة حينها، يحلل فيها أطروحات (معالم في الطريق)، وينتقدها، وقد بلغ أمر تلك الانتقادات إلى سيد قطب، ولم يقبلها، وذلك شأنه، رحمه الله، فقد كان صادقا في مواجهة الواقع القمعي الذي يتعرض له، وكانت الحركة الإسلامية السودانية، صادقة في تعاملها مع واقعها الذي تتعامل معه، ولم يكن يطغى عليه الغزو الفكري والاستبداد اليساري الشيوعي الناصري، كما كان الأمر في مصر، وهكذا لم تكن الحركة الإسلامية السودانية، مستعدة لاستيراد أطروحات فكرية حركية جاهزة، من واقع بعيد، من دون أن تتأملها، وتحللها، وتقبل منها ما تقبل، وترفض ما ترفض.
والتزاما بهذه المنهجية التحليلية، النقدية، الحصيفة، المتوازنة، نأت الحركة الإسلامية السودانية، عن اتباع أساليب الاستعلاء، والبراء، والمقاطعة مع الآخرين، والتزمت بمنهج التلاقي والتعامل الرصين الجاد معهم ، من أجل التأثر الخِّير بهم، والتأثير الخيِّر فيهم. وسعت للتحالف مع الآخرين من العاملين في المسرح السياسي السوداني ولو التقت بهم عرضا في الطريق، وما اتخاذ الحركة لمسمى (الجبهة) منذ ذلك الوقت، إلا دلالة على رسوخ تلك النزعة لاتخاذ التحالف مع الآخرين نهجا ثابتا في العمل السياسي.
وفي طوال دهرها لم تبادر الحركة الإسلامية السودانية أحدا بالعداء، وما زالت على ذلك النهج، تأمل أن تتحالف مع كل من فيه ذرة خير، حتى مع أصحاب تلك الأحزاب (العروبية) الهزيلة الكارهين للإسلام، كرها غير مفهوم، والذين لا يترددون في ان يتحالفوا (تحالفات استراتيجية كما يقولون!) مع الحركات الشعوبية، العنصرية، الحاقدة، الكارهة للعروبة، وذلك لأن هذه الحركات تشاركهم كره الإسلام!
ويوما بعد يوم، نرى الحركة الإسلامية السودانية، تزداد التزاما بهذا النهج المستبين، وتمكن بحكمتها من كسر عداء الآخرين لها، حتى عداوة من عادوها عن حسد. أولئك الذين رموها جميعا عن قوس واحدة، يوم وصلت إلى السلطة، بانقلاب عسكري، اضطروها إليه اضطرارا، بممارستهم للمكائد السياسية من ناحية، وبعجزهم عن ممارسة السلطة السياسية من ناحية أخرى.
وهنا أود أن أقول إن الوصول إلى السلطة، عن طريق انقلاب عسكري، لم يكن هو الوضع الملائم، هذا ما أقر به وأعتقده، ولكن إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة الحركة الإسلامية السودانية إلا ركوبها؟!
إن اللوم موجه إلى الآخرين لا إلى الإسلاميين في هذا الخصوص، إن اللوم موجه هنا إلى أولئك الذين استهانوا بالحركة الإسلامية السودانية، وأدانوها في البرلمان، عندما كانت في المعارضة، لمجرد أن الطلاب التابعين لها سيروا بعض التظاهرات في الخرطوم، ثم سعوا إلى إقصائها من الحكم، عندما اشتركت في حكومة الوفاق الوطني، وحرضوا عليها الجيش، مع أنها كانت أكبر سند للجيش في حرب التمرد في الجنوب، وشرع الكثيرون من الحزبيين في استغلال الجيش لتدبير انقلاب تكون أولى ضحاياه الحركة الإسلامية كما علَّمنا التاريخ.
هكذا جاء هؤلاء:
وهكذا اضطرت الحركة الإسلامية السودانية، إلى تجاوز هذه المؤامرات المتتابعة بتنفيذها لانقلاب الإنقاذ. والغريب أن خصوم الحركة لم يتعلموا الدرس، وواصلوا استهانتهم بها، وتوقعوا انهيار حكمها بعد شهور، وسأل سائلهم سؤال الغافل: من أين جاء هؤلاء؟!ّ ولم يفطنوا، أو قل إنهم لم يشاؤوا - في إصرار - أن يفطنوا إلى أن هؤلاء القادمين الذين سألوا عنهم، تضرب جذورهم عميقا، في تاريح العمل السياسي السوداني، إلى منتصف أربعينيات القرن الميلادي الماضي، وأنهم لم يتوقفوا عن الفعل السياسي يوما واحدا منذ ذلك التاريخ، وأن آثارهم برزت واضحة في كل مفصل من تاريخ البلاد، في حملة الدستور الإسلامي، في أوائل الخمسينيات، وفي مقاومة الحكم العسكري، في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وفي قيادة ثورة أكتوبر 1964م، وإنشاء جامعة أم درمان الإسلامية في عام 1965م، (التي أنجز قرار قيامها السياسي الوطني العظيم الوزير الإتحادي بدوي مصطفى، أفسح الله له في مقامات المجاهدين، وقاد خطوات تأسيسها شيخنا العلامة الرائد الدكتور كامل الباقر أفسح الله له في مقامات الصديقين).
وقد قادت الحركة الإسلامية السودانية، حملة الدستور الإسلامي، مرة ثانية، في الستينيات، وشاركت في حرب فلسطين في السبعينيات، وشاركت في مقاومة النظام الشيوعي الناصري المايوي في حرب الجزيرة أبا، بالاشتراك مع الأنصار المجاهدين، وواصلت مقاومتها للحكم المايوي لسبع سنوات تلت، وأنجبت أكثر كوادرها الصلبة خلال تلك الحقبة، وأسست العديد من المؤسسات الإسلامية خلال السبع سنين التي تلت المصالحة الوطنية، وأيدت التشريعات الإسلامية بقوة وحمتها، واجتاحت دوائر العاصمة، ونالت أكثر عدد دوائرها، وأكثر عدد ناخبيها، ونالت أكثر دوائر الخريجين، في انتخابات عام 1986م. فهل هذه حركة خفية، يسأل عنها إلا واهم فيقول: من أين جاء قادتها وأتباعها؟!
هذا الوهم أو(اللا واقعية) السياسية، هي من بعض ما تعاني منه الحركة الإسلامية السودانية، خلال تعاملها مع الآخرين. والغريب أن هذا الوهم يطرق أحيانا بعضاً من يعرفون الحقائق عن كثب، معرفة وثيقة، لا ريب فيها، ولكن لا يحبون أن يصيخوا لصوتها، أويعترفوا بها. وآية ذلك أن هذا الشخص الذي أطلق تساؤله: من أين جاء هؤلاء؟! كان من قدامى أبناء الحركة الإسلامية السودانية في الأربعينيات، ولكنه تخلى عنها بهدوء، تخليا كريما، ونحن نحترمه، ونجله، كمفخرة أدبية وفكرية إجلالا واحتراما فائقا، ولم نستشهد بقوله هنا إلا في مقام جلاء العبرة لتبيان مكامن العلة في تعامل البعض مع الحركة الإسلامية السودانية. وعلى كل حال فصاحب هذا التساؤل قد برهن في سيرته أنه شخص وطني شريف، ولم يكتب التقارير الإستخبارية عن الحركة الإسلامية السودانية، ولم يساند الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، الذين أرادوا لفرط عدائهم للإنقاذ أن يدمروا الوطن برمته. وقد أكثر هذا الأديب الكبير المفكر في مقالاته من نقد الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، وتوبيخهم، ولم يكن قط كصاحبنا هذا اللا مبدئي، الناقم، الواهم، الذي ظن أن الحركة الإسلامية السودانية، قد ماتت بخروجه هو عنها، أو بالأحرى بإخراجه من خدمتها، ولم يهده ذكاؤه وفكره الزاخر، إلى أن يدرك أن هذه الحركة لم تمت عندما فصلته من صفوفها، عندما كان يكتب في صحافة مايو المؤممة في السبعينيات، وإنما ازدادت حياة على حياة، ولم يدرك أنها أضحت تزداد حياة على حياة، منذ أن استغنت عن استخدامها إياه في الدعاية لها في التسعينيات!
لقد دل تاريخ الحركة الإسلامية السودانية، قبل الإنقاذ، وفي ظلها، على أنها تحسن التعامل مع الفرقاء السياسيين الآخرين، وأنها تستطيع أن تتعامل معهم تعاملا وفيا ذكيا حصيفا متوازنا، وقد استمرت بعض تحالفات الحركة مع الآخرين، فيما انفرط بعضها، وما أبرئ الحركة الإسلامية من الأخطاء في هذا الصدد، فبعض الأخطاء التي أدت إلى انفراط التحالفات مع الآخرين، تأتت من بعض تجاوزات قادة الحركة الإسلامية السودانية، وبعضها جاء من الآخرين، الذين تجاوزوا بطموحاتهم كل المألوف (مبارك الفاضل كمثال).
ومن قديم كنت أدعو إلى ضرورة إحسان التعامل مع الحلفاء السياسيين، ولي بحث في ذلك مكتوب، تعرضت فيه لبيان هذا الأمر، وكانت لي محاضرة قدمتها مرارا لكوادر الحركة الإسلامية من الشباب الواعدين، كنت أحرص فيها على تربيتهم على رعاية حقوق الآخرين، بل إني دعوت بلا تردد إلى عدم السعي لـ (تجنيد) الحلفاء السياسيين، والعمل على إدخالهم في سلك الحركة الإسلامية السودانية، لأن هذا وإن كان أمرا طيبا، إلا أنه يهدر هدفا أهم منه، وهو هدف إحسان التعامل مع الآخر، والتعلم منه، والتعود على العمل التضامني، والتكيف مع بيئات وأساليب العمل المشترك مع الآخرين.
وما كنت أحرص على تنبيه الشباب الناهض إليه، كان من نوافل تجارب الحركة الإسلامية السودانية، ولكني حرصت على تأصيله ببعض معارف العلوم السياسية، وهو في الأصل، خلق حميد، مستمد من أخلاق الإسلام، ومنتزع من شيم أهل السودان الكرام، وهو ولا ريب أجمل تراث يزين سيرة الحركة الإسلامية السودانية، ويحليها، ويرشد خطوها على الدوام، لاسيما في هذه الأيام، التي تواصل فيها السعي الحثيث الصادق مع الإمام، وأعوانه الأعلام، لإنجاز ما نأمل أن يتحقق بالفعل على أرض الواقع السياسي بالتحالف مع حزب الأمة العملاق المقدام.


الصحافة
12/3/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

رداً على د. محمد وقيع الله
أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!


خالد أبواحمد –[email protected]

نعيد ونكرر ليقرا محمد وقيع الله لعله يرد


صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها ذلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.
كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتقي به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.
المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنى والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعمل من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..
ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!
وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.
ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.
كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في يدي بل في يد الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسون انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..
ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!
ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للاستاذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.
لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي والحمد لله التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.

السقوط المدوي
والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!
شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.
وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأتي بجديد ولم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون من جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نُحاكم النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا فيها إلى التفاصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل المؤقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.
انجازات (الإنقاذ)
تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.

التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!
كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.
وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يُنسى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب القرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:
"لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...
المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسئول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.
ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسئول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه فقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف انتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمون على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.
فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس تتلقى الدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!

دولة العدل الرشيدة..!!
وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على وجه الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة من الجسم، قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".
اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!
كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا انشد وأهتف باندفاع الشباب
لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال
مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال
سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال
قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي
وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..
السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات، ثو قامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في علياءك بًعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.

فساد المهندس..!!
وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت أحد الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخصي المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.

هذا قليل من كثير..!!
هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسئول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منحهالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!
أطفال جيش الرب
بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كان موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.
كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال، بينما هي في الخفاء وهناك على بعد 72 ميلا من عاصمة جنوب السودان
... يا إلهي.. انه أمر فظيع..
مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!
تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السودان جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!
دارفور وأحداث تشاد
د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقت بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.
ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية على قراهم، أحد الاخوة قد وصل الى السويد من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي من هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليين..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنى بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.
الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة النظام في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.

محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م
من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها على الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذا نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.
أحلامنا التي .....
لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:
"لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،
قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسئول الأول الأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.
وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).
التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقهم ثم لا يستمرون في العمل.
الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال أمامهم كل المعوقات.
التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.
الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه ويكفي فصيحة قنصلية دبي فقط، وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون منصب (القنصل) في غالبية سفارات السودان في الخارج.
ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.
لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى في الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" وروحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكي أخي بكاءً كثيراً ، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.
ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، نرى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.
ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.
فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..
وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].
وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227
هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبعة سنوات خارج الوطن..
أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه
وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »



الانتباهة تكشف الجديد حول ما انفردت به عامان من الغموض

اين محمد الخاتم؟

والده التقى الرئيس البشير ونائبه طه واللجان لم تتوصل
لأي نتيجة

الشبهات تحوم حول الاسلاميين

هل لقطاع الطلاب علاقة بقصة إختفائه؟

شقيق الخاتم:أخي مجاهد ولم يعد الآن مكان للمجاهدين

تقرير: اسامة عبد الماجد

هي قصة أقرب الى الخيال لغز اختفاء شاب منذ عامين الشاب
المجاهد يدعى محمد الخاتم موسى يعقوب، انضم الى الحركة
الاسلامية منذ صغره اذ التحق بقوات الدفاع الشعبي وهو في
الصف الثاني بالمرحلة المتوسطة وانضم الى متحركات الجهاد وهو بالسنة الاولى بالثانوي العالي حيث كان بجانب صديقه الشهيد المعز عبادي وقضى ثمانية اشهر في ياي بالجنوب
وعاد مصاباً بـرايش بقايا المتفجرات في رجله ورقبته
وتعرض لذلك في الطريق الى مربو درس الخاتم بجامعة
الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتخصص في العلوم
السياسيةذهب الى الجنوب مرتين اثناء دراسته الجامعية
تخرج في العام 2002 انخرط في التنظيم الاسلامي بالجامعة
حتى وصل الى منصب رئيس مجلس شورى الاسلاميين الوطنيين
وعمل بمركز الشهيد الزبير وبالاعلام المركزي وبمنظمة
الطلاب الوافدين بدأ برنامج دراسات عليا بجامعة الخرطوم
لكن المدهش في شخصية الخاتم انه كان مغرماً بالطيران
وكان يقتني مجلات وكتب عن الطيران المدني والعسكري، عرف
عنه النبوغ والذكاء الحاد مما مكنه من من التقدم باختراع
للملكية الفكرية العالمية الوايبو بجنيف في مجال وقود
الطائرات وكان الخاتم محط انظار الجميع فكل الاسلاميين
ابتداء من القيادات العليا المتنفذة في الدولة يعرفون من
هو الخاتم ومدى القدرات التي يتمتع به اهل بيته لم
يكونوا يعرفون شيئاً عن تفاصيل عمله التنظيمي بالجامعة
إلا بعد إختفائه اللغز
ما قبل الاختفاء
فجأة انقلب الخاتم على اخوانه بجامعة الخرطوم وبدأ يوجه
انتقادات حادة للاسلاميين بالجامعة وخارجها وطفق يتحدث
في اركان النقاش عن سوءاتهم وبدأت تخرج منه معلومات غاية في السرية سيما انه كا يشغل مواقع حساسة داخل التنظيم اذ
تطرق الى علاقات لبعض الافراد مع وكالة المخابرات
الامريكية والموساد الاسرائيلي ووزع عدداً من المنشورات
في كلية الطب جامعة الخرطوم وفي السنتر لكن آخر عهده
بالحديث الجهير كان قبل اسبوع من اختفائه اذ وقف يخطب
بمسجد جامعة الخرطوم ملتقى الاسلاميين عقب صلاة الجمعة
وفي الجمعة التي تلتها اختفى الخاتم تماماً عن الانظار .
كيف حديث ذلك؟
كان عصر الجمعة الثالث من مارس 2006 يوماً عادياً بمنزل
موسى يعقوب بمدينة النيل بام درمان مثله مثل البيوتات
السودانية، محمد الخاتم وشقيقه وائل خريج مدرسة العلوم
بجامعة الخرطوم يشاهدان برنامج مع هيكل على قناة الجزيرة
الساعة تقترب من الخامسة مساء يخرج الخاتم بعد اخطاره
لوالدته ميمونة محمد الخاتم عثمان استاذ مساعد جامعة ام
درمان الاسلامية كلية اللغة، انه لن يتناول معهم وجبة
الغداء لارتباطه بموعد كان نصيب شقيقته الصغرى صحوة ان
تراه وهو مغادراً بعد ان نسي هاتفه الجوال ولحقت به
واعطته اياه
قلق الاسرة
بدأ القلق ينسرب الى دواخل الاسرة بعد ان تجاوزت الساعة
العاشرة والنصف مساء دون ان تلوح بوادر قدوم الخاتم الذي
ترك سيارته الاتوس بفناء المنزل حاملاً معه مبلغاً
بسيطاً من المال وسلسلة مفاتيح لابواب المنزل والسيارة
والده موسى كما روى لي اول من حاول الاتصال به لمعرفة
مكانه وسبب تأخره سيما وان الخاتم في العادة لا يتأخر
ازداد توتر الاسرة خاصة وان محمد مصاب بداء السكري
وهاتفه كان مغلقاً رجح والده ان بطارية الهاتف قد خذلته
لكن عندما تجاوزت الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل
خرج موسى ومعه ابنه وائل وطافا على كل المستشفيات ومراكز
الشرطة يرافقهما ابن خاله دهيثم عبد القدوس، استمر البحث
حتى الصباح ولا اثر للخاتم استمر الحال هكذا يومي السبت
والاحد الرابع والخامس من مارس ووصلوا حتى مستشفى سوبا
وبشائر ومن ثم تحركت الاسرة لاتخاذ الاجراءات القانونية
حيث فتح بلاغ بمركز شرطة مدينة النيل الذي يتبع لنيابة
محلية كرري وبعد التحري تسلمت الاسرة خطاباً لشركة
الهاتف السيار زين لمعرفة آخر مكالمات اجراها الخاتم
الشركة لم تقصر ومنحت اسرة يعقوب قائمة للمكالمات
الصادرة والواردة لمدة تزيد عن الشهر، قال لي وائل ان
آخر رقمين اتصل عليهما كان الاول خاص بشخص يدعى منتصر
عطا والرقم الآخر لسيد كامل مصطفى وكان الاخير يحوّل
مكالماته على رقم منتصر اخر مكالمات كانت مع جهاز امن
الطلاب، هكذا اقر موسى يعقوب وابنه وائل، قبلها كان هاتف
الخاتم موقوفاً عن الخدمة وسدد له والده فاتورته قبل يوم
من اختفائه اي صباح الخميس مارس وفي ذلك اليوم بعد
معاودة الخدمة اتضح ان الخاتم اجرى مكالمة واتصل على سيد
كامل علمت من والدة الخاتم الاستاذة ميمونة ان ابنها
كان يستعمل هاتفها ايام انقطاع خدمة هاتفه، واكدت لي
انها وجدت رسالة مرسلة من ابنها الى منتصر عطا تقول يا
منتصر سأصلك بعد ساعة وكان ذلك قبل يومين من إختفائه
لكن المثير عند اتصال موسى يعقوب على المدعو منتصر انه
انكر انه يعرف الخاتم وبعد ضغط من موسى اقر منتصر انه
تذكر الخاتم وان له عمل معه لم يكشف عنه كثفت الاسرة من
اتصالاتها وبادرت بالاتصال بأصدقائه المقربين الذين
عملوا معه في التنظيم عمار باشري ، وياسر يوسف ومحمد نور
وآخرين وائل موسى قال ان المدعو عمار باشري اخبره بأن
هناك شخص اكد انه تحدث الى محمد الخاتم يوم السبت اليوم
الثاني لاختفائه واتضح لاحقاً ان ذلك الشخس هو نفسه
المدعو منتصر عطا سكرتير كامل مصطفى علم وائل من باشري
مكان تواجد منتصر بقطاع الطلاب جنوب كوبري المسلمية
بالخرطوم وفي حين كان منتصر عطا يتحدث عن اتصاله بالخاتم
بعد يوم من اختفائه اكدت اسرة الاخير ان ذلك كان يومي
الثلاثاء والاربعاء اي قبل إختفائه، على كل تحدث والد
الخاتم مع سيد كامل عبر الهاتف حول غياب ابنه وقال له
كامل ان الخاتم كان يوزع منشورات في الحرم الجامعي وابدى
كامل احتجاجه على تلك المنشورات واحتد الحديث بين
الطرفين انتهى الى اغلاق الهواتف بدأ والد الخاتم في
التحرك على مستوى ارفع اذ اتصل بمستشار الرئيس
البروفيسور احمد علي الامام الذي بدوره هاتف سيد كامل
ولم يتقبل الاخير، بحسب موسى، محادثة مستشار الرئيس، من
هنا تأكد لوالد الخاتم ان ابنه بطرف جهة امنية وهذا
الاحتمال يعود بنا الى لقاء هام جمع والد الخاتم ببعض
الشخصيات الاسلامية بمستشفى الخرطوم اذ نقل المجتمعون
وهم كما قال لي موسى د محمد نور طبيب بمستشفى
الخرطوم نائب الخاتم في التنظيم، محمد بكري ومحمد بابكر
ورجل رابع لم يذكر اسمه كان اللقاء المشار اليه قبل
ثلاثة ايام فقط من اختفاء الخاتم ونقل المجتمعون لوالد
الخاتم ان ابنه اصبح غير طبيعي واضحى يخطب في كلية الطب
ومسجد الجامعة منتقداً الاسلاميين يؤكد يعقوب ان
المجتمعين ارادوا ايجاد طريقة يبعدون بها ابنه من مناخ
التوتر لكنه استدرك انه لم يكن مرتاحاً لاحدهم الذي كان
يحمل ملفاً يحوي منشورات الخاتم اذاً كل ما يتعلق
بتفاصيل الايام الاخيرة للخاتم لم يخرج من اطار اخوانه
وقطاع الطلاب عمار باشري نقل لاسرة الخاتم حرصهم كطلاب
على اخيهم الخاتم مؤكداً لهم ان قطاع الطلاب بالتنظيم لا
علاقة له بحادثة الاختفاء وإن كامل شيخهم جميعاً وجاء من
الطلاب المدعو ياسر يوسف واجتر لهم ذات الحديث الذي ساقه
باشري
توالي المفاجآت
شقيق الخاتم­ وائل ابدى اسفه لاختفاء كل زملائه واخوانه
لكنه اشار الى مسألة غاية في الاهمية عندما قال انه بعد
84 يوماً من اختفاء شقيقه اتصلت به مجموعة قالت انهم
اخوة للخاتم وزاروه بالمنزل وكانوا اربعة واخبره اكثر
المتحدثين بينهم انه يعمل في بنك ام درمان الوطني
واستفسروه ان كان يملك معلومات جديدة عن اختفاء الخاتم
بعدها وصلت انباء من شخص صديق للاسرة اكد لهم ان هناك من
التقى بالخاتم بمباني جهاز الامن والمخابرات وان ابنهم
يتمتع بصحة جيدة تحرك وائل موسى الى مباني جهاز الامن
للاستفسار عن صحة المعلومات التي وصلتهم، وطلب مقابلة
الضابط المناوب وكانت المفاجأة كما روى لي ان الضابط
المناوب كان هو ذات الشخص الذي زارهم بمنزلهم وبرفقته
ثلاثة آخرين وادعى انه يعمل ببنك ام درمان الوطني ولم
يخرج وائل بجديد، واستمر مسلسل الوعود، كان تعليق موسى
يعقوب على حديث ابنه ان كل من يتصلون بهم او زاروهم
بالمنزل كانوا يريدون اخذ المعلومات لا اكثر بدليل اتفاق
الجميع على طرح سؤال واحد عليهم على شاكلة ما الجديد في
امر الخاتم؟ وهل عندكم اي معلومات جديدة؟
احباط الاسرة
كان الامر محبطاً لاسرة الخاتم خاصة بعد ان علموا من
مصادرهم الخاصة ان الضابط الذي زارهم يعمل في قطاع
مكافحة الارهاب بجهاز الامن وآخر بجهاز امن الطلاب لم
تحتمل الاسرة تلاعب قلة من الناس بمصير ابنها فتحرك موسى
يعقوب واجرى اتصالاً بنائب الرئيس علي عثمان محمد طه
الذي بدوره وجه نائب مدير جهاز الامن والمخابرات اللواء
مهندس محمد عطا بتشكيل لجنة لمتابعة القضية تشكلت
اللجنة برئاسة لواء من جهاز الامن وذلك بعد اسابيع من
اختفاء الخاتم وبحسب يعقوب لم تحرك اللجنة ساكناً فعند
إتصاله بها يطلب منه رئيس اللجنة الحضور اليه ويذهب
يعقوب فقط يسأله اللواء هل هناك جديد؟ قنع والد الخاتم
كما قال لي من خيراً في اللجنة وتأكد له انها لم ولن
تفعل شيئاً واذا كانت هذه اللجنة تشكلت بتوجيه من نائب
الرئيس شخصياً ماذا يفعل يعقوب؟ هداه تفكيره الى مقابلة
مساعد رئيس الجمهورية د نافع علي نافع وهذا ما حدث،
ووعده خيراً لكن في اليوم الثاني مباشرة هاتفه نافع
واخبره بأنه اجرى اتصالاته ولم يعثر على اثر لابنه
الخاتم اظلمت الدنيا في وجه الرجل المحتسب موسى يعقوب
وغطى لون السواد على المشهد مثلما هو لون عربة الخاتم
ماركة اتوس والتي لا تزال واقفة في فناء المنزل حتى الآن
اهتدى والد الخاتم الى مخاطبة رئيس الجمهورية وتوكل على
الله وكتب مذكرة شاملة للرئيس، وكان البشير حينها في
الحج وذلك في العام المنصرم وفق يعقوب في مقابلة رئيس
الجمهورية الذي ابدى عدم علمه بالامر رغم ان اكثر
المقربين اليه على علم بحادثة الاختفاء واعني اللواء
بكري حسن صالح، وزير رئاسة الجمهورية قال لي موسى ان
الرئيس قرأ منشورات الخاتم واستمع له طويلاً ووعده خيراً
وامر بتشكيل لجنة على وجه السرعة برئاسة مدير المباحث
الجنائية اللواء عابدين الطاهر وعضوية الشرطة والامن
والمخابرات تحت اشراف رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم
الطاهر استوقفني امر اشراف الطاهر على لجنة امنية سيما
وان الطاهر كان يشغل رئاسة لجنة الاعلام بالمؤتمر الوطني
والد الخاتم رجح اشراف الطاهر على اللجنة وأن المؤتمر
الوطني كان قد عزم على اصدار قرار في وقت مضى بتشكيل
لجنة لمحاسبة اجهزة الحزب اقترح الطاهر لرئاستها، اضافة
الى ان الاخير رجل قانوني ضليع ورئيس السلطة الرقابية
والتشريعية طبقاً لموسى ما هو متفق حوله ان اللجنتين لم
تتوصلا الى اي معلومة تقود الى فك طلاسم اختفاء الخاتم
بل ولم ترفع اللجنتان اي تقرير للجهات العليا لكن الصدفة
وحدها هي التي اجبرت لجنة احمد ابراهيم الطاهر على كتابة
تقرير والسبب الذي اضطر اللجنة الى صياغة تقرير مكتوب
بشأن الخاتم هو الاختراع الذي تقدم به محمد الخاتم الى
منظمة الملكية الفكرية العالمية الوايبو فالخاتم كان قد
تقدم باختراعه للوايبو في 2004 وظلت المنظمة تراسله في
فترة اختفائه بواسطة والده، وعندما احس موسى يعقوب بتعذر
مراسلة الوايبو ارسل لها خطاباً اشار فيه الى غياب
الخاتم في الوقت الحالي وعدم فهمهه لصيغة خطاباتهم لكن
الادارة القانونية للوايبو فاجأته بخطاب طلبت فيه اثبات
عدم وجود الخاتم حتى تحتفظ له بحقوقه حمل يعقوب خطاب
الوايبو الى رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر، واقترح
عليه الاخير الاستعانة بالمحامي المعروف والمستشار
القانوني لوفد نيفاشا الحكومي د عبد الرحمن ابراهيم
الخليفة واستنجد والد الخاتم بالخليفة وعاونه الرجل في
كيفية مخاطبة الوايبو لكن ولأن كل تفاصيل اختفاء الخاتم
محشوة بعلامات الاستفهام ومطوّقة بالغموض، وعلى ذات
المنوال جاء تقرير لجنة الطاهر الذي صدر في الاسبوع
الاخير من اكتوبر 2007م في صفحة ونصف الصفحة باللغة
الانجليزية حوى بيانات عامة عن محمد الخاتم المولد،
النشأة والدراسة ثم كانت المفاجأة فيما يلي ذلك ان حمل
التقرير الآتي
­ درس الخاتم بجامعة الخرطوم وكانت له خلافات مع زملائه
واختفى في فترة كذا الخ، وان اللجنة قامت بعمل مطابقة
المعلومات الخاصة به وصورته مع قوائم الشخصيات غير
المعروفة والمفقودة والموتى والذين غادروا البلاد بالبر
او البحر او الجو ولم تجد اسمه ولا يزال العمل جارياً،
والاكثر دهشة في تقرير اللجنة ان المدعي العام هو من
ذيّل توقيعه في آخر التقرير وتساءل والد الخاتم
وبأسى الخاتم لا مات لا فات اين هو اذن؟
واردف تساؤله بسؤال آخر
اذا كان ابني لديه مشاكل وحساسيات مع زملائه ماذا نفعل
لمن اثاروا تلك المشاكل تجاه زملاء الخاتم؟
وتجاوز يعقوب سؤالي له اذا كان يتهم جهة بعينها باختطاف
ابنه قائلاً الغموض يسيطر على اختفاء ابني
والمعضلة ان تكون هناك اجهزة تعمل بمعزل عن اخرى، فمن
الممكن ان امن الطلاب يقوم بعمل ما والآخرون لا علم لهم
به والدة الخاتم الاستاذة ميمونة والتي كانت طريحة
الفراش عقب اجرائها لعملية جراحية الاسبوع المنصرم قالت
لي­ وهي تحاول جاهدة السيطرة على دموعها­ انها تلقت
تأكيدات من عدة اطراف ان ابنها بمباني جهاز الامن وانها
ذات مرة تلقت اتصالاً هاتفياً طلب منها محدثها الحضور في
اليوم التالي الى مباني جهاز الامن لكتابة تعهد ومن ثم
تسلم ابنهم أيّد موسى وابنه وائل حديث الاستاذة ميمونة
واكدا ان المتصل بوالدة الخاتم ذكر لها اسم ضابط برتبة
العقيد وآخر معه اسمه جيمس سيقومان بإجراءات اطلاق سراح
الخاتم ذهب والد الخاتم وشقيقه في الصباح الباكر الى
مباني جهاز الامن وطلبا مقابلة الضابط المعني وعلموا من
الاستعلامات ان جنابوا لم يأتِ بعد، هكذا افادوهم وظلوا
في انتظاره حتى الواحدة ظهراً، وفي النهاية قال لهم رجل
امن بالمبنى انه ليس بينهم ضابط بذاك الاسم موسى يعقوب
قال وبكل صراحة ان ابنه كان في الفترة الاخيرة
مهجساً بحاجة اسمها جهاز الامن وطلب منه ذات مرة وكان
برفقته محامي مبلغ 2 مليون جنيه لنيته رفع دعوى في حق
اشخاص في جهاز الامن، والدته عضدّت حديث زوجها مشيرة الى
ان الخاتم وصديق له وبعد استخراجهم لتصديق انشاء منتزه
في المساحة الواقعة غرب سجن ام درمان الغت السلطات
الامنية التصديق مما سبب له احباطاً واشارت الاستاذة
ميمونة الى ان ضابطاً يحمل رتبة صغيرة بجهاز الامن
طمأنهم على الخاتم واكد لهم مقابلته لهم وطمأنهم على
صحته وقالت انها رفضت البوح باسم الضابط للجنة التحقيق
عند زيارتهم لمنزلهم برئاسة اللواء عابدين الطاهر وخشيت
والدة الخاتم ان يلاقي الضابط الصغير مصير ابنها واكدت
ان صلتهم بذلك الضابط انقطعت تماماً بعد ان نما الى
علمهم انشغاله بأحداث دارفور لكن اطرافاً اخرى اتصلت
بهاو طلبت منها التوجه في يوم بعينه الى السلاح الطبي
لرؤية ابنها من على البعد وتعلقت ميمونة بالقشة وذهبت
الى المكان المحدد ولم يأتِ الخاتم سألت الاسرة عن
مقتنيات الخاتم خاصة اوراقه ومذكراته، اجابني وائل ان
كل الاسرة بما فيها الخاتم كانت ستعمل لاب توب واحد فقط
وبعد اختفائه عثر داخل الكمبيوتر المحمول على بعض
المنشورات التي نشرها الخاتم في الجامعة وقام بمسحها
لكن والدته ذكرت موقفاً مر بهم بعد عام من اختفاء الخاتم
اكثر إدهاشاً مما سبق من احداث يملك كل فرد من افراد
الاسرة الخمسة مفاتيح خاصة به وجميعهم يغادرون المنزل
عند الصباح، هذا قبل ان يخصصوا حراسة للمنزل الآن وذات
يوم عادت والدة الخاتم مبكراً الى المنزل ووجدت ان الباب
الداخلي للمنزل مغلقاً بالطبلة من اعلى وليس من مكان
المقبض والخاتم هو الوحيد الذي يغلق الباب بذات الطريقة
واكتشفت بعد دخولها البيت وجود بعض التغييرات الطفيفة
وبعد التئام شمل الاسرة تناقشوا في الامر واكتشفوا ان
ملابس الخاتم التي جهزتها والدته لتقدمها لمرافقيه
بالسلاح الطبي قد اختفت واكتشف شقيقه وائل تغيير هيئة
عربة الخاتم من الداخل وتأكد للاسرة ان هناك من دخل
المنزل دون ان يحدث كسراً مما يعني انه استخدم المفاتيح
التي كانت بحوزة الخاتم لحظة اختفائه لكن والدته التي
تعتبر ابنها صديقها رجحت ان يكون الخاتم قد جاء المنزل
برفقة اناس وانه اغلق الطبلة بطريقته الخاصة به كي يوصل
لهم رسالة انه بخير وائل رجح ان يكون الهدف من تفتيش
المنزل البحث عن اوراق تخص الخاتم علامات استفهام لكن
تظل علامات الاستفهام تزداد حجماً لسببين الاول لماذا
صمتت اسرة الخاتم على اختفاء ابنها طيلة هذه المدة؟ وهل
اختفاؤه له علاقة بتوجهات يعقوب؟
والده موسى قال انهم كانوا متفائلين خيراً بالعثور على
ابنهم حتى انقضاء عامين ولم يستبعد ان يكون اختفاؤه
بواسطة جهة ما هي محاولات منها للتشكيك في الوطني لكنه
عاد ورجح ان تكون مواقف ابنه الاخيرة هي التي قادته
للاختفاء، لكن وائل يقول وبحسرة ان شقيقه لا هو مؤتمر
وطني ولا شعبي فلو كان محسوباً على الوطني ما فرطوا فيه،
واضاف حسني مصطفى اختفى في جوبا واجتهدوا في العثور عليه
والخاتم اختفى في الخرطوم واللجان التي تشكلت باوامر
رئاسية لم تصل لنتيجة وزاد الخاتم مجاهد ولم يعد الآن
مكان للمجاهدين وترى والدته ان صبرهم كان لثقتهم في
الجهات الرسمية رغم ان قيادات من حزب كبير نصحتها
بمقابلة لجنة حقوق الانسان بالامم المتحدة واثارة
المسألة عبر الاجهزة الاعلامية والفضائيات لكنها استدركت
انها خشيت من الاقدام على تلك الخطوة ان تكون التصفية هي
مصير ابنها ونفت ان يكون ابنها على علاقة بالشعبي رغم
تلقيها معلومات تفيد بأن الخاتم يشارك في القتال ضد
الحكومة في دارفور ضمن كتيبة تتبع للمؤتمر الشعبي لكنها
اكدت انها الآن لم تعد تخشى من شيء بعد ان يئست ولعل
ذات السبب هو الذي جعل موسى يخرج من صمته ويكتب في عموده
بأخبار اليوم اين المواطن محمد الخاتم؟ لكن هل بالفعل
ضايقت بعض الجهات المسؤولة الخاتم؟ولماذا؟
ولماذا انقلب محمد على المؤتمر الوطني؟ وهل عاد لصفوف
المؤتمر الشعبي؟ كلها اسئلة مشروعة في حالة الخاتم ففي
اعقاب المفاصلة الشهيرة بين الاسلاميين إنحاز الختام الى
المؤتمر الشعبي ووقف وبصلابة بجانب الشيخ الترابي لكن
بعد فترة كتب مقالاً بصحيفة الرأي العام ووجه فيه سهم
نقده للمؤتمر الشعبي اسماه ان الشعبيين قوم بهت وعاد الى
الوطني لكن يبقى اختفاء الخاتم لغزاً محيراً والامر ها
هو ذا كتاب مفتوح.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

بسبب خلافات الاخوان وفتنة السلطة
اختفاء ابن موسى يعقوب فى ظروف غامضة

حوار سهير عبد الرحيم
الراى ىالعام 16/3/2008


قصة اختفاء محمد الخاتم نجل الاستاذ الصحفي موسى يعقوب تصلح مادة ثرية للافلام الاكشن والتراجيدية والرومانسية والبوليسية معاً.
بطاقة محمد الخاتم تقول إنه مواليد العام 1976م وتحديداً في السابع عشر من مايو، تدرج في التعليم الى ان التحق بجامعة الخرطوم وتخرج فيها من كلية الاقتصاد.. واثناء سنوات الطلب تقلد مناصب قيادية في صفوف الحركة الاسلامية «المؤتمر الوطني» وسط الطلاب، ولكنه بعد فترة اختار الضفة الاخرى «الشعبي» ثم تركهما معاً.. واصبح له احباطاته ومواجعه ومواقفه الخاصة.
بسبب كل هذا وربما نتيجة له اختفى محمد الخاتم موسى يعقوب منذ ما يقرب العامين ولم يترك اثراً إلا ذلك الاثر البالغ وسط الاسرة وربها موسى يعقوب، وزوجته الاستاذة ميمونة المحاضرة بجامعة أم درمان الاسلامية.
جلسنا الي الاب والام ليحكيا القصة التراجيدية الكوميدية: سألنا في البداية والده:
---------------------------


? كيف اختفى محمد الخاتم؟
- اعتقد انه حدث له شئ ولا يريدون ان يعرف أحد بذلك.
? هل تستنتج ذلك أم لديك معلومة؟
- ليس لدى معلومة ولكن خارطة الطريق (بتاعته) توضح ما ذهبت إليه.
? ما هي خارطة الطريق لأبنك؟
- ابني اختلف مع زملائه في الجامعة وقد كان رئيس مجلس الشورى، الجميع يعرفونه معرفة شخصية وكان مجاهداً.. ولكن حدثت له تطورات واحباطات جعلته يغير مواقفه.
? ما نوع اختلافه مع زملائه هل هو اختلاف فكري أم تنظيمي؟
- الاثنان معاً اختلف معهم فكرياً وتنظيمياً، فبعد تخرجه في 2002م، وكان يعمل في الاعلام المركزي للطلاب حدث خلاف بينه وآخرين.
? هؤلاء الآخرون هل هم معروفون لديك؟
- معروفون لدىَّ ومعروفون للغير.. المهم اصبح إبني محمد الخاتم يذهب الى الجامعة ويهاجم النظام ويهاجم التنظيم وكان بليغاً في الحديث ويصدر بيانات مثل (بيان للمؤمنين) (وهذا بيان للناس) ويخطب في النشاط الطلابي وفي مسجد الجامعة وفي مسجد كلية الطب، واصبحت خطبة تحدث تأثيراً. وفي بعض المرات كان يتردد مع زملائه إلى المؤتمر الشعبي، وبعدها تركهم واصبح له تفكيره الخاص.
? هل يقربه هذا التفكير من الجماعات المتطرفة؟
- لا، إطلاقاً ولكن كان لديه هاجس تجاه الأمن بشكل عام لحدوث احتكاكات معهم وهو يعرفهم جيداً ويوجه لهم انتقادات.
ايضاً من ضمن احباطاته انه لم يجد فرصة عمل اطلاقاً وحتى محاولات العمل الخاص باءت بالفشل، وايضاً بسبب فشل خطوبته لابنة قيادي بارز في المؤتمر الوطني
? تقصد حدثت له صدمة عاطفية؟
- نعم حدثت له صدمة ولم تكن الأولى بل كانت الثانية ففي فترة الجامعة ارتبط بعلاقة مع احدى الطالبات وايضاً تزوجت من صديق له.
صمت الصحفي موسى يعقوب برهة وهو يمتص الألم ويتجرع الحسرة والأسى ومضى يقول:
ابني ذكي جداً وله اختراع لا يمت الى دراسته بصلة فقد كان على اتصال بمنظمة الملكية الفكرية «الوايبو» حيث اخترع وقود للطائرات وظلت ترد الى بعد اختفائه اتصالات عديدة من «الوايبو» وهم يسألون عنه اين هو واين ذهب ولماذا اختفى؟
? هل ادت هذه الاحباطات والصدمات الي مشاكل نفسية؟
- لقد ذهبت مع ابن محمد الخاتم الي طبيب نفسي في العام 4002م وكان يتناول عقاقير طبية ولكنه كان بصحة جيدة.
? وما الذي جعلك تتحدث الآن بعد كل هذا الصمت في الفترة الماضية؟
- نفد صبري.. نفد صبري.
في منزل اسرة محمد الخاتم بمدينة النيل كان المنزل يخيم عليه الحزن وعربة الخاتم عليها آثار الغبار والاتربة وآثار الزمن.. مضت عامان لم يدر فيها محرك العربة ولم يجلس صاحبها على مقعد القيادة، ولم يناد على اخته «صحوة» لكي تفتح له باب الجراج ليخرج السيارة.. عامان ولم يفتح كبوت السيارة لقياس الزيت وفحص البطارية وسكب الماء في اللديتر عامان والعربة تمارس الحداد على صاحبها بطريقتها.
دخلت المنزل وكل ركن فيه ينادي اين الخاتم؟! صورته معلقة على حائط الصالون في وضع بارز حيث يتسلم شهادة التخرج من مدير الجامعة وفي ردهات المنزل المتصلة ببعضها دلفنا الى غرفة أمه التي ترقد طريحة فراش المرض وهي تعاني من السكري.
? قلت لها كيف كان محمد الخاتم في ذلك اليوم الذي اختفى فيه؟
- انهمرت الدموع بغزارة من عينيها فتسرب الى نفسي احساس بالندم على سؤالي.
- اجابت وهي تبكي -
كان اليوم عادياً وعندما حان وقت الغداء كنت في حديقة المنزل عندما كان يهم بالمغادرة ناديت عليه (ماشي وين يا ولدي تعال اتغدى) فقال لي (بتغدى قدام) واسرع بالخروج فنادت عليه اخته صحوة (الخاتم نسيت موبايلك) فرجع لأخذ هاتفه وكانت هذه آخر مرة اراه فيها.
عندما تأخر حتى الساعة العاشرة مساء على غير عادته اتصلنا عليه في هاتفه الجوال فوجدناه مغلقاً ويأتينا الرد الآلي «هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حالياً» وبعد الساعة الثانية عشرة مساء ظللنا نبحث عنه في المستشفيات ومراكز الشرطة والمشرحة حتى ساعات الصباح، وظننا في البدء انه ذهب يتمشى في شارع النيل او ذهب الى مركز العفراء للتسوق وعلى أسوأ الفروض ان تكون قد ألمت به نوبة سكري، وبعد ثلاثة ايام فكرنا في الاستفسار من شركة موبيتل واستطعنا استعادة آخر المكالمات الصادرة والواردة من جهازه وكانت آخرها مع مسؤول طلابي قام ابني بارسال رسالة له من هاتفه يقول فيها: (سأصلك بعد ساعة يا.......» وبسؤالنا لهذا الشخص أنكر صلته بأبني او حدوث اتصال بينهما.
وكان ابني آنذاك يفكر في مشروع خاص بانشاء حديقة قرب سجن ام درمان وامضى خمسة اشهر وهو يحاول تحقيق ذلك ولكن المضايقات كانت تواجهه في كل خطوة.
? طيلة هذه الفترة ألم يصلك أي اتصال من أي جهة؟
- نعم جاءني اتصال من جهة ما (رفضت تحديدها) وطلبوا مني تجهيز ملابس لأبني وفعلاً قمت بتجهيز ملابس له ووضعت معها مصحفاً وعند عودتنا الي المنزل وجدنا الملابس غير موجودة لقد اخذوا الملابس وتركوا «المصحف الشريف»، كما عبثوا بمحتويات العربة ومن الواضح انهم قاموا بتعذيبه حتى اعترف لهم بوجود منشورات اسفل مقعد العربة وقد فتح من دخل منزلنا باب السيارة بمفتاح ابني وكذلك باب المنزل وباب الصالة مما يؤكد انها فتحت بمفاتيحها الاساسية والتي كانت مع الخاتم وليست هناك أي محاولة للكسر في هذه الابواب علماً بأن الخاتم عندما غادر كان يحمل معه مفتاح السيارة ومفتاح الصالة والمنزل وترك السيارة لأنها كانت معطلة.
? ما هي الاماكن التي تتوقعين وجود ابنك بها؟
- أما ان يكون مات ولم يلقوا به في الشارع او تعذب لدرجة لا يمكن معها رؤيته رغم ان ابني لم يفجر قنبلة ولم يقتل شخصاً ولم يطلق رصاصة إلا في جهاده بالجنوب، وقد ذهب الي الجنوب ثلاث مرات وامضى شهوراً عدة هناك وفي آخر مرة اصيب في كمين حيث دخلت شظايا في رجله وتم احضاره الى مستشفى السلاح الطبي، وفي احدى المرات جاءوا به في حالة غيبوبة نتيجة لملاريا خبيثة.
? كيف كان الخاتم في المنزل.. هل كان يعاني من مشاكل؟
- اطلاقاً.. لم تكن له أية مشاكل في البيت وطول اليوم هو في حالة قراءة واطلاع في كتب الفقه والسياسة. فوالده يملك مكتبة ضخمة كان الخاتم يقضي جل وقته فيها أو على جهاز اللاب توب واستمر في توجهه السياسي مع المؤتمر الوطني وبعدها بفترة تحول الى المؤتمر الشعبي ثم تركه ايضاً وكان له نشاط سياسي مكثف.
وقد وردت إلينا معلومات مختلفة حوله فهناك من يقول إنه في دارفور ومنهم من يقول انه معتقل.
? إلى اين وصلت مساعيكم للبحث عنه؟
- وصلت إلى السيد رئيس الجمهورية، وقال لنا الرئيس انا لا اقبل القول إن مواطناً مفقوداً فهو اما ميت أو معتقل. وأمر الرئيس بتكوين لجنة للبحث ومعرفة مكان اختفائه واقسم رؤساء اللجنة وهم على اعلى مستوى قيادي انهم وفي خلال ثلاث اسابيع ستكون هناك نتيجة واضحة في كل الاحوال. ومضت الآن ستة اشهر منذ تكوين هذه اللجنة ولكن لا نتيجة حتى الآن.
? قلب الأم لا يكذب.. ما هو احساسك اين ابنك.. اين هو الآن؟
- ولدي ألم به مكروه هو مريض بالسكري ربما عذبوه او قطعوا اطرافه أو ان يكون مشوهاً أو به اذى لهذا لا يريدون الافراج عنه.. هذا ما يتبادر الي ذهني. وانفجرت الأم مرة اخرى بالبكاء. مسحت الحاجة ميمونة دموعها وقالت لي عندما اقود سيارتي اشاهد أناساً في الشارع يشبهون ابني فأعود بعربتي الى الخلف لاتفرس في وجوههم واقول هل هذا ابني أم لا.. لقد خرج عصر الجمعة 3/3/2006م واكمل عامه الثلاثين بين ايديهم كنت اتمنى ان اراه يتمتع بشبابه وان يتزوج واري اولاده.
? هل تشكين في جهة بعينها؟
- أنا على ثقـــة انه في ايدي جهة ما وقد اكد لنا اكثر من اربعة اشخاص انهم رأوه في جهة ما.. ابني عايش ولكن اين هو؟ لقد مرضت بشدة بعد اختفائه وعميت عيني اليمنى من شدة البكاء وحدث لي نزيف في الشبكية (وموية بيضاء) في العين الاخرى ومن المفترض ان اجرى اكثر من ثلاث عمليات لعيوني ولكني لن اجرى عملية قبل عودة ابني فإبني هو نور عيوني.
ودعت الأم وخرجت وهي ما تزال تبكي بعدان فشلت كل مجهوداتي في ان ابعث في نفسها الأمل في عودة ابن لم يحرق ولم يغرق ولم تدهسه سيارة وليس له اثر لا في المشرحة ولا في مراكز الشرطة ولا في المستشفيات ولا في المعتقلات.. السؤال يطرح نفسه اين محمد الخاتم؟
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 847 2008-03-22

بين قوسين
السر فى تماسك الحركة الإسلامية

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-03-20




الحركة الاسلامية التى يتهمها البعض (جهلاً) وغرضاً أنها وراء الانشقاقات التى ضربت أحزابهم هى من أكثر الكيانات التى كانت (ضحية) لتلك الانشقاقات. فقد كان أول انشقاق حدث فى صفوف الحركة وهى بعد وليدة ذلك الانشقاق الذى قاده المرحوم الأستاذ بابكر كرار وقد كان من المؤسسين الأوائل لحركة (الاخوان المسلمين) و أعتقد أنه عندما ترك صفوف الحركة فقد كان فى منصب الأمين العام.
كان الزلزال الثانى الذى ضرب صفوف الحركة هو خروج المغفور له الأستاذ الرشيد الطاهر بكر والذى كان ايضاً فى منصب الأمين العام عندما ترك الحركة وانضم الى الحزب الاتحادى الديمقراطى. ثم كانت الفترة التى أعقبت ما سمى بالمصالحة الوطنية مع نظام الرئيس جعفر نميرى والتى شهدت سلسلة من الانشقاقات أو بالأحرى عمليات (الفصل) التى طالت طائفة من أبرز الرموز من قيادات الحركة الاسلامية والتى شملت من ضمن من شملت واحداً من أعظم وأنبل قيادات الحركة وهو الأستاذ الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد أمد الله فى أيامه وقبله الأستاذ محمود عبد الله برات رحمه الله.
غير أن مسألة خروج الأستاذ صادق وقبله الأستاذ برات يمكن أن تندرج تحت بند آخر من بنود (الانشقاق) ذلك أن الأستاذين صادق وبرات قد تم فصلهما من الحركة بايعاز من الترابى وذلك لأسباب لم تكن مقنعة لكثيرين من الاخوان الذين ان رضخوا لحكاية الفصل فان قليلين منهم استجابوا لما أصدره الترابى من قرارت بدت - ليس فقط غير مقبولة وغريبة على طبائع المجتمع السودانى - بل كانت متصادمة بشكل حاد مع القيم والآداب الاسلامية وهى مسألة (المقاطعة) فقد أمر الترابى الاخوان أن يقاطعوا الشيخ الجليل صادق عبد الله بالرغم من أن الكثيرين يعتبرون الشيخ صادق بمثابة (الأب الروحى) للجماعة.
لا زلت أذكر اليوم الذى بدأت فيه جلسات (المؤتمر الخامس) والذى انعقد فى العام 2000 وذلك بعد ثمانى سنوات من اقدام الترابى على حل الجماعة فى العام 1992. أذكر أننى كنت أقف على المنصة الرئيسية خلف الـ (الهاي تيبل) عندما سمعت ضجة كبيرة وهتافات (الله أكبر) تهز قاعة المؤتمر فى أرض المعسكرات بسوبا وعندما تبينت الأمر رأيت أن ذلك كان استقبالاً حاراً من الـ (خمسة آلاف عضو) للأستاذ صادق والذى كان (ضيف الشرف) فى المؤتمر.
ذلك الاستقبال لم يكن فقط للترحيب بالشيخ الجليل صادق عبد الله بل كان فى واقع الأمر رداً على قرار المقاطعة ورفضاً واستنكاراً له وكذلك كان (تكريساً) لذلك الرفض الذى مارسه الاخوان وهم يحافظون على علاقتهم الطيبة والحميمة بواحد من أنبل من أنجبتهم الحركة الاسلامية: نظافة فى اليد, صدقاً فى اللسان, طهارة فى القلب وعمقاًً فى الايمان.
لقد عبر (المؤتمرون) وهم يمثلون الاخوان فى كل أنحاء السودان بتلك الصورة العفوية التلقائية باستقبال الشيخ صادق, عبروا عن واحدة من أهم الركائز التى قامت عليها الحركة الاسلامية وهى الوفاء لذوى السبق من الرعيل الذى بنى الحركة وصبر على (ابتلاءاتها) عندما لم تكن تقدم لمنتسبيها وقياداتها غير الابتلاء.
وبما أن المشهد كان فى مؤتمر (تأسيسى) فقد كان ذلك بمثابة (ميلاد جديد) لوحدة تعيد شمل الحركة الاسلامية على ذات الأسس الصافية التى قامت عليها كما أن ذلك الموقف قد عبر عن واحد من (الأسرار) التى كانت و لا تزال السبب فى بقاء الحركة الاسلامية قوية ومتماسكة وتسجل كل يوم درجة من درجات التقدم والثبات. هنالك (أسرار) أخرى كانت السبب فى تماسك هذه الحركة نعرض لها فى مقال قادم باذن الله.

العدد رقم: 847 2008-03-22

بين قوسين
الحركة الاسلامية وممارسة الشورى

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-03-22




استعرضت فى مقالى السابق بعض مفردات وحيثيات ويوميات وتفاصيل الانشقاقات والزلازل التى ضربت صفوف الحركة الاسلامية السودانية الحديثة وهى منعطفات و (مطبات) خطيرة لو أنها أصابت أى حركة سياسية أخرى لذهب ريحها وتشتت صفها وتفرق جمعها خاصة وأن تلك الانشقاقات قد ضربت الحركة وعودها لما يزل (طرياً) وتأثيرها ضعيفاً وعضويتها قليلة ومحدودة.
غير أن أخطر تلك (المنعطفات) كانت عملية حل الجماعة على يد الترابى فى العام 1992. كان الرجل قد تم انتخابه أميناً عاماً لحركة الاخوان المسلمين بعد الشيخ صادق عبد الله والذى لم يشأ وهو الحريص على وحدة صف الجماعة أن يدخل فى منافسة مع الرجل القادم من (باريس) وذلك بعد أن رأى (أى الشيخ صادق) تعلق الاخوان بالترابى واصرارهم على انتخابه أميناً عاماً. لذلك انسحب الشيخ صادق فى هدوء ورضى أن يعمل جندياً فى صفوف الحركة بل وكان من أشد المؤيدين للترابى ولم تصدر منه قط اشارة سالبة تجاه الرجل الذى حل محله.
غير أنه ومنذ اليوم الأول لتقلد الترابى زعامة الحركة بدأت المشاكل والنزاعات خاصة من بعض الاخوان الذين كانوا يوجهون له الانتقادات بأنه يسعى الى اضعاف الصبغة التربوية للجماعة ويركز على الجوانب السياسية وحدثت منازعات عنيفة حسمها (مؤتمر بحرى) الشهير الذى انعقد فى العام 1969 وذلك قبل وقت قصير من انقلاب مايو. ذلك المؤتمر انتصر للترابى وأعطاه صلاحيات واسعة قادته فى نهاية الأمر الى أن يصبح الزعيم الذى ليس له منافس.
كان من نتائج مؤتمر بحرى أن عدداً مقدراً ومميزاً من قيادات الحركة قد انسلخوا عنها ومن أبرزهم الدكتور الشهيد محمد صالح عمر الذى عوضاً عن البقاء فى السودان لمنافسة الترابى وتوسيع الهوة فى صفوف الجماعة توجه الى الجهاد فى فلسطين. بعد ذلك بقليل قام الانقلاب المايوى بوجهه الشيوعى القبيح فأرسل الشهيد محمد صالح عمر رسالة للترابى يخبره فيها أنه يعتبر نفسه (جندياً) فى صفوف الحركة وأنه فى انتظار (التعليمات)! رحم الله الشهيد محمد صالح عمر. لقد كان منافساً قوياً للترابى.
وبالفعل وبتوجيه من قيادة الحركة بالداخل لعب الشهيد محمد صالح عمر دوراً (محورياً) فى التخطيط لمعركة (الجزيرة أبا) وأحداث مارس والتى كان هو أحد شهدائها حيث قاد كتيبة (انتحارية) وهاجم مصنع أسمنت (ربك) وأشعل فيه النار وذلك لالهاء قوات النميرى حتى يتمكن الشهيد الامام الهادى المهدى من الخروج سالماً من الجزيرة أبا وهذا ما حدث واستشهد محمد صالح عمر.سألت مرة الترابى عن تلك الرسالة التى بعث بها الشهيد محمد صالح عمر اليه فقال لى انها قد (ضاعت)!
كان الترابى فى بداية عهده حريصاً على أن يمارس دور (الزاهد) فى المناصب والزعامات لدرجة أنه كان يصر على أن ينادى بـ (الأخ الأمين العام)! من الأشياء التى عرفها البعض منذ مدة طويلة وأدركها البعض (بعد فوات الأوان) أن ما كان يمارسه الرجل من زهد فى المناصب لم يكن فى حقيقة الأمر سوى جزء من خطة طويلة المدى وذات نفس هادئ تكون نهايتها الاستيلاء الكامل على الحركة وتوجيهها وفق ارادته و(أجندته)!
ان عملية حل الحركة التى قام بها الرجل تمت بدون مسوغ قانونى اللهم الا أنها جزء ومرحلة (متقدمة) من تلك الخطة. ففى ظل سيطرته الكاملة على مفاصل القرار فى الدولة والحركة أقدم الرجل على حل الحركة الاسلامية حتى تكون له السيطرة الكاملة على مقاليد الأمور توطئة للقفز الى دست الرئاسة, رئاسة الجمهورية.... لكن من الذى وقف فى طريقه وقد صار قاب قوسين من تحقيق الحلم ؟...انها الشورى التى كانت واحدة من مقدسات تلك الحركة و ذلك حديث نفصله غداً باذن الله.



السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 848 2008-03-23

بين قوسين
الحركة الاسلامية غير قابلة للانقسام

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-03-23




حاولت فى مقالى السابقين أن أرسم للحركة الاسلامية صورة ربما بدت لبعض القراء الأعزاء على انها (متناقضة) بعض الشئ فالصورة ترسم حركة تناوشتها سهام التشتت والانقسام بصورة ربما لم تحدث فى أى كيان سياسى آخر وفى نفس الوقت حاولت أن أرسم صورة لحركة قوية لم تؤثر فيها تلك الانقسامات والهزات وهذا ربما يمكن أن يكون موضع ذلك التناقض الذى عنيت فكيف ذلك وما تفسير هذا التناقض المفترض؟
وفى حقيقة الأمر ربما يكون هذا التناقض هو المقصود لذاته من أجل توضيح الصورة بشكل دقيق. فالذى حدث للحركة الاسلامية بالفعل محير ومربك و(متناقض) خاصة اذا ما أجرينا عمليات الطرح والجمع وخرجنا بالنتيجة النهائية. ان الحقائق التاريخية تقول ان هذه الحركة قد شهدت خروج أو اخراج أو (طرد) أربعة ليس من قياداتها بل من (قادتها) أى الأمناء العامين تحديداً!
انه أمر ليس بالهين. هل يمكن تخيل ما يمكن أن يحدث فى أى كيان سياسى اذا حدث له ما حدث للحركة الاسلامية؟ أعتقد أن الاجابة واضحة والنتيجة أوضح وهى التلاشى الكامل والنهائى لتلك الجماعة. اننا نشهد ما يحدث فى الأحزاب من حولنا وهى لم تتعرض لاقصاء (زعمائها) طبعاً مع ملاحظة الفارق النوعى والذى يتلخص فى أن زعماء أحزابنا هم (غير قابلين) للاقصاء و بالرغم من ذلك فان الانشقاقات و(الانسلاخات) قد أحدثت فيها آثاراً بالغة.
فى كل مرة يحدث انشقاق فى صفوف الحركة الاسلامية يعتقد الناس أن تلك هى (القاضية) وأنه لن تقوم لها قائمة خاصة ما حدث فى آخر تلك (العمليات الجراحية) والتى كان من نتائجها (طرد) آخر أمين عام لها وتجريده من كافة مناصبه وهى عملية كانت شاقة ومعقدة فى آن واحد فالرجل كان قد (تغلغل) و تمدد فى كل مفاصل الحركة لا لسبب الا لأنه ظل فى منصب الزعامة مدة تزيد على الأربعين عاماً!
ان رجلاً بهذه الصيغة والصفة ظل يتربع بلا منازع على القيادة والسلطة طيلة هذه المدة غالباً ما تكون عملية (نزعه) شاقة ان لم تكن مستحيلة خاصة اذا كان بقاء الرجل كان بقصد وتخطيط منه (ألا يخرج أبداً). ان زعيماً يبقى فى السلطة طيلة هذه المدة فانه يخلق ( أجساماً مضادة) للنزع والاقصاء حتى لو لم يقصد ذلك.
ولكن الرجل نزع منه السلطان كما تنزع الشعرة من العجين ولكن (المعجزة) هى ان تلك العملية لم تترك على جسم الحركة الا (ندبة) كالتى تتركها أى عملية جراحية. ان السر الذى جعل اخراج رجل مثل الترابى ممكناً فى ضوء الظروف التى شرحتها هو أن كل ما كان يتم كان يجرى بطريقة شورية. حتى قيادة الترابى وتقلده كافة المناصب تمت بطريقة شورية وبرضاء قواعد الحركة وقياداتها. ان أحداً لم يقل أبداً أن الترابى قد انتزع قيادة الجماعة بطريقة فيها شبهة تزوير أو اكراه. بالعكس وهذا هو (الاكسير) الذى حفظ هذه الجماعة وهو أنها كانت تحافظ على ممارسة الشورى وانتخاب القيادة حتى والجماعة تعيش ظروفاً صعبة تحت المراقبة الأمنية من الأنظمة القمعية.
ان جماعة بهذه المواصفات لن تسمح لأحد أن يخرج على تقاليدها الراسخة تلك خاصة اذا حاول ذلك الأحد أن يستغل تلك التقاليد من أجل الخروج عليها وتحويل (مجراها) وهذا ما حاول الترابى فعله لذلك فقد تم اقصاؤه بنفس الآليات الشورية التى انتخبته. ان مؤتمر العشرة ألف عضو الذى جدد للترابى آخر دورة له هو نفسه الذى أقصاه بعد شهور قليلة. ان الحركة الاسلامية غير قابلة للانشقاق وهى محصنة ضد السطو!.


ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 851 2008-03-26

بين قوسين
ولماذا السرية؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-03-25




فى عدد الأمس ناقشت قضية تتعلق بسؤال ظل يشغل الناس وهو ما يعتقدونه ستاراً مزعوماً من (السرية) تضربه الحركة الاسلامية على نشاطاتها. وأعتقد أننى قد أوضحت أن هذا الزعم ليس له أساس من الواقعية و عرفت بشكل مهنى ماهية نشاط الحركة الاسلامية فى السودان. غير أننى أشعر أن المسألة يجب ألا تقف عند هذا الحد بل ان العديد من الأسئلة حول القضية لا تزال تحتاج الى اجابة وهى أسئلة مبدئية و فلسفية ومن ضمنها : لماذا السرية فى نشاط الحركة الاسلامية أو بعبارة أدق : هل يجوز فى حق الحركة الاسلامية ان يكون نشاطها سرياً؟.
ان الاسلام هو الدعوة الخالدة وهو الرسالة الخاتمة التى أنزلها الله للبشرية ولئن اقتضت بعض الظروف فى بداية الدعوة ان يمارس الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً وذلك لأسباب عملية فانه سرعان ما جاءه أمر الله أن يصدع بما يؤمر (وأعرض عن الجاهلين). والدعاة الى الله يضطرون فى بعض الظروف الأمنية المحيطة بهم الى أن يكون نشاطهم سرياً والحركة الاسلامية فى السودان ليست بدعاً من ذلك ولا استثناءً. ان هذا ربما يفسر للبعض ما يبدو لهم نوعاً من تلك السرية.
غير أن ظروف الحركة الاسلامية فى السودان – ولله الحمد والفضل والمنة- ربما تكون أحسن من غيرها من الحركات الاسلامية المعاصرة. فالحركة الاسلامية لم تلق ما لقيته العديد من تلك الحركات من اضطهاد وظلم وصل فى أحيان كثيرة درجة (الاستئصال) الكامل ولئن بقيت تلك الحركات على قيد الحياة فذلك مما يمكن أن يطلق عليه أنه سنة الله التى اقتضت أن تبقى تلك الجماعات (شاهدة) على الناس وحجة (يوم القيامة)على الذين حاربوها وحاربوا دين الله وحاولوا (أن يطفئوه).
ان الحركة الاسلامية السودانية ليست فى حاجة اليوم الى أن تمارس نشاطها بشكل سرى فلم يعد سراً أن المشروع الاسلامى الذى يتم تطبيقه فى السودان اليوم هو مشروع قامت الحركة الاسلامية باعداد (دراسة الجدوى) له ثم قامت بالترويج له وتسويقه للناس وهى التى أمنت له (التمويل) وأشرفت على تنفيذه وقدمت فى سبيل ذلك العديد من صور التضحيات من دماء خيرة أبنائها من الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة فى سبيل الله وفى سبيل المشروع.
أما الأهم من كل ذلك والجدير بالاعتبار والنظر فهو ان الشعب السودانى على علم كامل ودراية تامة بكل ذلك لأن الحركة الاسلامية انما قدمت مشروعها لشعبها وكانت تدرك منذ البداية أن هذا المشروع سينال رضا الشعب السودانى لأنه مستمد من تاريخه ويتماشى مع تقاليده ومثله لذلك فقد احتضن الشعب السودانى المسلم المشروع الاسلامى وقاتل دفاعاً عنه وقدم فى سبيله الغالى والنفيس من التضحيات ولا يزال مستعداً لذلك.
لقد اختلطت دماء أبناء الحركة الاسلامية مع دماء بقية أبناء الشعب فى سبيل الله والنتيجة النهائية والمحصلة من كل ذلك هو أن المشروع الاسلامى فى السودان لم يعد خاصاً بالحركة الاسلامية بل صار (ماركة سودانية مسجلة) وماذا تريد الحركة الاسلامية أكثر من ذلك وما الذى يدعوها الى السرية؟.


السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

[b][b][size=24]العدد رقم: 863 2008-04-07

بين قوسين
العودة إلى جذور المشكلة

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-04-05





العودة إلى جذور المشكلة
لا تخلو صحيفة من الصحف هذه الأيام و لا منتدى من المنتديات من حديث عن ما يسمونه (المفاوضات) بين الوطنى والشعبى أو بعبارة أخرى اعادة الوحدة الى الحركة الاسلامية. الشعار لابد أنه شعار طيب ويلامس شغاف قلوب عدد كبير من الاسلاميين. لكن المسألة ليست بهذه (البساطة) وعودة الوحدة الى صفوف الحركة الاسلامية يجب ألا ينظر اليه من تلك الزوايا (العاطفية) لأن تلك النظرة لن تقود الى أية نتائج على أرض الواقع.
انه من المفهوم أن الطبيب المعالج وعندما يريد أن يقدم الوصفة العلاجية المناسبة لمريضه لابد له من أن يقوم بعملية (التشخيص) لذلك المرض أولاً وهذه المسألة تقتضى من الطبيب أن يلم بـ (تاريخ المرض) وما اذا كان أى من (أسلاف) ذلك المريض يعانى من ذات المرض وما شابه وتلك خلفية مهمة تمكن الطبيب من التوصل الى تحرير الوصفة العلاجية الصحيحة التى تقود الى العلاج الشافى.
ان الذين يتحدثون عن التفاوض مع المؤتمر الشعبى لابد لهم أولاً من العودة بالأمور الى بداياتها الأولى و (تحليل) تلك البدايات وارجاع المشكلة الى (عناصرها) الأولية وأيضاً (تحليل) تلك العناصر لأنه فى تلك الفترة تكمن (الجذور) الحقيقية للمظاهر التى نراها اليوم أو ما يمكن أن نطلق عليه (يوميات) النزاع الحالية.
وهنالك حفنة من الأسئلة لابد من أن تكون الاجابات عليها واضحة ومعلومة للجميع. ومن ضمنها سؤال عن الذين يتحدثون باسم المؤتمر الشعبى: من هم وما هى صلاحياتهم فى الوصول الى أى اتفاق! ان هذا السؤال يمكن وضعه بصيغة أخرى وهى (استرجاع) واستعراض الظروف التى قام فيها حزب المؤتمر الشعبى. والاسئلة تمتد لتشمل قضية أخرى أكثر أهمية بل هى القضية المحورية وهى تشخيص ما حدث : هل هو (انشقاق) بالمعنى الكلاسيكى للكلمة أم ماذا؟
حسناً دعونا نرسم صورة (قلمية) لتلك الأيام التى كان فيها الاسلاميون لاهم لهم غير الاجتماع والانفضاض من أجل هدف واحد وهو (اقناع) السيد الترابى بأن يعتزل منصب الأمين العام بسلام وهدوء بعد أن قر رأى الأغلبية الساحقة منهم على أنه لم يعد الشخص المناسب للاستمرار فى ذلك المنصب. لقد أحصيت أكثر من خمسة عشر مجموعة فى تلك الأيام تجتمع يومياً صباح مساء من أجل انجاح عملية (نقل السلطة) بسلام.
اجتمع ما يربو على (ألف وخمسمائة) فرد من كبار شيوخ وقيادات الحركة الاسلامية ذلك الاجتماع التاريخى فى قاعة الصداقة ودُعى الترابى لذلك الاجتماع غير أنه سخر منه بل وأصدر مذكرة (يحذر) من حضور الاجتماع وقام الاجتماع وطالبه بالتنجى.
جاء عدد من كبار قادة الاخوان من كل مكان من العالم الاسلامى وطالبوا الرجل بنفس المطلب لكن الرجل أصم أذنيه وأصر على موقفه. اجتمع المؤتمر العام للمؤتمر الوطنى أو ما عرف بمؤتمر (العشرة آلاف عضو) وقرروا عزل الترابى بما يشبه الاجماع وتم عزله فقط من منصب (الأمين العام) ولم يتطرق المؤتمر الى فصله من عضوية التنظيم وبالرغم من ذلك أنشأ حزبه. ان التسمية الصحيحة لذلك الحزب هى أنه حزب (منشق) وهذه تختلف عما يسمى بانشقاق الحركة الاسلامية.

العدد رقم: 863 2008-04-07

بين قوسين
لكل حادث حديث

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-04-06




حاولت فى مقالى السابق أن أحلل الظروف التى نشأ فيها حزب المؤتمر الشعبى ورجحت أن التسمية الصحيحة لذلك الحزب هى أنه حزب (منشق) أكثر من كون ما حدث هو (انشقاق) فى صفوف الحركة الاسلامية. هذه مسألة مهمة لأن التسمية الخاطئة هى مثل (التشخيص) الخاطئ للمرض يقود كلاهما الى العلاج الخاطئ.وتنبع أهمية تلك المسألة من أنه اذا كان هذا الحزب (منشقاً) فان ادارة الحوار معه تختلف عن ادارة الحوار فيما اذا كانت العملية هى انشقاق فى صفوف الحركة الاسلامية لأنه كما يقولون لكل حادث حديث ولكل حالة لبوسها.
أما المسألة الأخرى المهمة فهى شخصية الرجل الذى (انشق) وطبيعة الوضعية التى يتمتع بها من يقودون اليوم (المفاوضات) مع المؤتمر الوطنى. ولتوضيح رأيى حول هذه النقطة بالذات أحكى لكم ما حدث فى الأيام الأخيرة من الأزمة وأنا هنا أنقل الرواية عن شخصية كبيرة ونافذة.
كان أحد الشيوخ الكبار من قادة الاخوان (من خارج السودان) يقود جهود وساطة وطلب من الحكومة أن تسمح له بمقابلة (أخيرة) مع الترابى والذى كان حينها فى السجن. قال الرجل انه قد تكلم مع الترابى (أمس) وأنه اتفق معه على كل شئ من أجل حل الخلاف وأن الترابى طلب منه أن يتحدث مع عبد الله حسن أحمد وأنه يوافق على كل ما توافق عليه (جماعته فى الخارج).
تمت الموافقة على الزيارة ليس هذا فحسب بل فتحت أبواب (سجن كوبر) لتدخل سيارة القصر وبداخلها الشيخ الجليل. انتظر الناس عودة الشيخ ولما جاء قال كلمة واحدة (اتركوه) ولما سألوا المزيد والايضاح قال انه وبعد أن اتفق مع الترابى وذهب لتأكيد الاتفاق بعد أن أكد له أنه اتفق مع عبد الله حسن أحمد على كل شئ تنصل الترابى بحجة (اننى سجين) والسجين لا رأي له.
الشاهد فى قولى هذا وعطفاً على ما قلت الآن وفى مقالاتى السابقة فاننى أرى أن أى شخص فى هذا الحزب لا يملك رأياً يخالف الترابى والأصوب والحالة هذه هو أنه اذا كان لابد من حوار فليكن مع الترابى شخصياً. ان أى مفاوضات مع أى شخص غيره هى مضيعة للوقت بل اننى أعتقد أن العملية كلها محاولة من الترابى لكى يسخر من قادة المؤتمر الوطنى ويظهرهم بمظهر (المتهافت) للصلح معه.
وشاهدى على ذلك هو أنه وقبل حدوث مفاوضات صلح بين أى جماعتين فلا بد أن تكون هنالك مظاهر تدل على تقارب بين تلكما الجماعتين فأين هى مظاهر التقارب مع الترابى؟ قبل أيام صرح الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل بأنه يتوقع لقاءً بين البشير والترابى فخرجت كل الصحف فى اليوم التالى تقول ان الترابى يرفض لقاء البشير.
قبل أسبوع سألت احدى صحف الجنوبيين الترابى حول ما اذا فازت الحركة الشعبية وجاء (رئيس مسيحى)! أجاب الترابى انه اذا كان هنالك مرشح مسيحى ومرشح مسلم (فسأصوت) لمن كان منهم (أميناً)! الايحاء واضح فالترابى يقصد أن يقول أن المسلم ليس (أميناً) لكن ما يقصده الترابى (أكثر) فهو أنه يريد أن يقول أن الرئيس البشير ليس أميناً لأنه يعلم أن مرشح المؤتمر الوطنى هو الرئيس البشير. أين مظاهر التقارب مع هذا الرجل!!! على مسؤوليتى لا تضيعوا وقتكم و( قولوا الزومة قال)!.



السودانى
[/b]
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد 179 - الأربعاء 9 أبريل 2008


د. التجاني عبد القادر في حوار متجدد (1):ندرة المفكرين بالحركة الاسلامية أعاق خروجها من الأزمة

الحوار المعلن حيناً والمسكوت عنه أحياناً بين شطري الحركة الإسلامية الرئيسيين ، جعل العديد من المهتمين يتساءلون عن المنهج الذي يقوم عليه ، وأي القضايا

يخاطب ذلك الحوار، ويفتح ذات الحوار أسئلة من شاكلة هل خاض الناشطون على رتق شق الإسلاميين القضايا التي أدت إلى العاصفة التي ضربت التنظيم ؟! الأحداث من خلال بحثها وتنقيبها في هذه المسألة وتنشيط الذاكرة بشكل عام ، وذاكرة المتحاورين ، تعيد نص المقابلة التي أجرتها صحيفة (الصحافي الدولي) في العام 2000م مع د. التجاني عبد القادر، فإلى الجزء الأول منه...
نص المقابلة المطولة مع صحيفة الصحافي الدولي والتي نشرت في عام :2000م
وقعت فتنة عظيمة بين الإسلاميين طاولت واختبرت الكثير من أطروحاتهم, كيف تقرأ وتوصف ما حدث؟
د. التجاني عبد القادر : توصيف ما وقع من أحداث بين الاسلاميين يقتضينا أن نعيد النظر في الرؤية الأساسية التي قامت عليها الحركة الاسلامية في السودان وارتكز عليها المشروع الاسلامي, باختصار يمكن أن أقول أن أحد مكونات هذه الرؤية هي محاولة تكوين نخبة من ذوي الالتزام الخلقي والتحرر الفكري والإنتماء الوطني والإنفتاح العالمي, وأنها تروم من خلال التنظيم الإداري أن تجعل تلك النخبة ذات قدرة عالية على التآخي الروحي, وذات قدرة علمية على فهم أصول ومبادئ الاسلام وذات قدرة وتأهيل علمي تمكنها ايضاً من فهم الواقع السوداني والاقليمي المعاصر ومن ثم نستطيع باستيعابها لعناصر الفكر الاسلامي ولعناصر الواقع السوداني والاقليمي المعاصر أن تركب برنامجاً ثقافياً اجتماعياً سياسياً يستطيع أن يستوعب مشاكل المجتمع السوداني ويستطيع أن يواجه أسباب التخلف في هذا المجتمع وينطلق به الى مراحل أرقى من حيث النمو الروحي والمادي معاً, فيكون بذلك نموذجاً للتحول الحضاري المنشود.
هذه الرؤية تقتضي إيجاد تنظيم اداري له هياكل محددة وعلاقات واضحة, كما تقتضي أيضاً وجود قيادة فاعلة ومتجددة, ليست قيادة سياسية فحسب، وإنما قيادة متكاملة يلتقي فيها السياسي والاجتماعي والفكري ، وقادرة على التجديد والتجدد. ويقتضي هذا ايضاً معرفة بواقع المجتمع السوداني وبمسببات التخلف, بمعنى آخر يمكن أن نقول إن مشروع الحركة الإسلامية مشروع تنموي, لأن الحركة الاسلامية ليست منفصلة اصلاً عن مسائل التنمية في المجتمع السوداني. التنمية في المجال الاداري والبشري, وكل هذه الجوانب تستبطن من حيث ما نظرت اليها قدراً من المشاكل, فإذا نظرت مثلاً الى ناحية المكون الفكري للحركة الاسلامية وعلاقاته بالتراث الاسلامي فستجدها منطقة شائكة لأننا لا نريد اعادة إنتاج التراث الاسلامي بتفاصيله ومشاكله, وإنما نريد أن نقف منه موقفا علمياً موضوعياً فاحصاً فنأخذ الجوانب التي لا بد منها ونترك الجوانب التي لابد من اسقاطها, وهذه عملية تحتاج الى بصيرة وجهد نقدي كبير, ولكن النقد واعادة القراءة والتقويم قد تدخل الحركة الاسلامية في مشاكل أخرى وقد وقع ذلك بالفعل إذ أن بعض مشاكل الحركة الاسلامية وبعض جوانب الأزمة التي تعاني منها الحركة الاسلامية الآن متصلة بالجانب الفكري, ولكن كيف تكون القيادة وكيف تبدل وكيف تحاسب فهذه ايضاً مسائل ضرورية ولكنها ايضاً منار اشكال وذات صلة وثيقة بالأزمة الراهنة.
هناك جانب آخر يتعلق بالتنظيم الاسلامي نفسه الذي تولد فيه القيادة فهو تنظيم اداري قصد به ترتيب الأولويات وجمع المعلومات وحشد الموالين.. الخ, إلا أن التنظيم كهيكل اداري يمكن أن يفرز مشكلات ذات طبيعة فكرية وسياسية ولا يخفى عليكم انه عندما وصلت الحركة الاسلامية الى مرحلة الدولة نشأ الاشكال هذه المرة في منطقة العلاقة بين الدولة والتنظيم, وهذه مشكلة وإن كانت إدارية إلا أنها متعلقة بالناحية الفكرية وبالنظرة الكلية للعمل الاسلامي وبمستقبله في السودان, هناك ناحية أخرى متعلقة بتركيبة المجتمع السوداني السياسية والاجتماعية وتأثيراته سلباً أو ايجاباً على الحركة الاسلامية, وهذا ايضاً مكان نزاع ومكمن اختلافات لأنه يمكن أن تختلف الرؤى حول مكونات وخصائص المجتمع السوداني وما هو أساسي وما هو طارئ.
ويمكن أن ينشأ خلاف حول تقدير مواقف القوى السياسية قرباً أو بعداً من المشروع الاسلامي المطروح وهذا ايضاً موضع من مواضع الاشكالات, وفي تقديري ما حدث هو حصيلة لهذه الاشكالات التي تجمعت في كل هذه المواضع وهي اشكالات تقع في صميم البناء الايدولوجي, ومن الممكن أن تؤدي الى تعقيدات والى أزمات حادة.
هناك اتهام بأن وصول الحركة الاسلامية الى السلطة بإنقلاب جاء استعجالاً لها أو للتغيير في وقت كان كسبها الشعبي الديمقراطي يتزايد؟
د. التجاني عبد القادر : هذا أمر تقديري, فالمشروع له جوانب عسكرية وسياسية لا يستطيع أن يقدرها بحق الا من وجد في مواقع عليا في القيادة وتوفرت له المعلومات المناسبة, فإذا قدر في ذلك الوقت أن هناك تداعيات كثيرة تموج بها الساحة السياسية السودانية وأن هناك خطراً ماثلاً على الوجود الاسلامي, وأن هناك تسابقاً نحو السلطة من جهات كثيرة بعضها داخلي وبعضها خارجي, إذا قدر كل هذا ولم يستعجل فإنه لا يصلح للقيادة فهذه أسباب موضوعية تدعو لهذا الاستعجال, ولو كانت الحركة الاسلامية تعمل في الساحة لوحدها لآثرت التريث حتى يتم إنضاج البرامج فكرياً واستراتيجياً ولكن السياسة لا تمهل المفكر، ففيها اضطراب وتداعيات لا تستطيع أن تتحكم فيها لأن هناك لاعبين آخرين في الساحة يلعبون معك, وأنت مجبور في كثير من الأحيان في العمل السياسي العام أن تستفيد من تداعيات الموقف وإلا فستتجاوزك الوقائع والأحداث بصورة تجعل عملية اللحاق صعبة إن لم تكن مستحيلة.
وهل ترى ثمة مخارج للإسلاميين من مأزقهم الراهن ،أو لم يكن في الواقع رؤية ارهاصات الأزمة ومعالجتها؟
د. التجاني عبد القادر : الذين يوجدون المخارج من الأزمات هم المفكرون والمثقفون الذين يملكون مقدرة على التأمل والتدبر في الظواهر، في مآلاتها قبل أن تستفحل ولا أخفي عليكم سراً إذا قلت إن وجود هذه الشريحة في داخل الحركة الاسلامية ضئيل وضامر يغلب في الحركة الاسلامية الحركيون والمهنيون المتخصصون في جوانب بعينها يخلصون فيها ولكن لا يصلحون لغيرها, وضمور الشريحة الأولى وغيابها أو ضعفها جعل إحتمال المخارج من الأزمات ضعيف, فإذا أصاب البرنامج أو أسلوب إنفاذه بعض الأعطاب أو بعض الفشل فالذين يقومون بالإصلاح هم الذين تسببوا في فشل البرنامج لأنه لا توجد بدائل قيادية كثيرة تستطيع أن تتقدم بأفكار ورؤى مغايرة.
إن جنوحنا نحو الوحدة والإنسجام في المواقف وفي الأفكار ونحو الحشد والتعبئة في تنفيذ هذه الأفكار كان أضخم من البحث عن الرؤى الجديدة أو الأفكار غير المألوفة.
وبالتالي عندما وقعت الأزمة صعب ايجاد بديل أو رؤية مناسبة تطرح على الناس ليتأملوا فيها, فإما أن يعاد ترميم البناء من هذه الزاوية أو من تلك الزاوية ولكن لم تكن هناك مقدرة حقيقية لايجاد بديل أو خارطة جديدة وهذا نتاج لضعف الشريحة الفكرية في داخل الحركة الاسلامية.
ولكن أليس غريباً لحركة تغيير فكري هذا النمط المتواضع من الاداء؟
د. التجاني عبد القادر : بعض العناصر القيادية في الحركة الاسلامية كانت تتوجس من ظهور طبقة من رجال الدين أو العلماء بالصورة التي وجدت بها في المجتمعات الاسلامية الأخرى فلم تنشط أو تتحمس أبداً للتفكير في هذا الاتجاه.. وقد يكون هذا تقديرا صائبا لأنه لا أحد يريد أو يسعى لإعادة إنتاج المشكلة التي نرى صوراً منها في بعض الدول الاسلامية ولكن أن تغيب شريحة ذات قدرة على استيعاب المشاكل في بعدها الفقهي والإنساني وأن تضمر في داخل الحركة الإسلامية وفي داخل القيادة بهذه الصورة المفزعة فهذا شئ ضار وغير حميد, وكان ينبغي أن يستدرك ولكن لم يستدرك حتى غطى السياسي على الفكري وعلى الثقافي بصورة كبيرة وصارت معظم الموارد المادية والبشرية توظف بصورة شعورية أو لا شعورية على ما هو سياسي, وصارت المؤسسات التي تعنى بالتعليم، بالثقافة ،والفكر تتضور جوعاً ولذلك عندما تفاقمت الامور واحتجنا للمفكر والمثقف المتأمل والاستراتيجي لم نجده وإنما وجدنا التنفيذي المهني السياسي, ولا يستطيع الإنسان السياسي المحض أن يتحول بين عشية وضحاها الى مفكر واستراتيجي فهو لا يستطيع إلا أن يتعامل مع السياسة بواقعها المتجزئ, وليس في مقدوره إلا أن يخرج بمشاريع اصلاحية صغيرة ومحدودة فهو ليس مشغولاً بالنظر الطويل وليس مشغولاً بقضايا الفلسفة والفكر بل لعلك تلاحظ أن الفلاسفة والمفكرين يستهزأ بهم في داخل الحركة الاسلامية وهذا أمر غريب في حركة فكرية وحركة تجديد وبناء فكري وليست حركة مزاحمة سياسية فقط. حركة طليعة مثقفة ومفكرة تريد أن تقدم مشروعاً بديلاً عن التكوينات المحلية "المهلهلة" ومشروعاً بديلاً يمكن أن يتطور ليكون مشروعاً تستلهمه الحركات الاسلامية على المستوى الأرحب في العالم, فكان أولى قطاع بالحيوية والتفاعل هو هذا القطاع ولكن كما قلت إن السياسي يتفوق دائماً على المفكر.
ولكن لماذا تؤثر الشريحة الواعية والمفكرة الإنسحاب وهي المفترض فيها أنها الضمير الحي لمشروع التغيير.. ولماذا ترضى التقهقر وترك الأمر للنشطاء السياسيين والتنفيذيين هكذا؟
د. التجاني عبد القادر : هذا خطأ كبير وعيب يقع فيه المفكر فينبغي على المفكر المسلم أن يثبت في الميدان وأن يجاهد ويثبت جدواه حتى تثبت ايضاً جدوى الفكرة التي يقول بها ولكن محاولات اثبات الجدوى تؤدي الى الصراع والاحتكاك الذي ترى سماته في الأزمة الأخيرة.. وكثير من الناس كانوا يظنون أنه يكفي الحركة الاسلامية ما فيها من صراعات, فهي في صراع مع كثير من القوى, فهي في صراع اقليمي وهي في صراع دولي وهي صراعات حادة وكافية للقضاء عليها, ولذلك فكثير من العقلاء كانوا يظنون أنه ليس من الحكمة أن تضيف صراعاً جديداً بين السياسي والفكري..
ولئن ينجح مشروع سياسي جزئي خير من أن يضرب المشروع بجملته سياسياً وثقافياً وكان هذا هو تقدير من انسحب من هؤلاء ولكن المشروع نفسه لم يسع لتكوين شريحة فاعلة في هذا الاتجاه اصلاً.. لم يكن هناك توجه ايجابي قاصد لخلق أطر فكرية تقود العمل, وكان التوجه القاصد لخلق أطر أخرى. وطبعاً على المستوى الفردي لا يجوز للشخص أن ينسحب, ولكن نحن نتحدث عن المستوى التنظيمي كان ينبغي أن توفر وسائل وأدوات وتمويل للنشاط الفكري بمثلما توفر للمجالات الأخرى. ويكون هناك نوعا ًمن الاهتمام ونوع الاستعداد النفسي نفسه لم يكن موجوداً وبالتالي عندما تقع المشكلة نفتقد الرؤية حتى نحن صرنا في بعض الأحيان نتجادل ونختلف حول الرؤية الأساسية ذاتها للعمل الاسلامي مكوناتها الأولى وبداياتها ونهاياتها غير معروفة لعناصرها.. فضلاً عن الخطة الاستراتيجية من الذي يضعها؟ وكيف توضع؟ وهذا عمل صعب لا يستطيع كل الناس القيام به, وعدد كبير من الناس ينتسب الى الحركة الاسلامية والعمل الاسلامي ويكتفون بالقيام بالأعمال السهلة, وهذا عمل تحضيري طويل ولا تظهر ثماره بين عشية وضحاها, وبالتالي يضمر بصورة تلقائية إلا اضاءات هنا وهناك وهي مجهودات فردية..


الاحداث
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازاً للحركة الإسلامية السودانية: (7)

ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها

د. محمد وقيع الله
[email protected]

كان سيدنا كعب بن مالك، رضي الله عنه، ممن تخلفوا عن ركب الحركة الإسلامية، يوم زحف تبوك، وبقي في المدينة يماطل ويتلبث، حين طابت الظلال والثمار، وكان يتلفت حوله، فلا يرى فيمن بقي معه بالمدينة، إلا منافقا أو ضعيفا، وآذاه ذلك وأرَّقه، وعبر عما وخزه من الألم، فقال: كان "يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء".

ولكن كعبا بنقائه وصلابته، صبر ولم يتمادَ، ولم يخن عهد الدعوة وميثاقها، ولم يغدر بالدعوة أو يطعنها، كما خان صاحبنا وغدر وطعن. لقد خيب كعب بن مالك ظنون أعداء الإسلام، الذين قعدوا وهم غير معذورين، كما خيَّب ظنون أعداء الإسلام الذين أرادوا أن يستميلوه إلى جانبهم، حتى يكتب لهم التقارير المفصلة عن مسار الحركة الإسلامية، وخططها، ويعمل موظفا "برتبة ومرتب" في آلة الدعاية لديهم، فيقوم بهجاء الحركة الإسلامية والتعريض بها، فقد كان كعب شاعرا مُفْلِقا "أي صحفيا ضليعا بلغة اليوم، فقد كان الشاعر هو الذي ينافح وقتها عن الدعوات، والحركات السياسية، والحكومات!".

قال كعب، رضي الله تعالى عنه: فبينا أنا أمشي بالسوق، إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام، ممن قَدِم بالطعام يبيعه بالمدينة: من يدل على كعب بن مالك؟ فجعل الناس يشيرون له إليَّ، حتى جاءني فدفع إليَّ كتاباً من ملك غسان... فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نُواسِك. قلت حين قرأتها، وهذا من البلاء أيضا، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك، فعمدت بها إلى تنُّور فسجَّرته بها..!!

الأصيل والعميل:

فها هو كعب بن مالك الداعية الصحابي الصادق الأصيل، يعي خطورة موقفه الذي بدأ بالتخلف عن الركب الزاحف، ويدرك أنه ربما ينجر بعد ذلك إلى ما هو أخطر من ذلك، بارتكاب الخيانة الأعظم: خيانة عهد الدعوة، وميثاقها، ومعاونة أهل الكفر عليها، فاستيقظ ضميره بلا تراخٍ ولا انتظار، ولم يكن في حاجة إلى أن يفكر أكثر وأكثر، فهذا العرض السخي، الذي جلبه له أحد عملاء الامبراطورية الرومانية "إحدى القوتين العالميتين العظميين حينها!" لم يستحق لديه إلا أن يحرق فوريا، فأخذه وسجَّره حالا في التنور..!!

فهل يا ترى يملك صاحبنا، هذا الذي يجادلنا، شيئاً من صلابة كعب بن مالك، رضي الله تعالى عنه، ووفائه، ونقاء ضميره الديني، فيسجِّر كتب الدعوات التي تترامى إليه من المراكز ذات الصلة الوثقى بالاستخبارات البريطانية، والاميركية، والتي ما تَنِي تطلب منه الرأي والمشورة الناجزة في أساليب التصدي للمسلمين؟!!



إن أملنا في ذلك، وفيه ضعيف، جد ضعيف! فها هو يدين حركة المقاومة الفلسطينية علنا كمطلوب من متطلبات العمل بمعهد بروكنجز، ومعهد السلام بواشنطون، وكلاهما من معاهد المحافظين الجدد، والقدامى، وعتاة الصهاينة، ولقد أرضى صاحبنا بإدانته للمقاومة الفلسطينية، كبير الصهاينة الذي يتزعم ذلك المعهد، فقربه إليه، وأسبغ عليه المنح، التي يُشترى بمثلها أمثاله.

وإذا عرفنا أن كبير الصهاينة بذلك المعهد، هو ذات الشخص الذي دبر مسألة الرسوم الكرتونية المسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كشفت ذلك إحدى صحف فيلادلفيا، في العام قبل الماضي، فربما نقف ذات يوم قريب على سر علاقة صاحبنا هذا، الناقم على الحركة الإسلامية السودانية، الراجي موتها، بذلك الصهيوني العتيد، فقد أمسينا لا نستغرب صلات معارضي الإنقاذ بالصهاينة، فها هم يصافحون الصهاينة "مصافحات غير عفوية ولا بريئة كما يزعمون!"، وها هم يزورون إسرائيل ويستنجدون بها، وها هم قد قرروا أخيرا أن يقيموا مكاتب لحركاتهم التخريبية، المتمردة في دارفور، في عقر ديار الإسرائيليين، وفي عز أيام غطرستهم، وعدوانيتهم، التي يبيدون بها جماعيا أهل فلسطين..!!

حدود طموح أستاذ انتهازيي الإنقاذ:

وإذا كنا لا نستغرب مكائد السياسيين من خصوم الإنقاذ، فإن استغرابنا يزيد ونحن نطالع مطالع الخيانة عند بعض مؤيدي الإنقاذ وجلاوزتها القدماء، هؤلاء الذين صرحوا بطموحاتهم الزائدة على الحد، عندما زعموا أنهم شركاء في الإنقاذ، وليسوا أجراء لديها، مع أنهم ما كانوا إلا مجرد أجراء لديها جاءوا إلى خدمتها بإغراء المرتبات والامتيازات والعلاوات والبدلات.

فقد قامت ثورة الإنقاذ، ثم تأسست دولة الإنقاذ، ولم يسهم أمثال هؤلاء في التمهيد لها بشيء، فقد ظلوا أبعد ما يكونون عن ساحات العمل اليومي، دع عنك ساحات الفداء، ولا يغرن أحد تشدق صاحبنا هذا، بأنه لولا جهاده لما صار المشير عمر البشير، ولما صار الشيخ على عثمان، فيما صارا فيه من مجد ومن علياء، ومن أسف فإن صاحبنا صدق زعمه هذا، كما صدق أشعب وهمه، ولهذا ظن صاحبنا، وظنه إثم مُتَجانفٌ لإثم، أن إبعاده عن الخارجية كان افتئاتا على حق أصيل له!

بين الخارجية والإعلام:

ولقد كنت في السابق قد أوردت معلومتين متضاربتين بشأن "رتبة" صاحبنا هذا في خدمة الإنقاذ، في أعوام التمكين، وزمان الشدة على المخالفين، أولاها أنه عمل بالخارجية، وثانيها أنه عمل بالثقافة والإعلام، والصحيح أنه عمل وزيرا مفوضا "برتبة" ملحق إعلامي "ومرتب" مقطوع لتلك الرتبة، وسار سيرته التي يعلمها الكل، في مسار التطرف البالغ، في تأييد الإنقاذ، بالحق وبالباطل، بلا تريث، ولا تورع، ولا اكتراث، وبذل جهده كله في تغطية وتبرير جرائرها، وبطشاتها الأولى، ولم يقدم صاحبنا هذا حتى يوم الناس هذا نقدا ذاتيا، لا مجملا ولا مفصلا، يتناول أخطاءه الأولى، التي لا يزال يلاحقه بها المتضررون، في أروقة المنظمات الدولية وساحات الإعلام، ولا يريد صاحبنا أن يتفضل حتى بمجرد ردود على هؤلاء الذين يلاحقونه، ويتقدمون ضده بالاتهامات على صفحات الصحف والانترنت..!!

صحيح أن صاحبنا عمل بوزارة الخارجية، ولكنه وصل إلى منصبه بالخارجية، بطريقته الانتهازية الفريدة، التي فاق بها كل الانتهازيين العالقين بأطراف الحركة الإسلامية السودانية، ممن تكاثروا على أبوابها في أيام الطمع، وتراجعوا عن رحابها في أيام الشدة الفزع.

فالمعروف أن الملحق الإعلامي، يكون في العادة تابعا لوزارة الإعلام لا الخارجية، وكذلك يكون الملحق العسكري تابعا لوزارة الدفاع لا الخارجية، وكذلك الملحق التجاري يتبع لوزارة التجارة لا الخارجية. ولكن صاحبنا هذا باعترافه قد قام باختراق القاعدة الدبلوماسية الوطيدة، وأصبح الملحق الإعلامي الوحيد، المعين على وجهين: وجه ظاهر معلن للناس، وهو وجه الملحق إعلامي، ووجه خفي مخفي عنهم كوزير مفوض..!!

وهذا مما يدل على قوة صلة صاحبنا هذا بقادة التنظيم الذي درج على أن يدعوه خطأ على أنه "سوبر- تنظيم"، ويدل كذلك على عظيم تودده إلى هؤلاء القادة في "المايكرو- تنظيم" كما يجب أن يسمى، أولئك الذين منحوه، لسبب وجيه، نفهمه، ونتفهمه جيدا، تلك المعاملة التفضيلية، التي ضنوا بها على أبناء الحركة الإسلامية السودانية الأوفياء المجاهدين، وصناع الإنقاذ الحقيقيين وأعطوها إياه. فأبناء الحركة الإسلامية الأصيلين الأماجد لا يُشتَرَوْن بالمناصب والأعطيات والصدقات، ولا يبيعون الحركة الإسلامية مهما بلغ الإغراء، وهذا يُشترى بالثمن البخس، ويَبيع الحركة الإسلامية بثمن بخس!

ومهما يكن، وسواء أعمل صاحبنا هذا بالخارجية أم بالإعلام، فإن نتائج أعماله وصنائعه سيَّان، لقد عمل صاحبنا بوظيفة إعلامية شبيهة بوظيفة الشاعر في بلاطات الحكام في العهود الخالية، فهو إذن قد كان "شاعرا" كشعراء البلاط الأموي، يرضى فيمدح، ويسخط فيهجو، يمدح الخلفاء، ويهجو المعارضين، ويشتط في الحالتين، ويتكسب قوته بهذا السبيل، كما يتكسب الشاعر الأموي قوته بهذا السبيل، وذلك مع فارق واحد جوهري مهم، هو أن شعراء بني أمية كانوا "مخلصين"، ولم ينقلبوا على سلاطينهم كما انقلب هذا على سلاطينه.

فهل تعلم صاحبنا هذه المراوغة من الشاعر الشيعي الرافضي الخبيث دِعَبْل الخزاعي، الذي فاجأنا بالحديث عن حبه له، وإيثاره إياه، والاستشهاد بشعره، مع أن دِعبلا هذا كان قد حشا ديوانه بأشنع السوءات وافظعها، عندما هجا أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وسائر الصحابة الأجلاء، من المهاجرين والأنصار، الذين حضروا أعظم مجلس شورى في التاريخ، في يوم السقيفة المجيد.

جيل القيادة الجديد:

لقد ظن صاحبنا بنيله لتلك المعاملة التفضيلية في وزارة الخارجية، أنه كادر ذو قيمة نادرة يعز وجود مثيل له، وأن الإنقاذ لا يمكنها أن تستغني عنه، ذلك مع أن الإنقاذ تملك آلاف الكوادر غيره، بعضهم أفضل منه كثيرا، حتى في المجال الذي برع فيه وهو مجال الإعلام، وجلهم من أهل الصدق، والوفاء، والغيرة على الإسلام.

وهذه ميزة خاصة للحركة الإسلامية السودانية، دون سواها من الحركات الحزبية السودانية الأخرى، لأنها ربت جيلا إسلاميا، رساليا، محتسبا، من أصحاب المهارات القيادية المصقولة في مجالات مختلفة، وهؤلاء هم الذين يقودون البلاد بنجاح الآن، وربما صح أن نسميهم جيل شعبان، أو جيل دبك، كما يحلو لأحدهم أن يقول، وهذا الجيل هو الذي خاض ملاحم الكفاح اللافحة، يوم كان صاحبنا يحبر مقالاته في صحافة مايو المؤممة.

هذا الجيل الذي ربته الحركة الإسلامية السودانية، وعجمت عوده بمعاركها، ومجاهداتها النبيلة، هو الجيل الذي خبر طلائعه عن قرب عمنا الفاضل، الشيخ مضوي محمد أحمد، الذي مهما اختلفنا معه فلن نصفه بغير الصدق، فقد عُرف الزعيم الاتحادي الشيخ مضوي محمد أحمد هذا الجيل الإسلامي الصلد المجاهد، أيام الندوات السياسية ضد مايو، وأيام المعتقلات الطوال، ووبخ قومه من الاتحاديين، لأنهم لم ينتجوا قادة سياسيين وإداريين مدربين ومقتدرين مثلهم، أو مثل بهاء الدين، كما قال..!!

ولكن كم في الحركة الإسلامية السودانية من أمثال بهاء الدين؟! إنه يوجد فيها من أمثاله عشرات المئين..!! فهي حركة "ديناميكية" مستقبلية، لا تتوقف ولا تدور إلى الخلف، كما تدور دوائر الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، بلا استثناء قليل أو كثير.

إن أكثر قيادات الحركة الإسلامية السودانية، هم في طور الشباب أو الكهولة، ومعهم شيوخ قليلون، والتركيبة القيادية للحركة الإسلامية السودانية، تماثل الشعب السوداني بتركيبته العمرية تماما، حيث لا يحتكر القيادة السياسية في الحركة الإسلامية السودانية، مجموعة قليلة، من الطاعنين كثيراً في السن، الأمر الذي تعاني منه الأحزاب السياسية السودانية الأربعة الأخرى، التي "يتحكر" في قيادة إحداها شخص منذ عام 1963م، وفي الثانية شخص منذ عام 1965م، وفي الثالثة شخص منذ عام 1968م وفي الرابعة يتحكم من هو الأحدث عهدا بالقيادة، لأن وصوله إلى منصبه هذا لم يكن إلا في عام 1971م..!! وأمثال هؤلاء أحرى أن يقودوا البلاد إن تمكنوا فيها إلى الخلف كما يفعلون بأحزابهم، أما قادة الحركة الإسلامية السودانية فإنهم يقودون البلاد والحركة الإسلامية إلى غد وضئ، رغم مشاكسات الرجعيين الراجعين بأحزابهم وأنفسهم إلى ظلام الأمس الوبيل.

سوسيولوجيا الحركة الإسلامية:

وكما شكلت الحركة الإسلامية السودانية، على مستوى القيادة، تركيبة متماثلة مع التركيبة العمرية للشعب السوداني، فقد شكلت على مستوى القاعدة تشكيلة قومية متجانسة مع التشكيلة القومية السودانية. فعضوية الحركة الإسلامية السودانية موزعة توزيعاً إثنياً متكافئاً بين أقاليم السودان الأربعة، بما فيها جنوب السودان رغم ظروفه المعروفة.

وقد عملت الحركة الإسلامية السودانية بوعي ثاقب على أن تكون تشكيلتها القاعدية قومية متناسقة مع تشكيلة هذا البلد العظيم. ولحسن الحظ، فقد نشأت الحركة الإسلامية السودانية، في أوساط العلم، ومعاهد التعليم الحديث، واكتسبت أكثر عضويتها من تلك البيئة الكريمة، حيث تم تجنيد أكثر المريدين، وتم تسليكهم في سلك الطريقة، وهم في سن البراءة، والمثالية، والطهر والتطهر.

ولما كان قبول الطلاب في تلك المدارس والجامعات، يتم على أساس غير جهوي، ولا عرقي، ولا طائفي، فقد نشأت الحركة الإسلامية على ذلك النهج، بِمَنْجَاةٍ من عقد الجهوية والعرقية والطائفية وعقابيلها. ثم ساعدت تعاليم الإسلام المتفوقة، والمتجاوزة لنُعرات التعصب للأرض، والعرق، في توجيه أتباع الحركة الإسلامية السودانية ومنسوبيها، وجهة لا جهوية ولا عنصرية ولا قبلية، فلم يسمع فيها قبل انشقاقها الأخير، صوت ناعق ينعق باسم قبيلته دون الإسلام.

وفي أكثر دهرنا الذي عشناه في رحاب الحركة الإسلامية السودانية، لم نكن نسمع كلمة صريحة، ولا كنائية، تشير إلى توجه إقليمي، أو قبلي، أو عرقي، أو نحو ذلك، فكان ذلك مما لا يصرح به، ولا يشار إليه، ولو على سبيل المزاح، لأنه أمر "جاهلي"، منكر، منافٍ لمفاهيم الحركة، ومُتَبَنَيَاتِها، ومقاصدها، وركائزها الخُلقية الكبرى، وإذا كانت هذه المشاعر المنحرفة قد ثارت أخيرا في بعض الأوساط التي انخلعت عن سعة هذا المفهوم الإسلامي الجامع، واعتصمت بتخوم القبلية الضيقة، فإنما جاء ذلك بفعل من كانوا يضمرون قديما ما لا يظهرون، وقد كان طبيعيا أن يخرج هؤلاء من الحركة الإسلامية السودانية، التي لا تتسع لغير الولاء لله تعالى، ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين أجمعين، بمختلف أعراقهم، ومنابتهم، "من دون فرز" قبلي أو جهوي.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 874 2008-04-20

بين قوسين
بوصلة الترابي

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-04-16




كان أول من اخترع وأطلق تعبير (الترابى فقد البوصلة) هو الدكتور نافع على نافع ويبدو أن التعبير جاء فى وقته وزمانه المحددين لذلك وجد ما يستحقه من (هوى) فى نفوس الناس والذين وجدوا فى التعبير (ضالتهم) التى تعينهم على تفسير سلوكيات ومواقف الترابى والتى ليس لها من تفسير غير أنها بالفعل صادرة من رجل فقد (البوصلة).
لذلك فقد تحول التعبير وبسرعة البرق الى ما يشبه (الشعار) ومن ثم أصبح الشعار (ماركة تجارية مسجلة) خاصة بالترابى لا تستخدم الا عنه و (تدمغ) بها كل مواقفه وتصريحاته خاصة تلك التى تتعلق بـ (هرطقاته) المتعلقة بأمور ثابتة من الدين بالضرورة مثل (انكاره) للملكين (منكر ونكير) وانكاره لعذاب القبر فاستعمل التعبير عدد من الناس فكان الرجل كلما سمع أو رأى أمراً من أمور الترابى قال ببساطة ان الترابى فقد البوصلة!
و آخر من استعمل التعبير الشيخ المجاهد الطيب مصطفى وكان يعلق على تصريحات الترابى الذى زار مدينة (واو) لمدة يومين فجاء ليدبج القول فى مدح الحركة الشعبية وفى بحر الحريات الذى يجرى فى الجنوب والتسامح الذى ينعم به المسلمون هناك.
يأخذ الطيب مصطفى على الترابى تجاهله للأحوال الحقيقية لمسلمى الجنوب وكيف أنهم يعانون الأمرين وكيف أن مساجدهم حولت الى (خمارات) و هو أمر استنكرته حتى الصحف الجنوبية و أكثر من ذلك تعترف به حكومة الجنوب نفسها ويكفى القرار الذى أصدره الفريق سلفا كير بمعالجة قضية (مسجد رمبيك) و ضرورة اعادته الى المسلمين بعد أن تم نزعه منهم بصورة غير قانونية وهو أمر حدث للعديد من المؤسسات الاسلامية من خلاوى وأوقاف و بنوك وغيرها.
الطيب مصطفى و بعد ايراد العديد من (الشواهد) على ما توصل اليه حول الترابى يقول (ببساطة) " أقولها وكلى ثقة بأن الترابى قد فقد البوصلة وبات عبئاً على حزبه ...الخ" غير أن هذا الحديث يجب ألا يمر هكذا خاصة عندما يأتى من الطيب مصطفى فالرجل له مواقف مشهودة يوم أصدر الرئيس البشير قرارات الرابع من رمضان وهى مواقف أرجو أن يفصح عنها الأستاذ الطيب بنفسه.
نعود الى حكاية (البوصلة) لأقول لكم رأيي فيها. ابتداء أقول لكم ان العبارة مقبولة (شكلاً) ومرفوضة (مضموناً)! لماذا؟ القول ان الترابى فقد البوصلة يمكن أن يعنى من ضمن ما يعنى أن الرجل كانت له (بوصلة) ومرجعية اسلامية و أنه (الآن) فقدها. وهذا ليس صحيحاً و لايطابق الحقيقة والواقع و لا حتى بقدر مثقال حبة من خردل. الحقيقة هى أن (بوصلة) الرجل كانت (هى هى) منذ أن جاء من (باريس) على عجل ليسيطر على (أذكى) حركة اسلا مية فى العصر الحديث.
لقد ظل الرجل يدير شؤون الحركة بنفس البوصلة (الأصلية) التى جاء بها من (فرنسا) وكل الذى حدث هو أن أبناء الحركة الاسلامية (الأذكياء) الأتقياء الذين كانت نيتهم ولا تزال بحمد الله صافية وصادقة قد (كشفوا اللعبة) وطردوا الرجل من صفوفهم ونزعوا عنه (الغطاء) الذى كان من تحته يمارس دوره و سحب الله منه (الكُبْس) الذى كان يجعل من فوقه تلك (الهالة) ووجد الرجل نفسه فى (الصقيعة) فبان على حقيقته.
هذه المقولة تذكرنى بـ (فرية) أخرى وهى الادعاء أن الترابى قد تأثر بضربة (كندا) وأن الآراء الشاذة التى باتت تصدر منه هى نتيجة لتلك الاصابة. انها محاولة (ساذجة) من البعض لخلق (الأعذار) له لكن اطمئنوا يا (أحباب الشيخ) فى الجانبين فالرجل يعى كل مايقول وصحته (صاغ سليم) وكل ما يقوله (كان و لايزال) يتمشى وينسجم مع شخصيته والدور الذى يلعبه


العدد رقم: 874 2008-04-20

بين قوسين
أنا كضاب؟؟؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-04-20




أنا كضاب؟؟؟
العبارة ليست عبارة (تقريرية) بمعنى أنها تفيد أن قائلها يعترف على نفسه بأنه كذاب. بالعكس انها واحدة من الاختراعات (الشايقية) الذكية التى صارت لها قوة المثل (الساير). ذلك أن الطريقة التى تنطق بها تفيد عكس المعنى الذى يتبادر الى الأذهان. فهى تنطق فى شكل (سؤال استنكارى) بمعنى: هل أنا كذاب؟ أو بمعنى أدق: هل جربتم على كذباً من قبل؟
ان الشخص عندما يطلق تلك العبارة فانه لا بد يخاطب أناساً كان قد قال لهم مقولة وفى أغلب الأحيان كان سامعوه (غير مصدقين) لمقولته لكن عندما تأتى الأيام بتصديق تلك المقولة فانه يلقى فى وجوههم بالعبارة وكأنه يقول لهم "الم أقل لكم ياقوم؟" وتكون أكثر وقعاً خاصة اذا صدقت الأيام نبوءته بعد وقت قصير من اطلاقها.
و الآن نأتى الى (الحساب) وذلك بمحاولة (اسقاط) هذه العبارة على الواقع. تذكرون اننى قبل أيام معدودة كتبت مقالاً عن ما يدور حوله الحديث هذه الأيام حول ما يسمى بالمفاوضات بين المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبى. لا أنكر اننى القيت كثيراً من (الشكوك) حول الأمر برمته وهى شكوك ترقى فى نظرى الى درجة (اليقين) القطعى الذى لا يقبل الشك ولا التأويل وليس هنا مجال تفصيل تلك الشكوك.
لكن مما قلته ان الترابى ليس (فى وارد) أى نية لأى صلح بل انه يوعز الى بعض (أتباعه) لكى يتحدثوا عن المفاوضات فقط بقصد أن يظهر المؤتمر الوطنى بمظهر (المتهافت) على الصلح معه فقط من أجل ارضاء غروره الذاتى وقلت انه اذا كان لابد من مفاوضات فلتكن مع الترابى شخصياً ذلك اننى لاحظت أن اتباعه الذين كانوا مشاركين فى الحديث عن تلك المفاوضات كانوا يصرون على تسميتها بأنها مفاوضات (غير رسمية)! انها عبارة تدل على سوء النية وعدم الجدية.
غير ان بعض الاخوة الذين (يقتلهم الشوق) الى عودة الصفاء الى صفوف الحركة الاسلامية لا يقبلون اثارة تلك الشكوك وهم (يا حليلهم) فى انتظار نتيجة تلك المفاوضات على أحر من الجمر. أحدهم لامنى على ما كتبت و(اتهمنى) بأننى لست (متحمساً) بل ومعارض لعودة الوئام الى صفوف الحركة الاسلامية. قلت له: انتظر يومين فان (صاحبك) سيقضى على أى أمل لانجاح المفاوضات و (سيطرشق) الفيلم كله!.
لكن (صاحبه) لم ينتظر اليومين! بعد يوم واحد على حديثى أعلن الترابى أنه لن يتفاوض مع المؤتمر الوطنى الا على أساس (الندية) و بشروط ثم عدد شروطه (السبعة الموبقات) و كلها مما يمكن أن يطلق عليه كلمة (تعجيزية) بل ان شرطاً واحداً منها يكفى لنسف كل أمل فى الوصول الى اتفاق كامل أو حتى مجرد اتفاق مبادئ.
طالب باعادة (أملاك) حزبه واطلاق سراح (المعتقلين) السياسيين من أنصاره وهو يعلم تمام العلم أنه لا يوجد فى السودان معتقلون سياسيون بل هنالك مدانون بواسطة القضاء. ومن شروطه (بسط الحريات) وهو يتنسم الحرية التى تتيح له الطعن ليس فى الحكومة بل فى (منكر ونكير)! ثم يختم الترابى (سباعية) الشروط باعلانه انه لن يتفاوض مع المؤتمر الوطنى بصفة (السجين والسجان)!
العجيب ان جماعة الترابى الذين كانوا طرفاً فى مسألة المفاوضات صمتوا بعد تلك التصريحات وقد مر أسبوع وهم (لا حس ولاخبر). ان المطلوب هو ايقاف هذه (المهازل) التى يستخدمها الترابى للضحك على الناس والتلاعب بشعارات وحدة الحركة الاسلامية وهى شعارات عظيمة واذا أراد أى واحد من أنصاره العودة الى الصف فأهلاً به فالباب (يدخل جمل)!.

السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

المحبوب عبد السلام فى حوار غير تقليدي مع «أخبار اليوم» حول أسرار تنشر لأول مرة
بتاريخ 14-4-1429 هـ
القسم: الحوارات
هذه هى التفاصيل الكاملة للقاء الذى جمع الدكتور الترابي ومدير عام المخابرات والعمليات الفرنسية بمطار باريس حول تسليم كارلوس
{ فى نيفاشا كنا نساهم بالرأي عن طريق وفد الحركة الشعبية والترابى كتب ورقة حول علاقة الدين بالدولة بناء على طلب وسطاء الايقاد {
{ لاعلم لى بزيارة على عثمان لمدير الاستخبارات ليلة 29 يونيو وشاي المغرب الذى شربه الترابي مع الصادق للتمويه {
اجراه :عبد الرازق الحارث
الاستاذ المحبوب عبد السلام ابرز شباب الحركة الاسلامية الذين اصطفاهم الدكتور الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي وعراب الانقاذ السابق والزعيم الروحي للحركة الاسلامية ليبقوا بجانبه فى معاركة الفكرية حيث ظل يدافع عن شيخه بقلمه ولسانه ويتصدي لخصومه بجسارة وبرهان
والرجل شاهد على العصر حيث ظل قريبا من الترابي ترجمانه وسيفه ودرعه يقاتل عنه بالسيف الراعف ويسانده فى ظل الحكومة او عندما تشتد المعارضة ويطول الدرب
اخبار اليوم جلست الى المحبوب عبد السلام امين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي فى حوار لم تنقصه الصراحة اجاب على اسئلتها بكل الصدق والوضوح حول مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية فى جنيف واسرار وخفايا 30 يونيو والعلاقة مع الحركة الشعبية بعد وفاة قرنق وتسلم سلفاكير وملف تسليم الارهابى الدولى كارلوس فالى التفاصل
{ مذكرة العشرة كانت القشة التى قصمت ظهر بعير الحركة الاسلامية وكانت مفاجأة داخل حزب واحد {
{ كنا نرتب لعقد لقاء مابين الدكتور الترابي والدكتور جون قرنق برعاية البرلمان السويسري فى جنيف {
{المذكرة التى وقعتها كممثل للمؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية كانت القشة التى قصمت ظهر البعير للمرة الثانية فى الحركة الاسلامية؟
انفرجت اساريره عن ابتسامة هادئة ثم ابتدر حديثه قائلا« أنا شخصياً لم اكن اقدر أن المذكرة ستحدث كل ذلك الوقع الذى حصل وتصبح معلما فائقا فى التاريخ كما فى السؤال احد الاخوة اسمى كتابه الحركة الاسلامية صراع الهوي والهوية ولكن العنوان الجانب كان مذكرة العشرة الى مذكرة التفاهم ولعلك تقصد أن القشة الاولي كانت مذكرة العشرة والقشة الثانية كانت مذكرة التفاهم.
يمكن المذكرات يكون فيها هذا الجانب انك انت لاتقدر وانت تكتبها وانت توقع عليها او يوقع عليها عدد من الناس او يكتبوا بنودها لا يقرأوا جيداً المستقبل يقرأوا بعض الاثار ولكن لايحسبوا كل الاثار اظن هذا ينطبق ايضاً على مذكرة التفاهم .
اعتدل قليلاً فى جلسة ثم قال «بالنسبة لمذكرة العشرة طبعا كانت هى مفاجأة داخل حزب واحد مفاجأة من جانب على جانب اخر
لكن بالنسبة لمذكرة التفاهم كانت قى تقديرنا ونحن مقبلون على التفاوض على المذكرة كان فى تقديرنا اننا نريد أن نصل الخطوات التى بدأت بعد تأسيس المؤتمر الشعبي .
واسهب محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام شارحاً حول هذه النقطة «المؤتمر الشعبي اراد أن يتجاوز منذ العام 1977 عام المصالحة الوطنية بدأت الساحة السياسية تتداعي بين القوي السياسية وبين يدي الانتفاضة الشعبية عام 1985 تباعدت المسافة بين الحركة الاسلامية والقوي السياسية وخاصة عندما وقعت القوي السياسية كلها مذكرة التجمع الحزبية النقابى آنذاك
ثم جاءت الانقاذ فازدادت المسافة بين الاحزب ..
وبالنسبة للحركة الشبعية والحركة الاسلامية كانا على طرفي نقيض كنا نحن طرف وكانوا هم الطرف الاخر كنا طرف الصراع كان كل منا على اخر ضد وهو ما ادي أن تكون العلاقات مابيننا حادة
وانا البارحة كتبت مقالا فى الذكري السابعة لمذكرة التفاهم التى وقعت فى 19/2/2001م والاثنين الماضى مرت عليها سبعة سنوات .. والناس لاتقدر هذه المدة الطويلة مضى عليها وقت طويل منذ توقيعها المذكرة عندما اقبلنا عليها كنا نريد أن نكمل خطوات اصلاح ذات البين بين الحركة الاسلامية وقوي الساحة السياسية السودانية التى كما قلت بدأت تتباعد منذ المصالحة الوطنية مع النميري
وتباعدت فيما بعد الانتفاضة وتباعدت فى فترة الحكم الحزبى برئاسة الصادق المهدي وتباعدت جداً بعد الانقاذ عام 1999 بحل البرلمان بدأ يتبلور خطاب جديد من قادة المؤتمر الشعبي خاصة الشيخ حسن الترابي كان يتحدث عن الحرية باشد مما كان يتحدث عليها فى أية مرحلة من مراحل حياته ويتحدث عن اللامركزية هذه هى المبادئ التى بدأ فيها الخلاف داخل الحركة الاسلامية عام 1998م
الخلاف ضم الى بعضه شيئاً مافى اجازة الدستور الدائم عام 1998م
ولكن الخلاف تفجر مرة ثانية مع قضية اللامركزية فى انتخاب الوالى وشعب الولاية تفجر الخلاف مرة ثانية وعندما جاءت 4 رمضان كانت بمثابة قطع طريق على اللامركزية فى السودان وكان خرقا للدستور هذا تحول كبير فى داخل الحركة الاسلامية ومفارقات بين صفيها ولذلك عندما مضينا الى مذكرة التفاهم كنا نريد أن نعبر الجسر الاصعب وهو الحركة الشبعية .. واستطرد قائلا: الحركة الشعبية كما كتبت فى مقالي قال لى ترباتى وهو مذيع فى اذاعة مونت كارلو وكان يريد أن يجري معى مقابلة قال لى انتم صورتم الحركة الشعبية لمدة 10 سنوات انها حركة انفصالية وأنها حركة صليبية وأن لها علاقات مع اسرائيل وأن رئيسها اسمه «جون»
وهذه قناعة فى العالم العربي وكان خطابكم القوي بالتركيز على هذه المسائل وهى الحركة الشعبية نفسها بوصفها للانقاذ والحركة الاسلامية وهى تخاطب الغرب بأن هذا حزب دينى يحكم السودان وبالضرورة المواطن الجنوبى فيه مواطن من الدرجة الثانية هذا حزب غير أنه حزب دينى حزب مركزيته عربية واسلامية لذلك انتم فعلاً طرفى النقيض ونحن قلنا فى البيان التالي للمذكرة بعد توقيع المذكرة واعتقال شيخ حسن وحل الحزب وايقاف الجريدة وزير الاعلام انذاك الدكتور غازي صلاح الدين شن علينا حملة شديدة وقعنا بيانا أنا والاخ ياسر عرمان باسم اللجنة التى كانت هناك اللجنة المشتركة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي لمتابعة تنفيذ الاتفاقية وكنا نريد فى الشهر الخامس لان التوقيع كان فى الشهر الثاني
فى الشهر الخامس كنا نريد أن نعقد لقاء بين الدكتور جون قرنق والدكتور حسن الترابي فى جنيف برعاية البرلمان السويسري وبين مايو وفبراير فى الوسط كنا نريد أن نعقد لقاءات فى مستوي اعلي بين القيادات الحزبية فى الطرفين المذكرة تحول كبير فى علاقة الحركة الاسلامية بالحركة الشعبية وفى علاقة الحركة الاسلامية بالجنوب والى اللقاء الذى كنا فيه قبل اسبوع بمدينة واو يوم الاحد الماضى تحديداً كنا فى مدينة واو
كان هذا اللقاء فى مدينة واو هو من ثمرات مذكرة التفاهم بمعنى اذا بعد اتفاقية السلام والحركة الاسلامية ماتزال تضغط تقول الحرب هذه مشكلة هنالك جانب اخر اختفى سنوات الانقاذ فى الدعاية السياسية هو أن الحركة الاسلامية لها مجهود كبير فى رعاية العلاقة مع الجنوب منذ عام 1964 مؤتمر المائدة المستديرة مقترح الحكم الاقليمي جاء من الدكتور حسن الترابي فى عام 1985 مؤتمر الجبهة الاسلامية القومية اقرينا الفيدرالية .
قبل عام 1987 كتبنا ميثاق السودان الذى اسس العلاقة فى السودان على المواطنة وليس على الدين وتولي المنصب العام
وجاء دستور 1998 يؤكد أن الناس متساوين فى الوطن وفى الانتماء اليه كان هنالك المرسوم الدستوري الثاني عشر المؤقت والذى اعطي سلطات واسعة للاقاليم
وعندنا تراث طيب من العلاقة مع الجنوب غطت عليها سنوات الجهاد وسنوات الانقاذ وكنا فعلا محتاجين لهذه المصالحة التاريخية.
{ الاستاذ المحبوب عبد السلام القرار النهائي لانقاذ 30 يونيو صدر من المكتب الخاص التابع للدكتور حسن الترابي الذى كان يتكون من 7 شخصيات وبه عدد من القيادات الامنية والعسكرية وفق التفويض الممنوح له بانقاذ مايراه فى مصلحة الحزب؟ حدثنا قليلا عن صراع التيارات مابين الانقلابيين والديمقراطيين وكيف حسم الخلاف؟؟
كان هناك مجلس شوري الحركة الاسلامية ويتكون من 40 شخصا وكانت هنالك هيئة شوري الجبهة الاسلامية وفيها حوالى 300 شخص .. فى هيئة شوري الجبهة الاسلامية تم تفويض هئية قيادة الجبهة لاتخاذ ماتراه مناسباً فى ضوء الظروف التى حدثت فى ذلك الوقت
وكان فى الشهر الثاني كانت هنالك مذكرة الجيش التى امهلت رئيس الوزراء اسبوعا وبمجرد ما اخطرت الجبهة القومية الاسلامية بأن الجيش تقدم بمذكرة امهلت رئيس الوزراء اسبوعا اعتبرت هذا انقلابا خاصة عندما استجاب رئيس الوزراء للمذكرة فاعتبر انقلاب ناحج لابعاد الجبهة القومية الاسلامية لذلك فى تلك الظروف فوضت الجبهة قيادتها فى اتخاذ ماتراه مناسبا فى التعامل مع الحالة السياسية .. مجلس شوري الحركة الاسلامية الذى يتكون من 40 شخصا ناقش هذه المسألة واعطى هذا التفويض لـ 7 اشخاص وهم الشيخ حسن الترابي ومعه ستى اخرون .. وكان هنالك حوار الكثير من الناس كانوا يعتقدون أنه اذا لم نتقدم للسلطة سيأخذها اخرون
وأن البلد اصبحت مفتوحة لان الصراع وصل الى مداه والتشقق وصل الى مداه واذا لم نتقدم نحن سيتقدم اخرون الفراغات لاتستمر فى السياسة والحكم والدولة تأتى جهة تتقدم ، الجهة التى اكثر نظاماً وقوة والقوات المسلحة ستتقدم لاخذ النظام لذلك كان القرار فى مجلس شوري الجبهة الاسلامية فى هذا الاتجاه كانت هنالك قلة والقلة هم شخص او شخصان كانوا يرون أن الديمقراطية تصلح بنارها الهادئة لتنضج فيها الحركة الاسلامية وكانوا يرون أن الحركة غير مؤهلة فى استلام الحكم ،بالمقابل كان هنالك رأي يقول أن الحركة الاسلامية بها العشرات من التخصصات ،وكل تخصص تجد به العشرات من الاشخاص ولذلك ينبغي أن نتقدم لاخذ الحكم ولن تكون هنالك تجربة كتجربتنا لان كثير من الانقلابات وقعت فى افريقيا والعالم العربي الانقلاب شئ عادي لكن لم نجد كادرا جيدا فى الاحزاب البعثية الاشتراكية والقومية والماركسية التى استلمت البلاد مثل كادر الحركة الاسلامية . طبعا أي انقلاب يحتاج الى حزب يدعمه لكن دعمنا كان اوسع مما وقع فى كثير من البلدان لانه لدينا حزب كبير ومؤسس وقائم على تخطيط استراتيجي وكان يتهيأ للتمكين واستلام السلطة منذ اوائل السبعينات
لذلك دار هذا الجدل هل نحن مهيأون لحكم البلاد ام نحتاج أن تصبح الحركة الاسلامية فى نار هادئة
كانت الجهة المقابلة قوية كذلك لانه اذا تركتوا البلاد لن تنضج فى نار هادئة ولكن ستتقسم لان الحركة الشعبية كانت تأخذ مدن الجنوب مدينة بعد مدينة كلها تسقط فى يدها .
كانت بداية الصراع القبلى فى دارفور يهدد كذلك وينذر بتمرد وكان ينتقل الى جنوب كردفان والشرق كان كذلك تتفاعل فيه عوامل كثيرة .. والخطر داخل الخرطوم كان كبيرا لو تذكر ،قامت هيئة حماية العقيدة والوطن ،الجو كله كان مضطرباً لكن القرار كان أن يتقدم هؤلاء السبعة بما يرونه مناسباً لانقاذ البلاد لم ينص القرار صراحة على القيام بانقلاب لكن التفويض كان يسمح بأن تحرك آله الحركة الاسلامية داخل الجيش وآلتها الخاصة المسلحة حتى بين اعضائها لتستلم البلاد واستطرد محدثى الاستاذ المحبوب عبد السلام قائلا ولكن كان ذلك مدرج فى اطار استراتيجية
والسنوات منذ اليوم الاول للانقلاب وحتى العام الثالث كانت تقريبا الخطوات واضحة انه فى الاول نحتاج أن نحافظ على هذا النظام لتغطية هويته الاسلامية وذلك بالتمويه الذى كان سائدا فى تلك الفترات ثم نكشف عن وجهنا شيئا فشيئا ثم نعيد السلطة الى الشعب خلال 3 سنوات وبالتالى خلال هذه السنوات الثلاثة سيحل مجلس قيادة الثورة وتحدث كل الخطوات ،تأخرت قليلا ، بعض الخطوات تقدمت مثلا المجلس العسكري الانتقالي حل مجلس قيادة الثورة واصبح فى محله مجلس تشريعي معين ولكن له كل سلطات التشريع لدي مجلس قيادة الثورة .كان هذا المجلس الوطني الانتقالي كان هذه خطوة فى بداية المراسيم الدستورية
ثم جاءت التوالي السياسى لتأسيس الوضع السياسي كله على الحرية وهذه هى النقطة التى اختلفنا فيها كما كان فى الاجابة الماضية لكن الانقلاب نفسه كان شئيا طبيعيا فى العالم العربي وفى افريقيا الى ذلك الوقت ولكن كان هنالك شعور قوي فى الحركة الاسلامية بأنه بمجرد أن تستلم السلطة بانقلاب ينبغي أن تقوم بمجهود لتصحيح هذا العمل لان الانقلاب عمل اضطراري وهو عمل ليس جيداً ينبغي أن نصححة بسرعة وكانت هنالك كما قلت لك خطة موضوعة ينبغي أن تتبع بدقة لم تتبع بدقة فادي الى الازمات التالية
{ الاستاذ على عثمان فى ليلة 29 يونيو 1989 ذهب صباحاُ لمقابلة مدير الاستخبارات العسكرية صباحا لجس نبضه حول مدي المام جهاز المخابرات بتدابير الانقلاب وذلك تحت ستار نقل الاغاثة والمؤن للجيش فى الجنوب بينما كان الترابي يزور فى نفس عصر اليوم صهره رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي ويشرب معه شاي المغرب
هل هذه الخطوات جزء من تكتيك الجبهة الاسلامية لاستلام الحكم ام تقديرات القدر والمصادفة؟
انا لا علم لى بهذه الاشياء التى ذكرتها ، كنت خارج السودان فى السنوات الخمسة فى باريس فى تلك الفترة ولا علم لي بالتفصيل ما الذى حدث لكن على حال ليلة 30 يونيو 1989 فى يوم 29 يونيو فى الامسية يعني موصولة جدا بالترتيبات الفنية للانقلاب وبالتالي هى ترتيبات تقوم على مسائل تكتيكية وسريعة وقصيرة ولذلك وارد جدأ أن ترتب زيارة تمويهية الى جوبا ووارد جداً ان يزور الدكتور الترابي الصادق المهدي مساء .. واستدرك قائلا( لا اظن هذا حدث قد يكون داخل ترتتبات الاعداد للانقلاب الذى كان واقعاً لامحاله ..
اذا تمت هذه الزيارة وام لم تتم او تم التمويه او لم يتم .. المعد أن ساعة الصفر اتفق عليها اطراف كثيرة جدا كانت هنالك اجراءات كثيرة من هذا القبيل حتى رئيس الانقلاب العميد آنذاك عمر البشير جاء من الجنوب من «ميوم» وكان يقوم باجراءات عادية للسفر فى اليوم التالي لكورس تدريبى فى القاهرة هنالك اجراءات كثيرة تكتيكية ساعدت فى أن ينجح الانقلاب
{ القربان الاعظم الذى قدمه المؤتمر الشعبي بعبوره الجسر وتوقيعه لاتفاقية مع الحركة الشعبية ادت لتعميق المفاصلة بين الاسلاميين
واعتقال الدكتور الترابي برغم كل ذلك العلاقة ما بين المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية ما يزال يلفها الضبابية والغموض.
{انت تعلم اننا لم نكن حزءا من مفاوضات نيفاشا ولا اي من القوي السياسية.. ووقعت اتفاقية نيفاشا بدون مشاركة القوي السياسية مشاركة فعالة فى المفاوضات نحن كنا نساهم بالرأي ولكن عن طريق وفد الحركة الشبعية لا عن طريق وفد الحكومة واحيانا يطلب من الوسطاء طلب شركاء الايقاد من الشيخ حسن الترابي اعداد ورقة حول علاقة الدين بالدولة فكتبها ،كان لدينا اتصالات مع ياسر عرمان ومجموعة الحركة الشعبية اثناء التفاوض وكانت هنالك قطيعة كاملة مابيننا الاخوة فى الحركة ولم يكن بيننا أي اتصال لذلك جاءت نيفاشا تؤسس علاقة جديدة مع المؤتمر الوطني الشق المناوئ للمؤتمر الشعبي وكان اقتراضا آنذاك أن نشارك مع الحركة الشعبية كحكومة الجنوب اذا كان الوضع الفيدرالي يسمح بذلك .. لكن حدث هنالك حدث غير كثيرا من المعادلات هى وفاة الراحل الدكتور جون قرنق لان العلاقات تأسست اساسا فى ظل الدكتور جون قرنق وكان الجيش الشعبي يسيطر على غالب نشاط الحركة الشعبية وكان النشاط السياسي للحركة الشعبية محدود فى الدكتور جون قرنق ومجموعته لوح بيديه ثم قال عندما توفى الدكتور جون قرنق دخلنا فى المعادلات الجديدة أن الحركة الشعبية تريد أن تتحول من حركة مسلحة مقاتلة وحزب معارض الى حركة سياسية تريد أن تعمل وكان هذا الفرق كما قلت كان من المفترض تجديد العلاقة بيننا ومابين الحركة الشعبية يعني الحركة الشعبية حتى تسوي اوضاعها كلها بعد وفاة جون قرنق اخذت وقتا وعندما مضى هذا الوقت كانت العلاقة تعقدت بينها وبين الشريك فى مواجهة مشاكل الوطن كلها واصبح عليها تأسيس نظام دولة فى الجنوب وكان ذلك يأخذ من وقتها فانا اعتقد أن الحركة الشعبية لم تجد الوقت الكافى لتكمل مشروعها الفكري السياسي وعلاقاتها السياسية خاصة مع حزب مثل حزب المؤتمر الشعبى .. لكن عمقنا هذه العلاقة بالاتصالات الشخصية وتبادل الاراء . الزيارات الاجتماعات كلها كانت فى حد ادني نحافظ عليها ولاتنسى أن الحركة الشعبية لها علاقة بالتجمع الوطني اطول واعمق من علاقتها مع المؤتمر الشعبى لكن مع ذلك احزاب التجمع الوطنى الديمقراطي تشتكي من العلاقة مع الحركة الشعبية . والحركة الشعبية محتاجة الى وقت حتى تؤسس جيداً كحزب سياسي وحتى تؤسس علاقاتها السياسية ولكن كلامك صحيح أن العلاقة لم تمض كما ينبغي ومخطط لها
{ واللقاء مابين زعيمي الشعبي والشعبية الدكتور حسن الترابي والفريق سلفاكير ميارديت لماذا اصبح امنية فى ضمير الغيب لا تتحقق علي ارض الواقع؟؟
هو من ناحية الدكتور حسن الترابي سعي الى لقاء سلفاكير . وكنا قلت لك لم تنقطع العلاقة مابيننا وبين اخوتنا فى الحركة الشعبية دون مستوي رئيس الحركة قيادات الحركة الاخري كلها كانت تأتي الى لقاء الدكتور الترابي دوريا وفى كل المناسبات وفى الاجتماعات واحيانا لعرض بعض الامور العلاقة عامرة دون مستوي رئيس الحركة
ولكن سلفاكير كما تعلم يقضى اغلب وقته فى الجنوب وحتى فى زيارتنا الاخيرة الى واو كان الاقتراح الاول أن نمضي الى جوبا اولا ويجلس الدكتور الترابي مع سلفاكير فى لقاءات مطولة ونبقى فى جوبا يوم ثم نغادر الى واو ولكن فكرة الحركة الشعبية أن سلفاكير ينبغي أن يلقي كل الاحزاب كما تعلم أن سلفاكير لم يعقد لقاءات مطولة مع السيد الصادق المهدي ولامع السيد الميرغني ولامع نقد اللقاءات التى تمت مابين الرئيس البشير وقيادات الاحزاب سلفاكير لم يحضرها .. علاقة الفريق سلفاكير مع قادة الاحزاب بسبب غيابه المتطاول لم تتصل كما ينبغي والاخوة فى الحركة الشعبية يقولون أنه من الضروري أن يلتقي الفريق سلفاكير بالدكتور حسن الترابي ويجلس معه ساعات نحن نأمل أن تحدث فى الفترة المقبلة لكن كلامك صحيح أنها تأخرت جدا رغم اهميتها
{ هل تتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة لقاءات مابين الدكتور الترابي والفريق سلفاكير ميارديت؟
{ هل هنالك اتصالات او لقاءات او محاولات لترتيب هذا اللقاء؟؟
نعم كانت هنالك دعوة من الحركة الشعبية لزيارة جوبا ولكن لم تحدد موعدها .. ثم جاءت دعوة أن رؤساء الاحزاب يزوروا الفريق سلفاكير مجتمعين ويصلوا الى واو ويعقدوا معه اجتماعا .. ثم عدل هذا الاقتراح للتشاور مع الاحزاب بأن يذهب رؤساء الاحزاب فرادي ويلتقوا بالفريق سلفاكير ثم من بعد ذلك يمكن أن يحدث هذا اللقاء فى اطار يجمع كل الاحزاب حتى المؤتمر الوطني
{ ملف كارلوس من الملفات الغامضة دخوله الى السودان؟؟ وتسليمه لفرنسا خاصة أن هنالك تقارير اشارت الى أن الدكتور الترابي عقب عودته من مدريد التقي فى المطار لمدة ربع ساعة بمسؤول فرنسي رفيع المستوي ابدي له خشيته من عدم تسليم السودان كارلوس وبعد عودة الترابي للخرطوم تم تسليمه بتلك الطريقة الدرامية؟ ولا نستطيع أن نتحدث حول هذا الامر دون التوقف بمحطة المحبوب عبد السلام مترجم اللقاء؟؟
ابتسم ثم رد قائلا النقطة الاخيرة صحيحة وهي انني كنت اقوم بالترجمة مابين جهاز الامن السوداني وجهاز الامن الفرنسى فيما يتعلق بموضوع كارلوس لذلك انا مطلع على هذا الملف جيداً الدكتور الترابي سافر الى اسبانيا وقدم محاضرة وفى طريق عودته كانت الرحلة تسمى الرحلات المقلة وحدث conatian
بتديل للطائرة لمواصلة الرحلة جلسنا فى مطار باريس ساعات حتى اتى مدير عام العمليات الفرنسية وقابل الدكتور الترابي لكن الخطأ فى تناول موضوع كارلوس فى السودان دائما يتجه الى أنه موضوع سياسى حكومة الانقاذ آنذاك تعاملت مع ملف كارلوس بوصفه ملفا امنيا من جانب كارلوس كان يظن أن هذا النظام الاسلامى الثوري سيكون متحمسا فى التعامل معه حقيقة كارلوس ضاقت عليه الارض بما رحبت كان يبحث عن مأوي كان يبحث عن مقر وفى دولة عربية ضافت به ذرعا وهرب اليها من دولة عربية
الدولة هذه الاخيرة كانت تريد ان تتخلص منه كان البلد الوحيد الذى يستقبل العرب بدون تأشيرات كان السودان بعثت به هدية مسمومة الى السودان جهاز الامن فوجى بوجود كارلوس فى السودان وقدم نفسه على أنه شاين كارلوس وكارلوس هذا لقب وليس اسمه الحقيقي الذى كان يريد التفاوض مع الامن الفرنسى هو الامن السوداني وكان السياسيون مثلا الفريق البشير والترابي وعلى عثمان كانوا فقط يخطروا بتطور المفاوضات معهم والمفاوضات كلها كانت منصبة فى أنه ينبغي أن يغادر السودان .. نحن لاشأن لنا به ولم نكن بعض من عملياته فى العالم العربي وانا تحليلي الشخص أن كارلوس لم يعد ذلك المناضل الذى ينصر القضايا العربية تحول الى مثير دولى والذى قاله مدير المخابرات والعمليات الفرنسة للدكتور الترابي انهم دولة فرنسا بمذكره صادرة من الانتربول البوليس الجنائي الدولي تريد أن تستلم كارلوس وسلم هذه المذكرة للدكتور الترابي فهذا كان شأن قانوني وعلاقات دولية محضة والدكتور الترابي كما تعلم هو شخص قانوني ومختص بالقانون الدستوري ومختص بالقانون الدولى فكانت اجابته واضحة اذا كانت هنالك مذكرة توقيف باسم القانون الجنائي الدولى ينبغى أن تتم المسألة فى هذا المستوي لانه سياسيا لا شأن لنا بكارلوس ولكن دولة فرنسا وهى دولة بالمناسبة الوحيدة فى العالم التى عندها ملف جنائي مع كارلوس هو قتل ثلاثة ضباط من ضباط المخابرات الجنائية الفرنسية قتلهم فى شقتة فى باريس مباشرة من مسدسه فعندهم قضية مكتملة لذلك واقف الانتربول بأن يصدر هذه المذكرة بتسليم كارلوس الى فرنسا اينما وجد
كذلك مدير المخابرات الفرنسية تحدث بأن هنالك مساومات تتم بينهم وبين الامن السوداني حول هذا الموضوع الترابي اكد انهم يرفضون أي مساومة فى موضوع جنائي واكد أن التسليم يتم على اساس جنائية محضة فى اطار البوليس الدوليوالانتربول السوداني و الانتربول الفرنسي . تم التسليم على هذا الاساس فملف كارلوس كان ملف امنى ثم اصبح ملفا جنائياا ولم يكن فى يوم من الايام ملفا سياسياً
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

خمسون إنجازا للحركة الإسلامية السودانية:

ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها!!

د. محمد وقيع الله
[email protected]

(8)

تحدثنا في المقال الماضي عن توازن الحركة الإسلامية السودانية، في تركيبتها القيادية العُمْرية، حيث بان لنا أنها الحركة السياسية السودانية الوحيدة التي تملك تشكيلة قيادية، تمثل أفضل تمثيل التركيبة العمرية العامة للشعب السوداني في الوقت الحاضر. وتناولنا بالحديث التركيبة الاجتماعية للحركة الإسلامية السودانية، فاتضح أنها تركيبة قومية، بحق وحقيق، تتمثل فيها جميع ألوان الطيف الاثني السوداني.

وبهذا التركيب المتوازن، الذي ميز الحركة الإسلامية السودانية، وزانها، اكتسبت تصرفاتها، وأفعالها، توازنا مشهودا، نأى بها عن التطرف في وجهيه: إفراطا وتفريطا.

التعامل المتوازن مع الأحزاب:

ونود اليوم أن نتحدث اليوم عن بعض أنماط التعامل السياسي المتزن، للحركة الإسلامية السودانية، بادئيه بتعامل هذه الحركة مع الأحزاب السياسية الأخرى. فبالرغم من أن الأحزاب السياسية التقليدية والعقادئية قد استقبلت الحركة الإسلامية السودانية، في تجليها السياسي، منذ حقبة جبهة الميثاق الإسلامي(1965-1969م) ، بكثير من التحفظ، والاستهانة، والاستخفاف، والازدراء،( تشهد على ذلك مداولات الجمعية التأسيسية بوجه خاص، وهي مصدر جيد لدراسة السوك السياسي في حقبة الديمقراطية الثانية)، إلا أن الحركة الإسلامية السودانية، ظلت تعامل تجمعات الأحزاب السياسية الأخرى (عدا الحزب الشيوعي) بقدر كبير وافر من التقدير والإحترام، ويمكن القول بأنها ما زالت تعاملها منذ ذلك الزمان بكثير من التقدير والاحترام لأوزانها وأقدارها.

لقد جاءت الحركة الإسلامية السودانية بمحتوى حزبي، أصيل، واعد، متفوق، من حيث الخلفية والبنية الفكرية، والبرامج السياسية المفصلة، ونوعية الكوادر المدربة المحتسبة. ومع أن الحركة الإسلامية السودانية كانت متقدمة على الأحزاب من هذه النواحي، إلا أنها عمدت مع ذلك إلى التعامل مع هذه الأحزاب، على أساس التفهم والاستفادة من تجارب من سبقوها في التجربة والبلاء، بدل أن تصادمهم وتسعي سعيا عاجلا لإزاحتهم، وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية من كل حزب خير ما فيه، ونبذت ما فيه من الشرور والبذور التي لا تنسجم مع برنامجها السياسي المستقبلي التقدمي.

وقد بحثت الحركة الإسلامية السودانية دوما عن المشترك بينها وبين الإحزاب السياسية السودانية الأخرى، فاتضح لها أن ما يجمعها بالأحزاب التقليدية هو البرنامج الإسلامي، أي التوجه السياسي الإسلامي، أو ما كان يدعى حينها بالدستور الإسلامي، إذ لم يكن أمر القانون الإسلامي، أو الأسلمة الشاملة مما يمكن أن يطرح أو يستوعب في أفق ذلك الزمان.

(معالم في الطريق) السوداني:

وهكذا أخذت الحركة الإسلامية السودانية، في ذلك الزمان الذي كان فيه كتاب (معالم في الطريق)، يرجُّ العالم العربي والإسلامي، بأطروحاته الجسورة الخطرة، تتعامل تعاملا هادئا غير ثوري، ولا جذري، مع الأوضاع السياسية السودانية. بل تعدى الأمر ذلك عندما كتب أحد فلاسفة الحركة الإسلامية السودانية، وهو الدكتور جعفر شيخ ادريس، حلقات متصلة بصحيفة (الميثاق) الإسلامي، لسان حال الحركة حينها، يحلل فيها أطروحات (معالم في الطريق)، وينتقدها، وقد بلغ أمر تلك الانتقادات إلى سيد قطب، ولم يقبلها، وذلك شأنه، رحمه الله، فقد كان صادقا في مواجهة الواقع القمعي الذي يتعرض له، وكانت الحركة الإسلامية السودانية، صادقة في تعاملها مع واقعها الذي تتعامل معه، ولم يكن يطغى عليه الغزو الفكري والاستبداد اليساري الشيوعي الناصري، كما كان الأمر في مصر، وهكذا لم تكن الحركة الإسلامية السودانية، مستعدة لاستيراد أطروحات فكرية حركية جاهزة، من واقع بعيد، من دون أن تتأملها، وتحللها، وتقبل منها ما تقبل، وترفض ما ترفض.

والتزاما بهذه المنهجية التحليلية، النقدية، الحصيفة، المتوازنة، نأت الحركة الإسلامية السودانية، عن اتباع أساليب الاستعلاء، والبراء، والمقاطعة مع الآخرين، والتزمت بمنهج التلاقي والتعامل الرصين الجاد معهم ، من أجل التأثر الخِّير بهم، والتأثير الخيِّر فيهم. وسعت للتحالف مع الآخرين من العاملين في المسرح السياسي السوداني ولو التقت بهم عرضا في الطريق، وما اتخاذ الحركة لمسمى (الجبهة) منذ ذلك الوقت، إلا دلالة على رسوخ تلك النزعة لاتخاذ التحالف مع الآخرين نهجا ثابتا في العمل السياسي.

وفي طوال دهرها لم تبادر الحركة الإسلامية السودانية أحدا بالعداء، وما زالت على ذلك النهج، تأمل أن تتحالف مع كل من فيه ذرة خير، حتى مع أصحاب تلك الأحزاب (العروبية) الهزيلة الكارهين للإسلام، كُرها غير مفهوم، والذين لا يترددون في ان يتحالفوا (تحالفات استراتيجية كما يقولون!) مع الحركات الشعوبية، العنصرية، الحاقدة، الكارهة للعروبة، وذلك لأن هذه الحركات تشاطرهم كره الإسلام!

ويوما بعد يوم، نرى الحركة الإسلامية السودانية، تزداد التزاما بهذا النهج المستبين، وتمكن بحكمتها من كسر عداء الآخرين لها، حتى عداوة من عادوها عن حسد. أولئك الذين رموها جميعا عن قوس واحدة، يوم وصلت إلى السلطة، بانقلاب عسكري، اضطروها إليه اضطرارا، بممارستهم للمكائد السياسية من ناحية، وبعجزهم عن ممارسة السلطة السياسية من ناحية أخرى.

وهنا أود أن أقول إن الوصول إلى السلطة، عن طريق انقلاب عسكري، لم يكن هو الوضع الملائم، هذا ما أقر به وأعتقده، ولكن إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة الحركة الإسلامية السودانية إلا رَكوبها؟!

إن اللوم موجه إلى الآخرين لا إلى الإسلاميين في هذا الخصوص، إن اللوم موجه هنا إلى أولئك الذين استهانوا بالحركة الإسلامية السودانية، وأدانوها في البرلمان، عندما كانت في المعارضة، لمجرد أن الطلاب التابعين لها سيروا بعض التظاهرات في الخرطوم، ثم سعوا إلى إقصائها من الحكم، عندما اشتركت في حكومة الوفاق الوطني، وحرضوا عليها الجيش، مع أنها كانت أكبر سند للجيش في حرب التمرد في الجنوب، وشرع الكثيرون من الحزبيين في استغلال الجيش لتدبير انقلاب تكون أولى ضحاياه الحركة الإسلامية كما علَّمنا التاريخ.

هكذا جاء هؤلاء:

وهكذا اضطرت الحركة الإسلامية السودانية، إلى تجاوز هذه المؤامرات المتتابعة بتنفيذها لانقلاب الإنقاذ. والغريب أن خصوم الحركة لم يتعلموا الدرس، وواصلوا استهانتهم بها، وتوقعوا انهيار حكمها بعد شهور، وسأل سائلهم سؤال الغافل: من أين جاء هؤلاء؟ّ! ولم يفطنوا، أو قل إنهم لم يشاؤوا - في إصرار - أن يفطنوا إلى أن هؤلاء القادمين الذين سألوا عنهم، تضرب جذورهم عميقا، في تاريح العمل السياسي السوداني، إلى منتصف أربعينيات القرن الميلادي الماضي، وأنهم لم يتوقفوا عن الفعل السياسي يوما واحدا منذ ذلك التاريخ، وأن آثارهم برزت واضحة في كل مفصل من تاريخ البلاد، في حملة الدستور الإسلامي، في أوائل الخمسينيات، وفي مقاومة الحكم العسكري، في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وفي قيادة ثورة أكتوبر 1964م، وإنشاء جامعة أم درمان الإسلامية في عام 1965م، (التي أنجز قرار قيامها السياسي الوطني العظيم الوزير الإتحادي بدوي مصطفي، أفسح الله له في مقامات المجاهدين، وقاد خطوات تأسيسها شيخنا العلامة الرائد الدكتور كامل الباقر أفسح الله له في مقامات الصديقين).

وقد قادت الحركة الإسلامية السودانية، حملة الدستور الإسلامي، مرة ثانية، في الستينيات، وشاركت في حرب فلسطين في السبعينيات، وشاركت في مقاومة النظام الشيوعي الناصري المايوي في حرب الجزيرة أبا، بالاشتراك مع الأنصار المجاهدين، وواصلت مقاومتها للحكم المايوي لسبع سنوات تلت، وأنجبت أكثر كوادرها الصلبة خلال تلك الحقبة، وأسست العديد من المؤسسات الإسلامية خلال السبع سنين التي تلت المصالحة الوطنية، وأيدت التشريعات الإسلامية بقوة وحمتها، واجتاحت دوائر العاصمة، ونالت أكثر عدد دوائرها، وأكثر عدد ناخبيها، ونالت أكثر دوائر الخريجين، في انتخابات عام 1986م. فهل هذه حركة خفية، يسأل عنها إلا واهم فيقول: من أين جاء قادتها وأتباعها؟!

هذا الوهم أو(اللا واقعية) السياسية، هي من بعض ما تعاني منه الحركة الإسلامية السودانية، خلال تعاملها مع الآخرين. والغريب أن هذا الوهم يطرق أحيانا بعض من يعرفون الحقائق عن كثب، معرفة وثيقة، لا ريب فيها، ولكن لا يحبون أن يصيخوا لصوتها، أويعترفوا بها. وآية ذلك أن هذا الشخص الذي أطلق تساؤله: من أين جاء هؤلاء؟! كان من قدامى أبناء الحركة الإسلامية السودانية في الأربعينيات، ولكنه تخلى عنها بهدوء، تخليا كريما، ونحن نحترمه، ونجله، كمفخرة أدبية وفكرية إجلالا واحتراما فائقا، ولم نستشهد بقوله هنا إلا في مقام جلاء العبرة لتبيان مكامن العلة في تعامل البعض مع الحركة الإسلامية السودانية. وعلى كل حال فصاحب هذا التساؤل قد برهن في سيرته أنه شخص وطني شريف، ولم يكتب التقارير الإستخبارية عن الحركة الإسلامية السودانية، ولم يساند الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، الذين أرادوا لفرط عدائهم للإنقاذ أن يدمروا الوطن برمته. وقد أكثر هذا الأديب الكبير المفكر في مقالاته من نقد الشعوبيين، العنصريين، الإنفصاليين، وتوبيخهم، ولم يكن قط كصاحبنا هذا اللا مبدئي، الناقم، الواهم، الذي ظن أن الحركة الإسلامية السودانية، قد ماتت بخروجه هو عنها، أو بالأحرى بإخراجه من خدمتها، ولم يهده ذكاؤه وفكره الزاخر، إلى أن يدرك أن هذه الحركة لم تمت عندما فصلته من صفوفها، عندما كان يكتب في صحافة مايو المؤممة في السبعينيات، وإنما ازدادت حياة على حياة، ولم يدرك أنها أضحت تزداد حياة على حياة، منذ أن استغنت عن استخدامها إياه في الدعاية لها في التسعينيات!

لقد دل تاريخ الحركة الإسلامية السودانية، قبل الإنقاذ، وفي ظلها، على أنها تحسن التعامل مع الفرقاء السياسيين الآخرين، وأنها تستطيع أن تتعامل معهم تعاملا وفيا ذكيا حصيفا متوازنا، وقد استمرت بعض تحالفات الحركة مع الآخرين، فيما انفرط بعضها، وما أبرئ الحركة الإسلامية من الأخطاء في هذا الصدد، فبعض الأخطاء التي أدت إلى انفراط التحالفات مع الآخرين، تأتت من بعض تجاوزات قادة الحركة الإسلامية السودانية، وبعضها جاء من الآخرين، الذين تجاوزوا بطموحاتهم كل المألوف (مبارك الفاضل كمثال).

ومن قديم كنت أدعو إلى ضرورة إحسان التعامل مع الحلفاء السياسيين، ولي بحث في ذلك مكتوب، تعرضت فيه لبيان هذا الأمر، وكانت لي محاضرة قدمتها مرارا لكوادر الحركة الإسلامية من الشباب الواعدين، كنت أحرص فيها على تربيتهم على رعاية حقوق الآخرين، بل إني دعوت بلا تردد إلى عدم السعي لـ (تجنيد) الحلفاء السياسيين، والعمل على إدخالهم في سلك الحركة الإسلامية السودانية، لأن هذا وإن كان أمرا طيبا، إلا أنه يهدر هدفا أهم منه، وهو هدف إحسان التعامل مع الآخر، والتعلم منه، والتعود على العمل التضامني، والتكيف مع بيئات وأساليب العمل المشترك مع الآخرين.

وما كنت أحرص على تنبيه الشباب الناهض إليه، كان من نوافل تجارب الحركة الإسلامية السودانية، ولكني حرصت على تأصيله ببعض معارف العلوم السياسية، وهو في الأصل، خلق حميد، مستمد من أخلاق الإسلام، ومنتزع من شيم أهل السودان الكرام، وهو ولا ريب أجمل تراث يزين سيرة الحركة الإسلامية السودانية، ويحليها، ويرشد خطوها على الدوام، لاسيما في هذه الأيام، التي تواصل فيها السعي الحثيث الصادق مع الإمام، وأعوانه الأعلام، لإنجاز ما نأمل أن يتحقق بالفعل على أرض الواقع السياسي بالتحالف مع حزب الأمة العملاق المقدام.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 881 2008-04-27

حديث المدينة
أصحى.. يا بريش..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-04-27

[email protected]


سألني باحث بريطاني يزور السودان هذه الأيام.. سؤالا افتراضيا جديراً فعلا بالإجابة المتأنية العميقة.. قال لي ( اذا افترضنا ان أحد أعضاء الحركة الإسلامية في السودان نام في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.. ولم يستيقظ إلا الآن.. ثم سار في الشوارع وقرأ الصحف وتأمل في المجتمع والدولة.. دون أن يقدم له أي فرد مساعدة للتعرف على ما تغير خلال العشرين سنة الماضية.. فهل يستطيع ان يعرف أن الأمور كلها خلال فترة نومه كانت تخضع لحكم جماعته..؟؟)
قلت له.. ولو أُعطي (خيارات!!) فلن يستطيع تخمين الإجابة الصحيحة..
سأتقمص السياق الافتراضي الذي اختاره الباحث البريطاني.. وأتصور أن هذا الرجل ( وربما يكون من قيادات الحركة الإسلامية).. وبعد ان استيقظ..اول ما فعله وبكل شوق ولهفة أن ذهب الى منزل (الشيخ!) حسن الترابي.. وجلس في طرف الصالون بكل هدوء يسمع تصريحات وتحليلات الشيخ للأوضاع.. وكأني بهذا الرجل الذي استيقظ من منامه يقول في قرارة نفسه.. وهو يسمع لكلام الشيخ الترابي..( إذن لقد فعلها الشيوعيون.. !!).. ثم واذا به وهو راجع (بالمواصلات طبعا).. بشارع أفريقيا وجوار مدخل المطار.. تكاد تربكه الدهشة.. وهو يكمل الجملة (.. ويصَّلون..الشيوعيون !!).
وربما وقع في حيرة ودهشة اهل الكهف.. حينما قالوا لأحدهم أذهب بورِقِنا هذا فلينظر أيّها أزكى طعاما.. فقدم ورقه (العملة) للتجار فنظروا اليه وسألوه من أي عهد تاريخي سحيق هبط..
المعايرة القياسية التي طلبها الباحث البريطاني للفرق بين النظرية والتطبيق.. تحتاج اولا وقبل الغوص فيها الى استنباط وحدة القياس..حتى يمكن معايرة الطرفين والكتلتين بنفس الوحدة القياسية.. فلا يمكن – مثلا معايرة جسمين واحد بالكيلو.. والآخر باللتر.. أو بالمتر..
ماهي وحدة القياس التي تحسب المسافة الفاصلة بين النظرية والتطبيق..
اقترح استنباط وحدة قياس نطلق عليها (كيلو انسان).. الوزن المعياري للانسان.. على هدى معادلة بسيطة تفترض أن (الكيلو إنسان) هو الناتج الطبيعي لحصيلة جمع التنمية والخدمات والمشاريع التي تقدم له مع الحقوق التي يكتسبها.. فإذا توفرت للانسان مشاريع ضخمة وخدمات مترفة وتنمية هائلة.. ونال معكوسها من الحقوق الذاتية والمعنوية فإن (الكيلو انسان) يصبح في وزن الذبابة..
بوحدة القياس هذه يمكن إجراء اختبارت خارجية في دول أخرى.. والتأمل في ناتج (الكيلو انسان) فيها.. فدول عملاقة من فرط جبروتها خرقت غلاف الكرة الأرضية وارتفعت بإنسانها الى الفضاء الخارجي. لكن انسانها على الأرض كان لا يساوي إلا قيمة تافهة من الـ(كيلو انسان).. وكانت النتيجة الطبيعية بالتحديد انهيار منظومة (الاتحاد السوفيتي).. وحلف وارسو ودخول بعضها في حلف الناتو..
الأمثلة كثيرة.. وبعضها لا يزال شاخصا.. وسنة الحياة البشرية ان الانسان هو محور الحياة.. وأكدها القرآن الكريم الذي جزم ان كل ما في الحياة الدنيا هو مسخر لأجل الانسان. في البر والبحر والفضاء..
إذن فلنستخدم مسطرة أخينا الدكتور أمين حسن عمر الشهيرة.. ونحسب كم (كيلو انسان) يسوى السوداني..؟؟



السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الاطفال ..؟


خالد ابواحمد
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28


بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في تلك الساحة في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية بقيادة الفقيد جون قرنق (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانب الحكومة بحوالي 2000 طفل تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاما من الجنسين.

كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا في يوم 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..!!
... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) بالكاد تميز بين الذكر والأنثى، يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار..!!

عندها كان ابني (أحمد) لا يتعدي الثلاث سنوات، وأبني (أواب) رضيعا في حضن أمه، لكن رغم ذلك تخيلت أن (احمد وأواب) من بين هؤلاء الجنود المحملين بالسلاح و العتاد، وثمة آخرين يضربونهم ويذلون كرامتهم، ولذا كنت كثير التفكير في مضمون هذه الحرب التي اندلعت من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، والمفارقة أن الجانبين المتقاتلين يحاربون تحت راية واحدة هي الدفاع عن الوطن و تحرير الأرض من الأعداء .. ولكن ما بال هولاء الأطفال والنفوس التي خلقها الله كي تنعم بالأمن والأمان تحتاج إلى الرعاية والاهتمام تقاتل وتحمل روحها بين جنبيها وفي تلك الساحات تتعدد الأسباب والموت واحد،، الأمراض والإعياء والإرهاق الجوع والمسغبة وضرب القادة العسكريين.

وأنا ومن معي في تلك الغابات الكثيفة كنا نتساءل أين ذهبت الحيوانات التي اشتهرت بها غابات جنوب السودان، ولماذا هربت حتى الطيور من هذا المكان، وكان واضحا ان لون الأخضر قد تحول إلى ألوان أخرى بسبب الحرب، ولم يبغي من الغابة إلا اسمها،، تتزايد الأسئلة الملحة في مخيلتي كلما نظرت لجنور جيش (الرب) وهم يحملون الأثقال،، لماذا ترضى الحكومة السودانية صاحبة المشروع (الإسلامي الحضاري) باستغلال هؤلاء الأطفال القصر والزج بهم في حرب ضروس لا غالب فيها ولا مغلوب..؟!
ألم تكن الحكومة هذه قد وقعت على كافة قوانين الأمم المتحدة التي تحظر الإساءة إلى الأطفال، وتشدد على تقديم الخدمات لهم، وأليس هذا أمرا مهولا ومستغربا أن تنفذ الحكومة في السودان حملات التطعيم ضد الشلل للأطفال بميزانيات طائلة على كامل التراب الوطني، وتقتل أطفالا آخرين في الجنوب..؟ .
وتحت أي مصوغ.. ديني وسياسي تم ذلك؟؟
وأي مكاسب هذه التي تجنيها الحكومة السودانية على حساب هؤلاء الأطفال الصغار، ولماذا يستخدم جيش الرب أطفالا قصر في حربه ضد الحكومة اليوغندية..؟؟.
يا إلهي ما هذا الذي يحدث.. وثمة أسئلة كثيرة كانت تصول وتجول في ذهني ولا تجد الإجابات الشافية،، وتزداد الأسئلة إلحاحا كلما نظرت تجاه هؤلاء البؤساء الذين كان قدرهم أن الله جلت قدرته ولحكمة يعلهما وهو وحده ..أوجدهم في هذا المكان من العالم..
ولمن لا يعرف فإن أطفال جيش الرب اليوغندي يبلغ عددهم حسب إحصائية للأمم المتحدة حوالي 40 ألف طفل،يشكل القصّر ما يقارب 90 بالمائة من جنود جيش الرب للمقاومة، ويتم ضمهم إلى الجيش من خلال الإغارة على القرى، فتتم معاملتهم بوحشية وإجبارهم على ارتكاب ‏الفظائع في حق أقرانهم من المختطَفين، بل وحتى ضد أخواتهم. أما من تسول له نفسه الفرار، فيتم ‏قتله، بذلك يصبح العنف بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في حالة من الخوف الدائم أسلوباً للحياة.
في تلك اللحظات عندما أتذكر أبنائي فإن أول ما يتبادر إلى ذهني طفولتهم البريئة وعفويتهم الصادقة، وفرحهم الذي يتجسد من خلال لعبهم وألعابهم المتنوعة التي يعبرون فيها عن ذواتهم، والتي تنمي مداركهم العقلية والذهنية حيناً، وتبعث في نفوسهم الفرح والسعادة والضحك في أحيان أخرى كثيرة، وأتذكر أن سعادة أبنائي هي غايتي وهدفي الدائم في الحياة، فكيف بالله أتحمل رؤية أطفالا مدججين بالسلاح الثقيل، ودموعهم يبست ولم تجد من يمسها، وصرخات أناتهم لا تجد من يوقفها بكلمة حلوة أو قبلة ترسم في وجوههم أهميتهم في الحياة.
ولكن ثمة سؤال لم أجد له إجابة حتى اللحظة.. أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الأطفال..؟؟.

رداً على د. محمد وقيع الله

أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!





خالد أبواحمد –[email protected]

صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها زلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.

كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتق به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.

المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنة والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعلم من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..

ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!

وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.

ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.

كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في عيني بل في عيون الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسين انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..

ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!

ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للأساتذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.

لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان والحمد لله ، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.



السقوط المدوي

والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!

شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.

وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأت بجديد فلم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون عن جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نحكم على النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا إليها التفصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل الموقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازدياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.

انجازات (الإنقاذ)

تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.



التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!

كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.

وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب بالقرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:

"لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...

المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسؤول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.

ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسؤول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه وقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف إنتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمين على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.

فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس متلقية للدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!



دولة العدل الرشيدة..!!

وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على أبواب الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة ومنها الرأس قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".

اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!

كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا أنشد وأهتف باندفاع الشباب

لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال

مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال

سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال

قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي

وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..

السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات،وقامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في عليائك بُعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.



فساد المهندس..!!

وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت إحدى الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخص المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.



هذا قليل من كثير..!!

هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسؤول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منح هالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!

أطفال جيش الرب

بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، فأنا شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كانوا موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.

كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلل الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..؟!.

... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن فهم لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطئ، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمتهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!

تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السوداني جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!

دارفور وأحداث تشاد

د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقوا بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.

ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية في قراهم، أحد الاخوة قد وصل من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليون..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنأ بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.

الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة (الانقاذ) في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.



محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م

من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها عن الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذه نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.

أحلامنا التي .....

لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:

"لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،

قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب غير عوض الجاز وزمرته، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسؤول الأول والأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.

وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).

التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقها حتى يتعذر عليها الاستمرار في العمل.

الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال من أمامهم كل المعوقات.

التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.

الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون المناصب المهمة في سفارات السودان في الخارج.

ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.

لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى من الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" ورحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكى أخي بكاءً كثيراً، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.

ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، ترى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.

ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.

فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..

وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227

هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبع سنوات خارج الوطن..

أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه

وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الحكم الراشد

بروفيسور مصطفى إدريس البشير



لم تقتصر النجاحات التي حققتها الحركة الإسلامية من تصالحها مع مايو على الدعوة المفتوحة وتوسيع مؤسسات الحركة الدعوية والاقتصادية فحسب، بل التفتت الحركة الى جوانب أخرى رغم حساسيتها وخطورتها على العلاقة مع نظام الحكم المايوي. وتمثلت هذه الجوانب في التغلغل في أجهزة الدولة الحساسة كالجيش وجهاز الأمن والشرطة، وأقامت أجهزة في غاية من السرية والحذر تتبع مباشرة للأمين العام لمتابعة استيعاب شباب الحركة في الكلية الحربية وكلية الشرطة والانخراط في الأجهزة الأمنية، ويتم ذلك برغم التزامها الصارم بالحفاظ على العهد الذي أبرمته مع النميري على عدم الغدر به، وقد التزمت بذلك العهد حتى غدر بها هو من جانبه في عام 1985 بعد زيارة بوش الأب للسودان.
آثرت قيادة الحركة الاستمرار في اعداد الكوادر العسكرية المدربة من داخل السودان بعد أن تمت تصفية المعسكرات الخارجية، وفتحت الحركة عددا من المعسكرات السرية داخل السودان من باب اعداد العدة للجهاد والتحوط لما قد يطرأ بالبلاد من أي جهة كانت.
ولكي تحافظ الحركة على سرية العمل العسكري قامت القيادة بتغييرات كبيرة في صفوف القيادات التي كانت تتولى قيادة العمل العسكري ابان فترة الجبهة الوطنية المعارضة للنميري خارج السودان من أمثال الشيخ السنوسي وعثمان خالد ومهدي ابراهيم.. وجاءت بقيادات شابة ووجوه جديدة لتتولى تنسيق العمل العسكري من داخل السودان، وتم تغييب شبه كامل للقيادات الظاهرة عن تفاصيل ما يجري من باب التحوط الأمني، اذ إنهم كانوا تحت رقابة أجهزة النظام الأمنية.. وأذكر أن ذلك العزل والتغييب للقيادات السابقة أثر سلبا على بعضهم، فابتعد وانزوى وكاد يخرج على الحركة كلية.... وقد كانت تلك أيضا تجربة ناجحة استطاعت الحركة أن تعد بها قوة ضاربة قوامها بالآلاف تعرف معظم فنون القتال وتتعامل مع أنواع كثيرة من الأسلحة السائدة في ذلك الزمان، ومعظم منسوبيها من طلاب الجامعات وحملة الشهادات الجامعية وفوق الجامعية. ورغم حساسية الظرف وخطورته فقد كان الشيخ يقضي نهاره ما بين ديوان النائب العام والقصر أو الاتحاد الاشتراكي ويقضي ليله بين المجاهدين في مواقع التدريب دون خوف أو مبالاة، ودون أن ترصده أجهزة أمن النظام رغم حرصها الشديد على متابعة تحركاته.
وأستطيع أن أقول بأن الحركة الإسلامية كان بمقدورها أن تدبر انقلابا ناجحا أبيضا على حكم النميري منذ عام 1983 ولكنها لم تفعل، بل كانت على العكس تماما تنبه أمن النظام بصورة غير مباشرة على كثير من النشاطات الانقلابية ويتم اخمادها في مهدها... وقد تم ذلك أكثر من مرة.
أما الحقبة التي تلت الانتفاضة في أبريل 1985 وحتى قيام الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989 فلم أكن شاهدا لها عن قرب بسبب السفر للدراسة خارج السودان، ولكن الحركة استطاعت بحنكتها وتجاربها المتراكمة في العمل العام أن تتجاوز الحصار الذي أرادت القوى الأخرى فرضه عليها وتحميلها أوزار مايو (السدنة)، فبادرت بتكوين الجبهة الإسلامية القومية وخاضت مع الأحزاب الأخرى التجربة الديمقراطية مستهدية بتجاربها في المشاركة في الحكم مع نميري، واستطاعت أن تكون القوة الثالثة في البرلمان من حيث العدد، ولكن في حقيقة الأمر كانت القوة الأكثر نظاما وقدرة على الحركة والمبادرة في الساحة السياسية، ولو قدر لتلك التجربة الديقراطية أن تستمر لاستطاعت الحركة الإسلامية في السودان أن تحقق النموذج التركي القائم حاليا (حزب العدالة والتنمية).. ولكن الحرب في الجنوب والتي بدأت تزحف شمالا حتى وصلت الى تخوم كوستي، وضعف الأحزاب التقليدية وعدم جديتها في مواجهة قضايا الجمهور الأساسية من مأكل ومشرب ووقود، عجل بوأد تلك التجربة الديمقراطية، كما جاء في النعي الشهير للراحل زين العابدين الهندي من داخل البرلمان، ولو لم يعجل الإسلاميون بالانقضاض على السلطة لسبقهم عليها آخرون كانوا على أهبة الاستعداد، كما تفيد التقارير الرسمية الموثقة في تلك الفترة.
وكما أوردت سابقا كان في مقدور الحركة الإسلامية أن تنفذ انقلابا ناجحا منذ مطلع الثمانينيات في القرن الماضي ان أرادت الوصول الى السلطة بأقصر الطرق فحسب، ولكنها كانت تحسب حساباتها للعوامل الخارجية والداخلية التي يمكن أن تعيق مسيرتها اذا انفردت بالحكم، وأستطيع أن أؤكد أن قرار الانقلاب في الثلاثين من يونيو 1989 جاء بعد حوار طويل وعسير وكان من أبرز معارضيه في البداية شيخ حسن ولكنه سلم بوجهة نظر معاونيه المقربين في قيادة وإدارة الأجهزة التنظيمية الخاصة التي كانت بعيدة عن أنظار معظم الشخصيات القيادية الظاهرة في الحركة، حيث إن بعضا من هذه القيادات التاريخية فوجئوا بالانقلاب واتخذوا مواقف معارضة له عند قيامه.
من كل ما سبق يتبين لنا جليا أن الحركة الاسلامية في السودان استطاعت أن تحقق نجاحات كثيرة في مسيرتها من النشأة وحتى قيام الإنقاذ وأن تتخذ نهجا متفردا في التعامل مع الواقع السياسي في السودان مما ساعدها على تنمية قدراتها كما وكيفا واستطاعت أن تستغل الظروف الماثلة مهما كانت صعبة لصالحها وكان لها كل ذلك بعد توفيق الله بسبب القيادة الواقعية الواعية التي تدرك ان التدين الحقيقي هو السعي لتضييق الهوة بين الواقع الأرضي والمثال العلوي، ومما ساعدها على النجاح والسبق أيضا هو رفضها للتبعية الكاملة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتحتفظ لنفسها بحق الاجتهاد وفق مقتضيات الظرف المحلي في السودان. ومما تجدر الإشارة اليه أن اجتهادات الحركة الإسلامية في السودان والتي سبقت بها رصيفاتها في العالم الإسلامي كانت محل نقد شديد وصل الى حد القطيعة والاتهامات، ولكن أثبتت التجارب أن الذين ينقدون الحركة الإسلامية في السودان بسبب اجتهاداتها السياسية يصلون الى ذات القناعة بتلك الاجتهادات ويسيرون في ذات الدرب بعد فترة من الزمان.
فعلى سبيل المثال خاضت الحركة الإسلامية في السودان الانتخابات بعد ثورة أكتوبر ودخلت البرلمان وشاركت في السلطة في مايو، وكانت تلك الاجتهادات محل نقد لاذع بل وقطيعة من الحركة الإسلامية في مصر وبعض البلدان الأخرى، ولكن تمر عشر سنين على تجربتنا في المشاركة السياسية فإذا بإخواننا في مصر يترشحون للبرلمان ويرفعون شعار (الإسلام هو الحل) ويتصدرون النقابات ويقيمون جمعيات النفع العام بعيدا عن الصبغة الإخوانية الصارخة، بل ويباركون الآن ما يجري في تركيا وبإعجاب شديد حيث يحكم الإسلاميون في ظل دستور علماني متطرف، وقد طرحت حركة الإخوان المسلمين في مصر مؤخرا رؤية جديدة لمستقبل عملها السياسي العام ضمنته كثيرا من الاجتهادات التي حرموها علينا قبل أربعين عاما..... وليت اخواننا في مصر لو تقدموا خطوات أكبر وأحدثوا اختراقا أكبر في جسم الدولة المصرية وحاولوا اختراق جدارها العلماني السميك -سرا وعلنا- فالكل يعلم أن دوائر المخابرات الغربية والإسرائيلية تعمل ليل نهار هذه الأيام لترسم سيناريوهات الحقبة التي تعقب رحيل الرئيس مبارك، ومن الأرقام الصعبة في مصر بالنسبة لهم هي حركة الإخوان المسلمين التي ملأت الساحات كلها دون أن يكون لها أي أثر يذكر في اتخاذ القرار السياسي والسيادي، أو أن تقترب من السلطة رغم رصيدها الجماهيري الهائل في الشارع المصري، ونأمل أن يستفيد اخواننا في مصر من تجربة الحركة الإسلامية في السودان وتأثيرها الواضح في مجريات الأحداث في السودان خلال نصف القرن الماضي ويتجنبوا ما وقعنا فيه من أخطاء في ذلك المجال، ولهم أيضا في تجربة الإمام البنا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عظة وعبرة وخبرة نأمل أن يعيدوا قراءتها من جديد، وآمل أن يكون هذا الموضوع (الإخوان في مصر) عنوانا لمقال آخر، ان شاء الله.
ما أردت أن أصل اليه من كل السرد السابق للاجتهادات والنجاحات الميدانية التي حققتها الحركة الإسلامية في السودان هو كيف نجد تفسيرا مقنعا للخيبة الشديدة والانحسار والتراجع الذي أصيبت به الحركة بعد أن صارت تحكم دولة المليون ميل مربع وكسرت شوكة أعدائها في أربع جبهات للقتال الشرس على حدودها وفجرت خيرات الأرض ذهبا أسود وأحدثت استقرارا نسبيا في الاقتصاد وتوسعت في التعليم.
وللإجابة على هذين السؤالين -أسباب الخيبة وكيفية الخروج منها- لا بد من وقفة تأمل وتشريح دقيق ونقد بناء لمسيرة الحركة والإنقاذ لنتبين خطواتنا في المستقبل.
فما هي العلاقة بين الحركة الإسلامية والإنقاذ؟
الإنقاذ صنيعة الحركة الإسلامية بمؤسساتها السرية والعلنية من ألفها الى يائها، ولا مجال لأحد أن يدعيها لنفسه ولم تولد (بروسا)، بل كانت لها بذرة غرست في أرض السودان وسقيت وخصبت بدماء الشهداء من لدن محمد صالح عمر الى أحمد قاسم.
نعم وصلت الحركة الإسلامية الى سدة الحكم دون اراقة دماء واستطاعت أن تموه عن نفسها لبعض الوقت داخليا وخارجيا وبإعداد محكم ودقيق لخصه الشيخ وأفصح عنه بعد المفاصلة القاسية، حين قال "قلت للرئيس اذهب أنت الى القصر رئيسا وسأذهب أنا للسجن حبيسا". وللحقيقة والتأريخ لم تكن مهمة الرئيس في القصر باليسيرة وقتها، بل كانت أصعب من مهمة الشيخ.. فقد كان الرئيس واحدا من مجموعة في الميدان تكابد مشقات تثبيت الدولة الناشئة والتمكين لسلطانها على أرجاء البلد الواسع، وقد قام بدوره كاملا وفي تواضع تام لم يخفه عن قواعد الحركة، فقد قال الرئيس لجمع كبير من اخوانه في أحد اللقاءات التنويرية المقفولة "نعم أنا رئيس مجلس الثورة ولكن رئيسي المباشر هو أخوكم فلان هذا" وأشار اليه بيده، وكان فلان من الحاضرين في ذلك التنوير. أما الشيخ فقد مكث وراء القضبان بإرادته لبعض الوقت ثم خرج من بعد ذلك الى منزله في المنشية لينظر لمسيرة الثورة ويقودها من صالونه العامر.
وعلى وجه العموم فقد استطاعت الإنقاذ في بداية عهدها أن تقدم نماذج للطهر في القيادة والتجرد وتحقق نجاحات باهرة بكل المقاييس في عديد من المجالات خاصة الاقتصادية والاجتماعية والتعبوية والأمنية في ظل تلك القيادة المزدوجة بين القصر والمنشية، حيث كانت رموز الحركة تراقب المسيرة وتوجه من بعيد، وقيادة الدولة تنفذ وبروح عالية من الانضباط والتجرد الذي ضرب فيه اخواننا العسكريون المثال الأعلى من التجرد ونكران الذات، خاصة الأخ الرئيس والشهيد الزبير عليه رضوان الله، رغم المضايقات والاستفزازات التي كانوا يجدونها في كثير من الأحيان من بعض اخواننا القياديين.. وقد شهدت أمثلة منها داخل القصر الجمهوري ربما نسرد تفاصيلها في مقال لاحق.. ومضت مسيرة الإنقاذ تحت شعارات محددة هي التأمين والتمكين والدعوة.
أما في مجال التأمين فقد استطاعت أن تعبئ الأمة لمواجهة حركة التمرد التي وصلت الى مشارف كوستي وبدأت تعد العدة لاجتياح الخرطوم، وكان بعض منسوبيها يوزعون الغنائم قبل أن تقع في أيديهم، فكان الرد العاجل والحاسم في عمليات صيف العبور واندحار التمرد الى أقصى حدود الوطن الجنوبية. ولم تقف الحملة عند ذلك بل امتدت لتغيير الأنظمة الحاكمة في الدول التي يصلنا منها الشر في اثيوبيا والكونغو وتشاد وإريتريا... ونأمل أن يكتب من بقي من اخواننا على قيد الحياة من الذين كانوا يرعون كل هذه النشاطات، نرجو منهم أن يسجلوا ذلك التأريخ للعبرة.
وأما في مجال التمكين فقد قامت الإنقاذ بحركة تطهير واسعة داخل القوات النظامية والخدمة المدنية أبعدت منها كل من تشك في ولائه أو فساده، وقد يكون ذلك ضروريا في البداية ولكن للحقيقة أقول بأن عمليات التطهيرأو ما سمي الإبعاد من أجل الصالح العام لم تكن كلها صائبة وموفقة، فقد أضير منها أبرياء كثر، وجئنا في كثير من المواقع ببدائل عديمة الخبرة شديدة الحماس لا تحدها أطر ولا تراعي الأعراف والتقاليد، فأحدثت آثارا مدمرة داخل القوات النظامية والخدمة المدنية.. وللأسف قد زادت هذه الآثار المدمرة عمقا بعد الانشقاق، وأصبح كثير من أهل الولاء المزيف هم الذين يقودون ويتميزون في كثير من المواقع القيادية دون خبرة أو ولاء صادق، وربما نفصل في ذلك لاحقا.
أما في مجال الدعوة فقد حدثت بعض النجاحات في مجال نشر الوعي وإيقاظ الشعور الديني والاهتمام بالقرآن وازداد عدد المساجد وتم بعض الإصلاح في المناهج... ولكن كما قال بعض الظرفاء لاحقا (الجبهجية فتحوا لينا المساجد وهم دخلوا السوق). ربما كان في ذلك التصوير شئ كبير من الحقيقة بعد فترة التأمين والتمكين الأولى التي كان يتسابق فيها الإسلاميون الى مناطق العمليات وتقديم أرتال من الشهداء من صفوف القيادة ومن ذراريها وآلها وذويها، ولكن سرعان ما دب الغرور والاستحواذ والمحسوبية وادعاء حق الأهلية للحكم ومقدرات الأمة مما سنفصل فيه بعض الشئ لاحقا.
اذا أردنا أن نلخص أسباب النجاح والاستقرار النسبي خلال الفترة الأولى من عمر الثورة فيمكن اجمالها في الآتي:
* القدوة الحسنة التي جسدها قادة الإنقاذ الميدانيين ومشاطرة العوام في معاناتهم حيث كان يستوي الحاكم والمحكوم.
* الاهتمام المباشر بحوائج العباد اليومية من مأكل ومشرب ووقود.
* المرجعية في القيادة...
حيث كان الشيخ ومعاونوه في التنظيم بعيدين عن الجهاز التنفيذي ويوجهون من على البعد، فحفظت لهم الهيبة وعدم التحمل المباشر للأخطاء التي تقع من التنفيذيين.
لقد كانت خطة الحركة بعد نجاح الانقلاب ومرحلة التأمين والتمكين أن تتخلى عن شعاراتها المرحلية كحركة ذات أهداف مرحلية تعمل للوصول الى دولة الإسلام والحكم بتعاليمه، ومن ثم أرادت الحركة أن تتحول الى عمود فقري يحمل جسد الأمة كلها عبر الدولة الناشئة وينطلق بها الى آفاق أرحب وفق تعاليم الشريعة السمحاء بعيدا عن العصبية الضيقة لجماعة واحدة بعينها والعمل على انهاء الصبغة العسكرية للحكم وبسط الشورى والحريات العامة لأقصى ما يمكن الوصول اليه.. وقد ظل الشيخ يبشر بهذا التوجه منذ وقت مبكر بعد قيام الإنقاذ، وللحقيقة والتأريخ أقول كانت الغالبية العظمى من قواعد الحركة -وأنا منهم بالطبع- ضد هذا التوجه بعد مرحلة التمكين والانفراد بالسلطة وتحقيق بعض الإنجازات الملموسة.
كانت تلك الخطة للتحول من الثورة الى دولة الحكم الراشد، ولكن حدثت أحداث كبرى أثرت سلبا في مسيرة الإنقاذ وأخرت من خطوات التحول المنشود وأدت في نهاية المطاف الى الانشقاق المشؤوم منها:
* الغزو العراقي للكويت في أغسطس1990
* العلاقة بين أهل الظاهر وأهل الباطن في الدولة والتنظيم
* حادثة الاعتداء على الشيخ حسن في كندا عام 1994 وما ترتب عليها من خلط الأوراق في القيادة
* محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أثيوبيا عام 1995
* الرحيل المفاجئ للشهيد الزبير عليه رحمة الله في فبراير 1998، وما أحدثه من فراغ هائل وما دار من معارك لتحديد خلفه
* تسلل الرويبضة الى قيادة الحزب والدولة
* مذكرة العشرة وتجذّر الصراع الداخلي في التنظيم والدولة
* صراع الأفيال في التنظيم والدولة
* الآثار السلبية لشخصية الشيخ المتفردة
لقد كان لهذه الوقائع والأحداث أبلغ الأثر في مسيرة الإنقاذ حزبا ودولة، وعلى علاقاتها الداخلية في داخل صفوفها وعلاقاتها الخارجية مع العالم الخارجي القريب والبعيد، وكانت في مجملها ما أوصلنا الى الانشقاق والتردي المستمر الذي ساقنا الى الذل بعد العزة وكاد يقذف بنا في قاع جهنم بما فرطنا فيه من حقوق الأمة وحدود الله، ويستوي في ذلك الفريقان؛ الذين يتسنمون قيادة الدولة والذين يناصبونها العداء. ومن المخجل حقا أن يهرول كل من الطرفين ويسعى للتحالف مع الرزايا والنطائح وما اكل السبع ليتناصر به على الطرف الآخر، حتى فقد الجميع البوصلة وضللنا الطريق وضيعنا الأمانة ونسينا القضية الأساسية التي ظللنا نجاهد من أجلها لنصف قرن من الزمان، ولا حول ولا قوة الا بالله. وتعالوا بنا لنغوص في الآثار السلبية للعوامل أعلاه على الدولة والحركة، وذلك غداً بإذن الله
السودانى
أضف رد جديد