خلافات الإخوان في السودان ...إلى أين تنتهي؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »


العدد رقم: 976 2008-08-02

قولوا حسناً
الحركة الإسلامية السودانية ومساراتها (1)

محجوب عروة
كُتب في: 2008-07-29




كثيراً ما أسأل نفسي وآخرين أتحاور معهم هذا السؤال.. هل كان قدر الحركة الإسلامية السودانية استلام السلطة قدراً مقدوراً أم تراها بلعت الطعم الذي أُعد لها لاجهاض مسارها وزحفها الكبير، خاصة بعد انتفاضة رجب/ أبريل 1985م ثم حصولها على مركز سياسي وتشريعي متقدِّم في انتخابات 1986م، وأصبحت المرشح الأقوى للفوز بأكبر المقاعد في الانتخابات التي كانت ستجرى عام 1990م وفق ما هو منظور حينها؟؟
الحركة الإسلامية الحديثة في السودان نحتت الصخر منذ أن نشأت في نهاية الأربعينيات وتطوّرت من مجرّد فرع لحركة الاخوان المصرية وحركة رد فعل للحركة الشيوعية ثم الناصرية إلى حزب كامل الدسم عقب الانتفاضة واستطاعت استلام السلطة بكل سهولة ويسر بل رحّب بها الجميع داخل وخارج السودان عندما شهدوا تلك الفوضى الحزبية وتخبّطها عقب انتخابات 1986م وفشلها في إدارة البلاد والخوف من تمدد التمرد، مرت الحركة الإسلامية بتجارب عديدة ومواقف جادة استطاعت أن تثبت وجودها وتتطور وتتقدم تقدماً ملموساً شهد بها أعداؤها قبل أصدقائها ومنسوبيها رغم انشقاقاتها الشهيرة في الأعوام 1953، 1965، 1969، 1985..
انتشرت الحركة في كافة مفاصل السياسة والمجتمع المدني والعسكري والإعلامي والدبلوماسي بل الاقتصادي، وقدمت كثيراً من التجارب والنضالات وكانت الأشرس والأقوى في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية (مدنية أو عسكرية) وأجزم أنها حفظت كثيراً من الشباب من الضياع الفكري والسياسي والثقافي وقدّمت نماذج من نكران الذات وطهارة اليد واللسان ونموذجاً سودانياً خالصاً لكيف تدار حركات الإسلام في العالم الإسلامي والغربي فصارت مباءة يقصدها كل قيادات الحركات الإسلامية في العالم للإستفادة من تجربتها الثرّة..
كانت تدعو لـ(الحرية لنا ولسوانا) وتقاوم الكبت والطغيان في السودان وغيره..
شخصياً، لقد عملت في كافة مواقع الحركة الإسلامية تقريباً بفاعلية منذ عام 1965م عندما كنت طالباً بالمدارس الثانوية، وشهدت وشاركت في معظم إن لم يكن جميع معاركها الفكرية والسياسية بل العسكرية والثقافية والاجتماعية وفي أحلك ظروفها ولست نادماً على ذلك بل أعتز به أيما اعتزاز، فذلك جزء من حياتي، وعندما أقامت الحركة الإسلامية دولتها في عام 1989م كنت أعتقد أن مهمتي المقدسة ليست التطبيل والتمجيد والتبرير لكل أقوالها وأفعالها وردود الفعل مثلما يفعل موظفو العلاقات العامة بل هو (المشاركة) بالنصح من أي موقع كان سواءً في المجالس الخاصة أو العامة أو الصحافة أو المجلس الوطني لسبب بسيط وهو أن الحركة الإسلامية علمتنا طيلة مسارها الشفافية والصراحة وإبداء الرأي بالشجاعة اللازمة من خلال مؤسساتها بدءاً من (الأسرة) إلى مجالس شوراها ومكاتبها التنفيذية، إذ كانت (الشورى) و(المؤسسية) هما العنصران الأساسيان في الإنتماء أو الحراك، فلم يكن هناك (ذهب المعز) ولا (سيفه) بل كان بذل (الجهد) هو وسيلتها المقدسة، وكنت قريباً جداً من زعاماتها وقياداتها ومن هو ابن دفعتي في المدارس والجامعات ثم (محطات) الجهاد والنضال والتدافع من أجل أن نرى في حياتنا (دولة إسلامية) بمعناها الصحيح والحقيقي وجوهرها ومعدنها الناصع كما كنا نقول وننافح أعداءها (دولة في عدل العمرين "ابن الخطاب" و"ابن عبدالعزيز").. دولة أصيلة في قالب عصري.. دولة الحرية والشورى والعدل والإنجاز الفكري والمعنوي قبل المادي.. فبناء الإنسان أهم عندنا من بناء الشركات واستخراج خيرات الأرض لأن الإنسان المستنير، المتوازن، العادل، المفيد والأمين هو الذي يفيد شعبه ووطنه وبيئته، فكم من دول ومجتمعات ذات ثراء عريض أصبحت في أسفل سافلين بسبب إنسانها الظالم، الفاسد المفسد وأنظر إلى عالم اليوم.. عالم الحروب وازدواجية المعايير وممارسة الظلم تجد الإجابة.. نواصل

العدد رقم: 976 2008-08-02

قولوا حسناً
الحركة الإسلامية ومساراتها (2

محجوب عروة
كُتب في: 2008-07-30




وبعد، ماذا دهى الحركة الإسلامية السودانية لتصل بهذا الوطن إلى هذا المأزق والوضع المزري.. صراع داخلي وانشطار وصل لحد التقاذف الذي لا يصدر إلا من لم يتربَ يوماً واحداً في مؤسساتها من أصغرها (أسرة) حتى أعلى مسؤولية فيها وصل حد القبول لأحد جناحيها لجر الآخر إلى ساحات (مقصلة التدخل الخارجي) الذي يمارس أقصى درجات (ازدواجية المعايير) ولا يمكن لأيٍّ منها بحمل تقدير أو ود..!!
أين الخطأ يا ترى..؟ هل في التربية السابقة ؟ لست أدري هل في نهجها السابق باعتماد السياسة والإنغماس فيها؟ ربما.. أم هل هو أحد مظاهر السلطان.. سلطان المال والنفوذ والقوة العارية المنظمة..؟ يجوز!!
ثم سؤال آخر أريد أن يجيب عليه الجالسون في رصيف الحركة الإسلامية عامة والممسكون بمفاصلها سواء أهل السلطة فيها أو المعارضة خاصة، هل كان محتماً على الحركة الاستيلاء على السلطة عبر صندوق الذخيرة بديلاً عن صندوق الانتخابات وقد قرب موعده عام 1990م؟؟
يا ترى هل كان ذلك حماس واندفاع حركة شابة؟ أم خطأ في التقدير لم تستعد له الحركة تماماً وكان عليها الصبر قليلاً؟ أم هل كان ما يرد إليها من معلومات فيها كثير من المبالغة بخطر الآخرين؟؟ أم يا ترى هو خطأ القوى السياسية الداخلية المنافسة لها بمذكرة القوات المسلحة أو تعاظم حركة (حركة قرنق).. أم خطأ دولي وأنظمة إقليمية وعالمية لسلوكها الذي أوعز لقوى سياسية داخلية عزل الحركة الإسلامية السودانية؟
هل تسرعت الحركة الإسلامية بإنقلابها ذاك ودخلت في (دوامة) الحراك السياسي المحلي والإقليمي والعالمي (دون حساب)..؟ الذي أعلمه تماماً كانت هناك أصوات تعارض الانقلاب داخل مجلس شوراها ولكنها كانت قليلة.. فهل كانت تلك الأقلية هي التي أصابت كبد الحقيقة أم ماذا؟؟ وسؤال خطير: هل اخترقت الحركة الإسلامية عقب فوزها الساحق في انتخابات 1986م وحتى اليوم...؟ وهل... وهل... وهل...؟ أسئلة حائرة كثيرة..
أعتقد أن الحركة الإسلامية اليوم في مفترق طرق وتحتاج أكثر ما تحتاج لجهد فكري وتأصيل حقيقي لحراكها سواءً على المستوى السلطوي أو المعارض.. على الأقل إن لم يكن في مصلحة الوطن الذي يفترض أن تقوده الى بر الأمان فليكن في مصلحة حزبها وقياداتها ومستقبلها.. إنه مفترق طرق خطير ومن غير المستحسن أن تستمر في سلوكها ونهجها الهتافي والإقصائي والخلافي والسلطوي في أحد جناحيها أو الكيدي في جناحها الآخر..
أعلم أن كثيرين من هؤلاء وهؤلاء لا تعجبهم هذه الصراحة، ولكن أقول المثل (صديقك من صدّقك لا من صَدقك) ونحن نتخطى عتبة الستين من العمر لا نريد من حطام الدنيا شيئاً فالآخرة خير وأبقى وما علينا إلا أنقول ما تمليه ضمائرنا وعقولنا.. ونواصل.. (الحركة الإسلامية ومآلاتها).

العدد رقم: 976 2008-08-02

حديث المدينة
قلناها نعم.. ليك يا القائد الملهم..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-08-02

[email protected]


في مؤتمر صحفي أمس الأول الخميس 31 يوليو 2008.. أعلنت الحركة الإسلامية عن ترتيبات عقد مؤتمرها العام في الفترة (7-9) من هذا الشهر أغسطس.. وقال الاستاذ حسن عثمان رزق.. أن الحركة أكملت مؤتمراتها القاعدية.. إذ عقدت (9100) مؤتمراً.. وبقى فقط (100) مؤتمر.. سيصعدون بـ(4000) مندوب لحضور المؤتمر العام.. يشاركهم (1000) ضيف مدعوون من الداخل والخارج..
حسناً.. اسلوب رشيد وحضاري أن تحافظ الحركة على عقد مؤتمرها العام بصورة دورية.. وأرشد منه أن تعقد كل هذا الرقم من المؤتمرات القاعدية.. ثم تجتمع على صعيد واحد في قاعة واحدة لانتخاب قيادتها.. (لم أقل محاسبتها).. ولكن..!!
بالحساب.. اذا افترضنا أن كل مؤتمر قاعدي حضره (50) فقط من العضوية فيعني ذلك أن عضوية الحركة النشطة المتحركة تفوق الـ(460) ألف عضو.. تقريبا حوالى نصف مليون..غالبهم من الخريجين المؤهلين لممارسة التأثير في محيطهم القومي.. يصبح السؤال المنطقي هل يشكل هذا المجموع أي قوة دفع فكرية قادرة على التأثير.. ليس في مجمل المسرح السياسي القومي.. بل حتى في داخل أروقة الحركة نفسها؟.. الإجابة اقتطفها لكم من بعض كتابات الاستاذ عبدالرحمن الزومة في صحيفة (السوداني) عن الحركة الإسلامية..
قال الزومة.. في سياق انبهار.. إنه لما عقدت الحركة مؤتمرها الأول بعد التفاصل بين حزبي المؤتمر الوطني والشعبي.. في العام 2000.. اهتزت القاعة وماجت عندما دخل الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد إلى القاعة.. وقابله أعضاء الحركة بالتكبير والتهليل والسعادة البالغة.. واستوحى الزومة من ذلك ان أعضاء الحركة كانوا مكرهين بما فعله الترابي حينما فصل صادق وإخوانه الآخرين من الحركة وفرض مقاطعتهم وعزلهم.. وأنهم باستقبالهم السعيد للشيخ صادق بعد انقشاع زعامة الترابي إنما يعبرون عن رفضهم لما فعله الترابي في السابق..
هذه الصورة المقطعية لعقل الحركة الإسلامية تكشف الخلل الخطير.. الذي ربما يكرره (4000) مندوب في المؤتمر العام.. فبين قوسي ما ذكره الزومة تبدو العلة واضحة أن الحركة بكل هؤلاء النصف مليون ناشط في مؤتمراتها القاعدية.. وكل الصفوة التي فيها.. يحركها ويعطلها عقل زعيم فرد اوحد.. نصف مليون عقل.. تذوب في عقل واحد او أربعة.. فرض عليهم مقاطعة الشيخ صادق واخوانه ففعلوا بكل طاعة (عمياء!!).. وظلوا مستمسكين بالقرار لربع قرن من الزمان.. ولم يعترضوا عليه الا بعد أن جاءت قيادة جديدة.. وزعيم جديد.. أزال مقاطعة صادق واخوانه.. ففرحوا وهللوا وكبروا لأن الزعامة الجديدة سمحت لهم بذلك..
بين قوسي القيادة السابقة واللاحقة ترقد عقول وهمة نصف مليون حركي اسلامي.. لا يتحركون الا بأمر الزعيم.. السابق أو اللاحق..
ما العبرة اذن باجتماع الملايين مهما كثروا.. والمندوبون مهما أخلصوا اذا كانوا يتحركون بفقه (سكِّن.. تسلم)؟؟!!..



السودانى





قولوا حسناً
الحركة الإسلامية و(مآلاتها) – 1

محجوب عروة
كُتب في: 2008-07-31




بعد أن تحدثت عن مسارات الحركة الإسلامية السودانية وصلنا الى ضرورة التحدث عن مآلاتها وهي الآن في مفترق طرق وقلنا أنها تحتاج الى جهد فكري حقيقي وجاد.. ويبدو أن هذه المقالات وجدت صدى طيباً من الحادبين على مسار الحركة الإسلامية خاصة أولئك الذين (إبتعدُوا) أو (أُبعِدوا) لسبب أو آخر وقد إتصل بي بعضهم مشيداً بالمقالات ولكني قلت لهم أني فقط قد فتحدت الباب للنقاش والحوار وعليكم المشاركة وإعمار الفكر..
هناك سؤال أساسي ومهم هل هناك حركة إسلامية بمعناها التقليدي الذي عرفناه منذ نشأتها وتطورها أم أن هناك ثمة متغيرات جديدة. ؟؟ ثم بعد ذلك نجيب على مآلاتها..
الواقع يقول أن هناك حركتين إسلاميتين أحدها ممسكة بالسلطة تماماً ولديها أمينها العام وهو الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية والأخرى في المعارضة بقيادة أمينها السابق منذ عام 1965م د. حسن الترابي ومن سخرية الأقدار أن الثاني هو الذي مكّن للأول من هذه الوضعية خاصة بعد إنتفاضة أبريل عام 1985م فإنطبق عليهما المثل (الحوار الذي غلب شيخو)..!!
ورغم ذلك يذهب كثيرون من منسوبي الحركة الإسلامية أن إلتئام الحركتين أمر ضروري لمواجهة التحديات الكبرى القادمة خاصة بعد قرار مدعي لاهاي الأخير.. ولكن هذا يحتاج لعبور جُدُر نفسية وشخصية وسياسية عالية فهل الطرفان مستعدان لذلك بل راغبان وقادران أم إنطبق عليهما مثلما إنطبق على الإمام علي ومعاوية إبن أبي سفيان وهما من صحابة رسول الله وليسوا من التابعين أو تابع التابعين..
ويذهب كثيرون الى أن ما سيصيب أحدهما حتماً سيصيب الآخر فالمجتمع الدولي كما عبر عنه أحد الدبلوماسيين الغربيين (لن نسمح بالأموال المسيحية الغربية أن تدعم نظاماً إسلامياً خاصة إذا كان أصولياً كالسودان) ، في تقديري الشخصي أن مآلات الحركة الإسلامية السودانية في نفق مظلم اللهم إلا إذا إستصحبت ماضيها التليد وخبراتها الثرة في أحداث تطوير ونقلة نوعية في طبيعتها ومنهجها بأن تتحول من (حركة) إسلامية بنهجها الإصولي الى (حزب) أو أحزاب قومية تهتم بـ(حركة الإسلام عامة) وليست (حركة إسلامية) ذات خصوصية.. فنشأة الحركة الإسلامية كانت كما ذكرنا سابقاً إما فرعاً لحركة الأخوان المصرية أو (رد فعل) للحركة الشيوعية السودانية.. ولما كانت الحركة السودانية قد إنفصلت عن حركتها الأم منذ إنشقاقها عام 1953م وأصبحت سودانية خاصة بعد تولي د. الترابي زعامتها عام 1964م ثم عندما إستطاعت تجاوز عقلية (رد الفعل) إلى أن أصبحت دولة ونظاماً فتحتاج الى رؤية جديدة فلا يمكن أن تربط نفسها بحركة الأخوان المصرية التي تخلفت عن التطور ولا يمكن إلا أن تصبح لجميع السودانيين طالما أصبحت مسئولة عنهم أجمعين بمن فيهم اللاديني أو العلماني أو المسيحي أو الشيوعي أو البعثي أو الناصري ناهيك عن القوى الإسلامية التقليدية الوطنية..
وثمة سؤال مهم يبرز الآن ودولة الإسلاميين تواجه موقفاً خطيراً متمثلاً في إتهام رئيسها ورئيس البلاد من المحكمة الجنائية وهو موقف خطير ينبغي ألا يستهان به.. والسؤال كيف..؟
هذا ما سنحاول أن ندلي فيه برأينا الذي نعتقده صواباً يقبل الخطأ

العدد رقم: 978 2008-08-04

بين قوسين
خيراً فعل الترابي

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-04




يبدو أن الفضائيات العربية قد صارت (تتفنن) وتتبارى في كشف الترابي وتعريضه لمطبات تلحق به ضرراً كبيراً المرة تلو الأخرى والرجل مدفوعاً برغبة مجنونة كما سميتها قبل أيام في تدمير (ذاته) عن طريق ما يعتقده تدميراً للآخرين مستعد أن يقع في (الفخ)! فلم تكد تتلاشى آثار تصريحه بتأييد (أوكامبو) وهو الأمر الذي أثار استنكار قطاعات واسعة حتى من (أنصاره) إن بقي له أنصار حتى استدرجته (الجزيرة) إلى (فخ) آخر حينما سألته عن رأيه في ترشيح السيد الفريق سلفا كير لرئاسة الجمهورية فانبرى الرجل وهو يفقد (وقاره) مؤيداً ليس فقط لحق السيد سلفا في ترشيح نفسه بل اعلانه أنه سيدعم اختياره للمنصب.
ولا تنسى القناة أن تنتزع منه دليل (ادانة) على موقفه ذلك فتذكِّره أنه (الأب الروحي) للمشروع الإسلامي ولسان حالها يقول كيف وأنت بتلك الصفة تختتم تلك (الأبوية) باختيار مرشح (غير مسلم) لرئاسة بلدك المسلم! والرجل عندما يقول هذا الحديث فإنه (يخلط) بين أمرين ما كان ينبغي له أن يخلط بينهما وهما حق السيد سلفا كير في ترشيح نفسه وهو حق كفله له الدستور وهو أمر ليس محل شك من أي سوداني وبين (اختبار) شخص غير مسلم لرئاسة السودان وبواسطة من؟ بواسطة (المفكر الإسلامي) ومجدد الدين في القرنين (20و21)!
وعلى أية حال (خيراً فعل) الترابي بتأييده للفريق سلفا كير فتلك واحدة من (حسنات) الرجل وهي خطوة تقدم خدمة عظيمة للفريق الانتخابي للرئيس البشير وتلحق في نفس الوقت ضرراً بليغاً بحملة الفريق سلفا. فالجميع الآن يتبرأون من الترابي ويعلنون البعد عنه وعلى رأسهم العديد من قياداته التي أعلنت اعتراضها على مواقفه التي شكلت لهم الكثير من الحرج. ولم يتوقف الأمر عند أهل السودان فقبل أيام زار السيد عمرو موسى الخرطوم وأعلن عن عدم رغبته في لقاء الترابي الذي كان في يوم من الأيام لا يقابل سفيراً أو زعيماً يزور السودان رئيس الجمهورية قبل مقابلته!
الرجل ليس فقط يسعى لتدمير ذاته بل إنه يفعل أمراً آخر أشد غرابة. إنه يفقد (رصيده) الذي بناه طيلة حياته وهو رصيد قام على العمل في سبيل انجاح المشروع الإسلامي. ولقد كانت مواقفه (مفهومة) دون القول إنها (مبررة) حتى إلى حدِّ تأييده لموقف (اوكامبو) غير أن موقفه من مسألة اختيار شخص من غير (أهل الملة) إماماً على أمة مسلمة فهذا والله سوء الخاتمة والعياذ بالله. قال لي أحد الاخوان إن الرجل (انقلب) على نفسه قلت له بل قل (بان) على حقيقته. (يا ما) هتفنا وراء الرجل: هذا الصوت صوت الشعب وهذا الشعب (شعب مسلم). هل كنا أغبياء؟ هل كان الرجل يغشنا؟ أم تراه كان يخادع الله!
لئن كان موقفه من حكاية (أوكامبو) بمثابة عملية السحب قبل الأخيرة التي تتم من (حسابه) فإن حكاية (سلفا) تعتبر العملية الأخيرة. رصيده الآن (صفر) وفي لغة (البنوك) فإن حساباً كهذا يتم (قفله). يمكن للرجل أن يفتح حساباً في أحد بنوك جوبا فالبنوك هناك ليست إسلامية!



السودانى


زيارة الترابي إلى لندن وانكشاف 'المشروع' الإسلامي

ffزيارة الترابي إلى لندن وانكشاف 'المشروع' الإسلاميfff

د. عبدالوهاب الأفندي

في بداية صيف عام 1991، تلقيت اتصالاً من الجمعية الملكية لتشجيع الفنون والصناعة والتجارة، وتعرف اختصاراً بالجمعية الملكية للفنون، وهي واحدة من أعرق وأهم الجمعيات العملية في بريطانيا، تطلب المساعدة في إرسال دعوة الشيخ لإلقاء محاضرة حول الإسلام والقومية ضمن سلسلة محاضرات حول موضوع القومية والدين. زودت الجمعية بالعنوان البريدي للشيخ الترابي حيث تم إرسال الدعوة له. جاءت هذا الاتصال بعد أشهر قليلة من صدور كتابي 'ثورة الترابي: الإسلام والسلطة في السودان'، وهو كتاب أثار جدلاً كثيراً وقتها، بدءاً من انتقادات تلقيتها من بعض قادة الحركة الإسلامية في السودان بأنني اختصرت الحركة في شخص الترابي. لم يكن هذا الانتقاد صحيحاً، لأن الكتاب تناول تاريخ الحركة الإسلامية منذ نشأتها إلى انتخابات عام 1986، وقد جهد إلى أن يكون هذا التاريخ علمياً ودقيقاً، مستفيداً في ذلك من الجهود التي بذلها رواد في هذا الخصوص من أبرزهم الأساتذة حسن مكي ومحمد أحمد شاموق. ومن جهة أخرى فإن الفصل موضوع الانتقاد (ومصدر عنوان الكتاب)، بعنوان 'ثورة الترابي الفكرية' كان أيضاً يعكس الواقع، حيث أن تأثير الترابي في تثوير فكر الحركة لم يكن يضاهيه تأثير آخر.
وقد كان ردي وقتها على من زعموا أنني بخستهم حقهم أنني اعتمدت على معطيات موضوعية، أبرزها المساهمات المنشورة. وقد كانت مساهمات رموز الحركة الإسلامية، بمن فيهم الترابي، شحيحة جداً في هذا الصدد. لم يكن الترابي قد ألف وقتها سوى كتابين، الأول 'الصلاة عماد الدين'، والثاني 'الإيمان وأثره في حياة الإنسان'، ولم يكن أي منهما مفيداً لي في دراستي. فكتاب الإيمان هو عبارة عن تهويمات فلسفية حول أثر افتراضي للإيمان في الحياة لا يطرح السؤال المهم (كما قلت للشيخ في أحد حواراتي معه) عن السبب في الغياب الفعلي لهذه الآثار المزعومة في حياة المؤمنين على مر العصور. أما كتاب الصلاة فلم يكن فيه ما يعين في دراسة ذات طابع سياسي سوى ملاحظات عابرة لمهمة الإمام في الصلاة وكيف أنها محكومة بمراعاة الطقوس المتفق عليها. وعليه فقد اعتمدت في استسقاء أفكار وآراء الترابي على بعض المحاضرات والمقالات والمقابلات الصحافية التي رصدتها له. أما بقية القيادات فلم تكن لها أعمال منشورة حتى تتم مقارنتها بما كتب الشيخ. وعليه لم يكن ذنبي أن مساهماتهم لم تسجل.
وهذا يقود إلى نقطة أخرى، وهي أن البعض انتقد الكتاب باعتباره سيرة أو ترجمة للشيخ، ودعاية شخصية له وللحركة الإسلامية السودانية. وهذا الانتقاد جاء في أكثره ممن لم يقرأوا الكتاب، لأن الكتاب المقتبس من رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة غربية ما كان يسعه أن يكون كتاباً للدعاية أو تمجيد الأشخاص، خاصة وأن المشرف على البحث، بروفيسور بيتر وودوارد، كان له رأي معروف في الحركة الإسلامية. وكنا نقضي ساعات في جدال حاد كاد يطال كل فقرة حتى نتفق على أن الحجج والشواهد تدعم الأقوال. وقد شمل هذا حتى التوقعات، حيث أذكر أنني كتبت مرة في معرض الحديث عن الصراع بين الحركة السودانية وحركة الإخوان الأم في مصر أقول: 'إن الخلاف في جوهره خلاف حول قيادة الحركة الإسلامية العالمية، وإذا ما وصلت الحركة الإسلامية إلى السلطة في السودان كما هو متوقع- فإن الصراع سيحسم لصالحها'. فكتب بيتر على الهامش 'متوقع من قبل من؟' فكان لا بد من تعديل العبارة. هذا لم يمنع من أن الحركة تسلمت الحكم قبل أن أسلم الرسالة.
مهما يكن فإن الدراسة عرضت صورة للشيخ الترابي أصبحت إلى حد كبير هي الصورة المعتمدة له عالمياً، وهي صورة مفكر إسلامي يتميز فكره بالبراغماتية والسعي إلى المصالحة مع الحداثة، خاصة من منطلق دعم الديمقراطية وحقوق المرأة والاجتهاد المستنير. ولهذا كانت الجمعية الملكية للفنون وكثيرون غيرها في الغرب- تواقين لسماع آراء الشيخ في مختلف القضايا.
في شهر ايلول (سبتمبر)، اتصلت الجمعية مرة أخرى لتقول إنها لم تتلق رداً على رسالتها للشيخ، فطلبت منهم تزويدي بصورة من الدعوة أرسلتها بالفاكس للشيخ الذي كان وقتها في الأردن، وحصلت على موافقته هاتفياً على الدعوة. عندها اتصل المنظمون لتحديد موعد للمحاضرة، واقترحوا موعدين في منتصف نيسان (أبريل) والثاني في آخره. وقد أرسلت الاقتراحين إلى الشيخ الذي كان وصل إلى الباكستان مع توصية بقبول الموعد الثاني لأن الأول كان أقرب مما ينبغي لعيد الفطر. وحينما اتصلت للتأكيد، علمت أن الشيخ ومن معه كانوا مستغرقين في الضحك منذ تلقي الرسالة عجباً من 'طول الأمل' عند هؤلاء الخواجات وتنطعهم في تحديد مواعيدهم قبل دهور من اقترابها.
وصل الترابي إلى لندن قبل المحاضرة بأيام، وكان في انتظاره برنامج حافل من المحاضرات واللقاءات والمقابلات الإعلامية، من ضمنها مقابلتان مطولتان أجرتهما معه صحيفتا 'الغارديان' و'الفاينشال تايمز' عشية المحاضرة. وفي يوم المحاضرة، استقبلت الشيخ مظاهرة معادية نظمها معارضون سودانيون وأنصارهم أمام مقر الجميعة في جون آدم ستريت في منطقة كوفنت غاردن الشهيرة، ولم تكن هذه إشارة مبشرة. ولكن الأسوأ كان ينتظره داخل القاعة. فبعد أن أنهى الشيخ محاضرة كانت بكل المقاييس تناولاً متعمقاً للمسألة القومية من المنظور الإسلامي، أعطيت الفرصة للجمهور للأسئلة، فنهض محام شاب كان يتصدر الصفوف، ورفع رجله الاصطناعية بحيث رآها كل من كان في القاعة المكتظة وتوجه للشيخ بسؤال من جملة واحدة: 'هل هذا من الاسلام؟ هل من الإسلام أن أعذب حتى تقطع رجلي؟' ضجت القاعة حينها بالتصفيق للمحامي الشاب، وانتظر الترابي حتى عاد الهدوء ليرد ببرود: 'إن كان هذا حدث فعلاً فهو ليس من الإسلام في شيء.' قبل أن يواصل تلقي الأسئلة حول موضوع محاضرته. ولكن كان بوسع أي خبير في المسألة الإعلامية أن يدرك ليس فقط أن زيارة الترابي إلى لندن قد منيت بفشل ذريع، بل إن المشروع الإسلامي السوداني، ومن ورائه كل مشروع إسلامي آخر، قد تلقى طعنة قاتلة. فقد كانت هذه لحظة من تلك اللحظات الحاسمة التي تقلب الموازين وتغير المفاهيم، خاصة في وسط يحكمه المشهد الإعلامي.
كان المحامي المذكور واسمه عبدالباقي عبدالحفيظ- قد وصل إلى لندن قادماً من مصر في نهاية عام 1991 ودخل إلى المستشفى لعلاج إصابة في رجله قال إنه أصيب بها حين تعرض للتعذيب أثناء اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية، مما اضطر الأطباء إلى بتر رجله. وكان قد صرح في مقابلة مع مجلة 'المجلة' أثناء وجوده في المستشفى بأنه تعرض كذلك لاعتداءات جنسية أثناء اعتقاله. ولأن هذه تهم غير اعتيادية حتى بمستوى ما كنا قد بدأنا نسمعه، فقد قمنا بارسال نص المقابلة إلى السلطات المختصة مع رسالة مستعجلة تطلب الرد على هذه التهم. ولم نكن قد تلقينا الرد الرسمي في وقت زيارة الترابي إلى لندن، أي بعد أكثر من خمسة أشهر على إرسال الاستفسار. ويمكن أن أضيف أنني لم أتلق رداً رسمياً على هذه التهم حتى لحظة كتابة هذه السطور، وإنما تلقينا ردوداً غير رسمية من محامين موالين للحكومة يقدحون في صدقية الشاكي زاعمين أن إصابته لا علاقة لها باعتقاله.
مهما يكن فإن الإخراج المسرحي المحكم لإطلاق هذه التهمة كان له أثره الفاعل، حيث صدرت مقابلتا الغارديان والفايننشال تايمز اللتين بالتزامن في اليوم التالي للمحاضرة وتصدرت كل منهما التهمة، فأصبح كل ما بعدها من أقوال بمثابة هامش عليها. ولسنا هنا بصدد التحقيق في صحة الاتهامات للحكومة السودانية من عدمها، فهذا موضوع منفصل سنعود إليه إن شاء الله، ولكن القضية المحورية هي علاقة الحركة الإسلامية والمفكر الإسلامي بدولة تمارس قمع الخصوم وممارسة العنف ضدهم، وهو أمر تورطت فيه الحكومة السودانية بلا جدال. ولهذه المسألة وجهان: الأول يتعلق بطبيعة المشروع الإسلامي المعاصر باعتباره مشروعاً دعوياً يهدف إلى تقديم الوجه المشرق للدين الإسلامي وتعاليمه، وهذا يلقي بمسؤولية كبرى على من يدعون الحديث باسم الإسلام، حيث أن أقوالهم وتصرفاتهم لا بد أن ترقى إلى مستوى هذه المسؤولية. وفي هذا الصدد تحضرني قصة قريب لي اعتقلته الأجهزة الأمنية، وأثناء استجوابه قام هو بالاعتداء على المحقق بالضرب لأنه وجه له أسئلة استفزازية كما قال. وبالطبع استدعى المحقق رفاقه الذين انهالوا على المعتقل ضرباً ثم قيدوه لمدة ثلاثة أيام في وضع غير مريح. وحين أخبرني الشاب بهذه الواقعة بعد إطلاق سراحه قلت له مازحاً (وكان من المنتمين لحزب البعث العراقي): ماذا كان سيحدث عندكم في العراق لو اعتدى معتقل على رجل أمن بالضرب؟ فأجاب: محقاً: ولكنكم تدعون الانتماء إلى الإسلام.
الوجه الآخر هو أن الحركات الإسلامية كانت وما تزال تخوض نضالاً من أجل الوجود، خاصة في أعقاب الانقضاض على الديمقراطية في الجزائر ودول عربية أخرى. ومن هذا المنطلق فإن التزام هذه الحركات بالعملية الديمقراطية وإقناع الآخرين بهذا الالتزام يعتبر من أمضى الأسلحة في يد هذه الحركات، خاصة أمام الرأي العام الغربي. وقد كانت زيارة الشيخ الترابي إلى لندن والولايات المتحدة تهدف تحديداً إلى كسب الرأي العام الغربي استناداً إلى رصيده كمفكر إسلامي مرموق يقود حركة تجديدية تهدف لمصالحة الإسلام مع عصره.
وقد كان بدأ يتبلور في الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً تياران رئيسيان بين الخبراء وصناع السياسة: الأول وكان التيار الأوسع يدعو إلى التعامل مع الحركات الإسلامية باعتبارها القوى الصاعدة ذات الوزن الجماهيري والتوجه المعتدل. وكانت هذه المجموعة تستشهد نعم لقد صدق حدسك- بأقوال وممارسات القيادات الإسلامية في السودان ومصر والأردن وتونس وغيرها، وعلى رأسها الشيخ الترابي. أما المجموعة الأخرى، ومعظمها من أنصار إسرائيل والحكومات العربية إياها، فقد كانت ترفض فكرة وجود معتدلين وسط الحركات الإسلامية وتسعى لأن تربط بينها وبين الإرهاب وتشكك في مؤهلاتها الديمقراطية. وأذكر هنا أنني كنت أشارك في مؤتمر أمريكي في مطلع عام 1992 بعيد إلغاء الانتخابات البرلمانية في الجزائر من قبل العسكر، حيث اعتلى المنبر خبير أمريكي مرموق فهاجم موقف الحكومة الأمريكية المتخاذل تجاه دعم الديمقراطية في الجزائر، وطالبها بتغيير موقفها. وفي أثناء الاستراحة رأيت أحد أقطاب المعارضة السودانية يقترب من الخبير ويتحدث معه مطولاً. وعندما عاد الرجل إلى الحديث مجدداً اعتذر عن موقفه السابق قائلاً إن بعض أهل العلم من المنطقة قد صححوا مفاهيمه، وأنه الآن مقتنع بأن الموقف الحكومة الأمريكية صحيح لأن الإسلاميين لا يريدون الديمقراطية.
وقد كانت زيارة الترابي إلى لندن ذات دلالة عميقة لأنها كرست تحول الشيخ ومواقفه من سلاح في يد أنصار التعامل مع الإسلاميين إلى سلاح في يد خصومهم. وقد كنت قبل ذلك بدأت في تلقي شكاوى مريرة من بعض رموز هذا التيار من الأكاديميين ممن كانوا احتفوا بالشيخ وأفكاره واستخدموها سلاحاً في سجالاتهم مع المعسكر الآخر، حيث عبروا عن خيبة أملهم في التطورات التي شهدها السودان، وكيف أنهم أصبحوا يعيرون بمواقفهم المؤيدة لاستيعاب الإسلاميين لهذا السبب. ولم يكن أمامي وأمام هؤلاء الأصدقاء سوي أن ننبه إلى خطورة الاتجاه الذي سارت فيه الأمور ونطالب بسرعة تصحيح المسار قبل فوات الأوان.
يمكن تلخيصاً أن يقال ان الحركة الإسلامية السودانية واجهت تحدياً كبيراً لجعل أفعالها تنسجم مع أقوالها، وإعطاء صورة ناصعة للممارسة الإسلامية تكون حجة للإسلاميين لا عليهم. ولكن القيادات، وعلى رأسها الشيخ الترابي، اختارت أن تضع المشروع الإسلامي برمته، وليس في السودان فحسب، رهينة في أيدي جلادي الأجهزة الأمنية وغيرهم من صغار التنفيذيين، فكان ما كان.
ولم يكن الإسلاميون بدعاً في هذا، فقد سقط المشروع الماركسي من قبل بنفس الطريقة، وتلته المشروعات القومية في مصر وسورية والعراق وغيرها، بحيث أصبح أهل الفكر في هذه التجارب رهائن في أيدي فتوات الأحزاب وخداماً لهم. الفرق في الحالة السودانية هو أن الشيخ الترابي لم يكن ميشيل عفلق ولا تروتسكي النظام السوداني في عهده، بل كان لينين، لأن الأمر كله كان بيده، فلم يكن له عذر الآخرين في أنه كان مغلوباً على أمره. ولهذا فإنه وكل الإسلاميين يتحملون وزر الوضع الذي أصبح فيه تلوثت فيه سمعة السودان والإسلام معاً بممارسات الظلم والتعذيب والقتل الجماعي، وكفي به إثماً مبيناً يحتاج إلى توبة نصوح قبل فوات الأوان.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
القدس العربى
5/8/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

في المسألة الأمنية: تحقيق شخصي في مسألة عامة
د. عبدالوهاب الأفندي

12/08/2008

في ايار/مايو من عام 1992، وبينما كنا نحضر مفاوضات أبوجا الأولى في نيجيريا، بلغني خبر اعتقال شقيق زوجتي من قبل الأجهزة الأمنية. وكما علمت فيما بعد فإن الاعتقال تم حين ذهب لزيارة أحد أصدقائه، فوجد أن رجال الأمن قد اعتقلوا ذلك الصديق وحولوا منزله إلى كمين يتربصون فيه بكل زائر. وعندما وصل الشاب إلى المنزل، وجد القوم قد احتلوا المنزل، واستولوا على سيارة المعتقل وشرعوا في استخدامها، بل إن بعضهم كان يرتدي بعض ملابسه. وعندما طرق الباب، سألوه عن علاقته بالمعتقل، ثم اقتادوه إلى الحبس. كان النائب العام الأستاذ عبدالله إدريس من ضمن الوفد المفاوض، وعندما التقيت به قبل مغادرتنا أبوجا وأعطيته اسم الشخص المعتقل وطلبت منه أن يتحرى عن ملابسات اعتقاله، قال لي: إن فلاناً وفلاناً من قادة الأجهزة الأمنية موجودون هنا، ولعله من الأفضل أن تثير القضية معهم. قلت للأخ عبدالله: إن ما يهمني في هذه القضية ليس إطلاق سراح الشخص، وإنما التأكد من أن ما نقوله عن ضوابط قانونية حول الاعتقال له ما يدعمه. فكما تعلم إنني أواجه يومياً مزاعم من المنظمات الحقوقية عن انتهاكات تقع. وقد كان رد الحكومة القول بأن هناك ضمانات قانونية استحدثت بحيث أن أي مواطن لن يعتقل لأكثر من ثلاثة أيام قبل أن يعرض على القضاء. وأنا أريد أن أكون متأكداً من صدق ما أقول حين يكون هذا ردي. فوعد بأن ينظر في الأمر من هذه الزاوية.
بعد نهاية جولة المفاوضات غادرت إلى لندن ومنها إلى الأراضي المقدسة بحيث لم أصل إلى الخرطوم إلا بعد شهر، فوجدت أن الشخص ما زال في المعتقل. ذهبت للقاء النائب العام واستفسرته عما تم في الأمر، فأجابني بأن القوم لا يحبذون الوساطات في مثل هذه الأمور. قلت لعبدالله لعلك لم تفهم ما قلته لك، فأنت تعلم أنني لا أحتاج إلى وساطتك أو غيرك في مسألة شخصية، وإنما كنت أريدك أن تقوم بواجبك كنائب عام مسؤول عن مراعاة الدولة لقوانينها. فقال لي من هذه الناحية فأنا أؤكد لك أن الأمور لا تسير على مايرام. فقد تم بالفعل تعيين قاض كلف مراجعة ملفات المعتقلين، ولكنه لم يحرك ساكناً في هذا الخصوص، وبحوزته الآن ثمانون ملفاً لم يبت في واحد منها.
انصرفت من عند النائب العام وأنا في غم شديد لما سمعته منه. ويجب أن أنوه هنا بأن الأستاذ عبدالله إدريس استقال بعد ذلك من منصبه بعد ذلك بوقت قصير ولم يكن أكمل فيه عاماً واحداً، ربما لأنه لم يطق البقاء فيه، وقد عرفته رجلاً على كثير من الفضل والخلق، وكنت أتمنى لو بقي وأصلح.
بعد يومين من مقابلتي مع النائب العام، تم إطلاق سراح قريبنا المعتقل، وقد سمعت منه روايات تدعو إلى مزيد من الغم عما يجري في المعتقلات. وقد احتفظ رجال الأمن ببعض متعلقاته، ومنها سيارته وشيكات بمبالغ مالية بالعملة بالصعبة كان بصدد إرسالها لشقيقته التي كانت تدرس في الخارج، فأخذ يتردد يومياً على رئاسة جهاز الأمن فيطلب منه أن يعود في اليوم التالي. وفي أحد الأيام، اصطحبته معي بالسيارة إلى رئاسة جهاز الأمن وتركته هناك ثم انصرفت لشأني. لم أعد إلى المنزل إلا في العاشرة مساء، وكان لم يرجع بعد، وكانت والدته وبقية أفراد الأسرة في قلق شديد على مصيره، خاصة بعد أن استفسروا عند كل أصدقائه فلم يجدوا له أثراً.
عدنا في ذلك المساء إلى رئاسة جهاز الأمن للاستفسار، وبعد أن تعرضنا لترويع الحرس، وجدنا شخصاً قال لنا في أول الأمر أن لا علم له بالأمر ونصحنا بأن نتحرى عن الرجل في بيوت أصدقائه وأقاربه. أخبرنا الرجل بأننا قد فعلنا، ولأن الحكومة كانت تفرض حظر تجول من الحادية عشرة مساء فإن لا أحد يبقى خارج بيته مع اقتراب تلك الساعة إلا لعذر قاهر. قام الرجل بإجراء اتصالات عبر جهازه اللاسلكي قبل أن يخبرنا بأن الشخص معتقل فعلاً. سألنا عن سبب الاعتقال، فقال إنه للتحري. قلت له: أي تحر والشخص كان معتقلاً لمدة شهرين لم يتحر معه أحد فيها عن شيء، كما أنه لم يمض على إطلاق سراحه ثلاثة أيام؟ أجاب الرجل إنه لا يعلم شيئاً سوى ما أبلغنا به. طلبنا أن نلتقي بالمعتقل فقال إن هذا غير ممكن، وأضاف بأنه ما كان ينبغي له أساساً أن يفضي لنا بما أفضى من معلومات حول وجود الشخص في المعتقل. انصرفت وأنا في غضب شديد، لأن هذا التصرف كان أكثر افتقاداً للمبررات من الأول. وقد علمت فيما بعد أن الاعتقال كان له علاقة بخلاف حول الممتلكات المسلوبة، حيث أن بعض منسوبي جهاز الأمن استولوا على الشيكات وقاموا أيضاً بتغيير إطارات السيارة بإطارات بالية. في صباح اليوم التالي كنت على موعد مع أحد كبار المسؤولين كنت أنوي أن أثير معه هذه المسائل وغيرها. وقد كان الشيخ الترابي وقتها طريح الفراش في مستشفى كندي بعد العدوان الآثم الذي تعرض له بعد زيارته لأمريكا، فتحولت المسؤوليات إلى آخرين، ولم يخل الأمر من اضطراب. وبالفعل تطرق نقاشي مع الأخ المسؤول حول الممارسات الأمنية وتأثيرها السلبي على سمعة النظام، وكيف أنها تمثل أكبر العقبات التي تواجهنا في سبيل عرض قضايانا. رد صاحبنا بسرعة بأن كل ما يقال في هذا الصدد هو محض افتراء من الأعداء والقوى الأجنبية. وأضاف أنه يعرف معظمهم شخصياً، وأنهم قوم يصومون الاثنين والخميس ويخافون الله. لم أتمالك نفسي أن قلت لصاحبنا صراحة إن لدي ما يكفي من الدلائل على أن هناك ممارسات غير مقبولة تتم، وقد عرفت بها بصورة مباشرة، لا من مصادر أجنبية. وقد تحدثت مع النائب والعام وآخرين فأكدوا لي الأمر، وإن مثل هذا الدفاع يمكن أن يقال للاستهلاك الخارجي ولكنه لا يقال لمثلي. وأنا لا يعنيني صوم القوم وصلاتهم، فهو لهم إن كانوا صادقين، أما تشويههم لصورة المشروع الإسلامي بممارساتهم فهو علينا جميعاً. وإذا كان هو وغيره من القادة يقرون هذه الممارسات فإن هذا فراق بيني وبينهم، لأنني لا يمكن أن أرضى بها فضلاً عن أن أكون من المدافعين عنها.
تغيرت لهجة الاخ المسؤول إزاء الصرامة التي طرحت بها وجهة نظري، وبادر بالاعتراف بأن تجاوزات تحدث. وكرر ما ذكره النائب العام عن عدم كفاءة القاضي الذي عين لمراجعة قرارات الاعتقال. ووعد بأن الحكومة ستتخذ أجراءات أفضل لتلافي القصور.
خرجت من عند الرجل وأنا أشد غماً مما دخلت. ولعلي أضيف هنا أنه ذكر من مناقب رجال الأمن نجاحهم في إخماد التمرد الذي قاده داوود بولاد في دارفور العام السابق. والمعروف أن ذلك النجاح اعتمد على استخدام الميليشيات القبلية، وكلنا نعرف ثمرة بقية النجاحات التي شهدتها دارفور بعد ذلك اتباعاً لذلك النهج.
لم أثر قضية قريبنا المعتقل مع الأخ المسؤول، ولكنني بعد أن خرجت من عنده توجهت مباشرة إلى رئاسة جهاز الأمن للاستفسار عن مصير المعتقل. وقد تعمدت أن أذهب عبر بوابة الاستقبال دون الاستعانة بأي من الأشخاص المعروفين لدي. قلت لموظف الاستقبال أن لدي شخصا معتقلا لدى الجهاز وإنني أود مقابلته، وعندما أجاب بأن ذلك غير ممكن، قلت له إنني أريد أن أتحدث مع أحد المسؤولين في الجهاز للاستفسار عن مصير الرجل. أجابني بأن ذلك أيضاً غير ممكن، وأن الوسيلة الوحيدة لمخاطبة أي من ضباط الجهاز هو أن يكون لدي موعد مع شخص يعمل في الداخل. قلت له ولكنني لا أعرف شخصاً من العاملين في الجهاز، ولا بد أن تكون هناك وسيلة للمواطنين من أن يستفسروا عن ذويهم المعتقلين. أجاب الرجل بأنهم عساكر يتبعون الأوامر، وأن تعليماتهم عدم السماح لأي شخص بالدخول بغير موعد.
قلت للموظف إذن فلتبلغ رؤساءك بأن شخصاً هنا يصر على إثارة المتاعب حتى يأتوا لاعتقالي، لأنني لن أغادر هذا المكان حتى يأتي من يتحدث معي. وكان معي كتاب في حقيبتي أخرجته وجلست أقرأ وأراقب رجال الاستقبال وهم يقلبون الرأي فيما يصنعون، بينما كان بعض رجال الأمن يأتون ويذهبون ويتبادلون الهمس والرسائل المكتوبة. بعد فترة جاءني أحدهم وحاول أن يناقشني بأسلوب رآه عقلانياً، قائلاً بأن لكل مؤسسة لوائحها ونظمها، طالباً مني أن أتفهم موقفهم. قلت له بأن لوائحهم لا تهمني، وإنما يهمني كمواطن أن أجد إجابة على أسئلتي. انصرف الرجل، وبعد فترة جاء شخص آخر بنصيحة أن أقدم شكوى مكتوبة وأضعها في صندوق الرسائل خارج الاستقبال. لم ألتفت إليه وبقيت مكاني.
بعد مضي أكثر من ساعتين من الانتظار، وقد أوشك وقت الدوام الرسمي على الانتهاء، خرجت من مكاتب جهاز الأمن وذهبت إلى وزارة الخارجية حيث اتصلت بالدكتور نافع علي نافع رئيس جهاز الأمن لأقول له لقد اتضح لي بالبرهان أنني كنت أدافع عنهم بالباطل، وانتقدت ممارساتهم وطلبت منه أن يتخلوا عن هذه الممارسات.
قال لي غاضباً: أنت لا تعطينا أوامر.
قلت له: ما أطلبه منك هو أن تطبق القانون.
فتساءل: أي قانون تعني؟ أجبت: هناك قانون ربما لم تسمع به اسمه الشريعة الإسلامية. هذا هو القانون الذي أعنيه.
فقال: إن الشريعة لن تخرج قريبك من المعتقل.
قلت له: لو كانت الشريعة تقضي بشنقه في ميدان عام، فأنا لن أعترض على ذلك. فليس مصير قريبي هو الذي يعنيني بقدر ما يعنيني أن يرتبط النظام بممارسات لا يقبلها شرع ولا عقل.
تعمد نافع ومن وراءه ألا يطلقوا الشخص المعني إلا بعد شهر من عودتي إلى لندن، ربما لإرسال رسالة بأنهم هم من بيدهم الأمر. ولكن الأهم من ذلك هو أن وضع حقوق الإنسان العام لم يتحسن كما وعد الإخوة المسؤولون، بل ظلت الشكاوى تترى والتقارير السلبية تتراكم على مكتبي. وكالعادة لم نكن نحصل على إجابة شافية على استفساراتنا. ولعل بعض الإخوة من البلدان العربية المبتلاة بأجهزتها الأمنية قد يرون أن هذا التوصيف للوضع في السودان مقارنة بما يعانونه، ويستغربون كيف نثير كل هذه الضجة حول اعتقال لبضعة أشهر. ولكن الأمر هو أولاً قضية مبدأ، خاصة من وجهة النظر الإسلامية. وثانياً، هي قضية المكان والزمان، إذ أن هذه الممارسات لم تكن معهودة في الواقع السوداني حتى في العهود الدكتاتورية السابقة، ومن العار أن يكون الإسلاميون هم من أدخلها مهما كانت الأعذار. صحيح أن الوضع في السودان كان ولا يزال لا يقارن بدول أخرى، خاصة تلك الدول التي كان المعارضون يجلسون في حجرها، مثل اريتريا ويوغندا ومصر والسعودية. ولكن أقدار كل بلد تقاس بقدره، وما أصبح معتاداً في دول أخرى ليس بالضرورة أن يصبح مقبولاً في بلد آخر. وأخيراً فإن هناك قضية الجدوى، لأن هذه الممارسات كان ضررها أكبر من نفعها، ولم تكن ضرورية. ففي هذه المسألة كما في معظم القضايا التي مارس فيها جهاز الأمن اعتقال الناس لم تكن هناك أي فائدة جناها النظام من هذا الأمر، وكان هناك ضرر لا حدود له. فالمعتقلون في الغالب لم يتم استجوابهم، وتم في النهاية إطلاق سراحهم بدون تهمة. ولم تقلل الاعتقالات وغيرها من التحرشات من العداء للنظام، بل بالعكس، زادت منه، وارتفع عدد الشباب الذين سافروا إلى الخارج وانضموا إلى المعارضة السلمية والمسلحة، وتشوهت سمعة السودان وتضررت ضرراً تصعب معالجته. ولهذا كنا ندعو إلى معالجة الخلافات السياسية معالجة سياسية لتنتفي الحاجة إلى الإجراءات الاستثنائية، خاصة وأننا كنا نرى أن هذه الإجراءات بطبيعتها تهزم نفسها بنفسها. فهي تزيد العداء للحكم، وبالتالي المقاومة له، مما يستدعي المزيد من القمع، وتنتهي بالدمار للوطن والحكم معاً.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن qpt4

----------------------------------------


وهنا عبد الرحمن الزومة يهاجم الافندى لانه يفضحهم اقرا وقارن بين الاثنين ..

العدد رقم: 985 2008-08-11

بين قوسين
الأفندى وثمن الرفاهية (2-2)

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-11




قلت بالأمس ان الدكتور عبد الوهاب الأفندى هو الشخص (المناسب) الذى تم اختياره وفاز بالمنصب للعب دور (الدليل) للفيلة الغربية فى هجومها على (كعبة) الحركة الاسلامية فى السودان. وشاهدى على ذلك هو كل الأحاديث والنشاطات الاعلامية للسيد الأفندى فمن الملاحظ أنه (متفرغ) تماماً للهجوم على الحركة الاسلامية فى السودان والتشنيع والتشويش عليها وتشويه صورتها. يفعل الرجل ذلك بحماس لا يوجد حتى عند الذين عينوه وأمدوه بالمعونات المادية واللوجستية من وظيفة مرموقة ووضع يسيل له (لعاب) أمثاله ذلك أنه حتى البريطانيين يحفظون بعض الفضل لنظام الانقاذ فى السودان. انه يلعب نفس الدور الذى كان يلعبه (أبو لهب) ضد النبى صلى الله عليه وسلم. لقد كان ذلك (الملعون) يتبع الرسول الكريم فى (المواسم) عندما يقصد الرسول عليه السلام وفود القبائل يدعوهم الى الاسلام فكان أبو لهب يذهب الى الوفد بعد مغادرة النبى له ليقول لهم (لا تصدقوه) انه كذاب. الدكتور الأفندى يفعل ذلك كل يوم. انه لا ينتظر (الموسم)!
استمعت اليه على قناة (الجزيرة) و هو يعلق على المؤتمر السابع للحركة الاسلامية الذى انعقد مؤخراً بالخرطوم حيث جرد الحركة الاسلامية من صفتها كحركة اسلامية بل جردها من مجرد كونها (أى حركة)! علق على انتخاب الأمين العام فى الدورة السابقة وترشيح الدكتور غازى صلاح الدين للمنصب وقال انه رأى (الكاميرات) التى وضعت لكشف الذين صوتوا له! ولست أدرى كيف استطاع هذا (الفتى المدهش) رؤية تلك الكاميرات من على بعد آلاف الأميال ومن خلال سحب (الضباب) من عاصمته لندن بينما نحن الذين اشتركنا فى عملية التصويت لم نر تلك الكاميرات!
قال ان (مساوئ) الحركة الاسلامية فى السودان صارت (سبة) فى جبين بقية الحركات الاسلامية حيث يقول لها الناس كيف تقولون انكم دعاة حرية والحركة الاسلامية السودانية تفعل عكس ذلك. ألم يسمع الرجل بوفود الحركات الاسلامية التى جاءت من فلسطين والعراق ولبنان واندونيسيا وباكستان وبنقلاديش والفلبين وطاجكستان ومصر و الجزائر وتايلاند وبوروندى ومن (جزر واق الواق) كلها شهدت وخاطبت المؤتمر وأيدت الحركة الاسلامية السودانية بل واعتبرتها القدوة والأمل. أنصدق هؤلاء الأطهار الصادقين أم نصدق (الأفندى)!
ثم يسقط الرجل السقطة التى ما منها قيام فيقول ان السودان يمكن أن يتهم بأى تهمة الا تهمة (الاغتصاب) مما يعنى أنه يؤيد الصاق التهمة بوطنه السودان ورئيسه البشير وهو هنا يؤكد موقف (مضيفيه) الانجليز وفى نفس الوقت يلتقى بـ (أحبائه) فى الداخل الذين خرجوا على اجماع الأمة. ويقول ان الناس (يعيروه) عندما يدافع عن الحركة الاسلامية وفى هذه فان الرجل يثبت على نفسه صفة (النفاق) فمتى دافع الافندى عن الحركة الاسلامية حتى يعيره معير بالانتماء اليها! ومن هو ذلك (الغبى) الذى يتهمه بالانتماء الى حركة جعل كل همه فى الحياة محاربتها!



السودانى
-------------------------------------------------

العدد رقم: 986 2008-08-12

بين قوسين
ما زادنا الا خبالاً

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-12




فى الجزء الأخير من الخطاب القصير الذى ارتجله الشيخ على عثمان محمد طه فى الجلسة الختامية للمؤتمر السابع للحركة الاسلامية مساء السبت لاحظ الجميع أن (نبرة) الأستاذ على قد ارتفعت بشكل لم يعهد فيه اذ عرف عنه الهدوء حتى فى وجه أصعب المواقف. ونحن نغادر قاعة الاجتماع نقلت هذه الملاحظة للأخ الدكتور ابراهيم الزومة الذى قال لى ان على عثمان ينقل رسالة واضحة ومباشرة للترابى.
استبعدت المسألة لأننى أعرف أن الشيخ على عثمان (مقل) فى الحديث حول الترابى وحزبه فقد حدد الرجل موقفه بشكل واضح منذ اليوم الأول الذى خرج فيه الترابى من صفوف الحركة رافضاً الانصياع لرأى الأغلبية وكون حزبه. حينها اتخذ على عثمان موقفاً نهائياً ومحدداً من الترابى والذين (اتبعوه) وكانت الرسالة التى تم ابلاغها لكل الذين خرجوا وراء الرجل تقول لهم ان (أماكنكم) محفوظة كما تركتموها ( اذا وعندما) تقررون العودة وليس هنالك غير شرط واحد وهو: (ممنوع) استصحاب الترابى فى طريق العودة.
من حينها لم يجد الرجل أى داعٍ لكى يكرر ذلك الموقف ولماذا يكرره وعمليات (الهجر) للترابى لم تتوقف حيث يعود انصاره الى صفوف الجماعة فيجدون اخوانهم كما كانوا على العهد فرحين بهم و يجدون (أماكنهم) كما تركوها لم يمسسها السوء.العشرات بل المئات (ممن كانوا فى الشعبى) يوجدون فى قاعة المؤتمر و(هذا أكبر دليل) قال على عثمان. وبعد دقائق من ذلك كان الشيخ على عثمان يخاطب مؤتمراً صحفياً يعلن فيه انه من تمام (الصحة و العافية) أن نمضى فى طريقنا بدون الشعبى لأنهم لو خرجوا فينا (ما زادونا الا خبالاً) ولكي يصحح للترابى (الوهم) الذى عاش فيه والذى يقول ان المؤتمر لم ينعقد الا من أجل أن يستجديه (كى ينقذنا)!
والتصريح كان لابد منه ولابد من أن يأتى على الصورة التى جاء بها وذلك حتى لا يتمادى الترابى فى خياله و (خطرفته) فى الفهم الخاطئ (لمبادرة الرئيس) التصالحية وليده البيضاء التى مدها لكل القوى السياسية من أجل مصلحة الوطن. وأول نقطة يجب على الترابى أن يفهمها هى أنه لو كان هنالك شخص واحد فى السودان (ليس مقصوداً) بتلك اليد البيضاء وهى أصلاً ليست ممدودة له فهو حسن الترابى شخصياً لأنه عزل نفسه بنفسه وخرج على اجماع الأمة وانحاز الى صف أعدائها فلماذا يعتقد أن تلك اليد يمكن أن تمتد اليه؟ لذلك فلم يكن غريباً أن الشخص الوحيد الذى كان (محروماً) من مصافحة (اليد البيضاء) يخرج للمرة الثانية على الاجماع الوطنى ويرفض يد الرئيس.ويد الرئيس ليست فى حاجة لمصافحة الترابى فقد انكبت عليها تصافحها وتعانقها و(تقبلها) أيادى كل أبناء السودان وخيراً فعل الترابى فلو انه انضم الينا فلن (يزيدنا) الا خبالاً . أما مسألة من هو الذى ملطخة يده بدماء أبناء دارفور فلن أخوض فيها فقد (أحالها) على عثمان الى (المحكمة العليا) التى ستنعقد فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

--------------------------------------------------
الأحد 10 أغسطس 2008م، 8 شعبان 1429هـ العدد 5440

اتهم حزب الترابي بإشعال الحرب في دارفور
طه:انخراط (الشعبي) في الحركة الإسلامية لا يزيدها إلا وبالاً

الخرطوم: اسماعيل حسابو

اتهم نائب رئيس الجمهورية ، الامين العام للحركة الاسلامية السودانية، علي عثمان محمد طه، حزب المؤتمر الشعبي، صراحة بإشعال الحرب في دارفور وادارتها وتغذيتها بالكوادر، ونفي ان يكون المؤتمر الوطني يغازل الشعبي أو يستجدي الوحدة معه، ورأي ان الاخير لم يكن في حسابات الحركة الاسلامية، وان انخراطه فيها لا يزيدها الا وبالا.
ووجه طه، الذي اعاد المؤتمر السابع للحركة الاسلامية انتخابه بالاجماع امينا عاما للحركة، انتقادات غير مسبوقة للمؤتمر الشعبي، وقال ان ما ذكره رئيس الجمهورية في الجلسة الافتتاحية « ايادينا بيضاء نمدها للجميع» اسيئ فهمه» وقال « لم نتحدث عن مد يد بيضاء للشعبي كي يعود» واضاف ان قيادات الشعبي صورت خلال تصريحاتها، المؤتمر وكانه عقد من اجل ان يستجدي منهم كلمة وحدة، نافيا ان يكون الوطني يستجدي الوحدة مع الشعبي وقال « لم نكن نغازل المؤتمر الشعبي ولم يعد الشعبي في حسابات الحركة الاسلامية السودانية شأنا اسلاميا يبذل فيه الجهد او تمد له اليد ليعود أو لنتحد معه» ،وتابع «ان من تمام الصحة والعافية للحركة الاسلامية ان تمضي في تنفيذ ما صدر من توصيات دون ان يكون الشعبي طرفا معها» وقال « اذا انخرطوا فينا ما زادونا الا وبالا».
واتهم طه، الشعبي صراحة بإشعال الحرب في دارفور وقال «هم الذين اشعلوا الحرب في دارفور ونقلوها من صراع بين القبائل والمجموعات الي صراع ضد الدولة، وانهم قاموا بإرسال كوادرهم لادارة الحرب المسلحة»، ورأي طه ان الذين يتولون كبر الحرب في دارفور وقاموا بالدمار فيها وتشريد المواطنين وتعطيل التنمية هم من يستحقون العدالة الحقيقية والمساءلة.
وقال ان المؤتمر العام للحركة الاسلامية استعرض قضية دارفور والمعالجات التي اتخذت، ورأي انها لم تبلغ المدي الكامل لتحقيق الامن والاستقرار ورتق النسيج الاجتماعي، واكد علي ضرورة ايلاء الاولوية للحل السياسي وتحقيق الامن والاستقرار ورتق النسيج الاجتماعي الذي اعتبره دمارا يتحمل مسؤوليته من قادوا الحرب.
واعاد المؤتمر بالاجماع انتخاب طه امينا عاما للحركة الاسلامية، واعتبر المؤتمر في توصياته ان مذكرة مدعي المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الجمهورية تشكل قمة الاستهداف للاسلام وللسودان، ومحاولة لتركيع الشعوب الحرة، ودعا الي توحيد الصف لمواجهتها ، واكد علي مبادرة رئيس الجمهورية لحل مشكلة دارفور، وناشد المجتمع السوداني والحركات المسلحة بحقن الدماء، واكد علي قيام انتخابات حرة ونزيهة وفي الموعد المحدد لها.
وقال طه أن المؤتمر أوصى بإستنباط المزيد من المعالجات التى تدفع وتعزز آليات الدولة لتحقيق العدل الإجتماعى مشيراً إلى ان شعار الإسلام هو الحل لا يقف فى الجانب السياسى أو تطبيق الشريعة فقط وإنما ينتظم سائر إحتياجات المواطنين
وأضاف ان المؤتمر نظر الى التحديات الداخلية وقدرة الحركة فى التفاعل مع موجبات المرحلة الجديدة ووقف على مكملات مشروع النهوض على اساس التعاطى فى الإتصال مع الآخرين
واكد أن الأجهزة التى تم إنتخابها فى المؤتمر السابع من قبل 4 الف عضو ، ستعمل على استنباط فقه سياسى جديد يطال العلاقات الداخلية فى المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية بما يعزز الوحدة الداخلية والسيادة الوطنية، وقال أن المؤتمر اشاد بالخطوات التى إتخذت منذ الدورة الماضية فى مجال توحيد المواطنين اهل القبلة وغيرهم مشيراً الى ان الخلافات المذهبية بين المسلمين والعقدية مع غير المسلمين لم يوهن عناصر التعاون بين ابناء الوطن الواحد
وأضاف أن تعزيز الوحدة الداخلية ليس لمواجهة التحديات الخارجية بل لبناء مشروع السودان بقواعد من مصادر التنوع الفكرى والعرفى والسياسى ٍ،
وقال أن المؤتمر السابع وقف على التحديات الخارجية بالسعى لتحقيق الوحدة الداخلية والإتصال بالخارج لإيجاد جبهة مقاومة وصمود فى وجه الهجوم على السودان
منبهاً الى أن الهجوم الخارجى يسعى لفرض عزلة نفسية بتشويه صورة التجربة ومن ثم الإنقضاض على البلاد
واعتبر أن إدعاءات المحكمة الجنائية الباطلة لا تستهدف دارفور وإنما هى هجمة على مجموع التجربة باكملها وهم يستكثرون تجربة فى بلد مثل السودان يحاول صياغة تجربة وفق القناعات الداخلية
واشار الى أن المؤتمر اشاد بمناصرة الحركات الإسلامية المشاركة فى المؤتمر السابع بالإضافة الى تقديره للوقفة التى إنتظمت كل الشعوب الحرة
وقال ان الحملة التى إريد بها توهين الداخل تحول الى توحيد ووحدة للسودانيين
واتهم طه الغرب باستخدام الإكراه والإجبار لاول مرة فى القانون الدولى مشيرا الى ان هذه الدول عندما تكتشف سلاحا جديدا تجربه فى العالم الثالث واذا اكتشفوا ادوية جربوها فى افريقيا وهذه المرة يريدون صياغة قانون دولى فى الإجبار والإكراه
وقال أن المؤتمر دعا الى ترتيب الاولويات بحيث يتكامل الجهد وإعطاء الأولوية للحل السياسى السلمى وتعزيز الإستقرار لتقوية النسيج الأجتماعى مشيرا الى ان الحرب يؤدى الى المزيد من الضعف بتعطيل التنمية والتعليم ،
وفى سؤال عن الإزدواجية بين الحركة والمؤتمر الوطنى اوضح الأمين العام ان الحركة الإسلامية تسعى لإقامة النهضة على مبادئ الإسلام وتزكى عضويتها وتربيها حسب ميثاق الحركة اما فى المجال السياسى والتداول السلمى للسلطة فهى تعمل من خلال منبر المؤتمر الوطنى فى تفاعل مع القوى الاخرى لتخرج شهداً ينفع الناس
مذكرا بان الحركة الإسلامية قبلت بمبدأ المواطنة منذ ثلاثة عقود وتضمنتها الدساتير ووردت فى اتفاقية السلام مشيرا الى ان ٍالإزدواجية فى المجال السياسى تجربة سودانية عريقة مثل الختمية والإتحادى الديمقراطى والانصار وحزب الأمة
واكد ان الحركة الإسلامية فى السودان ليس تنظيما دوليا من حيث الإمرة وهى سودانية تسعى للنهوض ولذلك تسمى الحركة الإسلامية السودانية

الصحافة

------------------------------------------------
علي عثمان: الشعبي خارج حسابات الحركات الإسلامية
كتب عمر جمعة
Saturday, 09 August 2008



علي عثمان: الشعبي خارج حسابات الحركات الإسلامية


الخرطوم: عمر جمعة



اختتم مؤتمر الحركة الاسلامية »أمس« اعماله بتجديد الثقة في الامين العام علي عثمان محمد طه بالاجماع من قبل المؤتمرين. ووجه طه انتقادات حادة وعنيفة للمؤتمر الشعبي واتهمه بإشعال الفتنة في دارفور، وقال: يجب أن يتم تقديم عناصر الشعبي للعدالة ومحاكمتهم، وقال ان الشعبي ليس له أي دور في الحركة الإسلامية وهو خارج حسابات الحركات الإسلامية وفي اشارة منه لزعيم حزب المؤتمر الشعبي قال: نحن لم نقصد الافراد ولا اي كلام شخصي، وفي رده على سؤال من الصحافة عن انهم لا يمثلون الحركة الاسلامية على خلفية تصريحات الترابي قال: على المؤتمر الشعبي ان يعرض بضاعته في السوق والقرآن والسنة لم يكونا حكراً على أحد. وقال علي عثمان قبلت التكليف لأن المرحلة تتطلب ذلك وسوف أسعى لتقدم الحركة الاسلامية مشيراً إلى أنه من دعاة التغيير وبناء الدولة الحضارية. وأكد أن قضية دارفور من اولوياته ودعا ابناء دارفور بالحركة الإسلامية الى المساهمة في حل القضية. واجاز المؤتمر المكتب التنفيذي والتقارير الملحقة بها

والاوراق الفكرية وكسب الحركة في مختلف المجالات بالاضافة إلى اجازته للتعديلات في النظام الاساسي واجازته بالاجماع، وفوض مجلس الشورى بإعتمادها وأكد البيان الختامي على مبادرة رئيس الجمهورية وتم الاتفاق عليها بالإجماع حول قضية دارفور ودعم الخط السياسي للمؤتمر الوطني بقيام انتخابات حرة ونزيهة في ميقاتها، ودعت عضويتها وخطها الملتزم الى الالتزام بتوجيهات المؤتمر. وبناء مشروعها على الاختيار الحر في كافة المجالات. ودعا البيان الحركة الشعبية إلى الالتزام بالدستور وحقوق المسلمين واستكمال استحقاقات السلام كما نص عليها الدستور وضمان حقوق المسلمين الجنوبيين واحترام الأديان بصفة عامة. وأكد المؤتمر أن المؤتمر الوطني هو الوعاء السياسي الجامع لأهل السودان ويجب على كل الاعضاء دعم خطه السياسي. وكلف مؤتمر الحركة الإسلامية الأمين العام بعقد اجتماع خلال »٨٤« ساعة لاختيار المكتب التنفيذي.


---------------------------------
ين حسن عمر: الحديث عن وحدة الحركة الإسلامية عاطفي
كتب الخرطوم: هويدا حمزة
Saturday, 09 August 2008



أمين حسن عمر: الحديث عن وحدة الحركة الإسلامية عاطفي



وصف وزير الدولة بوزارة الثقافة والشباب والرياضة دكتور امين حسن عمر الحديث عن وحدة الحركة الاسلامية بان به الكثير من العاطفية. في وقت اعلن فيه المؤتمر الشعبي رفضهم لدعوة الرئيس البشير لتوحيد الحركة الإسلامية وقال القيادي بالمؤتمر الوطني امين حسن عمر في تصريح خاص لـ »الانتباهة« ان وحدة الإسلاميين ليست وحدة تنظيمية، فاذا كانت هناك وحدة تنظيمية فهي اقرب للتمنيات من الواقع، عازياً ذلك لوجود خلاف سياسي كبير بين توجهات المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وتوجهات المؤتمر الشعبي السياسية واضاف: اي حديث عن علاقات تنظيمية بين الطرفين لا يقوم على اساس حيث لا يوجد استعداد لهذه العلاقة من المؤتمر الشعبي الذي يستصحب روح الغلو في العداء تجاه الوطني انطلاقاً من تاريخ النزاع بينهما، واوضح امين انه لا يوجد استعداد من الوطني ولا الحركة الاسلامية. وفي صعيد متصل ترك عمر الباب مفتوحاً للتعاون بين الطرفين في مجال العمل الاسلامي باعتبار أن الوطني يتعامل مع كل الاسلاميين بالحد الادنى او اعلى منه قليلاً في الامور التي يمكن الاتفاق حولها اذا خلصت النوايا على حد قوله، واستدرك عمر قائلاً: المناخ الحالي لا يدل على وجود فرص عمل فاعل بين الطرفين. وفي ذات الاتجاه شنّ مساعد الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي علي الحاج

هجوماً على مؤتمر الحركة الاسلامية السابع داعياً المؤتمرين لتبرئة انفسهم مما تقوم به الحكومة السودانية، وقال في حوار اجرته معه (الشرق الاوسط) اللندنية ان الحركة أصبحت حكومية متواطئة داعياً اياها للتطهر - مما سماه - بالمشاركة في جرائم تمت بدارفور، ووصف دعوة الوحدة بانها جاءت في الوقت غير المناسب وعبّر الحاج عن استغرابه لعدم تناول مشكلة دارفور خلال المؤتمر، واعلن رفضهم التام بالشعبي لدعوة البشير للوحدة. ودعا الحاج الحركات الاسلامية بالعالم لمراجعة نفسها ومواقفها من الحركة الاسلامية السودانية، واستهجن الحاج اتهام حزبه بأنه الواقف وراء أزمة دارفور. وفي سياق متصل امَّن القيادي بالمؤتمر الوطني عبد الله بدري على ضرورة الانفتاح على الآخر وتوحيد الصف السوداني في وجه المخاطر التي تحدق بالسودان.


الانتباهة
------------------------------------------

العدد رقم: 983 2008-08-09

(الشعبي) يشترط لتوحيد الحركة الإسلامية والأفندي يتناول أخطاء البداية

متابعة: السوداني

رهن القيادي بالمؤتمر الشعبي د.المحبوب عبدالسلام توحيد الحركة الاسلامية السودانية بعدول المؤتمر الوطني عن القضايا التي بموجبها تمت المفاصلة في العام (1999م).
وقال عبد السلام خلال استضافته (بقناة الجزيرة) امس ان خلافات برزت مع الوطني حول جملة من القضايا بينها الحريات ونظام الحكم والقوانين المقيدة للحريات.
وأقر المحلل السياسي والكاتب د.عبدالوهاب الافندي بأخطاء ارتكبتها الحركة الاسلامية في السودان خلال مسيرتها الماضية, كما اشار الى انها لا تمثل إلا المؤتمر الوطني.
وقال خلال استضافته في قناة الجزيرة ان الحركة الاسلامية في السودان لا تمثل إلا الحزب الحاكم, ووصف الافندي مؤتمر الحركة بأنه بمثابة فرع للمؤتمر الوطني على حد قوله, واشار الافندي الى ان الخلل كان منذ بداية الحركة الاسلامية.
بينما انتقد القيادي بالحركة الاسلامية مهدي ابراهيم حديث الافندي واعتبر ان الحركة الاسلامية تمثل وعاء جامعاً لكل اهل السودان, وتناول التحديات التي تواجهها ومساعيها لتوحيد اهل السودان وتصدرها للدفاع عن قيمهم.
واعتبر ابراهيم ان الحركة الاسلامية مشروع قديم ما زال مستمراً، كما تناول نجاحات مؤتمر الحركة الاسلامية ومشاركة المؤتمر الواسعة.

------------------------------------------

السبت 9 أغسطس 2008م، 7 شعبان 1429هـ العدد 5439

الانقاذ والحركة الإسلامية.. تشابها وتشاكل الأمر


تقرير: التقي محمد عثمان

مكثت صباح أمس قرابة الثلاث ساعات متجولاً ما بين بائعات الشاي والمأكولات البلدية وازيار السبيل المقابلة لمعرض الخرطوم الدولي، اتحين الفرص لتسقط اخبار مؤتمر الحركة الإسلامية المنعقد داخل قاعات ارض المعارض ببري، بعد ان اعيتني الحيلة في تجاوز الحراس الشداد على الابواب، وقطعا لم يكن غرضي من محاولاتي الفاشلة في الدخول الى اسوار المعرض ان ادلف الى احدى القاعات لحضور جلسات مغلقة غير مسموح لغير اعضاء المؤتمر بحضورها، وانما هدفت الى اجراء استطلاعات وحوارات قصيرة مع بعض فصحاء الحركة ومبينيها ممن يتوفرون في ردهات القاعات وعلى جانبيها.
ولما عجز مستضيفي عن توفير بطاقة دخول لهذا الغرض، ولما كان من استهدفهم لا يتحلقون حول ستات الشاي عدت احتقب اسئلتي وكتاباً اهدتنيه احدى المؤتمرات المحترمات يحوي تقريري الاقتصاد والسياسة، وعنوانه الابرز «مقاربة الانقاذ للمشروع الإسلامي السوداني 9891 ـ 8002م» ، وللكتاب قصة، فبعد ان جلست اسفل الشجرة بين مجموعتين، وجدتني ارتشف الشاي ببطء واستمع الى الونسات بمختلف اللكنات، إلى ان جاء الوقت الذي اخرج فيه بعضهم الاوراق والكتب من الحقائب الصغيرة واستعرضوها واحداً واحداً، فطلبتها منهم فرفضوا ، فطلبت ما اشاروا الى انه خطاب علي عثمان محمد طه فرفضوا وانفضوا ، وكذلك ذهبت الى آخرين وآخرين لم يكن ردهم بأفضل من سابقيهم الى ان عثرت على سيدة منحتني أياه وحده.
الكتاب الصقيل يشتمل على تقريرين، الأول اقتصادي في 74 صفحة، والثاني سياسي في 30 صفحة، وأول ما يلفت فيه هذا الإلتباس البادي في العلاقة بين الانقاذ والحركة الإسلامية، هذا اذا تجاوزنا أن مجرد الحديث عن الإنقاذ 2008م، بعد توقيع اتفاق نيفاشا محل نظر، فالكتاب ومنذ الوهلة الاولى، يقول: «شهد الاقتصاد السوداني تطورات كبيرة خلال سنوات الانقاذ».
ويتدرج في الرصد بالارقام والتواريخ مستخدماً لغة الدينار لا الجنيه، وغير متوقف عند قيام الإنقاذ أو زوالها، فتارة يتناول اداء الاقتصاد السوداني بدءاً من 89 أو 90 أو 1992م، وينتهي التناول مرة في 2005م، أو 2006م، أو 2007م.
كل ذلك رغم ان الدكتور امين حسن عمر كان واضحاً في التفريق بين الحركة الإسلامية «كصعيد فكري اجتماعي غير الحزب»، وبين المؤتمر الوطني، وشدد في المؤتمر الصحفي الخاص بانعقاد المؤتمر الخميس قبل الماضي على هذا التفريق، دعك من هذا الاندغام الكامل الذي يورد ارقام الدولة كأرقام لحركة يصفها لي الدكتور الطيب زين العابدين أمس عبر الهاتف بالتنظيم السري غير الشرعي، وهنا يمكن أن نستعيد حديث الصراحة والمصلحة العامة الذي خطه يراع رئيس تحرير السوداني امس حين نصح الحركة الإسلامية ان تنفصل عن الدولة «كي تتحرر من سلبيات السلطوية والتحكم» ، وقال محجوب عروة في حديث الجمعة «يتعين على الحركة ألا تكون مجرد تابع وبوق ومبرر للأخطاء التي ارتكبها التنفيذيون في سلطتها فتصبح حركة هاتفية» ، وهذا يعني في وجهه الآخر أن لا تكون الحركة الإسلامية مسؤولة عن أداء الدولة الايجابي كما يعرضه الكتاب وتنسى أن المأزق «هو » ما يعايشه أهل السودان في معاشهم الذي صار ضيقاً حتى كاد الفقر أن يكون كفراً» أو كما قال عروة.
ويمضي التقرير الاقتصادي إلى تأكيد التشاكل حين يتحدث في خامساً - السياسات المالية والنقدية عن أن الاختلافات والتشوهات التي يعاني منها الاقتصاد تقتضي تكامل السياسات الاقتصادية من مالية وتمويلية ونقدية وان تخدم كل سياسة اهداف الأخرى ولا تتعارض معها، وحين يتحدث في سابعاً: الأداء المالي للموازنة العامة للدولة، ويقول: انخفض عجز الموازنة من 98% من الناتج المحلي الاجمالي في 1989م إلى 2.7 في عام 2006م، كما ارتفعت معدلات الانفاق العام من الناتج المحلي الاجمالي بواقع 22.3% في عام 89 ، و25% في عام 2007م
اما التقرير السياسي الذي يتقدم بعام على الاقتصادي «اذ يبدأ مشروعه لتقويم كسب الحركة الإسلامية في الجانب السياسي من العام 1988»، فيقر ابتداء بأن الحركة تمكنت «بالتنسيق مع عناصرها داخل القوات المسلحة من الاستيلاء على السلطة في 30 يونيو 1989م لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الحركة تحولت فيها من تنظيم معارض الى تنظيم حاكم» ، ويمضي الى ان «الوصول للسلطة يعد من اكبر انجازات الحركة على الاطلاق» ، منطلقا كسابقه في المزج بين الاثنين، وان كان واضحا ان من اعده شخص واحد وليس مكتب «التأصيل والتخطيط الاستراتيجي»، كما وضع في غلاف الكتاب استنادا على عبارات من شاكلة «وهذا هو التطور النوعي الذي اشير اليه».
ويعترف التقرير ان «هذه السلطة اوقعت ضررا لا يستهان به على الحركة ووحدتها» ، مما جعل السؤال حول هل هو اتجاه لاعادة بناء الحركة كما تم الاعلان عنه في المؤتمر الصحفي على لسان حسن عثمان رزق تحت لافتة «اعادتها سيرتها الاولى»، الدكتور الطيب زين العابدين المتخصص في شأن الحركة والمفكر المعروف رفض الفكرة جملة وتفصيلا، قائلاً: هناك قرارات سابقة باعادة بناء الحركة لم تنفذ، مؤكداً، أن ما يجرى الآن كله ديكور «والحركة الاسلامية أصبحت موظفة لدى الدولة» ، مشيراً إلى أن أغلب الموجودين في المؤتمر الحالي «هم موظفون في الدولة وغير مستعدين للتضييق على أنفسهم وعلى معيشتهم» ، ولكن ألا يفتح الاعتراف الآخر بأن السلطة أوجدت فرصاً سياسية ومكاسب اقتصادية جديدة، راحت الجماعات المختلفة تتنافس من أجل الحصول عليها، ألا يفتح الباب أمام فك الاشتباك ما نادي به عروة من أنه «لا يعقل أن يكون الأمين العام والمكتب التنفيذي وكل أو غالب مجلس الشورى للحركة هم أهل السلطة نفسها ولا يتعرضون للمساءلة ولا يتفرغون للمبادرات التي كانت طابع ماضيها عندما كانت خارج السلطة منذ تكوينها»، الدكتور زين العابدين يجيب بالنفي ويقول «هم عايزنها كدا عشان ما تعمل فرفرة»، موضحاً ذلك في ان المسيطرين على الدولة والحزب والحركة يخافون أن تحدث لهم مجابدة من الحركة الاسلامية اذا قامت بدور أو نشاط، ويعود زين العابدين إلى الحديث عن سرية الحركة غير المبررة، فأسأله عن انعقاد المؤتمر الحالي في العلن، فيقول «ربما كان ذلك بسبب الظرف الحالي فقط» ، مستشهداً بالبيعة التي بايعها المؤتمرون للرئيس البشير، مشيراً إلى ان هذه بدعة تحدث لأول مرة، ففي المؤتمرات السابقة كانت تجري الانتخابات في نهاية الجلسات.

الصحافة
-------------------------------------------


: د.علي الحاج : أيادي الحكومة الإسلامية في الخرطوم ليست بيضاء لأنها متهمة أمام المحكمة الدولية



علي الحاج لـ «الشرق الأوسط» : الحركة الإسلامية السودانية ضللت حركات الإسلام في العالم وعليها التوبة
STNC وكالات - الشرق الأوسط

شن الدكتور علي الحاج محمد مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، هجوماً على المؤتمر السابع للحركة الإسلامية السودانية، الذي بدأ أعماله أول من أمس بالخرطوم، وحضره عدد من قيادات الحركات الإسلامية في العالم. ودعا علي الحاج المؤتمرين الى تبرئة أنفسهم مما قامت به الحكومة السودانية من جرائم، وصفها بالابادة الجماعية في دارفور.
وقال علي الحاج لـ«الشرق الأوسط» من العاصمة الألمانية برلين، إن الحركة الإسلامية التي تعقد مؤتمرها في الخرطوم لا تمثل التنظيم الذي استولى على الحكم بانقلاب نفذه الرئيس السوداني عمر البشير في عام 1989. واضاف «الحركة الإسلامية الآن أصبحت حكومية ومتواطئة وهذه نقطة مفارقة».
واوضح ان الحركة الإسلامية لم تعلن إدانتها بما فعلته حكومة البشير في دارفور من ابادة وقتل وتشريد وحرق للقرى. واضاف «اذا لم تتبرأ الحركة وتتطهر من تلك الجرائم وتعلن توبتها فاننا سنعتبرها مشاركة في تلك الجرائم». وطالب علي الحاج الإسلاميين ان يفكروا في مصير السودان لا الأشخاص، لأنهم إلى زوال.
وأضاف أن المطلوب إتباع الأقوال بالأفعال، لان دعوة الوحدة تأتي في وقت غير مناسب، بعد اتهام البشير امام المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى ان الحركة الإسلامية تأتمر بأمر الحكومة، وقال «لم يفتح الله لهم بكلمة بما يحدث في دارفور طوال هذه الفترة الا بعد اتهام البشير». ورفض علي الحاج الدعوة التي قدمها البشير بمد أيادي الحركة الإسلامية بيضاء، في اشارة إلى الزعيم التاريخي للحركة حسن الترابي، وقال: «في الظروف الراهنة الأيادي ليست بيضاء، كما ذكر البشير، اقلها أنهم متهمون في جرائم ابادة»، واضاف «البشير نفسه قال ان عدد الذين قتلوا في دارفور 10 آلاف مواطن.. ولكن من قتل نفساً فانما قتل الناس جميعاً»، معتبراً ان الخلافات التي احدثت الانشقاق بين الإسلاميين السودانيين خلال فترة حكمهم السودان في اوخر التسعينات كانت محصورة حول انتخاب الولاة، لكنها الآن اتسعت، وقال «الآن هناك اتهامات بجرائم ابادة ومحاكم دولية... هل الأولوية لوحدة الحركة الإسلامية أم وحدة السودان، التي تواجه المخاطر، ام ما يحدث في دارفور ويحتاج الى حلول جذرية»، داعياً الحركات الاسلامية في العالم الى مراجعة نفسها وموقفها مع الحركة الاسلامية الحاكمة في السودان. وقال ان الجرائم التي تم ارتكابها في دارفور ليست من الخيال، وانما حقائق ماثلة وموجودة وشاهدة. واضاف «نائب الرئيس علي عثمان اعترف بنفسه انه سلح بعض القبائل في دارفور لتقتل اخرى». واضاف «نحن لا نلقي اللوم على الحركات الاسلامية العالمية، لانها تم تضليلها من الحركة الاسلامية الحكومية في السودان، لكن عليها ان تتبرأ مما قامت به الحكومة في دارفور، وإلا سنعتبرها متواطئة وحتى لا تكيل بمعيارين في اننا ندين ما يحدث من جرائم في فلسطين، ويتم الصمت على اخوانهم الذين يتم قتلهم في دارفور». وشدد مساعد الترابي على ان حزبه يقف مع تحقيق العدالة في دارفور التي وصفها (بدارفورستان)، وقال ان القضاء السوداني قاصر وغير مؤهل لتحقيق العدالة، لانه يهتم بمقاضاة الرعية، واضاف «لم نسمع ان القضاء السوداني قام بمحاكمة احد من المسؤولين في الحكم، وهذا تبعيض للعدالة وقضاء غير مؤهل». مشيراً الى ان القانون السوداني لا تحتوي نصوصه على جرائم الابادة والانسانية وجرائم الحرب، واصفاً قرارات وزير العدل عبد الباسط سبدرات، بتعيين مدع عام من الوزارة ارتجالية ولا طائل من ورائها. وقال ان النظام يجري وراء السراب خلف الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي. وتابع «كل هذه الأموال الطائلة لن تحل القضية لان المحكمة الدولية قرارها من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع، ولن يتم اسقاط الاتهامات اذا اقرها القضاة». وقال علي الحاج على البشير ان يتعظ بما حدث لزعيم صرب البوسنة كراديتش، الذي قتل مسلمين كما فعل البشير، واضاف «سبحان الله ان تحمي الحركة الاسلامية السودانية من البشير». وقال ان الاسلام في دارفور يرجع لاكثر من 360 عاماً وسبقت الدولة العباسية، مستهجناً اتهام حزبه بانه وراء ما يحدث في دارفور في اطار تنافس الاسلاميين. واضاف «من الظلم ان ينسب ما يحدث لاهل دارفور بانه يقف وراءه المؤتمر الشعبي هذا هو التهميش والظلم لان المقاومة ليست جديدة لديهم وهم الذين قاوموا كل العهود الاستعمارية والوطنية».
من جهة اخرى، قال عبدالله بدري القيادي البارز في الحركة الاسلامية في السودان، التي تمسك بمقاليد الحكم في البلاد لـ«الشرق الاوسط»، انه شخصيا يستبعد ان يخوض الرئيس عمر البشير انتخابات الحركة الاسلامية لاختيار امينها العام اليوم، واضاف ان الاسباب هي ذات الاسباب التي ابعد اتجاه ترشيحه للمنصب في الدورة السابقة التي جاءت بنائبه علي عثمان محمد طه للمنصب، والتي تتمثل في ان اختياره قد يخرج الرئيس للمنصب من دائرة القومية الى انه شخص يمثل كيانا محددا في البلاد. وقال بدري ان الرؤية حول الأمر تتضح اليوم، ولكن اعتقد ان هذا الاقتراح بعيد، غير انه اشار الى انه شخصيا يرى من المهم اختيار شخص متفرغ لهذا المنصب. وحسب بدري فان الامين العام علي عثمان، الذي انتهت دورته حاليا، حقق نجاحات كبيرة في الدورة، ابرزها انه استطاع ان يحيي الحركة بعد ان اعتقد البعض انها ماتت، وقال ان الاوراق التي قدمت تؤكد ان الحركة في حال افضل، واضاف اجتماعات الحركة الاسلامية ركزت هذا العام على دارفور على خلفية مذكرة مدعي المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير، كما تطرق إلى مسألة فكر الحركة وتجديدها المستمر، وحول الوحـــدة بين شقي الحركة الاســلامية «البشير والترابي»، قال ان الامر لم يطرح بشكل مباشر ولكن الحدث دار حول ضرورة الانفتاح على الاخر وتوحيد صف السودانيين في وجه المخاطر التي تحدق بالبلاد.


9/8/2008


السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

"لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا" ....:
طوابع بريدية من تصميم "شيخ علي"
على مظروف أوراق الإعتماد غير الصقيل

...يا شــــــيخنا العجـــلة تطــــــير!!



صديق محمد عثمان:

في اليوم الثالث من أيام المؤتمر العام للمؤتمر الوطني الحاكم في السودان في العام 1999، والذي شهد الإنقسام الأشهر في صفوف الإسلاميين، عقد السيد علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية حينها مؤتمرا صحفيا بالقصر الجمهوري بالخرطوم، وصف ما جرى داخل جلسات المؤتمر بالإقصاء الذي لا يتورع عن استخدام التزوير!!.
ذكرت هذه الحادثة للأستاذ علي عثمان محمد طه في مكتبه بمجلس الوزراء صباح أحد الأيام بعدها بقليل، وذلك عندما استقبلني بعتاب شديد على حديث كنت قد وجهته إلى الرئيس البشير في لقاء جامع بقاعة الصداقة أقيم في إطار مجهودات لجنة رأب الصدع، وحديث آخر وجهته له شخصيا في لقاء ثان طالبته فيه بالإستقالة عن منصبه كنائب للرئيس، فقد عاتبني قائلا: لماذا تخاطبنا من المنابر وليس بيننا وبينك حجاب؟!! فقلت: أما خطاب المنابر فلم أبدؤه بل بدأته انت في ذلك المؤتمر الصحفي حين تركت قاعة المؤتمر ولجأت إلى القصر تستخدم موقعك الرسمي لحشد أجهزة الإعلام الرسمية، لتلعن منها أن 10 آلاف شخص من أعضاء الحركة الإسلامية يجتمعون على التزوير بهدف الإقصاء، وأما الحجاب بينك وبين الناس ارجو أن تسأل عنه من تثق في صدقه واخلاصه النصيحة لك.
بعد ذلك باسابيع كان الأستاذ علي عثمان يخطب في ندوة سياسية بمدينة الأبيض حاضرة ولايةشمال كردفان، عندما قال بأن الذين خرجو إلى المؤتمر الشعبي "دم حجامة فاسد" ..
أما في خطبته الأخيرة بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما "للحركة الإسلامية"، يوم السبت الماضي فقد قال الأستاذ علي عثمان" إن من تمام الصحة والعافية للحركة الإسلامية السودانية ولتجربتها السياسية أن تمضي في تحقيق ما صدر في بيانها الختامي دون أن يكون المؤتمر الشعبي طرفا معها" ثم أضاف وسط دهشة الحضور والمراقبين" فإنهم إن خرجوا معنا ما زادونا إلا خبالا "، ولتأكيد ما ذهب إليه ردد الأستاذ علي عثمان ذات الأقوال في المؤتمر الصحفي الذي أعقب جلسات ما سمي بمؤتمر الحركة الإسلامية، ووصف الصحفيين تصريحات علي عثمان بأنها مفاجئة ورغم أن البعض ذهب في تعليل التصريحات إلى أنها جاءت ردا على اللقاء الصحفي للدكتور علي الحاج محمد في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ السبت 9 أغسطس 2008، والذي رد فيه على دعوة الرئيس البشير إلى الوحدة، بقوله أن أيادي الحكومة ليست بيضاء، إلا أن العالمين ببواطن الأمور يدركون أن غضب السيد علي عثمان من تصريحات الدكتور علي الحاج ليس هو الدافع وراء تصريحاته الصارخة، فتصريحات د. علي الحاج لم تكن نشازا ضمن تعليقات الإسلاميين السودانيين على إنعقاد المؤتمر، ويمكن في ذلك مراجعة أحاديث للدكتور الطيب زين العابدين، والدكتور عبدالوهاب الأفندي والأستاذ محجوب عروة والأستاذ عثمان ميرغني في منابر مختلفة ما بين قناة الجزيرة والصحف المحلية، والذين أجمعوا بأن الحركة الإسلامية التي تأتمر في الخرطوم ما هي إلا واجهة حكومية وأن أعضائها موظفون حكوميون يجمعهم القرار الإداري تحت سقف قاعة المؤتمر، وأنها لن تناقش القضايا الملحة ولكنها جمعت للتعبئة فقط..... والمذكورون أعلاه لا يمكن تصنيفهم باي حال من الأحوال ضمن المؤتمر الشعبي.

إذن أي رسالة أراد علي عثمان ختمها بهذا الطابع البريدي المتميز من الدرجة الأولى؟!!!

في لقائي آنف الذكر مع الأستاذ علي عثمان، ذكرت له فيما ذكرت أن الناس وبالذات الأخوان يقارنون بينه والمرحوم الزبير محمد صالح، ويقولون أنه برحيله حدثت فجوة كبيرة، فأعتذر بأنه لا وجه للمقارنة بين علاقته بالرئيس وعلاقة الزبير بالأخير، لأن الرئيس والزبير ضباط جيش فاللغة مشتركة، ومن ناحية رسمية فقد أصبح الرئيس أعلى من الزبير والعساكر بطبيعة تربيتهم أكثر احتراما لتراتيبية العلاقات، بينما العلاقة بينه والرئيس تشوبها محاذير الخاص والعام، فهو كان مسئولا عن الرئيس باطنيا، والآن مطلوب منهما أن يقلبا هذه العلاقة رأسا على عقب ظاهريا، فقلت: ولكن المرحوم الزبير كان مبادرا لا ينتظر إشارة الرئيس، وفي كثير من الأحيان مستدركا على الرئيس بطريقته الخاصة، وأهم من ذلك كان الزبير واضحا جدا في مراجعته لأوامر التنظيم ومقاومتها أحيانا ولكن جهرا وبالصوت العالي، ولكن الأستاذ علي عثمان تمسك بان إزدواجية الدور المطلوب منه تلقي بظلال كثيفة على علاقته بالرئيس وهو حريص جدا على ألا تطغى العلاقة التنظيمية الباطنية على العلاقة الظاهرة فتنتقص من حق الرئيس.

الأستاذ علي عثمان خالف ادعاؤه ذلك في مرات عديدة، غير أن ما ذهب إليه هذه المرة فاق كل السوابق، فالرئيس البشير خاطب إفتتاحية المؤتمر معلنا انه يمد الأيادي بيضاء للجميع، وفي اليوم التالي طار الصحفيون بتصريحات الرئيس محلقين بها في اتجاه واحد هو المؤتمر الشعبي، ولم تأت تحليلات الصحفيين لإشارات الرئيس من فراغ، فالرئيس كان قد وقع في مايو الماضي اتفاقا مع السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، أما حزب السيد محمد عثمان الميرغني فقد منح الرئيس شيكا على بياض بادانته لعملية حركة العدل والمساواة على العاصمة السودانية، أما التجمع الوطني السابق فقد بات مشاركا في السلطة بالدرجة التي تدفع احد وزرائه إلى دعوة الرئيس للإنقلاب مرة أخرى لإعادة الضبط والربط العسكري اللازمين، أما فصائل دارفور فلا يزال آلاف من شبابها رهن الإعتقال بعد العملية العسكرية آنفة الذكر، بينما يحاكم آخرون ايجازيا بالإعدامات.

إذن فلم يتبقى إلا المؤتمر الشعبي الذي اشترط أن تسبق أي مبادرة حوار بينه والوطني على القضايا القومية، إجراءات ترفع الظلم عن المعتقلين السياسيين، وترد الحقوق المسلوبة، أما الحوار من أجل "الوحدة الإسلامية" فقد إشترط فيه عودة المؤتمر الوطني إلى الأصول التي وقع عليها الإختلاف ابتداءا، وهي الحريات والفيدرالية المطلقة.

وبناء على هذا انعقدت اللقاءات الصحفية والتلفزيونية آنفة الذكر في محاولة لتعضيد التحليل الصحفي لإتجاهات خطاب الرئيس، ومهما كانت تصريحات الشيخ الترابي أو الدكتور علي الحاج تعقيبا على تصريحات الرئيس البشير، فقد كان أقرب إلى طبيعة الأستاذ علي عثمان ويتماشى مع إدعاؤه الحرص على عدم الإنتقاص من الرئيس علنا، أن يستغل تصريحات قادة الشعبي للتدليل على أنهم ليسوا حريصين على "الوحدة الإسلامية"، وأنهم يرفضون دعوة الرئيس ومبادرته "الكريمة"، وما إلى ذلك مما هو متوقع، خاصة وأن عددا كبيرا من المؤتمرين في ذلك المؤتمر من أصحاب العواطف الإسلامية التواقة إلى "الوحدة".
فما الذي جعل الأستاذ علي عثمان يرمي بكل ذلك وراء ظهره؟!! ويبدو للعيان كالمستدرك على الرئيس، المنتقص من قدره، وفي ذات الوقت غير عابئ بأشواق المؤتمرين الذين يفترض أنهم حشدوا في إطار حملة التعبئة الداخلية؟!!.

للإجابة على التساؤلات السابقة لابد للمرء أن يقرأ الحدث في إطار الصورة الكلية للوضع الراهن، فبرغم الصورة الزاهية التي يحب الأستاذ علي عثمان رسمها لنفسه باعتبار أنه حقق إنجازا عظيما في نيفاشا استحق عليه الثناء محليا ودوليا وهو الأهم، فهو دون غيره يعلم أنه ومنذ ذلك الحين بدأ يفقد السيطرة داخليا ببروز نجم الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس البشير ونائبه في المؤتمر الوطني، وأن الأمور تسير في اتجاه معاكس لرغباته، وقد باءت محاولته الإستيلاء على ملف التفاوض مع حركات دارفور في ابوجا بغرض تحقيق انجاز آخر يعيده إلى الواجهة مرة أخرى بالفشل، وذلك لعدة أسباب أهمها انعدام الثقة التام بينه وقادة الحركات المسلحة في دارفور، وبعضها متعلق بطبيعة شخصية المرحوم الدكتور مجذوب الخليفة الذي كان يشرف على التفاوض في ابوجا.

أما في إطار العلاقات السياسية الأخرى فقد تآكل رصيد الأستاذ علي عثمان الضيئل أصلا، فالدكتور نافع علي نافع صار أقرب للسيد الصادق المهدي، وهو الذي أدار الحوار الأخير بينه وبين الرئيس البشير والذي أفضى إلى "التراضي الوطني"، و ذلك بسبب عدم ثقة السيد الصادق في الأستاذ علي عثمان منذ ايام الجمعية التأسيسية، أما السيد محمد عثمان الميرغني فقد صار يفضل التواصل مع الرئيس البشير عبر الدكتور مصطفى عثمان، وانعكس الوضع الداخلي الضعيف للأستاذ علي عثمان على مردود علاقاته الخارجية التي اجتهد في بنيانها في فترات سابقة، فالجهات الخارجية تسعى بصورة حثيثة إلى تفكيك نظام الإنقاذ ولكن تحت السيطرة، وهي لا تزال تتحسس مواقع أقدامها بحثا عن البدائل المناسبة داخل النظام بعد أن خابت آمالها في تجمع المعارضة السابق، وجزء من هذا التفكيك تحت السيطرة أن تنحشر الفصائل المعارضة للنظام في اتفاقات تجزيئة للقضايا القومية، ولهذا الغرض تم التخلص سريعا من زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور قرنق، الذي لم يعي الدرس وراح يرتب لعلاقات إقليمية ودولية تتجاوز حدود الدور المنوط به أو المتوقع منه، ولكن هذه الجهات لا تزال تتوجس خيفة من الحركة الإسلامية، وتتحسب لعودتها بصورة أقوى حال سقوط النظام، لذلك تبحث عن "ترياق من عينة الداء" وفي إطار بحثها هذا تقلب النظر بين المطروح من خيارات، وبينما اجتهد الأستاذ علي عثمان في السابق في طرح نفسه كبديل أفضل، فقد أصاب هذه القوى الشك من مقدراته المدعاة بعد التحجيم الكبير الذي فرضته عليه مجموعات الأمن بواسطة الرئيس البشير، بحيث أصبحت مجرد حركته الخارجية مثار شك الرئيس.

التطورات الأخيرة في قضية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير شكلت طوق النجاة للأستاذ علي عثمان من عزلته المفروضة، فخرج بوجه مدافع عن الرئيس دفاع المستميت بالدرجة التي جعلته يشترك مع الدكتور نافع في مخاطبة الحفل الخطابي الذي أقيم بمنطقة حوش بانقا شمالي الخرطوم، وهو الحفل الذي حمل فيه أقارب الرئيس البشير أكفانهم تعبيرا عن الإستعداد لفداء الرئيس بالأرواح، وشكّل قمة التقهقهر في خطوط دفاعات الرئيس البشير من آفاق الحركة الإسلامية العالمية إلى "حوش القبيلة" الضيق.

ومن ثم خرج علي عثمان إلى السعودية ومصر بعد فترة من الركوض الخارجي والداخلي على حد سواء، وفور قراءتي للقاءات البروفيسور عبدالرحيم علي والدكتور أمين حسن عمر وتصريحاتهما في إطار الإستعدادات لإنعقاد مؤتمر "الحركة الإسلامية"، أدركت أن الأستاذ علي عثمان ينشط في توفير المنابر التي تتيح له إستعادة دوره، فالمؤتمر الوطني أصبح ساحة مقفولة للدكتور نافع ولا مجال لعلي عثمان هناك، ولكن مؤتمرا "للحركة الإسلامية" يجدد له البيعة بصفته الأمين العام سيبعث الروح في رسالته الخالدة إلى قوى خارجية لا يزال يتعهد أمامها بأنه الوحيد القادر على مواجهة النفوذ الروحي المتعاظم للدكتور الترابي على الحركة الإسلامية، ولعل خطاب الرئيس في إفتتاحية المؤتمر خدم إلى حد كبير أهداف علي عثمان، وذلك من خلال إظهار الرئيس في موقف الحريص على مصالحة الشيخ الترابي، ليبرز علي عثمان بوجه غاضب وصارخ العداء سابحا ضد تيار المؤتمرين الذين لا يعنونه في شئ، فهولاء المؤتمرين هم أنفسهم الذين كادوا أن ينتخبوا الدكتور غازي صلاح الدين بديلا له قبل عامين لولا حملة التخويف التي مورست عليهم من خلال التصويت ببطاقات عضوية المؤتمر، ومن خلال نصب الكاميرات على صناديق الإقتراع، كما أنه على كل حال كان يستشرف آفاقا أخرى بعيدا عن قاعة ذلك الإئتمار، يرسل إليها رسالة قوية بأنه لا يزال رجل المرحلة، وأن الرئيس غير مأمون الجانب لجهة العودة إلى الشيخ الترابي.

السؤال الآن هل استعجل علي عثمان ؟!! وهل لا زالت أحرف رسالته القديمة مناسبة ؟!! وهل لا يزال تخويف الجهات الخارجية بالشيخ الترابي والمؤتمر الشعبي كافيا؟!! وهل لا تزال الطوابع البريدية التي يصممها علي عثمان على ظهر مظروف اوراق اعتماده التي يتقدم بها مواكبة للتطورات الجديدة؟!! أم يصدق عليه الوصف بالتقليدية في العمل السياسي؟!!
والسؤال الأكثر إلحاحا هل سقط الرئيس البشير من حسابات علي عثمان تماما؟!!.

قال لي محدثي "الوطني" بأن فلانا لا يزال يردد على مسامعنا "شيخ علي" حتى عددناه من الحواريين.... فقلت لن تنتظروا كثيرا حتى يصير الرجل كبير الحواريين، و لن يطول بكم المقام حتى يصدر الرجل انجيلا مرفوعا إلى "شيخ علي" فهنيئا لكم تراتيلكم في حضرة القديس... فقاطعني الرجل: يا شــــــيخنا العجلة تطير!!!، نحن وين ماشين؟ ترانا منتظرين المتنبئ!!!!.

نعُدُ "المشيخية" والعوالي وتقتلنا "الظنون" بلا قتال
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الأربعاء 13 أغسطس 2008م، 11 شعبان 1429هـ العدد 5443

الشعبي يعلن توقف كافة أشكال الحوار مع (الوطني)
الترابي يتوقع انتخابات وتحالفات غير مستقرة

الخرطوم- الصحافة

وجه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض، الدكتور حسن عبد الله الترابي، انتقادات جديدة للمؤتمر العام السابع للحركة الاسلامية السودانية الذي عقد أخيرا، واعتبره «بناء مسجد ضرار»، وأعلن عن بشريات مقبلة، لكنه لم يحدد طبيعتها.
وكان الترابي يتحدث خلال لقائه أمس بمقر الحزب، لثمانية من الأعضاء الذين اطلقت السلطات سراحهم عقب أنتهاء فترة محكومياتهم لإدانتهم بالتخطيط لمحاولة انقلابية عام 2004م.
وتنبأ الترابي بعملية انتخابية وتحالفات غير مستقرة، وقال إن الانتخابات ستقوم على كتل (مرقعة) من الجنوب والشرق والغرب، معتبرا أن هذه الكتل ستنشأ على مسائل خاطفة ونتائجها (شر خاطف).
وأطلع الترابي المفرج عنهم على بعض من سيرة الحركة الاسلامية والابتلاءات التي تعرضت لها منذ سنوات طويلة مرورا بالسجون التي تعرض لها أعضاء الحركة الاسلامية خلال حكم الرئيس الاسبق جعفر نميري، وقارن بين تلك الاوضاع والآن، وقال ان السجون الان أسوأ من تلك السجون
واعتبر ان الاوضاع خارج السجون الآن بائسة، منتقدا تدهور صورة البلاد في العالم الخارجي حاليا،معتبرا ان العالم كان ينظر بعين الاعجاب الى تجربة الاسلام السني في السودان، ولكن وجه البلاد تغير الآن.
من جهته، أعلن الامين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، توقف كافة اشكال الحوار مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم عقب الاتهامات التي وجهها نائب رئيس الجمهورية والحزب الحاكم علي عثمان طه، ضد المؤتمر الشعبي بـ(إشعال الحرب في دارفور)، وأعتبر أن العلاقة بين الحزبين، عادت الى مربع (التأزيم)، ورهن الشعبي استئناف الحوار باشتراطات تضمنها قرار هيئة القيادة في عام 2006م من بينها اطلاق كافة المعتقلين السياسيين، وقال لـ (الصحافة) أمس: أي حديث عن حوار حاليا هو مجرد (اشواق)، وطالب الحكومة، بتفسيرات للتصريحات التي أطلقها نائب الرئيس، واعتبرها تتناقض مع نداء الرئيس بجمع الصف والوفاق الوطني.
واتهم عمر، الحكومة بالاتجاه نحو تعميق الازمة مع حزبه، وذلك بالاستمرار في الاعتقالات الاخيرة التي طالت كوادر الحزب،
ودعا الحكومة الى نهج تصرفات تتلاءم مع ما وصفها بأتون الأزمة التي تعيشها البلاد حاليا، وطالبها بإطلاق كافة المعتقلين السياسيين، والوفاء بما اعتبره مطالب مشروعة لحزبه.

الصحافة

----------------------------------------------
العدد رقم: 987 2008-08-13

بين قوسين
هتيفة برايتون وليفربول

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-13




من أجل الوصول الى المحطة الأخيرة للمؤتمر السابع للحركة الاسلامية مورس نشاط واسع وكثيف فى كل أنحاء البلاد وعلى مدى عام كامل. عقد ما يقرب من عشرة آلاف مؤتمر قاعدى حضرها ما يقرب من مليون قائد وقائدة من عضوية الحركة. طافت عشرات الوفود من المركز أنحاء البلاد طولاً وعرضاً مبشرة بالمؤتمر واستعداداً واعداداً له وعقدت فى المركز عشرات اللقاءات و(ورش العمل) من أجل تدريب القيادات على انجاز ذلك الحدث. صرفت أموال ضخمة من أجل تحريك هذا العدد الضخم من المندوبين الى العاصمة حيث تمت استضافة هذا العدد وقدمت له كل الخدمات من مأكل ومشرب وسكن وترحيل.
أما فى الجانب الفكري فقد تم عمل ضخم اذ تم اعداد الأوراق بواسطة عشرات من الرجال والنساء من مفكري وعلماء الحركة ظلوا يعملون ليل نهار لشهور. وعلى هامش المؤتمر تم اعداد برنامج مصاحب عبارة عن معارض ونشاطات ثقافية متنوعة اضافة الى كل ذلك فان تلك العضوية وجدت الفرصة كاملة للالتقاء ببعضها البعض (للتعارف) والتآلف وتبادل الأفكار. ثم يقضى هذا العدد ثلاثة أيام بلياليها فى نقاشات لا تنقطع حيث تم توزيعهم الى لجان لمناقشة الأوراق حيث تمخضت تلك اللجان عن عشرات التوصيات. اما هدية اللقاء فقد كانت التقاء المؤتمرين بوفود الحركات الاسلامية التى جاءت من جميع انحاء العالم الاسلامى لتعلن مباركتها لمسيرة الحركة الاسلامية فى السودان ولتستفيد من تجربتها ولتقدم هى نفسها جانباً من تجربتها للحركة الاسلامية فى السودان.
من كل ذلك وغيره يضيق المجال عن ذكره لم يجد (المفكر الاسلامى) والأكاديمى البارز والمحلل السياسى والأستاذ فى جامعة وست منستر البريطانية الدكتور عبد الوهاب الأفندى سوى انه مجموعة من (الهتيفة)! ويقول ان هذا العدد الضخم لو أعطى الواحد منهم (دقيقة) واحدة فان الزمن لا يكفى لكى يقول الواحد رأيه! كيف يفكر هذا الأكاديمى (النحرير)؟ وكيف يوزن الأمور وكيف يحلل المعلومات ثم يقدمها لتلاميذه؟ وماذا يدرس وهو بهذه الضحالة فى الفكر والهشاشة فى المنطق والخفة فى الوزن؟ أولاً من قال ان كل من حضر مؤتمراً فانه يجب أن يعطى الفرصة للكلام. ثم ان الرجل قال ذلك بعد الجلسة الافتتاحية مباشرة فكيف علم أن المندوبين لم يجدوا الفرصة للحديث بقية الأيام؟ (يمكن تكلموا جميعاً) ثم ألم ير هذا لرجل الآلاف المؤلفة من المندوبين الذين يشهدون مؤتمرات العمال والمحافظين فى برايتون وليفربول؟ هل كلهم يتكلمون؟ الم يشاهد المؤتمرات الانتخايية فى أمريكا حيث يشهد المؤتمر الواحد أكثر من (ستين ألف) شخص (فى قاعة واحدة)؟ هل يجرؤ على وصفها بأنها مؤتمرات (هتيفة)؟ كيف تم تعيين هذا الرجل محاضراً في جامعة بريطانية محترمة؟ (يمين بالله) لو كان الأمر بيدى لفصلته الليلة ولا أبالى. ولى عودة لحكاية (الهتيفة)! مالو الهتاف؟
السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

لماذا غاب مصطفى عثمان اسماعيل عن مؤتمر الحركة الاسلامية

الانتباهة 15/8/2008



{ أثار غياب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل عن جلسات وفعاليات مؤتمر الحركة الإسلامية السابع ردود فعل وتساؤلات عديدة تصاعدت بعد نهاية المؤتمر حيث اتضح أن د. مصطفى لم يكن خارج السودان كما ظن عدد من الذين سألوا عنه داخل الجلسات.. وفيما لم يتحدث د. مصطفى بعد عن أسباب غيابه يقول مقربون منه إن الدعوة لم توجه إلى مصطفى لحضور المؤتمر لاشفاهةً ولا كتابةً واستبعد مصدر مطلع داخل اللجنة المنظمة للاجتماع وجود أي ظلال لغياب د. مصطفى ورد الأمر إلى تقصير في توزيع رقاع الدعوة والبلاغ الذي لم يصل إلى عدد آخر من القيادات التي لم تحضر لذات السبب، ولم يستطع المصدر الرد على سؤال الزاوية عن تقديم المتسببين في هذا القصور إلى لجنة محاسبة. وفي ذات الاتجاه لم ينفِ محدثنا ما تناقلته مجالس الإسلاميين عن غياب د. غازي صلاح الدين عن الاجتماع لذات الأسباب حيث وصلته الدعوة في صباح بداية انعقاد جلسات مؤتمر الحركة بأرض المعارض ببري !
------------------------------
العدد رقم: 988 2008-08-14

بين قوسين
ومالو هتافنا؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-14




في مداخلات سابقة حول ما أدلى به الدكتور عبد الوهاب الأفندى (من مقر اقامته بلندن) على فضائية الجزيرة حول المؤتمر السابع للحركة الاسلامية قلت ان الرجل لم يجد ما يصف به ذلك المؤتمر المهم غير أنه مجرد تجمع لـ (هتيفة). و من سوء نية الرجل وقبح سريرته فقد اختار أقبح وصف لأطهر تجمع. ان كلمة (هتيفة) تطلق عادة على مجموعة من (الرعاع) يتم استئجارهم بالقيمة المادية ليهتفوا باسم شخص دون معرفة حتى بطبيعة المناسبة كما يحدث في استئجار (النائحة) و كما هو الحال بالنسبة للدكتور الأفندى الذى (يستأجره) مضيفوه وأرباب عمله و (أولياء نعمته) الانجليز حيث يقدمون له فتات موائدهم وبواقى طعامهم لكى يشهر بوطنه و يشتم و يسئ الى الحركة الاسلامية.
ولكن صدق من قال : واذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود. فحسناً جاء هذا (الحسود) الأفندى على ذكر الهتاف اذ أنه أتاح لنا فرصة لكى نذكر بعضا من تلك الهتافات. مالو هتافنا؟ نحن لا ولم ولن نهتف باسم فرد. اننا نهتف للفكرة : هى لله هى لله, لا للسلطة ولا للجاه. حسبنا الله ونعم الوكيل. في سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق (منا) الدماء. انها في الواقع ذكر لله وعبادة له. . ان اسم الرئيس البشير لا يرد قط في تلك الهتافات سوى " سير سير يا بشير نحن جنودك للتعمير." وهو على أية حال صار هتافاً شعبياً سارت به الركبان ويقابل به الرئيس أينما حل. وفى اعتقادى أن هذا الهتاف لم يكن في الأساس من بنات أفكار الاسلاميين بل هو هتاف سودانى تلقائى جرى على ألسنة الناس. وحتى هذا لا يتردد كثيراً. والأفندى يعلم ذلك تماماً و (يراه) ألم يقل انه (رأى) الكاميرات التى نصبت لكى تكشف الأشخاص الذين صوتوا لغازى صلاح الدين في المؤتمر السادس؟ على فكرة يا دكتور حسب معلوماتك و (مرئياتك) ما هى العقوبات التى وقعت بحق (أنصار) الدكتور غازى صلاح الدين الذين كشفتهم الكاميرات؟
واسم على عثمان لم يذكر قط في هتافات (الهتيفة) بالرغم من أنه أعيد التجديد له كأمين عام في أروع صورة من صور التأييد والحب والولاء. و الأفندى يعلم ذلك تماماً. فلماذا يقول ما قال؟ هل هو (حاقد) وكاره للحركة الاسلامية الى هذا الحد؟ (يا ريت)! ليته كان كذلك. ليته كن صاحب (غبينة) ضدها اذن لمنحناه (شرف) أن تكون له قضية تاريخية في مواجهتها حتى نقول ان له الحق في تصفية حسابه معها كالأستاذ نقد الذى تصرف بكل وطنية عندما وصلت المسألة الى (حلقوم) الوطن! الأفندى دون ذلك بكثير وقضيته بكل بساطة هى أنه اذا لم يقل هذا الكلام فمصيره سيكون كمصير الاسلاميين الآخرين كالبروفيسور جعفر شيخ ادريس و الدكتور موسى ابو مرزوق و (أبو حمزة المصرى) وهو الخروج من (الجنة) وهو أمر لا يقدر عليه الدكتور. ان الأفندى يدفع ثمناً غالياً من شرفه وكرامته. انهم (يجبرونه) على أن يبصق على (لحيته) و (........) في البئر الذى كان يشرب منه!.



السودانى
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

عندما تصبح الدولة 'الإسلامية' عبئاً على الإسلام وأنصاره

ffعندما تصبح الدولة 'الإسلامية' عبئاً على الإسلام وأنصارهfff

د. عبدالوهاب الأفندي..

في شباط (فبراير) من عام 1992، نشرت لي صحيفة 'الغارديان' البريطانية مقالة تنتقد الأوضاع السياسية في العالم العربي وتقترح الديمقراطية حلاً للأوضاع القائمة. كانت الخلفية هي أحداث الجزائر وما حدث في الشهر السابق من إلغاء للعملية الديمقراطية هناك. وقد أكدت المقالة على رفض أي تناقض مزعوم بين الإسلام والديمقراطية، مستندة إلى الحجج التي وردت في كتابي 'من يحتاج الدولة الإسلامية'، وقالت إن طريق الدول الإسلامية نحو الديمقراطية قد لايكون ممهداً، ولكن لا بديل عن سلوكه. في اليوم التالي نشرت الصحيفة رسالة من أستاذي السابق، د. بيتر وودوارد، دعا فيها إلى توجيه هذه النصائح إلى الحكومة السودانية التي أمثلها. واستغرب كيف أدعو إلى الديمقراطية في الجزائر وتونس وغيرها وأنسى السودان. ولم يتخلف ممثل الحركة الشعبية في لندن بدوره، حيث انتهز الفرصة ليبعث للصحيفة برسالة يعدد فيها مثالب الحكومة السودانية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وانقضاضها على الديمقراطية، مردداً ما قاله بيتر من ضرورة توجيه نصائحي إلى الحكومة السودانية، حيث أن الأقربين أولى بالمعروف. كنت قد ذكرت في وقت سابق أنني وبيتر كنا على خلاف في الرأي دون أن يفسد ذلك الود بيننا. ويجب أن أذكر هنا أن بيتر، مثل كثير من البريطانيين الذين عملوا بالسودان، وربما أكثر منهم قليلاً، معلق القلب بالسودان وخاصة عهوده الزاهرة في الستينات ومطلع السبعينات. وكان قد ذهب إلى السودان في منتصف الستينات مدرساً للغة الإنكليزية والتقى هناك بزوجته كارول، وحضر للدكتوراه في جامعة الخرطوم قبل أن يعود إلى بريطانيا حيث استقر به المقام في جامعة ريدينغ. ولهذا كان معارضاً بقوة لحكومة الإنقاذ بحكم علاقاته الوثيقة مع كثير من السودانيين، وكان كثيراً ما ينتقدها في الإذاعة البريطانية. وقد كان لبيتر سبب آخر لأن يكون غاضباً على الحكومة السودانية. ففي عام 1991 اختارته جامعة بيرغين النرويجيه ضمن فريق من الأكاديميين لتقييم الرابطة بينها وبين جامعة الخرطوم، وهي رابطة كانت ذات فائدة عظيمة للجامعة والسودان. وقد زارني في السفارة طلباً للتأشيرة، فقمت إزاءه بالواجب تجاه الأستاذ، حيث ذهبت بنفسي إلى القنصلية ودفعت رسوم التأشيرة من جيبي (وكانت مبلغاً زهيداً) وتأكدت من حصوله على التأشيرة خلال أقل من نصف ساعة وهو جالس في مكتبي. وبعد أيام كنت على الهاتف مع الأخ د. غازي صلاح الدين نتناقش في موضوع ما، فقال لي عرضاً: لقد أبعدنا أستاذك اليوم ومنعناه من دخول الخرطوم. فقلت له: أتدرون أي كارثة اجترحتم؟ أرجوك لو كانت هناك إمكانية لاستدراك هذا الأمر أن تفعلوا، لأن الأمر له علاقة بجامعة الخرطوم التي ستتضرر بما لاحدود له. فأخبرني أن الوقت قد فات لذلك، لأنه أعيد في نفس الطائرة الفرنسية التي وصل عليها، وعلل ذلك بانتقاداته المتكررة للحكومة في الإذاعة.
وبالفعل اتصل بي بيتر ليخبرني بما حدث، وكتب للسفير محتجاً، مذكراً بأن علاقته بالسودان كانت تمتد لربع قرن. وقد اعتذر له السفير، ودعوته بدوري إلى منزلي حيث اعتذرت له. وبعد بضع سنوات من هذه الحادثة قامت الحكومة بتصحيح الأمر، ودعت بيتر إلى السودان على حسابها وسمحت له بإلقاء محاضرات في مواقع عدة داخل وخارج الخرطوم. ولكن الضرر كان قد حصل، وتم إلغاء الرابطة بين بيرغن والخرطوم. لهذا كانت لبيتر مبرراته حين كتب ما كتب، وفوق ذلك لم يكن مخطئاً. فهو لم يكن على علم بالنقاشات الداخلية الدائرة حول مستقبل الوضع، ولم تكن حجة أن نقول أننا كنا بالفعل نقدم نفس تلك النصائح للحكومة السودانية عبر قنواتنا الخاصة. فالأفعال أبلغ من كل قول. وإذا كنا جزءاً من حكومة ترتكب أجهزتها الانتهاكات والاعتقالات للمعارضين، فإن أي حديث لنا عن الديمقراطية والحريات يصبح لا معنى له. كانت هذه الواقعة مدعاة للتأمل، حيث أدركت حتى قبل حادثة الشيخ الترابي التي تعرضت لها في مقالة سابقة، بأننا قد تم إسكاتنا كمفكرين إسلاميين، وأصبحنا رهائن في يد من أسماهم الشيخ 'إخواننا الصغار'. وقد كنت طرحت قضية الممارسات الأمنية مع الشيخ الترابي عدة مرات، ولست في حل من الإفصاح عن كل ما قاله لي حولها، ولكنني أشير إلى نقطتين أثارهما علناً أو عبر آخرين. الأولى هي ما ذكره في مقابلة مع جريدة 'الحياة' اللندنية في أيار (مايو) 1992 من أن المحامي الذي أثار قضية التعذيب أثناء محاضرته قد افتعل الحادثة، وأن ما حدث لرجله لاعلاقة له باعتقاله، وإنما كان مصاباً بالسرطان. والثانية هي ما نقله عنه الأخ د. التجاني عبدالقادر من وصفه لقادة الأجهزة الأمنية بـ 'إخواننا الصغار' واستصغاره لدورهم، وهو تعليق سمعته منه أيضاً. وفي نظري فإن هذا التوصيف فوق أنه غير دقيق، فيه تحمل كامل للمسؤولية عن أفعال هؤلاء الإخوة الصغار التي بفضلها حبطت كل مساهمات الشيخ في مجال تجديد الفكر الإسلامي وأصبحت بلا قيمة. كنا بالفعل نواجه إشكالية إزاء تمسكنا بنموذج حلم للدولة الإسلامية، نراها تجسيداً لقيم الخير والحق والعدل في مواجهة ممارسة هي نقيض ما حلمنا به ودعونا له. وقد كنا نعيش في أول الأمر على أمل أننا قادرون على تغيير هذا الواقع، ولكن بدأ يظهر لنا تدريجياً أن قدرتنا على التأثير في الأمور لم تكن بالقدر الذي كنا نحسب. فكنا أما ثلاثة خيارات: إما أن ننجح في تغيير الواقع حتى يصبح قريباً من المثال بدرجة يمكن لنا أن نفخر به، أو على الأقل نكون قابلين به، أو أن نقبل بالواقع كما هو، إما يأساً من الإصلاح أو حرصاً على المصالح الشخصية. أو أن نبتعد عن النظام لنحتفظ بصدقيتنا كمفكرين ندافع عن الإسلام وقيمه ونقائه. لم يكن القبول بالواقع وارداً، فركزنا جهدنا على الضغط باتجاه الإصلاح. وكانت لنا آمال كبيرة بإحراز تقدم. فقد كان الإخوة القائمون على الأمر أناساً عرفناهم منذ عقود، وكان معظمهم أصدقاء مقربين نثق في نياتهم وتجردهم. ولم نستصعب أن يقتنعوا بوجهة نظرنا التي لم نكن ننفرد بها، بل كان يشاركنا إياها أغلبية أهل الصف الإسلامي. وكنا ننسب الصعوبات التي يلاقونها إلى إشكالات البداية وقلة الخبرة بشؤون الحكم والضغوط الخارجية والداخلية، وعلى رأسها الحرب الأهلية وتبعاتها. وإزاء هذه القناعة أخذ الانشغال بجهود إحلال السلام في الجنوب يحتل سلم أولوياتي، وهو انشغال بدأ بمقالتي في 'أفريكان أفيرز' عام 1990 واستمر مع مبادرتنا المشار إليها في كانون الثاني (يناير) من عام 1992 ثم مع جولات مفاوضات أبوجا وما أعقبها، وهو موضوع سأتناوله إن شاء الله في مكانه. ومع ذلك فإن التذرع بالصعوبات والحصار لا يمكن القبول به حين يتعلق الأمر بتجربة إسلامية، لأن التجربة المثال التي يقاس عليها، وهي تجربة العهد النبوي والخلافة الراشدة، ضربت المثل للعالم في السلوك الأخلاقي في وقت كان فيه المسلمون يواجهون الحصار وخطر الإبادة الجماعية. وكان من المفترض في أي تجربة إسلامية أن تكون بممارساتها دعوة للإسلام وإظهاراً لمحاسنه، لا أن تكون صداً عنه. وفي ظل استمرار الممارسات غير المبررة إسلامياً بذرائع مختلفة، اخذت تتبلور لدي قناعة بضرورة التخلي عن الصفة الدبلوماسية حتى تتاح لي حرية أكبر في التعبير عن نفسي، وحتى لا أحمل أثقال الممارسات التي تناقض ما نؤمن به وندعو له. ذلك أن الصفة الدبلوماسية، حتى في غياب وجود خلاف فكري، تقيد حرية التعبير والنشاط الفكري. صحيح أنه كان هناك في معظم الأحيان شيء من التوافق والدعم المتبادل بين وضعي الدبلوماسي ونشاطي الفكري. فكما ذكرت سابقاً، كان لكتاباتي الأكاديمية حول شؤون السودان دور في إنجاز مبادرتنا الأولى نحو السلام. وفي الأعوام 1990-1993 شاركت في مؤتمرات في فيلاديلفيا، وييل ومجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ومعهد السلام في واشنطن ومركز كارتر في أتلانتا، وجامعات أوبسالا وكوبنهاغن وهلسنكي وكامبريدج ودرهام. وكانت معظم هذه اللقاءات تتناول قضايا إسلامية عامة، مثل دور الحركات الإسلامية في العملية السياسية، أو دور الدين في فض النزاعات، أو حوار الأديان أو علاقة الدين بالدولة، بينما كان القليل منها يتناول موضوع السودان تحديداً. وعليه فقد كنت أدعى في الغالب لهذه اللقاءات ليس بصفتي الدبلوماسية، بل رغماً عنها. وفي صيف عام 1993 أفضيت للأخ الصديق علي محمد عثمان ياسين وكيل وزارة الخارجية بنيتي في الاستقالة فلم يقبل، بل إنه بالعكس قام باستصدار قرار رئاسي يقضي بتحويلي إلى وظيفة دائمة في السلك الدبلوماسي، بعد أن كنت معاراً للخارجية من وزارة الإعلام حسب الترتيب البيروقراطي. وقد حدث بعد ذلك تطور غير متوقع جعلني أنزل على رغبته. فقد تم تعيين علي سفيراً في لندن. وكنت سمعت بهذا من القرار من الشيخ الترابي أثناء محادثة هاتفية معه واعترضت عليه قائلاً إن علي كان أفضل وكيل مر على الوزارة وأن نقله سيكون خسارة كبيرة، خاصة أنني علمت منه أنه لم يكن يرغب في هذا المنصب بسبب وضعه الأسري. فقد كان علي دبلوماسياً مطبوعاً وإدارياً مقتدراً. وكان نقله تعبيراً آخر عن الأوضاع غير السوية التي كانت تواجهها الدولة.
فقد وقع علي ضحية الصراعات التي كانت تدور وقتها بين قطاعات السلطة الظاهرة والخفية، حيث واجه اعتراضات من يسمون نفسهم بالوحدة التنظيمية داخل الوزارة، وماكانوا يقومون به من تصنيف للدبلوماسيين إلى أعداء وأولياء، وهي تصنيفات رفضها وقرر أن يتعامل بشفافية وحرفية مع الجميع. من جهة أخرى فقد واجه أيضاً تعنت جهات تدعي أيضاً صفة تنظيمية وتصر على التدخل في شؤون الوزارة من خارجها. وقد كانت القشة الأخيرة قراره أن يلتقي مدير مكتب الرئيس المصري أثناء وجوده في القاهرة في عطلة في وقت كانت فيه بعض الأوساط تريد التصعيد مع مصر، فصدر قرار إبعاده عن الوزارة. وحينها طلب مني أن أبقى على الأقل حتى يصل لتسلم مهام منصبه في السفارة حتى يستعين بخبراتي خلال الأشهر الأولى فقبلت بحكم الصداقة التي تربطنا، وأيضاً لأننا كنا منهمكين في مفاوضات السلام التي لم تكن وصلت لنتيجة بعد. في نهاية عام 1993 دعيت إلى مؤتمر آخر في جامعة ييل، هذه المرة يتناول قضية الإسلام وحقوق الإنسان حيث قمت بتقديم ورقة حول الموضوع. ولهذا المؤتمر قصة سأحكي تفاصيلها في وقت لاحق، ولكنني توصلت في نهاية ذلك اللقاء إلى قناعة بأنني لا بد أن أختار: هل أريد الدفاع عن الإسلام أم عن الحكومة السودانية؟ فقد كنا في ذلك الملتقى كلما أردنا أن نقول: هذا هو موقف الإسلام في هذه القضية، رد الحضور بالقول: ولكن الحكومة السودانية تفعل كذا وكذا وهو يخالف ما تقولون. ولم يكن لدي أدنى حرج في أن أقول بأن الممارسات السودانية تخالف الإسلام. الإشكال ليس فقط أن مثل هذا الانتقاد يطرح إشكاـلية لدبلوماســي في الحكومــة المذكــورة، بل أصبح يطرح إشكاليات لكل مفكر وناشط إسلامي. فحين كنا نشارك في لقاءات لحوار الأديان أو لبحث أوضاع الدول الإسلامية التي تضطهد الإسلاميين، كان خصوم الإسلاميين من الحضور يستندون في تبرير ضرورة حرمان الإسلاميين من العمل السياسي بالاحتجاج بأن الإسلاميين لو جاءوا إلى السلطة سيمارسون الدكتاتورية والإقصاء 'تماماً كما يفعلون في السودان'. فلا يصبح أمام هؤلاء إلا أن يتبرأوا من تجربة السودان وينفوا أنها تعبر عن قيم الإسلام الصحيحة.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن qra

القدس العربى 19/8/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

مقال منع من النشر فى صحيفة الصحافة ..

حول انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية

اللعب على الحبلين!! (2-2)


أنهت الحركة الإسلامية أعمال مؤتمرها السابع، وأعلنت بيانها الختامي في حشد كبير من اتباعها، في الظروف الحساسة التي اشرنا اليها .. ولم يخرج المؤتمر برؤية جديدة، يوحد عليها الاسلاميين، ولم يتبنى الرؤية التقليدية المعروفة ، وفضل ان يتطرق الى القضايا الهامة، بشعارات، وخطب ، إنشاء جميل، تزينه بعض الآيات القرآنية ، وبعض الاحاديث النبوية الشريفة، والأدعية المأثورة، وردت متفرقة هنا وهناك، في استحياء، واقتضاب، وكأن الحركة الاسلامية، تريد ان تذكر الشعب، بانها لا زالت لها علاقة بالاسلام ، ولم تصبح، بعد، حزباً سياسياً، لا توجهه غير المصالح المباشرة .

ولما كانت قيم الدين الحقيقية غائبة عن فكر الحركة الاسلامية، وعن ممارساتها، فقد وظفت هذه الآثار الدينية، في الثناء على النفس، والدعاوى العريضة، بأفضلية الحركة، بدلاً من النظر للتقصير، وعيوب العمل .. فقد جاء في البيان الختامي (إنعقد المؤتمر السابع للحركة الإسلامية السودانية تحت ظلال الآية الكريمة "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" هذه الوسطية التي تميزنا وتميز دعوتنا والتي تدفع بنا الى البشارة التي خصنا الله بها: الخيرية والاصطفاء: "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله") (الرأي العام 10/8/2008م). هذا ، مع ان البشارة الإلهية ، دائماً، مرتبطة بشروطها .. فالوسطية شرطها شهادة الحق على النفس، وعلى الناس ، بما فيهم إخواننا ، وأعضاء تنظيمنا .. والخيرية شرطها الأمر بالمعروف للنفس أولاً ، ولمن عداها ثانياً ، والنهي عن المنكر للنفس أولاً ، ولمن عداها ثانياً .. فهل فعل اعضاء الحركة الاسلامية طوال تاريخهم هذا؟! هل قاموا بالنقد لسلوك افراد من التنظيم ، وحاسبوهم ، أو فصلوهم عن التنظيم؟ وحين شب الخلاف بين اعضاء الحركة الإسلامية ، وانقسموا الى وطني، وشعبي، هل تناصحوا بالحسنى ، وأمروا بعضهم بالمعروف بالكف عما فعلوا؟ أم انهم جنحوا الى الاساءة، وفجروا في الخصومة ، حتى بلغوا سب مرشدهم ، ووصفه بابشع الأوصاف ، وايداعه السجن، كما قام هو أيضاً ، باتهام تلاميذه السابقين بالفساد ، والاجرام ، ووصفهم بأسوأ الاوصاف؟! فاذا كان هذا الحال البعيد عن أخلاق الإسلام ، هو تعامل الحركة الاسلامية مع قادتها وزعمائها، وكبار تلاميذهم، فكيف يكون تعاملها مع من تظن انهم خصومها واعدائها؟

ولقد كان كثير من المواطنين، يأملوا ان يقوم المؤتمر في اطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بطرح قضية الفساد .. ويحاسب اعضاءه الذين ضلعوا فيه ، وهم المسؤولون في المصالح والمؤسسات الحكومية ، التي أكد تقرير المراجع العام، على وجود الفساد فيها .. فلا يمكن ان يكون أعضاء الحركة الإسلامية "خير أمة أخرجت للناس" وفساد المؤسسات وهم على قمتها يزكم الأنوف!! لماذا لم يكون المؤتمر لجنة من داخله ، تنظر في قضايا الفساد ، وتساءل الاعضاء الذين كانوا قبل الإنقاذ فقراء ، من أين اثروا هكذا وبهذه السرعة؟ لماذا لم يطلب مؤتمر الحركة الاسلامية ، من اعضائها الذين اصبحوا ولاة ، ان يكفوا ايديهم عن المواطنين ، وان يعيدوا معاشات المعلمين ، وان يرجعوا المفصولين؟!

ولم يتطرق المؤتمر للتقارير الدولية ، التي صنفت السودان ، تحت قيادتهم ، من اكثر دول العالم فساداً، كما لم يتطرق للحالة العامة ، من انتشار الفقر، وتزايد ارتفاع السلع، وارتفاع نسبة التضخم، والعطالة، وتدني التعليم ، وارتفاع تكلفته ، وارتفاع تكاليف العلاج، وتفشي الأمراض ، والأوبئة ، وفقر المستشفيات العامة ، وغلاء الخاصة ، واضطرار المواطنين المرضى للسفر للأردن، او مصر للعلاج . وكلما زاد انتاجنا من البترول ، وزاد ارتفاع سعر البرميل عالمياً ، كلما ازددنا فقراً ، وازداد اعضاء الحركة الاسلامية تخمة .. فلماذا لم يناقش مؤتمرهم ، هذا الوضع الغير متسق مع الاسلام، ولو من باب النقد الذاتي؟!

ومثل أي عمل من اعمال الحركة الاسلامية ، جاء بيانهم متناقضاً مع نفسه ، ومتأرجحاً بين المواقف المتضاربة ، فقد أشاد البيان بمن قتلوا في حرب الجنوب ، واعتبرهم شهداء .. فقد جاء في مقدمة وثيقة المؤتمر (ولا ينسى هذا المؤتمر أخوة كراماً اصطفاهم الله وأكرمهم بالشهادة و "يتخذ منكم شهداء" قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله فهم معنا الآن لأنهم احياء عند ربهم يرزقون أرواحهم ترفرف في جنبات هذا المؤتمر) (المصدر السابق) . وفي الفقرة 3 من نفس البيان جاء (تمد الحركة يداً بيضاء وتسعى بعقل منفتح للحوار والتواصل مع الحضارات والثقافات الأخرى لتحقيق القيم الانسانية العليا التي تعزز السلام وتوفر العيش الآمن المشترك بين الشعوب، والمجتمعات لتحقيق رفاه الانسان وحفظ حقوقه)(المصدر السابق) . فإذا كان من قتلوا في حرب الجنوب ، من اعضاء الحركة الاسلامية ، شهداء، فان هذا يعني بالضرورة ، ان تكون تلك الحرب حرب إسلامية صحيحة ، فلماذا تنازلت الحركة الإسلامية عنها ، وقبلت بأن تسالم من قتلوا ابناءها ، الذين تعتبرهم شهداء؟! واذا كان الحوار والتواصل مع الثقافات الأخرى ، لتعزيز السلام معها ، هو العمل الصحيح دينياً ، فلماذا نبذته الحركة وراء ظهرها، وخاضت الحرب؟! لماذا لم تلتزم به ابتداء ، لتحفظ موارد البلد ، وارواح ابناءها، الذين خاضت بهم حرب جائرة ، لا مبرر لها، ثم لما قتلوا بسبب خطأ حركتهم ، جاءت هذه الحركة نفسها التي اجرمت في حقهم ، لتحدثنا بانهم شهداء!! إن الحبلين الذين تلعب عليهما الحركة الإسلامية هنا ، أحدهما حفظ قاعدتها العريضة ، بتصوير حربهم في الجنوب ، وكأنها حرب اسلامية ، تعتبر الذين قتلوا فيها شهداء .. والحبل الآخر، تحسين وجهها أمام الرأي العام العالمي ، والمجتمع الدولي، والأقليمي ، والواعين من اعضاء التنظيم ، باظهار الحركة الاسلامية ، وكأنها حركة سلام ، وانفتاح على مختلف الثقافات ، والتواصل معها بغض النظر عن المعتقد!!

ومن اول توصيات مؤتمر الحركة الاسلامية (المواصلة في توثيق تاريخها وادبياته الإجتهادية والفكرية والعلمية) (المصدر السابق) . ونحن نتساءل هل تملك الحركة الاسلامية السودانية ، اجتهادات فكرية، غير اجتهادات الترابي التي ادانته بسببها؟! وهل ستسجل اجتهادات الترابي ، من ضمن تاريخ الحركة الاسلامية ، أم تعتبرها خارجة عن فكر الحركة الاسلامية، لمجرد الاختلاف السياسي بين الشعبي والوطني؟!

ومن القضايا التي اعتبرها مؤتمر الحركة الاسلامية هامة، وعاجلة، قضية دارفور، اذ ذكر انه يتبنى (مبادرة رئيس الجمهورية ووجه نداء اسلامياً لصف الحركة الملتزم من ابناء دارفور ونناشد كل قطاعات المجتمع من احزاب وقيادات اجتماعية ومنظمات مجتمع مدني والحركات الحاملة للسلاح ان يرعوا حق الله واخوة الدين وعهد الوطن عصمة للدماء والاعراض والاموال) (المصدر السابق). ورغم ان الدعوة الى نبذ العنف، وحقن الدماء ، وحفظ الحرمات ، دعوة رشيدة ، لا يمكن لعاقل ان يرفضها، الا انها قد جاءت متأخرة كثيراً .. ولعل أهالي دارفور، كانوا يتوقعون من الحركة الاسلامية اكثر من ذلك ، إحقاقاً للحق ، وارساء لقيم العدالة ، التي يوفرها القصاص، الذي قال تعالى عنه (ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب) . فلقد كان اجدر بالحركة الاسلامية ، من منطلق الاسلام نفسه، ان تدين ما حدث في دارفور، منذ وقوعه ، وتتبرأ منه ، وتدعو لمحاكمة علنية للجناة ، الذين تلطخت ايديهم بدماء الأبرياء .. إن موقف الحركة الاسلامية الضعيف من قضية دارفور، مكن أحد اعضاء حزب المؤتمر الشعبي البارزين من نقدها حيث جاء (وأوضح ان الحركة الاسلامية لم تعلن ادانتها لما فعلته حكومة البشير في دارفور من ابادة وقتل وتشريد وحرق للقرى)... وقال (لم يفتح الله لهم بكلمةعن ما يحدث في دارفور طوال هذه الفترة الا بعد اتهام البشير) (الشرق الأوسط 8/8/2008م مقابلة مع علي الحاج مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي) . ورغم ان حديث د. علي الحاج غير مبرأ من الغرض، بسبب الصراع بين الشعبي والوطني، الا ان حديثه عن تقصير الحركة الاسلامية، وصمتها عن ما حدث في دارفور حق لا مراء فيه.
جاء في تأكيدات بيان مؤتمر الحركة الإسلامية (نؤكد اننا حركة دعوية وفكرية وجهادية واجتهادية نسعى لاقامة الدين كله وندعو الى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة) (المصدر السابق) . والتناقض الذي ينم عن الجهل بالدين في هذه العبارة ظاهر، اذ لا يمكن ان تجمع جماعة بين الجهاد، والدعوة بالتي هي أحسن .. لأن الدعوة بالحسنى ، تشمل حرية الاعتقاد. قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). والجهاد لم يقم ، الا بعد نسخ الحسنى ، واحكام السيف، قال تعالى (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)!! فاذا ارادت الحركة الإسلامية ، اتباع الدعوة بالحسنى ، فيجب عليها بعث آياتها المنسوخة، واحكامها .. وهذا يقتضي بالضرورة نسخ الجهاد ، وتعطيل حكمه ، وهذا هو تطوير التشريع ، الذي دعا اليه الاستاذ محمود محمد طه ، والذي لن تجد الحرك الاسلامية في السودان، او غيره، عنه مندوحة، سواء اعترفت بذلك، أم لم تعترف . وانا لا اريد ان اقف عند هذا الآن ، ولكن ما يهمني، من عبارة مؤتمر الحركة الإسلامية، هو المفارقة الكبيرة للصدق ، حين وصفوا حركتهم بانها تدعو بالحسنى ، مع انها حركة عنيفة، أشتهرت بالمبادرة بالعنف، حتى وسط الحركة الطلابية ، وكانت أول من ادخل السيخ والمدى، لحسم الخلاف الفكري بالجامعات ، ومارست العنف على الافراد والجماعات، وحين وصلت السلطة، مارست كبت وتعذيب خصومها، وقتل الابرياء، والعزل داخل السجون.

وإذا اردت ان تسمع الى كلام منمق، جميل، خالي من الصدق، فاسمع الى بيان الحركة الإسلامية، يقول (تسعى الحركة الاسلامية لتحقيق النهضة الاقتصادية القائمة على مبادئ العدل الاجتماعي وهدي الاسلام وتوفير سبل الحياة الكريمة المبنية على التكافل والتراحم والمحققة لعفة الفقراء والارامل والايتام واصحاب الحاجات) فاذا كانت الحركة الإسلامية تفعل كل هذا ، فمن أحال الشرفاء للصالح العام وشرد اسرهم وعين في اماكنهم الموالين للحكومة؟! لقد ذكر الاستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس المؤتمر الوطني - والذي اختارته الحركة الاسلامية أميناً عاماً لها في هذا المؤتمر – في مناسبة عقد المؤتمر الوطني بالقضارف (إن الانقاذ كانت توظف الناس في الخدمة العامة على اساس الولاء لتثبيت أركان نظام الحكم) (الصحافة 6/4/2008م). فهل هذا هو العدل الإجتماعي؟! وهل توفر الحركة الاسلامية عفة الفقراء والارامل بمثل تصريح وزيرة الشئون الإجتماعية بمنع بائعات الشاي؟!

إن أهم ما ورد في مؤتمر الحركة الإسلامية، وجاء في بيانها الختامي، هو ( تلتزم الحركة الإسلامية بالاتفاقيات وبالعهود والمواثيق التي ابرمت والتي تؤسس للاستقرار والتعايش في وطن يسع الجميع) (المصدر السابق). إن هذه الاتفاقيات ، والعهود، تتضمن اتفاقية السلام الشامل، والدستور الانتقالي، الذي نص على الإنسجام التام مع المواثيق الدولية، لحقوق الانسان، وهي تعني فيما تعني، بسط الحريات العامة، ورفع الرقابة عن الصحف، واعطاء كافة الأحزاب، والجماعات الفكرية، فرصة في وسائل الاعلام القومية، والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وكافة القوانين واللوائح التي تتناقض مع الاتفاقية ومع الدستور، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين .. بغير هذا لن يتم استقرار، ولن يتم تعايش، ولن يسع الوطن الجميع .. فمتى تتبع الحركة الاسلامية، والمؤتمر الوطني، والحكومة، القول بالعمل؟!

د. عمر القراي
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الحركة الإسلامية .. خرج الطعام وبقي السُحت



سالم أحمد سالم/باريس
[email protected]

الحركة الإسلامية السودانية عقدت مؤتمرها وانفض سامرها إلى حين مؤتمرها القادم إن كان لها أن تعقده. وقد تابعت ركاما كثيرا كتبته الأقلام المعبأة بحبر الحكومة (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة، الآية 79. هؤلاء كفانا الله مؤونة الحديث عنهم، فلا مزيد بعد كلام الله. ثم هنالك من حاول تفنيد النتائج التي انتهى عندها مؤتمر الجماعة مثل عدم تناول القضايا الملحة وفوز علي عثمان بالنمرة الكاملة، وإلى ذلك. على أن كل ما كتب قفز فوق البديهيات وتجاوزها، ولم يمر الكتبة على البديهيات حتى مرور الكرام!. لذلك سوف أقوم أنا بهذه المهمة، مهمة الكتابة عن البديهيات. أكتب عن البديهيات لأنني على يقين أن من البديهيات ما يفوق في الأهمية تلك الأمور العظام التي بحث الناس عنها في ما بعد أو وراء البديهيات. والبديهيات في تقديري الخاص ليست التفاصيل. فالرقم "واحد" بديهية والمليون والمليار تفاصيل للواحد. فكل عدد بعد الرقم "واحد" هو تراكم لهذا الواحد، أي تفاصيل له. بمعنى أننا إذا طفقنا نعد من واحد حتى نصل إلى العدد مليون نكون فعلا قد غرقنا في التفاصيل وأهدرنا الوقت. لذلك أجد الفرق عظيما بين البديهيات وبين التفاصيل. ولا أجزم أن الزعيم الصيني ماوتسي تونغ كان يقصد هذا المعنى تحديدا عندما قال "إن مسيرة المليون ميل تبدأ بخطوة واحدة"، لكنه أدرك بالتأكيد أن تراكمات الخطوة الواحدة قد تصل إلى مليون ميل.. وصولا إلى ذلك المنتهى حيث يكون النجاح. ثم إن إسحق نيوتن قدم لنا الحقيقة العلمية لجاذبية الأرض لمجرد أنه توقف عند بديهية سقوط التفاحة من الشجرة إلى أسفل. سقوط التفاحة كان تلك البديهية التي تجاوزها الناس إلى جمع التفاح!

طبعا مؤتمر الحركة الإسلامية لم يسقط على الناس تفاحا لأنه لا توجد شجرة في الأساس، ولم يسقط المؤتمر على الناس بصلا, فقد دخل البصل من زمن بعيد في سوق الندرة وإن تكدس في مخازن بعض الذين شاركوا في المؤتمر. وبرغم ذلك لابد لي من أن أبدأ بالبديهيات، وأول البديهيات أن عدد المشاركين في المؤتمر بلع أو بلغ خمسة آلاف شخص. وطبعا هؤلاء الخمسة ألف ناموا في فنادق على سرر وثيرة، متقابلين أو متدابرين سيان، وأكلوا ما لذ وطاب وشربوا العصائر والكولا والشاي الذي هو على مزاجك والقهوة ذات النكهة.. إلى غير ذلك مما كان مزاجه كافورا أو جنزبيلا. ثم إن المؤتمر انعقد في قاعات كبيرة وثيرة مبردة ومضئية ومزودة بأنواع الخدمات بما فيها من بوفيات مفتوحة للمؤتمرين مغلقة أمام غيرهم، ومراحيض ومايكروفونات وتسجيلات، والعمال الذين يقومون على الخدمة أثناء وبعد الجلسات. من الذي دفع قيمة كل هذا الانفاق ؟.

وبما أنني أمسك بتلابيب هذه البديهيات، فسوف تجيبونني بصوت واحد: طبعا الحكومة هي التي دفعت. إذن سوف نستمر في تفكيك هذه الإجابة البديهية ونسأل جملة أسئلة لا تقل بديهية وسذاجة عن سؤالنا السابق: من أي مال دفعت الحكومة ؟ هل للحكومة مال خاص بها اسمه "مال الحكومة" أم أن الحكومة دفعت من الخزينة العامة التي تحت عهدتها، أم أنها دفعت من مصدر آخر ؟. .

إذا دفعت الحكومة التكلفة من الخزينة العامة فلا داعي لباقي الأسئلة.

أما إذا قالت الحكومة أنها دفعت من مالها الخاص، لابد أن نسألك يا حكومة من أين لك يا حكومة هذا المال؟!. أنت يا حكومة وعلى مدى عقدين من عمر هذا الشعب تأكلين وتشربين وتنفقين وتتجملين وتذبحين وتنحرين وتسهرين، هل ذلك من أموال جئت بها ليلة القبض على السلطة، أم أنك يا حكومة تنفقين من أموال تخص الخزينة العامة ؟.

أما إن قلت يا حكومة أنك تنفقين من أموال الخزينة العامة، فلا داعي لباقي الأسئلة.

أما إن زعمت يا حكومة أنها أموال اقترفتموها قبل ليلة القبض على السلطة، فلا نقول لك نعمّىا هي، بل نقول لك يا حكومة واحد من اثنين: إما أنك تكذبين، فالكل يعلم أنك يا حكومة جئت على ظهر دبابة. يوم كان طواف دباباتك حول "حرم" الحكم مكاء وتصدية. لم يكن في يدك كيسا من الدنانير تنثرينها على الناس ابتهاجا بمولود سلطانك الذي كان توءما سياميا قبل فصله في جراحة المفاصلة الرمضانية الشهيرة. فإن قلت يا حكومة أنك جئت بأموالك فسوف تكونين مثل ذلك الرجل الفقير الذي أصابه الغنى المباغت فأنساه المال نفسه حتى قال لجيرانه الذين يعرفونه أيام فقره أنه ورث المال عن أبيه عن جده عن أسلافه الأغنياء!. لذلك أوصيك يا حكومة أن لا تكذبي بهذه الصورة المفتشرة. سوف نساعدك ونفتح لك ثغرة تمرين بها بين الكذب وبين مال الخزينة العامة. ثغرة تشبه ثغرة الدفرسوار التي فتحها الجيش الإسرائيلي للجيش المصري!. قولي يا حكومة أن أغنياء الحركة الإسلامية (ومترفيها الذين أمرهم الله) ومصارفها وبيوتها المالية هم الذين مولوا الإنفاق على مؤتمر الحركة الإسلامية. بمثل هذا القول سوف يحالفك التوفيق وتكونين في مفازة من الكذب المفضوح، ولسوف نقنع أنك يا حكومة لم تمولي مؤتمر الحركة الإسلامية من أموال الخزينة العامة.

أما إن كذبت الحكومة، فلا داعي لباقي الأسئلة،

وأما أن قالت الحكومة أن مترفيها ومصارفها هم الذين مولوا المؤتمر، فإن هذه الإجابة تعيدنا بضع عقود إلى الوراء، إلى منتصف سبعينات القرن الماضي. في ذلك الأوان بدأ تنامي مصارف الحركة الإسلامية وبيوتها المالية وشركاتها القابضة. كلها قابضة لأنها قبضت على عنق الاقتصاد الشعبي وغرست أنيابها في وتينه، ثم مصّت محتوياته إلى أمعاء غليظة عميقة تهضم كل ما دخلها من زرع ورع وأطفال. اختفت الذرة ولبن الأطفال والحديد والخشب والأدوية والأمصال والبصل والفول والتمر والدخن واللحم السمين بدأ رحلة الهجرة مبرّدا أو على أربع وسائر المواد الغذائية التي يتقوتها المواطن العامل والموظف والتلميذ والأمهات حتى غرزن غير حبالى وتحولت ضروعهن إلى مضغة تعافها نفوس الأطفال فلاذوا بالصراخ حتى شبعوا موتا. (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة، الآية 74. (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) القرة، الآيات 204 ،205 ،206.

إذن فقد ضربت الحركة الإسلامية بعصاها البلد فتحول كل ما ذكرنا إلى أربطة وكراتين وأرقام من العملات الحرة وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة والأسهم والسندات. ومن ذلك الزمن تهشمت هياكل الاقتصاد التقليدي وتحول الاقتصاد من حالة الإنتاج النامي إلى المضاربة. كل شيء يباع ويشترى، تسمع جعجة البيع والشراء لكن لا ترى بضاعة ولا إنتاجا. (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة، الآية 188. ومنذ ذلك الزمن ضربت الحركة الإسلامية بعصاها فانفلق الشعب إلى فئة قليلة تملك كل شيء وغالبية ساحقة مسحوقة معدمة. فقد تهشمت الطبقة الوسطى عماد النهضة بسبب الاحتكار والغلاء والتشريد، فتهاوت الطبقة الوسطى فتوسعت قاعدة الإملاق... حتى حصل السودان على "حالة من العدل في الفقر والمسغبة" لم يسبقه عليها شعب. وبعد ليلة القبض على السلطة جاءت التي اسمها "سياسة تحرير الاقتصاد" التي استعبدت الناس إلى يوم الناس هذا. أما ما تبقى بعد الحريق من هشيم وغصون ذابلة وسيقان جرداء، فقد نفشت فيها طفيليات الحركة الإسلامية. تلك إذن هي مصادر أموال ومليارات مترفي الحركة الإسلامية ومصارفها وبيوتها المالية التي مولت وأنفقت على مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير. (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) سورة التوبة، آية 35. (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا) النساء الآيات 37، 38.

فإذا مولت الحكومة مؤتمر الحركة الإسلامية من الخزينة العامة فهو مال الشعب، وهو مال للكافة وليس للخاصة. وإن تمول المؤتمر من أموال مترفي ومصارف الحركة الإسلامية فهي أموال منهوبة من دموع الأطفال والجوعى من الآباء والأمهات. أنى تولوا وجوهكم يدرككم حق الشعب. الظلم وأكل الحقوق تنزعان الدين نزعا. الإنفاق على المؤتمر من مال الشعب (الخزينة العامة) حرام وخيانة أمانة وسرقة ليس فيها تعزير. والإنفاق على المؤتمر من مال مترفي الحركة الإسلامية ومصارفها حرام في ظلل من حرام. ولن تناكفني الحكومة جهرا أن أكل الحرام هو السحت لا غير، وأن كل ما نما من سحت فهو إلى النار. أولم تسمعوا أيها المؤتمرون بحكاية الخليفة الراشد الذي تقيأ لمجرد الريبة في لقمة واحده ازدردها؟. أولم تسمعوا يا جماعة الحركة الإسلامية بحكاية الخليفة العادل عمر وهو يطلب السماح من المسلمين "كافة" بسبب دريهمات وصلته بغير علمه من بيت المال؟. لقد والله أكلتم سحتا وشربتم سحتا في مؤتمركم هذا. سحت لا مجال لتقيؤه، فقد خرج الطعام وبقي السحت (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) المائدة الآية 62، فسارعوا إلى مغفرة من ربكم (وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) سورة البقرة، آية 48. أكل حقوق الغير ظلم والظلم معادل للشرك بالله (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) سورة لقمان, الآية 13.

ها أنتم ترون أن سوقنا للبديهيات كاد يخرجكم عن الملّة وقد نزع عن مؤتمركم صفة "الإسلامية" نزعا بالحق، فأصبح "مؤتمر الحركة" فقط لا غير كغيركم من الحركات التي تعقد مؤتمراتها. وفوق ذلك ها أنتم مدينون للشعب السوداني بإيداع ما أنفقتموه على مؤتمركم. فإن كنتم تريدون إلصاق صفة "الإسلامية" إلى جماعتكم ومؤتمركم القادم، فإن أول خطوة لا محالة هي رد الحقوق إلى أهلها ورد المظالم إلى أهلها ورد السلطة إلى أهلها، ورد المطرود إلى عمله، ورد الحليب إلى الأطفال، والله لا يهدي القوم الظالمين. وليس من باب الصدف أن غالبية مترفي سودان اليوم هم من رهط الحركة الإسلامية.

أنتم الآن أمام مفاضلة بين أمرين: إما رد الحقوق والظلامات مقابل إلصاق صفة "الإسلامية" بجماعتكم ومؤتمركم والله يحكم فيكم بعد ذلك، أو أن تحتفظوا بما اقترفتموه من أموال وحقوق وسلطان كاعتراف قاطع بتخليكم عن صفة "الإسلامية" ولكم ما اخترتم. (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة الآية 24. لم يجمع الله في قلب امرئ بين الظلم وبين الإيمان الحق، أو بين الإيمان وبين ازدراد حقوق الناس وأكل السحت.

الزور قولا وفعلا من البديهيات المتداولة. فقد ورد في النص القرآني، الآية 72 من سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، ثم قوله تعالى في سورة الحج، الآية 30 (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). قد أصبح النهي عن فعل وقول الزور من المسلمات، الحديث الشريف (.. ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش حتى يدع قول الزور... الحديث الشريف). والحديث الشريف (.. الشرك بالله وعقوق الوالدين... ألا وشهادة الزور.. ألا وشهادة الزور. وظل يرددها، الرسول الكريم، حتى تمنينا أن سكت). وشهادة الزور هي قول مكذوب يخالف الحق والحقيقة لمنفعة من شهد شاهد الزور لمصلحته حتى يستملك هذا الأخير حقا لغيره. وقد ضربت لشهادة الزور السياسي مثالا بالاستفتاء على الدستور الذي فرضته الحكومة في تسعينات القرن الماضي قبل المفاصلة. قلت آنذاك أن الحكومة أرغمت الناس على ارتكاب معصية الزور بالتصويت لدستور لم يطلعوا على نصه. ذلك أن التصويت هو شهادة في الدنيا والآخرة، والتصويت بدون علم لا يعدو كونه شهادة زور.

وشهادة الزور قرينة بفعل الزور. وفعل الزور هو أن يقدم الشخص على فعل مكذوب من أجل تكسب حقوق غيره مع علمه أن ما فعله يناقض الحق. في سياق هذه البديهيات عن قول الزور وفعل الزور نقرأ تصويت أعضاء مؤتمر الحركة الإسلامية الذي أعطى علي عثمان طه النمرة الكاملة. نأخذ البيّنة على الحركة الإسلامية أولا من الأسلوب الذي جرت عليه انتخابات المؤتمر السابق، حيث كان التصويت برمي بطاقة المؤتمر في صندوق أحد المتنافسين... والعاقبة بالخواتم عندما يتم "جرد" الأصوات ومعرفة الأسماء، ومن بعد ذلك تجري عمليات "تجريد" من لم يضع بطاقته في الصندوق الصحيح من وجهة نظر الحكومة.. ففاز علي عثمان بالنمرة الكاملة، أو هكذا شهد أعضاء الحركة الإسلامية على أنفسهم وعلى أمينهم الذي ارتضوه وهم صاغرون تحت شعار "التصويت ولا التجريد"!!. السرّية هي الضامن الوحيد للإدلاء بما هو في الضمير، إذ لن يبلغ البشر هذه الدرجة النورانية من الشفافية بفعل الحق جهرا في مثل هذه المناسبات المحسومة سلفا. فالخوف دائما في الظاهر والعدل في الفعل قد تحجبه المنفعة أو الخوف أو الحياء أو المجاملة إلا من قاض عادل يحكم بين أفرقاء ولا يكون طرفا في الخصومة. لذلك فإن كل اقتراع علني لا يعدو كونه عملا معيبا في الأداء الديموقراطي والإيماني.

ثم نأخذ عليكم البيّنة في انتخاباتكم الأخيرة من اختلاف أهل السقيفة يوم تولية أبو بكر الصديق رضي الله عنه. لن يكون الناس على قلب رجل واحد أطهركم كان أم أفجركم. فالتفاوت سنة من سنن هذا الكون لضمان استمرار الحياة على قاعدة المنطق المقبول لعقولنا كبشر. فقد يتفق الأغلبية على أمر، لكن ذلك لا يمحق حق الأقلية وإن قبلت بالرأي الغالب. وقد اتفق أهل السقيفة لأن البديل كان الردة إلى الجاهلية والاحتكام للسيف فتذهب ريحهم بددا. واتفق أهل السقيفة لأن اختلافهم كان على أي الفئتين أحق، وكلا الفريقين كان على حق. ولأن خلافكم آنذاك يا جماعة الحركة الإسلامية كان خلافا على فردين أيهما يضمن المصالح، فقد رفعتم حينذاك شعار "التصويت ولا التجريد". أما لجهة انتخابات مؤتمركم الأخير فقد صوتم برفع الأصابع. كاذبون أنتم إذن لو قلتم أنكم كنتم على قلب رجل واحد، وبأنكم أفضل من أهل تلك السقيفة، مع أن الفرق بينهم وبينكم يبقى شاسعا. وحتى لو أجمعت أغلبيتكم على اختيار علي عثمان، هل كان يجرؤ أحدكم على عدم رفع إصبعه حتى لو من باب الامتناع عن التصويت ؟. إذن بينكم من رفع إصبعه بما يخالف ضميره خوفا على مصالحه، وهذا هو عمل الزور. إذن بينكم من يفعل الزور. إذن فعل الزور ينسحب على كل ما قمتم به، وكل عمل قائم على الزور فهو باطل في هذه الحياة الدنيا وله حسابه عند ربكم يوم لا ولي ولا علي ولا شفيع. لقد صوتم هذه المرة تحت شعار "رفع الأصابع ولا قطع المنافع". ولو كنت في موقع علي عثمان لرددت "البيعة المضروبة" على أهلها تمظهرا بالعدل ومفازة من الزور البائن، وأيضا لتعليم قواعده السلوك الديموقراطي إن كنتم تؤمنون بالديموقراطية كوسيلة لا بديل لها ولا محيد عنها لتداول السلطة وإن طال السفر. وفيم الانتخابات يا هؤلاء طالما أن فوز علي عثمان جازم لكل أفعالكم المضارعة ؟!.

هي إذن الشمولية التي لا تلد إلا شمولية ولا تربي جماعتها إلا على الشمولية. الله سبحانه وتعالى نهى الأنبياء والرسل عن الشمولية (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) سورة الغاشية، الآيتان 21، 22. وحدد الله مهمة الرسل والأنبياء على التبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) سورة المائدة الآية 67. (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) سورة النور، الآية 54. لقد وردت كلمة "البلاغ" إحدى عشر مرة في القرآن الكريم، وكلها تقصر مهمة الرسل في البلاغ. فإذا قبلت الحركة الإسلامية بكتاب الله وقرآنه، فلا شمولية في الإسلام ولا سائر الرسالات السماوية. الله هو الديموقراطي الأعظم لأنه جل من قائل (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة، الآية 256. الله هو الديموقراطي الأعظم لأنه ترك للبشر، بعد الهداية بالرسل، حرية الكفر أو الإيمان (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) سورة الكهف، الآية 29. ولقد دمّر الله الشموليين من فراعين وأكاسرة لأنهم ينتهون بأنفسهم وبالناس إلى الفساد والإفساد واستخفاف أقوامهم وسوقهم إلى عبادة الفرد والوثن. فبأي مسوغ يا هؤلاء فرضتم شموليتكم وهي نقيض صريح لما أمر به الله ؟.

ثم نمضي حقبا في هذه البديهيات، ولتكن واحدة أخرى. فقد اصطففتم يا فئة الحركة الإسلامية تحت مسمى "الحركة الإسلامية". والاصطفاف على هذا النحو يقتضي بالضرورة وجود صف آخر مقابل لاصطفافكم هذا. إذ لا يستوي عقلا أن تصطفوا هكذا قبالة لا شيء. فهل اصطففتم في قبالة المجتمع السوداني كله ؟. فإن كان الأمر كذلك، من الذي اصطفاكم دون غيركم بصفة "الإسلامية" وأنتم الفئة الأقل عددا قياسا إلى السواد الغالب من المسلمين السودانيين ؟. وما حكمكم في باقي المسلمين من السودانيين خارج حركتكم ؟ هل ترونهم في عداد المسلمين ؟ فإن كنتم ترونهم كذلك من أين لكم هذا البرزخ الذي ميزتم به أنفسكم عن الكل المسلم ؟ وهل المسلم داخل حركتكم يختلف أو يتميز عن المسلم خارجها ؟. فإن أجبتم بنعم فأنتم وأيم الله جماعة باطنية تكفيرية تكفر سواد المسلمين وتستبيح حقوقهم وتسبي نساءهم. وإن قلتم كلنا مسلمون والمسلمون سواسية بطلت جماعتكم. ولكم ما اخترتم.

إن مضغ المساويك وإطالة اللحى والتمظهر بالصلاة في أوقاتها وقلوبكم منصرفة إلى المصارف وحسابات الأرصدة والصفقات.. والحج من تلك الأموال التي اقترفتموها، ليست من الدين في شيء. الدين براء منها ومن أهلها. هنالك حالة اسمها "التقمص الديني" تصيب بعض الناس من الأديان كافة، فمنهم من يظن أنه قديس ومنهم من يظن أنه رسالي ومنهم من ظن أنه وارث موسى وسليمان وداؤود عليهم السلام. والتقمص الديني هو حالة من خداع النفس وتصديقها!. وقد قدم القرآن الكريم تشخيصا علميا دقيقا لهذه الحالة في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) سورة البقرة، الآيات من 8 إلى 13. لاحظ تكرار عبارات لا يشعرون ولا يعلمون في الآيات الكريمة كدليل على حالة اللاوعي والتقمص والغي. المصابون بالتقمص الديني يحسون بطمأنينة هائلة تجاه الله، وفي نفوسهم يقين شديد أن الله راض عن كل عمل يفعلونه. وفي الحالة الماثلة نجد أن لسان حال الحركة الإسلامية كأنما يقول للمولى عز وجل: لقد فعلنا كل ما تريد من فرض للشريعة وإقام الصلاة وإرسال الخلق إلى المساجد والصوم والعبادات كافة وبناء المساجد، ومن حقنا أن نفعل أيضا ما نريد لدنيانا. وبسبب حالة التقمص يحسون بهذه الطمأنينة العميقة تجاه الله ويفعلون فعلا ما يريدون كالأفاعيل التي ذكرنا فوق. ولو أن أحدهم فتح كتاب الله وهو مفتوح البصيرة لقرأ قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال، الآية 2. ولقرأ أيضا (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الحج، الآية 35. فالوجل من الله ومخافته هي العلاقة الطبيعية المتينة بين الإنسان وربه، لأن الخوف من الله يقلل خوف الإنسان من الإنسان. أما عند جماعتنا فقد انعكس هذا اليقين الأعمى في الاسترخاء الحالم على وسائد المليارات التي ذكرنا مصادرها والتلذذ بأطايب لحم الضأن ومداعبة الحلمات وجر السبح جوار المسابح في الحدائق الغناء.. كلوا من طيبات ما رزقناكم أوليس كله من فضل الله ؟!. ثم انعكس اليقين الأعمى إبان حرب الجنوب في روائح المسك التي تفوح من الجثث وصكوك الغفران وزيجات الحور العين. هكذا، بزعمهم، قال لهم الله، وإلا فمن أين لهم هذه المعرفة اليقينية والطمأنينة التي لا تعرف الوجل من الله إلا أن تكون حالة من حالات التقمص الديني ؟!. (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) سورة الأحقاف الآية 9. مطمئنون والرسول الكريم يقول لفاطمة الزهراء لا أملك لك يا فاطمة من الله شيئا..

حديثنا عن الاصطفاف سوف يدفع بقواعد وقيادات الحركة الإسلامية لترديد عبارة هي أيضا بديهية عندهم مردوا على ترديدها، وهي أنهم يصطفون في وجه العلمانيين. وفي الزمن السالف كانوا يقولون نصطف في وجه الشيوعيين. ذهب لينين وستالين حتى غورباتشوف، وجفا زبد الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث. وفجأة خرجت علينا الجماعات التي تسمي نفسها بالإسلامية بهذه النبتة الشيطانية التي اسمها العلمانية. إنها صناعة العدو من أجل السيطرة على المجتمعات. وصناعة العدو تجارة قديمة تتجسد في حاضرنا بعدو صنعته أميريكا اسمه الإرهاب الدولي. وباسم هذا العدو الوهمي ضربت أميريكا بنفسها برجي التجارة الدولية، ومن ثم خرجت لتطارد هذا العدو العنقاء في منابع النفط في العالم!. أسامة بن لادن وهم لا وجود له صنعته الأجهزة الأميريكية وروجت له الحكومات العربية. فمن أين لهذا الفأر المختبئ في جحور أفغانستان أن يقوم بمثل هذا العمل.. ؟ هذا إن كان على قيد الحياة ولا أظنه. يجب أن نخسر عقولنا أولا حتى نصدق هذه الفرية. وحتى مسمى "القاعدة" فهو صناعة أميريكية مائة بالمائة لأنه مستحلب من كلمة "كايد" في القاموس اللفظي الأميريكي حيث كانت تطلق على زعامات المافيا. فهي من كلمة كايد أو قائد وليست قاعدة.

الحركات الإسلامية خلقت وهم العلمانية وجعلت منه مطابقا للشيوعية (الكافرة الملحدة بنت الكلب!) بعد أن فقد وهم الشيوعية الصلاحية. وبذلك أصبح العلماني هو الكافر المناهض للدين!. والمؤسف أن من الناس من يقول أنه علماني، ومن الجماعات السياسية من يقول نحن علمانيون فقط لمجرد تمييز أنفسهم عن الحركات الإسلامية السياسية، وما درى هؤلاء أنهم وقعوا في الفخ المنصوب كما يقع الذباب في خيوط العناكب. والواقع أنه لا يوجد فكر محدد اسمه العلمانية مثلما ليس من المسموح به دينيا أن تسمي جماعة نفسها بالحركة الإسلامية وتحتكر الدين الإسلامي لنفسها دون سائر المسلمين. هنالك فرق عظيم بين أن يرفض الشعب (المسلم) حكما شموليا دكتاتوريا باسم الإسلام وبين رفض الدين ذاته. الشعب السوداني المسلم منه لم يرفض دينه الإسلام، بل رفض أن تتسلط عليه جماعة باسم الإسلام. السودانيون الذين يصفون أنفسهم بأنهم علمانيون مسلمون صادقون فقراء يؤدون شعائر دينهم بأحسن ما يكون، لكن فات عليهم الزعم بالعلمانية لا يكبّر لهم كوما في الثقافة الاجتماعية السودانية، وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه الشيوعيون في سالف الزمن عندما ظنوا أن المناداة بحقوق الطبقات الكادحة سوف يجعل لهم قاعدة عريضة كاسحة، وهو ما لم يحدث أولا بسبب الثقافة المتجذرة في أوساط الطبقات الكادحة نفسها، وثانيا لأن أحزاب الطوائف والعقائد استغلت مدلولات "شيوعي" أبشع استغلال ليس في نحر الحزب الشيوعي فحسب، بل في قمع الوعي الاجتماعي المتنامي آنذاك. والليلة نسخة عن البارحة. فالحركة الإسلامية في السودان تصف خصومها بأنهم "علمانيون كفرة يريدون إزالة الدين وإفساد البنات والأولاد والعباد" مع أنه لو نظر أحد هؤلاء أسفل منه أو حوله أو لمس جيبه لرأى فسادا منقطع النظير!. والمشكل الحقيقي أن قسمة علمانية إسلامية الوهمية قد ساهمت في حصر البدائل السياسية في السودان بين الحركة الإسلامية الحاكمة شموليا وبين الأحزاب الطائفية المشاركة والمتربصة. لذلك، ومن أجل انفتاح المستقبل السياسي للسودان، أتوجه بالنداء الحار إلى كل سوداني يقول أنه علماني أن يكف عن صف نفسه أو جماعته بالعلمانية. وإذا قيل لكم أنت علمانيون قولوا لا. أطرحوا برامج بديلة وقولوا نحن سودانيون وطنيون وكفى. عمق السياسة هو تفويت الفرص على الخصوم.



أيها الحركة الإسلامية، لقد دخلنا عليكم من باب البديهيات فخرجتم أنتم "كما خلقتني يا مولاي"!. ومع ذلك سوف أعترف لكم بجهلي الشديد لأنني لم أتمكن من الإجابة على سؤالين اثنين. السؤال الأول هو: هل الصين على المذهب المالكي أم الحنفي أم الحنبلي ؟ والسؤال الثاني هو: هل كلمة "شيوعي" في اسم الحزب الشيوعي الصيني مشتقة من كلمة شيعي ؟!. أفتونا هداكم الله فلا أحد يفتي في شريككم الاقتصادي الأول وأنتم في المدينة!

سالم أحمد سالم

باريس

18 أغسطس 2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

عندما تصبح الدولة 'الإسلامية' عبئاً على الإسلام وأنصاره

ffعندما تصبح الدولة 'الإسلامية' عبئاً على الإسلام وأنصارهfff

د. عبدالوهاب الأفندي..

في شباط (فبراير) من عام 1992، نشرت لي صحيفة 'الغارديان' البريطانية مقالة تنتقد الأوضاع السياسية في العالم العربي وتقترح الديمقراطية حلاً للأوضاع القائمة. كانت الخلفية هي أحداث الجزائر وما حدث في الشهر السابق من إلغاء للعملية الديمقراطية هناك. وقد أكدت المقالة على رفض أي تناقض مزعوم بين الإسلام والديمقراطية، مستندة إلى الحجج التي وردت في كتابي 'من يحتاج الدولة الإسلامية'، وقالت إن طريق الدول الإسلامية نحو الديمقراطية قد لايكون ممهداً، ولكن لا بديل عن سلوكه. في اليوم التالي نشرت الصحيفة رسالة من أستاذي السابق، د. بيتر وودوارد، دعا فيها إلى توجيه هذه النصائح إلى الحكومة السودانية التي أمثلها. واستغرب كيف أدعو إلى الديمقراطية في الجزائر وتونس وغيرها وأنسى السودان. ولم يتخلف ممثل الحركة الشعبية في لندن بدوره، حيث انتهز الفرصة ليبعث للصحيفة برسالة يعدد فيها مثالب الحكومة السودانية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وانقضاضها على الديمقراطية، مردداً ما قاله بيتر من ضرورة توجيه نصائحي إلى الحكومة السودانية، حيث أن الأقربين أولى بالمعروف. كنت قد ذكرت في وقت سابق أنني وبيتر كنا على خلاف في الرأي دون أن يفسد ذلك الود بيننا. ويجب أن أذكر هنا أن بيتر، مثل كثير من البريطانيين الذين عملوا بالسودان، وربما أكثر منهم قليلاً، معلق القلب بالسودان وخاصة عهوده الزاهرة في الستينات ومطلع السبعينات. وكان قد ذهب إلى السودان في منتصف الستينات مدرساً للغة الإنكليزية والتقى هناك بزوجته كارول، وحضر للدكتوراه في جامعة الخرطوم قبل أن يعود إلى بريطانيا حيث استقر به المقام في جامعة ريدينغ. ولهذا كان معارضاً بقوة لحكومة الإنقاذ بحكم علاقاته الوثيقة مع كثير من السودانيين، وكان كثيراً ما ينتقدها في الإذاعة البريطانية. وقد كان لبيتر سبب آخر لأن يكون غاضباً على الحكومة السودانية. ففي عام 1991 اختارته جامعة بيرغين النرويجيه ضمن فريق من الأكاديميين لتقييم الرابطة بينها وبين جامعة الخرطوم، وهي رابطة كانت ذات فائدة عظيمة للجامعة والسودان. وقد زارني في السفارة طلباً للتأشيرة، فقمت إزاءه بالواجب تجاه الأستاذ، حيث ذهبت بنفسي إلى القنصلية ودفعت رسوم التأشيرة من جيبي (وكانت مبلغاً زهيداً) وتأكدت من حصوله على التأشيرة خلال أقل من نصف ساعة وهو جالس في مكتبي. وبعد أيام كنت على الهاتف مع الأخ د. غازي صلاح الدين نتناقش في موضوع ما، فقال لي عرضاً: لقد أبعدنا أستاذك اليوم ومنعناه من دخول الخرطوم. فقلت له: أتدرون أي كارثة اجترحتم؟ أرجوك لو كانت هناك إمكانية لاستدراك هذا الأمر أن تفعلوا، لأن الأمر له علاقة بجامعة الخرطوم التي ستتضرر بما لاحدود له. فأخبرني أن الوقت قد فات لذلك، لأنه أعيد في نفس الطائرة الفرنسية التي وصل عليها، وعلل ذلك بانتقاداته المتكررة للحكومة في الإذاعة.
وبالفعل اتصل بي بيتر ليخبرني بما حدث، وكتب للسفير محتجاً، مذكراً بأن علاقته بالسودان كانت تمتد لربع قرن. وقد اعتذر له السفير، ودعوته بدوري إلى منزلي حيث اعتذرت له. وبعد بضع سنوات من هذه الحادثة قامت الحكومة بتصحيح الأمر، ودعت بيتر إلى السودان على حسابها وسمحت له بإلقاء محاضرات في مواقع عدة داخل وخارج الخرطوم. ولكن الضرر كان قد حصل، وتم إلغاء الرابطة بين بيرغن والخرطوم. لهذا كانت لبيتر مبرراته حين كتب ما كتب، وفوق ذلك لم يكن مخطئاً. فهو لم يكن على علم بالنقاشات الداخلية الدائرة حول مستقبل الوضع، ولم تكن حجة أن نقول أننا كنا بالفعل نقدم نفس تلك النصائح للحكومة السودانية عبر قنواتنا الخاصة. فالأفعال أبلغ من كل قول. وإذا كنا جزءاً من حكومة ترتكب أجهزتها الانتهاكات والاعتقالات للمعارضين، فإن أي حديث لنا عن الديمقراطية والحريات يصبح لا معنى له. كانت هذه الواقعة مدعاة للتأمل، حيث أدركت حتى قبل حادثة الشيخ الترابي التي تعرضت لها في مقالة سابقة، بأننا قد تم إسكاتنا كمفكرين إسلاميين، وأصبحنا رهائن في يد من أسماهم الشيخ 'إخواننا الصغار'. وقد كنت طرحت قضية الممارسات الأمنية مع الشيخ الترابي عدة مرات، ولست في حل من الإفصاح عن كل ما قاله لي حولها، ولكنني أشير إلى نقطتين أثارهما علناً أو عبر آخرين. الأولى هي ما ذكره في مقابلة مع جريدة 'الحياة' اللندنية في أيار (مايو) 1992 من أن المحامي الذي أثار قضية التعذيب أثناء محاضرته قد افتعل الحادثة، وأن ما حدث لرجله لاعلاقة له باعتقاله، وإنما كان مصاباً بالسرطان. والثانية هي ما نقله عنه الأخ د. التجاني عبدالقادر من وصفه لقادة الأجهزة الأمنية بـ 'إخواننا الصغار' واستصغاره لدورهم، وهو تعليق سمعته منه أيضاً. وفي نظري فإن هذا التوصيف فوق أنه غير دقيق، فيه تحمل كامل للمسؤولية عن أفعال هؤلاء الإخوة الصغار التي بفضلها حبطت كل مساهمات الشيخ في مجال تجديد الفكر الإسلامي وأصبحت بلا قيمة. كنا بالفعل نواجه إشكالية إزاء تمسكنا بنموذج حلم للدولة الإسلامية، نراها تجسيداً لقيم الخير والحق والعدل في مواجهة ممارسة هي نقيض ما حلمنا به ودعونا له. وقد كنا نعيش في أول الأمر على أمل أننا قادرون على تغيير هذا الواقع، ولكن بدأ يظهر لنا تدريجياً أن قدرتنا على التأثير في الأمور لم تكن بالقدر الذي كنا نحسب. فكنا أما ثلاثة خيارات: إما أن ننجح في تغيير الواقع حتى يصبح قريباً من المثال بدرجة يمكن لنا أن نفخر به، أو على الأقل نكون قابلين به، أو أن نقبل بالواقع كما هو، إما يأساً من الإصلاح أو حرصاً على المصالح الشخصية. أو أن نبتعد عن النظام لنحتفظ بصدقيتنا كمفكرين ندافع عن الإسلام وقيمه ونقائه. لم يكن القبول بالواقع وارداً، فركزنا جهدنا على الضغط باتجاه الإصلاح. وكانت لنا آمال كبيرة بإحراز تقدم. فقد كان الإخوة القائمون على الأمر أناساً عرفناهم منذ عقود، وكان معظمهم أصدقاء مقربين نثق في نياتهم وتجردهم. ولم نستصعب أن يقتنعوا بوجهة نظرنا التي لم نكن ننفرد بها، بل كان يشاركنا إياها أغلبية أهل الصف الإسلامي. وكنا ننسب الصعوبات التي يلاقونها إلى إشكالات البداية وقلة الخبرة بشؤون الحكم والضغوط الخارجية والداخلية، وعلى رأسها الحرب الأهلية وتبعاتها. وإزاء هذه القناعة أخذ الانشغال بجهود إحلال السلام في الجنوب يحتل سلم أولوياتي، وهو انشغال بدأ بمقالتي في 'أفريكان أفيرز' عام 1990 واستمر مع مبادرتنا المشار إليها في كانون الثاني (يناير) من عام 1992 ثم مع جولات مفاوضات أبوجا وما أعقبها، وهو موضوع سأتناوله إن شاء الله في مكانه. ومع ذلك فإن التذرع بالصعوبات والحصار لا يمكن القبول به حين يتعلق الأمر بتجربة إسلامية، لأن التجربة المثال التي يقاس عليها، وهي تجربة العهد النبوي والخلافة الراشدة، ضربت المثل للعالم في السلوك الأخلاقي في وقت كان فيه المسلمون يواجهون الحصار وخطر الإبادة الجماعية. وكان من المفترض في أي تجربة إسلامية أن تكون بممارساتها دعوة للإسلام وإظهاراً لمحاسنه، لا أن تكون صداً عنه. وفي ظل استمرار الممارسات غير المبررة إسلامياً بذرائع مختلفة، اخذت تتبلور لدي قناعة بضرورة التخلي عن الصفة الدبلوماسية حتى تتاح لي حرية أكبر في التعبير عن نفسي، وحتى لا أحمل أثقال الممارسات التي تناقض ما نؤمن به وندعو له. ذلك أن الصفة الدبلوماسية، حتى في غياب وجود خلاف فكري، تقيد حرية التعبير والنشاط الفكري. صحيح أنه كان هناك في معظم الأحيان شيء من التوافق والدعم المتبادل بين وضعي الدبلوماسي ونشاطي الفكري. فكما ذكرت سابقاً، كان لكتاباتي الأكاديمية حول شؤون السودان دور في إنجاز مبادرتنا الأولى نحو السلام. وفي الأعوام 1990-1993 شاركت في مؤتمرات في فيلاديلفيا، وييل ومجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ومعهد السلام في واشنطن ومركز كارتر في أتلانتا، وجامعات أوبسالا وكوبنهاغن وهلسنكي وكامبريدج ودرهام. وكانت معظم هذه اللقاءات تتناول قضايا إسلامية عامة، مثل دور الحركات الإسلامية في العملية السياسية، أو دور الدين في فض النزاعات، أو حوار الأديان أو علاقة الدين بالدولة، بينما كان القليل منها يتناول موضوع السودان تحديداً. وعليه فقد كنت أدعى في الغالب لهذه اللقاءات ليس بصفتي الدبلوماسية، بل رغماً عنها. وفي صيف عام 1993 أفضيت للأخ الصديق علي محمد عثمان ياسين وكيل وزارة الخارجية بنيتي في الاستقالة فلم يقبل، بل إنه بالعكس قام باستصدار قرار رئاسي يقضي بتحويلي إلى وظيفة دائمة في السلك الدبلوماسي، بعد أن كنت معاراً للخارجية من وزارة الإعلام حسب الترتيب البيروقراطي. وقد حدث بعد ذلك تطور غير متوقع جعلني أنزل على رغبته. فقد تم تعيين علي سفيراً في لندن. وكنت سمعت بهذا من القرار من الشيخ الترابي أثناء محادثة هاتفية معه واعترضت عليه قائلاً إن علي كان أفضل وكيل مر على الوزارة وأن نقله سيكون خسارة كبيرة، خاصة أنني علمت منه أنه لم يكن يرغب في هذا المنصب بسبب وضعه الأسري. فقد كان علي دبلوماسياً مطبوعاً وإدارياً مقتدراً. وكان نقله تعبيراً آخر عن الأوضاع غير السوية التي كانت تواجهها الدولة.
فقد وقع علي ضحية الصراعات التي كانت تدور وقتها بين قطاعات السلطة الظاهرة والخفية، حيث واجه اعتراضات من يسمون نفسهم بالوحدة التنظيمية داخل الوزارة، وماكانوا يقومون به من تصنيف للدبلوماسيين إلى أعداء وأولياء، وهي تصنيفات رفضها وقرر أن يتعامل بشفافية وحرفية مع الجميع. من جهة أخرى فقد واجه أيضاً تعنت جهات تدعي أيضاً صفة تنظيمية وتصر على التدخل في شؤون الوزارة من خارجها. وقد كانت القشة الأخيرة قراره أن يلتقي مدير مكتب الرئيس المصري أثناء وجوده في القاهرة في عطلة في وقت كانت فيه بعض الأوساط تريد التصعيد مع مصر، فصدر قرار إبعاده عن الوزارة. وحينها طلب مني أن أبقى على الأقل حتى يصل لتسلم مهام منصبه في السفارة حتى يستعين بخبراتي خلال الأشهر الأولى فقبلت بحكم الصداقة التي تربطنا، وأيضاً لأننا كنا منهمكين في مفاوضات السلام التي لم تكن وصلت لنتيجة بعد. في نهاية عام 1993 دعيت إلى مؤتمر آخر في جامعة ييل، هذه المرة يتناول قضية الإسلام وحقوق الإنسان حيث قمت بتقديم ورقة حول الموضوع. ولهذا المؤتمر قصة سأحكي تفاصيلها في وقت لاحق، ولكنني توصلت في نهاية ذلك اللقاء إلى قناعة بأنني لا بد أن أختار: هل أريد الدفاع عن الإسلام أم عن الحكومة السودانية؟ فقد كنا في ذلك الملتقى كلما أردنا أن نقول: هذا هو موقف الإسلام في هذه القضية، رد الحضور بالقول: ولكن الحكومة السودانية تفعل كذا وكذا وهو يخالف ما تقولون. ولم يكن لدي أدنى حرج في أن أقول بأن الممارسات السودانية تخالف الإسلام. الإشكال ليس فقط أن مثل هذا الانتقاد يطرح إشكاـلية لدبلوماســي في الحكومــة المذكــورة، بل أصبح يطرح إشكاليات لكل مفكر وناشط إسلامي. فحين كنا نشارك في لقاءات لحوار الأديان أو لبحث أوضاع الدول الإسلامية التي تضطهد الإسلاميين، كان خصوم الإسلاميين من الحضور يستندون في تبرير ضرورة حرمان الإسلاميين من العمل السياسي بالاحتجاج بأن الإسلاميين لو جاءوا إلى السلطة سيمارسون الدكتاتورية والإقصاء 'تماماً كما يفعلون في السودان'. فلا يصبح أمام هؤلاء إلا أن يتبرأوا من تجربة السودان وينفوا أنها تعبر عن قيم الإسلام الصحيحة.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن qra

القدس العربى 19/8/2008
---------------------------------------

مقال منع من النشر فى صحيفة الصحافة ..

حول انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية

اللعب على الحبلين!! (2-2)


أنهت الحركة الإسلامية أعمال مؤتمرها السابع، وأعلنت بيانها الختامي في حشد كبير من اتباعها، في الظروف الحساسة التي اشرنا اليها .. ولم يخرج المؤتمر برؤية جديدة، يوحد عليها الاسلاميين، ولم يتبنى الرؤية التقليدية المعروفة ، وفضل ان يتطرق الى القضايا الهامة، بشعارات، وخطب ، إنشاء جميل، تزينه بعض الآيات القرآنية ، وبعض الاحاديث النبوية الشريفة، والأدعية المأثورة، وردت متفرقة هنا وهناك، في استحياء، واقتضاب، وكأن الحركة الاسلامية، تريد ان تذكر الشعب، بانها لا زالت لها علاقة بالاسلام ، ولم تصبح، بعد، حزباً سياسياً، لا توجهه غير المصالح المباشرة .

ولما كانت قيم الدين الحقيقية غائبة عن فكر الحركة الاسلامية، وعن ممارساتها، فقد وظفت هذه الآثار الدينية، في الثناء على النفس، والدعاوى العريضة، بأفضلية الحركة، بدلاً من النظر للتقصير، وعيوب العمل .. فقد جاء في البيان الختامي (إنعقد المؤتمر السابع للحركة الإسلامية السودانية تحت ظلال الآية الكريمة "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" هذه الوسطية التي تميزنا وتميز دعوتنا والتي تدفع بنا الى البشارة التي خصنا الله بها: الخيرية والاصطفاء: "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله") (الرأي العام 10/8/2008م). هذا ، مع ان البشارة الإلهية ، دائماً، مرتبطة بشروطها .. فالوسطية شرطها شهادة الحق على النفس، وعلى الناس ، بما فيهم إخواننا ، وأعضاء تنظيمنا .. والخيرية شرطها الأمر بالمعروف للنفس أولاً ، ولمن عداها ثانياً ، والنهي عن المنكر للنفس أولاً ، ولمن عداها ثانياً .. فهل فعل اعضاء الحركة الاسلامية طوال تاريخهم هذا؟! هل قاموا بالنقد لسلوك افراد من التنظيم ، وحاسبوهم ، أو فصلوهم عن التنظيم؟ وحين شب الخلاف بين اعضاء الحركة الإسلامية ، وانقسموا الى وطني، وشعبي، هل تناصحوا بالحسنى ، وأمروا بعضهم بالمعروف بالكف عما فعلوا؟ أم انهم جنحوا الى الاساءة، وفجروا في الخصومة ، حتى بلغوا سب مرشدهم ، ووصفه بابشع الأوصاف ، وايداعه السجن، كما قام هو أيضاً ، باتهام تلاميذه السابقين بالفساد ، والاجرام ، ووصفهم بأسوأ الاوصاف؟! فاذا كان هذا الحال البعيد عن أخلاق الإسلام ، هو تعامل الحركة الاسلامية مع قادتها وزعمائها، وكبار تلاميذهم، فكيف يكون تعاملها مع من تظن انهم خصومها واعدائها؟

ولقد كان كثير من المواطنين، يأملوا ان يقوم المؤتمر في اطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بطرح قضية الفساد .. ويحاسب اعضاءه الذين ضلعوا فيه ، وهم المسؤولون في المصالح والمؤسسات الحكومية ، التي أكد تقرير المراجع العام، على وجود الفساد فيها .. فلا يمكن ان يكون أعضاء الحركة الإسلامية "خير أمة أخرجت للناس" وفساد المؤسسات وهم على قمتها يزكم الأنوف!! لماذا لم يكون المؤتمر لجنة من داخله ، تنظر في قضايا الفساد ، وتساءل الاعضاء الذين كانوا قبل الإنقاذ فقراء ، من أين اثروا هكذا وبهذه السرعة؟ لماذا لم يطلب مؤتمر الحركة الاسلامية ، من اعضائها الذين اصبحوا ولاة ، ان يكفوا ايديهم عن المواطنين ، وان يعيدوا معاشات المعلمين ، وان يرجعوا المفصولين؟!

ولم يتطرق المؤتمر للتقارير الدولية ، التي صنفت السودان ، تحت قيادتهم ، من اكثر دول العالم فساداً، كما لم يتطرق للحالة العامة ، من انتشار الفقر، وتزايد ارتفاع السلع، وارتفاع نسبة التضخم، والعطالة، وتدني التعليم ، وارتفاع تكلفته ، وارتفاع تكاليف العلاج، وتفشي الأمراض ، والأوبئة ، وفقر المستشفيات العامة ، وغلاء الخاصة ، واضطرار المواطنين المرضى للسفر للأردن، او مصر للعلاج . وكلما زاد انتاجنا من البترول ، وزاد ارتفاع سعر البرميل عالمياً ، كلما ازددنا فقراً ، وازداد اعضاء الحركة الاسلامية تخمة .. فلماذا لم يناقش مؤتمرهم ، هذا الوضع الغير متسق مع الاسلام، ولو من باب النقد الذاتي؟!

ومثل أي عمل من اعمال الحركة الاسلامية ، جاء بيانهم متناقضاً مع نفسه ، ومتأرجحاً بين المواقف المتضاربة ، فقد أشاد البيان بمن قتلوا في حرب الجنوب ، واعتبرهم شهداء .. فقد جاء في مقدمة وثيقة المؤتمر (ولا ينسى هذا المؤتمر أخوة كراماً اصطفاهم الله وأكرمهم بالشهادة و "يتخذ منكم شهداء" قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله فهم معنا الآن لأنهم احياء عند ربهم يرزقون أرواحهم ترفرف في جنبات هذا المؤتمر) (المصدر السابق) . وفي الفقرة 3 من نفس البيان جاء (تمد الحركة يداً بيضاء وتسعى بعقل منفتح للحوار والتواصل مع الحضارات والثقافات الأخرى لتحقيق القيم الانسانية العليا التي تعزز السلام وتوفر العيش الآمن المشترك بين الشعوب، والمجتمعات لتحقيق رفاه الانسان وحفظ حقوقه)(المصدر السابق) . فإذا كان من قتلوا في حرب الجنوب ، من اعضاء الحركة الاسلامية ، شهداء، فان هذا يعني بالضرورة ، ان تكون تلك الحرب حرب إسلامية صحيحة ، فلماذا تنازلت الحركة الإسلامية عنها ، وقبلت بأن تسالم من قتلوا ابناءها ، الذين تعتبرهم شهداء؟! واذا كان الحوار والتواصل مع الثقافات الأخرى ، لتعزيز السلام معها ، هو العمل الصحيح دينياً ، فلماذا نبذته الحركة وراء ظهرها، وخاضت الحرب؟! لماذا لم تلتزم به ابتداء ، لتحفظ موارد البلد ، وارواح ابناءها، الذين خاضت بهم حرب جائرة ، لا مبرر لها، ثم لما قتلوا بسبب خطأ حركتهم ، جاءت هذه الحركة نفسها التي اجرمت في حقهم ، لتحدثنا بانهم شهداء!! إن الحبلين الذين تلعب عليهما الحركة الإسلامية هنا ، أحدهما حفظ قاعدتها العريضة ، بتصوير حربهم في الجنوب ، وكأنها حرب اسلامية ، تعتبر الذين قتلوا فيها شهداء .. والحبل الآخر، تحسين وجهها أمام الرأي العام العالمي ، والمجتمع الدولي، والأقليمي ، والواعين من اعضاء التنظيم ، باظهار الحركة الاسلامية ، وكأنها حركة سلام ، وانفتاح على مختلف الثقافات ، والتواصل معها بغض النظر عن المعتقد!!

ومن اول توصيات مؤتمر الحركة الاسلامية (المواصلة في توثيق تاريخها وادبياته الإجتهادية والفكرية والعلمية) (المصدر السابق) . ونحن نتساءل هل تملك الحركة الاسلامية السودانية ، اجتهادات فكرية، غير اجتهادات الترابي التي ادانته بسببها؟! وهل ستسجل اجتهادات الترابي ، من ضمن تاريخ الحركة الاسلامية ، أم تعتبرها خارجة عن فكر الحركة الاسلامية، لمجرد الاختلاف السياسي بين الشعبي والوطني؟!

ومن القضايا التي اعتبرها مؤتمر الحركة الاسلامية هامة، وعاجلة، قضية دارفور، اذ ذكر انه يتبنى (مبادرة رئيس الجمهورية ووجه نداء اسلامياً لصف الحركة الملتزم من ابناء دارفور ونناشد كل قطاعات المجتمع من احزاب وقيادات اجتماعية ومنظمات مجتمع مدني والحركات الحاملة للسلاح ان يرعوا حق الله واخوة الدين وعهد الوطن عصمة للدماء والاعراض والاموال) (المصدر السابق). ورغم ان الدعوة الى نبذ العنف، وحقن الدماء ، وحفظ الحرمات ، دعوة رشيدة ، لا يمكن لعاقل ان يرفضها، الا انها قد جاءت متأخرة كثيراً .. ولعل أهالي دارفور، كانوا يتوقعون من الحركة الاسلامية اكثر من ذلك ، إحقاقاً للحق ، وارساء لقيم العدالة ، التي يوفرها القصاص، الذي قال تعالى عنه (ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب) . فلقد كان اجدر بالحركة الاسلامية ، من منطلق الاسلام نفسه، ان تدين ما حدث في دارفور، منذ وقوعه ، وتتبرأ منه ، وتدعو لمحاكمة علنية للجناة ، الذين تلطخت ايديهم بدماء الأبرياء .. إن موقف الحركة الاسلامية الضعيف من قضية دارفور، مكن أحد اعضاء حزب المؤتمر الشعبي البارزين من نقدها حيث جاء (وأوضح ان الحركة الاسلامية لم تعلن ادانتها لما فعلته حكومة البشير في دارفور من ابادة وقتل وتشريد وحرق للقرى)... وقال (لم يفتح الله لهم بكلمةعن ما يحدث في دارفور طوال هذه الفترة الا بعد اتهام البشير) (الشرق الأوسط 8/8/2008م مقابلة مع علي الحاج مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي) . ورغم ان حديث د. علي الحاج غير مبرأ من الغرض، بسبب الصراع بين الشعبي والوطني، الا ان حديثه عن تقصير الحركة الاسلامية، وصمتها عن ما حدث في دارفور حق لا مراء فيه.
جاء في تأكيدات بيان مؤتمر الحركة الإسلامية (نؤكد اننا حركة دعوية وفكرية وجهادية واجتهادية نسعى لاقامة الدين كله وندعو الى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة) (المصدر السابق) . والتناقض الذي ينم عن الجهل بالدين في هذه العبارة ظاهر، اذ لا يمكن ان تجمع جماعة بين الجهاد، والدعوة بالتي هي أحسن .. لأن الدعوة بالحسنى ، تشمل حرية الاعتقاد. قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). والجهاد لم يقم ، الا بعد نسخ الحسنى ، واحكام السيف، قال تعالى (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)!! فاذا ارادت الحركة الإسلامية ، اتباع الدعوة بالحسنى ، فيجب عليها بعث آياتها المنسوخة، واحكامها .. وهذا يقتضي بالضرورة نسخ الجهاد ، وتعطيل حكمه ، وهذا هو تطوير التشريع ، الذي دعا اليه الاستاذ محمود محمد طه ، والذي لن تجد الحرك الاسلامية في السودان، او غيره، عنه مندوحة، سواء اعترفت بذلك، أم لم تعترف . وانا لا اريد ان اقف عند هذا الآن ، ولكن ما يهمني، من عبارة مؤتمر الحركة الإسلامية، هو المفارقة الكبيرة للصدق ، حين وصفوا حركتهم بانها تدعو بالحسنى ، مع انها حركة عنيفة، أشتهرت بالمبادرة بالعنف، حتى وسط الحركة الطلابية ، وكانت أول من ادخل السيخ والمدى، لحسم الخلاف الفكري بالجامعات ، ومارست العنف على الافراد والجماعات، وحين وصلت السلطة، مارست كبت وتعذيب خصومها، وقتل الابرياء، والعزل داخل السجون.

وإذا اردت ان تسمع الى كلام منمق، جميل، خالي من الصدق، فاسمع الى بيان الحركة الإسلامية، يقول (تسعى الحركة الاسلامية لتحقيق النهضة الاقتصادية القائمة على مبادئ العدل الاجتماعي وهدي الاسلام وتوفير سبل الحياة الكريمة المبنية على التكافل والتراحم والمحققة لعفة الفقراء والارامل والايتام واصحاب الحاجات) فاذا كانت الحركة الإسلامية تفعل كل هذا ، فمن أحال الشرفاء للصالح العام وشرد اسرهم وعين في اماكنهم الموالين للحكومة؟! لقد ذكر الاستاذ على عثمان محمد طه نائب رئيس المؤتمر الوطني - والذي اختارته الحركة الاسلامية أميناً عاماً لها في هذا المؤتمر – في مناسبة عقد المؤتمر الوطني بالقضارف (إن الانقاذ كانت توظف الناس في الخدمة العامة على اساس الولاء لتثبيت أركان نظام الحكم) (الصحافة 6/4/2008م). فهل هذا هو العدل الإجتماعي؟! وهل توفر الحركة الاسلامية عفة الفقراء والارامل بمثل تصريح وزيرة الشئون الإجتماعية بمنع بائعات الشاي؟!

إن أهم ما ورد في مؤتمر الحركة الإسلامية، وجاء في بيانها الختامي، هو ( تلتزم الحركة الإسلامية بالاتفاقيات وبالعهود والمواثيق التي ابرمت والتي تؤسس للاستقرار والتعايش في وطن يسع الجميع) (المصدر السابق). إن هذه الاتفاقيات ، والعهود، تتضمن اتفاقية السلام الشامل، والدستور الانتقالي، الذي نص على الإنسجام التام مع المواثيق الدولية، لحقوق الانسان، وهي تعني فيما تعني، بسط الحريات العامة، ورفع الرقابة عن الصحف، واعطاء كافة الأحزاب، والجماعات الفكرية، فرصة في وسائل الاعلام القومية، والغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وكافة القوانين واللوائح التي تتناقض مع الاتفاقية ومع الدستور، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين .. بغير هذا لن يتم استقرار، ولن يتم تعايش، ولن يسع الوطن الجميع .. فمتى تتبع الحركة الاسلامية، والمؤتمر الوطني، والحكومة، القول بالعمل؟!

د. عمر القراي
------------------------------------------------

العدد رقم: 995 2008-08-21

بين قوسين
كيف تسلل الينا هؤلاء الأعداء؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-08-21




بعد عملية الانشقاق التى قادها الترابى وبعد أن تمت عمليات تجريده من كل المناصب التى كان يحتلها في التنظيم والدولة والحزب في نطاق ما عرف بحركة الرابع من رمضان, أذكر أننى قلت لأحد كبار المسئولين في الحركة ان من أدبيات عالم (الجاسوسية) انه عندما يكتشف جهاز مخابرات ما أن أحد كبار قادته كان (جاسوساً) لجهة معادية أو حتى كان (عميلاً مزدوجاً) فان أول قرار يتخذه ذلك الجهاز هو تشكيل لجنة تحقيق مهمتها الاجابة على سؤال واحد هو ما هى كمية (الضرر) التى ألحقها ذلك (القائد) بهم ويكون تكوين تلك اللجنة ضرورياً وملحاً خاصة اذا كانت تلك (الخيانة) قد استمرت لزمن طويل وبما أن الترابى كان يسيطر على كل مقاليد الحركة الاسلامية لفترة فاقت الأربعين سنة كان خلالها يمارس العديد من النشاطات التى لم يكن أحد يعلم عنها شيئاً فان تشكيل تلك اللجنة كان ضرورياً, كذا اقترحت! وكنت متيقناً أن الرجل ترك وراءه كمية من (القنابل) ستنفجر تباعاً ان لم يتم اكتشاف خرطها ونزع (فتائلها) و ابطال مفعولها.
ولو أن السيد الترابى تصرف بعد خروجه تصرف شخص كان مع جماعة ثم فارقهم واحتفظ بشئ من (الود القديم) لما خطرت الفكرة أصلاً بذهنى غير أن الرجل بدأ فى الصباح فى تدمير البيت الذى بات فيه الليلة السابقة. وتلك كانت مسألة غريبة ومحيرة. فكثير من الجماعات السياسية تنشق غير أن الأطراف تحتفظ بمسافات من التواصل خاصة الجماعات الاسلامية باعتبار أن لقاءها ببعضها البعض حدث أثناء السير الى الله. (يا اخى سيبك) من الجماعات الاسلامية! ان عصابات المافيا (أعزكم الله) عندما تفترق فلها قانون اسمه قانون المحافظة على (السرية) يحافظ عليه الجميع و يحافظ عليه الفرد حتى لو كلفه ذلك حياته.
نحن عندما كنا في المرحلة الثانوية كان يتم (تجنيد) أغلبية الدفعة في سنة أولى في التنظيم غير أنهم عند التخرج يتناقصون. أذكر أننا تخرجنا حوالى (17) من دفعتنا من الاخوان. لكن الشاهد أن أغلبية اولئك الاخوة يظلون أصدقاء للحركة بل ان العديدين منهم يرجعون بطول الزمن الى محيط الحركة ان لم يكن الى أطرها التنظيمية. الشئ الذى جعلنى أعيد التفكير في اقتراحى السابق بضرورة تشكيل اللجنة هو ظهور جيل من (الأعداء) عفواً أقصد (الاخوان) الذين دخلوا التنظيم وتبوأوا فيه مناصب حساسة على يد الترابى ثم (خرجوا) بشكل مقصود ومنظم وعلى فترات لا يمكن أن تنطبق عليها فكرة (التساقط) التاريخى أو الخروج للأسباب الطبيعية التى تحدث بشكل تدريجى. هؤلاء خرجوا دون أسباب منطقية ولا معروفة. كل الذى نعرفه هو أنهم وبعد أن علمتهم الحركة الاسلامية وجعلت منهم (بشراً) يشار اليهم بالبنان بعد أن كان بعضم نكرات وبعضهم جاءوا من (قيعان) المدن والمجتمعات, خرجوا بشكل منظم واندفعوا بذات الشكل يحاربون الحركة الاسلامية بذات الأسلحة و(الشهادات) الرفيعة والمناصب المرموقة التى منحتها لهم الحركة. ان واحداً من مهام تلك اللجنة هو معرفة من هؤلاء وكيف (تسللوا) الى صفوفنا وهل هم جزء من (القنابل الموقوتة) والألغام التى نشرها الترابى قبل انسحابه؟!

--------------------------------------------------

ثقافة الاستسلام
كتب الطيب مصطفى
Thursday, 21 August 2008




زفرات حرى


الطيب مصطفى

ثقافة الاستسلام



عجبتُ أن يجزم إسلامي في وزن ومكانة د. خالد التيجاني وهو يستعرض مآلات مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وكيفية التعامل معها... أن يجزم بأن 99٪ من أوراق اللعبة بيد أمريكا ولا يترك لله القوي الجبار سوى ثقب صغير لا تتجاوز مساحته 1٪ كما لم يترك للشعب السوداني وللوطن وللعالم أجمع شيئاً يناور في إطاره ويتحرك؟!من قديم وفي ذلك الزمان الرائع الذي كان فيه د. الترابي في كامل عافيته يأخذ بألباب مستمعيه بسحر بيانه المرتكز على عقيدة راسخة كالجبال الراسيات قبل أن ترتج قناعاته ويخلد إلى مستنقع الإحن والأحقاد والعصبيات الضيِّقة وينقلب على فقه الولاء والبراء الذي لطالما بشّر به ودعا... في ذلك الزمان حفظنا من الرجل ان كثيراً من الناس أشرك أمريكا بالله حتى انه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهي رابعتهم ولا خمسة إلا وهي سادستهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهي معهم أينما كانوا!د.خالد التيجاني قال في مقال طويل في صحيفته »ايلاف« وهو يتحدث عن الدور الأمريكي في اتفاق نيفاشا »والمفارقة أن الدور الأمريكي كان ضاغطاً على الدكتور جون قرنق بأكثر مما كان كذلك على الجانب الحكومي فقد حملته حملاً في كثير من المنعطفات المفصلية في مفاوضات نيفاشا على المضي قدماً في عملية التسوية«!!لست أدري والله ما هي الأسس والحيثيات الموضوعية التي اعتمد عليها الرجل وهو يصل إلى هذا الحكم والذي بنى عليه كثيراً مما ورد في مقاله الذي حاول أن يسوق به رؤيته التي منح بها أمريكا »الربوبية« على الكرة الأرضية بالرغم من أن أمريكا نفسها لم تزعم أنها ضغطت على قرنق بأكثر مما ضغطت على الحكومة السودانية كما لم يقل بذلك أحد في الكون غير د. خالد!!أغرب ما في مقال خالد أنه يحسن الظن بأمريكا ويتعامل معها كما لو كانت ملاكاً طاهراً لا يضمر شراً ولا يحمل مشروعاً معادياً ولا يصدر عن مشاعر حاقدة أو استهداف لنظام الحكم ولا ينحاز لأحد شريكي الحكم على حساب الآخر. خالد التيجاني يتجاهل تماماً أن أمريكا باعتراف مسؤوليها بمن فيهم مبعوثها السابق إلى السودان اندرو ناتسيوس تسعى ولا ترضى بغير اسقاط الحكومة بديلاً كما يتجاهل تعامل أمريكا اللا أخلاقي الذي يجعلها لا تتورع عن الكذب كما اعترفت بذلك وعلى رؤوس الأشهاد في أمر أسلحة الدمار الشامل في العراق أو كما فعلت مراراً حين وعدت بأن نيفاشا سيعقبها انتهاء أزمة دارفور لا اشعالها كما حدث بتدبير أمريكا أو كما حدث بعد توقيع اتفاقية أبوجا التي تمت بإشراف وضغط ثم تأييد من أمريكا ووعد بالضغط على الحركات المتمردة الرافضة للتوقيع والتي تستضاف قياداتها اليوم في واشنطن وتخطط أمريكا معها لإسقاط الحكومة وإقامة مشروع السودان الجديد الافريقاني العلماني المرتبط بالأجندة الأمريكية والصهيونية.لست أدري والله هل هي سذاجة سياسية؟! لا والله فخالد ليس ساذجاً وإنما هو محلل سياسي بارع لكنها نبوة سيف وكبوة جواد أرجو أن يقوم على ساقيه وينهض من جديد وينطلق لا يلوي على شيء معتمداً على مرجعيته التي لا تصدأ ومشروعه الإسلامي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومستعيناً بالله العزيز الحكيم بدلاً من أمريكا التي جرّبنا طريقة تعاملها مع المنبطحين وتلاميذ ثقافة الاستسلام وقوى التبعية ممن يهدونها عطايا مجانية ورافعاً لواء الجهاد وسيلة بل وفريضة تستخدم في مواجهة الطواغيت وفراعنة العصر وليتذكر ما حلَّ بعاد وثمود وبالاحزاب في غزوة الخندق وما حلَّ بأمريكا في العراق وافغانستان بل وما حلَّ بها في فيتنام كما عليه أن يتذكر مجاهدات الدبابين قبل كارثة نيفاشا وما جرّته على البلاد من تداعيات لا نزال نتجرّع علقمها المر.



وليتذكر الأخ خالد مقولة كيسنجر إن أمريكا لا تدفع ثمن ما يُهدى إليها وليتنا نتعلم ألا نهديها إلا السيف الذي لا تحترم إلا من يحملونه ويرفعونه في وجهها.



زمان الخيانة!!المضحكات المبكيات كثيرة في بلادنا هذه التي أصبح فيها كل شيء جائزاً ومباحاً بما في ذلك الخيانة الوطنية بل وخيانة الله ورسوله وهل من خيانة أكبر من أن تتكأكأ قيادات المؤتمر الشعبي على الحركة الشعبية ويجلس زعيمهم في صحيفة »أجراس الكنائس« بين نقد وباقان أموم ليهرف بما كان يعتبر عنده كفراً بواحاً وهل من مبكيات أكبر من أن يذرف أبناء المشروع الاسلامي قديماً قبل أن تتخطفهم الإحن ومرارات النفوس وعصبياتها المنتنة يذرفون الدمع السخين على قرنق... الرجل الذي لطالما ناصبوه العداء وجاهدوه بالسنان بالرغم من أن الرجل هو ذات الرجل لم يتبدَّل ولم يتغيَّر وظل حتى يوم مهلكه يحمل ذات المشروع الذي يتبناه اليوم أعداء الاسلام باقان وعرمان وألور.



إنه زمان الحزن على أبي لهب وأبي جهل بعد أن أخلد الحزانى الجدد إلى الأرض مما سأكتب عنه معقّباً على ما خطه يراع بعض الكتّاب الاسلاميين في صحيفة »أجراس الكنائس« في ذكرى استشهاد عراب مشروع السودان الجديد.



ما دعاني لكتابة هذه الكلمات الحزينة خبر عن توقيع رجل اسرائيل في السودان أو قل في شمال السودان عبد الواحد محمد نور على مذكرة تفاهم في واشنطن »بالطبع« مع نكرة يسمى نور الدين احمد عبد المنان رئيس ما سمي »التجمع النوبي الكوشي« وتهدف المذكرة إلى »العمل سوياً لخلق سودان علماني ديمقراطي موحد مبني على حقوق المواطنة المتساوية«؟!



وقال الخبر إن التجمع المزعوم »يدير حملة لمنع خزان كجبار في شمال السودان بحجة أنه سيغرق أحد أقيم المواقع الأثرية في العالم«!!



وقال الخبر الذي احتفت به الصحيفة وأوردته في صدر صفحتها الأولى إن »النوبيين الذين يعيشون في مصر والسودان ظلوا يتهمون القطريْن بتهميشهم وذلك بغرض تفكيك المجتمع النوبي وصهر السكان الأصليين في منطقة النوبة في الثقافة العربية من خلال برامج منتظمة من التطهير الثقافي والصهر القسري«.



إنها المؤامرة الكبرى تجري على قدم وساق وتحمل نفس شعارات »التهميش« ولا أحتاج في هذا المقام إلى الحديث عن الدور الصهيوني والأمريكي في هذا العمل الذي يصب في مجمله في مشروع السودان الجديد الذي تقوده الحركة الشعبية بالوكالة عن أمريكا واسرائيل وبعض الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وأضيف أن حركة تحرير السودان هي الابنة »الشرعية« للحركة الشعبية لتحرير السودان!



أين مصر يا تُرى مما يجري في جنوبها وفي شمال السودان؟!




الانتباهة
----------------------------------------------------

لا .. لمصادرة الرأي !!

د. عمر القراي
[email protected]

جاء في ختام تأكيدات البيان الختامي، لمؤتمر الحركة الإسلامية، قولهم : (تلتزم الحركة الإسلامية بالاتفاقيات والعهود والمواثيق التي ابرمت، والتي تؤسس للاستقرار والتعايش في وطن يسع الجميع ) ( الرأي العام 10/8/2008م) . ولم يجف مداد هذا التأكيد، وغيره من التأكيدات المماثلة، حتى خرقت الحركة الإسلامية، ممثلة في أجهزة الأمن، هذا العهد، وقامت بمصادرة مقال كنت قد كتبته لجريدة الصحافة، يوم الأحد الماضي .. وهو مقال لم يكن يهاجم الحكومة، وانما كان يعلق بالنقد على مؤتمر الحركة الإسلامية، ويناقش بيانها الختامي، ويطالبها باتخاذ موقف محدد يقوم على منطلق فكري واضح !!

إن الرقابة على الصحف، ومصادرة الآراء حتى لا تصل الى الجمهور، لهو من أبشع صور الدكتاتورية .. وذلك لأن في منع الرأي الناقد ، دلالة واضحة، على محاولة أخفاء الفساد والقصور .. فبدلاً من الرد على المقال بواسطة أنصار الحكومة ، تقوم سلطات الأمن، حماية للنظام، أو للجماعات التي تؤيده، بمصادرة حق مواطن آخر في التعبير، وتمنع رأيه ان يصل الى الشعب، مثلما يصل رأي الحكومة، وحزبها، ومؤيديها، عبر مختلف وسائل الإعلام التي تسخرها أساساً، لتعبئة المواطنين حول موقفها السياسي.

ولو كانت حكومتنا مجرد نظام عسكري دكتاتوري، فان رقابة الصحف، ومصادر الآراء، تجئ نتاجاً طبيعياً .. ولكن العار كل العار، أن تدعي الحكومة انها تعبر عن الاسلام ، وترفع شعاراته، وتقيم المؤتمرات لحركتها التي تسميها إسلامية، وترفع مبادئ إعلاء كلمة الله، والعدالة ، والوفاء بالعهود، ثم تخشى الحكومة وحركتها الإسلامية، التي تزعم الاعتصام بالله، النقد الموضوعي الهادف، الذي يبصرها، ويبصر الشعب، بما تتورط فيه من مفارقات لروح الدين، وقيمه، وسماحته .

والحكومة تزعم أنها تسعى جادة لتنفيذ اتفاقية السلام، وتعد مرات عديدات بالإلتزام بالدستور الانتقالي لعام 2005م . ويجئ مؤتمر الحركة الإسلامية، ويؤكد على الإلتزام بالعهود والمواثيق، وكل هذه العهود والاتفاقية تؤكد على الحرية والتحول الديمقراطي .. فاذا كانت الحكومة لا تحتمل مقالات الأفراد في الصحف، فهل يمكن ان تحتمل منافسة حقيقية من الاحزاب في الانتخابات ؟! إن نظاماً لا يستطيع ان يرفع الرقابة عن الأفكار المجرده ، التي لا تنازعه سلطته ، لن يحتمل معارضة تستهدف سلطته، عن طريق التداول السلمي عبر الانتخابات .. ولهذا لن يقدر على خوض انتخابات نزيهة، ولا يمكن ان يحتمل نتائجها، لأنه يختلف جوهرياً، مع فكرة الديمقراطية نفسها .. وما هي في النهاية، الا الإيمان بامكانية العيش المشترك، المتساوي، في وطن متعدد الثقافات، والأفكار، والمعتقدات، لابد لكل مجموعة فيه ان تستمع للأخرى، وتحترم رؤاها، لا ان تصادر حقها في التعبير بقوة السلطة.

حين رفعت الحكومة شعار المصالحة الوطنية، ومدت يداً بيضاء لكل الأحزاب والجماعات، وجاءت الحركة الاسلامية في مؤتمرها السابع، وأكدت على هذه اليد البيضاء، ما هو الهدف الحقيقي وراء هذه الدعوة ؟! هل تظن الحكومة، وحزبها،ان كل افراد الشعب، وجماعاته المختلفة، يمكن ان يصالحوها على ان يعيشوا في وطنهم رعايا، تحكمهم الحركة الإسلامية وحزبها، وتتحكم فيهم، وتستغلهم ليعملوا في كافة المرافق، وينتجوا، فتأخذ هي حصيلة انتاجهم، وتوظفها لاحكام سيطرتها عليهم، ولاثراء افراد تنظيمها على حساب افقارهم واذلالهم، دون ان يكونوا مواطنين لهم حق الحياة، وحق التعبيرعن آرائهم في بلدهم ؟! الى متى تظن الحكومة انها يمكن ان تخدع الشعب، وتخدع المجتمع الدولي، بانها تريد السلام، ثم هي من الناحية العملية، ترفض رفضاً باتاً، كل سبيل يؤدي الى السلام والاستقرار، بما تصادر كل يوم، من حق المواطنين في التعبير عن آرائهم ، فيما يحدث داخل وطنهم ؟!

ولم يبق الا عدة أشهر لموعد الانتخابات، ولم تعلن نتيجة التعداد السكاني، حتى تتابع الأحزاب تقسيم الدوائر، وحتى يتم التخطيط المطلوب للمنافسة المرتقبة . أكثر من ذلك !! وسائل الاعلام لا زالت محتكرة، بصورة مؤسفة للمؤتمر الوطني وحده .. أليس من العار ان تدعي جماعة اسلامية، انها ستخوض انتخابات متكافئة ونزيهة، بعد ان حجزت خصومها من وسائل الاعلام، واخفت عنهم كافة المعلومات التي تهيأهم للمنافسة ؟! ومرشحو المؤتمر الوطني، الذين يحتلون الآن مناصب في الدولة، متى سيتم ابعادهم عن السلطة، حتى يكونوا مواطنين عاديين، مثل منافسيهم، وهل حصرت ثروتهم ، ليتم الفصل بين مال الحزب ومال الدولة ، حتى تتمكن الأحزاب الأخرى من المنافسة في الدعاية الإنتخابية ؟!

وحول قضية دارفور، فان الحكومة اعلنت عن مبادرة، باركها مؤتمر الحركة الإسلامية، ولم تعلن تفاصيلها بعد .. وان كان هناك تأكيد على السلام، واشراك ابناء دارفور في الحوار، حول قضية إقليمهم.. وكل هذا يعتبر اتجاهاً ايجابياً، ولكن حتى اذا تم حل مشكلة دارفور، كيف ستتعامل الحكومة مع أهالي دارفور، لو ظهر ان منهم من يختلفون في افكارهم، عن المؤتمر الوطني ؟! هل ستسمح لهم بالتعبير، ونقد الحكومة وحزبها، أم ستصادر آراءهم، وتطلب منهم فقط الإذعان للحكومة وحزبها ، مهما رأوا من اخطائها ؟! أن الهدف من اثارة هذه التساؤلات، هو توكيد حقيقة، ما ينبغي للحكومة ان تغفل عنها، بل يجب عليها ان تؤكدها مراراً للمسئولين، ولأعضاء الحزب . تلك الحقيقة هي ان تحول الوضع من الحرب الى السلم ، لابد ان تتبعه ، بالضرورة ، سعة في الحريات ، وتقبل للرأي الآخر .. وحتى تظهر الحكومة حسن النيّة ، وتقنع معارضيها بجديتها ، في سعيها لتحقيق السلام ، لابد ان تبدأ بخطوات عملية ظاهرة ، في هذا الاتجاه .. ولعل أولى تلك الخطوات، هي توسيع فرص الحريات ، مهما احتوت على نقد مرير للحكومة ، وحزبها ، وحركتها الاسلامية .. فلا يعقل، او يقبل، ان تتحدث الحكومة عن الحريات وتوسيع قاعدة الحوار، لتحقيق السلام والمصالحة الوطنية ، ثم انها تكلف جهاز الأمن، بالمرور اليومي على الصحف، ليصادر المقالات التي تنتقد الحكومة، او حزبها، او الحركة الإسلامية !! .

ومصادرة المقالات المعارضة، واحياناً مصادرة الصحف بأكملها، لا يشكل حجر على حرية الفكر فحسب، وانما هو أيضاً تكريس لعدم المساواة بين المواطنين .. وذلك لأن هنالك صحفاً مثل (الانتباهة) تدعو للعنصرية، وتدق طبول الحرب ، وتسئ الى رموزنا الوطنية ، ويبلغ كتابها حداً من الشتائم والاسفاف، يجعلها دون مستوى النشر، ومع ذلك، لا توقف، ولا تصادر بعض مقالاتها الداعية للفتنة !! فاذا كانت الحكومة تقر هذا التمييز، فقد غابت عن الدولة سيادة حكم القانون، لأن المواطنين أصبحوا ليسوا سواء أمام القانون – قانون المطبوعات او قانون الصحافة او قانون أمن الدولة . والاشخاص الذين لا يطالهم القانون، يشعرون انهم نالوا هذا التمييز، لأنهم يعبرون افضل من غيرهم، عن حقيقة منطلقات الدولة .. وهذا ما يوقع الحكومة في الإشكال !! لأن اتهامات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، انما قامت أساساً على ان الحكومة ميزت بين ابناء دارفور.. وفضلت بعضهم على بعض، وهي تهمة كان يمكن ابطالها، باثبات ان جميع المواطنين السودانيين متساوون أمام القانون. وان الحكومة لا تفضل مجموعة على أخرى .. على ان مثل هذا الدفع، يحتاج الى أدلة ملموسة ، أهمها إيقاف مصادرة الرأي، واعطاء كل فرد الفرصة ليعبر عن آرائه، ما دام يقوم بذلك بطريقة سلمية، لا يعتدي فيها على الاشخاص، ولا يسئ اليهم ، وانما ينقد افكارهم ، ومواقفهم ..

ومعلوم ان اثر المصادرة ، ليس كما كان في الماضي .. فان المقال الذي يأخذه رجال الأمن، من الصحيفة ، يظهر في اليوم التالي في الإنترنت ، فيقرأه السودانيون في جميع انحاء العالم ، بما في ذلك من يجدون طريقاً للانترنت في السودان، وهم كثيرون، ويتزايدون كل يوم .. والذين لا تتوفر لهم فرصة الإنترنت، يسمعون بالمقال المحظور، من الذين قرأوه ، أو ربما طبعوا لهم نسخاً يتداولونها، فتمر على اعداد كبيرة ، لمجرد الفضول ، ومعرفة لماذا صادرت الحكومة، هذا المقال بالذات ؟! لا بد ان ما جاء فيه حقائق ، يعجز انصار الحكومة ، واعضاء حزبها الدفاع عن أنفسهم بازائها .. وهكذا يروج للمقال المصادر بصورة تجعله يقرأ اكثر من المقالات المنشورة .

ورغم ان المصادرة في حد ذاتها عمل سيئ ، الا انها أيضاً تتم بصورة عشوائية، بعيدة عن المهنية ، مما يدل بالاضافة الى سوء النيّة، على قلة الخبرة والدراية بهذه الأمور، فقد يسمح المراقب لمقال في نقد الحكومة أشد من مقال آخر، وقد يصادر مقال، هو في حقيقته نقد مفيد للحكومة.

والشباب الذين إلتحقوا بجهاز الأمن، طلباً للرزق ، أو رغبة في خدمة الوطن، انما يستغلون أبشع استغلال، حين يرسلون لدور الصحف .. فيجدون شباب في مثل أعمارهم، ربما كانوا زملائهم في الجامعات .. يقومون بالكتابة، او المتابعة ، وتحضير المادة الصحفية ، ومناقشتها ، وتكوين آراء ، يتحاورن حولها، وتحديد اولويات النشر.. بينما يكون على رجال الأمن ان يمنعوا بعض أو كل هذه المادة ، التي تعب زملاؤهم في اعدادها، من النشر !! هل هناك عار أكثر من هذا ؟!

د. عمر القراي

تمت مصادرة هذا المقال بواسطة الرقابة الامنية من صحيفة اجراس الحرية عدد الخميس 21 اغسطس

-----------------------------------------------------


قراءة لما سوف يكتبه الترابي.. نقلاً عن اوكامبو!!
كتب اسحق احمد فضل الله
Sunday, 24 August 2008



آخر الليل
اسحق احمد فضل الله

قراءة لما سوف يكتبه الترابي.. نقلاً عن اوكامبو!!


{ وما يجري الآن ليس إعداداً لمخطط لهدم السودان .. ما يجري هو الخطوة الثانية في تنفيذ المخطط المتسع .. بعد ان اكتمل تنفيذ الخطوة الأولى - بالفعل - وبنجاح.



{ مخطط لقيادة جبهة عالمية ضد الخرطوم هو ما يجري الآن بعد ان فشلت العمليات السابقة.. ما بين صناعة الاثنين الاسود .. وحتى هجوم خليل على امدرمان.



2



{ قيادات الحركة الشعبية الآن في واشنطن وقيادات تمرد دارفور.. والشرق= بعد انشقاقه= والترابي في سويسرا.. وسويسرا تهبط فيها الآن جنداي فريزر.



{ وجنداي فريزر= ابنة الملاكم جو فريزر= والتي تتمتع بكراهية طاغية للاسلام منذ ان هزم كلاي المسلم والدها في تنزانيا= يزورها السيد اوكامبو في مكتبها قبل يومين من اطلاق دعواه ضد البشير.



{ ومكتبها يقع في قلب وزارة الخارجية الامريكية.



{ والهوى العذري يجمع بين الترابي القائد الاسلامي والسيدة فريزر كارهة الاسلام هذه .. حين تجد العيون ان الشيخ الترابي يقود حزباً »اسلامياً« في الخرطوم .. وله جناح عسكري في تمرد دارفور وله لقاء مع الحركة الشعبية في الجنوب يبلغ درجة شق الصف الاسلامي .. والترابي يجدد قديمه حين يلتقي قبل شهرين بالسيد نقد زعيم الشيوعي وباقان زعيم الحركة الشعبية وفي صحيفة اجراس الكنيسة .. لقاء يعلن »فشل« الدولة في السودان.. و..



{ كل هذا يجعل من الشيخ شخصية نموذجية للقاء السيدة فريزر- ولقاء المشروع الجديد.



{ وزوار واشنطن الآن لكل منهم بطاقة تجعله يلتقي مع المخطط في زاوية الطريق.. فجبهة الشرق = الجناح الذي يقوده الشيوعيون= يبدأ تحوله الى حزب قبل اسبوعين بإعلان غريب .



{ الحزب طلب اشعال مشكلة حلايب ضد مصر واشعال مشكلة الفشقة ضد اثيوبيا.. والدور المرسوم للحزب هذا = ورسوم حفل واشنطن التي يدفعها الحزب الجديد = هي افساد صلات السودان بمصر واثيوبيا ليكتمل حصار الجيران من الشمال والشرق - بعد الغرب والجنوب..



{ وفقرات لا تنتهي تكتب الآن الورقة الرائعة التي يجري اعدادها الآن في سويسرا وواشنطن لاعلان السودان الجديد.



{ الورقة التي يقدمها الترابي بعد عودته - وبلغته الرائعة.



{ والورقة سوف تطلب.



: اعطاء دارفور = وكلمة دارفور هنا تعني قادة التمرد = حكماً ذاتياً ومنصب نائب الرئيس .. ثم.



{ ثم قسمة السلطة بحيث يفقد الوطني اغلبيته السياسية حين تجتمع قوى تمرد الغرب مع حليفها الحركة الشعبية .. والشعبي.



{ وفي الثروة تبقى قسمة 50٪ من البترول للجنوب ثم يقسم ما بقى بحيث تذهب 20٪ للغرب .. ثم 15٪ للشرق.



{ وهكذا تجفف خزينة الدولة بحيث تفقد قوتها تماماً.



{ والجيش في القسمة الجديدة يعاد تشكيله بحيث ان البلاد تفقد جيشها ان هي قبلت بالشكل الجديد هذا. وإن هي لم تقبل فلا بأس.. فالجيش / بعد ان تعجز الدولة عن تمويله / يصبح مجموعة من الجنود العراة الذين يحرسون اسلحة اكلها الصدأ!!



{ الخطوة التالية / وبعد ان تقف الدولة ذليلة تتلقى التعليمات / هي انشاء حكومة قومية - »والحديث عن حكومة التكنوقراط ينطلق بالفعل منذ اسبوعين«..



{ وحكومة التكنوقراط شيء يعني عدم وجود حكومة في حقيقة الامر.



{ عندها تأتي الخطوة الحقيقية.



{ وتنطلق التصفيات المجنونة في صفوف الجيش والامن والشرطة والخدمة المدنية.



{ ثم !!



{ ثم يتحول الذين يقودون كل هذا = وتحت دعوى التوافق مع المجتمع الدولي = الى بنود اوكامبو.



{ وتسليم واحد وخمسين قيادياً الى محكمة لاهاي.



{ ثم تقديم المئات - وما الذي يمنع؟



{ والمجتمع العربي يدلدل رأسه وقد وجد اصبعاً يغطي به وجهه وهو يقول للحكومة السودانية »لقد اوقفوا حرب دارفور - ماذا تريدون إذن«.



{ وكل احد يرفض بشدة ان يرى ان كل هذا انما يجري »ليسبق« قيام الانتخابات - بعد ان كشفت الدراسات ان الانتخابات تعني اكتساح المؤتمر الوطني لكل الدوائر.



{ والمخيف ليس هذا .. بل المخيف هو ان الانتخابات تعني ان تفقد الحركة الشعبية الجنوبية نصف او اكثر من نصف ما حصلت عليه حتى الآن .. مما يجعل مخطط هدم السودان يتراجع بعيداً!!



3



{ شعور قوي بالمخطط هذا يدير الآن كل شئ .. وصحافة امس الاحد تحمل حديث مدير المخابرات صلاح عبد الله عن المخطط هذا وحديث مدير المخابرات السابق اللواء حسب الله عمر .. وحديث دكتور غازي .. وغيرهم .. وكلهم يحدثون عن هذا في اليوم ذاته.



{ ونيفاشا كان ما يسارع بها هو شعور امريكا = وآخرين = ان المواجهة المسلحة الصريحة كانت عملاً في صالح الدولة فالناس يومئذ كانوا يعرفون من هو العدو . ويعرفون كيف يجيبونه.



{ ونيفاشا تستبدل الآن القتال المباشر بقتال سلاحه الاعظم هو »الدوار« بحيث يعجز كل الناس عن فهم شئ مما يجري.



{ ومن يصاب الدوار يسقط.



{ والدوار الآن.. ينتظر مشروعاً يعود به الترابي .. يطرحه غداً.



{ وصحيفة السوداني يحمل صدرها أمس خبراً يقول »بوادر انشقاق في حزب المؤتمر الشعبي« بعد ان شعر قياديون هناك بهذا الذي يخطط.



{ وانتظروا..




الانتباهة
------------------------------------------------

الأربعاء 30 إبريل 2008م، 24 ربيع الثاني 1429هـ العدد 5454

المحبوب عبد السلام في حوار حول «المشروع الذي كان»:2/3
كُنّا انتلجنسيا مضطهدة داخل الحركة الإسلامية

حوار: علاء الدين محمود

هذا حوار مع المحبوب عبد السلام حول مقالات كتبها في التسعينيات في صحيفة الانقاذ الوطني تحت عنوان (العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان) وكان يقصد الحزب الشيوعي، وكان المحبوب وقتها قيادياً بالانقاذ التي كانت في تمام (تمكينها) مارس المحبوب في هذه المقالات نقداً شرساً على الحزب الشيوعي مستصحباً تجربة الشاعر صلاح محمد ابراهيم ... (الصحافة) تحاور المحبوب حول هذه المقالات وتضعه ايضاً في مواجهة (المشروع الذي كان) ..

? قلت إن صدق صلاح أحمد ابراهيم في سودانيته هو الذي عمق احساسه بالخطر على السودان، وجعله يبحث عما يجمع الصادقين في صف واحد، كان لا يرضى لأبناء السودان أن ينتشروا في دول الجوار باسم المعارضة في حين الخطر على السودان و....
- «مقاطعاً»: الكلام ده كتبتو أنا؟
? مواصلاً: نعم.. وقلت عن صلاح أيضاً إنه يرى ببصره الحاذق د. منصور خالد في معسكر الأعداء، وها قد دارت الأيام أو بلغتك دارت الدوائر وتحالفتم مع معسكر الاعداء (المعارضة - الحركة الشعبية)، بل والحزب الشيوعي الذي ـ يا سبحان الله ـ نفخ الله في صوره فاستبدله بـ «الحزب الذي صار».. كيف تقيِّم مسيرة الانتقال هذه من النقيض الى النقيض؟ وكيف تنظر الى انتشار كوادر المؤتمر الشعبي في معاقل الامبريالية الآن؟ كيف تقف مواجهاً للموقف القديم؟
- والله تعلمنا، اعتقد اننا قد تعلمنا، طبعاً المواقف الحادة هذه كانت موجودة منذ أن كُنّا طلابا بيننا وبين الشيوعيين ومعسكر اليسار عموماً. وكان جيلنا جيل السبعينيات في نظر جيل الستينيات دفع الأمور في الجامعة في اتجاه غير سوداني، وهو اتجاه العنف والمحاداة والمواجهة، فهذه هي الأجواء التي تربينا فيها. ولكني كنت شخصياً - ويمكنك أن تسأل - اكثر أخ مسلم له علاقة بالشيوعيين والبعثيين في جامعة القاهرة وجامعة الخرطوم. وكان هذا معروفا عني، ولكن هذه كانت هي الاجواء، واستمرت هذه الجواء ايام الجبهة الاسلامية، لاننا كنا آخر حزب مع النميري أيام انهياره، واستثمر هذا لاقصاء الجبهة الاسلامية، نحن كنا نملك جريدة واحدة امام عدد من الجرائد كانت للقوى التقليدية واليسار، ولكن وقّع اكثر من اربعين مثقفا مشهورين وكبار من مثقفي اليسار لحظر صحيفة «ألوان»، ثم بعد ذلك حظر الحزب نفسه حزب الجبهة الاسلامية القومية، وأية ندوة شهدناها كنا نشهد فيها هذه العنف. ونحن في جريدة الراية كُنّا نسخر من أنفسنا، لأن الخط الرئيسي للجريدة كان يحمل كل يوم اسم التجمع أو جون قرنق. وكان هذا هو العدو الرئيسي الذي صوبنا إليه كل جهدنا.. وطبعاً كانت تلك ايام محتدمة جداً، وانتقلت هذه الأجواء الى الانقاذ الأولى (بداية عهد الانقاذ) كان فيها هذا العنف بين المعارضة والحكومة، وحكمنا عشر سنوات تعلمنا فيها الكثير.. ولكن المفاصلة بين شقي الحركة الإسلامية كانت درسا كبيرا، التأمل ومراجعة المواقف، ولا توجد مواقف تنشأ بين يوم وليلة، ولكن تتبلور في رحم القديم، فإذا ظهر ضوء الصباح يبرز هذا الشئ الجديد.. فنحن منذ عام 1996م داخل الانقاذ بدأنا نتحدث عن ضرورة بسط الحريات، وكُنّا نعتبر انتلجينسيا، والانتلجنسيا مضطهدة شيئا ما، داخل الحركة الاسلامية، فقد كانوا يطلقون عليهم عبارات مثل المنظراتية والمفكراتية، كما قال التيجاني عبد القادر، وذلك بغرض تخفيض دورهم. وعندما جاءت معركة التوالي التي بدأت عام 1996م ووصلت قمتها عام 1998م عندما أعلن الترابي انه اذا لم تجز اطروحة التوالي فإنه سيتخلى عن الأمانة العامة. ونحن كُنّا أكثر حدة، فالترابي كان يراعي أشياءً كثيرة، ولكن المجموعة التي كانت حول الترابي كانت حادة جداً في مواجهة العسكريين والمدنيين ، كانت مواجهة حادة جداً، وفي ذلك الوقت كنا مانزال حزباً واحداً، ولكن عندما حدث الانشقاق كل هذه الافكار أضاءت، فكرة الحرية، فكرة اللا مركزية، فكرة الهامش الذي يقاتل من أجل حقوقه.. هذه المفاهيم بدأت جذورها ومكوناتها منذ فترة بعيدة، ولكن الانفصال اعطانا قوة فكرية في اتخاذ هذه المواقف. وأذكر أنني قابلت شخصية إسلامية بارزة في الدوحة بعد المفاصلة، فرفض ان يُسلم عليَّ باعتبار أنني كنت في أسمرا ووقعت مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، وهو شخص كبير واستاذ للفلسفة، وقابلت آخر في لندن وقال لي لائماً: حملت القلم ووقعت اتفاقاً مع ياسر عرمان هذا الشيوعي وباقان أموم الذي احتل كسلا؟. وجلست مع هذا الشخص أكثر من ساعة وحدثته عن التطور الفكري والنفسي الذي حدث لي شخصياً، والتطور الذي حدث في كل مسار الحركة، وهذه تطورات مهمة ينبغي أن تقرأ في مسار حركة اجتماعية، سياسية، وللأسف فإن القراءات ليست كثيرة في السودان، لا يقرأ الناس التجارب ولا يراجعونها، وأنا لست أدري ما الذي يحدث، فالطاقة الفكرية في السودان كان ينبغي أن تستفيد من هذه التجارب، وبالتالي يتكون لدينا أكثر من حل للمشاكل التي نواجهها، ولكني أقول وكنت اقول هذا دائماً، إن الحركة الاسلامية والحركة السياسية السودانية كلها في مرحلة نضوج، فنحن في لندن نلتقي عادة أنا وحاتم السر وعادل سيد أحمد والهادي الرشيد وياسر عرمان والرشيد سعيد، ونتحدث كأصدقاء ينتمون الى أصل واحد، يحملون نفس الهموم، ويتفقون في أكثر من 90% من الرؤى، ولو وجدنا حتى شخصا من المؤتمر الوطني متجردا من الضغوط السياسية، يمكن أن يصل معنا لنفس النتائج. ولكن الذي يمنع ذلك هو الاجواء غير الطبيعية الناتجة عن الوجود الطويل للإخوة في المؤتمر الوطني في السلطة.
? تناولت ما أسميته عقلية وروح الفكي والحيران التي سادت حياة الحزب الداخلية التي ساد فيها قمع العضوية ومصادرة حقها في الادلاء برأيها، والرضا بدور المتلقي حتى تحنط عقول العضوية وتكف عن التفكير وتنتظر رأي الحزب في كل المسائل. صدقني رغم اتفاقي معك في بعض ما ذكرته إلا انني لم امنع نفسي من الضحك خاصة وان هذا هو عينة واقع الانقاذ عندما كنت أنت أحد قادتها، وواقع المؤتمر الشعبي بعد ذلك فلم تكونوا إلا حيرانا للترابي، والبعض يراك أنت بالذات الحوار الذي يأبى مفارقة شيخه، وتسير معه على طريقة (إن كان قد قال فقد صدق)؟
- هذه طبعاً نلوم عليها الحزب الشيوعي الذي اعطانا النُسخة السوفيتية من الماركسية، طبعاً ما كُنا نجد كتبا عن الماركسية نقرأها غير كتب المركز الثقافي السوفيتي، وكانت تؤكد لنا هذا المعنى ولكنني بعد ان ذهبت الى فرنسا اعطتنا النسخة الاوروبية اضاءة اعمق للماركسية غير السوفيتية، فالذي اعترى التجربة الشيوعية في السودان من ازمات كانت تشير الى هذا المعنى واذكر انني جلست الى الخاتم عدلان وسألته عن التقييم الذي صدر بعد ثلاثين عاماً عن احداث يوليو 1971م، فكان منفعلاً جداً وثائرا على التقييم الذي وضع المسؤولية على الضباط الماركسيين، وقال لي بالحرف الواحد ان هؤلاء الضباط من اشرف الناس وأكثرهم انضباطاً والتزاماً بقرارات الحزب ولا يمكن للحزب ان يتبرأ منهم بهذه الطريقة. هذا كان رأي الخاتم عدلان فإذا كنت انا اقرب حوار للشيخ الترابي فالخاتم عدلان كذلك حوار كبير لعبد الخالق محجوب، ولكن كانت هنالك مركزية واضحة جداً في تجربة الحزب الشيوعي وأظن أنا لا امتلك معلومات جدية ولكن اظن ان هذه المركزية هي التي تعيق عملية التجديد في الحزب، فالحزب الشيوعي ليس في حاجة الى اصلاح فقط ولكن ايضاً الى تجديد وهذا رأي كثير من الماركسيين. فيما يتعلق بتجرية الحركة الاسلامية أنا اشرت في اكثر من مرة الى انها حركة أنداد بدأت في المدارس والجامعات بين شباب في ذات العمر، لم يكن بينهم شيخ ومن أهم الاصلاحات التي قام بها الشيخ الترابي انه لم يسم منصب القائد في الحركة الاسلامية بالمرشد العام كما كان في مصر، بل سماه الأمين العام فقط سكرتير منظم للعلاقات ولكن كذلك اشرت اكثر من مرة الى عبد الخالق محجوب وحسن الترابي باعتبارهما شخصيتين استثنائيتين مفيدتين جداً، ولكن في نفس الوقت تحدث بعض المشاكل عادة فالانسان العادي تنتهي طاقته في الستين ولا يستطيع ان يقدم الجديد ولكن الشخصيات الاستثنائية تظل تقدم ود. الترابي من هذه الشاكلة، واظن عبد الخالق محجوب كان من هذه الشاكلة أنا قرأت مقارنة طريفة جداً بين عبد الخالق والترابي لم تنشر، كتبها الدكتور احمد عز الدين أبو القاسم هاشم، وهو طبيب وماركسي كان في الامارات وكان في القوات المسلحة ضابطا صغيرا في 1971م، وهو شديد الاعجاب بعبد الخالق والترابي وليس اعجاباً ساذجا بل لأنهما من المفكرين الاستثنائيين والاستراتيجيين، الترابي مفكر استراتيجي نحن لم نستفد من افكاره فقط بل وتتلمذنا على يديه نحن تلامذة الترابي ومتأثرين بمنهجه كما قال مرة أمين حسن عمر ان للحركة الاسلامية مفكر واحد والبقية شراح على المتون، ولكن كانت عندنا فرصة كبيرة جداً للشرح فالترابي بطبعه ليس مركزياً بل يتيح فرصة كبيرة جداً للقيادة من حوله ان تفكر وان تتصرف، وهذا بعض الذي اضر بتجربة الانقاذ ان الترابي فوض غالب سلطاته الى النواب وآخرين لم يكونوا بمستوى فهمه للتحديات التي تواجه السودان وتواجه وضعه في الداخل وفي العالم. صحيح اننا تلاميذ د. الترابي بهذا المعنى ولكننا أبداً لمن نشعر انه يمارس دكتاتورية علينا خاصة عندما نقارن انفسنا بالاخوة في الحركات الاسلامية العربية، ونجد الحظر الذي يفرض على آرائهم وافكارهم وقراءاتهم، وكنا نقارن انفسنا في الجامعة بالفكر الجمهوري، الفكر الجمهوري كان يقوم على الأستاذ محمود محمد طه ولا يمكن لجمهوري أن ينطق كلمة ما لم يراجع لكتب الأستاذ أو يسأله مباشرة، لكن الترابي حتى في أصول الفقه التي له فيها إسهام مهم جدا، أشار إلى أن الفكر الإسلامي في أصله تفاعل بين النص والواقع وعقل الإنسان وتجربته الشخصية ونسبيته، وكان يقول أنتم تريدون أن أكتب كتبا كما يكتب محمود محمد طه وأن تستندوا إليّ، وكنا فعلا نطلب ذلك في أول الجامعة، وكان يقول أنتم إذا سألكم سائل في حلقة نقاش يمكنكم أن تجتهدوا وتفكروا، فهو لا يحتكر الاجتهاد للعلماء ولا يعترف بطبقة اسمها العلماء، ولكي يجعل من الاجتهاد شركة مساهمة يساهم فيها كل الناس فهذه هي الأفكار التي كان الترابي يشرحها جيداً وينادي بها، وتشبعنا بها لذلك لم نشعر أبداً أننا مجرد تُبّع وعندما كبرنا ونضجت تجربتنا كثيراً ما كُنّا نجادله ولم يكن يمارس علينا إرهاباً فكرياً كما يظن الناس.
? رُحت تدبج مقالك «الحزب الذي كان» بالآراء الفكرية المصطرعة داخل الحزب الشيوعي ـ وهي حالة حميدة ـ التي حفلت بها مجلة قضايا سودانية لتبرهن علي اقتراب نهاية الشيوعية، ألا تشبه هذه الحالة بتلك التي انخرط فيها مثقفو الحركة الإسلامية بعد انهيار مشروعهم الحضاري على رؤوسهم ناقدين ومدافعين وباحثين عن أفق، ألم تنخرط أنت نفسك ليس في نقد عنيف ليس دفاعاً عن «المشروع الرباني» بل عن الشيخ ـ طبعاً إلا إذا كانا شيئا واحداً ـ في وجه من خرجوا عنه وتخلوا عن أفكاره ووصفت هؤلاء «الحيران الفارين عن شيخهم ـ بالانتجلنسيا الإسلامية المتولية يوم الزحف» بل وأسست لهذه الحالة «الفكي والحيران» عندما قلت: «إن الحالة الأشد خصوصية، حالة المجموعة حول الأمين العام مؤسس الحركة ومفكرها من التلاميذ النجباء والأذكياء، والحوار بينهم بالتواجد الروحي والفكري وأحياناً بالتواجد المادي الفعلي ولمدى يقارب العقود الثلاثة 1974 م ـ 1999م»؟
ـ نعم، أنا حتى اليوم ما زلت أقول بذلك إن الشخصية السودانية لا تملك رصيداً نفسياً وفكرياً جيداً للمقاومة، وليست لنا الطاقة النفسية التي عند العراقيين أو الفلسطينيين أو حتى بعض الأخوة الافارقة أو الاخوة في الجنوب التي تقبل الأحوال الصعبة «كسر العظام، عض الأصابع» وتخرج من التجربة مستعداً أن تواصل، هذا عيب في شخصيتنا بالنسبة للإخوة في الحزب الشيوعي تجربة 1971م ما زالت ماثلة فهم أقرب للشخص الذي جرب عض الدبيب ويخاف جر الحبل، الأخوة الإسلاميين بعد الانشقاق انفضوا، بعضهم ذهب إلى أفكار صوفية مناوئة جداً لمشروع التجديد الذي قامت به الحركة الإسلامية، وبعضهم وقف في الرصيف محتارا، وبعضهم أصبح ناقما وناقدا جداً، وبعضهم ذهبت به الحياة في دروب أخرى وعرة. على أية حال أنا أقول إن التجارب سواء أكانت داخل الحركة الإسلامية أو داخل الفكر الماركسي ينبغي أن تُلهم الناس لجولة جديدة من العمل والتفاعل، وهذا لم يحدث يمكن أن تكون هنالك عيوب متعلقة بإدارة الحركة من قبل قيادتها، مثلاً كثير من الناس كانوا يقولون لي: أنتم طلبتم منّا التصويت لدستور 1998م، ولكن لم تشرحوا لنا هذا الدستور، وصوّتنا لأنكم أنتم طلبتم ذلك، ولكن لم نعرف أن هذا الدستور مؤسس علي الحريات، دستور مقدس ومحترم. وأنا كنت في غالب الندوات عقب الرابع من رمضان أقول إن هذاالدستور قد خرق وأن هذا الدستور هو عهد الولاء الأعظم بين الشعب ولكن قيادة الشعب خرقت هذا الدستور ولذلك ليست لها أية ولاية عليه حتى تعود عن هذا الأمر. ولذلك عدم شرحنا لهذا الدستور كان عيباً، لكن أنا قابلت إسلاميين أقصى أمريكا وتحدثت إليهم وعجبوا جداً لوضوح الرؤية فهم ما كانوا يدركون التفاصيل ولكن كان عندهم بصيرة نافذة جداً لأن يروا المواقف وعندما حدثتهم عن التفاصيل لم يندهشوا كثيراً لكن فقط عضضت مواقفهم، فأنا ألوم الانتلجنسيا في هذا. فيما يتعلق برأب الصدع هذه لجنة جاءت تصلح بين طرفين كما تقول آية قرآنية «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله» لكن فوجئنا في اليوم الثاني أنهم كلهم أصبحوا وزراء فهذا يعني أنهم جاءوا من الطرف الآخر خلطوا أهداف الحركة الإسلامية العظيمة بطموحاتهم كنخبة، أن يتولوا مناصب، يصبحون وزراء، ويصرفوا دولارات وهكذا... وهذا شيء مؤسف.
? من ضمن من استخدمتهم في هجومك على الحزب الشيوعي كان الخاتم عدلان الذي رأيت فيه «تأيق يعشى الى نور كريم» وبررت ذلك بأنه يدعو إلى نقد شامل ومفتوح، وأنه جاء بكل تجربته في الدراسة والجدل ليناقش حزبه وقيادة حزبه. تُرى كيف تنظر إلى النقد الذي وجهه الخاتم عدلان ـ صاحب التجربة والدراسة في الجدل ـ للشيخ الترابي حيث يرى الخاتم أن التفكير المنفلت من عقاله يضع الترابي علي رأس المتطرفين الغُلاة، وأن الترابي يرى في حكمه الخاص حكم الله، وأن مسيرته خلال أربعين سنة كانت المسيرة الدموية المدفوعة ظعائنها بالحُداة الكاذبين. بل ذهب الخاتم معدداً ما أطلق عليه الآليات الترابية لاختطاف الدين بل قال الخاتم إن الترابي حرك الزعماء السياسيين كالدمى في جريمة حل الحزب الشيوعي ودحر الديمقراطية الثانية؟
ـ أنا قرأت طبعا هذه المقالات وذهبت إليه في صحيفة الشرق الأوسط، وطلبت منه نسخة حتى أعمل على نقدها لأنني رأيت فيها خلطاً وأنا كنت أتهم الخاتم منذ أن كان طالباً في الثانوي بأنه فُرّغ من قبل الحزب الشيوعي ليتابع مسار الحركة الإسلامية الفكري، ولا سيما فكر الترابي وفي نقده الأخير ـ مقال الثلاثاء، بصحيفة الأضواء ـ اعتمد على كتاب السياسة والحكم للدكتور الترابي الذي صدر عام 2004م، وهذا الكتاب يستحق هذا النوع من القراءات، أنا الآن لست بصدد أن أجيب على كل ما كتب الخاتم عدلان لكن ما كتبه يستحق أن يُنظر فيه وأن يرد عليه وأنا سأقوم بهذا الأمر، طبعاً للأسف الشديد بعد لقائي بالخاتم هو ذهب إلى أمريكا واكتشف المرض، وبعد ذلك لم يعش طويلاً. في تجربة الحزب الشيوعي شيء أفضل من تجربة الحركة الإسلامية، الشيوعيون بعد أن تجاوزوا الصدمة الأولى ـ إعدام القيادات ـ بدأوا ينخرطون في نقدهم للماركسية، وكذلك عندما انهارت الماركسية أعملوا سلاح النقد، لكن الإسلاميين حتى الآن باستثناء مقالات التجاني عبد القادر والردود حولها لم تصدر دراسة يشترك فيها عدد من الناس كل يعبر عن رأيه. لجنة رأب الصدع نفسها حاولت أن تعمل تقييما للتجربة ولكنه كان تقييم لجنة لكي تقدم ورقة لمؤتمر، أما الكتاب الذي أصدره عبد الرحيم عمر محي الدين فهو من نوع الكتب التي تعنى بالحقائق أكثر من تحليلها، وفي هذا الجانب الكتاب فيه رصد للكثير من الحقائق والمقابلات وهو يعين على التحليل وفهم المواقف، وأنا كنت أدعو إلى أن تصدر آراء من مختلف أطراف الصراع داخل الحركة الإسلامية، ولكن كما تعلم الصراع ما يزال ماثلاً وهذه واحدة من المشاكل أن المؤتمر الوطني والشعبي لم يتخلصا جيداً من أجواء 1998 ـ 1999م.
? اذاً كيف تُقيّم حرب المقالات الناقدة التي ابتدرها التجاني عبد القادر وردود ومقالات الشيخ السنوسي وأمين حسن عمر، والمحبوب وغازي صلاح الدين؟
ـ هذا أمر جيد، خاصة وأنها قد صدرت في كتاب، طبعا كثير من الناس سيغضب على التجاني عبد القادر وما كتب، وقد لا يتفقون معه وأنا شخصيا لا أتفق معه وأرى في كتابه الكثير من التناقضات لكن على أية حال هو كتب ولكن كتابه كذلك يحتاج إلى قراءة وفي الكتاب نفسه مقالات لامين حسن عمر وللسنوسي، وهذا جيد وكان ينبغي كذلك لأمين والسنوسي أن يواصلا في النقاش مع التجاني ولكن لا يزال هنالك انفعال من جانب أمين والسنوسي في ردهما على التجاني لم يكن رداً موضوعياً هادئاً، ولكنه جيد في بعض جوانبه. ومن ناحية التجاني عبد القادر هنالك مرارة تقرأ في السطور وأنا أقول هذا الكلام لأنه مهم لاننا قضينا فترة طويلة في الحركة، وان نبدو في العمر أصغر بكثير من جيل الترابي أو علي الحاج أو السنوسي ولكن قضينا سنوات طويلة جدا في الحركة الاسلامية، وجاءت اجيال من بعدنا ينبغي ان تفهم ما دار بصورة موضوعية لنؤسس تجربة راشدة ومعافاة.
?? إضاءة مهمة جداً:
مقالات المحبوب عبد السلام «العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان»، نشرت بصحيفة الانقاذ الوطني في التسعينات، ولكن الزميل وجدي الكردي اعاد نشرها في صحيفة الاضواء عام 2004م.

الصحافة
--------------------------------------------------------
الأحد 24 أغسطس 2008م، 22 شعبان 1429هـ العدد 5454


فتاوى الانتخابات..!!

د. عمر القراي

الفتوى التي نشرتها جريدة «الوطن» يوم 21/8/2008م، لأحد الفقهاء المشهورين بالحديث عبر وسائل الإعلام، يحرم فيها على المسلم ان يعطي صوته في الانتخابات لغير المسلم، وجدت صدىً واسعاً في الشارع السوداني.. لا لاعتبارها الديني، وانما لاعتبارها السياسي، وتوقيتها مع قرب وقت الانتخابات، من باب الدعاية. وعدم الصدق في هذه الفتوى لا يعي أحداً .. لأنه بموجب اتفاقية السلام، قد قبل المسلمون في الشمال، بما فيهم هذا الشيخ، صاحب الفتوى، ان يصبح رجل غير مسلم نائب رئيس الجمهورية، وفي حالة غياب السيد رئيس الجمهورية، مثل سفره الحالي الى تركيا، يصبح هذا الرجل غير المسلم، المسؤول الأول عن البلاد العباد، وراعي الرعية، بما فيها وزارة الأوقاف، التي تعين هؤلاء الأئمة الوعاظ، الذين ينشرون مثل هذه الفتاوى العجيبة .. فاذا كان الإسلام لا يقبل التصويت لغير المسلم ليصبح حاكماً، فهل يقبل أن يكون حاكماً بغير تصويت؟! فلماذا تحدث الشيخ عن التصويت، ولم يحدثنا عن رأي الإسلام في مصالحة غير المسلمين، والقبول بهم بصفتهم حكاما للمسلمين ؟! وهل يأتمر صاحب الفتوى ورؤساؤه في الشؤون الدينية والاوقاف بتوجيه هذا الحاكم غير المسلم ويطيعونه، ثم يحدثوننا بعدم جواز التصويت له ؟!
أما من حيث الفهم الديني الصحيح، القائم على أصل الإسلام، فإن هذه الفتوى باطلة تماماً، وهي دلالة كبرى على مبلغ جهل هذا المفتي بحقائق الدين، وبالعصر الذي يعيش فيه.. وبطلان الفتوى يجيئ من افتراضها ما لا يصح عقلاً ولا نقلاً. لأنها تفترض أن صفات الصدق والأمانة والنزاهة والمعرفة والخبرة والنهوض باعباء المسؤولية، لا يمكن ان تتوفر في غير المسلم. ولذلك يجب الا نختاره ليتولى أمور حياتنا، هذا بينما دلت التجربة العملية، ان هنالك كثيراً من غير المسلمين، أكفأ وأقدر من جميع النواحي الفنية، والخلقية من المسلمين.. بل لعلَّ هذه هي الصفة الغالبة الآن، بسبب انحطاط المسلمين، ومفارقتهم لدينهم.. وهذا الحال الذي عليه المسلمون، ظلوا يتراوحون فيه منذ وقت بعيد، حتى ظهر في ابلغ صوره، على عصرنا الحاضر.. فحين زار الإمام محمد عبده بريطانيا، في مطلع القرن الماضي، قال عبارته المشهورة «وجدت في انجلترا الإسلام ولم أجد المسلمين، ووجدت في مصر المسلمين ولم أجد الإسلام» !! فاخلاق المسلمين من الصدق والامانة والنزاهة والمسؤولية التي يستحق بها الافراد تولي المناصب العامة، لم يجدها في بلاد المسلمين، وانما وجدها عند غير المسلمين.
إن أصول الإسلام ترفع القيمة من مجرد العقيدة، الى تحقيق الأخلاق، التي من أعلاها الإيمان بالله، والعمل الصالح .. فبالايمان يحيا الضمير، ويراقب سلوك الفرد. والعمل الصالح هو ما ينفع حياة الناس، وييسر سبل حياتهم. فاذا توفر هذا لفرد، مهما كان اعتقاده، فإنه يجعله من المقربين عند الله !! قال تعالى في ذلك «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، فالذي أمنه الله من الفزع الأكبر بصلاحه، حري بنا ان نعلم انه سيصلح حال البلد، اذا نحن وليناه مرافق الدولة.
ولقد دلت تجربتنا القصيرة في السودان، في حكومة الوحدة الوطنية، بأن حكومة الجنوب قامت اكثر من مرة، بضبط حالات فساد، قدمتها للمساءلة، ووقعت عقوبات عليها، وفصلت بعض كبار الموظفين، واستبدلتهم بغيرهم.. أما حكومة الشمال، فإنها قد اعترفت بالفساد، في مرافق الدولة، على لسان المراجع العام، ولم نسمع بمسؤول كبير اقيل من منصبه، أو قدم للمحاكمة في هذه القضايا !! فأي الفريقين أحق بأن يصوت له المواطن، إذا كان يريد حكماً نزيهاً، حريصاً على مصلحة البلاد، وبعيداً من المصالح الشخصية الضيقة..؟!
وحتى لو كان هذا الشيخ المفتي لا يعرف ولا يقبل الفهم الإسلامي القائم على الأصول، فإن الشريعة الإسلامية، فيما شرحها السلف، ودونوها في كتبهم التي يفترض ان يكون ملماً بها، أباحت الاستعانة بغير المسلمين، في أداء مهام هم أكفأ فيها من المسلمين.. واستدلوا على ذلك باستعانة النبي صلى الله عليه وسلم، بأحد خبراء الطرق من المشركين، في هجرته وابو بكر رضي الله عنه، من مكة الى المدينة. وكان في الدولة الإسلامية من الكتاب والمحاسبين والحافظين لخزائن الدولة، من المجوس والنصارى واليهود. ولو كانت تلك المناصب، في ذلك الوقت، يتم توليها بالانتخاب، لصوت المسلمون من السلف الصالح، لهؤلاء الأكفاء من غير المسلمين، لمعرفتهم بكفاءتهم، ولثقتهم في أمانتهم، وحسن أخلاقهم.
إن هذه الفتوى الجاهلة، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب ولا من بعيد.. وانما هي محور من محاور استراتيجية المؤتمر الوطني، لكسب الانتخابات.. ولعلنا كلما يقترب وقت الانتخابات، سنسمع للمزيد من مثل هذه الفتاوى، التي تستغل العاطفة الدينية للبسطاء من المواطنين، لتسوق لهم تجارة المؤتمر الوطني البائرة.. فالمساجد ستستغل في الفترة القادمة أسوأ استغلال، باعتبارها منابر دعاية للمؤتمر الوطني، وستدعو المصلين، للتصويت لممثلي المؤتمر الوطني صراحةً وتلميحاً، وستربط مساندة المؤتمر الوطني في الانتخابات بالمجاهدة في سبيل الله، وربما أنذرت من لا يصوت للمؤتمر الوطني، بالهلاك في نار جهنم !! وأسباب التركيز على المساجد عديدة، منها توفر الجمهور، إذ لو أعلن المؤتمر الوطني لندوة سياسية، لما حضرها عشر المصلين لصلاة الجمعة في مسجد صغير. ومنها ان المسجد يتم فيه الاستماع، ولا تحدث فيه الأسئلة والاعتراض والحوار. ومنها ان التكلفة لا تقع على الحزب، وانما يدفعها دافع الضرائب، الذي ينفق من خلال الضرائب والزكاة، على هذه المرافق العامة. ومنها انتشار المساجد في كل مكان، مما يسهل الوصول لمعظم المواطنين.
. إن الفتنة الدينية سلاح خطير، مزق العديد من الدول، وهو يمكن أن يمزق السودان، اذا لم يتعاون العقلاء على إبعاد النعرة الدينية من الحياة السياسية. ولا بد للحركة الشعبية ان تصر على ابعاد المساجد ورجال الدين من لعبة الانتخابات أو السماح بفرص متكافئة لآراء أخرى، تصحح ما يقال في المساجد، من نفس منابر المساجد. وذلك لأن المساجد ليست ملكا للجماعات الإسلامية، وانما هي ملك لكافة المواطنين.. كما يجب ان تعطي فرصة مماثلة، لرجال الدين المسيحي ورجال الأديان الوثنية العديدة بالحديث عن السياسة في الكنائس والمعابد واماكن التبشير والأحياء التي يعمرها كافة معتقدي مختلف الاديان الموجودة في السودان.
في المنتدى الذي أقامته صحيفة «أجراس الحرية»، يوم الخميس الماضي، حول حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية، تحدث رئيس مجلس الكنائس، عن ما يعانون من مشاكل داخل العاصمة، إذ لم يصدق لهم ببناء كنائس جديدة، ونزعت عنهم الأرض التي خصصت لهم مقابر لغير المسلمين. ومنعوا من التبشير في الاماكن العامة. ويتم الاعتداء عليهم من قبل الشرطة، ويجري اعتقال النساء غير المسلمات، اللاتي يتهمن بيع الخمور البلدية، مع ان ذلك العمل ليس حراماً في دينهن، ولم توفر لهن الدولة فرصاً افضل لكسب العيش. كما ان مفوضية غير المسلمين، التي وضعت لمنع تضرر غير المسلمين من تطبيق الشريعة في العاصمة القومية، مكونة من 28 عضواً، منهم خمسة فقط غير مسلمين !! وفيها بعض الإسلاميين المتطرفين المعروفين، ولذلك لم تتصدَ للفتاوى التي هاجم فيها أحد الشيوخ مِنْ قَبْل الحركة الشعبية، أو معرض الكتاب المسيحي. ومنذ انشائها، لم تتبنَ أية قضية لترفع الظلم الواقع على غير المسلمين، في العاصمة القومية.

الصحافة
------------------------------------------------

العدد 309 - الاحد ٢٤ اغسطس ٢٠٠٨


دفــــاعاً عــــن التُــــرابي!
فتحي الضّـو
بالرغم من انني حصَّنت ووطَّنت نفسي على أن لا أنجرف وراء غرائز الغضب والحقد والكراهية بخاصة عندما اتناول الشأن السياسي السوداني، إلا انني إعترف ان معاد

لاتي هذه تخلخلت يومذاك ولم أستطيع أن أمنع النفس (الامارة) من الانغماس في شماتة لا تليق بها، ومع ذلك أحمد الله كثيراً على أنها كانت حالة طارئة لم يهنأ له الجو لتبيض وتصفِّر، فقد هيأ الله لي من ردها إلى جادة الصواب. كان ذلك كما هو منحوت في الذاكرة السودانية في مايو من العام 1992 اليوم الذي تعرَّض فيه الدكتور حسن الترابي إلى ضربة مباغته كادت أن تؤدي بحياته على يد (مواطنه) هاشم بدر الدين المقيم في كندا، وفي غضون دقائق معدودات نشرت وكالات الانباء الخبر وروجت له وسائل الاعلام المختلفة في أركان الدنيا الأربعة. كنت ساعتئذٍ في طريقي لاتحاد المحامين العرب الكائن في حى (جاردن سيتي) بمدينة القاهرة، وعند البوابة الرئيسية إلتقيت صديقي واستاذي التيجاني الطيب بابكر وبالطبع كان الحدث ثالثنا، ولم أخف إبتهاجي وسعادتي وأنا أفصح عن مكنون مشاعري بخلفية ثقافة (التسويه كِرَيت في القَرَض تلقاه في جِلِدها!) وكان الرجل يستمع إليّ بلسان حال من ودّ أن يفرغ مُحدّثه كل ما في جوفه من مرارات، وظننت أن حديثي نفسه نزل عليه برداً وسلاماً، إلا أنه فاجأني بقول إستبطن عتاباً في ثناياه «ما حدث شىء مؤسف والله، يجب أن لا يسعد أحد، لأنه سيفتح الباب لما هو أسوأ»! ولأنها إجابة مباغتة كالضربة نفسها كان لابد من كَرٍّ وفَرٍّ حولها بمحاولات إلتفافيه مني ولكنها لم تدم طويلا، هي في واقع الأمر محض مكابرة شبيه بما يقدم عليها أي مهزوم ليلعق بها بعض جراحه!

مضى كل منَّا في سبيله، وعجبت لمقارنات جرت بعدئذٍ في ذهني ليس لأنها غير متوازنة، ولكن لقناعتي أنها ما كان ممكناً أن تداهم عقلي أصلاً لولا تلك العبارة التى زلزلت كياني، إذ قلت لنفسي كأني أزيد من محنتها وندمها: إنني مهما كان حجم الضرر الخاص أو العام الذي أشعر به جراء ممارسات النظام الذي يقف على رأسه الترابي، فلا يمكن أن تُقارن بما حاق بالاستاذ التيجاني، فهو على الأقل قَدِم إلى القاهرة ضارباً إليها أكباد الأبل هروباً بالطريق الصحرواي من النظام، وتلك رحلة شاقة حدثني عن تفاصيلها وكانت محفوفة بالمخاطر ولا يمكن أن يقدم عليها إلا من إسترخص روحه في سبيل ما آمن به، ويُذكَر أنه قبل أن يمتطي ظهور تلك الأبل..كان قد إمتطى ظهر سجن (كوبر) العتيد بعد الانقلاب مباشرةً وبقى فيه لأكثر من عام، وكان من ضمن رفقائه في السجن الشيخ المعتدى عليه، أو في رواية أخرى (السجين) آنذاك و(السجان) فيمابهذا التوصيف لو أن التيجاني داهمته تلك المشاعر السالبة لما عاتبه أحد، ولكنه يحمد له أنه ترفع عنها ووضع ما هو أسمى نصب عينيه، ويمكن القول أيضاً أن السودانيين بصورة عامة و المعارضين بصورة خاصة إنقسموا إلى فريقين في تقييم (دَقَة كندا) كما أسماها الخيال الشعبي، قلّة من أصحاب المدرسة المثالية إستغربوها وإستهجنوها بغض النظر عن الذرائع التي حدت بهاشم بدر الدين على أن يقدم على فعلته، مقابل كثرة رأت ما حدث أمراً مشروعاً طالما أن النظام الذي يقف على رأسه المعتدي عليه فعل أسوأ من ذلك، وبالرغم من أنني وغيري كانوا يعلمون أن خلافاً يعلو وينخفض في داخل غرف وصوالين (الجماعة) المغلقة، إلا أنني لم أتخيل مطلقاً – ولو في الأحلام - أن يكون من بين الكثرة الشامتة ثلة من (حيران) الترابي، أولئك الذين تتلمذوا على يده ورضعوا السياسة من (جرابه) وكان السيد مهدي إبراهيم سباقاً حيث قال قولاً تناقلته وكالات الانباء ووسائل الاعلام بذات الهمة التي نقلت بها وقائع الحادثة وتوابعها، فهو لم يتمن للشيخ الشفاء العاجل ولكنه عوضاً عن ذلك قال في حديث صحفي على هامش مؤتمر في جنوب أفريقيا دون التثبت في الرؤية أن الترابي «لم يعد يذكر شيئاً من القرآن عدا سورة الفاتحة» وآنذاك فقط رأيت حديث الاستاذ التيجاني يتشكل أمام ناظري بألوان قوس قزح!

واقع الأمر كان حديث مهدي ابراهيم أشبه بضربة البداية في كرة القدم، وبعد سبع سنوات من الواقعة ضاقت الغرف المغلقة بما ضمته جدرانها ردحاً من الزمن، فإنفجر الخلاف داوياً فيما سمي بالمفاصلة، وتبعاً له أفضت الصدور بمخزونها الاستراتيجي من أحقاد وأضغان وكراهية لم يشهد لها التاريخ السياسي السوداني مثيلاً، وإن أعادت للأذهان بعض حقب خلفاء الأمويين والعباسيين. والمفارقة أن ذاك (الغسيل) القذر حملته (الزيتونة) وأشباهها من النشرات التي كانت توزع في مساجد الرحمن، تماماً مثلما كان ينشر عرب الجاهلية الأولي اشعارهم وأخبارهم على أستار الكعبة. وكأنما كُتب على الشعب (الفضل) أن ينعي الظاهرة مرتين، مرة وهو يشهد قيمه ومثله السياسية تراق كما يراق الدم المسفوك، وأخرى حينما رأوا دينهم وقد تناوشته الفتنة الهوجاء على يد من إدعوا أن العناية الالهية إبتعثتهم لتثبيت أركانه وتوطيد دعائمه وإعلاء كلمته!

مضى الأحباب كل في طريق بعد أن أغمدا سيوفهما لبعض الوقت، أسس الترابي تنظيماً جديداً سماه بـ (المؤتمر الشعبي) وراح بين الفينة والأخري يرسل اشاراته تصريحاً وتلميحاً في تصميم منه على أن لا يهنأ اصحابه القدامي، في حين أن أصحابه أنفسهم حالوا بينه وبين السلطة التي إنتزعوها منه، وقد دأب المراقبون السياسيون على القول أن ما يحدث بين الطرفين هو في حقيقته خلاف سياسي وصراع حول السلطة بغض النظر عن أي تسمية يطلقانها عليه، في حين أن السلطة نفسها المتنازع عليها هي بكل المعايير السياسية تفتقر للشرعية المعروفة بالنظر إلى الآلية التي جاءت بها، وأستمر الأمر سجالاً وما يزال، وعلى الرغم من خلافنا المعروف مع الترابي إلا أنه كثيراً ما ساءنا وصم تلاميذه له بما لا يليق، وإن تجاوز المرء عن القيم التي شيعوها إلى مثواها الأخير، فكيف له أن يغض الطرف عن قيم الدين الذي يدعي الطرفان الانتماء له! وللدقة والموضوعية نضرب مثلاً بكاتبين ظلا يسدران في غيهما دون مراعاة للذوق والشعور العام!

الأول صاحب القلنسوة الذي يكتب في صحيفة السوداني، وأتعمد عدم ذكر أسمه لقناعتي أنه اساساً تطفل على هذه المهنة، وفي ظل الوضع القائم لا أطمح مطلقاً أن ينهض من يحمي المجتمع من شروره المبثوثة بلا رقيب ولا عتيد، وأعتذر للقار
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

حسن الترابي زعيم «المؤتمر الشعبي» السوداني لـ «المصرى اليوم»: محاكمة البشير لا تعني انهيار الدولة وحكامنا لا يستحون
By
Aug 29, 2008, 02:06




حسن الترابي زعيم «المؤتمر الشعبي» السوداني لـ «المصرى اليوم»: محاكمة البشير لا تعني انهيار الدولة وحكامنا لا يستحون

أجري الحوار في الخرطوم جمعة حمداللّه ١٨/٨/٢٠٠٨




تصوير ـ فؤاد الجرنوسي

الترابي أثناء حديثه لـ«المصري اليوم»


نفي الدكتور حسن الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض، وجود أي علاقات تربطه بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة أو بخليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور.

وقال الترابي في حوار مع «المصري اليوم»: «إن النظام السوداني روج للغرب بأن خليل إبراهيم أصولي إسلامي تابع للترابي وبن لادن، ولذلك جاءت الادانات الفورية لما قامت به العدل والمساواة في ام درمان بالرغم من تأييد الغرب لقضية دارفور».

وأشار إلي استمرار اعتقال عدد من المنتمين لحزبه علي خلفية أحداث أم درمان.

وأبدي الترابي استغرابه من الحديث الجاري بأنه في حالة محاكمة الرئيس عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن ذلك قد يتسبب في انهيار الدولة في السودان.

وفيما يلي نص الحوار :

* السودان يشهد حاليا تطورات بالغة الخطورة تثير المخاوف علي مصير الدولة بأكملها، وأنت كنت لفترة طويلة أحد المحركين للسياسة السودانية، فكيف تري هذه التطورات؟

- في البداية نحن في السودان لسنا قومية واحدة مثلكم في مصر، فمصر لها تاريخ طويل ممتد، وهذا الأمر يجمعكم مع بعضكم البعض، بمعني أنكم متواطنون ومتكاملون في بلد واحد، كما انه توجد بينكم شبكة علاقات وولاءات راسخة التقاليد ,لكننا في السودان شعوب متفرقة. فلدينا مناخ مختلف وشعوب مختلفة، وجيراننا كذلك، فهناك تشابك كبير مع هؤلاء الجيران، وثانيا الثروات عندنا تحتاج الي عمل، فالبلد واسعة وبها ثروات مكنونة، ونحن في ثقافتنا رعاة ولسنا فلاحين.

والدين الإسلامي لم يدخل علينا بحكومة راشدة، فلم يدخل الإسلام السودان في عصر الخلفاء الراشدين، أو في عهد خلفاء بني أمية و العباسيين من بعدهم، فلقد دخل الإسلام السودان عن طريق القبائل العربية.

كذلك السودان لم يعرف الحكومة المركزية، مثل البلاد الاخري، فنحن لم نعرف الحكومات، فاذا كرهت الإدارة قليلا فإنك تخرج منها الي أرض بلاد الله الواسعة، فالتحرر عندنا يكاد أن يجنح الي مرحلة العربدة والفوضوية.

ومنذ الاستقلال لم يمارس السودان الديمقراطية الا سنوات قليلة وأطاح بها نظام عسكري، وبعدها قامت ثورة السودانيين علي هذا النظام العسكري «نظام عبود»، وبعد فترة جاء الي السودان نظام عسكري يساري، وأيضًا قمنا بالثورة ضده، وجاءت حكومة ديمقراطية علي السطح وتعرضت لتقلبات كثيرة فجاء انقلاب عسكري جديد، والآن هناك بصيص من الامل في التحرك نحو الحريات والشوري بدءا من الاسرة الصغيرة وهكذا.

وهناك أمل محتمل لمزيد من الحريات في السودان كما ذكرت لك، ولكن في ذات الوقت لا أدعي أنه سيكون مرجحا أو قاطعا للتحرك نحو الحريات في اختيار حكامنا سواء علي مستوي المحليات الي الولايات، الي رئاسة الجمهورية.

وأؤكد أنه اذا كانت هناك حريات في السودان فسيتحد الجميع وتنتهي كل هذه المشاكل، وهناك شيء آخر وهو ضرورة توزيع السلطات بمعني الا تظل في يد شخص واحد موجود في الخرطوم، فلا يمكن أن تظل السلطات كلها يحتكرها شخص واحد، فمن يحتكر فهو ظالم، والبلد واسع ولا يمكن ان يحكم من منطقة واحدة، فكل المال تجمعه من البلاد وتقوم بصرفه في منطقة حكمك وتهمش المناطق والتي لها الحق في هذه الحالة في الثورة ضدك وحمل السلاح في وجهك.

وبالمناسبة إذا كان هناك مجلس منتخب في السودان كنا سنوفر علي أنفسنا حرب الجنوب ودارفور والشرق وغيرها، فهذا المجلس كان يمارس ضغوطا علي السلطة لتوزيع السلطات ومعالجة التهميش.

فليس هناك من طريق لحل أزمات السودان الا عن طريق ان يحكم حرا وبتفعيل اللامركزية وبالشوري، وهذا الامر يحتاج الي إصلاح اجتماعي كبير، و حتي الأحزاب السودانية لم تبن علي برامج وانما مبنية علي ولاء ديني قديم، فهناك من الأحزاب ما ليس له علاقة بالسياسة أو الحياة السياسية العامة او الاقتصاد العام

,فهم صوفيون، يعرفون في عدد التسابيح

والتكبيرات، هناك اخرون كانوا قائمين علي الجهاد ولكنهم تركوا الجهاد القديم، وحاليا الاحزاب اضطرت إلي ان تضع لها برامج، بعدما ظهر جيل جديد من السياسيين.

وكما ذكرت لك هناك أمل نحو المزيد من الحريات في السودان، وهذا الأمر لن يتم بأيدينا نحن ولكن العالم كله دخل عليك حاليا عن طريق الإعلام والفضائيات، وكذلك بالجيوش، فأكبر بلد به جيوش حاليا من جميع أنحاء العالم هو السودان وذلك في الجنوب ودارفور.

* لكن البعض يري أن الصورة أصبحت قاتمة الان في السودان وخاصة بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة الرئيس البشير؟

- ولماذا الصورة قاتمة، فانا لا أراها كذلك، ألا تري أن السودانيين تحركوا نحو الخارج لحل مشاكلهم سواء في الجنوب عندما ذهبنا الي «نيفاشا» ولم نحلها في جوبا، كما اتجهنا الي اريتريا التي كان رئيسها ومعظم شعبها لاجئين عندنا لحل مشكلة الشرق أبوجا لحل مشكلة دارفور، فضلاً عن اتفاق القاهرة، ألا تري في هذا الامر عيبا كبيرا فنحن بلد غني جدا وكان من الممكن أن نجتهد وننتج منه ما يكفينا ويكفي غيرنا من الشعوب التي حولنا، فالسودان واسع ويسع الملايين بخلاف السودانيين، فكان من الممكن كما ذكرت لك اذا اجتهدنا الا تحدث كل هذه المشكلات، ولم تأت الينا العدالة من الخارج.

* هل تحمّل نظام البشير المسؤولية؟

- النظام والشعب مسؤولان، فالله سبحانه وتعالي يوم القيامة هل سيحاسب الحكام وحدهم أم الجميع؟

ودعني اوجه لك سؤالا، كم تعتقد قتل من الجنوبيين في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، فقد قتل جميع الأسري الجنوبيين، ولما وقعت الحكومة اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في نيفاشا قامت الحركة بتسليم الحكومة مئات الأسري من ضباط وجنود وكانوا جميعا في حالة طيبة، وفي المقابل لم تسلم الحكومة الحركة أي أسير، فكيف هذا؟ ، ولذلك من الطبيعي أن نفهم ماذا حدث لهؤلاء الأسري؟

وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أعلام يسلط الضوء علي هذا، ولكن الآن اذا قال أحد كبارنا في التليفزيون «لا تأتوني بأي أسير أو جريح وأنا اعطيكم بضعة أسابيع لترفعوا لي تقارير بأنكم قد قضيتم عليهم»، فإن العالم كله يشاهدك ومصائبك تطفو علي السطح.

المجتمع الدولي حاليا لا يرضي بمثل هذه التصرفات، فالعالم سواء في المانيا او فرنسا او الولايات المتحدة ، رأوا بأعينهم النساء يلدن أطفالهن في التراب، فلا وجود لأي فرش أو غيره، فهل الحيوانات في هذه الدول تلد بمثل هذه الصورة ؟ ، وهل العالم عندما يري مناظر كتلك، أو يرون البشر يحرقون أو رأوا الاطفال يلقون بهم في النار ويحرقون، أو يرون امرأة تُغتصب ويتم توزيعها علي الجميع مثل الرق، فهل يقبل هذا العالم؟

وإذا كنا نحن هنا في السودان محجوبة علينا هذه الصور، وكذلك في العالم العربي، فإن هذه الصورة غير محجوبة عن العالم في الغرب.

* لكن هناك تحذيرات بانهيار الدولة في السودان وفشل جميع مفاوضات السلام التي وقعتها الحكومة مع الحركة الشعبية او مع جبهة الشرق وفي أبوجا؟

- ولماذا هذا؟، إذا كان الله سبحانه وتعالي قال لنا لا تخافوا من انهيار الإسلام بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان هناك مسلمون في ذلك الوقت يحذرون من انهيار الإسلام في حالة وفاة الرسول، ولما وقعت غزوة أحد وأصيب فيها النبي زلزل المسلمون زلزالا شديدا، فنزلت الآية الكريمة «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبت علي أعقابكم»، فنحن يجب أن نتمسك بالحي الذي لا يموت، ولا يجب أن نتمسك بشخص سيموت، فكل الرؤساء سيموتون، فزعماؤنا ورؤساؤنا كانوا كثيرين وكان الموت نهايتهم، و نحن في السودان متعودين علي الانقلابات وكل نظام يذهب هو وحكومته ونظامه ودستوره يطاح بهم، فكم مرة قمنا بهذه الانقلابات منذ الاستقلال، كثير.

والنظام حاليا في السودان نظام دستوري، فإذا توفي الرئيس أو استقال، بعد مدة ينتخب الرئيس الجديد، وطبقا لدستورنا ينتخب الرئيس الجديد بعد ١٠ أيام حيث إن الحزب الحاكم هو الذي يقوم بعملية الانتخاب هذه وليس الشعب.

* معني هذا أن حزب المؤتمر الشعبي الذي تتزعمونه يرفض محاولات حزب المؤتمر الوطني لتوحيد الجبهة الداخلية ضد المحكمة الجنائية الدولية؟

- توحيد الجبهة الداخلية علي أي شيء؟، ألم يكن من الأفضل أن نقيم العدالة في دارفور حتي لا يغضب العالم علينا، أنا لا أتحدث هنا عن العالم العربي، فهل العالم العربي لديه هو ذاته عدالة، نحن لا نستحي من إسرائيل التي قامت علي ظلمنا وجاءت كقوة طاغية علينا، والآن تفعل بنا الأفاعيل، رئيس الدولة يستقيل ويعتذر وحاليًا رئيس الوزراء أولمرت الشرطة تحقق معه بتهم الفساد، وأي تهمة مجرد أنهم أعطوه أموالاً ليصرفها في الدعاية فاستأثر بها لنفسه، وفي المقابل نحن في دولنا العربية والإسلامية حكامنا يستولون علي كل أموالنا ويأكلونها، بالله ألا يستحي العرب؟، هؤلاء هم العرب.

* هل أنتم مستعدون لإجراء حوار مع حليفكم السابق المؤتمر الوطني؟

- أنا مستعد للحوار حتي مع اليهودي.

* وهل جرت اتصالات بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي في الفترة الأخيرة؟

- هم يرفضون الحوار، فالحكام عندنا لا يحاورن الآخر، فهم يستعملون معنا الحربة وليس الحجة، والحكومة الآن تعتقل عددًا من منتسبينا، فلقد جاءت قوة من أقصي البلد في الغرب وقطعت ١٥٠٠ كيلو متر حتي وصلت أم درمان، والجميع كان يعلم بها خطوة - خطوة، ولم يقابلهم أي أحد ليدافع عن عاصمة البلد، ولا دبابة أو مدفع، وهؤلاء (القادمون من الغرب) حققوا هدفهم ورجعوا من حيث أتوا،

وبعدها تلفتت الحكومة لتعرف عمن فعل هذا، فقاموا باعتقال عدد كبير من أعضاء المؤتمر الشعبي وكنت أنا علي رأسهم، وأفرجوا عن عدد من المعتقلين، ولكن من ينتسب إلي دارفور موجود حتي هذه اللحظات في المعتقلات، فالله سبحانه وتعالي لن يحاسبنا بأنسابنا، فهل سيحاسب نوح علي ولده يوم القيامة؟، والرئيس البشير يقول إنه أصدر عفوا عن الأطفال الذين شاركوا في معركة أم درمان، فهل الأطفال مسؤولون، فالله يوم القيامة سيدخل أطفال الهندوس والبوذيين الجنة، فهم غير مكلفين، وهل هناك قانون في أي دولة في العالم يحاكم الأطفال، فعمن أنت تعفو؟

* معني هذا أن هناك معتقلين ينتسبون لحزب المؤتمر الشعبي لدي الحكومة علي خلفية أحداث أم درمان؟

- بالفعل، وقد قامت الحكومة بتنفيذ عدد من المحاكمات الخاصة لعدد منهم، والجميع في دولنا العربية يعلم ما هي المحاكم الخاصة.

ونحن طالبنا كثيرا بالإفراج عن هؤلاء ولكن الحكومة ترفض.

وأود الإشارة هنا إلي تحالفنا في البداية مع المؤتمر الوطني ولكن اختلفنا معهم حول اللامركزية، وكان من رأي المجموعة التي تنتمي إلي دارفور، أن هؤلاء مجموعة من العسكر الذين لا يعرفون لغة الحوار وإنما لغة الضرب والاستهداف، فقاموا بسجننا ١٥ شهرا، ولقد طلبنا منهم مرارا وتكرارا إعادة أموالنا.

وفي عصر الرئيس السابق جعفر النميري، قامت الأحزاب السودانية بالهجوم علي العاصمة الخرطوم انطلاقا من ليبيا، بنفس السيناريو الذي قامت به حركة العدل والمساواة، وكنت في ذلك الوقت في السجن، فما كان من النميري إلا أن أدرك أهمية التصالح مع القوي السياسية السودانية في ذلك الوقت.

ونحن حاليا نطلب منذ أكثر من عامين حل مشكلة دارفور، ودعونا إلي حوار جماعي بين جميع القوي السياسية السودانية لحل المشكلة في الإقليم، فما كان من النظام إلا أن رفض هذه المطالب واتخذ سبيل الحسم العسكري لحل المشكلة، وفشل هذا الطريق، والآن بعد صدور مذكرة أوكامبو بيوم واحد دعا النظام جميع القوي السياسية السودانية لحل الأزمة في دارفور.

وأنا أتساءل هنا ماذا كان سيحدث لو أقامت الجامعة العربية محكمة عدل بها قضاة مستقلون تماما عن الأنظمة العربية، وحاكموا أي زعيم عربي، هل كان سيشعر العرب بأي إساءة أو مذلة؟، بالعكس سيكون هذا الأمر مثالا للعدالة للعالم أجمع.

* دائما في أي مشكلة يتعرض لها السودان يبرز اسم الدكتور الترابي، وفي الفترة الأخيرة ارتبط اسمك بالدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة.. فما هي حدود علاقتك به؟

- العالم حاليا يشهد بروز العديد من الحركات الإسلامية، والآن أغلب المد إسلامي، والناس عندما يوجهون أنظارهم إلي هذه الحركة يوجهونها إلي شخصيات محددة مثل الشيخ القرضاوي وغيره، والترابي وهكذا.

وأشير هنا إلي أنني والبشير والدكتور خليل إبراهيم كنا ننتمي لحزب واحد عندما كنا في الحركة الإسلامية، وبعدها اختلفنا، فقال خليل إبراهيم إن البشير رجل عسكري يعرف لغة الأمن والسلاح، وقال لي أنت تؤمن بالحوار ثم غادر الحركة، وبالفعل تم سجني واعتقالي.

وروج النظام السوداني للغرب أن خليل إبراهيم أصولي إسلامي تابع للترابي وبن لادن.

وبن لادن هذا أنا لا أعرفه ولم أحضره للسودان، ولا أخرجته منه، فالحكومة هي التي استضافته وهي التي أخرجته من السودان، ولم ألتق بن لادن سوي مرة واحدة، فهل قمت بجناية بسبب لقائي هذا الوحيد بزعيم القاعدة.

وجميع الإعلاميين الذين يجرون معي حوارات صحفية يسألونني عن أن الحكومة تقول إن خليل إبراهيم فرع من المؤتمر الشعبي، والآن بعد أحداث أم درمان وهجوم الحركة علي الخرطوم، روجوا في كل العالم أن العدل والمساواة الذراع العسكرية للمؤتمر الشعبي، والجميع أدان هذه المحاولة، بالرغم من أن هذه الدول تضغط علي السودان بسبب أزمة دارفور، ولكن بسب ما روجته الحكومة من انتماء العدل والمساواة للترابي، تمت إدانته.

وقلنا مرارا وتكرارا أن العدل والمساواة لا تنتمي إلينا من قريب أو بعيد.

وأنا حاليا متهم بعلاقاتي مع بن لادن وخليل إبراهيم والغريب بجون قرنق الزعيم السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان وتم اعتقالي ٣٠ شهرا بسبب هذه التهمة.

* لماذا أيدت ترشيح سلفا كير زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في انتخابات الرئاسة المقرر أجراؤها العام المقبل؟

- أنا لم أؤيده، ولكن لكونه جنوبيا يرشح نفسه لرئاسة السودان كله فهذا دليل واضح علي سعيه نحو الوحدة، وهذا أمر نسعي إليه جميعا.

* أليست لديك أنت النية للترشح لانتخابات الرئاسة؟

- عندنا في الدين «من طلب الولاية فاحرموه» فالرئاسة فتنة.

* ألن يقوم حزبك بتقديم مرشحين له في الانتخابات؟

- أي حزب موجود علي الساحة الآن سيقوم بتقديم مرشحين له في الانتخابات، حتي يثبت مكانته ووجوده في الشارع السوداني.

ونحن مستعدون بالفعل للانتخابات ولكن للأسف النظام عندنا ليس نظاما انتخابيا بالمعني المعروف، وهو في هذا الصدد مثل بقية الأنظمة الانتخابية في دولنا العربية، فهي مجرد عروض، حيث يملك النظام القوانين الاستثنائية فله السلطة ليعتقلك من غير سبب واضح، وذلك لأنك من الممكن أن تشكل عليه خطورة في العملية الانتخابية.

* في بداية لقائي معك تحدثت عن أنه تعجبك الأخلاق الرياضية، فهل يمكن تطبيق هذه المبادئ والأخلاقيات الرياضية في العمل السياسي؟

- الحياة كلها عبارة عن منظومة واحدة ومتكاملة، وإذا فسد عضو بها يمكن ان ينقل العدوي إلي بقية الأعضاء، وأرجو أن يصلح أحد هذه الأعضاء حتي يمكن إصلاح بقية الأعضاء الأخري.

وفي الرياضة والحياة عموما كل شيء يتم داخل الملعب ما عدا الله سبحانه وتعالي فهو جل شأنه فوق الجميع، والالتزام بالأخلاق الرياضية ليس خوفا من الحكم وإنما خوفا ورهبة من الله، فالجميع يتنافسون وفقا لقواعد محددة لا يمكن تجاوزها.

والمنافسة ظاهرة صحية سواء بين الفرق الرياضية أو الأحزاب السياسية، ولكن لسوء الحظ ليست هناك حريات سياسية لدينا هنا في دولنا العربية، وهذه الظاهرة توارثناها منذ زمن طويل، فالحرية الله سبحانه وتعالي وهبها للإنسان، ولسوء الحظ توارثنا طغيان شديد.

ونحن هنا نلتقط بعض الكلمات من الغرب مثل الديموقراطية، في الوقت الذي لا تعي فيه معظم شعوبنا ما الذي تعنيه هذه الكلمة، فهي مجرد واردات أو أمور نجلبها من الغرب مثلها في ذلك مثل الإلكترونيات، والتي قد لا نعرف كيف نستخدمها فيأتي الخبراء من الغرب لإصلاحها لنا، فقد غزانا الغرب بكلماته عن الديموقراطية، وهي مثل عمليات زراعة الأعضاء فقد يرفضها الجسم إذا لم يتم حقنه بأدوية تمنع مقاومته للأعضاء الجديدة، فمجتمعاتنا نسيت أن تتلقي من الله سبحانه وتعالي الهداية، لذلك نسوا أن يتلقوا من الإنسان الآخر تجربته، علي سبيل العظة والعبرة، فنحن لا نزال قاصرين جدا سواء في مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية وكذلك الأفريقية جيراننا، في هذه الأمور.

* وعلي من تلقي بمسؤولية ابتعاد شعوبنا العربية والإسلامية عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

- المسؤولية تقع هنا علي الشعوب، فكيفما تكونوا يولي عليكم، والأرض الخبيثة لا تخرج إلا نكدا والأرض الطيبة تخرج نبتا طيبا، ودائما نحن نلقي بالمسؤولية علي الحاكم حيث إنه هو الأقدر والأشهر، فجميعنا يتحدث عن الفرعون الملعون وغيره من الأوصاف التي نصفه بها، لكن الناس يرون الظلم بأعينهم ويصمتون، ولذلك فإن أغلب شعوبنا متخلفة.

وأنا أستغرب من الحديث عن الفساد داخل الحكومات والمؤسسات العامة، لكنك إذا نظرت إلي تعاملات الناس العادية في الأسواق علي سبيل المثال ستري الفساد أيضا.

والآن الحكومات تأخذ أموالها من جيوبنا نحن الشعوب، في صورة ضرائب وجمارك ورسوم وغيرها، والحكومة تتصرف في هذه الأموال باعتبارها مالها هي، وإذا أعطت الشعب شيئًا كأنه تمن به عليه علي الرغم من أنها أخذته من جيب الشعب ووضعته له في جيبه الآخر.

وبعض الأحيان تقف السلطة علي أكتافك لضربك، وهي نفسها هناك من يقف عليها ليضربها من الخارج، فجميع الأطراف تقع عليك أنت في الأسفل.

ومنذ الخلفاء الراشدين ضلت السياسة عن الدين قبل مجيء الغرب، فالجميع يتحدث الآن عن الأمريكان والصهيونية، فعجزنا نحن هو الذي جلب علينا التأثيرات السالبة من الغرب.

وأعود إلي سؤالك فيجب أن تتحدث مع الشعب نفسه وتشخص له أمراضه، فلا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، فإذا تغيرت الشعوب بالضرورة سيتغير حكامهم.

* أنت تلقي بالمسؤولية علي الشعوب في الوقت الذي تشكو الأحزاب السياسية في دولنا العربية من تغول السلطة عليها، وعدم منحها حرية الحركة وسط الشعوب؟

- يمكن لهم أن يفعلوا مثلما فعل الأنبياء عندما بعثهم الله سبحانه وتعالي إلي البشر، حيث قاموا بهداية الناس، وحياتهم لم تكن مجرد دعوة فقط وإنما كانت قدوة، وثانيا الرسل والأنبياء تعرضوا لأذي شديد لدرجة أن البعض منهم تعرض للقتل، واتهموا اتهامات شديدة، والشعوب حاليا تعرضت لتجارب كثيرة، حيث جربت الثورات والاضطرابات، والمقاومة والجهاد ضد السلطة، ونحن لم نجتهد، وفي أي بلد إذا ثار الشعب ثورة واحدة، سيعمل له ألف حساب، حتي ولو كانت هذه الثورات بدون سلاح، ولقد رأينا أمثلة كثيرة في شعوبنا العربية والإسلامية.

* لكن لماذا تخرج ثوراتنا التي قامت في دولنا العربية والإسلامية عن مساراتها دائما؟

- أليست هذه الثورات تفجرت بسبب حالة الغضب، فأحيانا يتملك الغضب من الشعوب فتجدها تندفع نحو التخريب، وبعدها يصوبون نحو هدم الباطل في نظرهم، فلا يعرفون كيف يبنون، فسهل جدا أن تطلب من الإنسان أن يهدم بناء ولكن من الصعب أن تطلب منه أن يعيد بناءه من جديد.

فحركة الشعوب لا تنهض فقط بهدم الآخر أو الباطل الذي تراه، فيجب أن يكون البديل معروفا وليس مجرد شعارات، فالثورة الفرنسية جاءت بشعارات الحرية والمساواة والإخاء.

ولن تقوم أي نهضة إن لم تكن مزودة ليس بالسلاح لهدم الباطل ,وإنما بالأدوات اللازمة لبناء البديل الأصلح، ودائما الثورات قد تجنح أحيانا عن أهدافها، ففي أفغانستان علي سبيل المثال كان الثوار مخلصين وطردوا الاستعمار الروسي، لكنهم في ذات الوقت جهلاء.

الثورات دائما بها عيوب، ولهذا دائما تجد الله سبحانه وتعالي يقول في ختام آياته «واتقوا الله» و«لا تعتدوا».
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »


المحبوب عبد السلام في حوار مع (الصحافة) «حول المشروع الذي كان»: 3/3
الترابي كان يرى محمود محمد طه شخصاً غريب الأطوار، وشبه فكره بالحشرة

حوار: علاء الدين محمود

هذا حوار مع المحبوب عبد السلام حول مقالات كتبها في التسعينيات في صحيفة الانقاذ الوطني تحت عنوان (العبرة والاعتبار في الحزب الذي كان) وكان يقصد الحزب الشيوعي، وكان المحبوب وقتها قيادياً بالانقاذ التي كانت في تمام (تمكينها) مارس المحبوب في هذه المقالات نقداً شرساً على الحزب الشيوعي مستصحباً تجربة الشاعر صلاح محمد ابراهيم ... (الصحافة) تحاور المحبوب حول هذه المقالات وتضعه ايضاً في مواجهة (المشروع الذي كان) ..
? عندما سألك الزميل عبد الواحد ابراهيم عن ان كثيرا من الحركات العقائدية تحمل فشلها عند استلام السلطة إلى قصور في التطبيق ودلل لك بما يقوله بعض الاسلاميين السودانيين ولكنك هربت مباشرة إلى استدعاء التجربة الماركسية وقلت ان ذلك يصلح في الفكر الماركسي؟
- لا أذكر حقيقةً اجابتي عن هذا السؤال بالضبط ولكن اقول ان القصور لم يكن في التطبيق فقط ولكن في الاساس كان في التنظير، فمثلاً في مجال الاقتصاد الاسلامي نحن أسسنا بنوكا اسلامية كبنوك لأن البنك ينجح بنجاح استثماراته وارباحه والودائع التي فيه. نجحنا على هذا المستوى ولكن فلسفة الاقتصاد الاسلامي التي تؤسس لبنك يرعى العلاقات بين الناس وان يحفظ التكافل الاجتماعي وان يرعى الفقراء ويطور مفهوم الزكاة نفسه، هذه المسائل لم تجد نصيباً من التنظير، وكذلك الحكم الاتحادي وجذور المجتمع السوداني ومكوناته لم تُدرس جيداً لذلك نحن تورطنا في مشكلة دارفور مبكراً ، وكما قال الترابي عندما تمرد بولاد كان ينبغي أن نقرأ ان ذلك التمرد مثل بوادر الأزمة ولكننا لم نقرأ ذلك جيداً فعلى مستوى التنظير كان عندنا نقص وعلى مستوى التطبيق كان عندنا اخطاء ، وانا قلت ان ذلك يصلح للماركسية لأنها فكرة جاءت مكتملة لواقع أوروبي بتفاصيله، ولكن الاسلام كتاب وحي صالح لكل زمان ومكان وهنالك تجربة عملية وهي السُنة فالسُنة هي التطبيق العملي في تقديم النموذج في التجربة الاسلامية ولذلك العبارة فعلاً هي أصلح للماركسية لأن الماركسية حاولت ان تقرأ الواقع وتنظر للواقع القائم أمامها، لكن بالنسبة للاسلام فهذا مجهود أمة تشترك فيه كل الأمة.
? باعتباره مشروعاً ربانياً؟
- لا، أصوله هي الربانية لذلك في الاسلام اذا اصاب المجتهد فله اجران وان اخطأ له أجر واحد، وهذا يعني ضرورة ان تجتهد اولاً لتنال أجرين ولكن احتمال الخطأ دائماً موجود، وكما قلت لك في الاصول التي تحدث فيها الترابي، الترابي عبر عن ذلك جيداً عندما قال ان الاجتهاد في الاسلام هو تفاعل النص مع الواقع ومع عقل المجتهد والواقع كما تعلم نسبي وكذلك عقل المجتهد، ولكن النص ليس نسبياً وهذا بالتالي تفاعل دقيق ومركب مما يصعب ان تقول ان النظرية كانت مكتملة وعندما جئنا الى الواقع نقصت النظرية، ولكن النظرية الماركسية مكتملة حتى في نظر ماركس لأنها اجابت عن الاسئلة الاساسية في تاريخ البشرية وقرأت المستقبل على ضوء ما حدث في التاريخ واعتبرت ما سيحدث في المستقبل حتميا.
? قُلتم انكم طرحتم في الحركة الاسلامية في 1987م ميثاق السودان وقلتم ان الوطن يؤسس على المواطنة - وهذا طرح علماني - وليس على الشريعة، ولكن سرعان ما انقلبتم على ذلك في 1989م وبدأتم مشروعكم الحضاري المتواصل مع السماء ورغم اعتراضك على هذه العبارة (المتواصل مع السماء) إلا انني اصر عليها، يا أخي يوسف عبد الفتاح كان في بداية الانقاذ يظن نفسه عمر بن الخطاب عندما قال «من اراد ان تثكله أمه و...»
- مقاطعاً: انت قلتها: «يظن نفسه»!
? وهذا ايضاً ما تظنونه في مشروعكم الحضاري؟
- يعني كانت هنالك بعض التعبيرات ايامنا في الجامعة كانت تشير الى هذا المعنى في الاتجاه الاسلامي والمعنى هو اننا نصدر عن نص إلهي ولكن ليس بالضرورة اننا في كل مواقفنا نطابق النص الإلهي لأننا حتى في فهمنا للنص الإلهي قد نُخطئ وقد لا نفهم النص في ضوء النصوص الاخرى وقد لا نفهم كل النصوص وقد لا نجتهد جيداً في فهم واقعنا لأن واقعنا الاقتصادي المعاصر معقد جداً، قد لا تجد شخصا أو اثنين في الحركة الاسلامية يفهمون جيداً معنى الاقتصاد البحت وهذا مهم جداً لحزب يدعى ان له رسالة وله فلسفة.
? هل كانت الوثيقة «ميثاق السودان» تُعبر عما تطلقون عليه «التدافع في الواقع» خاصة وانك ضربت مثلاً بالاحزاب الاسلامية في تركيا وتونس والاحزاب التي اضطرت الى تغيير عقيدتها بعقيدة علمانية حتى تشق طريقها في السياسة فهل هذا من ذاك، وهل هذا ينطبق على ما ذهبتم إليه بعد المفاصلة من انكم لا تُريدون تطبيق الشريعة قسراً انما الشعب هو مصدر التشريع؟
- حزبنا كان في محادة شديدة جداً مع الحركة الشعبية ومع التجمع الوطني الذي كان يوالي الحركة الشعبية الى حد ما، فميثاق السودان جاء بعد ثلاث سنوات من تجربة التعددية في فترة الحكم الانتقالي، لذلك قيادة الحزب كانت ترى في ذلك الوقت ضرورة ان تطرح طرحاً يلائم حزبا يتقدم نحو استلام السلطة، هذا الحزب سيحكم كل السودان وسيفاوض الحركة الشعبية ويحتاج في ذلك ليس الى تبرير أو خطوة انتهازية بل الى اجتهاد اصولي، واعتقد ان ميثاق السودان وقفة جيدة اعاد فيها د. الترابي الحركة الاسلامية الى اصول افكاره التي شوهتها قليلاً تجربة الصراع الحزبي ، واصبحنا كأننا مُعادين للجنوب في ان ينال نصيبه من السلطة والثروة وبهذا المعنى كان هذا الميثاق مهم جداً، وكان السؤال المطروح من مفكرين اسلاميين حتى من خارج السودان مثل محمد فتحي عثمان قال انتم موجودون في وطن مركب فيه اديان وثقافات وعناصر مختلفة وينبغي عليكم في السودان ان تقدموا تنظيرا حول وطن مركب ومعقد وكان ميثاق السودان يستند على التجربة الاولى السابقة لنزول القرآن في المدينة حيث حدد الرسول«صلى الله عليه وسلم» ميثاقا لمكونات المدينة القبلية والدينية، واليهود بتفصيلاتهم ومعاقلهم «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» ، ومن الوضح انه من الممكن تأسيس دولة فيها غالبية مسلمة على فكرة المواطنة حيث يجد كل شخص حقه، وكلمة علمانية ينبغي ان تفهم جيداً فهي ليست كلمة واحدة ولها تعاريف مختلفة وتجارب مختلفة خاصة اذا اننا ننظر إليها في اطار الفكر الفرنسي.
? علمانيات؟
- نعم، هنالك علمانيات، وفي اطار الفكر الفرنسي يمكن ان ترى علمانية كاملة وكانت هذه هي المشاكل التي تواجه السودان في ظل حركة تحمل السلاح في الجنوب وتقاتل وفي ظل كذلك حركات اقليمية تستشعر التهميش وان لم تكن تستشعر المجانية الثقافية والدينية بينها وبين الشمال فميثاق السودان هو تجربة ممتازة وليدة تلك الايام وهو وجد تمثلاته في الرسوم الدستور الرابع ثم المرسوم الدستوري الحادي عشر والثاني عشر التي تحدثت عن تقسيم السودان الى 26 ولاية ثم جاءت اتفاقية الخرطوم للسلام مع رياك مشار ولام اكول، وكاربينو كوانين. وميثاق السودان لم يجد تمثلاته في تجربة الجهاد التي اشرت إليه كتجربة إليها وانها توصل الارض مباشرة بالسماء، وكذلك لا تجد تمثلاتها في الشعور الذي عبرت عنه من ان بعض الناس يظنون انفسهم عمر بن الخطاب واستعملوا لغة الاسلام الاول «من أراد ان تثكله أمه» كما كان يقول يوسف عبد الفتاح في تلك الأيام، هذه الروح التي اعترت الانقاذ الاولى كانت متعلقة بمناخ التعبئة والمواجهة مع الآخرين، عندما جاءت الانقاذ كان الناس شرسين جداً في مواجهتها ومقاومتها عبر الاضرابات والحركات العسكرية السريعة وبالطبع كان لهؤلاء المقاومين قراءة سليمة انهم اذا تركوا هذا المشروع للأيام سيقوى بالمقابل اصحاب المشروع هبّوا لحمايته لأن نهاية المشروع تعني نهايتهم لذلك نشأت اجواء التعبئة وهي نشأت كذلك مع حرب الجنوب واجواء التعبئة هذه تمنع النظر الموضوعي خاصة في ما يتعلق بالعلاقة مع الآخر، واتمنى ان لا نعود لأجواء التعبئة بهذا المعنى التي تلغي الآخر واتمنى ان محكمة اوكامبو هذه لا تخرجنا عن موضوعيتنا في تأملها، اتمنى مهما احتدمت الظروف ان لا نعود لاجواء التعبئة التي تلغي الآخر، انا قرأت تصريحا ـ اتمنى الا يكون صحيحا ـ لاحد المسؤولين في المؤتمر الوطني يقول: «اوكامبو واذياله في الداخل» وهذه عبارة خطيرة جدا في مثل هذه الظروف التي نحتاج فيها الى كل من في الداخل وهم ليسوا اذيالا طبعا وانما حركات وطنية.
? عقدت مقارنة بائسة بين المفكر الاسلامي انطونيو غرامشي وسيد قطب في «الانتلجينسيا الاسلامية المتوالية يوم الزحف» عندما قلت ان غرامشي جسد مبادئ سيد قطب وهي بائسة لان المفكر الماركسي عمل على حرية وتحرير الفكر بما في ذلك الفكر الماركسي وكان على النقيض من النموذج السوفيتي وعمل على محاربة الطغاة، بينما اسس سيد قطب للطغيان والعنف حتى افرز فكره وكتاباته معظم الجماعات التكفيرية؟
ـ هذا كلام صحيح وخطأ، صحيح لانك عندما تقرأ «في ظلال القرآن» وانا هنا اختلف مع كثيرين في الحركة الاسلامية لانني اسمع عبارات واضحة من سيد قطب وهم يطالبونني بتأويلها فأرد عليهم بأنني لا أأول الا القرآن ولكن سيد قطب يقول كلاما واضحا فهو يقول مثلا «اذا دعوت الى الشريعة في مجتمع جاهلي فانت تستنبت البذور في الهواء» وهذه المجتمعات التي امامنا اليوم هي مجتمعات جاهلية والوظيفة التي امام الحركة الاسلامية هي دعوتها الى الاسلام، وهذا واضح جدا في «في ظلال القرآن» النسخة المنتشرة الآن وليست الاولى التي اعاد سيد قطب تحريرها في السجن وفعلا سيد قطب قال هذا الكلام واذا اردت ان تؤسس لفكر تكفيري من «في ظلال القرآن» فهذا ممكن، ممكن جدا ان تجد نصوصه واضحة جدا لسيد قطب تؤسس لذلك، لكن المقارنة التي عقدتها مع غرامشي هي فقط في موقفه من الافكار وسيد قطب قبل ان يكتب الظلال، كتب رسالة جيدة جدا هي عبارة عن خطاب لاخته سماه «افراح الروح» قال فيه «افكارنا تظل ميتة حتى اذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة، تظل عرائس من شموع حتى اذا ضحينا في سبيلها اصبحت حية ونابضة.. الخ»، غرامشي يرى نفس هذا الموضوع، طبعا في عهد غرامشي كان هنالك عدد كبير جدا من المفكرين الذين يجلسون في المكتبات وبعيدين عن الناس كانوا اقرب الى الآلهة ينزلون الوحي للناس وهم بعيدون عن مواقعهم فغرامشي كان ضد هذا الموقف، هذا هو الربط الذي ربطته بين سيد قطب وغرامشي، سيد قطب يحتاج الى شخص مثل غرامشي يأخذ الافكار الايجابية فيه ويغذي بها الحركات الاسلامية، مثلا نحن منذ المرحلة الثانوية كنا نفهم ان «معالم في الطريق» كتاب خطر جدا لو فهمه الانسان على وجه الدقة، ولكنه كتاب مفيد جدا لو اردت ان تعبئ شخصا وجدت فيه علامات التراخي والوهن تجاه المشروع الاسلامي كان كتابا تعبويا جدا لان سيد قطب تحدث عن اسلام لا يعرف الا نوعين من المجتمعات، مجتمعا جاهليا ومجتمعا اسلاميا.
? قلت ان قضية الحرية ظلت مطروحة وانها طرحت في الاجتهاد المعاصر وان د. الترابي في مسألة الردة حاول ان يؤسس لفكرة «لا اكراه في الدين». ولكن الترابي نفسه كان وراء اعدام المفكر الشهيد محمود محمد طه بتهمة الردة وبشهادة عديد من الاسلاميين امثال الشهيد محمد طه محمد احمد ود. حسن مكي الذي رأى ان الحكم في قضية محمود كان سياسيا وان الترابي كان «يغير» من محمود وكان «لا بد من قتله»؟
ـ والله ليس صحيحا، اطلاقا ليس صحيحا، لو قرأت كتاب «الفجر الكاذب» لمنصور خالد قال انه والنميري سألا الترابي عن موضوع محمود محمد طه فقال الترابي ان محمود محمد طه شخص غريب الاطوار، واذكر تماما اننا كنا منفعلين جدا بالفكر الجمهوري وكنا ندخل في مجادلة يومية مع الفكر الجمهوري تبدأ من التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا وقوفا على ارجلنا في ساحة الجامعة وكان هذا الامر ـ حسب عمرنا وتجربتنا ـ يهمنا جدا وكنا كلما ذهبنا الى الترابي وحدثناه عن الجمهوريين وكذا يقول لنا اذا قرأتم ملل ونحل الاسلام ستجدون دائما شخصا مثل محمود محمد طه.
وكانت هذه اكبر مشكلة عندا لكن كنا كثير جدا انا شخصيا كنت كثير جدا ما اجادل الشيخ الترابي حول خطر الفكر الجمهوري وكان يصر ان الفكر الجمهوري ليس خطرا وكان يقول لي ان الفكر الجمهوري مثل الحشرة التي تتواجد دائما لكنها تعيش ثلاثة ايام لتموت، واذا ذهب محمود محمد طه سيظهر مفكر آخر يحمل آراء غريبة في الاسلام. والغريب طبعا ان موضوع المرتد ردة فكرية بحتة جاءت في اجابة عن سؤال تقدمت به الاستاذة اسماء محمود محمد طه وقالت للترابي ان القرن العشرين هو الذي ضغطك وجعلك تخرج على الشريعة باسم تحكيم الشريعة، وقال لها الترابي ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وفي اليوم التالي اصدر الجمهوريون كتابا قالوا فيه ان الترابي يخرج على الشريعة باسم تحكيم الشريعة واعتبروا هذا خروجا على الشريعة، بالمقابل كان المرحوم محمد طه محمد أحمد كذلك كان مجادلا عنيدا في حلقات الفكر الجمهوري ومحمد طه كان يتبنى الرأي الذي يقول اذا اعدم محمود محمد طه لن يحدث اي شيء، لن يفيض النيل ولن تتزلزل الخرطوم ، وكان هذا نقاشه مع الاخ دالي في تلك الايام، لكن الترابي كان بعيدا جدا عن الحوار، واذكر اننا كنا في جريدة الوان عندما اعدم محمود محمد طه، والوان كانت تصدر في ظل الحكم المايوي ، وسألنا الاخ مهدي ابراهيم عن اعدام محمود محمد طه وكانت اجراءات المحكمة على وشك ان تذهب في هذا الاتجاه، ومهدي ابراهيم تحدث الينا داخل مباني الجريدة في رسالة تنظيمية واضحة ان الحركة ليست مع هذا الحكم وعلى الناس ان تتعامل معه كحكم قضائي فقط. وسألناه عن كيف نعلق علي ذلك؟ فقال: ليس بالضرورة التعليق على اي حكم تصدره المحاكم بمعنى ان علينا ان نلتزم الصمت حيال ذلك لان الاجواء كانت محتدمة لان النميري كان يريد ان يعدم محمود محمد طه ونحن كنا بعضا من حكم النميري، موجودين في اطار المصالحة الوطنية وبالمقابل كانت جمعيات حقوق الانسان الغربية وليدة في ذلك الوقت وتتحدث عن هذه الجريمة.. والخ. ونحن لم نتحدث ويمكنك ان تقول اننا صمتنا، اما ان يكون الترابي وراء اعدام محمود محمد طه فهذا خطأ لان رأي الترابي ان لا يعدم اي شخص يعبر عن افكاره، وهذا لم يكن رأي النميري وكذلك لم يكن رأي القضاة الذين ينتمي بعضهم للحركة الاسلامية، وبعضهم لا ينتمي الى الحركة الاسلامية، القاضي الذي حكم وهو المكاشف طه الكباشي لم يكن من الحركة الاسلامية ولكن كان هنالك حاج نور وكان عضوا في الحركة الاسلامية وكان يؤمن ويعتقد بغير اجتهاد الترابي، فحاج نور كان يرى ان محمود مرتد وينبغي ان يقتل هذا لم يكن رأي د.الترابي ، وتركت القضية في اطار القضاء، ولكن يمكن ان تحاسبنا وتلومنا على اننا لم نعبر عن رأينا في ذلك الوقت بالرفض، ولكن قطعاً فان الرأي الرسمي للحركة الاسلامية الذي تم تبليغه لنا عبر الاخ مهدي ابراهيم ان الحركة الاسلامية لا تؤيد هذا الاعدام ولا تدافع عنه ولا تقف معه، ولكن لم نعبر عن ذلك في جريدة ألوان.
? ذكرت ان محمود محمد طه كان له نظرية أخرى بخلاف الترابي في استنباط الاحكام ويؤسس على جانب يسمى بالادعاء الكبير، ادعاء نبوة جديدة وعندما سألك عبد الواحد ابراهيم هل هذا رأي سياسي اجبت بانه فكري وان محمود محمد طه خارج اطار الفكر الاسلامي السني ويدخل في اطار الفكري الاسلامي الفلسفي، وان تجديد محمود قائم في مجال اخر غير الذي طرحه الترابي. انت لم تضيء هذه النقطة جيدا ، كذلك ذكرت في احدى الندوات ان الجمهوريين يلجأون الى استنطاق النص القرآني وتحدثت عن تفريقهم بين القرآن المكي والمدني؟
- الفكر الجمهوري لم يقرأ جيداً، ولو تمت قراءته جيداً لفهم، محمود محمد طه عنده جانب يعجب كثيرا من الناس خاصة الصحافيين وهذا بجانب ان محمود محمد طه يعتقد ان هنالك مشكلات جاءت من تطور الانسان وتطور الحضارة البشرية حتى بلغت افق القرن العشرين ، وايضا اجتهاده في مجال المرأة ومجال الحدود يعني يمكن جدا ان تناقشه فتقبله او ترفضه، ولكن محمود يؤسس لهذه الاجتهادات على اصول فلسفية، اهم اصل هو ان الشخص الذي يقدم هذه الاجتهادات ليس شخصاً عادياً، في هذا الجانب يعود محمود محمد طه من ثقافته الماركسية وثقافته في الفكر الفرويدي ـ (فرويد) ـ وثقافته في الفكر الاقتصادي الرأسمالي يعود ليصبح شخصا يتبنى بالكامل الفكر الغنوصي الصوفي الذي تحدث عنه ابن عربي وابن سينا ـ نظرية الانسان الكامل ـ وانا كتبت الى الطيب صالح، وكان يقول لي ان محمود محمد طه بامكانه ان يركز على الاجتهاد الفكري ولا يذهب الى مسألة ترك الصلاة. وقلت له ان محمود محمد طه لا يدعو الى ترك الصلاة ولكن له رأي في الصلاة ذات الحركات، فقال لي هذا هو الموضوع. وفعلا هذا هو الموضوع، فمحمود محمد طه يعتقد انه شخص اعطاه الله الفهم عن القرآن وأذن له في الكلام، وانه شخص ينبغي ان يلقب بارفع ألقاب العصر وهو لقب الاستاذ وهو شخص استثنائي بهذا المعنى، واذا كان هنالك شخص أُعطي نص وشخص اخر أُعطي فهم النص في اطار بيئة متقدمة بما لا يقاس عن البيئة التي جاء فيها النص الاول فهو متقدم على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جاء بالقرآن، هذا بالنسبة لي كان واضحا جدا في اطار الفكر الجمهوري. المسألة الثانية هي بموجب هذه السلطة الروحية التي منعته من الصلاة ذات الحركات واعطته صفات الانسان الكامل الموجودة في الفكر الفلسفي الغى محمود النص الديني، نص القرآن المدني الغاه من المصحف بمعنى انه لا يهتدي به بل بالقرآن المكي، وكما قال الترابي لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة لم تكن توحيدا فقط ، ولكن اذا قرأت سورة صغيرة «المغيرات صبحا» وهذه نزلت في اول مكة، وواضح انها تتحدث عن جهاد مقبل، الزكاة موجودة في سور المدينة، الشورى نفسها جاءت في سورة الشورى وهي مكية كل القيم والمعاني التي تجسدت في شعائر ومكتوبات وفروض في المدينة كانت موجودة في مكة، لم تكن مكة عقيدة بغير شريعة كما كان يريد الفكر الجمهوري ان يقول فهذا من ناحية اصولية، واذكر جيدا ان الجمهوريين في اركان نقاش الجامعة لم يكونوا يحبون ان نناقش الفلسفة واصول الفكر بل كانوا يحبون ان نناقش المواقف السياسية، وطبعا كان لهم باع طويل جدا في نقد المواقف السياسية للحركة الاسلامية في تحالفها مع النميري.. والخ. وصلاح احمد ابراهيم كان يسمي محمود محمد طه وجماعته بالمايويين من منازلهم، ويعتقد ان محمود محمد طه يؤيد مايو وهو لا ينال منها شيئا، ومحمود ايد مايو حتى في ضرب الانصار في الجزيرة ابا وكان موقفا غريبا جدا من مفكر يحترم حقوق الانسان فهذه هي الاضاءة المهمة وهي اذا اردنا ان نؤسس حركة اسلامية معاصرة سنقرأ القرآن كما جاء كاملاً، سنهتدي بالسنة والسيرة، ونقرأ واقعنا في القرن العشرين بكل تفاصيله وحيثياته ونحاول ان نصل لاجتهاد سيكون هنالك قدر من الصواب وقدر من الخطأ ويجيء بعدنا من يصوب ما اخطأنا فيه في اطار تجربة بشرية عادية ليس فيها شخص أتاه الله الفهم عن القرآن واذن له في الكلام.

الصحافة




------------------



'الثورة والإصلاح السياسي': قصة كتاب

ffفي 'الثورة والإصلاح السياسي': قصة كتابfff


د. عبدالوهاب الأفندي


دأبت منذ الأيام الأولى لحكم الإنقاذ على التعبير عن إجراء تقييم علني بصورة دورية، وخاصة في الذكرى السنوية للثورة، لأداء الحكم بحسب رؤيتي للأمور. ولسبب لا أذكره رأيت في عام 1992 أن أزيد فكتبت ثلاث مقالات مطولة نشرتها 'القدس العربي' في النصف الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). كان موضوع الأول الشرعية الدستورية، وكررت فيه مطلبي الذي تقدمت به في مؤتمر النظام السياسي بإنشاء جهاز قضائي مستقل وقوي يكون محور الشرعية. وتناول الثاني الحالة الاقتصادية مطالباً باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، بينما دعا الثالث إلى تحرك نحو حل حاسم للصراع في الجنوب عبر إنشاء نظام ديمقراطي فدرالي يتضمن ضمانات قوية لحقوق المواطنة للأقليات.
بعد بضعة أيام تلقيت رسالة انتقادية من صحافي عربي مرموق كان يرأس تحرير مجلة تصدر بالانكليزية في بريطانيا يطالبني فيها بالكف عن توجيه سهام النقد للحكومة السودانية لأنها مستهدفة دولياً ولا ينقصها نقد أمثالي. وقد كان صاحبنا بالقطع يجهل موقعي في السفارة، لأنه بعث بالرسالة إلى 'القدس العربي' التي أحالتها بدورها إلي. وهذه للأسف عقلية متأصلة عند كثير من العرب، حيث يرون أن مناصرة النظام والشخص تكون بالتستر على عيوبه، حتى وإن كانت ظاهرة للعيان، بدلاً من إرشاده إليها حتى يهتدي إلى إصلاحها. فهل يا ترى لو كان هناك شخص ملطخ الوجه والملابس بالقاذورات تفوح منه الروائح الكريهة، هل يكون الأحرص عليه من يشيد بنظافة مظهره وطيب ريحه، أم من يهمس في أذنه بضرورة الإسراع إلى الحمام حتى يصلح من هيئته؟ مع اقتراب حزيران (يونيو) عام 1995، عدت إلى دأبي وبدأت في تسطير سلسلة من المقالات في تقييم الأوضاع. وبعد أقل من أسبوع، وجدت أن القضايا التي تحتاج إلى تناول لن تكفيها سلسلة من ثلاث مقالات هي أقصى ما تسمح به المعالجات الصحافية. ولكنني واصلت الكتابة. ثم قر رأيي مع تكاثر القضايا إلى أن أؤلف كتاباً أضمنه ملاحظاتي بصورة أشمل. وبالفعل تم إعداد الكتاب الذي بلغت فصوله خمسة وعشرين فصلاً إضافة إلى ملحقين، أولهما مقال 'القدس العربي' العربي المشار إليه حول الجنوب ومقال آخر حول علاقات السودان ومصر كانت مجلة 'الوسط' قد نشرته ولكنها حذفت منه مقاطع هامة. وتم نشر الكتاب بعنوان 'الثورة والإصلاح السياسي في السودان' في أيلول (سبتمبر) عن 'منتدى ابن رشد' وهي مؤسسة كنت وبعض الإخوة قد أنشأناها للتعبير عما كنا نرى أنه الفكر الإسلامي المستنير. تناول الكتاب عدداً كبيراً من القضايا التي كانت تواجه السودان، بدءاً من انهيار التجربة الديمقراطية ونهج التغيير الذي اتبعته الحكومة، والحرب الأهلية وعلاقات السودان الخارجية والاقتصاد ودور الحركة الإسلامية. وقد التقط المعلقون انتقاداته لممارسات الأجهزة الأمنية ورفضه لصيغة النظام السياسي اللاحزبي الذي اقترحته الحكومة ودعوته لإنصاف أهل الجنوب وإلى استعادة النصاعة الأخلاقية إلى الممارسات الاقتصادية والإدارية. ولكن كثيرين أخطأوا النقطة المحورية في الكتاب، وهي الحديث عن مضار تحكم التنظيمات السرية في الشأن العام.
صحيح أن عبارة 'السوبر التنظيم' التي أشارت إلى هذه الظاهرة تم تداولها بكثرة من قبل المعلقين حتى أصبحت اليوم من المسلمات، ولكن القضية التي قصدت إثارتها ليست هي مجرد وجود التنظيم السري، بل وجود العقلية التي أنشأت هذا التنظيم واستمرت في تسييره. وكنت قد أشرت في الكتاب إلى جذور هذه الظاهرة في اعتماد ما سمي بـ 'الاستراتيجية العامة' في عام 1978 من قبل قيادة تنظيم الإخوان المسلمين وقتها، وهي استراتيجية كانت تستهدف أن يكون التنظيم قادراً على حكم السودان منفرداً خلال عشر سنوات. وكان هذا يستتبع مضاعفة العضوية عشر مرات على الأقل، وهو هدف طموح في حد ذاته، ولكنه لا يكفي لتحقيق الطفرة المطلوبة. إضافة إلى ذلك كان على الحركة أن تعزز وجودها في داخل المؤسسة العسكرية والبيروقراطية والدوائر المالية والاقتصادية. هذا بدوره فرض وجود أجهزة سرية توكل إليها هذه الأجندة، وهي أجهزة يجب أن تكون خافية حتى على غالبية الأعضاء، وغير خاضعة للمساءلة أو للتغيير. نفس الأجندة بررت المصالحة مع نظام الرئيس النميري والكف عن انتقاده علناً، وخلقت الإشكالية المحورية التي عنيت الإشارة إليها: وهي أن الحركة قد أنهت وجودها عملياً كسلطة أخلاقية مقابل الحصول على أسباب القوة المادية من مال وسلاح ونفوذ سياسي. وهذا موقف خطير في حق حركة إسلامية، واعتراف منها بأنها لن تستطيع الوصول إلى الحكم باعتبارها حركة إسلامية مثلما أن الجنة لا تدخلها عجوز كما في الحديث. بمعنى آخر كان على الحركة أن تنتحر لتبلغ السلطة.
وقد تضاعفت هذه الإشكالية بعد الاستيلاء على الحكم باسم الحركة في انقلاب حزيران (يونيو) عام 1989، حيث تعمد القوم إخفاء الهوية الإسلامية للحكم وتنكروا في زي آخر. وقد كنت علقت في أول تناول لي للانقلاب (في مقالات الحياة في آب (أغسطس) 1989) بأن من يخجل من هويته فلا مستقبل له. وقد حرم هذا التنكر النظام من عرض أجندته بصورة شفافة والدفاع عنها، بل أصبح يرى الإشارة إلى هذه الهوية، ونعته بنظام الجبهة الإسلامية ذماً وقدحاً. من جهة أخرى فإن هيمنة التنظيم السري جعل العقلية الأمنية تسيطر على كل تصرفات النظام، فأصبحت السياسة تدار عبر أجهزة الأمن كما ذكر الكتاب. فالمعارض لا يتم الحوار معه واستمالته، وإنما قمعه أو إغراؤه بالعطايا. ولأن النظام لم يكن يملك من الموارد ما يكفي، فقد كان القمع هو الأرجح.
لم يكتف الكتاب بانتقاد هذه الإشكالية المحورية، بل إنه أنهاها عملياً حين فجر الحوار حولها علناً، وخلق وضعاً جديداً لم يعد معه مفر من إثارة كل القضايا ومعالجتها.
كان الأخ الصديق معاوية ياسين- رد الله غربته - من أوائل من حصل على نسخة من الكتاب. وكان معاوية وقتها يعمل في صحيفة الحياة في لندن إضافة إلى كونه مراسل صحيفة 'الخرطوم' في القاهرة. ومعاوية لمن يعرفه شعلة متقدة من النشاط، دائب الحركة، حتى أنه لم يكتف بوظيفة واحدة ووظيفتين، بل كان غالباً يعمل في ثلاث أو أربع وظائف، إضافة إلى هواياته الموسيقية ونشاطه الاجتماعي المكثف. بعد ساعات من استلامه النسخة اتصل بي معاوية في ساعة متأخرة من الليل ليبلغني أنه قرأ الكتاب كله تقريباً وأخذ يطرح علي كمية من الأسئلة. وكان من ضمن أسئلته ما إذا كانت هذه آراء أنفرد بها، فأجبته بأن هذه الآراء بحسب علمي هي آراء تسعين بالمائة من الإسلاميين في السودان. بعد يومين نشرت 'الخرطوم' خبراً على صدر صفحتها الأولى مع ملخص لأهم أطروحات الكتاب مع الزعم بأنني أعلنت الانشقاق عن الحكومة. ولأسابيع تالية، طغت قراءة معاوية للكتاب على كل قراءة أخرى، وأضيفت إليها قراءة الأخ محمد طه محمد أحمد المستندة على قراءة معاية، التي أشاعها بدوره في الإعلام السوداني. ولأن محمد طه لم يكن قد قرأ الكتاب، فإنه اعتمد أساساً على المقتطفات التي أوردها معاوية، وبنى عليها استنتاجات وانتقادات لم تقم على بينة. فقد ذكر أنني أعلنت الانشقاق عن النظام، وهو ما لم يحدث، وذكر أن السبب أنني استدعيت إلى العودة إلى السودان، ورفضت لأنني استطبت المقام في لندن، وهو ما لم يحدث أيضاً، لأنه لم يحدث استدعاء. وقد كنت بادرت بترك الوظيفة بنفسي، ولم أتأثر مالياً بذلك، لأنني كما أسلفت كنت أعمل في مشروع بديل. وقد كنت في إجازة من الخارجية، ولم أستقل منها أو أقال. ومهما يكن فإنني لو شئت البقاء في بريطانيا، وهو شأني، لما كنت أحتاج سوى للاستقالة، لأنني كنت قد حضرت إلى بريطانيا في عام 1982 بتأشيرة عمل، وحصلت على الإقامة الدائمة فيها، ولم تكن تنقصني فرص العمل. ولهذا فإن الأخ محمد طه رحمه الله- قد بنى باطلاً على باطل. وقد تصدى له بعض الإخوة الكرام مفندين لمقولاته وكاشفين لفضيحة أنه لم يقرأ الكتاب الذي كتب عشر مقالات في نقد صاحبه. ولكنه لم يرعو بل مضى في غيه، يدبج المقال بعد المقال في قضية خاسرة.
وقد بلغ الاستياء مني مبلغاً عظيماً من ترهات محمد طه رحمه الله، خاصة لأنه لم يكتف بالإساءة إلى شخصياً زوراً وبهتاناً، بل تطاول على أسرتي، زاعماً أن السبب في رفضي العودة إلى السودان هو أن أسرتي استطابت العيش في بريطانيا. وقد زاد من غضبي أنني كنت أعلم أن في الأمر مؤامرة، لأنه كان قد بلغني قبل أكثر من أسبوعين من نشر أول مقال لمحمد طه أنه كان يطوف على دوائر صنع القرار يستأذنهم في الهجوم علي ويطلب المشورة في ذلك، مما يدل على أن ما نشره من لغو لم يكن كله من عنده. ولهذا السبب أبلغت الإخوة في السودان أنني لن أستطيع بعد اليوم العمل معهم إذا كان هذا ديدنهم وهذا خطابهم.
اتصل بي كثير من الإخوة بعد ذلك متضامنين. وكان في من اتصل بي الأخ علي عثمان محمد طه، وزير الخارجية حينها حيث كان يحضر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث طلب مني ألا أنزعج من انتقادات محمد طه، وأنه شخصياً لم يسلم من سهامه. وقد التقيت الأخ علي بعد شهرين في ماستريخت حيث دار بيننا حوار طويل حول الكتاب كان أهم ما جاء فيه قوله أنني تحاملت على الأجهزة الأمنية، فوق أن هناك معلومات تحتاج إلى تصحيح أو إضافة. وقد أبلغني أنه قد وضع تعليقات مستفيضة على هوامش كل صفحة، وأنه لو أردت إصدار طبعة أخرى فإنه سيرحب بجلسات معه أتزود فيها ببعض ما غاب عني من معلومات.
شكرت الإخوة على تضامنهم ولكنني ركبت رأسي وقررت أن أتحلل من كل التزاماتي تجاه الحكومة. وقد كان فيما بررت به ذلك أنني لا أعترض على أن أنتقد أو تنتقد أطروحات الكتاب، ولكن ما لا أقبله هو أن تكتب أكاذيب عني في صحيفة حكومية دون أن يتحرك مسؤول لتصحيح هذه الأكاذيب. فمن حقي كموظف رسمي أن تقوم الخارجية بتصحيح ما قيل حول استدعائي أو تركي العمل في الخارجية التي ما زلت موظفاً عاملاً فيها. أما إذ لم يرد هذا التصحيح فإنني أرى فيه تواطؤاً. ولهذا أبلغت الجميع باستقالتي من الخارجية وأنهيت صلتي بمشروع لندن الإعلامي وأصبحت حراً من كل قيد.
بعد عدة سنوات وبعد أن هدأت الضجة حول الكتاب، التقيت الأخ محمد طه في الخرطوم بحضور بعض الإخوة، وكان وقتها قد أصبح مالكاً ورئيس تحرير جريدة تخصصت في قرصنة مقالاتي التي تنشر في 'القدس العربي'، فقلت له أنا أفهم أن تكون لك ضغينة معي وتتخصص في التهجم على شخصي، ولكن إذا كان رأيك في سيئاً بهذه الدرجة، فلماذا تعتدي على مقالاتي بغير إذني؟ فقال لي: ما هذه البدع الغربية من حقوق نشر وغيرها التي أتيتمونا به؟ ثم أضاف فيما يشبه الاعتذار: إنني في الحقيقة لم أكن أقصدك شخصياً وإنما كنت أريد مهاجمة من يقفون وراءك. فقلت له: ومن هم هؤلاء الذي يقفون خلفي؟ أجاب: إنهم غازي صلاح الدين والشيخ الترابي. فقلت له: يبدو أنه إضافة إلى عيوبك الأخرى فإنك لا تحسن التهجئة، لأن الطريقة التي تكتب بها أسماء هؤلاء تختلف كثيراً عن طريقة تهجئة اسمي. لقد اختلطت عليك الأمور اختلاطاً كبيراً. وكان ذلك آخر العهد به عفا الله عنا وعنه.
ويبدو أن الأخ محمد طه لم يكن الوحيد الذي كان يعتقد أن الكتاب مؤامرة طبختها مع الشيخ الترابي، ولكن هذا مبحث آخر.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن qra
القدس العربى 2/9/2008

--------------------------------
الأفندي والخروج عن النص!

فتحي الضّـو
[email protected]

في اواخر نوفمبر من العام 2000 وجهت لي القناة الفضائية اللبنانيةLBC دعوة لزيارة بيروت وذلك بعد إنتهاء الحرب الاثيوبية الاريترية الأخيرة، وقد كنت أُراسلها من اسمرا خلال العامين اللذين إستغرقتهما الحرب. وقد نعمت على هامش تلك الزيارة – بعد طول غياب - بلقاء صديقي الدكتور مصطفي خوجلي المقيم آنذاك في العاصمة اللبنانية، وذات يوم سألني إن كنت أرغب في حضور ندوة يقيمها مركز دراسات الوحدة العربية ويتحدث فيها الدكتور عبد الوهاب الأفندي، فأبديت حماساً شديداً في حين إعتذر هو لأسباب خاصة به، وعندما دخلت القاعة كان الدكتور الأفندي يجلس على المنصة وبدأ الحديث على خلفية لوحة تحمل عنوان الندوة (السودان: إلى أين؟) وكان حضورها في الغالب الأعم (شُوّاماً) وهو المصطلح الذي يعمم شعبياً على اللبنانيين والسوريين معاً، في حين أن السودانيين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، وقد كانت ندوة جيدة لأن الأفندي تحدث فيها بشفافية حول فشل تجربة الجبهة الاسلامية في السُلطة، وتوصل في نفس الوقت إلى حتمية الديمقراطية كخيار لا بديل له في حكم بلد متعدد الأعراق والثقافات والأديان، بيد أنه عندما خلُص من حديثه هذا وفُتِح الباب للأسئلة والتعقيبات شعرت أن تلك اللوحة التي رسمها ينقصها شيء أساسي، فطلبت فرصة للحديث وكانت الأخيرة وذكرت اسمي وهويتي الصحفية.

قلت في فاتحة حديثي ان عنوان الندوة كلاسيكياً، ظل السودانيون في الداخل والخارج منذ عشية الاستقلال العام 1956 يؤمون عشرات إن لم يكن مئات الندوات تحت نفس العنوان مما يعني أن هناك أزمة حقيقية، ولكن هذه الأزمة تجلت في أسطع معانيها في العام 1989 يوم أن استولت الجبهة الاسلامية على السُلطة بإنقلاب عسكري، وقلت أن الدكتور الذي يجلس أمامنا الآن ويُحاضرنا كان احد سدنة ذلك النظام، وقد خدم مشروعه الثيوقراطي بهمة وإخلاص عندما كان يشغل منصب المستشار الاعلامي في سفارة السودان ببريطانيا، وقد إجتهد كثيراً آنذاك في تجميل صورة قبيحة، وأضفت أنه ترك ذلك النظام لادراكه أن المركب أصبحت غارقة وأن النظام قاب قوسين أو أدني من السقوط (أشهد أنني كنت متفائلاً أكثر من اللازم، لكن ذلك على أية حال ما كنا نردده منذ الشهور الأولى من عمره) وختمت بمطالبة الأفندي بنقد ذاتي حتي تكتمل هذه الصورة!

شكرني الرجل على ملاحظاتي وعقب عليها بإختصار وقال لي إن موقفه هذا ليس بجديد، فقد سبق ووضّحه بصورة شاملة في العام 1994 في كتاب صدر له آنذاك وتضمن إنتقادات للنظام، وأضاف أنه ظلّ يكتُب حول هذا الموضوع وهذه القضية بصورة راتبة في صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن، وفي الختام قال لي مستنكراً أو متسائلاً – لا أدري - إنني ربما لم اكن متابعاً لمجريات هذه الوقائع، ومن جانبي تفاديت السجال ولم أشاء التعقيب لأنني قصدت فقط ولشيء في نفس يعقوب التأكيد على أن فاقد الشىء لا يُعطيه، وذلك بتثبيت معلومة اعتقد أنها كانت غائبة عن معظم حضور الندوة، مع قناعتي انها ليست بجديده على الدكتور الأفندي فمن المؤكد أنه سمعها مراراً وقرأها تكراراً، مثلما أن ما قاله لي في حيثيات رد الاتهام عن نفسه ليس بجديد علىّ، ولربّما أنه لا يعلم أنني بحكم المهنة أو إنحيازاً لمبادئي الخاصة، كنت وما زلت أتابع دبيب النمل في القضايا الوطنية المختلفة، ولي مواقف أعتز بها رغم أنها أرهقتني عُسْراً، وغالب الظن غير المأثوم أنه يعلم أن إجابته تلك لم ترو غليلي، بإعتبار أن نقد النظام غير النقد الذاتي الذي قصدته، والذي لم يكن قد ورد أصلاً في متن أو حواشي كتابه أو حتى المقالات المذكورة، وبعد الندوة تصافحنا وذكرت له أنني قادم من أسمرا ولست مقيماً في بيروت، ثم مضى كل منَّا في سبيله!

واصلت الاهتمام بمقالات الدكتور الأفندي والتي لا يستطيع أن ينكر أحد ثرائها وتنوعها، ولكن بنفس الروح التي تقمصتني في تلك الندوة أشعر دائماً ببرودة تسرى بين سطورها وخاصة تلك التي تُعرِي أفعال وممارسات النظام، وبنظرية (طول الجرح يُغري بالتناسي) ظننت أن الأفندي أصبح غير عابىء لمسألة النقد الذاتي تلك (لست لأنني قائلها فلم أكن مخترعها أصلاً) ولكن كمفهوم أخلاقي لا تستقيم المبادىء بدونه، ولا يمكن لأي كائن كان أن يدعي صلاحاً وهو لم يتطهر بعد من رجس عشعش في دواخله، فإن كان هو على قناعة كاملة أن النظام كان فاسداً فلا بُدّ وأن ينال حظه من القسمة طالما أنه كان جزءاً منه بغض النظر عن حجم ذلك الجزء أو موقعه، فمن الخطل القول أخطأ النظام واصاب الأفندي، وهذه بديهيات وطالما هي كذلك يساورني كثير شك في أن الأفندي أخذته العزّة بالاثم في مواقفه السابقة، فهو لا يريد أن يفعل ذلك خشية أن يعتقد البعض أنه يتزلف قربي معارضي النظام في الوقت الذي يرى فيه أنه نسيج نفسه وحده، ولذلك في ضوء تغييب منهج النقد الطبيعي بات البعض يعتقد أن الأفندي وآخرين فارقوا النظام مثله... يمكن أن يعودوا مرة أخري للتزود من حياضه!

قبل فترة وجيزة تخلخلت بعض هذه المُسلمات في أجندة المراقبين، وذلك عندما بدأت تظهر للأفندي مقالات أشبه بالسيرة الذاتية، ظلّ يسرد خلالها وقائع خطيرة وأخري غاية في الأهمية سبق وأن عايشها أثناء الفترة التي كان فيها مستشاراً إعلامياً، ولا ينقص من قدرها انها تركزت حول أناس اصبح بعضهم خارج دائرة السلطة، في حين لامست برفق ولين أناس ما زالوا في قلب مركز القرار، إذ وردت سيرتهم بالتورية حيناً وصيغ المبني للمجهول في احايين أخر، ومع ذلك لا جُناح ولا تثريب عليه طالما أنه إختط طريقاً نؤمن فيه بثقافة أهل السودان الشعبية التي تقول أن (العافية درجات). لهذا لم يكن غريباً أن يلتمس البعض فيها – وأنا منهم - ذاك الدفء المفقود، لا لشىء إلا لأن الأفندي (إنتقد ذاته) إنتقاداً صريحاً في بعضها، وآخر تلميحاً حينما نعي عجزه وضعفه وقلة حيلته في المنظومة، وثالثاً تكريساً عندما اعترف بتهميش البعض له للحئول دون بلوغ مراده في التقصي عن حقائق، ومن عجبٍ أن معظم تلك الكتابات تمحورت حول ممارسات (الأجهزة) الأمنية المتعددة، وبحسبه أنها – ولا شىء غيرها - أودت بالنظام إلى موارد التهلكة!

أياً كانت طبيعة النقد الذاتي المذكور فقد تحفزنا نحن رغبة منا في تأسيس حوار عقلاني إلى فتح هذه الصفحة مع الدكتور الأفندي، لا سيما وأن له مقالات تنادي ضمناً بهذا الحوار وقد تزامن نشرها ما أُسميه بمقالات (الحقيقة والمصارحة) هذه وقد تحدث في تلك عن دور المثقف والسلطة، وكنت قد إرتأيت زمناً معلوماً سأدخره من وقتي للبدء في هذا الحوار، لكن ما عجل به الآن مطالعتي مقالاً غريباً له رأيت فيه وكأنه إرتد فيه إلى سيرته الأولي، وإن لم يكن فقد نسف مجهوداً ضخماً كان أشبه بحملة علاقات عامة نعلم أنه اجتهد فيها زمناً طويلاً بغية إزالة صورة كئيبة إلتصقت بتاريخه – صدقاً أو افتراءاً – واصبحت الآن لا تتناسب مطلقاً مع وضعيته الحاليه كمثقف ومفكر اسلامي يطرح نفسه في هذا الحقل!

المقال الذي نتحدث عنه نُشر في موقع (سودانيز اون لاين) رداً على مقال في نفس الموقع للعميد محمد أحمد الريَّح، أما مقالي هذا فيؤمن بأنه لكل أمريء يومئذ شىء يغنيه، فهو لا يدافع عن العميد الريَّح بقدر ما يقر مثل ومباديء واخلاق، وكلنا يعلم أن العميد الريَّح احد أشهر ضحايا الانقاذ في طبعتها الأولى، ويحمد له أنه وثَّق لعمليات التعذيب التي حدثت له بجرأة لا تعرفها الثقافة السودانية، ولأن هذه جرائم لا تسقط بالتقادم يحمد له أيضاً أنه ظلّ مثابراً كلما وجد سانحة أو منبراً أثار قضيته وطالب بالقصاص دون أن يوهن له عزم، ولعل هذا ما نقوله بالضبط في ثقافتنا الشعبية (سِيّد الرايَحَة فَتَش خَشَم البقرة) ومن هذا المنطلق كنت أتصور أن يرد عليه الأفندي ببساطة يدرأ بها الشبهات عن نفسه، ويُقدِر في نفس الوقت الظروف النفسية والبدنية التي يعاني منها العميد جراء التعذيب الذي حاق به، لا سيما، وأن الأفندي نفسه حكي بمرارة في مقال آخر له قصة يبدو أنها وضعت بصماتها في نفسه وكانت عن إعتقال أخ زوجته، ولأنه لا يعرف الألم إلا من يعايشه كان المتوقع أن يستشعر الأفندي معاناة العميد الريَّح، إلى جانب أن الرد العقلاني كان كفيل بجعل الأفندي يبدو متصالحاً مع نفسه وهو يسرد على القراء ممارسات تلك الأجهزة، والحقيقة هذا عين ما فعله الاستاذ أحمد كمال الدين الموجهة له الرسالة أيضاً، فقد قام بالرد على الجزء الذي يخصه في وقت سابق ونشر في موقع (سودانيل) وضّح فيه ما يعتقده أنه كافياً لنفي الاتهام عنه، وهنا يؤخذ على العميد الريَّح نشر رسالته دون الاشارة لرد كمال الدين كما يقتضي العرف الصحفي، أو حذفه من الرسالة والاكتفاء بالجزء الذي يخص الأفندي طالما أن الأخير حتى وقتذاك لم يفعل الشىء نفسه. وفيما يلي أطرح الملاحظات التالية على رسالة الأفندي والتي أري أنها تجاوزت رحاب الموجهة له الرسالة:

أولاً: إبتدر الأفندي رسالته للعميد الريَّح بمقدمة غريبة «نبهني بعض كرام الإخوة إلى تعليق لك نشر على موقع ”سودانيزأونلاين“ في وقت سابق من الشهر الحالي يفيض بالقذف والإسفاف في حق شخصي غير الضعيف، ثم تبلغ بك الصفاقة أن تطالبني بالاعتذار بعد كيل كل هذه الشتائم. وحتى لو كانت دعواك في حقي صحيحة –وهي بالقطع ليست كذلك- فإنني ما كنت لأقبل الاعتذار ”رجالة ساكت كده“، ولطلبت منك أن ”تطالعني“. فكيف تتهمني بالنفاق والاسفاف والكذب وتفتري في حقي الأكاذيب ثم تطالبني بالاعتذر؟ فلدي نقائص كثيرة ليس من بينها بحمد الله النفاق، لأنني أرجو أن أكون ممن لا يخشون إلا الله تعالى. ولو كنت أرضى الدنية في ديني أو دنياي لكان لي شأن آخر» هذه الفاظ يقشعر لها البدن لغة ومضموناً، وإذا صدرت عن مثقف مستنير فما بال الذين لم يفتح الله عليهم بتعليم أكاديمي أو تثقيف ذاتي، صحيح أنها ثقافة التنظيم الذي كان ينتمي له الأفندي، لكن للأمانة لم يقل لي أي من أصدقائنا المشتركين أنه إغترف من معين ثقافة (السيخ والملتوف والمطاوي) كما أنني لم أقرأ له إسفافاً لغوياً من قبل، مثلما يفعل الآن الذين علمهم الشيخ الرماية، فما باله ينكص على عقبيه!

ثانياً: من المفارقات إصرار الأفندي على مخاطبة كل المعارضة في شخص العميد المُخاطب في حين أن العميد لم يدع في مقاله أنه يتحدث بإسمها، أي المعارضة، والتي يمكن أن تكون التجمع الوطني الديمقراطي (المقبور) أو أي من (الطبقات الصامتة) حتى وإن لم تنضو تحت لواء تنظيم معين، وعليه نرى أن الأفندي إستعدى أطرافاً وهي في قمة صمتها النبيل، ولعمري هذه عدوانية غير مبررة وإن لم تكن كذلك فهي محض حماقة، فالحكمة أن يقلل المرء دائرة اعدائه!

ثالثاً: عجبت أن يقول الأفندي «ليس لدي ما أعتذر عنه لك أو لغيرك من معارضي النظام» والغريب أنه لا يريد أن يفعل ذلك لأنه حسب زعمه «أن تسعين في المائة ممن كانوا ينازلوننا في السابق –ومنهم بعض أصدقائنا المشتركين- هم الآن في أحضان النظام وثانياً لآنهم كانوا حتى في تلك الأيام مرتمين في أحضان أنظمة قمعية دكتاتورية معروفة سجلها في المجال الحقوقي أسوأ بكثير من سجل الحكومة السودانية. وثالثاً، إذا كان المعارضون وهم خارج السلطة من أمثالك يمارسون مثل هذا العنف اللفظي والافتراء الجزافي، فماذا كنتم تفعلون لو حكمتم» هبْ أن ذلك كان حقيقة فهل يمنح الأفندي مبرراً في عدم الاعتذار؟ والذي نعتقد أن المرء يوجهه في الأساس لنفسه قبل الآخرين، ولا نريد أن نعيد ما ذكرناه في صدر هذا المقال عن الفريضة الغائبة حول ثقافة النقد الذاتي، ولربما إن كرَّ البصر مرتين فقد يكتشف أن الأمر أكثر من الخمس سنوات التي قضاها في كنف النظام، وبخاصة ادركنا نحن معشر السودانيين أن هذا التنظيم هو أقرب للماسونية، ما بطن فيه أضعاف ما ظهر الآن، وعليه دون أدني مكابرة نعتقد أن لديه ما يعتذر عنه، ولو فعل فهو لن يصغر في عين ناظريه وقد يبلغ الجبال طولاً!

رابعاً: كبا جواد الأفندي كبوة أسقطته من علٍ فهو يقول «لقد كنا والمعارضة في منازلة مفتوحة، هي في حالتي كانت مقارعة بالحجة. ومطالبتي بالاعتذار عما حققناه من نجاح في تفنيد دعاوى المعارضين هو أشبه بمطالبة الفريق الفائز بالاعتذار للفريق المهزوم بعد نهاية المباراة» لقد ناقض نفسه ورب الكعبة تناقضاً مريعاً، فإذا كان ما (حققوه) نجاحاً فما الداعي لانتقاده الآن؟ وكيف تكون الانتهاكات إفتراءاً حينما تحدثت عنها المعارضة يومذاك وتاج عزٍّ حينما يتحدث عنها هو اليوم؟ أوليست الحجة التي كانت تقولها المعارضة يومذاك هي نفس الحجة التي يقولها هو الآن؟ وهل مُرتكبها يعتبر فريقاً فائزاً؟ بل هل هي مباراة في الأصل والتشبية؟

خامساً: بإسقاطات العقل الباطن كما يقول علماء النفس يكتشف القارىء أن الأفندي أكثر وأسرف من ذكر الضمير المستتر في الاقرار دوماً بأنه كان هاديه وراضيه وحَكَمِه في تلك الفترة، وهو ما يمكن اعتباره بمعايير النفسانيين أنفسهم تعبير عن (عقدة ذنب) لم تجد طريقها لتعبر صراحة عن نفسها بالطرق المألوفة، مع أنه لا يضيره شيئاً طالما أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون!

إن الانقاذ – يا سادتي - كانت في طبعتها الأولي حقبة أدخل الجماعة فيها ضمائرهم – بشكل جمعي - في (ثلاجات) أّمَّا السلطة فكانت كأم الكبائر...الشيخ صانعها والتلاميذ حاملوها والابرياء شاربوها! والآن نقول ها قد جاءت الفكرة وطارت السكرة...!

عن الأحداث السودانية 31/8/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 1009 2008-09-04

حديث المدينة
السيرك..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-09-04

[email protected]


ساءني - جداً - ما كتبه الأستاذ عبد الرحمن الزومة أمس عن الدكتور عبد الوهاب الأفندي.. ولست هنا في مقام الدفاع عن الأفندي بل الدفاع عن الرشد الصحفي..خاصة لصحيفة مثل السوداني.. فإغداق الكلمات المسيئة بصورة شخصية للآخرين.. تخرج بالرأي والممارسة إلى حلبة مصارعة وملاكمة.. قوامها العضل..لا العقل..
الدكتور الأفندي كتب وتحدث كثيرا في الفضائيات بصورة ناقدة للحركة الإسلامية.. والبصيرة الرشيدة لا تنظر وتدقق في بطاقته الشخصية.. وتبنى عليها منطق الرفض أو القبول.. بل الأجدر تسديد النظر إلى الفكرة والرأي واستلهام الحكمة منه حتى ولو جاء به مجنون.. وقرأت معظم ما كتبه الأفندي في الحركة الإسلامية وغيرها.. وكان طرحه موضوعيا قابل للأخذ أو الرد عليه في حدود الفكرة والرأي..
من المحزن للغاية أن تنزلق الحركة الإسلامية إلى هذه الهاوية السحيقة من الفجور في الخصومة.. فيصبح مجرد المخالفة في الرأي موجب للإقصاء من الملة كلها.. مثل هذا المنهج يقصف تماما بالحكمة ويجعلها وحيا محتكرا للبعض دون الآخرين.. فيصبح كل ما يقول به أصحاب الرأي الأول - في مقام السلطة والقوة – هو الحق الذي أحق أن يتبع.. والرأي الآخر دليل على خيانة أو عمالة إلى آخر المترادفات السهلة التي لا تحتاج إلى إثبات أو دليل..
والحركة الإسلامية التي انفردت بحكم الدولة السودانية عقدين من الزمان.. يفترض أنها أدركت حتمية التعايش وقبول الرأي الآخر.. لكن المشكلة أن مقام الدفاع عنها حقا أو زورا صار أحيانا عند البعض في حكم الواجب الفرض.. وضع أشبه بـ(هلال- مريخ) لا يستوجب المنطق بل الانتماء والتبعية بلا قيد أو شرط..
واحدة من أكبر مهلكات البيئة السودانية أن الانتماء الحزبي ضربٌ من التدين.. ومجرد إبداء الرأي يعد من الكبائر الموجبة للحدود.. فضلا عن الخروج كلية من الحزب.
الحزب.. أى حزب.. والجماعة.. اى جماعة.. هو إطار منبري للتعبير عن الرأي.. ويفترض في الحزب الرشيد أن يجمع في أسواره مدارس فكرية.. لا تتنابذ بل تتنافس.. لكن ضيق الأفق السياسي والفهم القاصر للحزب أو الحركة أو الجماعة.. يجعل الناس صورة مستنسخة.. الجهر بالرأي كالمجاهرة بالكبائر..
قبل أيام انضم الأستاذ فتحي شيلا.. إلى حزب المؤتمر الوطني منتقلا من حزبه الاتحادي الديمقراطي.. فثارت ضجة فيها نكهة المرتد عن الدين عند الحزب الذي خرج منه.. و نكهة المؤمن الداخل إلى الدين عند الحزب الذي انتقل اليه..ولم تكن المشكلة في خروج شيلا.. بل في أن يصبح الخروج من الحزب..خروج من الدين.. السياسي..


------------------------------------------------------

الخميس 4 سبتمبر 2008م، 4 رمضان 1429هـ العدد 5465


دفاع فتحي الضو عن حسن الترابي! (2من 3)

05052008055111User44.gif
https://www.alsahafa.sd/admin_visitors.aspx
رماح حزب الرحيم علي نحور حزب الرجيم
ذكر الأستاذ فتحي الضو أني في مقالي الذي حمل عنوان (التآمر على الكتاب المدرسي بعد الكتاب الثقافي: نداء إلى الأستاذ علي عثمان محمد طه)، والذي كان يناقش مسألة قومية تتعلق بالكتاب المدرسي وطباعته وتوزيعه، قد استخففت بعقله واستصغرته، لأني أرجعت جذور البلاء في مسألة احتقار أمر الكتاب الثقافي ثم المدرسي إلى حسن الترابي. فقال الأستاذ الضو في نص له ركيكمر: «ففي مقال له على موقع (سودانيل) يتحسر فيه على وضعية الكتاب المدرسي ويتذكر (فجأة) في سياق نقده لممارسات نالت منه أن بين هذا الشعب فقراء سيحرمون من التعليم، واستغرب كيف يحتقر المثقفون الكتب في دولة الانقاذ رغم أن أكثر (قادتها مثقفون) ويفسر الأمر بإرجاعه «جذور الداء في فكر الترابي» وإن كان صاحبه كراديتش سلب الترابي لقبه الاكاديمي ومشيخته فانظر ماذا فعل وقيع الله به وهو يغوص في جذور الظاهرة «ان زعيم الانقاذ السابق وزعيم الحركة الاسلامية السابق والشيخ السابق حسن الترابي كان يكافح نزعة التثقف والتعلم وسط تلاميذه ومريده الذين هم الآن قادة دولة الانقاذ» يعلم القارئ أنني أخالف الترابي الرأي والفكر والتوجّه ولكنني لا أقبل مطلقاً بمن يستخف بعقلي بهذه الصورة السمجة، وعجبي إن كان صانعها يأمل أن يصدقه أحد!» (وقد نقلت نص الأستاذ الضو بطريقة القطع واللصق بمجمل أخطائه الهمزية وغيرها).
ولا أدري ما هي الممارسات التي نالت مني هذه التي ذكرها هذا الكاتب، حيث أني لم أشر في ذلك المقال إلى شأن شخصي قط، فهل كان الضو يفكر في شيءآخر وهو يكتب هذا النص فاختُلط عليه وتبلبل فكره وحشر في الموضوع ما ليس منه؟ أم أنه كان في كامل وعيه، وأنه لا يزال يصر على أني ذكرت شأنا شخصيا نال مني يوم ذاك؟
يمكن للأستاذ الضو أن يجيب، وبيني وبينه القراء الكرام. وبيني وبينه، وبينهم، نص المقال، وقد نشرته إحدى صحف الخرطوم، قبل أن ينشره موقع (سودانايل) فهو بالتالي متاح للجميع!
ولكني أرجح أن الأستاذ الضو لم يكن في كامل وعيه عندما كتب هذا النص، بقرينة واضحة من تكاثر هذه الأخطاء الإملائية فيه، وبالتالي فإني أعفيه من تبعة هذا الخطأ الذي تورط فيه!
هل شققتُ عن قلب الترابي؟
وقد حلا للأستاذ الضو أن يدخل في مجال مغالطات العوام وأشباههم عندما قال عن ردي لجذور الداء في فكر الترابي: «هو يورد قصة غاية في السذاجة عن كيفية لقاء إلتأم لمناقشة أمر الثقافة وبرامجها في الحركة الاسلامية، وقال إن الترابي كان يومذاك صحاضراً ولم يترأس اللقاء ومع ذلك «احبط كل ما ورد فيه بما أوتي من مهارات المكر والاستغفال، فوافق بشكل متسرع مريب على أكثر ما طرح من الاقتراحات، مع استبطان النية والعزم على عرقلة تنفيذها واجهاضها بكل سبل.. «.. وقيع الله هنا يا اخوة العقيدة والدم إما أنه شارك المولى عز وجل بعض صِفاته أو أنه شقّ قلب الترابي وعلِم نواياه».
هذا ولقد وددت أولا أن ينقل هذا الضو كلامي بطريق القطع واللصق، حتى لا يلحق به هذه الأخطاء الإملائية التي يبدو أنه لا ينتبه إليها مع أنه صحافي محترف!
ثم وددت ثانياً أن يتحلى هذا الضو بقدر قليل من ذكاء العوام وحكمتهم وخبرتهم بتصاريف الحياة وتصرفات الأنام، فإن المرء مهما كان ذكاؤه محدوداً فإنه قادر على أن يستبطن نوايا وعزائم من يعرفه عشرا أو عشرين من السنين، ويعرف إن كان كاذباً أم مراوغاً أم لا؟
فهذا أمر لا يحتاج إلى مشاركة المولى الخالق في علمه، ولا إلى شق صدور الخلق، ولا إلى قدرة خارقة في الاستبصار، بل من لا يملك تلك القدرة العادية في معرفة من يتعامل معهم من الناس ليكونن من المحسوبين في عداد البشر الغافلين أو المستغفلين!
ولقد أتيح لي أن أتابع مسيرة الدكتور الزعيم حسن الترابي منذ عام 1965م، وأن أقرأ أكثر كتاباته، وأن أسمع الكثير من محاضراته، وأن أعرفه عن قرب، وأن أؤلف عن نهجه الفكري كتاباً نفد من الطبع مرتين، أفلا أكون بعد ذلك كله قادراً على معرفة ما إذا كان مراوغاً في تصرف معين من تصرفاته أم لا؟!
لا عنترية ولا تزلّف:
وقد ذكرت في مقالي الذي رد عليه الضو أني كنت في غاية الألم والحزن عندما ناقشت ذلك الأمر مع أمين حسن عمر، ولكن الأستاذ الضو يقول إني كنت أتزلّف بذلك لأمين. وهذا هو قوله، أنقله مرة ثانية مع أخطائه الإملائية، ومعها الأخطاء التي أدخلها على كلماتي بين الأقواس: «وفي تزلُّف مكشوف يقول أنه ناقش هذه المسألة مع صديقه أمين حسن عمر وقال له «أن زعيم الحركة الاسلامية شخص متآمر على قضايا الثقافة...» ومرة اخرى يذكرنا وقيع الله بإحدى خواصه الخارقة للمألوف ويقول أن أمين لم يندهش للملاحظة بقدر إندهاشه لعبقريته التي دلته على النقيصة في شخصية الشيخ، والحقيقة أن أمين لم يقل له ولكن سيادته اكتشف ذلك «من الانزعاج الذي اتضحت أمائره على قسمات وجهه» وبغض النظر عن الخوارق يريدنا وقيع الله أن نصدق أنه كان يمكن ان يقول للدكتور الترابي قبل ربع قرن إنه متآمر في حين يظل مكانه في الحركة الاسلامية (الديمقراطية)...
لقد ذكرت فيما مضى أنني جئت أشكو لأمين حسن عمر رئيسه حسن الترابي، فما هو التزلف في هذا؟! كيف أتزلّف لأمين حسن عمر بشكوى ضد حسن الترابي، وقد كان أمين وقتها من أقرب المقربين، إن لم يكن أقرب المقربين إلى حسن الترابي من الناحيتين الفكرية والعملية معاً؟!
إنني لو جئت أمتدح حسن الترابي لدى أمين حسن عمر، لكان يمكن أن يقال إن في ذلك تزلفاً لأحدهما أو لكليهما، أما ما بثثته له من مر الشكوى وشديد الاحتجاج فأقل ما يوصف به أنه تذمر أو مخالفة للخط العام الذي كان حسن الترابي يحاول إرساءه في المجال الثقافي الحركي الإسلامي. وربما جنح البعض لوصفه بأنه تمرد أو عصيان، وهو لم يكن كذلك، في الحقيقة، لأنني لم أحاول قط أن أتمرد على قيادة الحركة الإسلامية، أو أن أركز على أخطاء القياديين، وإثارة المتاعب في طريقهم.
إن أي قارئ يفهم شيئاً في تحليل المضمون، لا يستخرج شيئاً غير ذلك من كلماتي، أما هذا الضو فإما انه كان غائبا عن الوعي عندما استنتج منها ما استنتج، وإما أن تكون خصومته العنيفة اللا مبدئية التي تعميه دائماً عن إصابة الحق هي التي طوَّحت به بعيداً في هذا الاستنتاج!
وأما قوله إن الترابي كان سيبعدني عن الحركة الإسلامية لو بلغته تلك الملاحظة التي أبديتها عنه لأمين حسن عمر، فليس من العدل في شيء أن نقول إن حسن الترابي كان شخصاً يضيق بالنقد، أو يجنح إلى السيطرة التامة على مجالات الرأي والفكر.
إن الترابي ليس شخصاً دكتاتوري النزعة، كما يتصوّر هذا الضو، الذي يدافع عنه هذا الدفاع الهزلي اليوم، وإنما هو شخص ليبرالي واسع الأفق، وقد كنا نخالفه كثيراً في الرأي، وقد سبق أن ذكرت أني ناقشته في هذه المسألة التي تحدثت بها إلى أمين حسن عمر، كما ناقشتها مع الأستاذ علي عثمان قبل ربع قرن من الزمان، ولم يتخذ أي منهما إجراء ضدي، فالحركة الإسلامية السودانية ليست حزباً دوغمائياً مستغلق العقل والأفق كالأحزاب اليسارية والحزب الجمهوري المنهار!
لم أستصغر عقل الضو:
ومن استنتاجات الأستاذ الضو الخاطئة أني استصغرت عقله حين رويت تلك الرواية التي لم يقبلها عقله كما قال: «وقيع الله غفر الله له استصغاره عقولنا.. يخط قصة أخرى طرفها أمين نفسه، لكنه يرويها بقراءتين يقول في الأولى إن الترابي «أوصى أمين أن يتزعم النشاط العلمي والثقافي للأخوان في السجن وأن يقضي بكل ما اوتي من قوة على ذلك النشاط»، ولكنه يستدرك بعد أن وخزه شيء لا ندري كنهه ويضع الرواية بقراءة مكية ويقول إن «الترابي أوصى أمين بأن يحول بين الإسلاميين وبين التعمّق في قراءة كتب التفسير والحديث والفقة وأن يوجههم ما استطاع إلى تداول قضايا الفلسفة وتدارس مسائل الفنون والمسرح وتعلم اللغات» ورغم ضعف الرواية يا عزيزي القارئ وأنس في نفس الوقت أمين الذي يتسنم موقعاً تنفيذياً في المنظومة، قل لي بربك ما الذي كان يمكن أن تجنيه الحركة الإسلامية لو أنهم أخذوا بزمام هذه النصيحة الغالية، بل قل ما الذي كان يمكن أن يجنيه وقيع الله (شخصياً) لو أخذ بها قبل ربع القرن المذكور. أمَّا أنا فأستطيع أن أتنبأ لك بأننا -على الأقل- ما كنا لنقرأ مثل تلك الترهات أبداً!».
وأقول للأستاذ الضو أولاً إنني لم أستصغر عقلك لأنني لم أستكبره يوماً ما. وما ظننت أن لك عقلاً كبيراً وأنت تقع في كل هذه الأخطاء الكثيرة المتتالية في الفهم والاستنتاج، وهي أخطاء لا يقع فيها القارئ العادي الذي تنصب من نفسك بما تنشر من مطلق الغثاء، مرشداً له، وهو الغثاء الذي تلتقطه من ألفاظ شيخك الحقيقي منصور خالد، دون أن تستهدي بشيء من علمه أوفكره!
لقد فشل الأستاذ الضو فشلاً ذريعاً في فهم مغزى الرواية التي رويتها، ولذلك علق عليها مستفهماً عن مغبَّاتها. وكاد أن يحصر استفهامه عن شخصي لو أني أخذت بتلك النصيحة الغالية، نصيحة حسن الترابي لأمين حسن عمر. وهو استفهام غبي جداً، لأنني ذكرت ابتداءً أني كنت ضد ذلك التوجه، وأني كنت أقاومه أشد المقاومة، فكيف أقبل به، ثم أتبعه، وأنتفع به؟! هذا ما لا يتخيله أو يقول به من له مُسْكة من نُهىً أو رشاد!!
لقد أوردت تلك الرواية ذات الدلالة القوية الواضحة وأنا أتحدث في مجال معالجة مسألة قومية كبرى، تتعلق بطبع الكتاب المدرسي وتوزيعه، وقد رأيت أن بذور فكر الترابي هي التي سببت، ضمن عوامل أخرى بالطبع، تلك المشكلة. ولو كان لهذا الضو عقل موضوعي كلي، لركز قوله في هذا المقام، ولكنه بعقله الجزئي الضيق، الذي يعميه الغرض الحزبي، ويضله هوى الخصام الفكري المميت، آثر أن يركز بصره على النواحي الشخصية، وعلى قضايا خلافات الإسلاميين مع شيخهم السابق، الشيخ السابق حسن الترابي، وهي قضايا لا تخصه في قليل أو كثير، ولكنه يحاول دون جدوى ودون حياء أن يستثمر بقية أوراقه التالفة في سوقها.
رواية بالنص وبالدراية والسند القصير:
ومرة ثانية لست أدري إن كان الضو في كامل وعيه عندما كتب هذه الكلمات الملتبسات، قائلاً عني إني رويت رواية ضعيفة عن أمين حسن عمر. وهذا الضو لا يعرف مصطلح الرواية الضعيفة بالتأكيد. فهي الرواية التي يسقط من حلقة رواتها راوياً أو أكثر. وأما ما جئت به فقد جئت به بسند قصير متصل، غير منفصل، وأسندت القول إلى شخص حي شاخص للعيان، ولم ينف هذا الشخص ما رويته عنه، فبم تضعف هذه الرواية إذن؟!
وإنني إذ رويت الرواية فقد رويتها مرتين، مرة بخلاصتها، وبما استنتجته منها، ومرة أخرى بنصها وفصها، لمن يحتاج إلى النص والفص من الحرفيين الشكليين. وقد فعلت كل ذلك طوع نفسي، ولم يلزمني بذلك أحد. وقد جئت بذلك من دون أن أخترم لمحة من المعنى، ومن دون أن أتزيد عليه بشيء. ولم يكن ثمة تناقض بين ما رويت بالمعنى أو النص.
لقد جئت بهاتين الروايتين معاً لتأكيد أمانتي المتحرجة في النقل عن الآخرين. وها هو الشخص الذي رويت عنه، وهو أستاذي أمين حسن عمر، لم يعترض على ما قلت بشيء. ها هو الشخص الذي روى عنه أمين حسن عمر، وهو الشيخ السابق حسن الترابي، لم يعترض على ما روى عنه أمين بشيء، فما بال هذا الشخص (الحشري) فتحي الضو، يجيء ليدس أنفه فيما لا يعنيه، ويعترض على أمر ليس له به شأن، ولا دراية، ولا صلة، ولا فهم؟!
إنما يريد فتحي الضو فقط أن يدافع بالباطل والمراء والمماحكة عن شيخه الجديد حسن الترابي، وهو دفاع خاسر تماماً، بكل معنى من معاني الكلمة، لأنه يتعلّق بأمر لا يريد حسن الترابي نفسه أن يدفعه عن نفسه ولا يستطيع
---------------------------------------------------------------
الخميس 4 سبتمبر 2008م، 4 رمضان 1429هـ العدد 5465

نص راي
حسن ... صفر? من أوراق اللعبة بيد أمريكا

خالد التيجاني

لم أكن لأجد غضاضة في تعليق الاستاذ الطيب مصطفى بالزميلة «الانتباهة» على مقالتي الأسبوع الماضي، إن التزم جانب الموضوعية ورد على التحليل بتحليل وعلى الرأي برأي، فما زعمت أنني امتلك الحكمة وفصل الخطاب إنما هو «نصف رأي»، لولا أنه ذهب يصدر أحكاما تصل إلى حد الاتهام بالشرك، والدعوة للتوبة أو الاستتابة!!!! لا فرق من ماذا، الله وحده يعلم.
ولا أود الدخول في جدال عقيم فقط أقول إنه من حسن حظ البشر، ومن أجل نعمه تعالى عليهم، أنه تعالى لم يترك أمر محاسبتهم على نياتهم وأعمالهم لأحد من خلقه، اذا لهلكوا جميعا على أيدي المتنطعين وما أكثرهم، ويروى أن إعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيحاسبنا ربنا أم يبعث لنا من يحاسبنا؟، ورد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا «بل يحاسبكم ربكم»، ورد الإعرابي «فزت ورب الكعبة، لأن الكريم إذا ملك عفا».
وأقول للأستاذ الطيب رويدك رفقا بعباد الله، ودع الخلق لخالقهم، ثم لا يملك أحد من البشر أو يجرؤ لأن يحدد للمولى عز وجل أين يقف ومن يناصر، وإنما يجتهد الناس في الأخذ بالأسباب وطلب النصر.
وأهدي للأستاذ الطيب حكمة قالها الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن، فلينكولن كان القائد الأعلى لجيوش الاتحاد في الحرب الأهلية الامريكية بين الشمال والجنوب، وحين زار وزير شمالي البيت الأبيض خلال الحرب الأهلية، أبلغ الرئيس أنه مسرور لأن الرب يقف إلى جانب الاتحاديين في الحرب، سارع لينكولن إلى تصحيحه بالقول: «سيدي، إن همي ليس ما إذا كان الرب إلى جانبنا، بل همي الأكبر هو أن أكون أنا إلى جانب الرب». فقد كان يدرك جيدا أن الغرور يسبق السقوط، وأن الشجاعة والصلف ليسا الأمر ذاته. وهذه قصة تستحق أن نحكيها لأنفسنا مرارا. ولينكولن فهم أن العظمة والتواضع ليسا أمرين يغيب أحدهما إذا حضر الآخر حكما.
وودت لو أن ألاستاذ الطيب صبر قليلا ولم يتعجل في رده، إذا لوجد أن من يرد عليه هي صحيفته ذاتها، فبعد يومين من رده، جاء مانشيت «الانتباهة» السبت الماضي يحمل عنوانا يقول «د. مصطفى عثمان: لا استبعد أن تعرض واشنطون صفقة لتسوية لاهاي»، إذاً الحكومة نفسها التي يدافع عنها لم تزعم أنها «ستربع يديها وتنتظر نصر السماء»، ولكنها تشير بوضوح إلى أنها تنتظر عقد صفقة مع أمريكا لطي ملف أزمة أوكامبو، وهذا ببساطة يؤكد ما ذهبت إليه في مقالتي، فقد أوردت وقائع، وعرضت تحليلا، وخلصت إلى استنتاج يشير إلى أن الدور الأمريكي حاسم في حل هذه الأزمة، وأن كل الحلول الممكنة تتقاطع عنده، ولذلك لا مناص من التفاهم معها على تسوية، فأين الشرك هنا، ومن أين أتى بزعم أنني جعلت من أمريكا ربا من دون الله!!. قد يكون استفز الاستاذ الطيب عنوان المقال «99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا»، وبالطبع هذا العنوان ليس من اختراعي وقائله معروف، ولكني أوردته مجازا لتأكيد محورية الدور الأمريكي، على أية حال لا بأس أن نخفض النسبة إذا كان ذلك سيرضي الاستاذ الطيب، وإذا كان ذلك سيحل المشكلة، فلا مانع أن نقول أن أمريكا تملك صفر% من أوراق اللعبة.
حسناً.. قد لا يقتنع الاستاذ الطيب بما صرح به مستشار الرئيس الدكتور مصطفى عثمان، هذا إن لم يصنفه أيضا في خانة «المنبطحين والمنبرشين، والمستسلمين وربما المشركين!!!»، ولكن ما رأيه في ما أعلنه الرئيس عمر البشير شخصيا في حواره مع قناة «العربية» أثناء القمة التركية الأفريقية باسطنبول الاسبوع الماضي بشأن رؤيته للعلاقات بين البلدين والدور الأمريكي، صحيح أن الرئيس تحدث عن خيار المقاومة إذا فرض على السودان ذلك، ولكنه لم يقفل باب الحوار والتفاهم مع الولايات المتحدة، قائلا «وسعينا الخارجي مستمر ونحن ما سعينا لنعادي أية قوة بما فيها امريكا، لاننا نحن نعلم انها قوة كبيرة، والتصالح معها فيه فائدة، لكن لازم تكون هناك رغبة من الطرفين، لذلك نحن لدينا حوار مع امريكا لم ينقطع حتى الآن، والمبعوث الامريكي غادر الخرطوم قبل يومين.. نحن في حوار مستمر». وهذا موقف صريح يفسر نفسه، فالرئيس مقر بقوة أمريكا ودورها وضرورة التصالح معها، وأن في ذلك فائدة، وأن هناك حوارا مستمرا بين الطرفين، وأن المطلوب من واشنطن أن تظهر الرغبة ذاتها المتوفرة للخرطوم للتعاون بينهما.
وعندما سئل السيد الرئيس عن «ماذا يطلب الامريكان، بمعنى ما هي الطلبات الامريكية»؟، رد قائلا: «حل قضية دارفور .. حل القضية من طرفين طرف حكومي وطرف آخر، لكن هم يريدون الحل الذي فعلاً في النهاية يؤدي الى اهدافهم اخراج دارفور من دائرة الحكومة، يعني مثلاً اليوم في جنوب السودان هناك سلطة قائمة عندها كامل الصلاحيات تقريباً السياسية، الاقتصادية، القانونية والدستورية وعندهم حق تقرير المصير بعد نهاية الفترة الانتقالية في 2011م، وهي واحدة من اهدافهم في ان تصل دارفور لهذه المرحلة. لان دارفور غنية، دارفور تسبح فوق بحيرة بترول، ودارفور فيها كمية من المعادن، منها النحاس وفيها حديد ويورنيوم ونترات الالمنيوم، وفيها مياه جوفية ضخمة جداً وفيها ثروة حيوانية واراضٍ زراعية، ومن هنا تأتي الاطماع وما عندنا مانع ان يأتوا يشاركوننا، ولكن يريدون ان يأخذوها كلها»، يعني بالواضح يا أستاذ الطيب أن السيد الرئيس شخصيا لا يرى بأسا ولا مشكلة في إمكانية عقد صفقة شراكة اقتصادية مع الولايات المتحدة في ثروات السودان، واعتراضه هو على المحاولة الأمريكية للاستئثار بها، وليس على مبدأ التفاهم والشراكة معها.
وأكد الرئيس البشير أن حكومته كانت تنتظر مكافأة أمريكية بعد توقيعها اتفاقيتي نيفاشا وأبوجا، وقال بالنص «ان اتفاقية مثل هذه كانت تستحق مكافأة، لانه جاءنا المبعوث الامريكي وقال اذا وقعتم سلاما في جنوب السودان سنرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وسنرفع المقاطعة، وسنطبع العلاقات وسنعفي ديون السودان وسنمول مشروعات السودان، وعندما ذهبنا الى ابوجا قال اذا وقعتم اعطونا الوعود، وعندما وقعنا بدلاً من ان يعطونا المكافأة عاقبونا، يعني هذا هو العالم غير العادل وهذا هو الكيل بمكيالين».
ويضيف الرئيس البشير «وبعد توقيع اتفاقية السلام في ابوجا اتصل بي الرئيس الامريكي شخصياً وظل لمدة 10 دقائق يشيد بهذا الموقف، ويهنئنا ويقول لي انت وعدت واوفيت وانجزت وحققت كل ما هو مطلوب ونحن جاهزون الآن، هذه هي اللغة التي استخدمها نحن جاهزون لنستمع إلى السودان».
وهذا يؤكد ما ذهبت إليه في مقالتي من أنه ليست هناك خلافات دينية ولا مبدئية ولا أيديولوجية بين الخرطوم وواشنطن، وأن الأمر لا يعدو أن يكون خلافا على المردود والمكاسب المتحققة من التعاون بين الطرفين، وتأكيدا واعترافا بالدور الأمريكي وإسهاماته في حل مشاكل السودان.
لقد تحدث السيد الرئيس في مؤتمره الصحفي باسطنبول، وفي حواره مع قناة «العربية» مؤكدا أن الحكومة تتعامل مع الأمور بعقلانية وواقعية سياسية، وأن هناك مساحة للتفاهم والحوار للخروج من الأزمة، وأن هناك إقرارا بالدور الأمريكي المهم في الوصول إلى هذا المخرج، وأن الخلاف هو حول ثمن هذا التفاهم، وليس حول مبدأه.
هذه المواقف التي أعلنها الرئيس هي ذاتها التي أشرت إليها في مقالتي وطالبت بضرورة التوصل إلى تفاهم بشأنها، فمن أين يأتي الاستاذ الطيب مصطفى بتلك الأحكام الدينية القطعية في رأي حول قضية سياسية تواجه البلاد، ومن واجبنا جميعا أن نسعى للبحث عن حل لها، فكما هو واضح ليست هناك حرب صليبية بين الخرطوم وواشنطن، وأن الأمر هو خلاف حول المصالح، ومن قال ذلك هو السيد رئيس الجمهورية نفسه الذي يظن الاستاذ الطيب أنه هو الوحيد المدافع عنه، فيا ترى هل سيسارع هذه المرة أيضا لضم المشير البشير إلى القائمة إياها، أم يجد لسعادته عذرا ويقصرها على «الحيطة القصيرة» من أمثالنا.
ولكن يبدو أن الاستاذ الطيب يدافع عن حكومة أصولية طالبانية متوهمة، لا وجود لها في أرض الواقع، ولا أحد هنا يدعيها، ربما تصورها له أشواقه وأمانيه، ولا بأس في ذلك، ونتمى له التوفيق في تحقيقها، ولكن ما ذنب البلاد والعباد ليقحمهم في حرب دونكشيوتية!!.
ومحاولة حكم الإنقاذ تطبيع علاقاته مع الولايات المتحدة قديمة ومعروفة منذ أوساط التسعينيات حتى قبل أن يتفرق قادتها أيدي سبأ ويتناحرون، وكان هناك تعاون استخباري بالغ الاهمية في ملفات أمنية حساسة. ومساعي التفاهم والحوار معها لتطبيع العلاقات لم تنقطع، ولم نسمع الاستاذ الطيب مصطفى يتهم الحكومة المنخرطة في التعامل مع واشنطون والساعية للتطبيع معها بالشرك، ثم لا يجد بأسا في توجيه التهمة لكاتب لمجرد دعوته بالرأي فقط للتفاهم معها، وتلك مشكلة البعض هنا لا يترددون في ممارسة الكيل بمكيالين، ثم لا يجدون حرجا في اتهام غيرهم بممارسة هذه السياسية، قليل من العدل يا هؤلاء.
وأكثر من ذلك فإن البعض يزعم أن الثمن المطلوب لتطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة هو الاعتراف بإسرائيل، وينسون أن الحكومة السودانية انضمت رسميا منذ عام 2002م لموقف النظام الرسمي العربي الذي قرر في قمة بيروت الاعتراف بإسرئيل وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، وإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967م، ومن يعرقل تطبيع علاقات الدول العربية غير المطبعة حاليا مع إسرائيل، ليست تلك العواصم بما فيها الخرطوم، بل تل أبيب، فما رأي الأستاذ الطيب؟!
ثم من قال إن الاستعانة بالله تمنع التفاهم مع الولايات المتحدة، ألم يسمع الأستاذ الطيب بصلح الحديبية وما جرى فيه، ولا أتوقع بالطبع أن يصنفه في خانة فقه المنبطحين، ولكنها سعة الدين وبعد النظر وفقه المصلحة. ولا أدري من أين جاء الأستاذ الطيب بأننا نحسن الظن بأمريكا وندعو للتعامل معها كأنها ملاك طاهر، نحن نتحدث عن السياسة والسياسة لا عواطف فيها ولا صداقة، بل مصالح، كل ما في الأمر إننا ندعو لتحقيق مصلحة السودان وليس مصلحة أمريكا عبر التعامل مع حقائق الواقع، ونواميس الكون لا تتغير وتتبدل تبعا لتمنياتنا وأشواقنا.
ودعك من التجارب التي نشاهدها في عالم اليوم، فالسودان شهد خلال القرنين الماضيين تدخلين دوليين ليتنا نستعيد السيناريو الذي تكرر في كليهما ونتيجته ونعتبر بهما، فقد أسقط الغزو التركي المصري الدولة السنارية واستعمر البلاد أكثر من ستين عاما، وجاءت الثورة المهدية ولم تلبث إلا أقل من عقد ونصف، ليسقطها الغزو البريطاني المصري لتخضع البلاد لاستعمار دام قرابة الستين عاما، فهل كتب على السودانيين أنه كل ما قامت على أرضهم دولة وطنية ترفع شعارات إسلامية أن تنتهي بهم إلى استعمار يدوم عشرات السنين؟ لماذا نعيد إنتاج أزمتنا بسيناريو واحد يتكرر، ثم لا نملك إزاءه إلا رفع الشعارات واستمطار رحمات السماء بلا عمل جاد، ونحملها أخطاءنا وقصورنا. ثم ننتظر نصرا ربانيا مبينا لم نستوفِ شروطه.
وحتى لا يظن الأستاذ الطيب أنني أضع بيض التسوية كله في السلة الأمريكية، فإنني أدعوه لقراءة مقالة نشرتها في «إيلاف» في 21 يوليو الماضي بعد أسبوع واحد من إعلان أوكامبو لإدعاءاته، فإنني أرى الحل يبدأ من هنا وليس في الخارج، واستسمح القارئ في إعادة نشر فقرتين من ذلك المقال تقول الأولى« ولئن بدا مفهوما ردة الفعل الأولية الحماسية الطابع التي أعقبت صدمة إعلان أوكامبو للائحته اتهاماته، فقد حان الوقت للجلوس والتفكير بهدوء ليس فقط من أجل إيجاد مخرج من مأزق أوكامبو، وليس فقط إطلاق مبادرة لإيجاد حل نهائي لقضية دارفور، بل من أجل قضية أهم شأنا وأبعد أثرا مطلوب منها أن تجيب على سؤال واحد كيف نجد معادلة سياسية شاملة متوازنة وفعالة تمثل مخرجا حقيقيا وجادا وللأبد من أزمات السودان المتلاحقة التي بات بعضها يأخذ بخناق بعض، والتي جعلت البلاد ضعيفة البنيان، وبلا مناعة، وعرضة للتدخلات الإقليمية والدولية من كل حدب وصوب، وما كان ذلك ليحدث لولا أن وضعها السياسي الهش جعلها صيدا سهلا، ليس فقط للدول العظمى، بل حتى من جيران أقل شأنأ.
والداعي لهذا التنبيه أنه من الخطورة بمكان الركون إلى النهج السائد حاليا في إدارة الأزمة بذهنية ومعطيات هي نفسها التي ثبت أنها المنتجة للأزمات المتلاحقة التي تأخذ بخناق البلاد. والدعوة لهذه المراجعة الجذرية لعقلنا وطرائق تفكيرنا وممارساتنا السياسية، لا ينبغي أن ينظر إليها بخفة وسطحية على أنها مجرد استجابة للمستجدات الضاغطة على خلفية قضية أوكامبو، أو هي دعوة لتقديم تنازلات هنا أو هناك من باب الانحناء للعاصفة، فما من شيء أضر بقضايا السودان المصيرية وأدخله في هذه الدوامة أكثر من التعامل معها بنهج السمسرة السياسية التي تقدم التنازلات الخطأ، في الوقت الخطأ، للأطراف الخطأ، ومحاولة حلحلة مشاكله المستنسخة في أطرافه الأربعة بعقلية أصحاب الكناتين من صغار تجار التجزئة».
وتقول الفقرة الثانية «وسنرتكب الخطأ نفسه إن ظن صناع القرار أن الأولوية الآن لتفادي سيف المحكمة الجنائية الدولية المسلط، هو مجرد تقديم مبادرة لمعالجة أزمة دارفور، أو إجراء معالجات جزئية هنا أو هناك لاحتواء الموقف، ببساطة لأن ذلك لا يشكل أية ضمانة بأننا لا نعيد إنتاج أزماتنا في مكان آخر بمسوغات أخرى، لنكتفي بترديد الشكوى من الاستهداف الخارجي والأجندة الأجنبية، في حين لم نقم بدورنا في سد الثغرات وسد باب الذرائع التي يلج منها التدخل».
وعلينا أن نتذكر أن ما هو أهم بكثير، هو إقامة العدل وتحقيق العدالة فعلا، وأن يراها الناس تطبق حقيقة، فما دامت الحكومة معترفة بأن هناك تجاوزت ومظالم قد حدثت في دارفور، وليس مهما كم هو حجمها، فقد كان المطلوب منها إقامة العدل وتحقيق العدالة بمبادرة منها، لأن ذلك مقتضى الدين الذي ترفع شعاراته، لا أن تنتظر حتى تضطر إلى ذلك بضغوط خارجية، ولا شيء يشفع تبريرا للظلم، فالحق عزَّ وجلَّ يقول «يا عبادي لقد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» فلا يدعين أحد بعد ذلك أنه ينتصر لدين الله بظلم عباده، ويعطي لنفسه حقا لم يعطه الله تعالى لنفسه.

الصحافة

-------------------------------------------------
السبت 6 سبتمبر 2008م، 6 رمضان 1429هـ العدد 5467

الكودة والمتعافي .. طلاق بائن


الخرطوم : سامى - نبوية

كشف معتمد محلية الخرطوم المقال، الدكتور مبارك الكودة، ان الاسباب الحقيقية التي عجلت بإعفائه هي خلافات حول عطاء بقيمة 22 مليون جنيه لتشييد الموقف الجديد، واتهم الوالي بالتغول علي صلاحياته، وبينما تجري مشاورات داخل المجلس التشريعي للمحلية لإعادته، اعلن الكودة رفضه الانتساب الي المؤتمر الوطني والعمل مع المتعافي.
وقال الكودة قبيل عودته الى ماليزيا امس، ان المتعافى اراد ان يفرض رأيه بأن يؤول العقد لشركة اخرى ـ لم يسمها ـ واكد رفض المحلية بكل مؤسساتها لهذا التدخل ، وعدم رغبته فى العمل فى ولاية الخرطوم مطلقا مع والى الولاية عبد الحليم المتعافى، قائلا قررت ان اميل الى الشعب السودانى وليس للمؤتمر الوطنى، واضاف جئت لابرئ ساحتى التى تعدت عليها الولاية، واصفا ان جملة المبالغ المتفق عليها سنويا مع الشركة 22 مليون جنيه ارادت الولاية التدخل فيها.
وارجع معتمد محلية الخرطوم المقال مبارك الكودة، سبب اعفائه من منصبه من قبل والى ولاية الخرطوم الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافى الى خلاف حول العطاء لانشاء موقف السكة الحديد الجديد الذى وقع لشركة «كركر» التجارية، وقال الكودة ان العطاء تم بالصورة والخطوات الرسمية للعطاء، مؤكدا ان العطاء المختلف حوله اعلن فى الصحف اليومية وتم فتح المظاريف بواسطة لجنة العطاءات التابعة للمحلية، ووقع العطاء لشركة كركر. واضاف « تمت صياغة العقد مع الشركة بعد موافقة المجلس التشريعى للمحلية وتم توثيق العقد من قبل مستشار الوالى، وتم التوثيق من وزارة العدل الاتحادية وبهذه الصورة يكون العقد ملزما للطرفين قانونا».
واضاف الكودة ان والى الخرطوم تدخل واراد ان يفرض رأيه بأن يؤول هذا العقد لشركة اخرى لم ـ يسمها ـ ولكن المحلية بكل مؤسساتها رفضت هذا التدخل « وهذه هى المشكلة «
واكد المعتمد المقال الكودة رفضه العمل فى ولاية الخرطوم مع عبد الحليم المتعافى قائلا طيلة فترتى كنت اريد ان تكون هنالك شفافية فى مسألة العطاءات التى حرصت على ان يعرفها الشعب السودانى.
ويرجع عضو المجلس التشريعى عادل كونديس اسباب الاقاله الى خلافات حول آلية جمع العوائد والنفايات والاعلانات، واخيرا المواقف، وذهب الى ان المجلس التشريعى ساعد المتعافى فى انتزاع الصلاحيات والسلطات التى انزلها قانون الحكم المحلى للمحليات بمهادنته حتى جاء القرار القاصم وهو الاقالة.
وحسب عضو المجلس صديق عبد اللطيف، فإن عددا من عضوية المجلس التشريعى لمحلية الخرطوم نيابة عن دوائرها ناقشت فى اجتماع أمس موضوع اعفاء الكودة تمهيدا لمناقشته سياسيا مع الجهات المسؤولة .
وكشف عضو المجلس التشريعى جمال عبدالله، للصحافة عن تكوين لجنة من ثمانية اعضاء برئاسة رئيس الهيئة البرلمانية بالمجلس خليفة جعفر ستقوم بمقابلة الوالى للتفاوض معه لايجاد مخرج من هذا الوضع الذى وصفه «بالفوضى» بعد ان قال بأن الاقالة تمت بطرق وحيثيات غير موضوعية.
وقال مدير الشؤون الادارية بالشركة الحائزة على امتياز المواقف « كركر» عبد العزيز محمد : ان شركته ليست طرفا فى الخلاف بين الولاية والمحلية، وانها حازت على الامتياز من مجموع سبع شركات نسبة لمقدرتها المالية والتزمت كما قال بدفع ايجار شهرى قدره مليون وستمائة الف جنيه، وهى من اكبر العطاءات التى قدمت للمحلية. واضاف ان شركته تعاملت مع المحلية وليس مع المعتمد وانه اذا كان موجودا أو تم اعفاؤه فإن ذلك لن يؤثر فى وضعها القانونى فى شئ، وان العقد مستمر مادام الطرفان ملتزمين بشروطه.

الصحافة

----------------------------------------------------
بين الأستاذ محمود ودكتور الترابي (1-3)

عمر القراى

تعقيب على الأستاذ المحبوب عبد السلام:


لم أعثر على الجزء الأول من الحوار، الذي أداره الصحافي النابه، الأستاذ علاء محمود، مع الأستاذ المحبوب عبد السلام، العضو البارز في حزب المؤتمر الشعبي، واسماه «حول المشروع الذي كان»، في إشارة ذكية لفشل تجربة جماعة الإسلام السياسي، وفشل مشروعها الحضاري الذي ساق الى انشقاقها لوطني وشعبي. ولعل الجزء الأول، قد ركز على الخلاف بين الوطني والشعبي. وهو خلاف لا أحب ان اقف عنده، ولكن ما اود التعليق عليه، هو محاولة الاستاذ المحبوب عبد السلام، للمقارنة الجائرة بين الأستاذ محمود محمد طه ود. حسن عبد الله الترابي. فقد حاول ان يظهر الترابي كمفكر، ويبرر جرائمة كحاكم سابق، على اساس انها مجرد قراءات خاطئة للواقع السياسي، أو اجتهادات فكرية له أجر واحد ان أخطأ فيها، وله أجران ان اصاب!! ثم انه يصور الترابي، وكأنه رجل ديمقراطي، يدعو أتباعه للتفكير الحر، ويقبل أن يختلفوا معه في الرأي. وهو بذلك يبرئه تماماً من كل ما حدث في عهد الإنقاذ، منذ قيامها وحتى المفاصلة. ويحمل المؤتمر الوطني وحده، ما جرى من انشقاق في الحركة الإسلامية. ثم أنه بلغ حدّاً من التضليل، والتزوير لوقائع التاريخ، جعله يقرر ان الترابي لا علاقة له باغتيال الاستاذ محمود، وهو لم يشارك فيه، وانه لم يكن منزعجاً من فكر الاستاذ محمود بل يعتبره كالحشرة!!
ومن ناحية أخرى، حاول المحبوب ان يصور للقراء، انهم في الحركة الإسلامية، وتحت قيادة الترابي، لم يتعرضوا للفكرة الجمهورية، لأنهم يتفقون مع الترابي في تقييمه للأستاذ محمود، على أساس أنه رجل غريب الأطوار. وأن الاستاذ محمود يدعي مقاماً دينياً كبيراً، ويعتقد أنه شخص استثنائي، وانه الانسان الكامل، الذي ورد ذكره في الفكر السلفي... إلخ. وهذه كلها محاولات لصرف أذهان الناس، عن الإطلاع على فكر الاستاذ محمود، وهي لا تختلف عنما درج عليه الوعاظ والأئمة، حين يرون أن هنالك مجموعة معجبة بأفكار الأستاذ محمود. فبدلاً من توجيههم للإطلاع على كتبه، حتى يتأكدوا بأنفسهم من مبلغ مفارقتها، إن كان بها أي مفارقة، فإنهم يدعونهم لمقاطعتها، باعتبار انها كفر، أو رجس من عمل الشيطان... وهذا الموقف في صرف الناس عن فكر الأستاذ كان دائماً موقف الترابي نفسه. فقبل عام تحلقت مجموعة من الطلاب حول د. الترابي خارج قاعة الشارقة في شارع الجامعة، وسأله أحدهم قائلاً «يا دكتور كان عندك كتاب عن المرأة في الإسلام ذكرت فيه عبارة هي: المرأة في نفسها كإنسان وفي المجتمع كمواطنة مساوية تماماً للرجل في نفسه كإنسان وفي المجتمع كمواطن». فسر الترابي سروراً عظيماً وذكر لهذا الشاب انه فهم كتابه تماماً. ولكن الشاب قال له: ولكن هذه العبارة بالنص منقولة من كتاب الأستاذ محمود محمد طه!! فما كان من الترابي إلا أن انزعج وخرج من طوره، وأخذ يصيح بصوت عالٍ «انتم لا تعرفون محمود فقد ادعى انه إله وادعى النبوة!!». والشاب الذي حدثت معه هذه القصة موجود، وزملاؤه الشاهدون عليها موجودون.
وحتى يظن القراء أن المحبوب على علم بالفكرة الجمهورية، يقول إنه كان من المجادلين للجمهوريين، في أركان النقاش في الجامعة لساعات طويلة، ويوهمهم ضمنياً، بأنه كان يطرح مثل آرائه هذه عن الأستاذ محمود، وعن الفكرة في نقاشه مع الجمهوريين، ولا يجد عليها إجابات منهم. وفي هذا السياق، يذكر المرحوم محمد طه محمد أحمد، ليظن القراء، انه قد كان متابعاً للحوار مع الجمهوريين مثل محمد طه!! ولو كان المحبوب عبد السلام، قد تابع نشاط الجمهوريين، وشارك في نقاشاتهم مثل محمد ط ، لانتهى الى احترام الفكرة، والإشادة بزعيمها، وتفضيله على جميع الزعماء السياسيين، كما فعل محمد طه في أخريات أيامه، حين وظّف صحيفة الوفاق، لنشر مآثر الاستاذ، وافكاره، والدفاع عنها.
إن وضع المحبوب داخل الحركة الإسلامية، في الاساس، قد كان وضع تهميش، وهو ما دفعه حين وقع الخلاف، لأن ينحاز إلى المؤتمر الشعبي. فقد نشأ المحبوب كأخ مسلم في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، في السبعينيات. وقد كان وضع جامعة القاهرة الفرع في ذلك الوقت أقل من وضع جامعة الخرطوم. إذ لا يدخلها إلا الذين عجزوا من أن يدخلوا جامعة الخرطوم. ولقد كانت الحركة السياسية الطلابية، تنطلق دائماً من جامعة الخرطوم، التي توجه كلا من جامعة القاهرة الفرع والجامعة الإسلامية. لهذه الأسباب كان الإتجاه الإسلامي، في سطحية ظاهرة، يفضل كوادره التي تعمل في جامعة الخرطوم، ويهتم بها أكثر، حتى ان الترابي كان يجئ كثيراً لجامعة الخرطوم، ويقدم محاضرات، ولا يزور الفرع الا نادراً. لهذا عندما جاءت الإنقاذ، أعطت المناصب العليا، والوزارات، ومناصب الأمن، لزملاء المحبوب، من الذين كانوا في السبعينيات طلاباً بجامعة الخرطوم، ولم تعط المحبوب شيئاً!! وحين وقعت المفاصلة، لم يكن للمحبوب رؤية فكرية واضحة، ولعله نظر للفريقين فرأى أنه لو انحاز للمؤتمر الوطني، كما فعل معظم زملائه من خريجي جامعة الخرطوم، فإنه سيقع ضحية التمييز بين الخريجين، وعندها لن يعطى أي منصب ذا بال، بل لن يشعر به أحد.. ولما كان متطلعاً للزعامة، ممنياً نفسه بأن يصبح مفكراً مثل الترابي، فقد فضل الانحياز للترابي، وظن أنه بموقفه المخالف للكثيرين، ربما نال حظوة من الترابي، يذكرها له لو آلت إليه الأمور مرة أخرى.. وكما أخطأ المحبوب حين دخل تنظيم الأخوان المسلمين، وظن أنهم يمكن أن يطبقوا الشريعة الإسلامية، وأخطأ حين كان يعتبر سيد قطب المفكر الإسلامي الأوحد، ثم اكتشف أنه كما قال في مقابلته هذه «وفعلاً سيد قطب قال هذا الكلام واذا أردت ان تؤسس لفكر تكفيري من «في ظلال القرآن» هذا ممكن ممكن جداً ان تجد نصوصه واضحة جداً لسيد قطب تؤسس لذلك». (الصحافة 31/8/2008م) فإنه يخطئ الآن خطأً بالغاً، إذ يظن أن الترابي سيعتبره، لو قدر له أن يصل للسلطة. فإذا كان الترابي لم يرع علاقته، مع من هم أقدم صلات به من تلاميذه، ووصفهم بكل المساوئ، لمجرّد اختلاف المصالح، فهل يرعى للمحبوب إلّاً أو ذمة؟!
يقول المحبوب عبد السلام «وكنا نقارن أنفسنا في الجامعة بالفكر الجمهوري الفكر الجمهوري كان يقوم على الأستاذ محمود محمد طه ولا يمكن لجمهوري أن ينطق كلمة ما لم يراجع كتب الأستاذ أو يسأله مباشرة لكن الترابي حتى في أصول الفقه التي له فيها اسهام مهم جداً أشار إلى أن الفكر الإسلامي في أصله يتفاعل مع النص والواقع وعقل الإنسان وتجربته الشخصية ونسبيته، وكان يقول أنتم تريدون أن اكتب كتباً كما يكتب محمود محمد طه وان تستندوا إليّ. وكنا فعلاً نطلب ذلك في أول الجامعة وكان يقول أنتم إذا سألكم سائل في حلقة نقاش يمكنكم ان تجتهدوا وتفكروا فهو لا يحتكر الإجتهاد للعلماء ولا يعترف بطبقة اسمها العلماء» (الصحافة 28/8/2008م).
والحق أن الفكرة الجمهورية دعوة لبعث الإسلام من جديد، وهي تعتمد في ذلك، على الفهم الذي قدّمه الأستاذ محمود محمد طه، دون سائر الدعاة الإسلاميين.. وهي ليست مشروعاً سياسياً هدفه الوصول للسلطة، حتى يختلف فيه اتباعه، الى حد الغياب التام لأي مرجعية، ولأي مسؤولية. وليس حقاً أن الجمهوريين لا ينطقون بكلمة، إلا أذا رجعوا لكتب الاستاذ محمود. بل ان الكتب نفسها، كانت تطرح مواضيعها في جلسات مكثفة من الحوار، حتى يفهم الجمهوريون محتواها، ويقتنعوا به، قبل ان يدعوا الناس إليه. ولما كان الجمهوريون يفهمون فكرتهم حقاً، فقد حملوا الكتب يبيعونها في الطرقات، ويناقشون الناس في محتواها. فهل يستطيع المحبوب، أو أي شخص آخر من أعضاء تنظيمه، ان يحمل فتاوى الترابي في الشارع، ويحاور حولها الناس؟! وحين سأل الترابي تلاميذه هل تريدون أن أكتب لكم كتباً كما يكتب محمود محمد طه هل كان حقاً يعني ما يقول؟؟ ما هي الفكرة التي يعتمد عليها الترابي، ليكتب مثلما كتب الاستاذ محمود؟! ولو كان حقاً يقدر على ذلك، فهل يمنعه خوفه من أن يقلده تلاميذه؟! أما كان من الممكن ان يكتب، ثم يمنعهم من تقليده، ويدعوهم لمناقشة ما كتب. أنظر كيف يعلم الترابي تلاميذه المفارقة الدينية والأخلاقية (إذا سألكم سائل في حلقة نقاش يمكنكم ان تجتهدوا)!! لكن الاستاذ محمود، يقول لتلاميذه، إن الشرط لأن يدعوا أحدكم للفكرة الجمهورية، هو الإلتزام بأدب الآية الكريمة «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» فإذا سئل الجمهوري في حلقة نقاش، وهو لا يعرف الإجابة، فعليه ان يقول لا أعرف، بدلاً من أن يجتهد ويقول على الله ما لا يعلم حقه من باطله. هذا نموذج واحد، وسنسوق نماذج عدة، لنوضح أن هذين الرجلين، لا يمكن لعاقل ان يقارن بينهما. «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»؟!

-----------------------------------------------------
العدد رقم: 1012 2008-09-07

بين قوسين
من غيره؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-09-07




الأخ الأستاذ عثمان ميرغنى (مستاء جداً) مما كتبته عن الدكتور عبد الوهاب الأفندى لا (دفاعاً) عن الأفندى بل حرصاً على (الرشد الصحفى) خاصة في صحيفة مثل (السودانى) في اشارة واضحة ورجوع لـ (نغمة) قديمة كانت تقول ان الزومة يغرد خارج سرب (السودانى)! ولكن الحجة ان السودانى منبر حر غير أنه يبدو أن الأخ عثمان قد (احتاط) لهذه الحجة وهذا الموقف فشحن مقاله بطائفة من (التهم) الخطيرة والتى من شأنها أن تعيد صياغة الحملة و (اعادة انتاجها) ضد الزومة الذى ينتهك أخلاقيات الرشد الصحفى وأنه تحول الى ملاكم (منين يا حسرة؟) وفاجر في خصومته وأنه يعتبر كل من يعارضه خارجاً (عن الملة) وأنه وحده (يحتكر الحكمة) وأن الانتماء الحزبى صار عنده (ضرباً من التدين) وأن مجرد ابداء الرأى المخالف له يعد من (الكبائر) الموجبة للحدود الى جانب تهم (خفيفة) أو جنح مثل ضيق الأفق السياسى والفهم القاصر وهى (تهم) لو ثبتت لكان عقاب الزومة ليس الطرد من السودانى بل من بلاط صاحبة الجلالة جملة واحدة.
ياه! و عشان إيه ده كلو يا باشمهندس! فقط لأننى انتقدت الدكتور الأفندى لوصفه (صفوة) قيادات الحركة الاسلامية بأنهم مجموعة من (الهتيفة)! عندما يطلق الأفندى هذا الوصف (السوقى) على مؤتمر الحركة الاسلامية لا يعتبر عند الأخ عثمان انتهاكاً لمبادئ (الرشد الصحفى) أما عندما أتصدى للرجل أكون قد فجرت في الخصومة! أين كان (الرشد الصحفى) والأخ عثمان يشن علىَّ هذه (الدعاية السوداء) مع تباشير الشهر الفضيل و يصور المسألة وكأننى أنا (المعتدي) مع اننى (معتدى عليه) باعتبارى كنت ضمن أولئك (الهتيفة)! لقد تجاهل الأخ عثمان تماماً سبب (المعركة) وهو تصريح الأفندى وتهجمه (الشائن) ضد مؤتمر الحركة الاسلامية وهو هجوم ليس له أى مبرر فالمؤتمر مؤتمر دورى ولم يكن موجهاً ضد أحد. ان هجوم الأفندى ضد مؤتمر الحركة لا يعتبر في عرف عثمان ميرغنى فجوراً فى الخصومة ولكن الرد عليه كذلك. الفجور في الخصومة في الأمور الشخصية ونحن ليس لنا (تقاطع) شخصى مع السيد الأفندى. يا أخى نحن نخاصم في الله ونصادق في الله. لكن دعونى أكشف لكم لماذا يتصدى الأخ عثمان للدفاع عن الأفندى بهذه الضراوة.فمن غيره يفعلها؟ عثمان من نفس (الفصيلة) وهى مجموعة من (الاسلاميين) الذين تربوا في كنف الحركة وقدمت لهم الكثير اذ جعلت منهم رموزاً يشار اليها بالبنان. الأفندى قلدته (الانقاذ) منصباً لا يستحقه في لندن و عثمان ميرغنى سطع نجمه السياسى في مصر عندما قدمته الحركة الاسلامية ليرأس اتحاد الطلاب. بربكم من كان يعرف طالباً من (الخليلة) في مصر (أم الدنيا) لولا الحركة الاسلامية! (دى مصر واسعة قوي). هذه (الفصيلة) قررت ترك الحركة وهذا من حقها و صار كل همها (التبرؤ) من ذلك الماضي! ولكى يفعلوا ذلك جندوا أنفسهم وكل الأسلحة التى أعطتها اياهم الحركة لحربها وهدمها وهذا ليس من حقهم! لو كان أي منهم يعتقد أننا سنتركه يفعل ذلك فهو واهم.


السودان

--------------------------------------------------------

الثلاثاء 9 سبتمبر 2008م، 9 رمضان 1429هـ العدد 5470


ما بعد «الثورة والإصلاح السياسي».. ما خفي كان أعظم..!!

د.عبد الوهاب الافندي

في مطلع عام 1996 التقيت بأحد الإخوة ممن كان حضر إلى لندن مستشفياً، فأخبرني أنه يحمل لي رسالة من الشيخ الترابي ملخصها أنه يجب ألا انزعج من الانتقادات التي وجهت لي بعد نشر الكتاب. وعندما استقصيت من الأخ المذكور ظروف وخلفيات الرسالة، أخبرني أن «وفداً» من «الإخوة» من لندن قد ذهبوا إلى الشيخ يشتكون صاحب الكتاب، فردهم رداً جميلاً وأبلغهم أن ما ورد في الكتاب لم يكن فيه جديد بالنسبة لهم، لأنهم سمعوا مني هذه الآراء شفاهة وكتابةً، وأنهم يعلمون أنني أنزع إلى الاستقلال في الرأي ويقدرون هذا.
وكانت هذه المعلومات صدمة لي أكبر من الصدمة التي سببها لي ما نشر من ترهات في صحف الحكومة، وذلك لسببين. أولاً، لأنني كنت اعتقد أنه لم تكن هناك حاجة إلى أن يسافر وفد من لندن إلى الخرطوم ليشرح للشيخ الترابي أو غيره مضمون الكتاب. فالشيخ ليس من الأميين، والكتاب كان بلسان عربي مبين. ولو كنت قد ارتكبت جريمة في جنح الظلام وأطلع الله عليها كرام الإخوة، لكان مبرراً أن يتكبدوا مشاق السفر حتى يفضحوا ذلك السر لمن جهلوه. أما السفر لشرح كتاب؟
السبب الثاني أنني كنت اعتقد حتى تلك اللحظة أننا والإخوة المعنيين كنا أصدقاءً فوق أننا أصحاب قضية واحدة. ولو كانت عندهم مآخذ على الكتاب وصاحبه لكنت أنا أولى بسماعها منهم من باب التناصح في الله. ولكن يبدو أن بعض الظن إثم.
وهكذا بدت تتكشف لي تباعاً مصائب كنت عنها غافلاً. فحين كتبت الكتاب، كنت اعتقد أنني أتعامل مع مشكلة واحدة، هي مشكلة فقدان البوصلة «على الأقل البوصلة العلنية» للمشروع الإسلامي في السودان. فقد كان غالبية، إن لم يكن كل، المشاركين في السلطة، يضربون في عماية ومهامه من التيه لا نهاية لها. وقد ظهر هذا جلياً حين أصيب الشيخ الترابي في كندا وخشي البعض ألا يعود إلى قيادة سفينة الإنقاذ. حينها أخذ الكل يتلفت يمنة ويسرة فلا يجد أحد من يدله على الطريق. وقد اعترف أحد كبار المسؤولين وقتها بأنهم كانوا جميعاً عالة على الشيخ، لدرجة أنهم كانوا في كل أمر عظيم تقريباً يخالفونه الرأي بادئ الأمر، ثم ينزلون على رأيه. وفي كل مرة كانوا يكتشفون حين تأتي النتائج أنه كان فعلاً على حق.
كان بعض الإخوة يتحدثون في بعض المجالس والاجتماعات عن «فقه التمكين» وغير ذلك من العبارات، ولكنهم كانوا في الغالب يهرفون بما لا يعرفون، لأن خارطة طريق الإنقاذ كانت توجد في رأس الشيخ الترابي وحده، ولم يكن يشرك من حوله إلا في أطراف منها. وكنت قد ذكرت أنني حاولت أن استخلص منه الملامح العامة لهذه الخطة فلم أفلح، وبقيت مثل غيري في ظلام دامس. ولهذا قررت أن أفجر القضية بأن أطرح رؤيتي الخاصة للمسألة حتى يخرج الحوار إلى العلن، فنسمع من الشيخ الترابي أو غيره رأيهم إن كان لهم رأي مخالف.
ولكن الذي حدث كان غير ذلك، حيث انصرف القوم من تناول ما طرحت من آراء إلى القدح في شخصي والتشكيك في دوافعي. وقد كان هذا جهلاً عند البعض، لأنهم لم يقرأوا الكتاب أصلاً، ولكنه كان عند غيرهم تحاملاً مقصوداً. والبعض كما أسلفت تخيلوا أن الكتاب كان بإيعاز من الشيخ الترابي، خاصة أن أزمة صامتة بدأت تتفجر بين أركان النظام بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو عام 1995م، وما أعقب ذلك من إبعاد لقيادات الأجهزة الأمنية. فقد فهم البعض انتقاداتي لممارسات الأجهزة الأمنية على هذه الخلفية، واعتقدوا أنني كنت «مكلفاً» بشن هذا الهجوم.
وهذا الظن أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالكتاب كان قد اكتمل وبدأت إجراءات تصميمه قبل الحادث، ولم يتأثر به، بل لم يتناوله. ويجب أن أضيف هنا أنني لم استشر أحداً في الكتاب ولم يطلع عليه أي شخص قبل خروجه من المطبعة.
ولكن أول التعليقات التي سمعتها عكست لي بعض ما كان خافياً من خلافات داخلية بدأت تطفو على السطح. أحد كبار المسؤولين عنفني تعنيفاً شديداً على تخصيص فصل للشيخ الترابي اعتبره تمجيداً له وبخساً لحق غيره في الحركة. وكان ذلك الفصل قد تناول باختصار سيرة الشيخ ومساهماته في الحركة، وانتقده في أمرين: الأول أنه اتبع نهجاً وصفه الكاتب بنهج «التضحية بالسمعة» مقابل مكاسب سياسية وتنظيمية على حساب المبادئ والمواقف، والثاني انتقاد ضمني بتغييب التنظيم جاء على شكل مطالبته بإعادة التنظيم. وقد انتقد ذلك الفصل أيضاً نهج التنظيم الذي كان متبعاً تحت قيادة الترابي، وخاصة ما كان يمارسه من تعالٍ أخلاقي منفرٍ للناس. واختتم قائلاً:
«إن ما يحتاجه السودان هو حركة إسلامية جديدة يكون مذهبها نقد الذات، والتواضع للآخرين، والحوار المستمر معهم، والاستماع لهم، والتشدد على الذات مع التسامح والتماس العذر للآخرين.» واختتم بمطالبة الشيخ بأن يؤدي «هذه الخدمة الأخيرة للأمة».
وقد قلت لمن وجه هذا الانتقاد: إنني حملت الترابي وحده مسؤولية تغييب التنظيم، فإن كنتم تعترفون بمشاركته في ذلك التقصير فأهلاً ومرحباً.
أخ آخر لا يقل مكانة عن سابقه عبر عن انتقاده لهذه النقطة بعبارة تلميحية تحمل معاني كثيرة، قائلاً: إنك تطالب في كتابك الترابي بأن يكون هو الحل، ولكن البعض يعتقد بأنه هو المشكلة..!!
كانت صدمة كبرى سماع هذه التعليقات في نهايات عام 1995م وبدايات عام 1996م، قبل أن يسمع أحد بوجود خلافات أو صراعات داخل الحركة والحكم، أدركت معها أن الأمراض التي كنت أسعى لعلاجها تخفي أدواءً أخرى قد تستعصي على أمهر المداوين.
وربما يكون عمق الشعور بأن الكتاب جاء لخدمة أجندة الشيخ الترابي، أن الندوة الوحيدة التي عقدت في مطلع عام 1996م لمناقشته نظمها الأخ أمين حسن عمر، الذي كان وقتها محسوباً على جناح الشيخ قبل أن يبصر النور. وكان أمين ممن انتقدوا الكتاب ودافعوا عن خط النظام، ولكنه لم يجنح إلى الإسفاف الذي وقع فيه نقاد أخر، سوى أنه اتهمني بالتعالي الأخلاقي الذي قال إنني رميت به الحركة. وقد كان ما زاد أمين من نقد في الندوة التي انعقدت في قاعة الشارقة وحضرها حشد كبير غصت بهم القاعة وفاضت، وشارك فيها معه الأخ أحمد كمال الدين وربما المحبوب عبد السلام على ما أذكر، أنه قال إنني طالبت بالتعددية الحزبية وهو أمر لا يمكن القبول به. فقلت له إذا كانت نقطة واحدة في الكتاب أتمسك بها فهي أن التعددية الحزبية أمر لا بديل له ولا مفر منه، إلا إذا كان القرار هو تكميم الأفواه وقمع كل الحريات. وحتى في هذه الحالة فإن الأحزاب ستظل قائمة في السر.
والمفارقة هي أنني حين التقيت بالشيخ الترابي لم أسمع منه سوى نقطة نقد واحدة للكتاب، وهي عنده أنني ضخمت دور الأجهزة الأمنية، وأن القطاع الأمني هو قطاع هامشي بعيد كل البعد عن مركز صنع القرار. وبعد خروجي من عنده قلت لبعض الإخوة: الحمد لله أنني لم أسمع هذا التحليل قبل تحرير الكتاب، وإلا لكان سيكون لزاماً عليَّ أن أوجه كل سهام نقدي إلى الشيخ بدلاً من الأمن.
ولكن الحقيقة- بعيداً عن المزاح- هي أن نقدي للعقلية الأمنية (في الفصل الذي كان عنوانه: «السياسة عبر أجهزة الأمن») كان منفصلاً عن نقد الممارسات الأمنية، التي خصصت لها فصولا أخرى. أما هذا الفصل فلم يكن نقداً للأجهزة الأمنية بقدر ما كان نقداً للقيادات العليا و«السوبر-تنظيم» الذي جعل الأجهزة الأمنية هي أداته للحكم بدلاً من أن يمارس السياسة والحوار. وقد أوضحت هذه النقطة للأخ د. نافع علي نافع عند أول لقاء به بعد صدور الكتاب. وكان نافع قد ابتدرني عن لقائنا بانتقادات منها أنني قمت باستغلال موقعي وإفشاء معلومات أؤتمنت عليها، وثانيها أنني تحاملت عليهم، ولكنه أضاف أنه على كل حال فإن المصيبة كانت قد وقعت «يعني إقالته من رئاسة جهاز الأمن»، وإلا لكان الضرر من الكتاب عظيماً.
قلت للأخ نافع: أما قولك بأنني أفشيت الأسرار فأنت أعلم الناس بأنني لو أردت ذلك لكان الكتاب مختلفاً. وعندما شرحت له نقطتي حول العقلية الأمنية وافقني الرأي، مدللاً على ذلك بأن النظام كان يكلفهم شططاً بفرضه عليهم التدخل لاعتقال التجار وغير ذلك من الإجراءات، بحيث تحمل الأجهزة الأمنية مسؤولية فشل السياسة الاقتصادية. وختم نقاشه قائلاً: لقد عفونا عنك..!!
انفجرت غضباً عند سماع هذه العبارة وقلت له: أرجوك ألا تعفو عني، وإذا كنت تعتقد أنني ارتكبت خطأً في حقك، فلننتظر معاً حتى نقف أمام الله تعالى يوم الموقف العظيم فيأخذ كل ذي حق حقه..!!
فرد قائلاً: ما هذا اللؤم؟ نحن نقول لك عفونا عنك فترد هذا الرد؟
فقلت له: إن عرضك العفو يتضمن تجريماً وزعماً بأنني من أخطأ، في حين أنني كنت أقوم بالواجب الذي أملاه عليَّ ضميري في القيام بحق الله والإصلاح ما استطعت. فكيف يكون هذا جرماً يستحق العفو منك أو من غيرك؟
وخرجت من كل هذه المداولات بانطباعين: أولهما خيبة أمل كبيرة في كثير من الإخوة والأصدقاء، وشعور بالإحباط لأن مهمة الإصلاح بدت أكثر صعوبة مما تخيلنا، بل تكشفت مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان، ليس أقلها الخلافات التي نجمت، ولا ندرة من يجرأون على قول الصدق. أما الثاني فكان انطباعاً بالأمل، إذ صح حدسي بأن الغالبية الكاسحة من الإسلاميين كانت تشاطرني الرأي بضرورة تصحيح الانحراف وتغيير الأمور. فقد كان معظم من التقيت بهم يعبرون عن التأييد لما أقول، بينما كان كثير منهم يأتيني بروايات عن أمور كانت خافية عني.
ويذكرني هذا بطرفة جاءت في جدال ثار هنا في لندن في مجلس كان فيه عدد من أنصار الحكومة وأقطاب المعارضة، حول تصريحي بأن تسعين بالمائة من الإسلاميين يؤيدون مقولاتي. فبعد أن طال الجدل حول صحة هذا الزعم من عدمه، ختم أحد كبار المعارضين النقاش بقوله: «الذي يحيرني هو أنني لم أقابل حتى الآن واحداً من هؤلاء العشرة بالمائة الذين يخالفون هذا الطرح.» أما الأطرف من ذلك- وشر البلية ما يضحك- هو أن عين هذا المعارض قد أصبح من هؤلاء العشرة بالمائة بعد أن انضم إلى النظام وأصبح من أشد المنافحين عنه.
والأطرف- والأكثر مدعاة للبكاء- هو ما حدث لي خلال شهر واحد في مطلع عام 2001م، حيث تحدثت خلال تلك الفترة في مناسبتين مختلفتين إلى بعض رموز طرفي الانشقاق في الحركة الإسلامية المأسوف عليها، ووجهت للطائفتين النقد لأنني لم أكن أرى أن أي منهما على حق. فكانت إجابة كل طرف: نحن ننفذ ما أوصيت به في كتابك..!!
شعرت بإغراء شديد بأن أقول لكل مجموعة: ألم تفتوا بخروجي من الملة حين صدر الكتاب، فأصبح اليوم هو وصفة الإصلاح عندكم؟
ولكنني تجاوزت عن ذلك قائلاً: لقد كان هذا وصفة العلاج لما قبل الكارثة. أما الآن فإن الأمر يحتاج إلى آخر الدواء، وهو الكي.
وقد كان هذا دائماً ديدني مع الإخوة في نظام الإنقاذ: إنهم دائماً يستبينون نصحي ضحى الغد أو بعد الغد، فيكفرونني بالرأي اليوم ثم يكون هو شعارهم اليوم التالي، لكن بعد فوات الأوان، كما حدث في قصة القوات الأفريقية، حيث أقذع سفهاؤهم في شتمي حين اقترحتها، ثم أصبحت اليوم هي التسبيح الذي يكررونه خمس مرات في اليوم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
----------------------------------------------------------------
اهم نقطة فى هذا المقال الواضح للافندى ما قاله امين حسن عمر فى الندوة عن التعددية الحزبية ورفضها الرفض التام وهو كان حينها الملتصق بالشيخ قبل ان يبصر النور ..
هل كان امين فعلا يعبر عى راى الشيخ وهو يرفض التعددية الحزبية وهل الشيخ يكذب الان بادعائه ا نه اختلف مع مجموعة البشير فى شان التعددية الحزبية فالشيخ يدعى الان انها كانت احد الاسباب فى الافتراق ونحن نعلم ان ما قاله الافندى هو الحقيقة ...
الترابى كان من اشد الرافضين للتعددية الحزبية وعندما تم تقنينها فىمشروع دستور لجنة خلف الله الرشيد الغى ذلك الدستور واتى بنظام التوالى نظامخيالى حزبى يتبع للاخوان يسيرونه ويفصلونه بطريقتهم...
وهو ما وجد الرفض من كافة القانونيين والسياسيين والسودانيين جميعا وقتها واصر الشيخ على رايه وادخلنا فى متاهة التوالى التى تشترى اعضاء الاحزاب بالفلوس حتى الان

------------------------------------------------------


صباح الـخير يا الترابي والقادة الإسلاميين..

هذا الرجل أحدكم.. وهو من الخلص لدينهم.. ولحزبهم..
كيف يبقى في «سجن إلى حين السداد» وهو الدائن لكم ولنا جميعاً..؟!
إن رائد الطباعة.. والتصوير الملوّن ـ صلاح عبدالله ـ يعيش محنة إنهيار الأخلاق التجارية..!
هـذا نداء للرئيس.. ولنائبه.. ولكل منظمات العمل الإنساني... أغيثوا الأُسر وفرحوها..
أنا خصمه السياسي ـ وربما الفكري ـ ولكنني ما احترمت ولا قدّرت غيره من الخصوم كما قدّرته واحترمته

سيداحمد خليفة



أنا آسف والله.. ذلك لأنني لم استأذنه في نشر هذه الرسالة.. بل لم أستأذن أُسرته الكريمة رغم اتصالي بها واتصالها بي تطلعني على أخباره وأحواله وهو خلف قضبان مكان لا يستحقه على الإطلاق..!.
اللهم سامحني.. وأسألك أن تسامحني أُسرته.. وأن يقدّر دوافعي شخصه الكريم..!
إن رائد التصوير الملوّن في السودان.. ورائد الطباعة الحديثة ـ أو على الأقل أبرز روادها ـ الإسلامي المسلم.. وابن الرجل المسلم.. ورب الأُسرة السودانية الصميمة المسلمة ـ صلاح عبدالله ـ الصاحب السابق لمطابع معامل التصوير الملوّن.. وصاحب استديور ـ كاميرات آرنستر ـ وأبرز مَنْ تعامل مع كبريات الشركات الألمانية في مجال الطباعة والتصوير يوم أن كان شاباً يافعاً وذكياً.. بل وكريماً وسخياً في التعامل مع السفير ـ لأن إسلامه كان موروثاً ـ وليس إسلاماً تجارياً.. أو رداءً إقتصادياً طلي بالإسلام وشعاراته واشاراته.. إن هذا الرجل وبكل صفاته ومواصفاته المعلنة والمعروفة والخفية.. فهو من أهل العطاء الذين لا تدري يسارهم ماذا قدّمت يمينهم..!.
إن صلاح عبدالله ومنذ عام يزيد أو ينقص يقبع خلف قضبان سجن أُم درمان العتيد في واحدة من «طاعون العصر الإقتصادي» المسمى بـ«يبقى إلى حين السداد»..!.
والسجن ليس جديداً على صلاح عبدالله.. أفضل وأنبل مَنْ تعاملت أنا شخصياً معه في مجال الطباعة يوم أن كنت أطبع عنده بين أعوام 1985 ـ 1989جريدتي ـ صوت الأمة.. ثم «جريدة الوطن» وكانت كلاهما ضد حزبه الذي إليه ينتمي وهو ـ الجبهة الإسلامية القومية يومها ـ وحزب المؤتمر الشعبي الآن، حيث واصل صلاح عبدالله بعد المفاضلة بين الإسلاميين خطه وعلاقته بالشيخ الترابي والذي والوه..!.
ولقد كانت تلك هي قناعة صلاح عبدالله الذي لم يكن مائلاً للترابي كشخص، ولكن لقناعته التي كانت تقول بأن الرجل الذي أسس بعمره كل هذا الكيان الإسلامي إلى أن بلغ به مرحلة ـ التمكين ـ قادر على إعادة الوحدة.. واللحمة للصف الإسلامي العريض..!.
ولكن الخصومة طالت.. وتعمقت.. وبقي صلاح في مكانه شبه مبتعد عن هذا وذاك من جناحي الحركة الإسلامية..!.
ولقد أمضى صلاح سنوات عزيزة من عمره وشبابه في السجون.. هذا صحيح.. ولكن كان ذلك في قضايا تختلف وهي متصلة بالعمل الإسلامي الذي كان صلاح أحد جنوده المخلصين..!.
وفي هذا الصدد دعوني أحكي قصة تعرفي على هذا الشخص الذي عنه أكتب الآن دون إذن منه، أو مشاورة مع أُسرته الكريمة..!.
ففي العام 1969... وتحديداً صبيحة انقلاب 25 مايو بقيادة نميري قمنا هو ـ كمصور ـ وأنا ـ كمحرر ـ بجريدة «الصحافة» بمغامرة صحفية كبرى أوصلتنا إلى داخل القيادة العامة حيث مركز الإنقلاب ووجود سائر الإنقلابيين بمَنْ فيهم رئيس الإنقلاب جعفر نميري..!.
وبجهد كبير.. وخدمة من القدر وضربات من «الحظ المهني» تمكّنا ـ صلاح عبدالله وشخصي ـ من لقاء أبرز قادة الإنقلاب في زمانه وأوانه الغامض ذاك حيث ما كان الناس يعرفون عن شخصيات الإنقلابيين الكثير.. وربما ولا القليل..!.
وبعد نهار كامل مع الصولات والجولات داخل أروقة ومكاتب الإنقلابيين خرجنا ـ الرائد الطباعي الآن، والمصوّر آنذاك مع صحيفة «الميثاق الإسلامي» لسان حال جبهة الميثاق الإسلامي بقيادة الترابي والذين معه الآن أو الذين تركوه ـ بكم هائل من المعلومات والخبطات الصحفية والتصويرية.. ولكن وعند باب الخروج من القيادة العامة عصراً اعترض رجال الأمن أو الشرطة العسكرية المصوّر صلاح عبدالله وأبقوا عليه ـ حسب التعليمات ـ كما قالوا ـ بينما تركوني أذهب لحال سبيلي حيث حدثت في اللحظة تلك معجزة تعبّر عن ذكاء هذا المصوّر الفذ والخبيث..!.
فقد تمكّن ـ صلاح ـ من إخراج الفيلم من داخل كاميرته وناولني إياه دون أن يدري الحرس ليكون الفيلم بعد تحميضه ونشره أول عمل مصوّر يخرج للناس وتعكس وجوه معظم الإنقلابيين وأعوانهم من صغار الضباط..!.
بعد ذلك أُقتيد صلاح إلى «سجن كوبر» والسبب كونه ـ إسلامي معروف ـ وكون الإنقلاب شيوعي معروف، وما بين الاثنين يومذاك هو ما بين «الشحمة والنار»..!.
بعدها تفرقت بنا السبل ـ صلاح وأنا ـ وإن كان الإخاء والوفاء بيننا متواصل من خلال ما يصلني من أخبار وهو داخل المعتقل أو خارجه، وما يصله هو من أخباري وأنا أيضاً بين ـ المعتقلات والغربة التي عتقتني من المعتقلات ولو إلى حين..!.
نحو عام 1977 وأنا في الصومال إشتد المرض بزوجتي وهي بعيدة عني في الخرطوم حيث أبلغت الرئيس الراحل محمد سياد بري بالأمر فأمر سفارته في الخرطوم بأن تعد العدة وتضع الترتيبات لسفر زوجتي إلى ألمانيا للعلاج من صداع مزمن..!.
يوما اكتملت الإجراءات وبقى من تصحبه زوجتي وابني الصغير ـ أمير ـ أبو صفية الروسية الآن ـ إلى ألمانيا..!.
ولما كان صديقي وأخي العزيز الصحفي العلم والمعلم محمد الحسن أحمد ـ ردّ الله غربته ـ هو الذي تابع إجراءات التذاكر والحجز فإنه ولحسن الحظ التقى بصلاح عبدالله ـ الذي كان كما يبدو يخطط في تلك الأيام لإنشاء مطابع التصوير الملوّن أو تطوير استديو النيل الذي ورثه عن والده، أو لأي أمر آخر كان مسافراً إلى ألمانيا حيث تسلّم زوجتي وولدي وديعة لديه إلى أن سلّمنا إياهما في مطار بون الألماني.. وبعدها تواصل اللقاء والوفاء بيننا مع كثير من الامتنان والإحترام والتقدير من جانب إلى أن كان لقاء طباعة ـ صوت الأمة ــ والوطن ـ بعد إنتفاضة أبريل 1985 كما أسلفت..!.
وفي سنوات الصراع والنزاع والمرارات السياسية الحارة تلك بيني وبين الجبهة الإسلامية القومية كان صلاح عبدالله القيادة في الجبهة الإسلامية، بل أحد الملتزمين الإسلاميين ـ بصدق وعمق ـ يطبع الصحيفة التي تحمل أعنف نقد لحزبه بل والتي لعبت دوراً كبيراً في إسقاط رموزه بمَنْ فيهم الدكتور ـ الترابي ـ دون أن يتدخل أو يحاول التعويق والتضييق..!.
إن هذه الخلفية المختصرة جداً عن هذه ـ القيمة الإسلامية.. والوطنية.. والطباعية.. الحبيسة الممثلة في صديقي صلاح عبدالله كانت ضرورية قبل الدخول في موضوع لم يعد خاصاً وهو موضوع وجود آلاف الخيرين وسيئي الحظ من أولاد الناس وأرباب الأُسر خلف القضبان في قضايا الشيكات التي هي واحدة من إفرازات وأمراض السوق بوضعه الحديث حيث تتبارى ـ التماسيح ـ الكبيرة لتبتلع ـ السمك الصغير..!.
ذلك لأنّ معلوماتي وتحرياتي وملاحظاتي تقول إن معظم الذين أخذتهم قضايا ـ إلى حين السداد ـ بعيداً عن أُسرهم هم ضحايا لتماسيح كبار ظلوا طلقاء ويواصلون جمع المال الحرام من خلال إرسال المزيد من ضحاياهم إلى السجن..!.
صحيح أنّ مسؤولية الذين خلف القضبان اليوم فاقدين حرياتهم.. ومسيئين لسمعتهم وسمعة أُسرة.. ومهملين أولادهم للغير أو للصدف أو لنوع آخر من «التماسيح» كبيرة وخطيرة.. ولكن لهؤلاء الضحايا شركاء لازالوا يمارسون «لعبة الكسر» والرهن الإيجاري والتسليف الدولاري.. وغير هذا وذاك من أساليب وطرق الثراء الحرام أو المشبوه..!.
إن هذا الوضع يلزم السلطات التي توسع كل يوم سجونها لإستقبال المزيد أن تتجه نحو ـ هذا الطرف الآخر أو الأساسي الذي يتمكّن من أكل وإبتلاع معظم ـ الكيكة ـ ليذهب بعد ذلك آكل الجزء القليل من الكيكة إلى السجن ليبقى فيه إلى حين السداد أو الموت حيث يكون الخيار الثاني هو الأقرب..!.
وعودة إلى الموضوع الأصلي في هذا الموضوع الذي أكتبه بمداد من دم قلبي وأنا وأنتم وهم نعيش أياماً مباركات هي أيام الشهر الفضيل وبعده العيد السعيد حيث يرفل البعض ـ بمَنْ فيهم أمراء الشيكات الطائرة.. والكسر.. وتجارة السيارة المخالفة لأي دين وشرع.. وغيرها من المبيعات التي يعرف طرفها الرئيسي وهو ـ المرابي ـ أنها حرام.. وخطأ.. وأن نهايتها في الغالب هي إرسال شخص غشيم.. أو مخطيء.. أو شره للمال.. أو ضائق ومستعجل على الثراء.. أو مضطر ومجبور.. أقول يرفلون في جحيم أكل المال الحرام ـ مع أنهم يعتقدون أنهم أثرياء وسعداء، وهم عند الله ليسوا كذلك «بل وعند المجتمع ليسوا كذلك» بينما يقبع خلف السجون آباء تفتقدهم أُسرهم وأولادهم.. وزوجاتهم... وأمهاتهم.. وآباؤهم، حيث بذلوا ويبذلون الجهد تلو الجهد.. ولكن لا فائدة ولا قدرة حيث يحل اليأس.. ويبقى الحبيس حبيساً.. ويبقى «الشريك طليقاً»..!.
إنّ ما فهمته وما عرفته عن قضية صديقي وصديق وأخ الجميع صلاح عبدالله هو أنّ هناك ثمة مَنْ ـ غدر به ـ تجارياً وأدخله في دوامة من الديون أدت به إلى أن يبيع ـ عمره المهني ـ الذي هو مطابع معامل التصوير الملوّن التي تواصل رسالتها المهنية بقيادة مَنْ اشتراها والذي يمكن القول حقيقة بأنه ـ خلف لخير سلف..!.
ولكن يظل هذا الصمت من الذين منحهم صلاح عبدالله عمره في العمل الإسلامي المجرد هو الأمر المحيّر.. ذلك لأنّ الذي نعرفه ويعرفه غيرنا في هذا البلد أن ـ الجماعة والحزب الذي إليه ينتمي صلاح عبدالله هم الآن في طليعة أثرياء هذا البلد..!.
وبصرف النظر عن سبلهم للوصول إلى هذا الثراء فإنّ الأمر المعروف حتى لدى ـ الطوائف اليهودية ـ هي أنها لا تترك مَنْ ينتمون إليها ولو من بعيد ناهيك عن ترك شخص قيادي.. ومسلم أصيل.. ونبيل مثل صلاح عبدالله نزيل سجن أُم درمان في قضية شيكات أو مشاكل تجارية ومالية يعرف كل الذين كانوا على صلة به لعشرات السنين أنه بريء من جرمها.. وأنه ضحية أخطاء أو ممارسات الغير من ـ أمراء الكسر.. أو القروض.. أو العمليات التجارية القذرة..!.
ولقد قادت هذه الصحيفة منذ أشهر حملة ناجحة ومعلنة لإخلاء سبيل النجم الرياضي الكبير مصطفى النقر الذي سرّنا أنه يمضي الشهر الفضيل مع أُسرته الكريمة..!.
ولأنّ صلاح عبدالله هو أيضاً ـ نجم إسلامي صنعته العقيدة.. وصقلته خلفية أُسرية عريقة فإننا نفتح ملفه بغير إذن منه أو معرفة مسبقة ونناشد لأجله ولأجل حريته.. وأُسرته.. كل الذين أعطاهم صلاح بعضاً من عمره وماله.. وأريحيته المعروفة أن يهبوا لإخلاء سبيله.. فهو بريء الذمة.. وإن كان مخطئاً في التصرف المالي وبحسن نية أيضاً..!.
إن صلاح عبدالله ـ سيدي الدكتور الترابي ـ والذين معه من أثرياء.. وأغنياء الحركة الإسلامية في الجانبين «الوطني.. والشعبي» لا يستحق منكم جميعاً التجاهل والإهمال أو تركه هكذا خلف القضبان وأنتم الطلقاء الذين تملكون المال والقرار لإخلاء سبيله ولو لكي يخرج ويتدبّر الأمر مالياً، وهو الإقتصادي الناجح والذكي والقادر على مواجهة مشكلاته متى ما نال حريته..!.
والنداء هنا ولأجل ـ الإسلامي العفيف والنظيف ـ صلاح عبدالله موجه إلى راعي هذه الأمة ومسؤولها الأول المشير عمر البشير الذي نعرف ويعرف غيرنا كم هو غيور على الإسلام والإسلاميين حيث نشهد أمامه وبكل الصدق أن صلاح عبدالله مسلم كامل النقاء والصفاء.. وأن بقاءه في السجن لأجل عرض الدنيا الذي هو المال عيب كبير بحق كل مَنْ عرفوه.. وزاملوه.. وعاشروه..
كذلك النداء مرسل وبحرارة للرجل المنصف والمهتم بشؤون هذه الأمة الأستاذ علي عثمان محمد طه لكي يمد الأيدي لرفيق كفاحه الإسلامي النظيف والعفيف صلاح عبدالله..!.
وأيضاً الرسالة بعد كل هؤلاء الذين ذكرنا مرسلة إلى الجماعات.. والجمعيات.. والمنظمات التي أنشأها ويقودها الإسلاميون رجالاً ونساءً، وعلى وجه الخصوص لمنظمة السيدة الأولى الخيرية.. ومنظمة حرم نائب الرئيس ولمنظمة أو منظمات «معارج» وغيرها من مؤسسات العمل الخيري الكبيرة.. لكي يتكاتف كل هؤلاء وأولئك في هذا الشهر المبارك للتفكير والتدبير.. والعمل الفوري والإيجابي لتدارك محنة صلاح عبدالله الإسلامي السجين في مال وليس في جرم معيب.. وأن تمتد أيادي الحل.. والخير.. والمعالجة تشمل كل الذين يقبعون خلف السجون.. وكمعسرين.. وكدائنين وبالضرورة كمدينين.. حتى يكون العيد القادم عيداً للجميع مع معالجات لابدّ منها لسائر أوضاع السوق والشيكات وملاحقة ومعاقبة ـ الأمراء ـ الحقيقيين المنغمسين حتى النخاع في هذا المستنقع القذر المعروف باسم ـ الكسر ـ والشيكات المؤجلة أو المتقاطعة أو الرهونات الإيجارية.. أو الجرائم التجارية الأخرى..!
إنه نداء رمضان.. والعيد لأجل صلاح عبدالله والذين معه من الأبرياء بالصدق أو الغشامة الذين تفتقدهم أُسرهم كل يوم.. وكل لحظة.. وستفتقدهم كثيراً في هذا الشهر الفضيل... وفي عيده الذي هو على الأبواب..!

الوطن
9/92008


---------------------------------------------------------
الخميس 11 سبتمبر 2008م، 11 رمضان 1429هـ العدد 762

الخلافات تصاعدت عقب المشاركة في عزاء جعفر عطا المنان
والي جنوب دارفور يعفي رئيس ديوان المظالم والحسبة العامة بالولاية

الخرطوم: نيالا: حافظ المصري

أصدر علي محمود محمد والي جنوب دارفور قراراً ولائياً رقم 9 أمس قضى بإعفاء مولانا مختار إبراهيم آدم رئيس ديوان المظالم والحسبة العامة بالولاية على خلفية مشاركته في عزاء الراحل جعفر عطا المنان المدير العام لـ(آخر لحظة) وشقيق المهندس الحاج عطا المنان والي جنوب دارفور السابق.

وأكدت مصادر (آخر لحظة) أن مولانا مختار الذي يشغل وظيفة أمين الحركة الإسلامية بالولاية تقدم بطلب للوالي للمشاركة في عزاء الراحل جعفر وأضافت المصادر أن سلطات الولاية لم تمنحه إذناً كما لم تمنعه من الذهاب وزادت أن السلطات اختارت «3» مسؤولين لتقديم واجب العزاء ليس من بينهم مولانا مختار مما حمل الأخير على السفر على نفقته الخاصة للعلاقة الخاصة التي تربطه بالمهندس الحاج عطا المنان.

وأوضحت المصادر أن صراعاً قديماً بين قيادات المؤتمر الوطني قد استفحل إبان مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير بالولاية حيث كان الوالي علي محمود يدعم د.عبد الرحمن الزين للفوز بمقعد الأمين العام للحركة الإسلامية بالولاية، بينما دعمت مجموعة أُخرى ترشيح مولانا مختار الذي فاز بالأمانة بـ «443» صوتاً مقابل 250 للدكتور الزين. وأكدت المصادر أن قرار الوالي أحدث تذمراً وسط قيادات وكوادر الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بجنوب دارفور وأضافت أن بعضهم حذّر من زيادة أزمات الـولاية وحدوث إنقسامات حادة على خلفية مسلك الوالي الأخير ربما تؤدي لخلل كبير وسط صف الحركة الإسلامية، يذكر أن والي شمال دارفور عثمان كبر قد شارك على رأس وفد كبير من ولايته في عزاء الراحل جعفر عطا المنان.

-----------------------------------------------------

الوطن 13/9/2008


صباح الـخير يا الدكتور علي الحاج..!

لماذا لا تعود.. فالمساحة اتسعت لك وللآخرين..!
اعتراف بالحق: أنا نادم.. وغلطان واسأل الله العظيم يسامحني..!
سأعود إذا تحول الحوار والاتفاق إلى «الجدية» بدل «التكتيك»..!
* التقيت الترابي في جنيف نعم.. وتحدثنا في الهم العام ولم نحدد أشياء..!
* أبناء دارفور الذين ذهبوا لإسرائيل دفع بهم اليأس..!



حـوار / سيد أحمد خليفة



بين بون والخرطوم ونسة هاتفية مع الدكتور علي الحاج على الطريقة السودانية ـ السمحة والمتسامحة ـ الدكتور علي الحاج محمد ـ هو صديقي أقول الودود ـ ولا أقول اللدود ـ حتى لا أضعف المعنى الذي أقصده... !
هو يعيش الآن بألمانيا ـ خلونا نقول ـ حردان ـ ولا نقول لاجىء سياسي وإن كان لابد أن نقول إنه ـ معارض ـ فالمعارضة في حد ذاتها ليست عيباً سياسياً ـ ولكن العيب ان تمارس من الخارج إذا كانت متاحة من الداخل.
ولإعطاء خلفية لجيل ما قبل 1989م ـ جيل الإنقاذ ـ أقول إن الود المتواصل بيني وبين الرجل بدأ بمعركة سياسية وصحفية إشتهرت بإسم ـ قضية القصر العشوائي ـ وهو مبنى موجود بمنطقة الطائف وعلى شارع الستين تحديداً ـ جاء للصحيفة عام 1988م من يقول إن هذا القصر عشوائي ـ وأن مالكه هو الدكتور علي الحاج الذي كان حزبياً يشغل منصب رئيس المكتب السياسي للجبهة الإسلامية القومية بقيادة عرابها الذي لا يزال الدكتور الترابي وكان تنفيذياً يشغل منصب وزير التجارة..!
نشرنا يومها قصة القصر العشوائي وصورنا القصر من الداخل والخارج ودخلنا الدكتور علي الحاج وأنا كرئيس تحرير للوطن هذه المحاكم..!
ولكن وللتاريخ ولمصلحة ـ الخصوم السياسيين الآن أذكر أننا وقفنا في مواجهة بعضنا الدكتور علي الحاج ـ الوزير ـ نحو 37جلسة أمام مولانا القاضي العادل الشجاع يوسف العبيد، ليصدر بعد ذلك الحكم بشطب دعوى «الوزير» علي الحاج ضد الوطن ممثلة في شخصي!
ولكن الذي عمق الصلات بيننا ـ مع أنه مفترض العكس ـ هو أننا إحتكمنا القانون .. الوزير والصحيفة وقد كانت الدلالة الأكبر على عدم الخلط هو أننا وبعد كل جلسة كنا نتماسك من باب المحكمة وحتى باب السيارة ليوصل أحدنا الآخر إلى مكتبه هو في وزارة التجارة بشارع الجامعة وأنا الى مكتب الصحيفة بشارع السيد عبد الرحمن.
إنتهى كل شىء وبكثير من الود سقينا تلك العلاقة فدخل كل منّا بيت الآخر وكان أبرز حديثهم في هذ العلاقة الودودة هي:



* في فترة علاجي بلندن عام 2003م كان الدكتور علي الحاج الذي تكبد مشاق السفر من ألمانيا الى بريطانيا ليزورني في المستشفى قد واصل الإتصال بي ـ وبأهلي في لندن والخرطوم ـ وبإبني عادل سيد أحمد يطمئن على صحتي حتى عودتي لأرض الوطن بسلام!
* في عقد قران أحد كريمات الدكتور علي الحاج ـ بالقصر العشوائي ـ وهو غائب في ألمانيا كنت أنا أستقبل الضيوف في فرح إبنة الدكتور علي الحاج ـ وعند عقد القرآن كنت بين وكيل العروس ووكيل العريس .. والمأذون، حيث سرني جداً أنني تقبلت التهاني مثلي مثل أهل العروس والعريس..!
ولا أطيل
ففي المناسبات مثل رمضان والأعياد يبادر هو أو أبادر أنا ليهنىء أحدنا الآخر..!
وهذا ما حدث بالضبط أمس الأول الاربعاء حيث كنت أنا المبادر بالإتصال ليقول لي الدكتور علي الحاج.. يا أخي حاجة غريبة.. أنا الآن أقرأ في الإنترنت- مقالك عن- الإسلامي النظيف صلاح عبد الله صاحب مطابع التصوير الملون المباعة..!
* قلت فرصة وألوم الرجل حول كيفية ترك- إسلامي بنظافة ومكانة صلاح عبد الله ليعطي السجن بعضاً من عمره في قضية فلوس..؟!
* قال الدكتور علي الحاج بعد الثناء والتقدير.. نحن من جانبنا جاهزين لأي جهد وواجب يخلي سبيل أخانا صلاح عبد الله..!
* يا دكتور ما الذي يمنعك من العودة للوطن لتقول ما تود قوله.. وتسهم في معالجة مشكلات البلاد وأهمها- مسقط رأسك وأهلك- دارفور؟!
* الدكتور يرد:
هناك موانع.. أهمها الحرية.. وسلطة القانون وكلها من ضرورات العودة..!!
* يا دكتور الترابي والذين معه يمارسون حرية نقد النظام والأداء على أوسع نطاق.. وهم الآن أحرار وطلقاء..!
* نحن نريدها حرية مقننة.. قانون وشرطة.. ودون تدخل سياسي كيدي أو بتجريم مسبق..!
هنا قلت لماذا لا أسخن الموضوع «وألغز» الدكتور علي الحاج..؟!
* يا دكتور الكل متفق أن أيامكم الأولى في الإنقاذ كانت الأسوأ.. ولم تعطوا الناس ولا 1% من الحريات المتاحة الآن..؟!
* سجل على لساني أنا علي الحاج.. إننا كنا مخطئين.. وتبنا الآن ورجعنا موقفنا.. وأكرر بأنني أنا علي الحاج قد تبت لله- وليس لزول- وأعترف بذلك الخطأ القديم الذي ذكرت..!
ولكن..
* لكن إيه يا دكتور ما تعود.. وتقول الكلام الشجاع ده.. وتمارس حياتك السياسية من الداخل كما تريد.. وكما هو متاح للجميع..؟!
وأضفت في الحديث الصادق مع صديق..
* هنا الآن مناخ طيب وحوار وطني معمق.. فلماذا أنت بعيد من كل ذلك..؟!
* نحن مع الحوار.. ومبادرة جمع الصف الوطني.. وكنا فقط نشترط او نلتمس الصدق.. ولا نود التعامل بالتاكتيكات..
* كل هذه الدماء التي تراق.. ألا تحرك جهودكم للحوار والعودة..؟!
* نحن مدركين لكافة المخاطر.. ونريد حلولاً بلا أراقة دماء.. نريد مخرج للبلد.. كما أننا ليست لدينا اشتراطات أو صيغة معينة لحلحلة مشاكل البلاد.. فقط نريد الحوار.. والحرية.. ولا نريد أن نكرر الخطأ الذي اعترفنا به.. ولا نريده أن يتواصل من غيرنا ايضاً..!
* أنت قريب من قيادات التمرد التي تدير المعركة من عواصم العالم.. لماذا لا تتكلم معهم لكي يجنحوا للسلم بعد ان شهد العديد من الناس- بالخارج والداخل- انهم متعنتون.. وان الحكم جانحة للسلم.. فلماذا لا يجنحوا..؟!
* نعم لدينا اتصال مع قادة حملة السلاح بالخارج.. ولكن في إعتقادي أن للخرطوم دور يجب أن تقوم به.. وأعود وأطالب بعدم اتباع التكتيك في قضايا خطيرة كقضية دارفور التي أضحت قضية عالمية الآن..
* دكتور حقيقة ألا تتألم لكون نحو 7200 مواطن.. ومواطنة.. وطفل من دارفور يعيشون باسرائيل الآن.. وكذلك كيف تفهم افتتاح مكتب لإحدى فصائل دارفور بتل أبيب..؟!
* أنا أعتبر كل هذا بسبب اليأس.. والذين تسللوا من مصر لإسرائيل أو غيرها لهم أسبابهم العملية.. ففي مصر حدثت وتحدث مشاكل والهروب للخلف- أو للوطن- مستحيل بعد تكرار الأحداث الدامية مثل أحداث «كلمة» الأخيرة. أنه اليأس- يقول الدكتور علي الحاج محمد- وليس حباً أو طلباً للحياة في اسرائيل.. ولكن المضطر يركب الصعب- كما يقال..!
* زاركم الترابي في اوربا أخيراً.. وألتقيته بالطبع.. هل اتفقتم على- الهدنة والحوار- مع الحكومة وحزبها الذي هو في الأصل- نصفكم المتمرد عليكم أو- المتمردين أنتم عليه..؟!
* آخر مرة التقيت الترابي كان في أسمرا عام 2005م.. الآن وبعد 3 سنوات التقيته في اوربا وتناقشنا في كل القضايا.. بل وأجرينا مسح عام.. ولكن لم نصل لشيء محدد نعلنه.. فقط نحن على يقين وإتفاق أن أمر البلاد هو هم الجميع في هذه المرحلة.. وان الحلول تتطلب الصدق.. وبنا الثقة.. والتخلي عن سياسة التكتيك في التعامل مع الآخر..!
ودعت الدكتور علي الحاج وتمنيت له صياماً وقياماً سعيدين.. وعيد مجيد وسعيد في الخرطوم مع أسرته.. وبني وطنه.. ولم يبخل الرجل بكلمة آمين يا رب العالمين.. ولنقُلها معه جميعاً لخير ومصلحة السودان..
-----------------------------------------------------------


تعقيب على المحبوب عبد السلام:- 2

د. عمر القراى
بين الأستاذ محمود ودكتور الترابي (2-3)
سأل الصحافي، الأستاذ المحبوب قائلاً: «قلت إن قضية الحرية ظلت مطروحة وانها طرحت في الاجتهاد المعاصر وان د. الترابي في مسألة الردّة حاول ان يؤسس لفكرة (لا إكراه في الدين) ولكن الترابي نفسه وراء إعدام المفكر الشهيد محمود محمد طه بتهمة الردّة وبشهادة عديد من الإسلاميين أمثال الشهيد محمد طه محمد أحمد ود. حسن مكي الذي رأى ان الحكم في قضية محمود قد كان سياسياً وان الترابي كان (يغير) من محمود وكان لا بد من قتله؟». وكانت إجابة المحبوب «والله ليس صحيحاً...» (الصحافة 31/8/2008م). والحق أن ما أقسم المحبوب بعدم صحته، هو الصحيح.. فقد جاء عن شهادة د. حسن مكي (د. حسن مكي يقول: حينما أعدم محمود كنت مسرحاً لأفكار شتى.. السياسي فينا كان يتكلّم بأن الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوي وكان حيعمل لينا مشاكل وكان حيكون اكبر تحدي لفكر الحركة الإسلامية السياسي. والفكري فينا يتحدث بأن هذا الشخص عنده قدرات فكرية وروحية.. ولكن السياسي دائماً ينتصر هنا.
س: هل كان إعدام محمود سياسياً؟
ج: نعم، كان إعداماً سياسياً.
س: وانت في ذلك الوقت انتصر فيك السياسي على الفكري؟
ج: نعم.
س: ولكن أمين حسن عمر قال الترابي انتصر عنده الفكري على السياسي وكان ضد اعدام محمود؟
ج: انا لا أريد أن ادخل بين الترابي وأمين ولكن أعتقد ان الصف الإسلامي في ذلك الوقت كان جميعه م
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

لمتعافي والكودة.. ممنوع الانتشار!!
كتب قراءة: احمد طه صديق
Sunday, 14 September 2008



المتعافي والكودة.. ممنوع الانتشار!!


قراءة: احمد طه صديق



كان للرئيس نميري طريقة مميزة في عزل المسؤولين الحكوميين، فربما تناول طعام الغداء مع أحد الوزراء ليعود الوزير ويسمع عبر المذياع انه خارج التشكيلة الوزارية، وقد يعين مسؤولاً دون استشارته!! لعلها وفق نظرية (مافيش حد يرفض الوزارة) او بالاصح مافيش حد يرفض للرئيس.



ورغم ان السيد المتعافي لم يتناول طعاماً مع معتمد الخرطوم مبارك الكودة قبل اقالته على طريقة الرئيس نميري إلا انه اختار ان يسمع الكودة قرار اقالته وهو خارج اسوار الوطن، في دولة ماليزيا التي ذهب اليها مستشفياً. تلك الاقالة التي كانت مفاجأة للشارع العام بل حتى للعديد من المراقبين بما فيهم الذين تابعوا الخلاف المستتر بين الطرفين حول بعض الصلاحيات المتعلقة بوالي الخرطوم ومحلية الخرطوم سيما وأن تلك الصلاحيات ليست لها علاقة بالشؤون التنظيمية الروتينية ولكنها تتعلق بإدارة وجباية بعض الموارد المهمة في الولاية وفق قانون الحكم المحلي.



فالمحلية ترى ان لها الولاية الكاملة على بعض البنود المالية مثل مشروع نظافة المحلية والعوائد وقيمة الاعلانات على شوارع الولاية.



وفي هذا الصدد اتهم عادل عبد الرحمن احمد، عضو مجلس تشريعي محلية الخرطوم عبر تصريحات لصحيفة »آخر لحظة« والي الخرطوم، بالتسلط والتحكم في موارد محلية الخرطوم مشيراً لأن قانون الحكم المحلي انزل الموارد المحلية للمحليات.



المواجهة



اذن من الواضح ان تلك هي جذور الخلاف، ثم جاءت قنبلة الموقف الجديد التي زادته لهيباً، وقال مبارك الكودة معتمد الخرطوم عقب اقالته بعد ان وصل من ماليزيا في تصريحات صحافية انه يملك وثائق تثبت عدم عدالة د. عبد الحليم المتعافي والي الخرطوم في إرساء عدد من العطاءات لمن لا يستحقها وطالب بضرورة انتهاج الشفافية في مسألة توزيع العطاءات وقال انه سيثبت للشعب السوداني أنه على صواب.



ممنوع الانتشار



وبعيداً عن حيثيات الازمة تبرز عدة تساؤلات مهمة حول تغاضي المؤتمر الوطني عن الاتهامات المتبدالة احياناً مع عدد من المسؤولين والتي عادة ما تخرج هواءً ساخناً وماءً محبوساً يستحق التحقيق والتثبت حوله،



فقبل عدة شهور اتهم رئيس المجلس التشريعي بولاية الخرطوم السابق، كرم الله عباس، والي ولاية القضارف عبد الرحمن الخضر في مسألة العطاءات وقال في حوار مع صحيفة »الاحداث« ان الوالي منح عطاءات توريد مواد بناء بقيمة 4 مليارات »بالقديم« لجهة واحدة وعقد جزءاً من صيانة مبنى مستشفى القضارف بقيمة 4 مليارات »قديم«



وقال ان اصحاب المغالق اجتمعوا بالوالي منذ العطاء الاول وقالوا انهم على استعداد لتوريد هذه المواد بأسعار اقل إلا ان الوالي وعدهم بالموافقة المرة القادمة ولكنه عاد واعطاها لنفس الجهة ثم كررها في عقد الصيانة.



وإزاء ذلك الصراع والذي ظهرت بوادره منذ العام 2006م تحرك المؤتمر الوطني وقرر إعفاء الطرفين إلا انه لم يعلن عن تكوين لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول الاتهامات التي ساقها رئيس المجلس التشريعي آنذاك ضد الوالي السابق.



ويرى المراقبون ان هناك امثلة عديدة تمت فيها معالجة الازمة في صمت ومن وراء الكواليس اما بالاعفاء او تهميش الجهة المتهمة او ربما اعفاء الطرفين معاً.



فربما يرى المؤتمر الوطني ان توجيه اي اتهامات لاي من الرموز البارزة او الوسيطة من شأنه ان يقدح في تجربة الحكم بأكملها او انها قد تحدث رشاشاً غير مطلوب بيد ان كثيراً من المراقبين يرون ان مخاوف الوطني من محاسبة الرموز او حتى اجراء التحقيق التحوطي بشأن ما ينسب اليهم يتقاطع مع المرجعيات الدينية المعروفة ولا يمكن ان يصب في فقه ادارة الحكم الاسلامي وضروراته.



كما ان المحاسبة والشفافية تبسط الثقة في نفوس الجماهير تجاه النظام وتقطع الطريق امام الفساد. ولهذا فإن المحللين يرون ان سياسة (ممنوع الانتشار) لن تجدي لأن الدخان عادة ما يتسرب حتى من النوافذ المغلقة وان إصحاح البيئة سيكون أمراً مستحيلاً عندئذٍ!!.

------------------------التاريخ: الخميس 14 أغسطس 2008م، 12 شعبان 1429ه
الراى العام

إلــى الدكتــور عبــد الوهــاب الأفنــدي
إلــى الدكتــور عبــد الوهــاب الأفنــدي

هاشم آبوبكر الجعلي

َعُدَّ معاذراً لا عذر فيها
ومن يخذل آخاه فقد ألاما
تابعت حلقة من حلقات برنامج «ما وراء الخبر» الذي تبثه قناة الجزيرة، وكان الدكتور عبد الوهاب متحدثاً ضمن آخرين كانوا ضيوفاً على البرنامج الذي كان موضوعه الحركة الاسلامية ومؤتمرها السابع الذي عقد بالخرطوم أخيراً.
لم يكن غريباً على مسمعي ان يقدح الدكتور عبد الوهاب الأفندي في الحركة الاسلامية برنامجاً ورجالاً، فقد ظللت أتابع بأسى شديد، ومنذ وقت ليس بالقصير التجني القاسي من الدكتور عبد الوهاب على الحركة الاسلامية ورموز وقيادات المؤتمر الوطني وحكومة الانقاذ بتجريح لا يليق بأهل العلم.
كنت كلما هممت بمراجعة الأخ د. عبد الوهاب عن طريق الهاتف أو البريد الالكتروني أراجع نفسي طمعاً في أوبة أرجوها للأخ عبد الوهاب، فهو رجل أثير عندي وعند من يعرفون أسرته الكريمة، لأن المراجعة المنشورة المشهورة غير محمودة العاقبة ولكن لا بد مما ليس منه بُدٌّ.
لقد شبَّ الدكتور عبد الوهاب متديناً نابهاً وكانت الحركة الاسلامية السودانية هي المثابة الطبيعة لأمثاله من أبناء الأسر التي دخلتها الحركة الاسلامية عبر أحد ابنائها.
لغفلة أو لحسن ظن - أدركت لاحقاً ان الدكتور عبد الوهاب صنف من الناس لا يطيقون أسْر القوالب التنظيمية ولا يتحملون ضوابطها، فكثر خروجه على الجماعة ولكن كان كل خروج تعقبه عودة بنشاط وهمة ويظل معطاءً عند كل عودة، فللرجل قدرات وطاقات هائلة، وظل هكذا حتى سنوات الانقاذ الأولى يرفع عن السودان ذات الإتهامات التي انتهى بها المطاف في المحكمة الجنائية الدولية، وأحسب أنه كان صادقاً في ذوده عن السودان ممثلاً في قياداته، لأنه كان ولا يزال يعلم المنطلقات الأخلاقية للحركة الاسلامية موئل المجاهدين الصادقين، ولا أدرى ما الذي حمله على أن يتبنى ويؤيد اتهامات منظمات النظام العالمي الجديد لأناس عرفهم عن قرب حق المعرفة. إن خروج الدكتور الأخير على الحركة بدا لي وداعاً ولم يترك الدكتور وشيجة إلا قطعها وأبلغ الدكتور كل من يريد ان يُسمعه أنه لم يعد ذلك العصفور الذي تُرجى عودته إلى عشه.
لقد ختم الدكتور عبد الوهاب الأفندي فصول علاقته بالحركة الاسلامية بعد ان مهد لذلك بدأب وصبر ودهاء واستطاع ان يرسم لنفسه صورة في أذهان القراء ومتابعي القنوات الفضائية تمنعهم من مجرد تصور احتمال عودته إلى رحاب الحركة الاسلامية، وفي سبيل ترسيخ تلك الصورة لم يستنكف الدكتور عبد الوهاب من وصم قيادات ورموز الحركة الاسلامية بكل نقصٍ، فقد قرأت له مقالات كثيرة مرة المذاق ولم يتردد أن يصف في احداها كلاً من الرئىس البشير وصاحبيه علي عثمان ود. نافع بأن كلاً منهم عاطل عن ما يؤهله لإدارة محلية أو بلدية ولم يدخر من قبيح القول شيئاً في حقهم وحق الحركة الاسلامية التي قدمتهم لقيادتها، فكان ما صدر منه ظلم ولا يشتمل على نصيحة مبذولة ولا حقائق مشهودة ولكنه سباب يقدر عليه كل أحد رضى أن يغمز ويلمز ويطعن ويقدح دون ان يلتفت إلى ما يجره عليه ذلك من المساءلة أمام الله رب العالمين يوم يلتقي الخصوم.
وصف الأخ د. عبد الوهاب الافندي رجال الحركة الاسلامية الذين حضروا مؤتمرها الأخير بأنهم «هتَّافة»، ولم يشأ ان يذكر فضلاً لعالم أو مجاهد من هذه الألوف التي احتشدت ممثلة لقواعد الحركة الاسلامية التي تغلغلت في الشُعَب والمناطق والمحليات، ولم تحتشد تلك الجموع بالتعيين أو بالإشارة، بل تجمعت إثر جهد، يشبه النحت في الصخر وكان مؤتمرهم الجامع خلاصة آلاف المؤتمرات التي انتظمت السودان كله خلال العام المنصرم، فلو هتفوا للبشير أو أىدوه فهذا حقهم، فالرجل في حاجة إلى تأييدهم ودعمهم وليس من بينهم من يحتاج إلى الرئىس حاجة خاصة حتى يبلغ حاجته بالهتاف.
إن الحركة الاسلامية ليست من قبيل التجمعات الفارغة التي يمكن ان يوصف رجالها بـ «الهتافة»، فمن بين صفوفها خرج الآلاف في مسيرة الجهاد والاستشهاد ولم تنعم الحركة الإسلامية بالحكم لأغراض الدنيا، بل تصدى رجالها وشبابها ونساؤها لكل أنواع التعدي والظلم من القريب والغريب وصبروا وصابروا ورابطوا، ولكن ظل بعض بني جلدتهم من أمثال الأخ عبد الوهاب يرمونهم من خلف أسوار النظام العالمي الجديد بهجر القول وبئيسه.
أنكر الدكتور عبد الوهاب على الحركة الإسلامية كسبها وحظها من العلم والجهاد وحاول ان يصورها مجردة عن الدثار الاخلاقي فنسب إليها ارتكاب جرائم الإبادة والاغتصاب وما شابه ذلك، مستنداً إلى إتهامات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مصدقاً ومؤىداً لها ومبشراً بها، ولي أن أسأل الأخ د. عبد الوهاب إن كان يريد ان يلقى الله وهو يزعم إن الحركة الإسلامية وقياداتها في السودان تنظم حملات الإبادة الجماعية وتبارك عمليات الاغتصاب الجماعي للنساء في دارفور؟ أو يلقاه وهو عود في نار الفتنة؟!
ثمة بهتان آخر رمى به الدكتور عبد الوهاب وهو ما ذكره عن الانتخابات التي جرت عند انعقاد المؤتمر السادس للحركة الاسلامية، فقد ادعى د. عبد الوهاب ان الاقتراع أجرى «تحت الكاميرات»، بمعنى ان ترغيباً أو ترهيباً قد تم لتخويف وإرهاب المقترعين وللتأثير على حريتهم في الاختيار، وهذا افتراء محض بشهادتي خالصة لله، فقد كنت مسؤولاً عن الانتخابات التي جرت في المؤتمر السادس، وقد كانت هنالك منافسة واستقطاب استدعته ظروف أحاطت بالحركة وقتها، ولكن ما ذكره عبد الوهاب من الترهيب والتأثير السلبي على المقترعين نقل من فاسق، وكان حرياً بالأخ عبد الوهاب وهو يؤرخ للحركة الاسلامية برصده لنشاطها، كان حرياً به التثبت بمنهج الإسلام أو بمنهج البحث العلمي.
إن أحداً من المشاركين لم يدع ما زعمه الدكتور عبد الوهاب الأفندي ولا الدكتور غازي الذي ما كان يمنعه شئ من الإشارة إلى التخويف أو الترهيب أو الترغيب، فهو رجل لا يُهشُّ في وجهه بعصا زاجر وليس بيني وبينه حجاب مانع من بيان ما ذكر، فهو قريب منِّى ولا أدري أهو اقرب إلىَّ أم علي عثمان، فكلاهما قريب وكلاهما أهل للاحترام والتبجيل.
لقد حملت الموجودة الدكتور عبد الوهاب الافندي فذهب مذهباً غاية في الشطط وطاش سهمه فجرح وأساء ومضى في ذلك لا يلوي على شئ وكأني به وقد عزم على ان ينصرم كل ما يمكن ان يكون سبباً في وصل مع الحركة الاسلامية أو ود مع أحد من منسوبيها ولم تكن به إلى كل ذلك الشطط حاجة، إلا حاجة في نفسه قضاها ظلماً.
ختاماً أقول للأخ الدكتور عبد الوهاب الافندي إنه ليس لازماً ان تختم حياتك في الحركة الاسلامية، ولكن يلزمك وقد عزمت ألاَّ تعود إليها هو ان تتحيز إلى فئة أخرى من فئات المسلمين، فإنك لا تستطيع ان تلقى الله وحيداً وسليماً، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والمرء قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه، وإن علا كعبه في العلم والاستنارة، ولئن فارقت صحبة الأمس فلا ترمهم بقوس يرميهم عنها أعداء الملة والأمة وأقول وقد ساءني أنك فارقت عشك ومحضنك:
أقول وقد فاضت بعينيَّ عبرةٌ
أرى الدهر يبقى والأخلاءُ تَذْهبُ
ونسأل الله لنا ولكم حسن المآل وحسن الختام.
^ محامٍ بالخرطوم
--------------------------------------------------------------
غازي صلاح الدين وخرافة المؤتمر الوطني (والحركة الإسلامية)
ffغازي صلاح الدين وخرافة المؤتمر الوطني (والحركة الإسلامية)fff

د. عبدالوهاب الأفندي

بعد عاصفة كتاب 'الثورة والإصلاح' وما لقيته من الإخوة، كان من المفترض أن أوليهم ظهري وأنصرف إلى شأني الخاص والأسري، خاصة وأنني ابتليت في تلك الفترة بمرض الأبناء، وهو بلاء لو تعلمون عظيم، عافاكم الله ومن تحبون. ولكنه ما كان يمكن ـ ولا ينبغي لي- أن أعرض عن الشأن العام والبلد تواجه ما تواجه، وأهم من ذلك، والإسلام يواجه امتحاناً عسيراً كون تلك التجربة كانت تحمل شعاره، بحيث أن سوءاتها أو انهيارها ستحسب ـ لا سمح الله- على الإسلام.
وكنت قد كتبت في مقدمة الكتاب عن نصيحة وجهها لي محقق الشرطة أيام اعتقلنا إثر مظاهرة نظمناها ضد حكومة النميري أيام المدرسة الثانوية بأن 'انتبه لدروسك' فقلت:
'لم أقل لصاحبنا وقتها أنه لم يكن هناك شيء من الدنيا أحب إلي من 'الانتباه لدروسي'. فهل هناك أمتع من الاسترخاء مع مسرحيات شكسبير، وروايات برونتي وفورستر وهمنغواي؟ هل هناك لحظات أروع من تلك التي يقضيها المرء سياحة مع المتنبي وأبي العلاء المعري والجاحظ وابن المقفع؟ حتى الرياضيات والعلوم التطبيقية كانت تعطينا في تلك الأيام متعة لا تصدق. لم نكن نحتاج لشيء لو تركنا ودروسنا.
'ولكن ذلك لم يكن ممكناً. فحين يكون المرء في مركب تتقاذفه الامواج من كل جانب، وتتسرب المياه إلى سطحه من ثقوب كثيرة، يكون من الجنون أن ينتحي المرء ركناً قصياً ليقرأ قصيدة أو يعالج معادلة رياضية أو يتأمل في أسر الكون وتركيب الذرة... في السفينة الغارقة، لا يوجد مسافرون: فالجميع ملاحون'.
ورغم وضوح هذه الملاحظة فإن بعض من لم يؤتوا العلم أساءوا تفسيرها، زاعمين أنها تشير إلى أنني كنت أعتقد أن سفينة الإنقاذ توشك على الغرق فاخترت الفرار منها، هذا مع العلم بأن هذه التأملات تتناول واقعة سابقة على الإنقاذ وتتحدث عن مركب الوطن المهدد بالغرق، وتتحدث عن استحالة أخلاقية للاهتمام بالشأن الخاص من دراسة أو متعة في ظرف كهذا. فأنا لم يكن يهمني وقتها ـ ولا يهمني اليوم- ما يحدث لنظام الإنقاذ، بل ما يهمني هو مصير الوطن وسمعة الإسلام. ولهذا كان لا بد أن نصبح ملاحين في هذه السفينة المهددة بأخطار تسببت في معظمها الملاحة الهوجاء والسير على غير هدى.
لكل هذا لم يكن الانصراف عن الشأن العام خياراً، لأن الشأن العام لم يكن عندنا يوماً وظيفة يتحلل العامل من همها بعد انتهاء فترة الدوام. ولهذا فإن اشتغالنا بالشأن العام وسعينا إلى الإصلاح لم ينقص بترك الوظيفة إن لم يكن قد زاد. وقد صادف عام 1996 قرار الحكومة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس النظام السياسي الجديد الذي يحظر الأحزاب ويعتمد المؤتمر الوطني إطاراً أوحد للعمل السياسي. ورغم أن التنظير الذي قام على أساسه المؤتمر الوطني لم يكن يعتبره حزباً، إلا أن توجهاً مضطرباً بدأ في نهايات عام 1995 لاعتباره أداة عمل سياسي. وكان من توابع ذلك أن تقرر أن يتولى الأمانة العامة للمؤتمر الوطني الدكتور غازي صلاح الدين، وهو قرار ساهم بغير قصد في خلق أزمة دارفور الحالية، حيث حدثت لأول مرة مواجهة في داخل المؤتمر مع قطاع واسع من العضوية الدارفورية حول الطريقة التي تم بها استبدال الأمين العام السابق الشفيع محمد أحمد دون تشاور كاف. ولكن هذه مسألة أخرى.
والأخ غازي صديق قديم، وإن كنت وإياه نختلف في كثير من الأمور السياسية. وأذكر أنني قلت له مرة بعد نقاش حاد دار بيننا حول سياسات الجبهة القومية الإسلامية في أيام الديمقراطية الثالثة إنه من حسن الحظ أنني أقيم في الخارج وإلا لكنت قدت انشقاقاً في الحزب. ولكن الخلاف مع غازي مثل الاتفاق معه، ممتع، لأنه مفكر من الطراز الأول. ورغم خلفيته الطبية إلا أنني لم أصنفه مع مجموعة 'أطباء بلا حدود' الإنقاذيين الذين قلت فيهم يوماً أنهم انصرفوا من علاج الأمراض إلى تسبيبها. وعليه فقد كان غازي مؤهلاً إلى حد كبير إلى أن ينفخ الروح في موات المؤتمر الوطني وأن يجعل منه كياناً سياسياً حقيقياً. ولكن كانت هناك ثلاث عقبات رئيسية تقف في وجه هذا الطموح. الأولى تنبع من طبيعة هيكلية المؤتمر نفسه، حيث كانت أمانته قد جردت في نظامه الأساسي من كل سلطة سوى الإشراف على عقد المؤتمرات. أما العقبة الثانية فتنبع من وضع غازي نفسه حيث كان يحتل موقعاً مفصلياً في داخل المؤسسة الحاكمة يجعله مكبلاً بقيودها بقدر ما هو فاعل في داخلها. أما الإشكالية الثالثة فتتعلق بأن غازي كان إلى حد كبير يغرد خارج سربه، لأن الغالب على أفراد الطبقة الحاكمة عندها كان البعد عن أمور الفكر واعتبارها شأناً انصرافياً في مقابل الاهتمام بمنطق القوة والتغالب.
مهما يكن فإن غازي قد انصرف لمهمته الجديدة بهمة وجدية، وكان هذا أول أخطائه. وحين التقينا في صيف عام 1996 على ما أذكر، كانت قضية الانتخابات هي شغل الساعة. وكنت قد تحدثت معه ومع الشيخ الترابي حول الاستراتيجية التي ينوون اتباعها، وتحديداً ما هو البرنامج الذي سينتخب على أساسه الرئيس، خاصة وأنهم كانوا يحاولون استمالة السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة للمشاركة في الانتخابات. وقد قلت للشيخ حينها إنني أعتقد أن الصادق سيفوز في الانتخابات إذا عقدت وكانت نزيهة، فرفض ذلك قائلاً إنهم قد حسبوا الأمر بدقة وإنهم متأكدون من فوز الرئيس البشير. وكان مما قاله الشيخ إن المعارضة للنظام يأتي أكثرها من أهل المدن والعاصمة تحديداً، ولكن الغالبية الكاسحة في الريف تؤيد النظام، لأن الأوضاع الاقتصادية هناك تحسنت بأثر سياسات التحرير الاقتصادي بينما تدهورت في المراكز الحضرية.
ولكنني قلت للشيخ ومن معه إنني أخالفهم هذا الرأي، خاصة إذا لم يطرح الرئيس برنامجاً جديداً. فالبلاد كانت تواجه الحصار والأزمات الخانقة، كما أن الحكومة قد أقصت الكثيرين وعادتهم. فإذا تنافس البشير والصادق، وقال الأول للناس انتخبوني وستواجهون المزيد من الحصار والمعاناة ويظل حالكم على ما هو عليه، بينما قال الثاني: انتخبوني وستشهدون انفتاحاً على العالم يأتي معه وعد الرخاء الاقتصادي والمزيد من الحريات، فمن تراهم يختارون؟ ومهما يكن فإن هناك كثيرين لهم ثأرات على الإنقاذ لو أتيحت لهم فرصة التعبير عن رأيهم فإنهم بالقطع سيصوتون ضد مرشحها.
لم يقبل مني الشيخ وعلل ما وصفه عدم إلمامي بالأمور بأنني أقيم خارج البلاد، وهي لازمة رددها الكثيرون. وقد قلت للأخ أمين حسن عمر حين أثارها أثناء ندوة نقاش الكتاب: قد أكون أنا مقيما ً خارج السودان ولكنني حين أستمع لبعض أقوالكم يخيل لي أنكم تقيمون على سطح المريخ.
غازي كان مؤيداً لطرح الشيخ، ولكنه اقتنع على الأقل بضرورة أن يطرح برنامجا انتخابيا، ودعا لاجتماع يناقش هذه المسألة. حينما وصلنا إلى موقع الاجتماع (وهنا يكون الأخ نافع محقاً إذا اتهمني بأنني أكشف أسراراً، لأنني سأذيع هنا معلومات جديدة لأول مرة، وهناك المزيد إن شاء الله)، وكان الحضور حوالي مائة شخص أو يزيدون، من بينهم الرئيس نفسه، بدا للشيخ الترابي لسبب يعلمه أن يلغيه أو يؤجله، ربما لأنه لم يعجبه بعض الحضور. وكان الشيخ يجلس في مقدمة الصفوف وبجواره الأخ عبدالباسط سبدرات. وما أن بدأ الاجتماع وافتتح حتى قام سبدرات وتقدم باقتراح بأن يؤجل الاجتماع بحجة أنهم لم يكن لديهم وقت كافٍ لدراسة الأجندة والتحضير.
لم تغب على فطنة غازي على ما أعتقد أن رسالة طلب التأجيل كانت من الشيخ نفسه، فهو على علم بكيف ترتب هذه الأمور، خاصة وأنه كان المشرف على مؤتمر النظام السياسي الذي أوكل فيه لسبدرات (في تقاسم أدوار كان هو جزءاً منه) في الاجتماع النهائي تقديم مقترح وهيكلية المؤتمر الوطني الذي تم طبخه في خارج المؤتمر واحتاج إلى نادل يقدمه للآكلين. ومع ذلك فإن غازي رفض الاقتراح قائلاً إن الوقت كان كافياً وإنه يرى ضرورة سرعة مناقشة الأمور المطروحة لأن عنصر الزمن يضغط.
عندما لم تفلح الحيلة غير المباشرة، نهض الشيخ الترابي نفسه وأيد طلب سبدرات في التأجيل، قائلاً إنه لم يتسلم الدعوة الرسمية ولا الأجندة، فتمسك غازي بموقفه وقال للشيخ إن الدعوة والأجندة أرسلت إلى مكتبه، ولعل سبب استلامها يعود إلى أنه كان مسافراً في كردفان في الأيام الماضية.
خشيت عندها أن تتكاثر الضغوط على غازي فينصاع لها، فطلبت الكلمة لأقول إننا قد ظللنا ننتظر اجتماعاً مثل هذا منذ سبع سنوات لنقول فيه رأينا، ولن نسمح بأن نحرم من هذه الفرصة، ثم دخلت في الموضوع مباشرة، حيث أوردت نقطتين أردت التنبيه إليهما: الأولى ما كان يتعرض له السودان من اعتداءات من دول الجوار، حيث أن مصر سطت على حلائب، وكينيا على مثلث ليمي، واثيوبيا على منطقة الفشقة، بينما تهدد اريتريا السودان علناً بإسقاط حكومته. وعللت هذا الاستضعاف بتأثير الحرب في الجنوب وطلبت أن يعطى إنهاء الحرب أولوية قصوى. قاطعني الأخ عبدالرحيم حمدي قائلاً: هل تعني الانفصال؟ فقلت له إنني لا أتحدث عن تفاصيل الآن وإنما أدعو إلى إيلاء قضية السلام الأولوية القصوى. أما النقطة الثانية فقد كانت ازدواجية مراكز صنع القرار، حيث دعوت إلى إنهاء هذه الازدواجية بدمج كل المؤسسات في هيكلية الدولة.
كان أول من اختار التعليق على ما قلته الأستاذ بدر الدين سليمان، ولا علم لي بأي صفة حضر ذلك الاجتماع، فأشار إلي قائلاً: استغرب ما أورده هذا الأخ (ولم يكن يعرفني وهي نعمة عظيمة)، كيف يقول إن السودان مستضعف؟ إن السودان قد أصبح دولة عظمى! (واستدل على ذلك بأنه حين كان يسافر إلى الخارج في أيام حكومة المهدي كان أفراد الأسرة يطالبونه حين يهاتفهم بأن يحضر معه خبزاً، بينما اليوم الخبز مبذول على الطرقات لمن يبتغيه!!).
كدت أنفجر غضباً من هذا التهريج، وطلبت الكلمة لأرد عليه، ولكن غازي ـ في تنازل منه للضغوط التي كان يواجهها- رفض إعطائي الكلمة قائلا لي: أكتب كتاباً آخر في الرد عليه إن شئت. وتعاقب بعد ذلك على الحديث أمة لم يخرج منهم إلا واحد أو اثنان من هذا النهج التهريجي المتهافت الذي لا يليق باجتماع مغلق قصد منه مناقشة الأمور بجدية. وعليه فنحن حين نتحدث عن الهتيفة والمهرجين، نعني ما نقول تماماً ونتحدث حديث العارفين، حتى إن لم يفضح التلفزيون ما يجري من مهازل.
لم يبلغ الاجتماع مناقشة القضايا بجدية فضلاً عن أن يصل إلى حلول لها. وبعد اللقاء عنفني الشيخ بشدة على ما قلته عن الازدواجية واتهمني بالشقاق، قبل أن يعود فيطمئنني إلى أنهم بصدد حسم هذه المشكلة. وكانت هذه أول ـ وآخر مرة- أسمع فيها نقداً مباشراً من الشيخ، وكنت سمعت مرة أو مرتين نقداً غير مباشر، كما حدث أيام حرب الخليج حين كتبت مذكرة أصف بعض تصرفات النظام حول تلك القضية بالسذاجة السياسية. فقد أخبرني أحد الإخوة أنه دخل عليه فوجده يلوح بالورقة غاضباً وعرضها عليها قائلاً: أنظر ماذا يكتب لنا صاحبكم.
مهما يكن فإن ما تعرضت له هان أمام ما واجهه غازي من بعد بسبب هذا التحدي المكشوف وأخذه لدوره كأمين عام للحزب الحاكم المزعوم بجدية أكثر من اللازم. فقد كلفه هذا غالياً وأثار عليه حنق طرفي النزاع فيما بعد. ويبدو أن إيمان الأخ غازي يحتاج، كما هو حالنا، إلى مراجعة ملحة، لأنه لدغ من نفس الجحر حينما صدق مرة أخرى خرافة ما سمي بالحركة الإسلامية ومؤسساتها، فكان ما كان.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
qra
القدس 16/9/2008
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

رقم: 1075 2008-11-10

بين قوسين
وكيف يعض المرء بنان الندم؟

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-11-02


السودانى

تابعت قبل أيام سلسلة المقابلات الصحفية التى أجرتها صحيفة (آخر لحظة) مع السيد حسن الترابى وهى فى شكل (محاكمات) اذ يتميز هذا النوع من المقابلات بتوجيه الأسئلة الصعبة للشخص. توقفت عند عبارة قالها الترابى في معرض رده على سؤال حول علاقته بالانقاذ وهو سؤال كثيراً ما تم توجيهه له وكانت اجابته المعتادة والمتوقعة حكاية (اعتذاره) للشعب السودانى عن مشاركته في (نظام الانقاذ). وبما أن لا أحد من أفراد الشعب السودانى يبدو أنه قد قبل (الاعتذارات) السابقة من زعيم المؤتمر الشعبى فقد غير النبرة هذه المرة. قال لأركان حرب الصحيفة انه لم (يعض بنان الندم) على الانقاذ! وشرح ذلك بأنه (ليس قطة)!
وبما أنه لا أحد تحدث عن الندم و لا عن (عض بنانه) ولم يكن في طيات السؤال ما يشير من قريب أو بعيد لفكرة (الندم) فقد ذكرتنى تلك العبارة بقصة الرجل الذى كان يتحدث مع أصحابه في أول يوم من نهار رمضان حار. وبدون أن يسأله أحد عن تأثير الصيام عليه طفق الرجل يحدثهم عن أن رمضان (والله ما عمل لى أى حاجة) وأن شاى الصباح بالذات ولا حتى (الصعوط) كان لهما عليه أى أثر واستمر الرجل (يربرب) هكذا حتى قاطعه أحدهم قائلاً : وماذا تتوقع من رمضان أن يفعل بك غير هذا! ساعتها قلت: وما هو عض بنان الندم بالنسبة للترابى ان لم يكن ما قاله لمحررى الصحيفة!
عندها لم تكن صحيفة (الرائد) قد نشرت في خبرها الرئيسى صباح الأحد الماضى قصة (الندم) الحقيقى للترابى وهو ندم مسجل (صوت وصورة) و بدون علم الرجل فيما يبدو! لأن الخبر الذى نشرته الصحيفة كان من داخل اجتماع (خاص) للمكتب السياسى للحزب حيث كان الرجل يتحدث (بصدق ومرارة) عن مبادرة أهل السودان. اعترف الرجل أن المؤتمر الوطنى قد (نجح) ليس فقط في عقد المبادرة بل انه نجح في حشد عدد مقدر و فاعل من القوى السياسية حولها. ويستمر الرجل وهو يعض ليس البنان بل (كل أصابع الندم) حين يعترف أنه هو وحلفاؤه الشيوعيون فشلوا فى (افشال) المبادرة. ثم صب الرجل جام غضبه على حزب الأمة بقيادة الامام الصادق المهدى ووصفه بأنه (خائن)! خان ماذا؟ لم يوضح! ويقول ان الصادق قد منح المبادرة تميزاً و فعالية وأكسبها وزناً لا يمكن انكاره. كل هذه النجاحات يعتبرها الرجل فشلاً (شخصياً) له لأنه لا أحد بذل ما بذله الترابى من أجل افشال المبادرة! ثم يلتفت الرجل الى حليفه الحزب الشيوعى فيتهمه بأنه (يسرق) مجهودات تجمع الأحزاب المعارضة. طبعاً بما أنه لا توجد (أحزاب معارضة) للمبادرة غير الترابى والشيوعيين فان عملية (السرقة الشيوعية) تكون من (ممتلكات) الترابى! و لا يقتصر (غيظ) الترابى على هذين بل طال (البعث) الذى وصفه بأنه (تمومة جرتق)! من الواضح أن الترابى عندما كان يتحدث الى (آخر لحظة) فقد كان يتحدث بلغة الشخص (اللامبالى) لكنه في اجتماع مكتبه السياسى فقد كان (يفضفض) ويعبر عما في نفسه بكل (مرارة) وندم لكن يبدو أنه قد نسى أن يغلق (المايكرفون)!



ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

آخر الدواء: الحركة الإسلامية في السودان والحل على طريقة براون
د. عبدالوهاب الأفندي

18/11/2008




أصل اليوم إلى ختام التأملات التي انشغلت بها ـ وشغلت القراء بها معي - لعدة أسابيع حول الحالة السودانية ونظام الإنقاذ خاصة. وقد كان الغرض من هذه التأملات هو إشراك القارئ معي في الرحلة الطويلة التي قطعناها حتى بلغنا حالة اليأس من أي إصلاح ممكن للنظام يحوله إلى عنصر بناء وتطوير للوضع السوداني بدلاً من أن يكون مصدر مشاكل لنفسه وللبلد والشعب والعالم. ولا شك أن من تابع هذه السلسلة من المقالات يتضح له بجلاء أننا لم نبلغ هذه المرحلة بسهولة، ولا بين عشية وضحاها، بل بعد مكابدة طالت كنا نمد خلالها حبال الصبر والأمل رغم كل الدلائل المضادة. وإذا كانت هناك تهمة فقد تكون أننا تعلقنا أطول من اللازم بأوهام الإصلاح وإمكان التأثير على وضع كان ينبغي على العاقل أن ينفض منه يده قبل ذلك بكثير.
فقد بدأنا بالتعبير عن آرائنا وتحفظاتنا في المجالس المغلقة شفاهة، ثم انتقلنا إلى الكتابة، أيضاً في الدوائر المغلقة عبر المذكرات والأوراق. ثم انتقلنا إلى الحديث والكتابة على الملأ، تعبئة للرأي العام الإسلامي وتبرئة للذمة أمام الله والأمة. ولم يكن توضيح موقفنا هو نهاية المطاف. فبخلاف ما قيل من أننا أدرنا ظهرنا للوضع في السودان (لأي سبب ظنه أهل الظنون) فإن ما حدث هو أننا بالعكس، ظللنا نشغل أنفسنا بالشأن السوداني بصورة كادت أن تقارب الهوس، كتابة ونصحاً ومشاركة في كل ما شأنه أن يساعد في حل المشاكل، سواءً أكان ذلك قضية السلام في الجنوب أو شأن العلاقات الخارجية.
ولا علاقة لذلك برفضنا الطلب بالعودة إلى وزارة الخارجية في مطلع عام 1997 وهو رفض عللناه في خطاب الرد لوزارة الخارجية بجملة مقتضبة، جاء فيها أن الظروف التي دفعتنا إلى ترك العمل في الوزارة ما تزال قائمة، ولكن الإخوة سيجدوننا متى ما طلبوا مسارعين لكل ما فيه خدمة الدين والوطن، بدون التزام بوظيفة أو صفة رسمية.
وقد تلقيت حينها رداً مكتوباً من وزارة الخارجية بتاريخ 5 شباط (فبراير) 1997 جاء فيه بعد التحية:
'بالإشارة لخطاب سفارتنا في لندن س س ل/11/1 بتاريخ 3/1/1997 ومرفقاته خطابكم بتاريخ 27/12/1996 بشأن إعفائكم من وظيفة الوزير المفوض بوزارة العلاقات الخارجية. أرجو أن أنقل لكم موافقة وكيل أول وزارة العلاقات الخارجية على إعفائكم من المنصب المشار إليه حسب طلبكم، وأرجو أن أنتهز هذه الفرصة لأتقدم لكم بخالص الشكر والتقدير على الجهود القيمة التي بذلتموها إبان عملكم مع الوزارة كملحق إعلامي في سفارتنا في لندن طوال الفترة من 18/6/1990 وحتى 1/1/1996. ويسعدني أن أشيد بصفة خاصة بما وجدناه منكم من تعاون مع العاملين بالوزارة ومن تفان فيما اضطلعتم به من مهام. وإنا لعلى ثقة من استجابتكم السريعة لكل داعٍ لخدمة قضايا الوطن والعقيدة. سائلين الله لكم جزيل الثواب.
'توقيع: السفير د. عبدالحميد عبداللطيف.'
ولعل المستغرب هو أنني قضيت بعد الاستقالة من الخارجية جزءاً كبيراً من وقتي، إن لم يكن معظمه، أعمل متطوعاً في أمور لها علاقة بجهود السلام أو إصلاح علاقات السودان الخارجية. وقد كلفني ذلك الكثير من الجهد وبعضاً من مواردي الشحيحة، بالإضافة إلى آلاف الأميال من الأسفار في كل أصقاع الأرض. وهو أمر لم نندم عليه ولا نمن به على أحد، بل هو جزء قليل من واجبنا. ولم أدع فرصة لمخاطبة المسؤولين وكل من يسمع بما نراه يعين على تجاوز المصاعب والخروج من الأزمات. وقد كان آخر جهد قمت به في هذا المجال لقاءات مع كبار المسؤولين في الخرطوم في خريف عام 2005 كان محورها اقتراحات لتجنب قضية المحكمة الجنائية عبر تضمين اتفاق أبوجا الذي كان قيد التفاوض وقتها، بنوداً تتعلق بكيفية التعامل داخلياً مع تجاوزات الحرب، وهو اقتراح لو أخذ به لما كنا حيث نحن اليوم.
وقد كان محور كل هذا الجهد الاعتقاد بأن مستقبل السودان ومستقبل الحركة الإسلامية فيه مترابطان، مثلما هو الحال في معظم بقية بلدان المسلمين. ذلك أن المحاولات التي جرت في معظم البلدان العربية لإقصاء وضرب الحركات الإسلامية لم تفلح لا في القضاء على هذه الحركات ولا في إقامة نظام علماني ديمقراطي.
ويكفي ما حدث في تركيا التي قضى حكامها ثمانية عقود وهم يحاولون بالحديد والنار ليس فقط إقصاء الحركات الإسلامية بل القضاء على الإسلام ومحوه من الحياة العامة، وأحياناً الخاصة. ولكن تركيا أخيراً لم تجد الديمقراطية إلا على يد حركة تستهدي بالإسلام. وعليه كنا نرى أن الحركة الإسلامية في السودان يمكن أن تلعب دوراً مباشراً ومؤثراً في إنشاء ديمقراطية حقيقية ومستقرة، ولكن ذلك يعتمد على سياسة لا تقصي الإخوة في الوطن، مسلمين وغير مسلمين، ولا تكون على حساب حريات الخلق وحقوقهم.
ولهذا السبب كنا نرى إعطاء أولوية قصوى لتحقيق السلام عبر عقد سياسي اجتماعي يتيح لكل قطاعات المواطنين العمل لتحقيق الطموحات المشتركة في العيش المشترك والتنافس الشريف بدون سقف. وكما أوضحنا في كتاب 'الثورة والإصلاح السياسي في السودان'، فإن قيادة الحركة الإسلامية للعملية الديمقراطية لها شروط، من أهمها أن يكون للحركة سند شعبي واسع، وقبول عند كافة القوى السياسية المهمة، وقدرة على التعاون مع هذه القوى. وقد كان الكتاب آخر محاولة لتقديم طرح فكري وخريطة طريق للخروج من المأزق الذي أدخلت فيه الحركة نفسها والبلاد، وذلك عبر طرح رؤية سبق أن أوردنا ملامحها في كتابات سابقة صدرت في كتب ودوريات عدة أشرنا إليها في غير هذا الموقع.
ولكن هذا الأمل لم يتحقق، بل أدهى من ذلك، كان الركب يسير في الاتجاه المعاكس. فبدلاً من زيادة شعبية الحركة وتحسين صورتها، تعرضت الحركة ومسيرتها لتشويه واتهامات تراوحت بين التعذيب والقهر والقتل الجماعي، ثم الفساد والولوغ في مهاوي الترف في بلد يموت فقراؤه جوعاً ومرضاً وكمداً. وبدلاً من توسيع القاعدة، انكمشت الحركة على نفسها، وانقسمت وانفرط عقدها وأعرض عنها كل من له فضل دين وعقل وخلق إلا قلة ما زالت تستعصم بآمال هي للسراب أقرب. وبدلاً من بسط يد التعاون إلى القوى الأخرى اتبعت سياسة الإلغاء والإقصاء بالقهر والقمع.
وعندما فشلت هذه السياسات الخرقاء، اتجه المسار نحو عقد صفقات تشرك كل من شاء في فساد النظام وتقتسم معه مغانمه. وهكذا بدلاً من أن تكون الحركة هي التي تدعو الناس للمثل العليا والمبادئ السامية، وهي أمور تركها القوم وراءهم ظهرياً، أصبحت الدعوة هي للتعاون في الإثم والعدوان، والمشاركة في أكل أموال الأمة بالباطل. فإذا بكل من سارع إلى خيمة النظام النفطية شيطان أخرس عن الحق، يزين للقوم باطلهم، ويكذب ما كان يقوله بالأمس، ويزعم مع الزاعمين بأن دارفور وأهلها لا يشكون إلا أن الخير خنقهم، كما في القصة المتداولة عن السلطان علي دينار وبعض حرسه.
وإن كانت اتفاقيات نيفاشا للسلام تمثل في بعض جوانبها خطوة للأمام، فإنها في جوانب أخرى، وفي المبادئ التي قامت عليها، تشكل خطوة أكبر للوراء. فقد كرست مبدأ تقاسم الغنائم والمناصب، حتى أصبحت عبارة 'اقتسام السلطة والثروة' عبارة متداولة يفخر بها البعض ويراها مبدأً من المبادئ السامية. وقد مهدت هذه الخطوة غير الميمونة لما حدث في دارفور إذ أرست مبدأ أن الأمر قصعة يتقاسمها المتقاسمون، وأن نصيب المرء فيها يكبر كلما جرد سلاحه وكان على سفك الدماء أجرأ.
ولكن المطلوب لم يكن تقاسم المغانم على طريقة قطاع الطرق وعصابات المافيا بين عناصر القتل والإجرام، بل إرساء مبادئ تحقق العدل وتفتح أبواب التنافس على الخير. فمهما يقال عن النظام الأمريكي ومثالبه، فإن ما كشف عنه انتخاب باراك أوباما رئيساً ليس هو تقاسم أسلاب ورد اعتبار للأقلية السوداء، بل هو تحقيق لمبدأ فتح الباب أمام الأكفأ والأصلح بغض النظر عن أصله، لتولي أرفع المناصب بدون سقف أو حاجز، وهو مبدأ إسلامي أصيل. فأوباما لم يتول الرئاسة باعتباره شخصاً أسود اللون ينال حصة تركت جانباً لهذه الفئة أو تلك، وإنما كمواطن أمريكي مؤهل لذلك المنصب. ونحن لا نريد في السودان أكثر من هذا.
وبما أنني أتناول المسألة هنا من وجهة نظر إسلامية فإن ما يهمني هنا هو أن ما يسمى بالحركة الإسلامية قد انحدرت تحت قيادتها الحالية إلى درك سحيق من سوء السمعة، وأصبح ينظر إليها من قبل عامة الشعب ومن غالب أهل الخارج بأنها جهة غير مؤهلة للحكم أو لتمثيل الشعب. والادهى من هذا هو أن معظم الإسلاميين هم متهمون معها في ذممهم وخلقهم وأدائهم. ولا يهم إن كانت هذه التهم صحيحة أم لا، لأن الجريرة تكون أعظم لو كانت هذه التهم باطلة. فالمحامي الذي يفشل في إثبات براءة موكله البريء هو شر مكاناً مما لو كان الموكل مجرماً.
إضافة إلى ذلك فإن ادعاء تمثيل الحركة الإسلامية صاحبه ادعاء آخر بتمثيل أهل الشمال. وتحت هذا الادعاء فإن أهل الشمال أصبحوا، بدون أن يشاوروا أو ينيبوا عنهم أحداً، متهمين بجرائر لا يد لهم فيها، وموسومين ـ وفقراؤهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء- بأنهم حازوا ثروات الأرض واحتكروها. وتحت هذا المدعى أصبح هؤلاء المتنفذون باسم الإسلام حيناً والشمال حيناً آخر، يتقاسمون مع أهل المناطق الأخرى المناصب نيابة عن أهل الشمال المغيبين، ويدفعون من حر مال الأمة ديات قتلى لم تتضرج بدمائهم أيدي أصحاب الحق في هذه الأموال من سواد الأمة.
وليت هذا يكفي ويخرج القوم من ورطتهم، ولكن الذي نخشاه هو أن يحوق بالإسلاميين خاصة وأهل الشمال عامة ما حاق بالهوتو في رواندا والصرب في يوغسلافيا وغيرهم ممن أمروا على أنفسهم قوماً من أهل التطرف زعموا أنهم الأقدر على إحقاق حقهم ونكاية عدوهم، فكان أن أحلوا قومهم دار البوار وأوقعوهم في ملكة عدوهم أذلاء صاغرين. وأصبح أولئك القادة الذين كانوا يتبجحون بغرور السلطان هاربين مطاردين، أو أسرى مكبلين، أو هم يحتمون بمن زعموا أنهم حماتهم.
ولا شك أن أهل الشمال عموماً والإسلاميين خصوصاً مهددون بمصير مماثل ما لم يحزموا أمرهم ويبادروا بما يكف عنهم شر المآل. ولعل أقرب الحلول وأيسرها منالاً بالنسبة للحركة الإسلامية، أو ما بقي منها، هو تدارك الأمر بتغيير القيادات الحالية في شقي الحركة، وإبعاد رموز الشقاق والفساد والفشل، وإعادة تشكيل الحركة وحزبها المسمى حاكماً تحت قيادة جديدة تجمع بين طهارة اليد والبصر بالأمور والقبول عند الآخرين. وعلى القيادة الجديدة أن تستغل ما بقي من الفترة الانتقالية حتى تعيد بناء صورة أنصع للفكر الإسلامي والممارسة الإسلامية بعد ما لحقها من تشويه، وأن تمد يد التعاون للآخرين بصدق نية لبناء سودان يشعر الجميع فيه أنهم في وطنهم. وهذه مهمة ليست باليسيرة إذا نظرنا إلى نماذج أخرى كانت المهمة فيها أقل تعقيداً، شأن حزب العمال البريطاني بعد أن تخلص من توني بلير وأمر عليه غوردون براون. ولكن أي تأخر في إجراء هذا التغيير المطلوب سيكون كارثة على الحركة الإسلامية وعلى السودان أيضاً، لأن البديل هو الصراع بلا نهاية بين من يتمسكون بالسلطة بأي ثمن وبين من ينازعهم إياها.
ونحن نهيب بالجميع أن يتعاونوا في ذلك. فها نحن نسمع كبار القادة من أهل الحكم يرددون مراراً أنهم على استعداد للاستشهاد فداءً للوطن ودفاعاً عن الإسلام. والمطلوب منهم أيسر بكثير من الشهادة، وهو التقاعد بشروط مريحة، يكسبون معها إنقاذ البلاد وإنقاذ أنفسهم من عواقب الفشل السابق. وهذا لن يحمد لهم فقط، بل سيحمدونه هم أنفسهم. وقد شهدنا كيف أن معارضي أوباما كانوا أول من سارع إلى وصف انتخابه بأنه انتصار للأمة الأمريكية جمعاء، وهو كذلك فعلاً، وإن كان هؤلاء القوم يستقتلون حتى لا يتحقق. وبالمثل فإن توحيد الحركة الإسلامية تحت قيادة جديدة نظيفة يد سيكون انتصاراً للجميع، بمن فيهم من سيتقاعدون ويعودون إلى مكانهم الطبيعي في مؤخرة الصفوف ويتفرجون على البلاد وجراحها تلتئم وصفوفها تتوحد ومستقبلها يشرق. فليتهم يفعلون فيريحون ويرتاحون.

' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

الشكر لك أخي معالي للتوثيق الصحافي
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »


نائب الترابي: يجب على البشير تسليم نفسه للمحكمة طوعا واختيارا لتجنب الإهانة

علي الحاج لـ «الشرق الأوسط»: نحن أتينا بهذا النظام وندمنا.. والبرنامج الذي يعمل به ليس لنا



علي الحاج

في لقاء مع «الشرق الأوسط» في لندن، تحدث علي الحاج نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان بزعامة الدكتور حسن الترابي الذي يقيم حاليا في بون في ألمانيا، عن ظروف اعتقال الترابي، والدواعي وراء ذلك، والخلافات بين حزبه المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني الحاكم برئاسة عمر البشير، وأكد الحاج أنه لا عود بين الحزبين. وقال إن المطروح الآن فقط أشواق وتمنيات. وتطرق الحاج رغم ضيق الوقت، عن الخلافات داخل الحزب الحاكم حول قرار الجنائية، وقال إن كل الاحتمالات موجودة بما فيها انقلاب على البشير، وطالب في حديثه البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية حتى لا يتم اعتقاله بالقوة وتصبح العملية إهانة له وللبلاد.

وتحدث الحاج الذي كان يعمل وزيرا لوزارة الحكم الاتحادي في فترة الترابي، وبعد الانقلاب الذي تم على الترابي من أتباعه في الحزب الحاكم الآن استقر الحاج في بون بألمانيا التي أتاها لاجئا، حيث رفض العودة وأصبح يعارض النظام في الخرطوم من الخارج، بإسهاب عن قضية دار فور وعن الحلول المفترضة للقضية. وقال «الآن أصبحت الحلول في الخرطوم بتوزيع المناصب وهذا لا يحل القضية، كل من جاء للحكومة أعطي منصبا».

وكانت الحكومة الحالية طالبت الشرطة الدولية (الانتربول) بملاحقته وتسليمه لها لمحاكمته في تهم وجهت إليه تتعلق بالفساد بطريق الإنقاذ في غرب السودان غير أن الحاج سخر من الطلب الحكومي واعتبره كيدا سياسيا.

وعن السؤال آنذاك حول الفساد في طريق الإنقاذ بغرب السودان وهو طريق بري يربط وسط السودان بغربه قال قولته المشهورة «خلوها مستورة». والحاج الذي درس الطب في جامعة الخرطوم معروف بصراحته وردوده الدبلوماسية، وملم بالجوانب التاريخية والسياسية للسودان، وقال إنه يفكر الآن في نشر كتاب عن السودان وما يدور فيه. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هو رأيكم في اعتقال الدكتور حسن الترابي.. وهل يرجع ذلك لتصريحه الأخير الذي قال فيه للبشير أن يسلم نفسه للجنائية أم هنالك أشياء أخرى؟.

- لم يكن تصريح الترابي هو السبب في اعتقاله بل كان النظام مبيت النية، وهم يريدون أن يكون صوت السودان موحدا ضد قرار الجنائية، ولا يريدون أي صوت آخر أن يظهر، هذا كان خطهم اتخذوه للتصدي لأي صوت يؤيد قرار المحكمة الجنائية ضد البشير، فلمجرد قال الترابي إن على البشير أن يسلم نفسه للجانية لتفادي الشعب السوداني من القرار تم اعتقاله.

* ذكرت بعض المصادر في الحكومة بأنها ستقدمه إلى المحاكمة. فهل ستعتقد بأنها ستقوم بذلك، وسبق أن قالت الشيء نفسه في الاعتقالات السابقة؟

- لا اعتقد انه سيقدم لمحاكمة، الحكومة اعتادت أن تقول هذا القول مرارا وتكرارا، وهذه الاتهامات في سياق الهراء فقط. وليس هنالك أسرار خفية لدى الحكومة. وقضايا السودان الماثلة أمامنا اليوم هي قضايا كبيرة جدا، اعتقال الترابي أو محاكمته، أو اعتقال أعضاء حزب المؤتمر الشعبي المعارض لا يحل هذه القضايا، بالعكس سيعقدها، الترابي تم اعتقاله لكن القضايا لم تعتقل، قضايا السودان ما زالت موجودة ومطروحة، وانا اعتقد لو هنالك رشيد في حكومة البشير فان التصريح الذي أطلقه الترابي له مغزاه، وانه حسب القوانين والنظام الأساسي لروما، إذا الشخص وجهت له تهمة ومثل أمام المحكمة هذا بدون شك فيه ميزة كبيرة جدا للسودان، على أساس انه يجنب البلاد أي قرارات سوف تتخذ وللشخص نفسه، عندما يمثل أمام المحكمة فهذا فيه أشياء ايجابية له، والعكس صحيح إذا لم يمثل فالمحكمة ستتخذ الإجراءات التي تراها، شأنها شأن كل محكمة.

* لكن الحكومة ترى أن هذا القرار إهانة للحكومة والرئيس السوداني بالمثول أمام المحكمة؟ - هذه ليست إهانة، العكس الرئيس يمكنه أن يمثل وكل متهم بريء. والكلام الذي تقوله المحكمة هي فقط اتهامات لم تثبت بعد وقد يكون بريئا من تلك الاتهامات، لذلك أرى أنه من الأحسن له أن يمثل أمام المحكمة طوعا واختيارا ويبرئ نفسه من تلك الاتهامات. وقد تكون هذه واحدة من الايجابيات في صالحه وعندئذ يتحدث عن أشياء كثيرة جدا ينفي ما هو ضده، وبهذه الطريقة قد يكون جنب نفسه شر الإهانة، وأيضا جنب البلاد شر الإهانة وشر المشكلات الكثيرة التي قد تحدث. وأنا في تقديري الأقوال بعدم امتثال الرئيس للمحكمة تكون أثارها على السودان وعلى الشعب سالبة وكبيرة جدا، ولا أحد يريد ذلك للبلاد، أنا أقول هذا الكلام ولا أريد الآثار التي تترتب على ذلك، وعما قريب سيجد الشعب السوداني نفسه أمام خيارين إما أن يكون حريصا على السودان ككيان موجود أو على الرئيس كشخص، فهو لا يقدم كرئيس للجمهورية وهو يقدم كشخص للمحكمة الجنائية، فأنا أعتقد أن التصريح الذي ذكره الترابي من الناحية القانونية وناحية إجراءات المحكمة هو تصريح مهما قيل عنه، محاولة للتنبيه والتذكير، لكي يخرج البلاد والبشير من الورطة.. في تقديري المسألة ذاهبة في الإجراءات المعروفة.

* الحكومة تتهم المؤتمر الشعبي والدكتور بدعم الحركات المسلحة في دارفور، وخاصة حركة العدل والمساواة وأيضا دعمه للهجوم على أم درمان، ما هو رأيك في ذلك؟

- هذه الاتهامات تكاد تكون برنامجا عند الحكومة لا يوجد فيها شيء جديد، والكلام الذي قيل قبل ذلك، ومازال يقال لا يثبت في يوم من الأيام أن المؤتمر الشعبي له ضلع في هذه الأشياء، وحركة العدل والمساواة ليس لها أعضاء في المؤتمر الشعبي، بل هم خرجوا مثل الذين في الحكومة الآن، هم كانوا في الحركة الإسلامية ولكنهم خرجوا، وأصبحوا الآن في المؤتمر الوطني الحاكم. وهذا القول ذكروه للجهات الأجنبية بأن حركة العدل والمساواة هم أعضاء في المؤتمر الشعبي، هذا كلام هراء ليس فيه جانب من الحقيقة.إذن ماذا عن الحركات الأخرى وماذا عن القضية نفسها. والحكومة أعتقد أنها في جهل أو تجاهل من القضية.

* هنالك كلام بأن الترابي له علاقات مع حركة العدل والمساواة بما يتردد في تصريحاته بأنه قادر على حل قضية دارفور، ما هو رأيكم في ذلك؟

- دكتور الترابي قادر على أشياء كثيرة ولكنه ليس قادرا على كل شيء في يده، ولكن بدون شك إذا كانت هناك حريات في البلاد وأتيحت حرية لحل المشكلات في السودان، وليس فقط قضية دارفور. فأنا أقول الآن لا توجد مشكلة في دارفور، المشكلة في الخرطوم مشكلة المركزية في الحكومة هي المشكلة الأساسية. وفهمنا للقضايا في نظري خاطئ، نقول قضية الجنوب لأنها في الجنوب وقضية الشرق لأنها في الشرق وقضية دارفور لأنها في دارفور، هذا فهم قاصر ويعيد القضايا بأنها ليست لها علاقة بالسلطة المركزية. وأنا في نظري القضية الأساسية هي في المركز، والترابي عندما يتحدث عن حل القضية لا يتحدث بأنه سوف يتكلم مع الحركات هذا فهم ساذج، الترابي يتحدث عن أنه سوف يجد حلولا للمركز أي حل عادل للسلطة ولتقسيم الثروات والتنمية بمعايير معينة بعيدا عن الإغراءات، والآن أصبحت الحلول بتوزيع المناصب وهذا لا يحل القضية. كل من جاء للحكومة أعطي منصبا. ولا يجد أحد عنده الحل الآن في يده، الحلول عند كل السودانيين، والحلول لكل مشكلات السودانيين ليس دارفور فقط، وان الحلول المجزئة جنوبا وشرقا ودارفور قد تؤدي لمزيد من التجزئة، وما يحدث في الجنوب أو الغرب لا نعتبر هذه قضايا، أعتبرها فقط كنموذج لقضايا أخرى، ونعالج تلك القضايا على هذا الأساس من غير تجزئة. وتجربة الجنوب أوضحت لنا ذلك. وكنا نتحدث عن قضية الجنوب ولكن اتضح لنا ان القضية في المركز، وليس في الجنوب. وأعتقد ان القضايا كل مشكلاتها هو المركز، أي حكومة الخرطوم.

* كنتم جزءا أساسيا من نظام الحكم الحالي، ومن الانقلاب الذي جاء به ألا تعتبرون أنفسكم مسؤولين عن الوضع الذي تنتقدونه الآن؟

- نعم، نحن أتينا بهذا النظام وهذه حقيقة تاريخية موجودة، ولكن شعرنا بأن هناك أخطاء كبيرة حصلت في فترة الديمقراطية الثانية، وكوننا قمنا بانقلاب على النظام بتلك الأوضاع بدون شك فإن المعطيات التي كانت موجودة جعلتنا نتخذ هذا القرار آنذاك. ولكن القرار كان غير صائب، ونحن ننتقد أنفسنا بهذا المعنى، والآن حصلت مفاصلة بيننا وبين حزب المؤتمر الشعبي والحزب الوطني الحاكم. وأصبح الموضوع تاريخا الآن. وكون وجود مؤتمر وطني وشعبي الآن وناس في الحكومة والمعارضة، وحتى في النظام الديمقراطي أنت يمكن أن تنتخب شخصا للرئاسة أو البرلمان وفي آخر المطاف يمكن أن تنتقده أو تسحب الثقة منه لا حرج في ذلك، فنحن من هذا المنطلق نؤكد، نعم أتينا بهؤلاء لكن بدون شك هذا ليس البرنامج الذي أتينا به. والكثير من الناس يقولون لنا هذا نوع من الكيد، كيف تنتقدون النظام الذي كنتم فيه، هذا الحديث ليست له قيمة.

* هنالك في الكواليس حديث عن خلافات بين البشير ونائبه علي عثمان طه، هل هذا يعني انقلابا جديدا على البشير لتجنب البلاد من قرارات الجنائية؟.

- الخلافات ليس بين البشير ونائبه الثاني، الخلافات كثيرة داخل المؤتمر الوطني الحاكم، وهناك احتمالات كثيرة يمكن أن تحدث. والمشكلات ليست بين البشير ونائبه، هناك آخرون، والآن إن قضية المحكمة جعلت هنالك تناجيا وسط الذين يتولون السلطة، وأنا عندما أقول تناجيا لابد أن نفرق، هناك أناس نافذون في السلطة وهنالك منفذون، أنا أتحدث عن النافذين الذين لا يتعدى عددهم خمسة أشخاص، أما البقية فليس لديهم دخل في القضية، هناك مشكلات بين النافذين، وأيضا هناك رسالة موجهة إليهم، الآن بقينا في مشكلة حقيقية هي موضوع المحكمة، إما البلاد السودان أو البشير، وعلى كل سوداني آن يفكر في هذا الإطار، وعلى الحركة الشعبية والأحزاب المعارضة في الحكومة والجيش والشرطة كلهم لابد أن يعرفوا الآن أن هناك وضعين إما السودان أو شخص البشير، وليس الرئاسة ولابد أن تكون هذه المسألة واضحة لا يكون فيها خلط، وهذه مسؤولية كل الشعب السوداني في المعارضة أو الحكومة.لأن القرار الذي صدر للمحكمة هو من مجلس الأمن، وتحت البند السابع، البند السابع يجيز استعمال القوة، أنا لا أحب استعمال القوة في السودان في هذه القضية، أنا ضد استعمال القوة وهذا يعني على الرئيس البشير أن يسلم نفسه أفضل من أن يتم القبض عليه، وهذه المسألة لا تسقط بالتقادم، حتى إذا اوكامبو (المدعي العام للجنائية) مات فإن القضية لن تموت، حتى إذا ألغى مجلس الأمن قراره، فان المحكمة سوف تستمر، هذه مسألة لابد أن تكون واضحة للشعب السوداني، والمحكمة عندما تصدر قرارها لا دخل لمجلس الأمن في ذلك، هذه محكمة لا تخضع لمجلس الأمن، وحتى الحديث الذي يقال عن التوقيف وأن هذه المسألة تأجلت، هذا القرار قد يتخذه مجلس الأمن، لكن القاضي ليس ملزما بهذا القرار هذا قضاء، هناك مشكلة في التعتيم الإعلامي من الناحية القانونية ومن الناحية الدستورية ومن الناحية السياسية، هذا ليس في مصلحة أحد، وأنا أقول هذا الحديث للشعب السوداني عامة، والنتيجة مهما طال الزمن أو قصر، في النهاية هذا ليس في مصلحة السودان. شيء مؤسف ولكن لا بد للناس أن تعرف الحقيقة، وأنا أعرف أن هناك خططا كثيرة عند الحكومة لكي يعملوا ويقاوموا وهذا لا يخفى على أحد وأنا أعرف أن نهايتها سوف تكون مؤسفة جدا.

* الحكومة أطلقت مؤخرا تهديدات للغرب بأن هنالك عناصر متشددة داخل السودان ولكن ليست القاعدة ويمكن أن يحدث انفلات أمني في حالة صدور قرار من الجنائية ضد البشير ما تعليقكم على ذلك؟

- هذا كلام غير مسؤول إذا كان هذا يطلقه مسؤول أمن عند حدوث انفلات أمني، كيف لإنسان يعمل في الأمن أن يتنبأ بذلك، هذا يعني أنه هو المسؤول عن هذا الانفلات. وهو يدعو لانفلات أمني، هذا كلام بائس وليس من المفترض أن يقال لأنه إدانة، وهذا الحديث الذي يقال يصل للمحكمة، وهذا الكلام يؤكد أن الحكومة هي التي تحرك أي جهة، وفي الحكومة ناس من الأمن، والمحكمة لديها علم بذلك ولديها تجارب، أعتقد أن المسؤولين من الأفضل لهم أن يلتزموا الصمت، وهذا الصمت أفضل في بعض الأوقات، وهذا التصريح من رجل الأمن فيه نوع من الاتهام، والرئيس البشير بنفسه اعترف أن هناك 10 آلاف هم ضحية الأحداث في دارفور، عندما سئل من طرف (البي بي سي) قال هذا الرقم مبالغ فيه والذين قتلوا 10 آلاف، وهذه الإجابة سوف تدينه ليس لدى المحكمة فقط إنما سياسيا، وجنائيا، وهذا الحديث مسجل وليس سرا، والأحداث التي تمت في قطاع غزة الآن وكل هذا العدد من القتلى الذي تعدى الآلاف أحدث ضجة دولية فما بالك بـ 10 آلاف قتيل اعترف بهم الرئيس البشير، بأي منطق نحن نحمى هذا الشخص.

* هنالك خلافات واضحة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، هل تعتقد أن اتفاق السلام سيصمد أم أن الشمال والجنوب يتجهان نحو فراق أو احتراب جديد؟

- احتمال قيام حرب في الجنوب ضعيف، لكن المعطيات الموجودة الآن تشير في أغلب الظن بأنه سوف ينفصل الجنوب عن الشمال بالمشكلات الحاصلة، واليوم إذا طرح موضوع الانفصال، الجنوب أقرب للانفصال لأسباب موضوعية نتيجة المشكلات الحاصلة في حكومة الخرطوم، فهم الآن لا يحتاجون للقتال بالرغم من مشكلات ابيي وغيرها، ولكنهم ينتظرون الانفصال. ومن الأشياء التي تتسرب من الحكومة إذا حصل قرار المحكمة أنها لن تلتزم بالاتفاقيات وهذا ليس في صالحها، لأن هذه الاتفاقية شهد عليها كل العالم وأصبحت عهدا، وهذا عهد ملزم لا رجعة فيه، الحركة الشعبية نفسها هي مطالبة أن تقول رأيها في موضوع المحكمة لأنها هي الشريك المباشر للحكومة وهذه مسألة تحدد أشياء كثيرة قد تحدد السلام في الجنوب، أنا أعرف أن هناك أراء ظهرت من أعضاء الحركة الشعبية، فهم إما أن يرضوا السودان أو الحكومة، إذا كان رئيس الحكومة نفسه يقول نحن قتلنا 10 آلاف مدني ليسوا أعضاء الحركات المسلحة، كل الكلام الذي قائم على الحكومة هو قتل الأبرياء المدنيين غير الإبادة الجماعية وعمليات الاقتصاب المنظم وهذه مسألة موجودة، إذا كانت الحكومة تشعر بأنها بريئة فيجب أن تحضر وتبرئ نفسها من تلك الاتهامات، والحركة الشعبية مطالبة أن تقول شيئا في قضية دارفور، إذا لم تقل شيئا فأنا اقدر موقفها هي في حرج، بالرغم من أن وزير خارجيتهم صرح أكثر من مرة، وأنا لا أرى أن الحركة سوف تعارض المحكمة لأنها هي نتاج للمجتمع الدولي لولا وقوف المجتمع الدولي مع الحركة الشعبية لما كان لاتفاقية «نفاشا» الموقعة بين الحكومة والحركة في كينيا أن تتم، «نفاشا» لم يصنعها الشعب السوداني بل هي نتاج للمجتمع الدولي والحكومة الحالية وليس للشعب السوداني ضلع فيها، بل كان متفرجا، وأنا مع «نفاشا» ولست ضدها.

* ما هو الحل في نظركم لمشكلة دارفور، خاصة وأن الحكومة تجد صعوبة في الحوار مع هذا العدد من الحركات، البعض يرغب والآخر يرفض؟

- المشكلة ليست مشكلة دارفور وأنا اعتقد أن هذه التسمية خطأ، المشكلة مشكلة السودان ككل، قضية دارفور يجب أن تؤخذ كعينة مثل الجنوب، هذه المشكلة نفسها موجودة في الشرق والشمال والوسط، الناس الآن وعت والسودان الآن ليس ما كان قبل 50 عاما، هنالك وعي حدث، والناس كلها لها تطلعات ومن حقها، والحركة الإسلامية لها دور كي ترفع تطلعات المواطنين وأن يطالبوا بحقوقهم، وهذه مسألة مفروضة ليس تفضلا وتكرما من الحركة الإسلامية، هذا واجب منها لكي توعي الناس بحقوقهم، والوعي يجب أن يكون في كل السودان، وأنا أعتقد أن تتخذ دارفور كعينة، ولا يحصر الموضوع في دارفور بل كل السودان، عندئذ يمكن ان تطرح القضية، وهي قضية سياسية وليست عسكرية، أنا ضد الحل العسكري، وكون ان الحكومة تقول هناك قضية حفظ الأمن، وإذا اعتبرنا ان المشكلة أمنية، الحكومة نفسها تقتل المواطنين. المجتمع الدولي أخذ على إسرائيل ضرب المواطنين وليست عناصر حماس، هذا الوضع ينطبق على الحكومة في الخرطوم.

هنالك أقوال تذكر أن حملة السلاح في دارفور تشرزموا كثيرا، وأنا لا أؤمن بأن قضية دارفور تحل بعد توحد الفصائل، هذا نوع من صرف الأنظار، والفصائل ليست القضية، حملة السلاح عبروا عن القضية، لكنهم ليسوا القضية، والحكومة لها دور في التشرزم نفسه باعتبار كلما تشرزم الناس ضعفت الفصائل، لكن الفصائل قد تضعف وتذوب، لكن القضية لا تضعف، لا تتشرزم ولا تسقط وإنما تظهر أكثر، وأنا أرى ان الحكومة تريد من الفصائل أن تتوحد كي تعطيها منصبا واحدا، والمناصب عند الحكومة محدودة، لذلك تفكر في جمعهم، والحكومة لديها الآن وزراء بـ«الكوم» ومساعدون كبار وصغار ومستشارون، وهي تحاول تقليل عدد الناس الذين تريد أن تستوعبهم في المناصب، ولكن مهما تشرزمت الحركات، ليست هي القضية هي عبرت فقط عن القضية. لا بد أن تكون الحلول للقضية وليس للحركات، ولدينا عبرة في قضية الجنوب، وأنا أقول إن المركزية التي أتت مع الحكم التركي هي السبب في هذه المشكلات، والمركزية كانت تحب أن تتمركز السلطة في الخرطوم، ولكن الآن مع هذا الوعي للناس لا يمكن أن تتمركز السلطة، وهل السودان الآن كما كان يحكمه محمد علي باشا، العالم تغير، والحكومة واحدة من إشكاليتها الكبيرة تمسكها بالمركزية، وهي تتحدث عن اللامركزية وتوزيع السلطة وكل هذا عمليا عبارة عن حديث لسان ليس هنالك شيء على أرض الواقع، ولا بد من الحريات وقضية دارفور لم تحل لأنه لا توجد حرية، حتى حامل السلاح لابد أن تتحدث معه، وإذا كانت لا توجد حرية والمسألة قهرية فقط، فما من شيء يمكن تحقيقه بالقهر.

* هل هنالك مساع لتوحيد الحزبين الشعبي والوطني حسبما كان سابقا تحت راية حركة إسلامية واحدة؟

لا توجد مساع لتوحيد الحزبين الشعبي والوطني بل هنالك أشواق وتمنيات أن تتوحد الحركة الإسلامية، واليوم الأهم ليس توحيد الحركة الإسلامية إنما توحيد السودان. وكل هذه أشواق تجاوزها الزمن نحن الآن مواجهون بمحكمة دولية. وقضية إنسانية في دارفور، ومصير الجنوب هل ستكون هنالك وحدة أو انفصال، ومسألة الحريات، هذه قضايا أكبر من توحيد الحركة الإسلامية، نحن في الشعبي والوطني نعرف بعضنا جيدا ونعرف الخلافات، وهذا الذي حدث قد يكون فيه خير على السودان
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

لعدد رقم: 1153 2009-01-28

بين قوسين
دعم "مدنكل"...!

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2009-01-28




تصدر كل صحف الخرطوم (تقريباً) الصادرة صباح الخميس الماضى النبأ الصادر عن مسئول في الحزب الشيوعى السودانى والذى مفاده أن الحزب قد (رفض) عرضاً من المؤتمر الوطنى بتمويل المؤتمر العام للحزب الذى سيعقد في الأيام القادمة! المصدر الشيوعى وصف العرض بأنه (مدنكل)! صحيح أن التعبير (سوقى) الى حد ما لكن أهميته تنبع من كونه يعطى فكرة تقريبية للرقم الذى تم عرضه و (رفض)! وبما أن المتحدث باسم الحزب الشيوعى قال ان تكاليف المؤتمر في حدود (600) مليون جنيه تم جمعها من عضوية الحزب وعلى افتراض أن تلك العضوية هى من (العمال والمزارعين) أو البروليتاريا مما يعنى أن تلك التكلفة هى في حدها الأدنى وبما أن العرض (الاسلامى) كان مدنكلاً حسب الوصف فاننا نستطيع (بكل اطمئنان) أن نضع العرض المرفوض في حدود (المليار) جنيه!
الخبر صاعق ومحير ومربك! ويمكن النظر اليه من عدة زوايا. لكن بالرغم من ذلك فلم أشأ التعليق عليه وذلك في انتظار نفى قاطع وحاسم من المؤتمر الوطنى. لقد انتظرت أسبوعاً بالتمام والكمال. لكننى أعترف أن انتظارى كان لأسباب مهنية بحتة فأصدقكم القول أننى كنت أميل منذ البداية الى تصديق الرواية الشيوعية بالرغم من اننى لا أثق كثيراً فى الشيوعيين ولا أميل التى تصديق ما يصدر عنهم! ميلى الى تصديق الرواية الشيوعية مرده سببان الأول أننى لا أجد سبباً يدعوهم لاختلاق قضية كهذه (من الباب للطاق) والثانى أن بعض القيادات التى (طرأت) على المؤتمر الوطنى من الممكن أن تفكر بتلك الطريقة وهى تحسب انها تحسن صنعاً! انها قيادات لم (تنصهر) في لهيب العداء التاريخى مع الشيوعيين وبالتالى لم تستوعب تاريخ وخفايا ومرارات (العلاقة) بين الحركة الاسلامية و الحركة الشيوعية.
الخبر ينطوى أيضاً على (فضيحة) مدوية كما أنه يشير الى وجود (خلل) خطير في سلم القيادة العليا لحزب (الحركة الاسلامية) المؤتمر الوطنى. ليس مصدرالفضيحة في كون المؤتمر الوطنى يعرض ذلك المبلغ المهول لتمويل مؤتمر لحزب يعتبره معظم اهل السودان وكل أعضاء الحركة الاسلامية حزباً الحاديا ومصدر كثير من الشرور التى حاقت بالدين والوطن. الفضيحة في (رفض) الشيوعيين له. تخيلوا الاخوان (يرشون) الشيوعيين والشيوعيون يدوهم (شاكوش)! يا شماتتك فينا (يا أبله ظاظا)! هذا المبلغ كان أحق به أن يصرف على نشر الاسلام في الجنوب. كان أحق به أن يصرف على (اعادة تأهيل) آلاف الشباب الذين أفسدتهم الشيوعية! كان وكان.
ان الشيوعيين في أمس الحاجة الى هذا (الدعم) بعد أن صاروا (أيتاماً) بعد موت الاتحاد السوفيتى (العظيم)! لكن الحقد الشيوعى لا يمكن أن يفوت (فرصة) تاريخية كهذه جاءته لكى يوجه هذه الصفعة (المهينة) لكل تاريخ ومجاهدات الاسلاميين ضد الشيوعيين واحتقاراً لكل نقطة دم مسلم سفكها الشيوعيون من عهد ستالين مروراً بأندونيسيا وتتار القرم وانتهاء بأبا وودنوباوى وبيت الضيافة. اننى أطالب بتحقيق لمعرفة من قدم هذا العرض. انى أشك في أن يجيز المكتب القيادى أمراً كهذا. لو حدث يكون الحزب قد فقد (البوصلة) والأمر حينها يحتاج الى اعادة نظر شاملة. اما اذا صدر الأمر من واحد من المستجدين من (زعماء الغفلة) الذين يجهلون التاريخ والجغرافيا و(الحساب) فالأمر لا يقل خطورة وفى كلا الحالتين فالتحقيق واجب ونحن في الانتظار. ما (لقيتوش)غير الشيوعيين!!!


السودانى
-----------------------------------
العدد رقم: 1156 2009-01-31

بين قوسين
بين قوسين عبد الرحمن الزومة

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2009-01-31




ربما كانت هذه مداخلتى الثالثة أو الرابعة منذ أن ألقت سلطات الأمن القبض على الترابى وأودعته السجن العمومى بكوبر. وبطبيعة الحال فان الجميع نظر الى الأمر على أنه (اعتقال تحفظى) مما يضعه تلقائياً في خانة (الاعتقال السياسى) وهو أمر تحاول الحكومة دائماً أن ترفعه من (القاموس السياسى) في السودان ولقد ظلت الحكومة تقول انه لا يوجد في سجونها (سجناء سياسيون) وهو الأمر الحادث بالفعل و الى درجة كبيرة. ملخص ما قلته وهاأنذا أؤكده اليوم هو أنه ليس هناك أى فائدة يمكن أن تجنيها الدولة من هذا النوع من الاعتقال. بل على العكس فان الدولة تقدم خدمة كبيرة للترابى فهو يسعى دائماً لأن تقدم السلطات على اعتقاله على هذا الشكل وهو نفسه لم ينف نيته تلك فقد قالها صراحة قبل ذلك انه يريد أن يتم اعتقاله. وله في ذلك عدة أسباب لا تخفى على العين الحصيفة ولا حتى (غير الحصيفة)!
أهم تلك الأسباب أن الترابى وباعتباره كان ولمدة طويلة (محور) النشاط السياسى في السودان وكان (بؤرة) الأضواء وفجأة تغير الحال وتم وضعه في ما يشبه (الاستيداع القسرى) أو بمعنى آخر فان الرجل (تدحرج) من واجهة الأحداث الى الصفوف الخلفية وعليه فانه في أمس الحاجة الى أحداث تعيده الى الأضواء بين الفينة والأخرى والاعتقال السياسى يحقق له تلك الغاية. الأمر الثانى أن الترابى وباعتباره زعيماً سياسياً فانه يسعى دائماً الى تحويل اهتمام الرأى العام من القضايا الكبرى التى تسعى الدولة الى وضعها في الواجهة ومحاولة اقناع الشعب بالالتفاف حولها, وتحويل أنظار الجمهور الى شخصه. وهذا ما يحدث الآن (جزئياً على الأقل) فبعد اعتقال الترابى تحول بعض الاهتمام من قضية المحكمة الدولية الى قضية اعتقال الترابى. لقد حوله الاعتقال الى (شهيد مظلوم) وماذا يريد الترابى أكثر من ذلك؟
لقد طالبت بأنه اذا كان الترابى قد ارتكب جرماً فيجب أن يقدم للمحاكمة مثله مثل أى متهم. في تلك الحالة فعلى القانون أن (يعاقبه). أما اذا كانت تصريحاته تندرج في اطار المعارضة السياسية فيجب أن يترك أمر (عقابه) الى الرأى العام. ان تصريحات الترابى مرفوضة ومدانة شعبياً والحكومة تضيع فرصة ثمينة عندما تحرم الرأى العام من محاكمة الترابى. ولقد بدا أن السلطات العدلية قد قررت المشى في هذا الاتجاه حينما جاء في أخبار الأسبوع الماضى أن هناك اتجاهاً لتقديم الترابى الى المحاكمة.غير أن قرار نقل الترابى الى سجن بورتسودان بدد تلك الآمال وأعاد (زمام المبادرة) الى يد الترابى والذى لا بد أنه يشعر بالسعادة الغامرة. وهو سيكون أكثر سعادة اذا ما تم نقله من بورتسودان الى نيالا (ويا حبذا) من بعد نيالا الى (شالا) أو سجن (سواكن) اذا كان هنالك سجن في سواكن أو سجن (دبك)! اننى ما زلت أنادى بأن يتم تقديم الترابى الى المحاكمة ان كان هنالك أساس لتهم جدية والا فعلى السلطات الأمنية اطلاق سراحه وقطع تذكرة وحيدة له بورتسودان الخرطوم ولننته من هذه الملهاة (غير المسلية) المسماة اعتقال الترابى!



السودانى

------------------------------------------------

فى مرات سابقة انزلت انتقادات الطيب مصطفى للاستاذ على عثمان محمد طه وكان دائما ما يغمز وبلمز فيه بانه انما يريد ادخال القوات الدولية فى دارفور ويتهمه بالعمل سرا على تحقيق ما قاله فى بروكسل ووصل به الانتقاد لعلى عثمان بان اطلف عليه ومؤيديه من امثال وكيل الخارجية مطرف صديق بالمنبطحين ..
الان يعتذر الطيب مصطفى للاستاذ على عثمان ويقدر حكمته ويستخرج له شهادة حسن سير وسلوك جديدة ..لعل فى الامر شىء لا نعرفه ..ولكن لنا ان نتساءل هل حانت ساعة الحقيقة او ازف اوانها قبل قرار المحكمة بايام ؟ وهل اقر اهل الحكم باهلية على عثمان بادارة الازمة للمرحلة القادمة@؟؟
تساؤلات كثيرة تدور بذهنى وذهن من يقرا هذا المقال


اقرا

زفرات حرى

علي عثمان محمد طه

الطيب مصطفى

ورد في الأخبار أن الأستاذ علي عثمان محمد طه قد قال لدى مخاطبته مؤتمر منظمات المجتمع المدني الإفريقية (إن الغرب يريد حكومات ضعيفة ورؤساء يرتجفون له يلوح لهم بالمحاسبة الدولية في ساحات يسمونها زوراً وبهتاناً بالمحكمة الجنائية الدولية) واعتبر علي عثمان أن استهداف الرئيس البشير استهداف لإفريقيا ورموزها وإذهاب لهيبتهم.

ما كان الناس والشارع في حاجة إلى أكثر مما صرح به علي عثمان لإخماد الاشاعات الكثيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس حول خلافات بين الرئيس ونائبه ومؤامرة يكيد فيها أحدهم للآخر..راجت تلك الاشاعة في الشارع وتطاول أمدها وتطاير شررها حتى ظنها الناس بل ايقنوا أنها حقيقة راسخة سلموا بصحتها وسارت بها الركبان وامتلأت المجالس ولم يطفيء لهيبها تطمينات كبار المسئولين في الحزب الحاكم والحكومة.

اعترف بأني كنت من الذين انطلت عليهم الاشاعة التي أكاد الآن أجزم بأنها ولدت في منبت التآمر والكيد السياسي الذي تولى نفخها فسرت بين الناس كنار مضطرمة في هشيم سريع الاشتعال وتداولتها مجالس الأفراح والأتراح والمنتديات السياسية التي يتفرد بها السودانيون الذين غدوا مولعين "بالشمارات" السياسي.

صحيح أن الشيطان ينزغ بين الناس وما من حديث إفك إلا وألتقطه وصب عليه من نار السموم ما يحيله إلى فتنة عمياء تمشي بين الناس لكن ألم يكن هناك دخان كثيف يوحي بأن ثمة نار مشتعلة تحت الرماد ومن تراه المسؤول عن عدم تبديد ذلك الدخان الذي ملأ الآفاق والذي تخصصت بعض القوى السياسية المتربصة -خاصة من خصوم اليوم أحبة الأمس-في نشره بين الناس؟!

قبل أن أجيب على هذا السؤال دعونا نقرأ شخصية الأستاذ علي عثمان التي تغري بانتشار هذه الاشاعات وتفريخها وتربيها.

هنا مربط الفرس الذي دعاني إلى كتابة هذا المقال فالأستاذ علي عثمان ظل مقوداً لطبعه الهادي الرزين لا تخرجه عن وقاره رياح السياسة وأعاصيرها وتحدياتها وظل الرجل ممسكاً بخطام انفعالاته على الدوام حتى عندما اقتضى الأمر (افتعال) شيء من التعبير عن الغضب الذي تجتاح إليه السياسة أحياناً للتنفيس عن مشاعر الجماهير التي كثيراً ما تحتشد مؤملة في سماع ما يشفي غليلها ويروي ظمأ مشاعرها وانفعالاتها الملتهبة وما أدل على ذلك من الأثر الايجابي الذي أحدثته غضبة اردوغان التلقائية التي رفعت من شعبيته داخل تركيا ونصبيته معبراً عن أشواق الجماهير المسلمة في شتى أنحاء العالم.

قد لا يختلف اثنان في أن علي عثمان يتمتع بقدرات قيادية هائلة هي التي جعلته يلفت نظر المحيطين به ويتميز على غيره من الأقران ويحظى بالاحترام والتقدير ويتقدم الصفوف ويصعد نحو هرم القيادة منذ أكثر أن كان تلميذاً يافعاً حيث رأس اتحاد مدرسة الخرطوم الثانوية ثم اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وظل الرجل هكذا طوال مسيرته السياسية بل والاجتماعية شخصية محورية نالت على الدوام اهتمام من يتعاملون معها وقد تجلت تلك الصفات القيادية في طفراته الكبرى خاصة عندما قفز الرجل إلى مركز الرجل الثاني في الحركة الإسلامية متقدماً على الشيوخ وكذلك عندما تزعم المعارضة في الجمعية التأسيسة عقب انتخابات عام 1985م وكان حينها في الثلاثنيات من عمرهولم ينل الرجل كل تلك المواقع استناداً إلى إرث طائفي دفع به إلى الامام فوق رقاب من يكبرونه سناً وخبرة وإنما حدث ذلك جزاء كسب ذاتي ومؤهلات شخصية لم يسهم فيها وضعه الاجتماعي والأسري بذرة من السند والمعاضدة فقد كان ابوه عاملاً بسيطاً وكانت أسررته بل عائلته الكبرى كذلك من غمار الناس لا نافذيهم أو وجهائهم.

أقول مجدداً أن من صفات علي عثمان التي عُرف بها أدبه الجم وقدرته الفائقة على التحكم في مشاعره وانفعالاته وهو بلا ريب أستاذ الحكمة التي تقول "أنت ملك الكلمة التي لم تقل فإذا قلتها ملكتك" فالرجل يتحلى بإحدى أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها السياسي وهي إلا يسبق لسانه عقله وهذه الصفة يتفرد بها الرجل ولا يجاري.

الكمال لله وحده ورحم الله امراّ عرف قدر نفسه وكما يقول الامام علي كرم الله وجهه "أن قيمة كل امرئ ما يحسنه" فعمر بن الخطاب ليس ابابكر الصديق وخالد بن الوليد ليس عثمان بن عفان وهكذا رجالها وكذلك للسياسة وكذلك لفنون التفاوض ودهاليزه.

رغم ذلك يظل الأستاذ علي عثمان محل احترام الجميع.

بقيت كلمة أخيرة أقولها في حق الرجل الذي ظل "الشعبيون" يتهمونه ويكيدون له ربما نقمة عليه واحتجاجاً على اختياره-عندما حدثت المفاصلة -الطرف الآخر الموازي لشيخه "القديم" الذي قربه وأدناه لكني أشهد بان علي عثمان كان بعيداً عن كثير مما رموه به فالرجل لم يكن جزءاً من مذكرة العشرة ولم يكن له علاقة بقرار الرابع من رمضان وذلك مما يدعو إلى الثقة به وأنه أبعد ما يكون عن التآمر على الرئيس البشير رغم أنف الشائين بالنميم
-------------------------------------

قائع وتوقعات

د. ربيع عبد العاطي عبيد

علي عثمان محمد طه »2«

{ إطلعت على المقال الذي خطه الاستاذ الطيب مصطفى وتأملت في كلماته البليغة حول سيرة الرجل الفذ الاستاذ علي عثمان محمد طه، حيث أماط الاخ الطيب اللثام عن القيل والقال والاكاذيب التي سعى بها البعض بهدف دق أسفين بين السيد رئيس الجمهورية ونائبه، ولقد غنتنا الكلماتي الطيبات التي تفضل بها عن تسجيل المزيد، وهي تكفي ليرعوي الذين بدأوا واستمروا يمشون بالنميمة والوقيعة وحسبنا أن الاستاذ الطيب قد وقف بنفسه على الفرية وكشف ما يحيط بها من زيغ وزور وبهتان.

{ فالاستاذ علي عثمان محمد طه.. لم يكن جزءاً من مؤامرة في يوم من الايام.. فهو من أسرة عريقة.. يبلغ تعداد الذين ينتسبون اليها فقط في العاصمة الخرطوم ما يتجاوز الألف شخص.. ومع انه ليس من الذين يتكئون على الحسب والنسب وتاريخ الاجداد، فإني هنا اتشرف جداً بأن احيط الاخ الطيب وغيره من المخلصين بمعلومات قد لا يعرفونها عن تاريخ اسرة الاستاذ علي عثمان.. وهنا فإني اقصد الاسرة الكبيرة التي يهمني أن أعلي من مكانتها واكشف تاريخها الذي اعتز به أيما اعتزاز..

{فالاستاذ علي عثمان محمد طه ازيرق- انحدر من اسرة قرآنية خالصة.. وله من الجدود الذي حفظوا القرآن عن ظهر قلب ما يتجاوز العشرة.

{ ولم يكن ذلك الامر في الستينيات أو الخمسينيان من القرن الماضي ولكن اولئك الافذاذ تحصلوا على تلك المكانة والدرجة العلمية الرفيعة قبل السنوات الاربعين بما يفوق درجة الاستاذية »البروفسور« التي يعتز بها جيلنا الحاضر ويتشرف أكثرنا بالحصول عليها، فهي درجة تتفوق على كل مكانة اجتماعية، أو وضع قبلي أو مشيخة تعتصم بالسلطة والسلطان.

{وإني في هذا المقام، أوافق الاستاذ الطيب مصطفى حول المؤهلات التي تفرد بها الاستاذ علي.. وكانت هي التي قادته نحو كسب الولاء والظفر بالاختيار من قبل اخوانه بالحركة الاسلامية، ليتقدمهم ويتحمل مسئوليات القيادة والريادة ومواجهة التحديات.

{ ولا أجد نفسي أفصل بين الحكمة التي امتاز بها الاستاذ علي عثمان، والتنشئة التي نشأها فهو من ذؤابة قوم، يعرفهم العدو والصديق وهنا أحيل من يغالط في هذه الحقيقة الى عالم التاريخ الشيوعي السابق.. الاستاذ عبد الله علي ابراهيم، الذي تمكن من استقصاء تاريخ هذه الاسرة في اربعينيات القرن الماضي في مقالات متتابعة وضع لها عنواناً تحت مسمى »حكومة احمد ولد ازيرق« واحمد هذا هو أحد الجدود للاستاذ علي عثمان محمد طه، كانت حكومته تقوم على العدل والقسط، كما أن الشيخ احمد.. عرف بأنه لا يعطي العطايا لكسب ود الرعية، لكنه يدفع المال لرفع البلية كما ينهى بطانته عمن يوسوسون في الخلوات ويوغرون الصدور بين العشائر ووسط الجلسات.

{ وتلك الشيم الخلاقة، ورثها شيخنا علي عثمان من آبائه كابراً عن كابر.. وما كنت أشك يوماً في أن المتآمرين والمشائين بالنميمة سينكشف للعامة والخاصة ما يعتمل في نفوسهم من شر وكيد رخيص، ونحمد الله أننا قد وقفنا على حقيقة الإفك الصراح، والكذب المبين، ولقد تبين كيف أن السيد الرئيس ونائبه لا يرمون إلا من قوس واحدة، ويدافع احدهم عن الآخر، كما لو أنهما رجل واحد، يحمل ذات المشاعر، ويكتوي بنفس الآلام.

{والاستاذ علي عثمان محمد طه هو الرجل الحفيد لجده ازيرق الذي كان على رأس أكبر مشيخة في ديار الشايقية. لا ينفصل اعتزازه بقيادة السيد الرئيس للمسيرة عن اعتزازه بإجداده الذين حفظوا القرآن.. وهم الذين يقفون سداً منيعاً وعاصماً للاستاذ علي ليكون متمترساً في موقع الوفاء والإخلاص.

{ وأذكر الاستاذ علي والاخ الطيب مصطفى بالميثاق العظيم للأجداد الذين ذكرتهم.. منهم محمد طه ازيرق، عبيد حمد خير ازيرق، المهدي محمد ازيرق، الحسن سالم ازيرق، علي نصر ازيرق، احمد حمد ازيرق. وهؤلاء هم الذين يمثلون الذاؤبة والسمو من العائلة الكبرى مما لا يدرك شرفها وعزها الأكثرون بنص كتاب الله الذي يحفظون.

------------------------------------------
وقائع وتوقعات

د. ربيع عبدالعاطي

وصلتني هذه اللمحة التاريخية النادرة من أخي د. إبراهيم الخضر عن أسرة الأستاذ علي عثمان محمد طه.. وكم أعجبت بما حوته من معلومات ثرة ونادرة وموثقة »شاهد عيان«، مما يجعل أبناء هذه الأمة في صورة كاملة لمعرفة الشخصيات التي تتصدى لقيادتهم في هذا الزمن الخطير. فالخطورة لا يجابهها إلا أمثال هؤلاء العمالقة.

وأتفضل للقراء بإيراد ما كتبه الدكتور إبراهيم ليطّلعوا عليه تفصيلاً، فهو جزء يسير من تاريخ أسرة عريقة لها جذور ضاربة في الأعماق.

د. ربيع عبدالعاطي

الأخ الدكتور ربيع:

نشكركم على معلوماتكم القيمة الموثقة التي أوردتموها في عمودكم المقروء »وقائع وتوقعات« بجريدة »الإنتباهة« التي يقود دفة إصدارها الأخ الطيب مصطفى الذي نعرف عنه عدم التردُّد في قول الحق.

أرجو شاكراً أن تنشروا هذا الموضوع في بابكم حتى يطلع الإخوة قراء »الإنتباهة« على ما جاء فيه من معلومات عن الأخ علي عثمان.

أخوك د. إبراهيم

8/2/2009م

علي عثمان محمد طه ازيرق

أو »مالكم كيف تحكمون..«

كتب الأخ الطيب مصطفى عن أخيه علي عثمان محمد طه كلاماً خلط فيه بين ما يعرف وما لا يعرف، وقد أبان .. وهو صاحب البيان.. ما يعرفه عمّا دسه الوشاة والشانئون وأصحاب الغرض من »شمارات« وإشاعات وأقاويل كاذبة في مجالس أنسهم ومنابت تآمرهم ومنتديات حواراتهم السّرية.

قال الأخ الطيب:»أعترف بأني كنت من الذين انطلت عليهم الإشاعة التي أكاد الآن أجزم بأنها وُلدت في منبت التآمر والكيد السياسي..« وهو هنا يتحدث عن إشاعة »خلاف الرئيس مع نائبه« »وهي »الإشاعة« التي راجت في الشارع وتطاول أمدُها وتطاير شررُها حتى ظنّها الناس بل ايقنوا أنها حقيقة«.. وطالما تبين للأخ الطيب كذب وافتراء ما استيقنته نفسه في بادئ الأمر فلا نملك هنا إلا أن نُقر ونعترف بأن للأخ الطيب مصطفى شخصية متفردة واثقة تعترف بالحقيقة متى استبانت واتضحت له والرجوع إلى الحق فضيلة؛ لأن الحق قديم، والعود إليه أحمد. والاعتراف به قيمة أخلاقية لا تتوافر إلا لدى المخلصين من الرجال من أمثال الأخ الطيب وهو الذي يعمد دائماً إلى الإفصاح عن الحق ولو على نفسه، ولا غرابة في ذلك، وهو رجل من قلائل رجالات الحركة الإسلامية الذين يتهيبهم حتى صناع القرار ممن يدعون بأنهم يحيطون بالأخ الرئيس وأنهم من أهل مشورته وثقته!

هذا جانب نتفق فيه مع الأخ الطيب لأننا أصلاً لم نصدق ولم تنطلِ علينا دعاوى وأقاويل وأباطيل أصحاب الغرض والنفوس المريضة. بل ظللنا نشيد ونثق بالعلاقة الوطيدة الحميمة التي تربط بين الرئيس ونائبه. وكنا على ثقة بأن المياه ستعود إلى مجاريها. وسوف يحصد أولئك الندم والحسرة والألم.

أما الجانب الذي نختلف فيه مع الأخ الطيب فهو حديثه عن أسرة الأستاذ علي عثمان الذي ذكر فيه أنها لم تسهم بشيء في تكوين شخصيته التي يعجب بها الطيب مصطفى وغيره!

من أين أتى الأخ الأستاذ الطيب بأن الأستاذ علي عثمان من أسرة لا ذكر ولا أثر لها في محيطها الاجتماعي؟!

وإذا لم تُسهم أسرته بذرة في بناء شخصيته فمن أين جاء علي عثمان بهذه الحكمة التي تتحدثون عنها؟ وبهذه الشخصية المتفردة الحازمة الجازمة التي تتكئ عليها شدائد الوطن ومصائبه؟ ومن أين أتى بهذه الثقة بالنفس والثبات على المبدأ وتقدُّم الصفوف بقوة وجرأة؟! ومن أين أتى بهذه العزة وبهذا الشموخ وبذاك الإباء الذي لا ينكره صديق ولا عدو ولا يخفى على جلساء علي عثمان الأقربين والأبعدين؟ الأخ الطيب: أين أثر الأسرة في بناء شخصية أي عضو من أعضائها والتي تتحدث عنه »الدراسات الأكاديمية المتخصصة والتي تفرد له حيزاً واسعاً مراكز البحوث الاجتماعية ونظريات علم النفس وأصول التربية ومقاييس واختبارات الذكاء والانفعالات وحاجات هرم واطسون ونظريات علم النفس الإسلامي التي كتب عنها البروفيسور مالك بدري وجمع غفير من علماء الإسلام في شتى بقاع الأرض؟!

إن علي عثمان لم يعش مع الملائكة حتى يقال إن أسرته لم تسهم فيما يتمتع به من مزايا وصفات ومكوِّنات لشخصيته. والحقيقة هي أنه لم يتأثر ولم يأخذ مثقال ذرة من خارج أسرته ولم يتعلم ولم يتلقّ سلوكاً من غيرها، وظلّ كل من صاحبه أو زامله أو آخاه يحتار في تلك الصفات الإيجابية المميّزة التي يتمتع بها وتلك التي خرج بها للمجتمع، وكان ذلك مجتمع الأخوان الصفوي الصغير أو المجتمع بمعناه الواسع العريض.

إن علي عثمان نتاج طبيعي للتربية التي تلقاها كفاحاً من والده، وهي تربية راشدة، وتتبُّع دقيق من ذلك الوالد لأطوار نمو ابنه وهو والد لم يكن بسيطاً ولكنه اختار أن يعيش حياة البساطة من أجل أن يربي أبناءه تربية محكمة مستمَدة من تقاليد المجتمع الريفي الذي يحذر فيه الأب من ارتكاب أي خطأ أمام أبنائه.. ويحرص على أن »ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه«.

وعلي عثمان ما كان له وما كان باستطاعته أن يجلس على سرير واحد مع والده »تأدباً« أو أن يخرج من المنزل دون علمه »أبداً« أو أن يصطحب من لا يود له أبوه أن يصطحبهم »كلياً«، أو أن يصخب في المنزل ووالده في ساحة البيت »منذ أن كان صغيراً وحتى صار أميراً« وما كان له أن يمارس عملاً »بأي وجه من الوجوه« دون علم أفراد أسرته التي تعلّم منها الانضباط والصدق والدقة والأمانة »وعدم السماح للسانه أن يسبق عقله«.

تربّى تربية صفوية غلبت على طبعه إلى يوم الناس هذا..أي أنه نشأ وفي طبعه زُهد وتقشُّف وحب فطري لأهل الذكر والذاكرين قال من نثق بروايته إنه أبصر »بأم عينه« الشيخ علي عثمان يحمل نعلي الشيخ البرعي ويضعهما أمامه بعدما تهيأ الشيخ البرعي للخروج من منزل الشيخ علي عثمان في إحدى زياراته له. وقد شهد الناس جميعاً الدموع التي انحدرت كالسيل من مآقي علي عثمان في يوم وفاة الشيخ البرعي وفي لحظات التشييع التي تمت بمقره بشمال كردفان »الزريبة«، وهو لا يفرِّق في حبه بين رجال الطرق الصوفية، فعلاقته وطيدة بالسيد محمد عثمان الميرغني والختمية وبالسادة العجيمية وبالسادة الأدارسة والقادرية والشاذلية وأنصار السنة المحمدية وبجده السورابي رأس الطريقة التيجانية الشيخ أحمد المهدي صاحب الضريح المشهور ببلدة »الباسا« بمحلية مروي. وهو من أوائل الشيوخ الذين أدخلوا الطريقة التيجانية في السودان وله أتباع كثر في دارفور ونهر النيل وكردفان الكبرى والشمالية والجزيرة، وهو من أوائل الذين بايعوا الإمام المهدي وكاتبوه وأيدوه وقد استشهد في موقعة كورتي الشهيرة مع صديقه النعمان ودقمر. والثابت هو أن علي عثمان يحب هذا الشيخ وله صلة قربى ورحم به، وقد زار ضريحه مرات ومرات وكلها زيارات لايُفصح عنها ولا يصرح بها لأحد!

جده محمد طه إزيرق كان حكيماً من حكماء قبيلة السوراب الشايقية. كان من حفظة كتاب الله.. وكانت له هيبة ومكانة بين أهله ومعارفه. وكان شيخاً ورعاً من شيوخ الطريقة »العجيمية« التي نالت حظاً واسعاً من الانتشار وسط البديرية والشايقية والدناقلة وامتد أثرها حتى بربر في بلاد الجعليين ولها أتباع هناك يقودهم عبدالله الجعلي العجيمي وآخرون في أرض الجزيرة وبقية الأنحاء من بلاد السودان. وقد ارتبط والد الأستاذ علي عثمان وأعمامه جميعاً بهذه الطريقة وترعرعوا وتشبعوا بأدبها وتعاليمها المستمدة من القرآن الكريم وصحيح الحديث الشريف. وعلي عثمان كبقية إخوته وأبناء عمومته يكنون الاحترام والتقدير لهذه الطريقة وشيوخها الفضلاء. وذلك أسوة بوالده وبجده وأعمامه وأفراد أسرته الممتدة المعروفة باسرة »الازيرقاب« نسبة الى جدهم »إزيرق« والتصغير هنا ليس »للتحقير« ولكن »للملحة« كقولهم :»احيمر« و»إشيقر« .. إلخ.

وارتباط هذه الاسرة بهذه الطريقة الصوفية ارتباط قوي متين، جعل شاعرهم يربط بينهما ويردد مفتخراً بأصله وآله وذويه ويعتز بحبهم للدين وباهل التصوف. وهي ابيات من قصيدة »باللهجة المحلية« طويلة تزيد ابياتها على الالف، قيلت امام الاخ رئيس الجمهورية بقاعة الصداقة في فترة سابقة. وهي في اصلها كانت دفاعاً عن المشير عمر البشير رداً على صاحب صحيفة عربية مشهور سبّ الرئيس وتطاول عليه فكانت القصيدة وكان من بين ابياتها في موضوعنا هذا

وديل يمين تَمُرْ في السّاقي بالريقان

وديل ناس يمه قالت: يابا قوم

إنت ما تسمع الآذان؟!

وديل يمين حجار جبل »ابنعوف« اتمددن

عاليات مو قيزان

وجمب » الضيقة« سورنا كبير هناك برهان

وديل ناس سيدي »نورالدائم« الغرقان

وديل ولاد »محمد طه« ناس عثمان

وديل سمراً طوال نسلاً نضيف ينحدرو من عدنان.

وهو .. اي علي عثمان.. من سلالة طاهرة، وامه ابنة عم ابيه، تربى في حضن امه وفي كنف ابيه وقد عاشا وسط ذؤابة عالية الحسب والنسب وسط ترتيل القرآن الذي تتوسط »خلوة حفظه« ساقية جده ازيرق وهي حتى الآن باقية صامدة »خلوة الازيرقاب« رعاها شيخ الحيران العم الهدي محمد ازيرق ونسله من بعده. فهل يمكن ان يخرج من اصلاب مثل هؤلاء القوم ابن ويقال انهم لم يسهموا في بناء ما لديه من شخصية؟! »مالكم كيف تحكمون اخي الطيب«

ونواصل

اخوكم د. ابراهيم

الانتباهة
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

العدد رقم: 1170 2009-02-14

حديث المدينة
الشتم!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2009-02-14

[email protected]


في حوار تلفزيوني على شاشة قناة المستقلة بلندن.. أداره مساء أمس الأول الدكتور محمد الهاشمي.. كان ضيفا البرنامج الدكتور قطبي المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني.. وكاتب هذه السطور..!!
وبلا حاجة لإعادة سرد بعض القضايا المهمة في الحوار.. لفت نظري في آخر دقيقة ختم بها د. قطبي حديثه قوله عن كاتب هذه السطور أنه (ظل يشتم الحكومة لأكثر من عشر سنوات..).. وذلك رداً على حديثي عندما قلت أن على الحكومة إدارة خطاب سياسي متصالح مع الشعب.. وأن تتقوى به لا عليه..
والذي لفت نظري – حقيقة – استخدام كلمة (يشتم!!!) الحكومة.. ولأني أملك أرشيفاً الكترونياً لكل ما نشر في حديث المدينة خلال (13) عاماً هي عمر هذا العمود بفضل الله.. فقد خطر في بالي البحث فيه عن هذه (الشتيمة) التي قال أنها امتدت لسنوات طويلة..
واحترت فعلاً.. ماهي الجملة أو العبارة التي يجب أن أضعها في محرك البحث الإلكتروني لأجد الأعمدة التي ينطبق عليها وصف (يشتم!!!) الحكومة.. ماذا أكتب في حقل البحث ؟؟ ماهي العبارات التي تصنف على أن من فعل (يشتم!!).. هل لك أن تساعدني عزيزي القاريء على استنتاج الكلمات التي قد تقع في حيز (يشتم!!) الحكومة..مؤكد أنه لا يقصد تلك الكلمات المستخدمة في الشارع العادي تحت بند (يشتم!).. ربما كلمات أخرى أكثر تأدبا لكنها في ذمة (يشتم!) أيضاً..!!
قطبي مهدي من الجيل الرائد في الحركة الإسلامية.. وحضر العهود التي كانت فيها الحركة الاسلامية تصدر صحيفة باسم (الميثاق الإسلامي)..هل كانت تلك الصحيفة تنتقد الحكومة تحت بند (يشتم!!).. بقامة كتابها الأكابر الصادق عبد الله عبد الماجد وعبد الرحيم حمدي وغيرهما.. هل كانوا (يشتمون!!) الحكومة.. عندما ينتقدونها..
وفي الفترة الحزبية اللاحقة لعهد النميري أصدرت الحركة الإسلامية عدة صحف يومية معارضة للحكومة.. منها صحيفة (الراية) لسان حال الجبهة الإسلامية القومية ويرأس تحريرها الأستاذ – المرحوم – أحمد عثمان مكي.. هل كانت (تشتم!!) الحكومة.. عندما تنتقدها..
كتبت هنا بنفس اللغة عن أحزاب الأمة والشيوعي والإتحادي.. فهل يندرج ما كتبته عنها تحت طائلة (يشتم!!) أم أن (شتيمة!) هؤلاء في ميزان الحسنات التي تجعلها تستحق وصف (ينتقد).. فذات العبارات اذا استخدمت في شأن الحكومة تصبح (يشتم!!).. وفي حق الأحزاب الأخرى تصبح (ينتقد!)..
لو خامرني إحساس بأن الدكتور قطبي المهدي يتحدث أصالة عن نفسه ونيابة عن أفكاره الخاصة لقلت ربما هي تقدير ذاتي.. لكنه رمز مهم جدا في أجهزة الحزب والحكم.. وتولى مناصب حساسة.. ولا يمكن إفتراض أنه يحلق بتقديراته تلك بعيدا عن السرب.. فهل عرفتم الآن لماذا يجب الدعاء دائماً.. اللهم لا نسألك رد القضاء.. ولكن نسألك اللطف فيه..!!
ولا حول ولا قوة الا بالله..!!
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

عزاء لأوكامبو والترابي!!
كتب الطيب مصطفى
Wednesday, 01 April 2009




زفرات حرى

الطيب مصطفى

لا عزاء لأوكامبو والترابي!!


مدعي محكمة الجنايات الدولية (أوكامبو) الذي نسي متطلبات مهنته العدلية وصار ناشطاً سياسياً ونجماً تلفزيونياً لا هم له غير الحديث عن الرئيس البشير في سابقة جديدة للعمل القانوني الذي يفترض أن يتسم بالوقار والبُعد عن التصريحات المتحاملة، وأن يركز على الترافع أمام القضاء فقط بعيداً عن الاتهامات المتشفية... أوكامبو هذا قال عقب إصدار المحكمة الجنائية قرارها بتوقيف البشير إن الرئيس السوداني سيُعتقل فور خروجه من السودان. عندما خرج البشير إلى إريتريا ومصر وليبيا قال أوكامبو إن البشير خرج إلى دول مجاورة ولم يخرج بعيداً عن دول الجوار وإنه بمجرد أن يخرج بعيداً سيُعتقل وها هو البشير يغادر إلى الدوحة عبر بحار وبلاد ووهاد وسيعود ظافراً بفضل الله وتوفيقه وحمايته.

لا أدري حال أوكامبو الآن وما إذا كان سيهدد ويتوعد مجدداً رغم أن أحد الخبثاء أهداه فكرة رائعة وهى أن يقول في المرة القادمة إن (البشير سيُعتقل إذا جاءنا في لاهاي)!!

لا عزاء لأوكامبو فقد تلقى من الصفعات ما يكفي لإجباره على الانزواء والصمت والتخلي عن أساليبه الصبيانية التي عُرف بها خلال حياته المليئة بالفضائح والكف عن تصريحاته التي أكسبت الرئيس البشير تعاطفاً جماهيرياً كبيراً داخل السودان وخارجه.

أما الترابي الذي شارك أوكامبو في مطالبته البشير بأن يسلِّم نفسه فقد بلغ حقده درجة أن يقول إن الذين خرجوا تأييداً للبشير لم يفعلوا ذلك إلا مكرهين!! يقول الترابي ذلك رغم علمه أنه حتى أهل بيته لن يصدقوه.. يقول ذلك رغم علمه أن ذلك يقدح في مصداقيته كثيراً ويزيد من عدد الذين يغادرون حزبه أو الذين يبغضونه.

وا أسفاه على الترابي فقد والله حق عليه الحديث الشريف: (وإذا خاصم فجر) بعد أن تجرد من القيم التي لطالما دعا إليها قبل أن يأكل الغل قلبه ويملأ عليه جوانحه... قيم كظم الغيظ والعفو عن الناس، فقد استسلم الرجل لحقده الدفين الذي لا أجد له شبيهاً إلا حقد هند بنت عتبة آكلة الأكباد وهى تمضغ وتلوك كبد حمزة بن عبد المطلب.

لقد سيطر الحقد والتشفي على الرجل المتهكم قديماً من القوانين الوضعية بما فيها الإنجليزية والفرنسية وجعله أكبر المدافعين عنها اليوم من خلال تبنيه قوانين أوكامبو ومحكمة الجنايات الدولية التي هى بالقطع محكمة كافرة فاجرة تقوم على قوانين طاغوتية جاهلية ظالمة.

وا أسفاه على الترابي الرجل الذي قدم أعظم مرافعة قانونية هي التي قادت إلى حل الحزب الشيوعي قديماً والذي نراه اليوم بين باقان أموم ومحمد إبراهيم نقد!!!.. أين؟ في صحيفة أجراس الحرية للتعبير عن تحالفه مع الحركة الشعبية بل ويعلن لصحيفة الخرطوم مونتر الجنوبية أنه سيصوت لمرشح الحركة الشعبية في انتخابات رئاسة الجمهورية وعندما سئل عن دور الدين في ذلك قال: (إن هذا لا علاقة له بالدين)!!

This has nothing to do with religion وكرر العبارة مرتين!!

تلميذ الترابي المقرب المحبوب عبد السلام كتب لصحيفة أجراس الحرية مقالاً بعنوان (سأصوت لسلفاكير) وبعدها بأيام غادر الرجل في صحبة الترابي إلى جنيف... المحبوب وشيخه سيصوتان لسلفاكير رغم المحنة والمأساة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في جنوب السودان تحت حكم الحركة الشعبية التي تشن حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين!!

لا يهمني المحبوب كثيراً ذلك أنه لم يُعرف عنه في يوم من الأيام التزام عقدي صارم بالإسلام كفكر ونظام حياة وإنما هو مجرد التزام سياسي هش قائم في الغالب على تأثر بشخصية الترابي الكاريزمية (قديماً) أكثر منه التزاماً فكرياً وعقدياً.

خلال حفل تكريم الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد استشهد الشيخ عبد الجليل الكاروري في استعراضه الرائع لمسيرة الشيخ صادق بالآية التي وردت فيها عبارة (وما بدلوا تبديلا) وكرر الكاروري تلك العبارة القرآنية ثلاث مرات ولم يدر في خلدي لحظتها وأنا أتأمل كلمة (بدلوا) إلا الترابي وكنت على يقين حينها أن القاعة المكتظة بالجمهور في مسجد الشهيد لم تفكر إلا بما فكرت فيه حول الترابي!!

حدثني من لا أشك في صدقه أنه رأى الترابي في المنام وهو يخمش وجهه وجلده والدماء تسيل منه... فقلت وهل يفعل الرجل بنفسه وتاريخه اليوم غير ذلك؟!

وا أسفاه على رجل أوشك أتباعه ذات يوم أن يقدسوه من فرط حبهم له وإعجابهم بفقهه ووضوح رؤيته وثباته على المبادئ ولكنهم اليوم صاروا حرباً عليه... كثيرون ممن بقوا على ولائهم للرجل رغم أفعاله وأفكاره الجديدة باتوا يضيقون به ذرعاً ويتململون ويخرجون على كثير من آرائه رغم أن حياءهم وعشرتهم وعاطفتهم تحول دون خروجهم عليه بصورة نهائية... لا أزال أذكر كيف قال لي الشيخ يس عمر الإمام عقب صدور مذكرة أوكامبو إنه في خندق واحد مع البشير رغم أن الترابي حينها كان قد أدلى بتصريحات شامتة وحاقدة..

كنت استبعد ما قيل عن أثر الضربة التي تلقاها الرجل في رأسه خلال زيارته لكندا في بداية التسعينات لكني أميل اليوم إلى تصديق ذلك الرأي خاصة بعد أن رأيت تغييراً كبيراً في شخصية الرجل الذي كان لا يتكلم كثيراً وكان كلامه غالياً ومرصعاً بذهب المعاني والحكمة كما كان الرجل ينكر على الناس التحدث بالانجليزية حيث كان يرى ذلك استلاباً ثقافياً ولكن!!

إنه الهوى الذي مال بالرجل وجعله يبني على حديث آحاد واحد ورد حول إمامة المرأة لكنه يرفض عشرات الأحاديث الصحيحة التي وردت حول نزول عيسى... وقبل ذلك هو الحقد الذي ساقه إلى هذه النهاية الأليمة في تجاهل كامل لفقه الولاء والبراء واختلاط مدهش للحابل بالنابل ورغم أن الإصابة التي لحقت به قد تشفع له نوعاً ما إلا أن أمراض النفوس من هوى وحقد لا علاقة لها بالإصابة التي لحقت بالرجل والتي قيل إن تأثيرها يتزايد مع تزايد الوقت!!

الانتباهة
---------------------------------
لا تقبًل بين أيدينا حذاء القتلة
11/03/2009



الهندى عز الدين

* وخرج الشيخ «الترابي» من سجن بورتسودان تماماً كما دخله، لم يبدل أو يعدّل مواقفه، ليس لأنها محترمة ومبدئية، وتستحق الموت دونها، ولكن لأن الغضب ما زال يمتلك جوانح زعيم الحركة الإسلامية القديم حتى أنه لا يجد متنفساً غير الإستمرار في التفشي من سلطة تلاميذه الذين انقلبوا عليه، أو إنقلب عليهم في نهايات العام 1999م..!

* «الترابي» يسبح هذه المرة عكس «تسونامي» كاسح، ابتلع في طريقه كل الجزر (المعزولة)، وزلزل أركان السواحل.

* «الترابي» يسبح غاضباً ضد التيار، لكن غضبة الشعب الحليم حطّمت متاريس الطوائف، والقبائل، والجهات، توحّدت كل المصائر، هتفت كل القلوب، عرقت كل الجباه، (جبهةً) واحدةً في سبيل الكبرياء..

* هل سقطت - يا شيخنا - آخر جدران ا لحياء؟ لم يعد يرعبنا شيء؟ ولا يخجلنا شيء؟ هل يبست عروق الكبرياء؟.. أو كما قال «نزار»..

* أي عدالة تلك التي جئت - بالفم المليان - تدعونا للتقاضي عندها، عدالة.. المجرمين.. والسفهاء.. الكفار.. النجوس.. والملاحدة؟! هل إنتهت كل مجاهداتك.. واجتهاداتك عبر عشرات السنين هذه النهاية المهزلة..؟!

* هل هذا الذي يتحدث لإذاعة «البي.بي.سي» التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، هو شيخ الحركة الإسلامية.. القائد المجدد.. والإمام المجاهد.. مرشد الإسلاميين في أقاصي المعمورة.. ورمزهم للكفاح ضد الإستعمار.. ضد الإمبريالية والصهيونية؟ هل أنت ذلك الشيخ الذي كان يقف مودعاً كتائب المجاهدين والدبابين ملوّحاً بيده اليمنى.. والنفوس يومها تهدر :(الطاغية الأمريكان.. ليكم تدربنا.. بقول الله.. وقول الرسول.. ليكم تسلحنا)..؟!

* هل إكتشفت الآن - يا شيخنا - بعد عشرين عاماً أن الأمريكان ليسوا طغاة.. وأن الإنجليز ملائكة.. وأن الفرنسيين نبلاء.. وأن محكمتهم (الجنائية الدولية) هي آلية العدالة والمساواة؟!

* لقد ظل الدكتور «حسن الترابي» يجاهد لنحو خمسين عاماً من الزمان من أجل تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في السودان، فكان أسعد الناس بقرارات الرئيس جعفر نميري في سبتمبر 1983 بتطبيق الشريعة، وارتبط برنامج حزبه الإنتخابي (الجبهة الإسلامية القومية) في العام 1986 بالشريعة.. لا بشيء سواها.. حتى إذا ما جاءت (الإنقاذ) ظل الشيخ «الترابي» يحدث العالمين عشر سنوات طويلة عن غاية «الثورة» النبيلة.. ألا وهي تطبيق الشريعة التي سقطت دونها المهج والأرواح.. فكيف يخرج علينا اليوم ليحدثنا عن (شرعية) التحاكم بغير الشريعة في محاكم اليهود والنصارى هناك.. في «لاهاي» العاهرة والمخمورة؟

* هل نسي زعيم (حزب الشريعة) قول الله تعالى :(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) - النساء. هل يريد زعيم حزب الشريعة لرئيس دولة مسلمة أن يتنازل عن السلطة، ثم يستقل أول طائرة مسافرة إلى «لاهاي» ليتحاكم إلى الطاغوت؟! عند ثلاث نساء نجسات كافرات؟!

* هل هذه زبدة خمسة وأربعين عاماً من التجديد والإجتهاد؟! نعم.. سقطت آخر جدران الحياء.. لم يعد يرعبنا شيء... ولا يخجلنا شيء.. فقد يبست فينا عروق الكبرياء..

* ودخلنا في زمان الهرولة..

ووقفنا بالطوابير كأغنام أمام المقصلة.. وركضنا.. ولهثنا..

وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة..!!

* أصفح يا شيخنا.. إصفح وكُف عن هذا النواح.. كُف عن فتق الجراح.. نحن ما زلنا نحبك.. لا تقبّل بين أيدينا حذاء القتلة

اخر لحظة

-------------------------
الترابي أمام غرايشن: الأفارقة تركوا مأساة دارفور الإنسانية وتفرغوا لحماية البشير

Apr 4, 2009 - 12:57:56 PM




الترابي أمام غرايشن: الأفارقة تركوا مأساة دارفور الإنسانية وتفرغوا لحماية البشير

منظمة المؤتمر الإسلامي تعد برنامجا لإغاثة وتنمية إقليم دارفور .. ومصدر مصري: لا مبادرة جديدة بشأن السودان


الخرطوم: إسماعيل آدم لندن: مصطفى سري القاهرة: عبد الستار حتيتة وزين العابدين أحمد


أجرى المبعوث الأميركي الخاص الجديد للسودان، سكوت غرايشن، أمس لقاء مطولا مع الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض، في يومه الثاني لأول زيارة يقوم بها للسودان منذ تعيينه في المنصب في مارس (آذار) الماضي.

وقالت مصادر مطلعة في حزب المؤتمر الشعبي لـ«الشرق الأوسط» إن الترابي وغرايشن بحثا مسالة طرد السودان لثلاث عشرة منظمة إغاثة أجنبية، وتنفيذ اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، وتطرق إلى الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية، على خلفية قرارها بتوقيف الرئيس عمر البشير.

وحذر الترابي عقب اللقاء الذي جرى في داره بضاحية «المنشية» في الخرطوم، من أن قرار طرد المنظمات من السودان سيعمق من معاناة الدارفوريين، حسب ما نقلت عنه وكالة «أسوشييتد برس». وقال الترابي، حسب الوكالة، إن الدول الإفريقية تخلت عن المأساة الإنسانية في دارفور، وبات لا شاغل لها غير حماية الرئيس من مذكرة الاعتقال الدولية. وقال: «فجأة بعد أن أرسلت إلينا المحكمة الجنائية الدولية رسالة مصوبة على الرئيس.. تنبهنا نحن في السلطة أن عناصر هذه المنظمات التي كانت تعمل في السودان منذ 30 سنة.. هم من الجواسيس».

وأضاف الترابي: «نحن اتصلنا بالمنظمات السودانية وقالوا إنهم لا يقدرون أن يسدوا الثغرة التي تركتها تلك المنظمات.. لا المال فقط الذي لا يتوافر.. ولكن حتى المدد من آلاف العاملين السودانيين الذين كانوا مع هذه المنظمات، فضلا عن عملية انتظام حركة الماء والدواء». وطبقا للترابي فإن «قرار طرد المنظمات يقلق الإدارة الأميركية لأن المنظمات في بلادها أشهر من السفراء.. ولها القدرة على جمع المال من بلدانها.. ولها شهرة شعبية طردها سيحدث غضبا شعبيا هناك».

وسيتوجه المبعوث اليوم إلى دارفور للقاء بالمسؤولين هناك، وتتواصل جولته لتشمل كل من منطقة أبيي الغنية بالنفط، المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، ثم عاصمة جنوب السودان مدينة جوبا، قبل أن يعود إلى الخرطوم لاستكمال لقاءاته مع المسؤولين في الحكومة.

إلى ذلك عرضت منظمة المؤتمر الإسلامي أمس بطرابلس مشروع برنامج لإغاثة وتنمية إقليم دارفور السوداني، يضم الحكومات والمنظمات غير الحكومية في الدول الأعضاء. وينص المشروع بحسب وثيقة قدمت إلى «مؤتمر المنظمات الإنسانية غير الحكومية في البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي»، على تقديم «خدمات مساعدة طارئة ومتواصلة»، والمساعدة على عودة اللاجئين، وفي إعادة إعمار دارفور، الإقليم الواقع غرب السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ 6 سنوات.

وأوضح الأمين العام المساعد للمنظمة عطاء الله المنان، أن منظمة المؤتمر الإسلامي لا تسعى إلى الحلول محل المنظمات غير الحكومية الدولية التي تم طردها من السودان. وأكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن «هدفنا هو تنسيق عمل المنظمات غير الحكومية للبلدان الإسلامية الناشطة في دارفور، بالتعاون مع الأمم المتحدة. فهذه المنظمات غير الحكومية لا تملك الكثير من الإمكانيات، ولا يمكنها البقاء طويلا في الميدان». وقال إن اجتماعا آخر سيعقد في غضون شهر لتقديم البرنامج الذي يشمل «حملات إعلامية ومساعدات من كافة البلدان الأعضاء» بشكل رسمي، وأعلن أمام المؤتمر الذي ضم 30 منظمة غير حكومية من 12 بلدا عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي، بينها السودان، أن «المشروع سيدخل حيز التنفيذ في غضون شهرين على أقصى تقدير».

من جهة أخرى تحفظت الأحزاب السودانية على قرار مفوضية الانتخابات الذي حدد فبراير (شباط) المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية والتشريعية، فيما رحب حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير بقرار المفوضية، مؤكدا أن المفوضية لم تتشاور معه حول الفترة الزمنية التي تم اختيارها لإجراء الانتخابات.

ووجّه زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي انتقادات لاذعة إلى مفوضية الانتخابات ووصف كوادرها بعدم الخبرة، راهنا إجراء الانتخابات بحل أزمة إقليم دارفور. وقال في تصريحات صحافية أمس إن مسؤولي المفوضية ليس لديهم خبرة بالعملية الانتخابية، وأضاف: «الجدول الزمني لم يأخذ في الاعتبار ظروف فصل الأمطار، خصوصا أن عملية تسجيل الناخبين ستجري خلاله، مما يؤدي إلى صعوبة المواصلات وانشغال المواطنين بالعمليات الزراعية»، متهما الحكومة بأنها وراء تحديد فترة تاريخ التسجيل وإطالة فترة الترشيح لأجندة تخصها، معلنا بأن حزبه سيجري اتصالات مع مفوضية الانتخابات لمناقشتها حول الجداول الزمنية التي تم إعلانها، والدوائر الجغرافية والتمثيل النسبي، وتابع: «نستغرب من إعلان الجدول الزمني قبل إعلان الإحصاء السكاني الذي تأخر كثيرا». وفيما لم يحدد الحزب الشيوعي موقفه بعدُ أبدى القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، الدكتور علي أحمد السيد، استغرابه من توقيت إجراء الانتخابات، وقال إن «المفوضية ليست الجهة المختصة بإعلان الانتخابات وإنما شريكي الحكم في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وفق الدستور»، وقال إن مفوضية الانتخابات استبقت إعلان نتائج التعداد السكاني. وشدد على أن حزبه يرفض إجراء أي انتخابات جزئية في أي منطقة من البلاد، داعيا الحكومة إلى اتخاذ قرارات سياسية لجهة تحقيق التحول الديمقراطي وحل أزمة دارفور.

إلى ذلك قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إن الحديث الذي أشار إليه قياديون من متمردي دارفور عن مبادرة مصرية جديدة بشأن السودان «سابق لأوانه»، في وقت يستعد فيه مجلس السلم والأمن الإفريقي لعقد اجتماع حول دارفور يوم الإثنين المقبل في أديس أبابا.

وأوضح المصدر المصري أن ما أعلنته بعض الأطراف الدارفورية لدى زيارتها القاهرة خلال اليومين الماضيين «لا يخرج عن السياق العام الذي تعمل على أساسه مصر، وهو البحث مع الإخوة السودانيين عن سبل للتوصل إلى الاستقرار في السودان والحفاظ على وحدته»، وذلك ردا على ما أعلنه رئيس الجبهة المتحدة للمقاومة بدارفور، بحر الدين إدريس أبو قردة، عن مبادرة مصرية لحل الأزمة السودانية.

------------------------------------

بين الرجال وأشباه الرجال‮!!‬
كتب manager
Sunday, 05 April 2009



بين الرجال وأشباه الرجال‮!!‬



الطيب مصطفى

كان لقِمة الدوحة فوائد جمة فقد أحدثت المفاصلة بين معسكر الرجال ومعسكر أشباه الرجال ومايزت بين الصفوف وعزلت قوى‭ ‬التبعية والاستسلام وسلطت عليهم الأضواء‭ ‬الكاشفة وعرَّتهم حتى‭ ‬من ورقة التوت‮.‬

لن‮ ‬ينسى‭ ‬الشعب السوداني‮ ‬مواقف الرجال كما لن‮ ‬ينسى‭ ‬انكسارات أشباه الرجال فنحن أصحاب ذاكرة قوية ولذلك سنبقى‭ ‬نتذكر وسنحرص‮ ‬على‭ ‬أن‮ ‬يتذكر أبناؤنا أيضاً‭ ‬ما فعلوه بنا حين ظل مبعوثوهم‮ ‬يرددون المرة تلو المرة أنهم‮ ‬يسعون‮ »‬لتأجيل‮«‬‭ ‬مذكرة مدعي‮ ‬المحكمة الجنائية ثم بعد صدور قرار المحكمة قالوا إنهم سيعملون على‭ ‬أن‮ »‬يعلقوا‮«‬‭ ‬قرار المحكمة لمدة عام لا أن‮ ‬يلغوه‮!!‬

سنتذكر ذلك ونذكره لأجيالنا القادمة ونضيف إليه أنهم حاولوا اثناءنا بالترغيب والترهيب من حضور قمة الدوحة لنصرة‮ ‬غزة التي‮ ‬لم‮ ‬يكتفوا بعدم حضورها وإنما مارسوا أبشع صنوف التخذيل للحيلولة دون انعقادها بل انهم فعلوا بغزة وأهلها الأفاعيل حين شاركوا الصهاينة في‮ ‬التضييق عليهم وتجويعهم في‮ ‬حين كان بإمكانهم إطعامهم وخذلوهم في‮ ‬حين كان بإمكانهم أن‮ ‬ينصروهم وحرضوا عليهم وقال قائلهم‮: »‬‭ ‬يجب ألا تنتصر حركة حماس في‮ ‬معركة‮ ‬غزة‮« ‬بما‮ ‬يعني‮ ‬أنه‮ ‬يجب أن‮ ‬ينتصر الصهاينة‮... ‬فوا فجيعتاه‮!‬




لن ننسى‭ ‬أنهم حاولوا أن‮ ‬يبيعونا حتى‭ ‬بدون أن‮ ‬يستشيرونا في‮ ‬من‮ ‬يعرضونا عليه لاسترقاقنا واتصلوا بالمشترين لإقامة سوق النخاسة في‮ ‬مؤتمر دولي‮ ‬يكون المشاركون فيه أكابر أعدائنا كل ذلك بدون أن‮ ‬يأخذوا رأينا‮!!‬

أما الأمين العام عمرو موسى‭ ‬فإن معركتنا معه‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تسبق معركتنا مع الجنائية ومن‮ ‬يقفون خلفها ولا أستطيع أن أحصي‮ ‬في‮ ‬هذه العجالة ما ظل الرجل‮ ‬يفعله من كيد لنا ذكرنا طرفاً‭ ‬منه ولم نذكر الكثير ولطالما ذكّرْنا بلحن القول الذي‮ ‬كثيراً‭ ‬ما‮ ‬يطفر من لسانه خلال اجتماعاته مع المبعوث المشترك جبريل باسولي‮ ‬ومع بان كي‮ ‬مون أمين عام الأمم المتحدة ومع الاتحاد الافريقي‮ ‬وما خفي‮ ‬مما ظل الرجل‮ ‬يقول ويهرف به في‮ ‬الغرف المغلقة مع محركيه وأولياء‭ ‬نعمته أعظم وأجل وينبغي‮ ‬أن نسعى‭ ‬لاقتلاعه اليوم قبل الغد من موقعه هذا الذي‮ ‬حطّم به الجامعة العربية ورهنها لأعداء‭ ‬الأمة‮.‬

إن أكثر ما‮ ‬يؤلمني‮ ‬غفلة هؤلاء‭ ‬الأقزام الذين‮ ‬ينسون أن التاريخ الذي‮ ‬خلد صلاح الدين الأيوبي‮ ‬وق(.........) وهما‮ ‬يدكان حصون الصليبيين والتتار هو الذي‮ ‬خلد انكسار عبد الله بن الأحمر وهو‮ ‬يسلم مفاتيح‮ ‬غرناطة للفرنجة لكن متى‭ ‬كان لأشباه الرجال عزة تحركهم أو كرامة توقظهم من‮ ‬غيبوبتهم المفجعة‮!‬

قولة حق أُريد بها باطل‮!!‬

قولة حق أُريد بها باطل تلك التي‮ ‬أدلى‭ ‬بها الأمين السياسي‮ ‬لحزب المؤتمر الشعبي‮ ‬بشير آدم رحمة الذي‮ ‬قال إن‮ »‬الرئيس البشير قبل الجنائية ليس البشير بعد الجنائية‮« ‬ولو صدق الرجل لعنى‭ ‬بكلامه هذا عكس ما أضمر وصحيح أن الرئيس البشير قبل الجنائية كان الرئيس البشير الذي‮ ‬رأيناه منذ قيام الانقاذ قبل أكثر من‮ ‬19‮ ‬سنة لا فرق كبير في‮ ‬نظرة الجمهور له طوال تلك الفترة أما اليوم فقد تحول إلى‭ ‬الرمز الأوحد المجسِّد لقيم العزة والكرامة والقوة والفتوة والشجاعة والسيادة بل والوطنية‮... ‬كل هذه الصفات والقيم اجتمعت في‮ ‬شخص الرجل كما لم تجتمع في‮ ‬غيره منذ الاستقلال بفعل تلك المذكرة الغبية التي‮ ‬أرجو أن‮ ‬يسمح لي‮ ‬القراء‭ ‬الكرام بأن أسميها بالمجيدة نظراً‭ ‬لما حققته للسودان من توحُّد والتئام صف وتفجر لمعاني‮ ‬الوطنية والسيادة بصورة لم‮ ‬يشهدها في‮ ‬تاريخه الحديث لدرجة تجعلني‮ ‬أزعم أني‮ ‬ألحظ تشكُّلاً‭ ‬جديداً‭ ‬للهوية الوطنية السودانية‮ »‬الشمالية طبعاً‭ ‬لأن الجنوب لم تكن له علاقة بهذه التفاعلات التي‮ ‬شهدها السودان الشمالي‮«!!‬

لقد منحت تلك العودة المدوية لنميري‮ ‬بعد الانقلاب الشيوعي‮ ‬شرعية اكتسبها لأول مرة منذ قيامه بالانقلاب‮... ‬تلك الشرعية التي‮ ‬استمرت لفترة طويلة بعد ذلك أما اليوم فقد كان الحدث مختلفاً‭ ‬تماماً‭ ‬إذ لا توجد مقارنة البتة بين الانقلاب الشيوعي‮ ‬على‭ ‬نميري‮ ‬والذي‮ ‬استفز مشاعر الشعب السوداني‮ ‬المسلم وبين المخطط الاستعماري‮ ‬المتستر خلف محكمة الجنايات الدولية التي‮ ‬استهدفت رئيس الجمهورية وأحدثت ذلك التفاعل الجماهيري‮ ‬الهائل خاصة وأن الشعب كان محصناً‭ ‬بدرجة عالية من الوعي‮ ‬أفرزه ذلك الاستفزاز الكبير لمشاعر الناس الذين جُرحوا في‮ ‬كبريائهم وكرامتهم وهم‮ ‬يرون الأعداء‭ ‬المتآمرين‮ ‬يسعون لانتزاع رئيسهم دون‮ ‬غيره من رؤساء‭ ‬العالم وزعمائه بالرغم من براءته بينما‮ ‬يرون المجرمين الحقيقيين الملطخة أيديهم بدماء‭ ‬الأطفال والنساء،‮ ‬المعتدين على‭ ‬أراضي‮ ‬الآخرين‮ ‬يسرحون ويمرحون بل ويتآمرون على‭ ‬الأبرياء‭ ‬ويرمونهم بأدوائهم دون أن‮ ‬يطرف لهم جفن أو تهتز منهم شعرة‮.‬

لقد صدق بشير آدم رحمة في‮ ‬توصيفه للواقع بالرغم من أنه أراد شيئاً‭ ‬آخر‮ ‬غير ما أشارت إليه العبارات التي‮ ‬صاغ‮ ‬بها تصريحه‮... ‬فقد خرجت من بين طيات ما حسبه الناس شراً‭ ‬محضاً‭ ‬فوائد جمة تمثلت في‮ ‬توحيد المشاعر التي‮ ‬تعتبر من الآليات المهمة لصنع الروح والحمية والعصبية الوطنية ويا له من فخر ويا لها من فرصة أتيحت للبشير الذي‮ ‬استُهدف في‮ ‬شخصه‮... ‬لأن‮ ‬يقود عملية البناء‭ ‬الوطني‮ ‬وينطلق بها نحو‮ ‬غاياتها الكبرى‭ ‬بل إن الرئيس بالشرعية والالتفاف الذي‮ ‬حدث حوله متاح له أن‮ ‬يتخذ القرارات الصعبة لتصحيح التاريخ السوداني‮!!‬

إلى‭ ‬متى‭ ‬يسير بشير آدم رحمة مثله مثل المحبوب عبد السلام خلف شيخه الذي‮ ‬أعماه الحقد وجرفه وحرفه عن المشروع الذي‮ ‬لطالما نافح عنه ودافع وجعله‮ ‬يتخذ الكافرين أولياء‭ ‬من دون المؤمنين ويدعو إلى‭ ‬قوانينهم ومحاكمهم الطاغوتية‮..‬

اللهم‮ ‬يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على‭ ‬دينك‮!!‬
-------------------------------
قياديون في حزب الترابي يطالبونه بالتراجع عن مواقفه الاخيرة
ffقياديون في حزب الترابي يطالبونه بالتراجع عن مواقفه الاخيرة fff


الخرطوم 'القدس العربي'ـ من كمال بخيت:


كشف مصدر في حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده المعارض السوداني الاسلامي الدكتور حسن الترابي عن تزايد مطلب في أوساط الصف القيادي للحزب بضرورة عقد اجتماع طارئ لمحاسبة الترابي، على خلفية تغييره لمنهجه السياسي الى جانب أسلوبه الحاد في أداء واجباته ومهامه، الامر الذي تعارضه فيه قاعدة الحزب، وذلك حسب النظام الأساسي للحزب تحت المادة '8 ،ج، 6'.
وأكّد المصدر نمو وزيادة ظاهرة خروج القيادات من الاجتماعات الدورية للأمانة العامة حيث كان آخرها خروج د. الحاج آدم يوسف الذي حرر خطابا تم تسليمه للأمين العام أشار فيه بوضوح إلى ما أسماه غلظة وضيق صدر الأمين العام بالرأي الآخر للمشاركين في اجتماع الأمانة العامة الأخير.
وأشار المركز السوداني للخدمات الصحافية الى أن الدكتور آدم كان قدم ورقة عمل حول رؤية سياسية للوضع السياسي الراهن في السودان، الا أن الورقة لاقت انتقاداً واستفزازاً من الترابي. وأشار خطاب د. الحاج آدم يوسف إلى تشاؤمٍ كبيرٍ بمستقبل الحزب وقال إنّ الحزب أصبح أسيراً لقناعات الأمين العام السياسية، وانه تم تجميد كوادر رئيسية في الحزب كنتيجة لهذا السلوك. وحسب تقديرات بعض المراقبين فان اتجاه المعارضة للترابي قد توسع مؤخراً، وأن هناك تواترا في المطالبات للترابي بأن يراجع منهجيته ومواقفه الأخيرة بشأن القضايا السياسية داخل السودان.
وكان الشيخ ياسين عمر الإمام أبرز قيادات الحركة الإسلامية بدأ أول علامات المعارضة رغم أنه كان قد إنحاز مع الترابي منذ بداية انقسام الحركة الإسلامية في السودان الى حزبين المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس السوداني عمرالبشير ونائبه علي عثمان طه والمؤتمر الشعبي يقوده الترابي ومجموعته.
وتكتسب معارضة الدكتور الحاج آدم أحد أهم القيادات الجماهيرية لحزب الترابي أهمية من حيث كونه يتمتع بنفوذ قبلي قوي في دارفور.
وتتداول مجالس الخرطوم السياسية الرأي السائد داخل الهيئة القيادية لحزب المؤتمر الشعبي في الوقت الراهن حيث تطالب بعض القيادات الترابي بتغيير منهجه وأسلوبه الحاد في أداء واجباته ومهامه عملاً بالنظام الأساسي للحزب. وذكرت مصادر مطلعة لـ 'القدس العربي' أن تكرار ظاهرة خروج أعضاء الهيئة القيادية من الاجتماعات مستائين من 'ضيق صدر الدكتور الترابي واستفزازه' قد كثر في الآون الأخيرة.
وكان الدكتور آدم أشار في رسالته للدكتور الترابي بوضوح الى ما أسماه 'غلظة وضيق صدر الامين العام بالرأي الآخر... وعدم احترامه وسخريته من المشاركين في اجتماع الأمانة العامة الأخير بسبب الاختلاف مع الشيخ في منهجيته'

.القدس العربى
11/4/2009

المؤتمر الشعبي ....
رؤية لتجاوز أزمة السودان السياسية
السبت, 11 أبريل 2009 20:42
بسم الله الرحمن الرحيم



المؤتمر الشعبي



رؤية لتجاوز أزمة السودان السياسية



مقدمة:


إن أساس الحياة العامة مما اجتمعت عليه قيم الدين والتجربة الإنسانية هو بسط الحريات للناس وصون كرامتهم وإقامة العدل والمساواة بينهم، وإنّ بسط السلطة لا قبضها من سنّة الحكم الإسلامي منذ دولة المدينة، وهو أيضاً من عبرة تجارب الأقطار الواسعة في شرق الأرض وغربها، الأمر الذي يجعل الحكم اللامركزي في بلد كالسودان هو الأجدى.
بوادر الأزمة وتجلياتها:


برزت ظاهرة المقاومين في الأطراف تظلماً من واقع احتكار السلطة والموارد بَرِمين بافتقاد العدالة في توزيع الثروة ونمائها وعدم المساواة في فرص الكسب . ورغم إخفاق نهج القوة في الجنوب إلا أن النظام اتبع ذات السَّنن المعيب لقمع مطالبات أهل دارفور. بل أضاف إلى قواته هناك عناصر محلية من مليشيات (الجنجويد) ، وتجاوز قهر المقاومة المسلحة إلى قصف المدنيين الأبرياء وحرق العديد من القرى المستقرّة ، وتشريد الملايين نزوحاً ولجوءاً، واستباحة كرامتهم الإنسانية، وإشاعة الاغتصاب الجماعي ، وغير ذلك من الأفعال المنكرة مما أثبتته لجنة التحقيق القانونية الوطنية، ولجنة الأمم المتحدة، وأخيراً إدارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الذين زاروا السودان مراراً واستقبلهم كبار المسئولين، ثم انقلبوا عليه حين رتب على تحقيقاته دعاوي جنائية.ونتيجة سوء إدارة الأزمة، استعدى نظام المؤتمر الوطني المجتمع الدولي، وفتح الثغرة التي نفذت من خلالها محكمة الجنايات الدولية، التي أربكت الأمور الآن أيّما إرباك، رغم أن الفرصة كانت مواتية أمام عدالة محلية ترعى حرمات الناس ، وتوقع العقاب على مرتكبي الجرم عيناً وتحمّل من وراءهم مسئولياته السياسية.
إن مظاهر الأزمة تتجلى بغير ما وجه في الأوضاع السياسية والأمنية ، فاتفاقية نيفاشا كان يرجى لها لا أن تحقق العدالة فحسب، بل أن تعزّز الثقة في جدوى الوحدة، لكن الطرف المعنى ببناء الثقة – المؤتمر الوطني – عزّز نقيضها . وما انفك النظام يتعامل مع الواقع بغير تعقل ولا رشد، يدل على ذلك طرده لبضع عشرة منظمة أجنبية عاملة في مجالات حيوية في دارفور، وتهديده بطرد سائر المنظمات خلال عام، الأمر الذي من شأنه أن يعرض حياة مئات الآلاف بل الملايين، المقيمين في معسكرات النزوح، للخطر.



آفاق تجاوز الأزمة:


إنّ الخروج من المحنة يستدعى اصطفاف سائر أطراف المجتمع ومواجهة الأزمات بإطار قومي جامع، وفي ما يلي رؤى لمقترحات في سياق مساعي الحادبين على الوطن، الداعين إلى التكاتف والإجماع حول تجاوز معضلاته التي تزداد تأزماً يوماً بعد يوم، وبسط مسيره وتأمين مصيره العام. إن من مقتضيات هذه المرحلة إجراء إصلاحات شاملة في قضايا جوهرية لعل أهمها على الإطلاق هي قضية إطلاق الحريات، وتحقيق السلام والعدالة، وإجراء الإصلاحات السياسية والقانونية التي تعزّزها، واتخاذ تدابير المساءلة ومحاصرة الفساد، وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة من شأنها التعبير عن إرادة حقيقية للشعب يتولى من بعدها ممثلوه مسئولياتهم كاملة، على أن يأتي ذلك على هذا النحو:


أولاً: الحريات العامة :


الحرية حق أصيل لكل أحد يمارسها اعتقاداً واجتهاداً وتشاوراً وسعياً للكسب، والمشيئة الطلق هي الأصل الذي تؤسس عليه عقود التواطن تراضياً في قطر واحد. أما على صعيد الواقع فما تزال قيود حريات التعبير والتنظيم ورقابة الصحف والاعتقال السياسي الممتد بغير بينة جنائية، ما تزال تمارس في مخالفة للدستور الانتقالي، ومن مقتضيات هذه المرحلة أن ينهض حكم انتقالي بمسؤولية إصلاح الدستور والقانون الجنائي الموضوعي والإجرائي من القيود على نقد السلطة وما فيها من ولاة وسياسات وإصلاح القانون الصحافي، وإطلاق حرية الانتداء والتظاهر لكل أحد دون استعمال القوة منه على مخالِفِه، أو عليه من السلطة، وتعديل قانون الأمن الوطني وإلغاء أي سلطة لفرض الاعتقال التحفظي.


ثانياً: الإصلاح القانوني واستقلال القضاء:


نظراً لاستشراء الفساد وفشو الظلم والاحتماء وراء الحصانات وتكبيل القضاء عن أن يحقق العدالة فإن من لوازم عهد الانتقال :


· وضع قانون لمكافحة الفساد ومعاقبته لجزاء سوابقه وسد ذرائعه وتجنّب شبهاته التي قد يفرط مداها.



· بسط المساواة في المسئولية الجنائية ورفع كل الحصانات التي يتمتع بها أكابر السلطة وأصاغرها شفاءً لمشاعر الظلم واليأس من تسويته محلياً، واجتناباً لامتداد العدالة الجنائية الدولية على السودان بأكثر مما حدث.



· حماية استقلال القضاء ، وذلك بقانون يمنع أي إجراء كالنقل أو العزل أو الحرمان من الفرص والمخصصات المعهودة لأي قاضٍ، ويُمنع تصويب القضايا نحو ولاية قضاة بعينهم أو محاكم استثنائية.



ثالثاً:دارفور وسائر الأزمات الإقليمية



· إن الأوفق اليوم بعد أن بلغت التداعيات بمشكلة دارفور لتكون أزمة تهدد ذات كيان السودان، أن ينشأ إقليم لدارفور بحدود عام 1956م ، تقوم عليه حكومة بصلاحيات وسلطات أصيلة تنسيقية بالدستور.



· أما على مستوى المركز فالأوفق في الأوضاع الانتقالية بعد اتفاقية السلام والتسوية السياسية الشاملة أن يعين نائب لرئيس الجمهورية من دارفور يختار بإجماع أهل دارفور، المقاتلين اليوم مقاومة والآخرين ، أو ينتخب إذا تعذر الإجماع.



· ويلزم – كذلك – تخصيص مال من المركز يمده أيّما عون إنساني عالمي أو مدد دولي متاح لتعمير القرى التي دمرتها الحرب والمرافق الأساسية التي تعطلت، وإنشاء مفوضية للتنمية لتمويل مشاريع جديدة تراعي حظ الإقليم النسبي في إعمار البنية الأساسية للإقليم، ومسالك نقل ومشروعات ماء وطاقة، وأن تشمل التعويضات الفردية كل المتأثرين بالحرب في دارفور، وأن يكون نصيب إقليم دار فور من الثروة القومية بنسبة كثافته السكانية لجملة سكان السودان زائداً إضافة للتمييز واللحاق بباقي الأقاليم على أن يراعى للشرق وتمام تسوية أزماته، وجنوب كردفان وحدودها، وجنوب النيل الأزرق والشمال وغيرها من المناطق المتخلفة بذات المعيار.


· كذلك لا بد من إعمال إجراءات التحقيق والمحاسبة عن كل الجرائم التي ارتكبت متصلة بالحرب في دارفور أو تلك التي ارتكبت في الشرق أو الشمال، ورفع الحصانات من أي مطلوب للعدالة أياً كان مقامه، وأن يطلق سراح كل المحكومين في قضايا سياسية تتعلق بالنزاع في الإقليم وكذلك المعتقلين السياسيين، ويرجى لإرساء روح السلام المطمئنة أن تعقب تلك التسويات روح التعافي والتصافي والوئام والتعاون في مجتمع دارفور وفي الوطن كله مفعماً بروح الإخاء والموالاة والمساواة دون عصبية متجافية.


رابعاً: ضمانات الاستقرار بعد التأزم:


إن العبرة التي تستلهم من منهج التفاوض والوفاق الثنائي في أزمة الجنوب، والذي لم يفعل غير أن أمد النظام الشمولي بدواع جديدة للبقاء والاستمرار في القبض على سلطة مركزة بدلاً عن الإصلاح بضوابط الحرية ، تشكل قناعة راسخة بأن الحل القطعي لقضية دارفور إنما يندرج في علاج أزمة السودان، ولا يكتمل إلا باستدراك أزمة الحكم وقصوره في أنحاء السودان وأقاليمه كافة، ولا بأس أن تصدت قطر فطرحت نفسها مأوى للتفاوض لما لها من سابقة تعزز الثقة فيها وهو أمر يوجب شكرها، ولكن وحتى يكون الحل وطنياً جامعاً لابد من إشراك كل القوى السياسية ذات الهموم القومية والقواعد في دارفور وغيرها وبعض منظمات المجتمع الأهلية والمدنية ذات المدى القومي . وذلك كله من خلال وعاء ينتظم القوى الوطنية أجمع، وبحضور ممثلي دول الجوار والدول والمنظمات الدولية والعالمية التي تساعد بالنصح والضغط والعون الصالح.


خامساً: القوى المسلحة والأمر السياسي:


القوات المسلحة ينبغي ألا تكون في قيادتها أو صفّها من له ولاء حزبي أو انتماء سياسي معلن. وكذلك جهاز الشرطة و الأمن ينبغي أن يتولاها مستقلون مهنيون متجردون من الانحياز السياسي . وينبغي أن تضبط سائر القوى الإقليمية المسلحة المأذون ببقائها لمرحلة الانتقال والمليشيات المحلية التي لم تنتظم بعد، كلها تلزم ألا تتدخل في السياسة بأي ضغوط منها وأن تترك نظم الحكم الانتقالي تسير حرّة عنها حتى تتوحد كل نظم القوة المسلحة بعد الانتخابات وقيام نظام الحكم القومي والولائي المستقر.


سادساً: العلاقات العالمية:


الحق والعدل أن ينفتح السودان للعالم كما هو طبع حاله مجتمعاً لأنواع من البشر ومجاوراً بكثاقة لذوي قربى أهلية من الأقطار . والحق عليه أن يعرف مقتضى عضويته في المنظمات الدولية والإفريقية والعربية والإسلامية والأممية يأخذ منها ويعطي ويفي بعهود علاقاته ، ويحترم ميثاق شركته مع أمم العالم.وما دمنا مدرجين في الشرعية الدولية، حتى إذا اتهمنا بعض النافذين فيها بأن لهم أغراضاً من وراء المواقف، فإن الأجدى والأكثر تعقلاً هو التعامل مع المجتمع الدولي في الجوانب القانونية، وهي أرجى أن تحقق العدالة، ما دمنا نتعامل معه في مؤسسات العلاقات السياسية، وليس من الحكمة أن نعرِّض البلاد بأسرها لأزمة كهذه ما دامت هناك سبل لتجنبها.


سابعاً: الانتخابات:


من مقتضيات المرحلة الانتقالية، واستكمالاً لما سبقت الإشارة إليه من تدابير، يلزم إجراء انتخابات حرة ونزيهة توفر لها كل الضمانات اللازمة حتى تأتي نتائجها معبرة عن إرادة الشعب حقيقة . ولا يغني في ذلك أن تعين المفوضية فحسب، وإنما لابد من استكمال الإحصاء الذي عطِّل، وإدراج دارفور التي لا يمكن تجاوزها أو عزلها، فضلاً عن توقيت مناسب ليس هو موسم الخريف بأية حال.


ثامناً: الحكم الانتقالي:


ليس الحكم الانتقالي بدعاً بأي حال إذ جرّبه أهل السودان غير مرّة، كان ذلك في أعقاب ثورة أكتوبر 1964م ، ومن بعد ثورة رجب / أبريل 1985م . ولما كانت الثقة قد اعتلّت في أن تجري هذه الإصلاحات المنشودة في عهد النظام الحالي فإنّ الأوفق أن تشكّل حكومة انتقالية من عناصر مؤهلة جميعها مستقلة بتراضي منظومة القوى الوطنية، لتسيير جاري الأمور والمعالجة المتناصرة للأزمات الماثلة، والتحضير العدل للانتخابات العامة عودة بالحكم إلى الشعب حقاً وعدلاً لا جوراً وظلماً من بعض ، وأن يكون من مهامها التأمين على اتفاقية سلام نيفاشا وضمان ما حققته من مكاسب لأهل الجنوب.


تاسعاً : المصير الدستوري:


إن رصيد الإجماع في عهد الانتقال المنعقد بين القوى السياسية على ميزان اللامركزية تجاه الجنوب خاصة ودارفور والشرق وغيرها من مناطق السودان سيرسخ زاداً يعتمده الشعب بوساطة نوابه لإقامة النظام الفدرالي الدستوري الدائم، وأما سائر القضايا الدستورية فأصل الحرية سيبقى محفوظاً بعبرة التجربة، ومعتمداً بإرادة الشعب المنطلقة، على أن تفصل كل المسائل وتحسم بوضع دستور ثابت للسودان الذي ظل يتقلب مضطرباً عهوداً متوالية منذ الاستقلال، وينبغي هذه المرة، أن يجاز الدستور بأغلبية عالية راجحة تؤمن تأسيسه المتين .


عاشراً :منظومة القوى الوطنية:


ينبغي أن تقوم منظومة لكل الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الأهلية تجرى فيها تشاورات راتبة خارج نظم الحكم المؤسسة رسمياً ، لكن تعمل لسندها ومدّها بمادة في الإجماع السياسي لإصلاح الأزمات الإقليمية القائمة، أو الأزمات القومية الطارئة، وللتشاور في الإصلاح القانوني العاجل والتوافق في منهج الانتخابات العادل القادم، ونحو ذلك مما يقتضي أن تسوده روح الإجماع الوطني لتجاوز كل عسير في عهد الانتقال حتى يوكل الأمر للشعب ونوابه بعد الانتخابات العامة. ويمكن لمهام المنظومة أن تستدام.


خاتمة:


إن النصح الذي يقتضينا الظرف أن نبذله للحادبين على الإجماع الوطني لنا ولسوانا من أبناء الوطن ومنظوماته السياسية ألاّ يقصر الهم على الوفاق في مسألة محدودة كالقرار الأممي، أو في تسوية إقليمية أو سياسية أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خارجية بعينها ، فإنما جرّنا التأزّم الإقليمي والاضطراب والتوتر في وقع السياسات إلى أزمة في جملة أوضاع السودان، وعموم حكمه، وفي ضعف مكانه قطراً ووطناً وأمة بين الأمم، مما عاد بالضر على مفصلات أحوالنا.إن الأحداث الطارئة التي أيقظت الهم العام، ونبهت القوى السياسية والرأي العام والسلطان، ينبغي أن تردّ بتداعياتها ودواعيها إلى مجمل أزمة السودان ، وإنّ تسارع إيقاع مظاهر الأزمة يلزم أن يتحرك المواطنون كافة لاجتماع كل العزائم لاستدراك الخطر المنذر، ولبناء وطن ذي شأن، صالح في الحكم والاقتصاد والمجتمع ، سالم في عمومه فروع أقاليمه وهمومه ، واعدٍ في نهضته الشاملة وحركة قواه وأهاليه ، عزيز فاعل بين العالمين في الأرض ـ إن شاء الله .
أضف رد جديد