حوار مع الفيلسوف هشام عمر النور

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí
مشاركات: 39
اشترك في: السبت يناير 05, 2008 3:31 pm
مكان: بورتسودان

حوار مع الفيلسوف هشام عمر النور

مشاركة بواسطة ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí »


الواقع الملوُّث بالبشر.. حوار مع الدكتور هشام عمر النور (1)


الاستناره التي ندعو لها الان تقوم اسسها النظريه والفلسفيه علي الاختلاف والتعدد،عي حضور غائب لا يوجد الا اجرائيا في حوار ما) .......
في هذا المناخ يتم حوار لا يمكن وصفه بوصف قبلي، بين إثنين من المشتغلين في حقل الفلسفة، يستنطق فيه الكاتب والروائي مازن مصطفى المتخرج بإمتياز مع مرتبة الشرف من كلية الفلسفة جامعة النيلين، الدكتور هشام عمر النور رئيس قسم الفلسفة بجامعة النيلين والذي تتنوع إهتماماته الفلسفية بين الفلسفة المعاصرة، والنظرية النقدية التي أنجز فيها درجة الدكتوراة، وفلسفة التكنلوجيا وفلسفة القانون وعلم الجمال، وفلسفة العقل والحداثة وما بعدها. يتشعب هذا الحوار في محاور عديدة منها الماركسية فكرتها وعلاقتها بالنظرية النقدية، والضرورة النظرية لتجاوزها (التي قدَّم د. هشام ورقة حولها)، وفلسفة الهوية وقضايا فلسفية أخرى. في هذه الحلقة يتناول الحوار علاقة الماركسية بالنظرية النقدية في حوار لا يخلو من التخصصية والتطرق إلى الممارسات الماركسية والتنظير الماركسي في السودان.

مازن: علاقة النظرية النقدية بالماركسية:

هشام: هذا سؤال كبير يمكن أن يستغرق الرد عليه كتاباً كاملاً لا جزءاً من مقابلة صحفية. ومع ذلك دعنا نبدأ من حيث بدأت النظرية النقدية كتيار نظري وفكري في عشرينات القرن الماضي مع هوركهايمر وأدورنو ولاحقاً ماركيوز، أكثرهم شهرة ـ وإن كان من وجهة نظري أضعفهم نظراً وفكراً ـ ثم أخيراً هابرماس الذي يمثل الجيل الثاني من النظرية النقدية، وهو لا يزال حياً كآخر الفلاسفة العظام من لدن أرسطو وأفلاطون وفي عصرنا الراهن فوكو ودريدا. ويشكل هؤلاء الأربعة ـ هوركهايمر وأدورنو وماركيوز وهابرماس ـ أهم فلاسفة النظرية النقدية. في الفترة التي تأسست فيها النظرية النقدية، كانت الماركسية ـ كما هو معروف ـ تسيطر على كامل مناخ التحرر الفكري والسياسي والإنساني؛ ومع ذلك فقد بدا واضحاً لهؤلاء الفلاسفة المشاكل التي تعاني منها النظرية الماركسية، وهي مشاكل حاول كل من لوكاتش وغرامشي وسارتر حلها كلٍّ بطريقته وفشلوا بسبب السطوة الآيديولوجية للماركسية التي شكلت نموذجاً معرفياً عبّر عن جماع المعرفة الإنسانية وأشواقها في التحرر في ذلك الوقت؛ ولذلك كانت الماركسية نموذجاً من الصعب التفكير خارجه إن لم يكن مستحيلاً. ومع ذلك فقد اجترحت النظرية النقدية في ذلك الوقت ما اعتبره مأثرة نظرية بإمساكها لأس مشاكل مشروع الحداثة الكلاسيكية الذي بدأ كمشروع للتحرر بالتنوير ثم إذا به وبعد حوالي الثلاثة قرون ينتهي إلى كونه مشروعاً للسيطرة رغم أنف نبل المشروع وغاياته الإنسانية ورغم ادعاءاته، الحصيفة وغير الحصيفة، حول علمية تفكيره ومناهجه وتطابقها مع الحقائق الموضوعية. وكانت الماركسية أرفع وأبلغ تعبير عن هذا المشروع، بما في ذلك تعبيرها عن أزمة تحوله من مشروع للتحرر إلى مشروع للسيطرة.

* ربما، لكونها كذلك (أرفع وأبلغ تعبير عن مشروع التنوير)، مازالت الماركسية تجد من ينادي بالعودة إليها؟

- هنا لا بدّ من تسجيل ملاحظة، إن دعوة الذين ينادون بالاستنارة إلى العودة إلى الماركسية ـ كما يفعل مجدي الجزولي ـ على اعتبار أن ما خرجوا له موجوداً بها وبالتالي عليهم أن يلزموا خدمتها، إنما هو وقوع في ذات ما حذّر منه الأستاذ محمد إبراهيم نقد هؤلاء الداعين إلى الاستنارة ألا وهو العودة إلى تنوير القرن الثامن عشر. وهو تحذير أولى به الماركسية من غيرها لأن تنوير القرن الثامن عشر تنوير يقوم على ذات الأسس النظرية والفلسفية التي تقوم عليها الماركسية. فهما معاً يقومان على الهوية والماهية والجوهر وحضورهم الميتافيزيقي، بينما الاستنارة التي ندعو لها الآن تقوم أسسها النظرية والفلسفية على الاختلاف والتعدد، على حضورٍ غائب لا يوجد إلاّ إجرائياً في حوارٍ ما. إن تنوير القرن الواحد وعشرين يتطلب أول ما يتطلب تجاوز الماركسية إلى النظرية النقدية، تجاوز الأحادية إلى التعددية.

* في ورقة (الحداثة ومابعدها)، تحدثت عن الأزمات التي وقع فيها مشروع الحداثة بشكله الكلاسيكي (مستجيباً معك للنظر للحداثة كمشروع لم ينته، وإن كانت هذه النقطة جديرة بالتساؤل لاحقاً) كيف ترى تورط الماركسية في تلك الأزمات، فالبعض ـ مثلاً ـ لايرى أن الماركسية فلسفة تقوم على الهوية؟ وماذا عن النظرية النقدية، هل نجحت في تجاوز نظرة الماركسية والحداثة الكلاسيكية؟

- نعود إلى أس مشاكل الحداثة الكلاسيكية (بما في ذلك تعبيرها البليغ، الماركسية) وهو ـ كما أمسكت به النظرية النقدية مستعينةً بماكس فيبر ـ العقلانية الأداتية والتي فرضت على المجتمع الصناعي بشقيه، الرأسمالي والاشتراكي، بعداً واحداً أحسن التعبير عنه ماركيوز في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد). وبما أن الماركسية كانت نموذجاً يصعب التفكير خارجه فقد صاغ فلاسفة النظرية النقدية مشروعهم النظري على أساس فتح بُعد الماركسية النظري الواحد على أنظمة متعددة؛ أي فتح المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية بحيث تصبح نظاماً نظرياً متعدد الأنظمة multi-disciplinary system. وهو مشروع لم يستطع هوركهايمر وأدورنو الوفاء به بسبب استغراقهم في نقد العقل الأداتي، أو بسبب عدم قدرتهم تجاوز نموذج الماركسية المعرفي على الرغم من قوة نقدهم له.
فشلت محاولة أدورنو وهوركهايمر، خاصةً أدورنو الأكثر نفاذاً معرفياً والمعبر الفلسفي عن المشروع في بداياته، الذي لم يستطع، وكذلك هوركهايمر، تجاوز ثنائية الذات والموضوع ولذلك لم يكن له بدٌّ من الاستناد على أولية ميتافيزيقية للموضوع لم تسعفه فيها نفاذ بصيرته ولا ميتانقديته التي سبق بها تيارات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، بل اعتمد فيها على الإدراك الشائع common sense والبداهة؛ ونستطيع أن نقول أن ملكته النقدية قد خذلته فارتطم في آخر حدود تجاوزه للماركسية بسقفها الأخير فقعد في حدودها، فصدق وصف فردريك جيمسون لفكره بأنه ماركسية متأخرة.
كما فشلت محاولة ماركيوز الذي أدخل مبدأ اللذة والليبيدو الفرويدي على المادية التاريخية سعياً لتحقيق مشروع فتح الماركسية على أبعاد متعددة وتحويلها إلى نظام متعدد الأنظمة. وفشلت المحاولة لأن ماركيوز بقي داخل حدود نظرية المعرفة الماركسية وثنائيتها المعروفة بين الذات والموضوع فانتهت محاولة إدخال بُعد جديد على الماركسية يقاسم بُعد العمل أولويته النظرية إلى أن يزيح مبدأ اللذة مبدأ العمل عن أولويته في النظرية الماركسية ويحتل محله. وسبب ذلك يعود لنظرية المعرفة الماركسية التي لم يستطع ماركيوز تجاوزها فهي لا تسمح بتعدد شروطها الأولية؛ مما يفرض على من يظل بداخلها أن يتبنى بعداً واحداً يؤسس عليه نظريته. وهو ما يدفع الماركسية دائماً على بناء خططها بافتراض وجود تناقض رئيسي واحد في أية ظاهرة؛ فالعلاقة بين الذات والموضوع لا تقبل إلاّ صيغة العلة والمعلول والسبب والنتيجة. وهي صيغة يلزم عنها أن تنتهي إلى علة أولى أو سبب أول.

* ماذا يعني فشل النظرية النقدية في بداياتها؟

- فشل النظرية النقدية في تحقيق مشروعها النظري عند بداياتها إنما يعني أن هنالك دائماً مفاهيم معرفية تحد من قدرات الذهن الإنساني مهما عظمت، وتسجنها في تصورات عن العالم تشكل سياقها المعرفي والتاريخي. ورغم أن مشكلات هذه التصورات تكون واضحة منذ البداية إلاّ أن شروط تجاوز أي نظام معرفي تتوفر في توفر مفاهيم معرفية جديدة لا تستند فقط على تراكم خبرات ومعارف جديدة في السياق المعرفي والتاريخي وإنما أيضاً على تراكم الأزمة والمشكلات، وأهم من ذلك تستند على قدرات الذهن الإنساني في النظر من جديد في معارفه وتاريخها خارج سياقها وتصوراتها (وهو أمر جليل وجلل، هو الذي يستحق لفظ “ثورة”، لا العنف والاستيلاء على السلطة بالقوة)؛ فإذا توفرت هذه الشروط توفر إمكان تجاوز النظام المعرفي وإلاّ فشلت المحاولة رغم فصاحة مشكلات النظام السائد وبيان أزمته. ومن الواضح أن شروط تجاوز الماركسية لم تتوفر في بدايات القرن الماضي وأواسطه فالثورة في مجالات العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية لم تقع بعد كما أن الفلسفة لم تكن بعد قد انعطفت انعطافتها اللغوية كما إن الخبرة الإنسانية بمشاريع تحررها لم تكن قد أدركت بعد الأهمية الحاسمة للديمقراطية وضرورة تأسيس التعددية نظرياً وفلسفياً وهو أمر غير ممكن إلاّ بتجاوز دوغمائية نظرية المعرفة الماركسية القائمة في أساسها النظري على تطابق حقائقها مع الواقع. وهو ما توفر بعد ذلك مع هابرماس الذي أنجز مشروع النظرية النقدية في فتح الماركسية على التعدد ولكنه أمر لم يكن ممكناً إلاّ بتجاوز الماركسية نقدياً، أي بنفيها جدلياً، إلى نظام معرفي جديد يتخطى أزمتها ويحفظ منجزاتها.

* الإهتمام بسد ثغرات الماركسية، وتجاوزها، من قبل النظرية النقدية خلق خلطاً بينهما؛ إذ يرى الكثيرون أن النظرية النقدية ماهي إلا إمتداد للماركسية. أتذكر في حوار شفاهي مع أحد الشيوعيين أشار لدريدا بإعتباره صاحب “أطياف ماركس” لا أكثر (أو أشباح ماركس، إذ لم يعني جهلي بالفرنسية على تفضيل ترجمة ما)، وأشار لفلاسفة فرانكفورت بإعتبارهم نيوماركسيسميين. هذا المثال درجة مشتطة بالطبع من المقاربة، لكن أشباهه كثر؟

- إجابتي على السؤال قبل السابق تؤكد على أن محاولة وصف النظرية النقدية بأنها ماركسية جديدة أو أنها لا تشكل خروجاً على النظام الماركسي محاولة بائسة ويائسة قد تصدق علي النظرية النقدية في بداياتها أما على هابرماس فهو أمر فيه قدر كبير من الابتسار وعدم الإلمام بمشروع هابرماس. وحصر خلاف هابرماس مع الماركسية فقط في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية ـ كما يحاول أن يفعل السر بابو ـ أمر فيه تجني على هابرماس وعدم معرفة بائنة بمشروعه. مشكلة هابرماس الرئيسة مع الماركسية هي نظرية معرفتها. والطريقة التي عالج بها هابرماس هذه المشكلة لا تبقيه أبداً في حدود النظرية الماركسية. يمكننا أن نقول عن النظرية النقدية كما كانت مع هوركهايمر وأدورنو وماركيوز أنها ماركسية جديدة أو ماركسية متأخرة أما هابرماس فلا أظن؛ وهو ظن أقرب إلى الجزم لولا حذر الإطلاق والدوغمائية. ولذلك فإن السذاجة التي وصف بها السر بابو من يرى في انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي سبباً لتجاوز الماركسية تكاد ترتد إليه من فرط بساطة هذه العبارة ودغمائيتها وإطلاقيتها؛ فماذا كان ينتظر السر بابو أن يحدث لنرى فيه سبباً لتجاوز الماركسية، القيامة مثلاً، ألا يكفي انهيار النظام في أكثر من ثلث العالم لكي يكون سبباً في تجاوز الماركسية. لا أظن أن من يطلق هذه العبارة سيكون لديه في يوم من الأيام سبباً لتجاوز الماركسية حتى لو قامت القيامة. إنه إيمان دوغمائي بالماركسية. ألا يشير انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي إلى خللٍ ما في النظرية؛ خاصةً أنه في النظرية الماركسية لا يمكن الفصل بين النظرية والتطبيق لأن الماركسية تدعي أن نظرية معرفتها أساسها التطبيق وهو أيضاً معيار صحتها، أي أنها تبدأ من الواقع وتنتهي إليه؛ ولذلك لا يمكن أن تنتهي الماركسية إلى القول بأن فشل تجربتها إنما هو فشل في التطبيق لا فشل في النظرية.
أما محاولة تفسير إخفاق الماركسية بـ”الجمود” فهي محاولة بائسة أيضاً، فمفهوم “الجمود” كأداة نظرية نقدية ليس مفهوماً نقدياً ماركسياً مستحدثاً يعالج أزمة مستحدثة فيها وإنما هو مفهوم نقدي له تاريخ في الماركسية وتم تقعيده نظرياً داخلها في نقد التجربة الستالينية؛ فما الذي يسمح بتكرار هذه الظاهرة في الماركسية إن لم يكن خللاً في النظرية نفسها يجعلها هي نفسها تتصف بالجمود وتكرره. إن “الجمود” ليس أحوال تعتري الماركسية في ظروف بعينها، إنما هو جزء من بناءها النظري ليس فقط كأداة نظرية نقدية وإنما أيضاً كحال ووقائع تقعدها عن الانفتاح والتجدّد ولا توفر لها مخرجاً غير تجاوزها.

* في ظن ـ أقرب إلى الجزم أيضاً ـ أرى أن الإرتباط بالمشروع السياسي للماركسية، الحزب الشيوعي مثلاً، كثيراً ما يشكل دافعاً لمثل هذه الحجج الساذجة؟

- "جمود" الماركسية لا يمكن تفسيره إلاّ بآحادية نظرية معرفتها وادعاءاتها العلموية بالتطابق مع الواقع. وهو ما يجمعها ـ ويا لدهشة الماركسيين ـ مع غريمتها الوضعية المنطقية فتتنازعان العلموية وتبوءان معاً بالدوغمائية. “جمود” الماركسية في علمويتها الدوغمائية؛ ولن تفلت منه مهما استعنا ـ كما فعل الأستاذ محمد إبراهيم نقد ـ بنصوص ماركس وإنجلز التي تلعن هذا الجمود وتجعل من الانفتاح والتجدد طابعاً لعلمية الماركسية، بحيث تصبح الماركسية شأنها شأن أية نظرية علمية يصححها الواقع وتجاربه باستمرار. وما دروا أن هذه النصوص نفسها أقوى دليل على دوغمائية الماركسية وعلمويتها إذ أنها تقدم تصور للنظريات العلمية تجاوزه فلاسفة العلم منذ توماس كوهن وفيرابند ولاكاتوش، فلم تعد الحقائق العلمية وقائع تنتظر الاكتشاف وإنما وقائع يبنيها العلماء بناءً يتدخل فيه سياقهم التاريخي بكل ما فيه من خبرات وتجارب ومعارف؛ وإن كان يزعم لنفسه تطابقاً مع الواقع فإن أدلة هذا التطابق وبراهينه وحججه إنما يقدمها هؤلاء العلماء أنفسهم وفقاً لأطرهم النظرية السائدة ولا يقدمها الواقع الخالص، الواقع غير الملوث بالبشر إذ لا وجود لهذا الواقع إلاّ في الميتافيزيقيا.
إن اكتشاف نظرية علمية جديدة لا يعني اكتشاف وقائع جديدة فوقائع الكون موجودة هناك منذ الأزل ولكن ما يتغير هو مرجعيتنا النظرية ومفاهيمها والإجراءات التي تترتب عليهما. إن الذي يتغير هو العالم كما هو ملتبس وملوث بنا أو إن ما يتغير هو نحن الملتبسين بالعالم وملوثين به. ولذلك لم يعد العالم مجرد حقل تجارب علمية تخضع للتحليل وإنما أيضاً نصوص تخضع للتأويل والشرح والتفسير. وبذلك صار العلم، الذي ارتجى فيه التنوير أن يكون كل المعرفة الإنسانية وحلاً لجميع مشكلاتها، أي العلموية، إلى حتفه؛ وبقي العلم كأحد مجالات المعرفة الإنسانية وليس قولها الفصل. وإذا كان الماركسيون السودانيون يريدون أن يستندوا إلى ما يسمونه التفكير العلمي والعلم في تجاوز ما طرأ على الماركسية من جمود وإخفاق، فإن فهمنا للعلم قد تغير ولذلك نحتاج لتبيان ما يقصدونه بلفظ “العلم” أو “العلمية”، أما إذا استمروا في استخدام الكلمة كما تم التعارف عليها ابتداءً من مشروع التنوير إلى منتصف القرن الماضي فإن هذا هو عينه “الجمود”.

* ولكن، ألا تستطيع الماركسية تجديد نفسها بتجديدها لمفهومها للعلم؟

- مأزق الماركسيين السودانيين هو أن تبني أي مفهوم جديد للعلم لا يعني سوى تخطي نظرية المعرفة الماركسية وبالتالي تخطي النظرية الماركسية نفسها. إن تخطي الماركسية ضرورة نظرية من أية جهة أتيتها، سواء من جهة مشروعها الإنساني أو مشروعها السياسي أو مشروعها الاجتماعي الاقتصادي أو مشروعها الفلسفي والنظري أو مشروعها كعلم. وإذا كان لا بدّ مما ليس منه بد، فإن مآل الماركسية المنطقي هو النظرية النقدية. لأن تخطي أحادية الماركسية إلى أبعاد النظرية النقدية المتعددة يعني أن تصير الماركسية بُعداً من أبعاد النظرية النقدية. ومن هذه الزاوية فإن الماركسية نظرية نقدية تم تجاوزها وليست النظرية النقدية حصراً، شأنها في ذلك شأن النظرية النقدية عند هوركهايمر وأدورنو وماركيوز، بينما لا يمكن وصف النظرية النقدية بأنها ماركسية. وهذا أفضل تلخيص للخطوط العامة للعلاقة بينهما. وفي حدود هذه الخطوط العريضة للعلاقة بين النظرية النقدية والماركسية فإن ما يبقى من الماركسية في النظرية النقدية في نسختها الأخيرة عند هابرماس هو جانبها النقدي أو ما يعرف بنقد الآيدولوجيا.

* هل من تبيان أكثر لهذا الأمر؟

- لتوضيح هذا الأمر عند هابرماس لا بد من تبيان، غاية في العمومية، لنظرية التحرر عنده. مشروع التحرر عند هابرماس ذو شقين: يتكون أحدهما في العلاقة بالطبيعة وثانيهما في العلاقة بين البشر والشقين لن يتحقق فيهما التحرر إلاّ بالتفكير النقدي. هذا الإطار العام هو ما يقوم عليه كتاب “المعرفة والمصالح الإنسانية” أحد أهم كتب هابرماس الذي تقوم فيه المعرفة على صنفين من الأفعال: الفعل الأداتي الذي يقوم في العلاقة بالطبيعة والفعل التواصلي الذي يقوم في العلاقة بين البشر، أي الفعل والتفاعل، إلاّ أن هذه المعرفة تحتاج إلى نوع ثالث من المعارف لكي تؤدي غرضها في التحرر ألا وهي التفكير النقدي. هذه المعارف الثلاثة يمكن إجمال عقلانياتها في: العقلانية الأداتية والعقلانية التواصلية والعقلانية النقدية.
وإذا كان هدف العقلانية الأداتية في العلاقة مع الطبيعة هو الوصول إلى الأتمتة الكاملة بحيث يتحرر الإنسان بالكامل من الطبيعة فإن هدف العقلانية التواصلية في العلاقة بين البشر هو الوصول إلى تفاعل يقوم على الفهم والتفاهم الكامل والشفافية التامة بحيث تتحقق العدالة والمساواة والحرية بما يشبه مستوى الأتمتة التامة في الطبيعة (وهذا فقط لتقريب الصورة وليس لأن العلوم الطبيعية نموذج لما يجب أن يكون عليه الحال بالنسبة للعلاقة بين البشر). هذا التحرر تعيقه عوائق ابستمولوجية بالنسبة للعلاقة مع الطبيعة ولذلك فهو في حاجة باستمرار إلى التفكير النقدي.
أما في مجال العلاقة بين البشر فإن ما يعيق التحرر هو مصالح لا تنتسب إلى النوع الإنساني ككل وإنما إلى مجموعة منه، إلى طبقة اجتماعية أو قوى اجتماعية بعينها، وهي عوائق تسد الفراغات والفجوات ـ على حد تعبير هابرماس ـ التي توجد في الفعل التواصلي؛ أي أن الخلل في الفعل التواصلي تتولد عنه فجوات تسدها قوى اجتماعية بعينها بما يخدم مصالحها لا مصالح النوع الإنساني، ولأن هذه الفجوات جزء من الفعل التواصلي فإن ما يسدها يجب أن يتمثل ما يقوم به الفعل التواصلي فيدعي العدالة والمساواة والحرية والشفافية رغم أنه نقيض شروط التواصل هذه لأنه يخدم قوى اجتماعية بعينها. وهذا يعني أن ما يسد هذه الفجوات هو الايدولوجيا عينها كما عرفتها الماركسية؛ وهذا يعني أن إزالة العقبات الأيديولوجية لكي يتم التواصل ضرورة تستدعي الحاجة إلى التفكير النقدي، أو ما يمكن تسميته بنقد الآيدولوجيا.
وهذا هو ما بقي من الماركسية في النظرية النقدية كما انتهت عند هابرماس. ولمن ينظر في الأمور على نحوها الدقيق والعميق فإن هذا القدر من الماركسية الموجود في النظرية النقدية قدر كبير ولا يستهان به ولكنه أيضاً قدر لا يسمح بالقول بأن النظرية النقدية مجرد ماركسية جديدة. إنه تخطي جدلي للماركسية ـ كما قلنا من قبل ـ يحفظها بتجاوزها أو هو نفي النفي كما نعرفه في الجدل الهيجلي أو الماركسي. والدليل الحيوي على صحة هذا الاستنتاج هو أن الماركسية كانت قد أعلنت موت الفلسفة واعتبرته عائقاً ايدولوجياً في سبيل التحرر تستخدمه البرجوازية باقتدار (وهي أحد الاتهامات التي طالت هابرماس في الستينات باعتبار أنه ما يزال يمارس صراعاً فلسفياً بدلاً من أن يمارسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً). وهي قراءة خاطئة تماماً لمقولة ماركس في كون الفلاسفة اعتادوا تفسير العالم وأنه قد حان أوان تغييره. المهم أنه بينما أعلنت الماركسية موت الفلسفة (حتى وإن تعددت نسخ هذا الموت أو فهمه) فإن النظرية النقدية عند هابرماس تعتبر الفلسفة هي علم التفكير النقدي وبذلك ترد لها اعتبارها لا كأحد العلوم وإنما كأهمها. فهي أحد ثلاثة معارف إنسانية؛ فبينما كل العلوم تنقسم بين العلوم ذات الصلة بالطبيعة والعلوم ذات الصلة بالإنسان وتفاعلاته فإن الفلسفة تقوم على رأس العلوم النقدية. وهو من أهم الانتقادات التي وجهها هابرماس إلى ماركس باعتبار أن الأخير قد خلط بين العلوم النقدية والعلوم الطبيعية. هكذا تصبح مهمة الفلسفة “تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع إلى مستوى النقد من العماء الأيدولجي” (وفق ما أستحضر من لغة هابرماس) ولذلك دعني أقول لمن يعيشون في أحلام موت الفلسفة: “لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل فلسفة تموت فلسفة جديدة”. وأنا أعني بدقة عدم الحلم بعالم سعيد؛ فالعبارة ليست مجرد مجاراة لشعر أمل دنقل وإنما هي عبارة أقصدها تماماً، لأن الفلسفة وعي شقي ـ على حد تعبير هيجل ـ ولكنه ضروري لمشروع التحرر الإنساني.
صورة العضو الرمزية
ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí
مشاركات: 39
اشترك في: السبت يناير 05, 2008 3:31 pm
مكان: بورتسودان

حوار الفيلسوف هشام عمر النور ج2

مشاركة بواسطة ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí »

الواقع الملوُّث بالبشر.. حوار مع الدكتور هشام عمر النور (2)/الكثير من المثقفين يرون في النظرية النقدية وسائر تيارات الفلسفة المعاصرة محض ترف فكري
حوار: مازن مُصطفى
(الاستنارة التي ندعو لها الآن تقوم أسسها النظرية والفلسفية على الاختلاف والتعدد، على حضورٍ غائب لا يوجد إلاّ إجرائياً في حوارٍ ما). في هذا المناخ يتم
حوار لايمكن وصفه بوصف قبلي، بين إثنين من المشتغلين في حقل الفلسفة، يستنطق فيه الكاتب والروائي مازن مصطفى المتخرج بإمتياز مع مرتبة الشرف من كلية الفلسفة جامعة النيلين، الدكتور هشام عمر النور رئيس قسم الفلسفة بجامعة النيلين والذي تتنوع إهتماماته الفلسفية بين الفلسفة المعاصرة، والنظرية النقدية التي أنجز فيها درجة الدكتوراة، وفلسفة التكنلوجيا وفلسفة القانون وعلم الجمال، وفلسفة العقل والحداثة وما بعدها. يتشعب هذا الحوار في محاور عديدة منها الماركسية فكرتها وعلاقتها بالنظرية النقدية، والضرورة النظرية لتجاوزها (التي قدَّم د. هشام ورقة حولها)، وفلسفة الهوية وقضايا فلسفية أخرى. في هذه الحلقة يتواصل الحوار حول الماركسية والنظرية النقدية .
لا أنكر تأثير المنعطفات، اللغوي والهيرمنيوطيقي والتداولي، على عمل هابرماس مثلاً. لكن ألا ترى معي أن النظرة التاريخية لتطور الفلسفات والفنون، هي نظرة مجحفة؟ لعل مفهوم دولوز “مسطح المحايثة” أقدر على مساعدتنا في الهروب من زعم الضرورة التاريخية، دون أن يلغي صواباتها؟
- إن المنعطفات التي ذكرت كلها يمكن إجمالها في المنعطف اللغوي، وهو المنعطف الذي وسم الفلسفة المعاصرة بطابعها، وبعده تغيرت الفلسفة تغيراً لم تعد أبداً ما كانت عليه من قبل؛ وانتقلت من الذات إلى التذات (أي مابين الذوات) ومن الآحادية إلى التعددية. وتخلف الماركسية عن هذا المنعطف هو الذي استدعى ضرورة تخطيها النظري بينما حضور النظرية النقدية في هذا المنعطف هو الذي يرشحها لوراثة الماركسية في كونها الأساس النظري لمشروع التحرر الإنساني.
أما الإجابة على هذا السؤال فأعتقد أننا نجد مفتاحها في نهايته. ودعني أسأل: “لماذا الهروب من زعم الضرورة التاريخية”؟ وبالعودة إلى هابرماس يمكن الإجابة على هذا السؤال بالقول: أن مفهوم “الضرورة التاريخية” يمثل القنطرة التي تنتقل بها العلموية (أي وجهة النظر التي ترى في العلم الطبيعي حلاً لكل مشاكل النوع الإنساني) إلى مجال علوم الإنسان، إذ عن طريقها يتسنى للعلموية أن تخضع هذا المجال لقوانين السببية وإلى استراتيجيات العقل الأداتي فيصبح التواصل وعلومه المختلفة جزءاً من العلوم الطبيعية يسري عليه ما يسري عليها. والأمر ليس كذلك فللعلوم الطبيعية مناهجها وأدواتها وعقلانيتها وللعلوم الإنسانية مناهجها وأدواتها وعقلانيتها وهو ما يفتح الباب أمام التعدد وتجاوز الآحادية التي أشرنا إليها.
ولكن الهروب مطلقاً من “الضرورة التاريخية” ليس موقفاً صحيحاً أيضاً، فكما يشير السؤال فإن هنالك “صوابات” لهذه “الضرورة التاريخية”. هذه “الصوابات” يمكن إجمالها في استناد المفاهيم على بعضها البعض، أي ما نسميه التراكم؛ صحيح أن هذا الاستناد (التراكم) قد لا يعتمد السببية والعلِّية كناظم له وقد يكون محض “أرشيف” كما ذهب إلى ذلك فوكو ودريدا ولكنه على أية حال استناداً للمفاهيم على بعضها البعض. وإذا ما أضفنا إلى ذلك التعددية فإن هذا يقودنا إلى تصور للتاريخ ليس صقيلاً ولا أليساً ـ على حد تعبير فوكو ـ وإنما تصور تكون فيه لكل موضوع صيرورة خاصة لها وتيرتها الخاصة، فالتاريخ ليس له وتيرة واحدة وإنما وتائر لا تعد ولا تحصى تتوزع بين موضوعات لا تعد ولا تحصى، وهذا لا يعني أن الصلة مقطوعة بين هذه الموضوعات وإنما يعني أن العلاقة بينها تنبني من مواقع متباينة. فتاريخ العلم ليس هو تاريخ السلطة الذي هو ليس تاريخ الفنون...الخ وهذا لا يعني انقطاعها عن بعضها البعض وإنما يعني تباينها. وهو ما حدا بهابرماس إلى القول بأن المشكلة في مشروع الحداثة ـ الكلاسيكي ـ بشقيه الرأسمالي والاشتراكي هي أنه بينما تطورت العقلانية المعرفية الأداتية فإن العقلانية الأخلاقية التواصلية لم تشهد هذا التطور (لا بدّ هنا من لفت الانتباه إلى أن “الأخلاقية” هنا لا تعني الأخلاق بالمعنى الديني وإنما تعني كل ما هو عملي، تعني التواصل والتفاعل بين الناس في مستوى عالم الحياة وفي مستوياته المؤسسية المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية...الخ).
والمنعطف اللغوي الذي جاء ذكره في السؤال هو الذي يوفر الأساس النظري لهذا التعدد فعلى أساسه تم التمييز بين العقلانيات المختلفة في المعرفة الإنسانية، ومن هنا اكتسب أهميته الحاسمة. إن المنعطف اللغوي هو الذي جعل الخروج من “الضرورة التاريخية” كما تعرفها الماركسية ـ مثلاً ـ أمراً ممكناً. ولذلك فإن الإجابة على سؤالك متضمنة فيه، إذ لا يمكن الجمع بين المنعطف اللغوي والنظرة التاريخية الكلاسيكية، بل يمكن الادعاء بأن إجحاف النظرة التاريخية الذي أشرت له في السؤال لا يمكن تجاوزه إلاّ بالاستناد النظري على المنعطف اللغوي.
والمهم في كل ذلك أنه بتجاوز هذا الإجحاف تسترد قدرات الذهن الإنساني اعتبارها وأهميتها كقدرات نقدية تتعالى على كونها مجرد قدرات سلوكية لتصبح قادرة على الخروج على تاريخها وإعادة النظر فيه، وهي قدرة عظيمة وجليلة لا يتوفر دونها إبداع ولا فكر ومنها يكتسب العقل الإنساني عظمته وفرادته. ولكل ما ذكرت فإن مفهوم “مسطح المحايثة” لدى دولوز هو أيضاً لا يشكل مخرجاً مناسباً لأنه يوسّع “الضرورة التاريخية” دون أن ينفذ من ضيقها تماماً، فهو أيضاً مفهوم يؤكد أن كل شيء موجود هنالك وأنه لا جديد البتة وأننا نكرر بطريقةٍ ما النصوص نفسها و(هل غادر الشعراء من متردّمٍ؟)، وهو أيضاً مسطح لا يمكن أن يراه إلاّ عقل إلهي وكوني. لقد حاول دولوز الخروج على العلِّية والسببية ولكنه كان نصف خروج لعدم قدرته الخروج على فكرة أن كل شيء موجود هنالك.
النظرية النقدية، لماذا؟ النظرية النقدية تعود إلى بدايات القرن الماضي، ألا توجد ضرورة نظرية، نظراً للتراكم المعرفي منذ ذلك التاريخ، تدعو لتجاوز النظرية النقدية؟
- الإجابة على هذا السؤال تجعلني استعيد بعض ما ذكرت تعميماً في الإجابات السابقة. فقد ذكرت بشكل عام أن النظرية النقدية قد فشلت في بداياتها مع هوركهايمر وأدورنو وماركيوز في تحقيق هدفها النظري وفتح الماركسية على أبعاد متعددة بحيث تصبح نظاماً متعدد الأنظمة multi-disciplinary system بسبب عدم قدرة فلاسفة النظرية النقدية هؤلاء على الخروج على نظرية المعرفة الماركسية، وكيف أن أدورنو لم تشفع له حصافته النقدية ولا قدرته المذهلة فيما أسماه الميتانقدية لتدارك هذا الفشل، وكذلك ماركيوز الذي استبدل مبدأ العمل بمبدأ اللذة والليبيدو الفرويدي وظل داخل نظرية المعرفة الماركسية، وكل ما فعله هو استبداله لبعد الماركسية الآحادي ببعد آخر آحادي أيضاً، فأصبح مبدأ العمل خاضعاً له. ونجحت النظرية النقدية لاحقاً مع هابرماس في تخطي هذا الفشل واستطاعت فتح الماركسية على أبعاد متعددة ولكن هذا النجاح لم يتم إلاّ بتخطي نظرية المعرفة الماركسية مما أدّى إلى تخطي الماركسية نفسها.
ولكن دعني أسجل ملاحظة في البداية قد نجد فيها إجابة مباشرة من حيث الشكل على هذا السؤال. فالخطوط العامة السابقة تبرز حقيقة أن النظرية النقدية لم يكتمل أساس مشروعها النظري إلاّ مع هابرماس؛ وحتى مع هابرماس فإن إرساء الأساس النظري قد تحقق مع كتاب هابرماس وعمله النظري الأساسي "نظرية الفعل التواصلي" بجزأيه الضخمين الذين صدرا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أي قبل حوالي عقدين من الزمان، ويكتسب هذا الكتاب أهمية مضاعفة، إذ أنه يطرح نظرية للتحرر في وقت كانت فيه الماركسية تعاني أيما معاناة، إخفاقاتها وانهياراتها العظيمة؛ فقد وفر بديلاً نظرياً لقوى التغيير في العالم بالضبط في الوقت المناسب ولم يدعها نهباً ليأسها وخيبة أملها.إننا حين نستلهم هابرماس فأننا لا نستلهم النظرية النقدية في بدايات القرن الماضي وإنما نستلهم آخر تطوراتها في أواخر القرن الماضي، نستلهمها من فيلسوف ـ كما قلنا من قبل ـ يمثل أحد أهم فلاسفة عالمنا المعاصر. وهو فيلسوف لم يكن منغلقاً على نظامه النظري بل كان طرفاً في حوار مع أهم فلاسفة العصر وتياراته الجديدة. وكتب هابرماس ونظرياته واستنتاجاته هي خلاصات لقراءات عميقة ومتعددة لأهم منجزات عصرنا الفلسفية والنظرية. وأسلوب هابرماس في الكتابة يعكس هذه الحقيقة فهو لا يطرح استنتاجاته النظرية إلاّ من خلال القراءة النقدية لأهم الفلاسفة في موضوع كتابته؛ فنجده، مثلاً، يحاور كانط وهيجل وماركس وماخ وبيرس وفخته ونيتشه وديلتاي وفرويد في كتابه "المعرفة والمصالح الإنسانية"؛ وجورج هربرت ميد وبوبر ودوركايم وماكس فيبر وإيفانز بريتشارد وبيتر ونش ولوكاتش وأدورنو وتالكوت بارسونز في كتابه "نظرية الفعل التواصلي"؛ وهيجل وهيجلي اليسار وهيجلي اليمين ونيتشه وهوركهايمر وهيدجر ودريدا وباتاي وفوكو في كتابه "الخطاب الفلسفي للحداثة". وإذا وضعنا في اعتبارنا أن لهابرماس أكثر من عشرين كتاباً، فيما أعلم، لأدركنا مدى الاتساع المذهل لمعارف هذا الفيلسوف. ولذلك فهو حينما يكتب إنما يكتب عن قضايا عصره ويحاور تياراته ويحاول تجاوز انهيارات مشاريع تحرره، وهو ما يزال حياً وفاعلاً إلى الآن.
هذا من الناحية الشكلية ولكن هذه الناحية ليست كافية للإجابة على هذا السؤال إذ أن المعاصرة ليست كافية بحد ذاتها للتعبير عن معارف العصر وخصائصه النظرية ولتقديم إجابات مقنعة على مشكلاته. هذه الناحية الشكلية تصبح كافية إذا ما أحسن الفيلسوف هضمها وتمثلها واستيعابها نقدياً ومن ثم استخدامها في التعبير عن معارف عصره ومشكلاته، كما ندعي قيام هابرماس بذلك. حينئذ يصبح التساؤل حول إذا ما كان هنالك تراكم معرفي يستدعي تجاوز النظرية النقدية تساؤلاً غير ذي معنى وفي غير محله. ولذلك فإن الأهم بالنسبة للإجابة على هذا السؤال هو أن نقيم الحجة على أن هابرماس فعلاً قد أحسن التعبير عن معارف وقضايا عصره.
هذه المسألة هامة إذ يكمن فيها ما نعتمد عليه في القول بأن هنالك ضرورة نظرية لتخطي الماركسية. فزعمي الأساسي قائم على أن النظرية النقدية تتخطى الماركسية لأنها تعبّر عن معارف عصرنا وخبراته وخصائصه ومشكلاته فيما فشلت الماركسية في ذلك. الماركسية، ولأنها أحادية تطرح صيغة واحدة للتعامل مع التيارات الفلسفية اللاحقة لها، فهي تفشل في إدماجها في نظامها الفلسفي طالما أنها لا تستند على ذات بعدها الأحادي، ولا يبقى لها من خيار سوى محاولة دحضها وإلحاقها بخصمها النظري “الأيديولوجية البرجوازية”، التي صارت غولاً يبتلع جل تيارات الفلسفة المعاصرة إذا لم يكن كلها. وهو أمر لا يوفر لنا غير وصف الماركسية بالسلفية الجديدة. فكل بدعة بعدها ضلالة وكل ضلالة هي آيديولوجية برجوازية. أليس هذا هو موقف الماركسية من البنيوية حتى بعد ما صارت ماركسية مع ألتوسير، أليس هو موقفها من ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة ومن الهيرمينوطيقا وجل التطورات التي حدثت في مجال فلسفة اللغة وفلسفة العلوم وفلسفة التكنولوجيا؟ الماركسية لم يتسنى لها بسبب أحاديتها الاستيعاب النقدي لمعارف عصرها، فأدانتها جميعها ودمغتها بطابعها الجاهز وبوأتها مقعدها من “الأيديولوجية البرجوازية”.
الاستيعاب النقدي لقضايا العصر وخصائصه وتياراته ومعارفه يعني التعاطي معها بحيث تصبح نتائجها المحققة بالحجج جزءاً من النظام المعرفي المحدد وإلاّ انعزل هذا النظام عن عصره ليعيش غربته في ماضيه الزاهر حين كان يعبر حقاً عن آمال البشر ومعارفهم. لم يتسنى للماركسية الاستيعاب النقدي لأي من تيارات عصرنا، فلم تصبح التفكيكية أو ما بعد البنيوية أو ما بعد الحداثة أو الهيرمينوطيقا أو تيارات فلسفة اللغة وفلسفة العلوم وفلسفة التكنولوجيا جزءاً من بنائها المعرفي، ومع ذلك فما زال الماركسيون السودانيون يحافظون على ترديد أكليشيه الحوار النقدي معها دون أن نرى أية نتائج ملموسة على أرض الفكر، مجرد أكليشيهات صارت جزءاً من البرنامج السياسي ومن مقالات المنافحين عن الماركسية. هل هذا مجرد تقصير وأن الماركسية ما زالت قادرة على الاستيعاب النقدي لمعارف عصرنا وخبراته، وبالتالي يصير هذا الأمر واجباً معلقاً؛ شأنه شأن أجندة التغيير الاجتماعي الأخرى؟ لا أظن، ببساطة لأن أداء هذا الواجب يعني تخطي الماركسية؛ والمؤسف في الأمر أن هذا الواجب مقدمة ضرورية للوفاء بمتطلبات القيام بأجندة التغيير الاجتماعي الأخرى ولذلك ستظل هي أيضاً معلقة.
أما النظرية النقدية فإني أزعم بأنها قد ورثت الماركسية وأصبحت أبلغ تعبير معاصر عن معارف عصرنا وقضاياه وخبراته. فإذا أخذنا مثالاً واحداً فقط وهو الاختلاف باعتباره أهم خصائص عصرنا ومعارفه، وباعتباره الأساس الفلسفي والنظري لجل تيارات الفلسفة المعاصرة؛ وبوصفه كذلك، فقد حلّ بديلاً للهوية، فاضحاً بالنقد حضور هذه الهوية الميتافيزيقي. فإن النظرية النقدية قد استوعبت هذا الاختلاف نقدياً، فهي لم تسلم به مطلقاً ولم تنكره مطلقاً. فالتسليم المطلق بالاختلاف يعني، فيما يعني، امتناع المعرفة وأي مشروع للتغيير لأن المعرفة ومشاريع التغيير لا تقوم في السلب وإنما في التفكير الإيجابي (السلب والإيجاب بالمعنى الفلسفي لا بمعنى الأخلاقي؛ فالسلب يعني انتفاء التعيين بينما الإيجاب يعني إمكانه). بينما إنكار الاختلاف مطلقاً ينتهي بنا إلى ذات النتيجة، إلى امتناع المعرفة ومشاريع التغيير فالامتلاء الميتافيزيقي بالحضور يعني وقوع المعرفة المطلقة ابتداءً فتمتنع لأنها حاضرة أصلاً والواقع الممتلئ بالحضور لا يعتريه نقص وبالتالي لا يعوزه التغيير.
والحداثة الكلاسيكية وقعت في تناقض أنها تقوم على المعرفة والعلم كما أنها تقوم على مشروع تحرر بينما هي تعتمد في أسسها الفلسفية والنظرية على حضور ميتافيزيقي للذات والموضوع يؤدي لامتناع المعرفة والتغيير معاً، ولعل هذا هو أحد أسس فشلها الفاضح، كما هو أحد أسباب إخفاق الماركسية. النظرية النقدية استوعبت الاختلاف نقدياً باقتراحها لعقلانية تعددية تعتمد على علم جديد أضافته لعلوم اللغة، ألا وهو التداولية وأفعال الكلام التي يقوم عليها هذا العلم. وبالمناسبة هذا العلم جذره اللغوي مستمد من pragmatics التي تستمد منها البراجماتية مصطلحها الفلسفي، والتداولية على صلة وطيدة بالمذهب الفلسفي البراجماتي إذ تجمع بينهما أسس نظرية وفلسفية، سوى أن التداولية تحولت إلى علم يدرس جانب استخدام اللغة، أي الكلام، وهو جانب أهملته علوم اللغة الأخرى التي تدرس تركيب اللغة ومعانيها ونظامها الصوتي. وجانب استخدام اللغة، أي الكلام، كان يُظَن وإلى وقت قريب أنه غير قابل للدراسة العلمية. وبذلك تكون النظرية النقدية قد استلهمت حتى التيارات المقابلة للماركسية.
التداولية، وبالذات التداولية الكلية عند هابرماس، ترى أن أي شخص يرفع في الكلام مزاعم صحة؛ قد تكون زعماً بالتطابق مع الواقع أو زعماً بالتوافق مع القيم أو زعماً بالتعبير عن الذات. وبذلك استطاعت النظرية النقدية أن تتفادى الاختلاف المطلق والحضور الميتافيزيقي فبدلاً عن الموضوعات القائمة هنالك في العالم والمتطابقة تطابقاً تاماً مع ذاتها تطرح النظرية النقدية مجرد زعم بهذا التطابق ولأنه كذلك فهو قابل لاستيعاب الاختلاف دائماً كجزء من نظام هويته أو اختلافه إذا شئت؛ وهو ما يصدق حتى على الذات فتنسجم النظرية النقدية مع ما توصلت له ما بعد البنيوية من تفكيك للأنا وتبني ما يعرف بالأنا غير المتمركزة decentered self. وفي نفس الوقت فإننا يمكن أن نستند على ذات مزاعم الصحة كمعارف (حتى ولو مؤقتة) ولبناء مشاريع للتحرر قابلة للرد وإعادة البناء باستمرار. لقد استطاعت النظرية النقدية أن تكون مفتوحة على الهوية والاختلاف معاً لأن عقلانيتها ونظام هويتها قد استند في تحديده فقط على أسس إجرائية فهو لم يحدد مضموناً ما وإنما إجراءات وبذلك سمح لمضمونها أن يكون كيفما يشاء فقط اشترط عليه أن يقوم على حجج المتكلمين والمتحاورين في شأنه؛ ونجح بذلك في إخراج الاختلاف من النسبية المطلقة وفي إخراج الهوية من حضورها الميتافيزيقي.
إن انعطاف النظرية النقدية لدى هابرماس مع المنعطف اللغوي في الفلسفة أمكنها من تأسيس علاقة مع كل تيارات الفلسفة المعاصرة، واستناد النظرية النقدية على انعطافتها اللغوية هذه لبناء عقلانية تعددية أمكنها من تحويل هذه العلاقة إلى علاقة نقدية استطاعت عبرها النظرية النقدية استيعاب تلك التيارات وتجاوزها. بينما الماركسية وبسبب نظرية معرفتها لا تستطيع قبول المنعطف اللغوي في الفلسفة فهو بالنسبة إليها موقف مثالي يتناقض مع ماديتها وبالتالي فهي لا تستطيع إلاّ رفضه ومخاصمته لتعيش عزلتها غير المجيدة بين تيارات الفلسفة المعاصرة.
واستطراداً في وصف الموقف من النظرية النقدية، فإننا نرى أن هنالك الكثير من المثقفين لا يرون في النظرية النقدية ولا في سائر تيارات الفلسفة المعاصرة سوى طنيناً لا طائل من ورائه أو هو محض ترف فكري لا يترتب عليه أية مواقف سياسية واجتماعية أو هي في أحسن الأحوال مواقف فلسفية لم تكتمل بعد ولذلك لا يمكن دراستها ولا يمكن أن نبني عليها أية مواقف سياسية واجتماعية؛ وفي كل الأحوال فإن هذا الموقف يجانب ما يجري في العالم الآن، فرموز النظرية النقدية وتيارات الفلسفة المعاصرة الأخرى يصوغون الرأي العام فليس ببعيد افتتاح هابرماس للبرلمان الأسباني رغم أنه ألماني حين فاز الحزب الاشتراكي الأسباني بالانتخابات هناك، ولا هو غريب موقع أنتوني جدنز (وهو فيلسوف واجتماعي بريطاني بالغ التأثر بهابرماس) في حزب العمال مستشاراً لتوني بلير ولا هو استثناءً رسالة هابرماس ودريدا المشتركة بخصوص الوحدة الأوروبية أو زيارة هابرماس لإيران.
إن كل ما يكتبه هابرماس هو انخراط مباشر في الحوار والجدل السياسي ومشروع هابرماس بالأساس مشروع للتحرر الإنساني كما كانت الماركسية تماماً؛ ولذلك فمن المزعج جداً أن يتم التعامل معه على أساس أنه مجرد مثقف يشتغل على قضايا معقدة وعويصة وبعيدة عن الواقع فلا أحد في عالمنا المعاصر يتعامل معه على هذا الأساس، وسيادة هذا المناخ في حياتنا الثقافية والسياسية في السودان يشير بجلاء إلى ضعف العمل النظري والفلسفي في تاريخ هذه الحياة الثقافية والسياسية إلاّ من جهود تضئ هنا وهناك يظل أصحابها أعلاماً يستحقون التقدير والاحترام وهم قلة قد لا يتجاوز عددها أصابع اليدين منذ استقلال البلاد؛ وحتى هذه القلة تتفاوت حظوظها في قوة التفكير النظري وعمقه تفاوتاً كبيراً بحيث قد ينتهي بها الأمر إلى أثنين أو ثلاثة هم فعلاً الذين يشتغلون على قضايا نظرية عميقة ذات صلة بالمشروعات السياسية الكبيرة في بلادنا. ولا أود أن أذكر أسماءً فليس الهدف التعريض بأحد بكلامٍ عام في مقابلة صحفية، فمثل هذه الأحكام، والتي هي الآن لا تخرج من كونها تأملات وملاحظات، يجب أن تقوم على دراسة عميقة أتمنى القيام بها يوماً ما. ولكن دعني أقول إن خلو حياتنا الثقافية من الفلسفة والفلاسفة والمشتغلين بها لا ينبئ عن حدث عارض وإنما يحكي عن حقيقة المشاريع السياسية والاجتماعية في بلادنا، السائدة منها والبديلة، إنها أزمتهما معاً؛ وهي أزمة لها جذورها الاجتماعية بالتأكيد
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

الحلقة3

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

الأستاذ فتح العليم،
شكراً على إيجاد وإيراد الحوار. لقد إكتمل الآن نشر الجزء المقرر إصداره بالأحداث، وأرجو أن نجد الوسيلة لنشره كاملاً بصورة مستقلة مستقبلاً. سأكمل الآن نشر ما تبقى، والذي ذهب بي الظن إلى تعذر حصولك عليه لسبب أو لآخر..

-----------------------------------------------------------------------------

الحلقة3

• نلاحظ اتفاق دائم مع هابرماس، دون أن تصدر عنك في أعمالك أي تحفظات نقدية، أتجد الأمر مطمئناً؟

هذا سؤال هام جداً لم يطرحه عليّ أحد من قبل وظللت أتوقعه لأن ما يصدر عني لا ينسجم مع فكرة أن أكون متطابقاً تطابقاً تاماً مع أحد، حتى ولو كان هابرماس. ولذلك فإن هذا السؤال يمنحني فرصة مناسبة وجيدة ومواتية لتوضيح بعض القضايا والتي ما كان من الممكن توضيحها، إذ يتطلب ذلك القيام بأمور لا نحبذ القيام بها عادةً إذا لم يُطلب منا ذلك. فلا أحد يتحدث عن الكيفية التي يفكر بها ومنطقها ومشاريعه النظرية دون أن يطلب منه أحدٌ ما ذلك ـ أو على الأقل هكذا الأمر بالنسبة لي؛ فذلك قد يثير شبهات كثيرة ـ فيما أعتقد ـ حول مقدار الأهمية الأكثر من اللازم التي تنسبها لنفسك؛ وإن كنت أشعر باستمرار بأهمية أن أوضح لأصدقائي ولزملائي ولقرائي ولخصومي ـ على وجه الخصوص ـ إن ما أقوم به لا يكرر ولا يجتر هابرماس. فلا أحد يستطيع أن يكون نسخة من شخص آخر حتى لو أراد.
وما أقوم به هو أنني أعمل وأشتغل على هابرماس كما أشتغل على القضايا التي أخوض فيها. وهابرماس الموجود فيما أقوم به هو هابرماس مختلف عن أي هابرماس آخر، بما في ذلك هابرماس كما يرى نفسه أو هو بالذات مختلف عن الأخير. وأعتقد أن لي كامل الحق في استدعاء هابرماس بالطريقة التي أريد وكيفما أشاء، فقط بدون كسر رقبته؛ أي بدون أن أقوّله ما لم يقل، وبدون أن أنسب لمشروعه ما لا ينتمي له أو ما هو نقيضه تماماً؛ مع الاحتفاظ بحقي كاملاً، أيضاً، في نقده وتجاوزه واستنتاج قضايا نظرية من عمله يمكن أن لا تنسجم مع ما أراده أو خطط له؛ إن من حقي أن أقرأ هابرماس قراءتي الخاصة فقط دون افتئات، ودون تجني. وهذا هو ما يعلمنا له هابرماس نفسه، فهو يقوم بقراءات دقيقة وحصيفة ومدهشة لفرط ذكائها لأعمال الآخرين؛ وأعماله النظرية تقوم في جلها على هذا الجهد. وقد اشتكى هابرماس مرة من كونه في قراءته لماكس فيبر في كتابه "نظرية الفعل التواصلي" لم يميز بشكل واضح بين هذه القراءة وبين ما يقوله ماكس فيبر فعلاً؛ مما يجعل القارئ يخلط بين ما هو قول فيبر وما هو استنتاجات هابرماس.
هذا كلام عام أحتاج إلى توضيحه وتفصيله حتى لا يظل كلاماً عاماً يمكن أن يقوله أي شخص دون أن يعني شيئاً في حقيقة الأمر، أي كلاماً ساكتاً تبقى معه الأمور كما هي. فيبقى ما أقوم به هو مجرد اجترار لهابرماس عند الآخرين، وفي حالة صدق ذلك فسيكون اجتراراً مشوهاً وعملاً نظرياً قبيحاً وتقليداً أعمى لا ينفع وإنما يضر، ولا يستحق أن يكون إلاّ في أسفل سافلين. ولذلك دعني أقوم بوصف هابرماسي الخاص، وهو ابتداءً مختلف عن هابرماس كما يرى نفسه. فهابرماس قال عن نفسه حين زار مصر ـ والعهدة على المفكر حسن حنفي الذي ذكر ذلك في إحدى مؤتمرات الجمعية الفلسفية المصرية ـ أنه لم يعد جزءاً من مدرسة فرانكفورت؛ وهو قول أجد نفسي مختلفاً معه تمام الاختلاف.
صحيح أن مدرسة فرانكفورت لم تعد على ما هي عليه مع هابرماس واختلفت اختلافاً كبيراً وجذرياً عما كانت عليه من قبل؛ بل يمكن الذهاب إلى القول بأن مدرسة فرانكفورت قد تخطت في انعطافتها اللغوية مع هابرماس أسسها الابستمولوجية (المعرفية)، ومع ذلك تظل النظرية النقدية عند هابرماس باقية ضمن الإطار العام لمدرسة فرانكفورت. وأية مدرسة تستحق أسمها من إطارها العام والإجرائي لا من تفاصيل مواقف فلاسفتها النظرية. وضمن ذلك، فإن النظرية النقدية عند هابرماس هي إكمال المشروع النظري لمدرسة فرانكفورت. فرواد مدرسة فرانكفورت قد فشلوا ـ كما رأينا ـ في إنجاز مشروعهم النظري القائم على فتح الماركسية على أبعاد متعددة بينما حققه هابرماس. صحيح، أن تحقيق هذا المشروع النظري قد أحدث تحولاً جذرياً في النظرية النقدية وتجاوزاً نظرياً للماركسية ولكنه مع ذلك يظل مشروعاً لمدرسة فرانكفورت ويتوفر لها كامل الحقوق في ملكيته؛ فهي التي اقترحته وبدأت تنفيذه إلاّ أنها انصرفت عنه لتنشغل بمهمة نقد العقل الأداتي، وهي مهمة ضرورية جداً لعمل هابرماس النظري بل يمكن اعتبارها مقدمة ضرورية لازمة لهذا العمل بحيث يصعب تصوره بدونها.
كما أن عمل هابرماس النظري يتبنى تقاليد مدرسة فرانكفورت في، مثلاً، نقد الوضعية، كما فعل تماماً هوركهايمر وأدورنو وماركيوز. صحيح أن نقد هابرماس كان على أسس معرفية جديدة ولكنه على أي حال استمرار لهذا التقليد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تأثير كانط ولوكاتش وفرويد على مدرسة فرانكفورت فهو ذات التأثير على هابرماس وإن اختلفت جوانب التأثير. وكذا الأمر مع وجهة النظر التي ترى أن لكلٍّ من العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية منهج قائم بذاته وعقلانية مميزة؛ وهو ما دافع عنه هابرماس وأستاذه أدورنو في مناظرتهما الشهيرة مع كارل بوبر في بداية الستينات من القرن الماضي. هذه القضايا تكاد تمثل القضايا النظرية الأساسية في مدرسة فرانكفورت ولذلك نستطيع باطمئنان أن نقول إن هابرماس جزءاً من مدرسة فرانكفورت وتقاليدها دون التقليل من الاختلاف الكبير بينهما.
إلى الآن والأمر لا يمثل اختلافاً كبيراً مع هابرماس ولا يعدو أن يكون مجرد تقديرات مختلفة لذات الأمور. ولذلك دعنا الآن نبدأ في الإشارة إلى الأمور المهمة والقضايا التي أعتبر أنني أمارس فيها اختلافاً حقيقياً مع هابرماس، وأزعم لنفسي تجاوزاً نقدياً له في بعضها. يمكنني أن ألخص بشكل عام رؤيتي للنظرية النقدية في محاولتي دمج أدورنو وهابرماس؛ أي تركيبهما فلسفياً معاً. بمعنى أن هذا الدمج ليس عملية تلفيق عناصر من هنا وهناك وإنما تركيب رؤية فلسفية ومنهج من كليهما؛ وهو أمر قامت به كل رؤية فلسفية ومنهج لعبت دوراً هاماً في التاريخ الإنساني. وهو ما يجعلني أميز بين التلفيق والتركيب. التلفيق تنتج عنه التناقضات، بينما التركيب تنتج عنه رؤية فلسفية متماسكة ومنهجاً متسقاً يشكل أداة نظرية قادرة على إنتاج المعرفة بعالمنا وفهمه ووضع أسس وإجراءات تغييره. هذا التركيب له نتائج نظرية على كليهما. أهمها أنه يتجاوزهما نقدياً الاثنين معاً.
ويمثل أدورنو التفكير السلبي في هذا التركيب، تفكير اللاهوية non-identity thinking وهو التفكير النقدي المحايث لموضوعه والذي يفككه بحيث يصبح مخالفاً ما كان عليه فيدرك تناقضاته ومن ثم يتعرف على بدائله الممكنة، ولكن وما أن تستقر هذه البدائل على هوية ما ممكنة في تفكير الهوية identity thinking إلاّ وعاد التفكير السلبي مجدداً لتفكيكها لتعود الكرّة من جديد، وهكذا دواليك. هذا التفكير هو ما يعرّفه أدورنو باعتباره الميتانقد metacritique ويختصره في عبارة "لاهوية الهوية واللاهوية" والتي تعبّر بدقة عن مسار هذا التفكير كما رأيناه قبل قليل. هذا التفكير هو الذي يجعل التغيير ممكناً، فهو تفكيك مستمر لمحاولات البناء المستمرة. ولكنه لا يمكن أن يستقر على مشروع ما فهو تفكيك مستمر يستحيل أن يقوم معه بناء؛ وهو هدم دائم لا حضور فيه، إنه الديالكتيك السلبي.
وهذا ما جعل المشتغلين بالفلسفة يدركون في وقت متأخر (في تسعينات القرن الماضي) صلة أدورنو القوية بجاك دريدا وبالتالي بتيارات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة، وهو أمر يستدعي أن نعيد كتابة هذه التيارات وتاريخها ويفتحها أيضاً على إمكانات جديدة؛ إذ أن أدورنو يسبقها بزمن ليس بالهين، وهو يصل لنتائج شبيهة بنتائجها ولكن في مجرى معرفي مختلف. وهو ما يجعلني استخدم أدورنو لدمج هذه التيارات في النظرية النقدية. فهي مع أدورنو تشكل بالنسبة لي الجانب النقدي الذي يجعل مشروع التحرر الإنساني ممكناً. أما هابرماس فيمثل، في تركيبه مع أدورنو، التفكير الإيجابي، تفكير الهوية. إنه البناء المستمر في مقابل الهدم المستمر عند أدورنو. وهما عمليتان كما هو واضح تحتاجان بعضهما، بل هما شرطان لبعضهما البعض، بحيث لا يستقيم أمر إحداهما بدون الأخرى.
وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة ذات صلة بما نناقشه قبل مواصلة الحديث وهي: إن هنالك اتفاقاً على تعريف مشروع الحداثة بأنه مشروع نقدي باعتبار أن النقد هو الخاصية الأساسية لهذا المشروع وهي الخاصية الوحيدة التي لم ينته بها الأمر إلى نقيض ما تزعم؛ بل ظلت تمارس فعاليتها دائماً هنا وهناك في أناس لا يسلمون مطلقاً بما هو قائم، فلاسفة ومفكرون وسياسيون وفنانون وعلماء، وتشكل الأساس الذي تقوم عليه محاولات إعادة بناء مشروع الحداثة أو حتى محاولات تجاوزه. وهذا يعني أن السمة الأساسية لمشروع الحداثة هي الهدم وليس البناء، بل إن البناء ظل دائماً يعاني من مشكلات ضخمة تتطلب أحياناً هدمه وإعادة هدمه.
ولعل ذلك يفسر لنا لماذا كان مشروع أدورنو كله مشروع هدم؛ إذ أن التنوير الذي باشره أدورنو كان نقداً للنقد لم ينته إلى ما هو متوقع منه وهو أن يتجسد نفي النقد في بناءٍ ما. بسبب أن الديالكتيك السلبي لم يكن إلاّ الوجه الآخر من الديالكتيك المادي ولذلك انتهى أيضاً إلى أن يكون الوجه الآخر من الانغلاق المطلق، أي الانفتاح المطلق. والنقائض المطلقة تنتهي إلى أن تكون هي نفس الشيء، إذ ينتهي نقد النقد عند أدورنو إلى نقد مطلق، أي هدم مطلق هو الوجه الآخر للبناء المطلق، فماذا يمكن أن يهدم الهدم المطلق؟ لا شيء. ولذلك هو بناء مطلق.
وهذا يقترح أيضاً الكيفية التي يمكن أن تتركب بها النظرية النقدية من أدورنو وهابرماس معاً. إن تفكير الهوية عند هابرماس ليس تفكيراً مطلقاً؛ فالهوية عنده ليست هوية جوهرية ثابتة، ليست جوهراً ميتافيزيقياً، بل هي ـ إن أردنا الدقة ـ لا تعكس أي مضمون سواء كان ثابتاً أو متغيراً، فهي مجرد إجراءات نتخذها بشأن الخطاب فتعمل على استقراره والوصول إلى إجماع بشأنه. ولأنه كذلك فإن تفكير الهوية عند هابرماس يصدق عليه تعريف أدورنو بأنه "هوية الهوية واللاهوية". بتركيب أدورنو وهابرماس معاً يحقق كل منهما مشروعه الفلسفي في الآخر، وبدون وجود أحدهما في الآخر فإن مشروع كلٍّ منهما الفلسفي سيمضي إلى ما لا يريد، إلى المطلق، فيغيب المشروعان فيما قاما، أصلاً، لنقده وتجاوزه. بدون هابرماس يمضي أدورنو بعيداً في اللاهوية بحيث لا نراه؛ وبدون أدورنو يعود هابرماس قريباً في الهوية بحيث لا نرى غيره. بدون هابرماس لا نمسك مع أدورنو شيئاً وبدون أدورنو نمسك مع هابرماس شيئاً لا نستطيع أن نمسك بغيره. وبهما معاً نحقق مشروعنا الدائم في التغيير، ثورتنا المستمرة ونمضي في مشروع تحررنا الإنساني. هما ضروريان معاً للهدم والبناء ثم للعودة مجدداً، وهكذا يمضي التحرر الإنساني في حركة تجاوز؛ لا في حركة تكرار.
هابرماس حدّد منهجاً التفكير النقدي في التأمل الذاتي self-reflection كما وضع أسسه فرويد، وأصبح التحليل النفسي نموذجاً للعلوم النقدية؛ وبالتالي صارت طرق التحليل النفسي في الكشف عن تناقضات التاريخ الشخصي ومن ثم إكمال هذا التاريخ بسد فجواته نموذجاً لما يجب أن يكون عليه نقد الايدولوجيا، ونموذجاً لما يعنيه هذا النقد بالضبط. وكما هو واضح فإن هذا النموذج يطرح مساراً واحداً للتاريخ تكتمل فيه صيرورة التحرر بسد فجواته. ويتم ذلك بأن نكشف التاريخ بحيث يصبح شفافاً لتنفضح تشوهاته وعلله والوعي الزائف الذي كان يغطيها.
وإذا استبدلنا التاريخ الشخصي بتاريخ النوع الإنساني فإننا نحصل على نظرية التحرر عند هابرماس. إن توفير التحليل النفسي كنموذج للتفكير النقدي حال دون الذهاب إلى تقعيده نظرياً، أي دون أن نفكر فلسفياً في التفكير النقدي. وهو ما ساق هابرماس إلى مفارقة طرائق تفكيره الفلسفية ومناهجها فأعطى التفكير النقدي مضموناً بدلاً من أن يكون مجرد إجراءات. وأصبحت نظرية التحرر عند هابرماس تعتمد مبدأ نظرياً مؤداه أن للتاريخ مساراً واحداً لا يمكن أن نعيد بناءه وإنما علينا فقط أن نسد فجواته بالكشف عن علله وفضحها؛ أو هي على نحو دقيق إعادة بناء جزئية لهذا التاريخ، مما يؤدي إلى افتراض هوية ميتافيزيقية لهذا التاريخ، ثابتة، لا تتغير، مما يجعل الفرار من كونها حكاية كبرى أمراً مستحيلاً. بينما لو ذهب هابرماس إلى محاولة تقعيد التفكير النقدي فلسفياً لما وجد غير أدورنو تقعيداً فلسفياً لهذا التفكير، لا يؤدي به إلى أن ينتهي إلى ما ليس هو؛ بمعنى أن يصير تفكيراً إقرارياً، وهو ما تنتهي إليه أية محاولة تعريف.
الميتانقد عند أدورنو لا يتورط في أية محاولة لإعطاء التفكير النقدي مضموناً ما يؤدي إلى تناقضه مع كونه تفكيراً نقدياً ويحوله إلى تفكير وصفي يقرّ بما هو قائم بدلاً من أن يكون تفكيراً بديلاً. الميتانقد في تحديده للتفكير النقدي لا يخرج من كونه تحديداً لإجراءات هذا التفكير، أي لمنهجه، دون الارتباط بموضوعٍ ما. بينما نموذج هابرماس للتفكير النقدي مرتبط بموضوع محدد. ولأنه نموذج فهذا يعني أن هنالك اختلافاً بينه وبين ما هو نموذج له؛ وهو اختلاف لا يمكن الكشف عنه إلاّ بالتفكير فلسفياً في التفكير النقدي. فالتفكير الفلسفي أعلى تجريد ولذلك فهو يسمح بممارسة التفكير بدون الارتباط بموضوعات بعينها، إذا طُلب منه ذلك.
إن عدم ذهاب هابرماس إلى التفكير الفلسفي في النقد جعله يفارق انجازه الأساسي في القدرة على الانفتاح على التعدد، وهي القدرة التي تقوم عند هابرماس في النظر إلى إجراءات الخطاب لا محتوياته، بحيث يمكن أن تتعدد الأخيرة. إن ما يوفره أدورنو لهابرماس هو الميتانقد كمنهج في التفكير النقدي يمكن أن نجد نموذجاً له في التحليل النفسي عند فرويد. إن تحديد هابرماس للنقد باعتباره مهمة الفلسفة الأساسية ودورها الرئيس لا يجد استجابته في فلسفة هابرماس وإنما يجدها في ميتانقد أدورنو وديالكتيكه السلبي. ولذلك يمكن أن ألخص استنتاجي، والذي اعتبره تحفظاً نقدياً هاماً على هابرماس، في كون أن الميتانقد هو المنهج النقدي للنظرية النقدية وليس التأمل الذاتي.
أما تأثير تركيب أدورنو وهابرماس معاً على أدورنو فنستطيع أن نقول أنه يُخرج أدورنو من نظرية المعرفة الماركسية التي فشل أدورنو في الخروج منها بسبب تسليمه ببداهة أولوية الموضوع، أي ببداهة المادية. وهو تسليم أخرج أدورنو من ديالكتيكه السلبي وحبسه في المغلقات النهائية للديالكتيك المادي والتي صادرت سابقاً من الديالكتيك الماركسي جدله فلم يعد ديالكتيكاً. لقد علّق أدورنو ميتانقده حين سلّم ببداهة أولوية الموضوع وحرم مشروعه من أهم لحظاته الفلسفية، لحظة خروجه النهائي على الماركسية وجني ثمار ديالكتيكه السلبي في التعدد والانفتاح؛ وهو أمر كان ممكناً لو أعمل أدورنو ميتانقده في بداهة أولوية الموضوع إذ كان سينفتح الطريق لإمكان التفكير في أن بداهة أولوية الموضوع ليست سوى زعم يتواجد في التذات، أي في خطاب قائم بين الذوات ويستند على حججه؛ ولكنه آثر الانحباس في مفاهيم نظرية المعرفة الماركسية فقعد في آخر حدودها دون أن يتجاوزها، صائراً ماركسية متأخرة. وتركيب أدورنو وهابرماس معاً جعل أيضاً مشروع أدورنو مشروعاً للتحرر لا بالمعنى الفلسفي كانفكاك من كل قيود تفكير الهوية وسيطرته وإنما أيضاً كتحرر له معنى اجتماعي وسياسي بسبب تأسيسه على الخطاب وفلسفة التواصل.
وأحد أهم استنتاجاتي التي تشكل تحفظاً نقدياً، أيضاً، على هابرماس هو أن نقد فلسفة الذات عند هابرماس يتطابق مع نقد فلسفة الهوية عند أدورنو. وإذا تمعنت في أسسهما النظرية والفلسفية فستجد أننا يمكن أن نستخدم أياً منهما بديلاً للآخر دون أن يخل ذلك بالمعنى سوى أن كل واحد منهما معني بمستوى مختلف من التحليل. نقد فلسفة الذات عند هابرماس هو نقد للفلسفة فيما قبل المنعطف اللغوي، أي قبل تحولها للعلاقة ما بين الذوات intersubjectivity . وهو نقد لهذه الفلسفة يقوم على اعتبار أنها تتأسس على نموذج علاقة الذات الديكارتية بالموضوع، وهي ذات عارفة وتفعل غائياً بهذه المعرفة في الموضوعات؛ أي تسيطر عليها. ولذلك فإن العلاقة التي يطرحها نموذج علاقة الذات بالموضوع هي علاقة السيطرة. وهو ما يضع الأساس الفلسفي والنظري لتفسير كل الكوارث والنكبات التي لحقت بالإنسانية في القرن العشرين بعد ما أملت في التطور العلمي كحل نهائي لكل مشكلاتها وسبيل وحيد لتحررها، وبدلاً عن ذلك عانت من الاستعمار والامبريالية وخاضت حربين عالميتين وانتهت إلى كارثة استخدام القنابل الذرية وتحول مشاريع تحررها إلى مشاريع للسيطرة، كما قلنا من قبل.
أما نقد فلسفة الهوية عند أدورنو فهو يجري في مستوى فلسفي أعمق. فالهوية شرط لازم وضروري لقيام نموذج علاقة الذات بالموضوع. إذ لا يمكن أن تنشأ هذه العلاقة إلاّ إذا كانت الذات والموضوع تعبر كل منهما عن هوية قائمة بذاتها، عن ماهية أو جوهر ميتافيزيقي ثابت لا يعتريه التغيير ولا التحول، بحيث لا يشكل الآخر جزءاً من هذه الهوية، فتبقى الحدود بينهما محددة ومتعينة وواضحة؛ فيسهل على الذات اعتبار كل ما عداها موضوعاً يخضع لمعرفتها وسيطرتها بما في ذلك الإنسان الآخر. ولذلك طبعت السيطرة بطابعها علاقة الإنسان بالإنسان وكذلك علاقته بالطبيعة.
إن نقد فلسفة الهوية هو نقد لهذا الحضور الميتافيزيقي وتجاوز له بحيث تصبح الهوية ملتحقة بآخرها وآخر آخرها... وهكذا، فتكون دائماً مفتوحة ومزاحة ومؤجلة. وتصير الهوية هي الاختلاف. إن كلا النقدين، نقد فلسفة الذات ونقد فلسفة الهوية، ينزعان إلى هدم أسس السيطرة الفلسفية ولكنهما يقومان بذلك في مستويين مختلفين. في مستوى قريب من عالم الحياة كما يفعل هابرماس، وفي مستوى تجريدي عالٍ كما يفعل أدورنو. وكلاهما يحتاج إلى الآخر، تماماً كما في العلاقة السابقة، نقد فلسفة الذات يحتاج إلى نقد فلسفة الهوية لكي ينفك من الارتباط بموضوع محدد وبالتالي ينفك من الأحادية إلى التعددية. بينما نقد الهوية يحتاج إلى نقد الذات لينفك من اللانهائية فيتعين وبالتالي ينفك أيضاً من الأحادية إلى التعددية.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

الحلقة الأخيرة..

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »



الحلقة4\4

لننتقل لعلم الجمال. في تحكيم لمسابقة روائية، تمت محاكمة ـ أجدها كافكاوية ـ لرواية "في تأويل مقام الوردة" لمحمد خلف الله سليمان، لجنة التحكيم رأت بأن الرواية تفتقر للموضوعية في السرد، وليس بها حدث مركزي. هذا المثال أورده للتساؤل حول قيم جمالية ما زالت سائدة في المجال، مثل الموضوعية في السرد (وكأنما جويس لم يكتب شيئاً)، الواقعية، الالتزام، وبالطبع ذلك الافتراض الأم بأن على الكاتب أن يكتب معنى، والقائمة تطول؟
هذا السؤال يثير جملة من التساؤلات الهامة عن الجمالي. وكمدخل للإجابة على هذه التساؤلات أرى أنه من الضروري أن نتحدث أولاً عن موقع الجمالي من المعرفي إذ إن الكثيرين لا يرون في الجمالي غير الترفيه والتسلية وآخرون لا يرون فيه إلاّ أداة للأيديولوجيا، مجرد وسيلة تفتح قلوب الجماهير وعواطفها للمحمول الأيديولوجي والسياسي، ويدعون أن هذا الموقف هو الإلتزام، بينما هو في حقيقته موقف يقر بأن الجمالي هو مجرد الترفيه والتسلية ولأنه كذلك فإنه أفضل وسيلة لتسريب الأيديولوجيا للجماهير. هذا الموقف لا يرى في الجمالي أية قيمة معرفية. وهو أحد النتائج الوضعية التي انتهت إليها الحداثة الكلاسيكية التي عمل فيها العقل الأداتي على إقصاء الفنون والآداب من مجال المعرفة الإنسانية طالما أنها لا تحتوى على أي مضمون يمكن اختباره تجريبياً والتأكد من صحته. وللتفكير نقدياً في هذا الموقف فلا أجد لنفسي مفراً من تبني موقف أدورنو الاستاطيقي مع تجاوز البعد الأحادي لديالكتيكه السلبي ومن ثم سنجد أن هذا الموقف يرد للجمالي كرامته، بل ويذهب إلى أنه الأكثر قدرة على تحقيق تفكير اللاهوية، التفكير النقدي، ومن هنا يكتسب قيمته المعرفية والسياسية وغيرها.
النظرية الاستاطيقية عند أدورنو تبدأ من استاطيقا كانط. فما زال نقد كانط للإستاطيقا العقلانية ـ بالنسبة لأدورنو ـ فاعلاً وقوياً لدحض أية محاولة لصياغة قواعد ثابتة لانتاج الجمال والحكم عليه، وكذا الحال بالنسبة لنقد كانط للنظريات النسبية للتذوق الجمالي. إن أدورنو يستخلص من استاطيقا كانط أن التجربة الجمالية ذات طابع كلي ولكنها غير ملزمة، بمعنى أنه يمكن نقلها للآخرين ولكن لا يمكن فرضها عليهم. وهذا يترتب عليه أن الجمال ليس خصائص موضوعية ولكنه أيضاً ليس تجربة ذاتية خالصة، وبالتالي ليس تجربة نسبية، طالما أنه يمكن نقل هذه التجربة للآخرين. ولذلك فإن كانط يرى أن هذه التجربة يجب ألاّ تستند على مفهوم، فذلك يجعل منها تجربة موضوعية، وإنما يجب أن تستند على أساس قبلي يمكن أن نتشاركه على نحو كلي؛ وهو ما وجده في تفاعل الشروط الذاتية لإمكان المعرفة بما هي كذلك، أي في تفاعل قدرتنا على ربط مجال الحدس (الخيال) بقدرتنا على إخضاع هذا المجال لمفهومٍ ما (الفهم)، على ألاّ يتوفر لهذا التفاعل أية غاية، فهذا ما يميزه عن المعرفة في نقد العقل الخالص، إنها غائية ولكنها بدون غاية. ويعارض أدورنو وصف استاطيقا كانط بأنها استاطيقا مثالية. ويرى فيها محاولة لإنقاذ موضوعية التجربة الجمالية ولكن من خلال الذاتية الترانسندنتالية، إنقاذ الموضوع عن طريق الذات وليس استبدال الموضوع بالذات، وهو عين ما فعله كانط في نقد العقل الخالص؛ وهو أيضاً ـ كما يرى أدورنو ـ السبب في تناقضات أساسية في الفكر الكانطي بما في ذلك الاستاطيقا. ولذلك يتركز نقد أدورنو على دور الذات الترانسندنتالية في استاطيقا كانط، مستخدماً النقد الكانطي لنقد كانط نفسه. ويرى أدورنو في استاطيقا كانط مشكلتين رئيسيتين، واحدة منهما، هي أن كانط نظر إلى العمل الفني في علاقته فقط بمتأمله أو بمنتجه، مما جعله يفشل في أن يضع اعتباراً لاحتمال أن يكون العمل الفني أو المظهر الطبيعي جميلاً في ذاته، أي أن يكون للعمل الفني محتوى معرفي؛ وهذا ما يقرره أدورنو دون أن يرتد إلى موضوعية محضة تفتقد إلى أي مرجعية للذات إذ أنه يربط الجمال بإصرار الذات على وجود محتوى معرفي للعمل الفني. أما المشكلة الثانية، فهي التفسير الترانسندنتالي للحكم الجمالي فهو تفسير ثابت تاريخياً للاستاطيقا، أي غير مرتبط بسياقه التاريخي والاجتماعي. وهو ما تفنده مجتمعات وثقافات كاملة لا تعرف حرية واستقلال الاستاطيقا وعدم ارتباطها بأية مصلحة، بل لا تعرف الاستاطيقا ذاتها. وهذان الانتقادان معاً يعكسان خصائص النقد الكانطي، فبينما الانتقاد الأول يميل إلى العقلانية على حساب النسبية فإن الانتقاد الثاني يميل إلى النسبية على حساب العقلانية.
إن أدورنو رغم كونه مفكراً مادياً إلاّ أنه يتعامل بطريقة مختلفة مع موضوعية العمل الفني. فرغم أن الإدعاء بأن للعمل الفني ماهية مستقلة عن العناصر التجريبية المكونة له إدعاء وهمي ـ وفقاً للفكر المادي ـ فإن أدورنو يرى أنه ليس وهماً محضاً، لأنه ينتج من حقيقة أن هذه العناصر التجريبية إنما تُصب في شكل ذي معنى. هذا الشكل لا يمكن رده إلى ذاتٍ ما، ومع ذلك فإن موضوعيته تختلف عن تلك الموضوعية التي للأشياء إنها تشبه موضوعية المعنى اللغوي، وتكون له خصائصه: المعنى الفائض عن نوايا الذات والاعتماد على الشكل. وهو ما يسميه أدورنو بخاصية اللغة أو خاصية العمل الفني كنص. إن ما يجعل الأعمال الفنية أكثر من مجرد وجود هو بدوره ليس شيئاً موجوداً إنما هو لغتها. إن أدورنو يتخذ من اللغة نموذجاً لامكانية قيام علاقة غير قسرية بين المفهوم والموضوع. ومع هذا فإن هذا الامكان هو أيضاً وهم، ففي عالم منظم قسرياً يكون الحديث عن مجال للغة كلياً غير قسري وهماً خطيراً يعمل فقط على إخفاء القسر الحقيقي. هذا التحرر الوهمي من السيطرة في الفن لا يحاول أدورنو تفكيكيه وإنما، على العكس، يحاول إنقاذه، فمثلاً الشعر الحقيقي يكون سيطرة للغة في خدمة التحرر، وليس منطقة للحرية المتحققة فعلاً من هذه السيطرة. بل نستطيع القول أن المجال الرئيسي الذي استطاع فيه أدورنو تحقيق الديالكتيك السلبي ونقد تفكير الهوية هو مجال الفنون. ولذلك تكتسب نظريته الاستاطيقية أهمية بالغة بالنسبة للديالكتيك السلبي، ويصير لها مضموناً معرفياً يميزها عن غيرها.
هذا العنصر التلقائي الحر، الذي تعبّر عنه الفنون على هذا النحو، ليس هو الحرية وقد تحققت في العمل الفني، لأن الفنون شأنها شأن أي نشاط إنساني آخر ما زالت ترزح تحت لعنة مبدأ حفظ الذات؛ وإنما هو تعبير عن اقتراب الفنون الحميم من الحرية الممكنة في المستقبل. وهذا يعني أن محاكاة الفنون إنما تكون لطبيعة لم توجد بعد. أي أن الفن الأصيل محاكاة ليوتوبيا، ولكنها محاكاة لا يمكن انجازها إلاّ سلبياً. فالطبيعة التي لا توجد لا يمكن محاكاتها إلاّ بنفي محدد للثقافة التي تم تطبيعها على نحو زائف يفصل بينها والطبيعة، وهي الثقافة السائدة في المجتمعات الحديثة. إن الكشف عن الجمال لا يتم إلاّ بتصالح الثقافة والطبيعة، فمحاكاة اليوتوبيا لا تتم إلاّ في الثقافة وإن كانت محاكاة للطبيعة. لقد استسلم عنصر المحاكاة تماماً للفنون، والتي اعتبرها فكر الهوية لا عقلانية وتفتقد تماماً لأي محتوى معرفي؛ بينما الفكر السلبي عند أدورنو يعتبر الفنون نوع من العقلانية، ولكنها عقلانية تنتقد العقلانية دون أن تنسحب منها. وكما أن التفكير الحقيقي ـ عند أدورنو ـ يُبقي عنصر المحاكاة المقموع حياً في المعرفة، كذلك يُبقي الفن الحقيقي عنصر المعرفة المقموع حياً في المحاكاة.
إن التجربة الجمالية ـ لدى أدورنو ـ تعبّر عن الديالكتيك السلبي، بل هي التجربة الأكثر جوهرية في التعبير عن هذا الديالكتيك. ومن هنا تكتسب قيمتها المعرفية، فهي التجربة الجوهرية لنقد تفكير الهوية identity thinking أو بالأحرى هي تجربة اللاهوية الأصيلة. هنالك، بالطبع، شكل من أشكال الهوية يعمل في التجربة الجمالية، كما هو الحال في أية تجربة، فكل عمل فني يسعى تلقائياً للتطابق مع ذاته. ولكن هذه الهوية الجمالية تختلف عن هوية التفكير المفاهيمي، فهي لا يتم استخلاصها من الذات وإنما من العمل الفني نفسه كواقعة مكتفية بذاتها. ولذلك فهي ليست محكومة بمنطق تماثل الهوية وإنما بمنطق المحاكاة. ومن خلال المحاكاة تصبح الأعمال الفنية موضعاً ممكناً لتجربة اللاهوية. ويعرّف أدورنو المحاكاة كترابط غير مفاهيمي بين الإبداع الذاتي والآخر الموضوعي. هذه الخاصية غير المفاهيمية هي الحاسمة في دور الفنون كمتحدث عن الطبيعة المقموعة (اللاهوية). وهي تلعب هذا الدور بالتعبير عن تلك الوحدة المادية بين الذاتية والطبيعة (الموضوعية) التي ينكرها التعارض الصلد بين الذات والموضوع في التفكير المفاهيمي. والفنون، بهذا المعنى، هي ممارسة ما بعد الصورة. ولأنها كذلك، فهي تنقل الحقيقة التي تطمح إليها الفلسفة ولا تستطيع الوصول إليها مطلقاً، فهي وحدها القادرة على قولها بدون أن تقولها. وهذا يعني أن العمل الفني نتاج لفرض الشكل، الذي يمثل الهوية والعقلانية والبناء، كما هو نتاج للمحاكاة، التي تمثل اللاهوية والموضوعية. إن مضمون حقيقة العمل الفني تعبّر عنه الطريقة المحددة التي يندمج بها ديالكتيكياً المحاكاة والعقلانية، التقليد والبناء. إن العمل الفني يسعى لاستعادة الجنة المفقودة، لتوحيد الذات والموضوع. ويفشل هذا السعي لأن لحظتي العمل الفني: المحاكاة والعقلانية هما لحظتان غير متصالحتين، ورغم ذلك فهما مرتبطتان ديالكتيكياً ببعضهما البعض، بمعنى أن كل واحدة منهما تتحقق عبر الأخرى. ففي العمل الفني، تخترق لحظة المحاكاة ديالكتيكياً اللحظة العقلانية (بدون أن تتصالح معها) بحيث يتم التعبير عنها من خلالها، بينما، ومن خلال إختلافها عنها، تعمل كنقدٍ لها. وينتج عن ذلك عدم التصالح النهائي الذي هو لحظة أساسية في العمل الفني. وكل الأعمال الفنية العظيمة لا تنجح نجاحاً كاملاً، إنها تفشل بمعنى ما. إن الفنون لا تعيش وفقاً لمفاهيمها، وبسبب ذلك فإنها أرفع تعبير عن الديالكتيك السلبي، عن تفكير اللاهوية. إنها تجربة معرفية عميقة، ومع ذلك فهي غير قابلة للشرح والتوضيح.
وإذا كانت بنية العقل الأداتي الأساسية هي التسلط فإن العمل الفني هو الوحيد الذي لا يخضع لهذه الهيمنة، وإذا كانت المعرفة قد اتجهت إلى السيطرة ونفي التفرد فإن العمل الفني هو الوحيد القادر على إنقاذ التفرد. إن الأستاطيقا ـ عند أدورنو ـ هي الجانب الثقافي الوحيد الذي يحرر الإنسان، لأنها تترك للأشياء وجوهها الفريدة، وهي تضع مسافة بيننا وبين الأشياء والمشاهد والكلمات، وهي تكشف عن حضور كيفي للأشياء، ولذلك فهي تأكيد لكل ما هو نوعي في مقابل النزعة الكلية التي تهيمن وتتسلط.
إن الأعمال الفنية لا تجعلنا على يقين من أي شئ بما في ذلك اليوتوبيا ولكنها تفتح الإمكان لتجربة جديدة لا يقبلها تفكير الهوية. هذه الأعمال تمارس نقدها بطريقة تمكّنها من تشكيل مواد لها تاريخها المترسب. في هذه الأعمال الجديدة تمارس الفنون "حكماً بغير حكم" على الماضي. هذا الجهد يتفق مع ذلك النوع من الإدراك الذي نجده في التجربة الإستاطيقية لاستقبال الفنون. ومن ثم فإن انجذاب أدورنو إلى المحاكاة الإستاطيقية هو إنجذاب لشكل من الحكم يستطيع أن يعرف بدون مفاهيم قاصداً ما تود المفاهيم أن تقوم به. الفن يبحث عن معرفة حقيقية ولكنها محاكاة، محاكاة تحاكي التغلب على تمايز العقل إلى مجالات منعزلة من الحقيقة والصواب المعياري والجمال. إن الممارسة الفنية نموذج لشكل بديل من الممارسة. والإنجذاب إلى المحاكاة الإستاطيقية إنجذاب إلى عقل تنويري. وهذا يعني أن أدورنو ما زال ملتزماً بالتحرر كغاية للتنوير. وهذا ما يجعله متمايزاً من فلاسفة ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، ويحفظه داخل تيار النظرية النقدية.
الفنون لا تمثل نشاطاً انسانياً متحرراً من السيطرة، الموجودة بطريقة خفية في العقلانية الحديثة. فهي تصارع من أجل سيطرة متقدمة على مادتها، تماماً مثل العقلانية العلمية. ولكن وفي نفس الوقت السيطرة في الفنون ليست ببساطة نسخاً وتكراراً للسيطرة بشكل عام وإنما نقد لها أيضاً. فهي سيطرة على مادتها المتحققة تاريخياً، ولكنها سيطرة، بابتعادها عن العالم التجريبي، تحقق نقداً للسيطرة الحقيقية على الطبيعة التي تحكم ذلك العالم. ومن الواضح أن السيطرة في الفنون يحققها الأسلوب فهو الذي يقوم بصياغة البنية الفنية. والأسلوب لا يعبّر عن حرفية مهنية خالصة وإنما يعبّر أولاً عما هو معرفي ونقدي فهو يتضمن فهماً تاريخياً لمادته أكثر من كونه فهماً طبيعياً خالصاً لها.
الإسلوب يمثل وعداً في أي عمل فني. فما يتم التعبير عنه في العمل الفني يخضع للأشكال السائدة من التعميم، للغة الموسيقى أو للرسم أو للكلمات، على أمل أن تتم مصالحته مع فكرة التعميم الحقيقي. هذا الوعد، الذي يحمله العمل الفني بخلق الحقيقة عبر إعطاء شكل جديد للأشكال الاجتماعية المألوفة، بقدر ما هو جوهري بقدر ما هو زائف. فهو يضع بطريقة غير مشروطة الأشكال الحقيقية للحياة كما هي، مقترحاً أن تحققها يكمن في مشتقاتها الجمالية. وإلى هذا الحد فإن إدعاء الفن يصبح دائماً إدعاءً أيديولوجياً أيضاً. وعلى أية حال، ففي هذه المواجهة فقط مع التقاليد، والتي يسجلها الأسلوب، يستطيع الفن التعبير عن المعاناة. إن العامل الذي يمكّن العمل الفني من تجاوز الواقع لا نستطيع فصله بالتأكيد من الأسلوب؛ ولكنه لا يتكون من الانسجام المتحقق فعلاً، ولا من أية وحدة مشكوك فيها بين الشكل والمحتوى، الداخل والخارج، الفرد والمجتمع؛ وإنما يوجد في تلك السمات التي يظهر فيها الإختلاف: في الفشل الضروري للصراع المشبوب من أجل الهوية. والأعمال الفنية العظيمة دائماً تعرّض نفسها لهذا الفشل بحيث ينجز أسلوبها دائماً نفياً ذاتياً، بينما الأعمال الوضيعة دائماً ما تعتمد على التشبه بالأعمال الأخرى ـ في هوية بديلة. وأخيراً أصبح هذا التشبه مطلقاً في صناعة الثقافة. وتوقفها عن أن تكون أي شئ إلاّ الأسلوب، يكشف عن سر هذا الأسلوب: طاعة التراتب الاجتماعي. الحديث عن الثقافة يكون دائماً نقيضاً للثقافة. فالثقافة كقاسم مشترك تحتوي جنينياً على تخطيط وعملية تصنيف تجعل الثقافة ضمن مجال الإدارة. والتصنيف المتسق منطقياً والمصنّع يتطابق كلياً مع هذه الفكرة عن الثقافة. وبإخضاع كل مجالات الإبداع الثقافي لنفس الغاية وبنفس الطريقة واحتلال كل حواس الإنسان منذ وقت خروجه من العمل وحتى عودته في صباح اليوم التالي بمادة تحمل طابع العمل الذي يقوم به طوال اليوم، فإن هذا التصنيف يشبع بطريقة خادعة مفهوم الثقافة.
إن مفهوم الأسلوب في صناعة الثقافة يتطابق من ناحية الأسم فقط مع مفهوم الأسلوب في الأعمال الفنية. في الأخيرة، يهتم الأسلوب بالتنظيم الداخلي للموضوع نفسه، أي بمنطقه الداخلي. بينما الأسلوب في صناعة الثقافة، منذ البداية يرتبط بالتوزيع وإعادة الانتاج الميكانيكية، ومن ثم فهو يظل خارجياً بالنسبة لموضوعه. وهذا يعني أنه يحمي نفسه من إمكانات الأسلوب التي تتضمنها منتجاته بالارتباط بالأيديولوجيا. إن العمل في صناعة الثقافة يعيش متطفلاً على أساليب غير فنية، هي أساليب الانتاج المادي للبضائع، وبدون اعتبار لقوانين الشكل التي يتطلبها استقلال الاستاطيقا. ولذلك فإن صناعة الثقافة تعوق تطور الأفراد المستقلين المتحررين الذين يستطيعون أن يختاروا وأن يحكموا لأنفسهم عن وعي. ولكن على أية حال فإن هذا يكوّن شرطاً قبلياً للمجتمع الديمقراطي الذي يحتاج إلى أفراد راشدين يستطيعون أن يدعموا أنفسهم وقادرين على التطور. المستهلك ليس ملكاً كما تحاول أن توهمنا صناعة الثقافة، إنه ليس ذاتاً لهذه الصناعة، بل موضوعاً. إن صناعة الثقافة تنقل العقل الأداتي، عقل السيطرة إلى مجال الفنون فهي تقوم على ظاهرة "التنميط" أو التوحيد القياسي standardization وهي عملية تفرض بها احتكارات صناعة الثقافة الأعمال الناجحة والأنماط والأمزجة على المادة التي ينبغي تشجيعها. أي أن أساليب الفنون تتحول جزء من العقل الأداتي، العقل القائم على الحساب والسيطرة على موضوعه.
لقد اكتشف إتجاهٌ رئيسيٌ في الفلسفة، مع ليبنتز وهيجل، ادعاءً بالحقيقة في الأعمال الفنية ومؤسساتها وعواطفها، ولكن اللاعقلانية فصلت العاطفة والدين والفنون من أي شئ يستحق اسم المعرفة. وهي تقترب في ذلك كما في جوانب أخرى من الوضعية الحديثة، الأثر الأخير الباقي من التنوير، التي حددت عقلاً بارداً من أجل الحياة المباشرة، ومع ذلك فلم تجعله إلاّ مبدأً معادياً للفكر. وتحت غطاء هذا العداء تم سحب العاطفة، وأخيراً كل التعبير الإنساني، حتى الثقافة ككل، من الفكر؛ ومن ثم تحولت إلى عنصر محايد في العقل الشامل للنظام الإقتصادي، الذي هو نفسه تحول إلى اللاعقلانية منذ زمن بعيد.
إن أدورنو يقدم عدد من الصياغات المتناقضة في محاولاته لتحديد الفنون والأعمال الفنية، فهو يقول أن ما يجعل العمل الفني يزيد عن العالم التجريبي ويتمايز عنه هو شئ غير موجود. ولذلك فإن وجود الأعمال الفنية بالنسبة إليه يشير إلى الاحتمالات التي يمكن أن يوجد فيها اللا موجود. والفن ـ عند أدورنو أيضاً ـ هو وهم التحرر من الوهم. فالعمل الفني يدعي أنه ليس مجرد شئ وإنما شيئ في ذاته، أي جوهر. هذا الإدعاء وهم لأن الجوهر يجب أن يظهر. وبدلاً من أن يفكك أدورنو مقولة الجوهر على هذا الأساس، كما فككها من قبله نيتشه والوضعيون، نجده يتمسك بأن التفكير المادي مستحيل بدون مقولة الجوهر. وهذا ما يعنيه أدورنو من قوله أن الفن هو وهم التحرر من الوهم. العمل الفني هو وهم الشئ في ذاته، وهو وهم لا يكون للوعي فقط. وهو أيضاً وهم ما بعد الذات، الوهم الذي يسميه أدورنو أيضاً بغير المتماثل. إن هذه الخاصية الوهمية للعمل الفني، والتي يسميها أدورنو أيضاً بالخاصية الصنمية fetish-character، ليست محض وهم يحتاج للتبديد، والنظر إليها على هذا النحو يحقق العملية التي يتحول بها التنوير على الضد من مقاصده إلى ميثولوجيا. ولذلك فإن أدورنو يؤكد على التمييز بين الخاصية الفنية للعمل الفني وصنمية الموضوع المعبود بالمعنى الحرفي، فبينما يمتاز الأخير بالاعتماد على السياق الاسطوري أو السحري فإن العمل الفني يمتاز بالاستقلال. فإن الكلام عن سحر الفن يتجاهل هذا الفرق الهام، وبدلاً عنه يرى أدورنو أن سحر العمل الفني هو إزالة السحر. إن الأعمال الفنية أصبحت ممكنة بفضل ديالكتيك التنوير، فهي الملجأ العقلاني للمحاكاة في عالم يقمع فيه تفكير التصنيف أي محفز للمحاكاة.
وهذا هو السياق الذي وصف فيه أدورنو العمل الفني بأنه صنم ضد صنمية البضاعة. فالفنون، بإدعائها كرامة لا تقبل التبادل والتكافؤ، إنما تقاوم الفكرة الأساسية التي تقوم عليها البضاعة، فكرة أن عدم التكافؤ النوعي يمكن أن يصبح تكافؤاً كمياً. والفن لا ينتقد صنمية البضاعة بأن يصبح أقل منها صنمية أو أقل منها وهماً، بل على العكس بأن يصبح أكثر منها صنمية. فالفنون، بتوصيلها لما لايمكن توصيله، تعمل على تحطيم الوعي المشيّأ، أي أنها مضادة للبضاعة. ولكنها، وفي نفس الوقت، تعكس الطابع الصنمي للبضاعة فهي تبجيل لما سبق وأن انتجه الإنسان، فشهرة عمل فني ما أو نجم ما يصنعه الجمهور ويدفع ثمنه من ماله، ومن ثم يعبده ويبجله. وعلى هذا الأساس يتحدث أدورنو عن العمل الفني كبضاعة مطلقة، بضاعة البضاعة. ولذلك أيضاً لا نصل لمحتوى العمل الفني من الحقيقة بإلغاء خاصيته الوهمية وإنما بفهمها. هذه الصياغات المتناقضة تشير إلى الموقع المركزي الذي تحتله النظرية الاستاطيقية في مادية أدورنو ذات الطابع الخاص. وهي أفضل تعبير عن الديالكتيك السلبي وقدرته على تكوين معارف بالنفي.
إن الأعمال الفنية ـ في النظرية الاستاطيقية عند أدورنو ـ توفر نقداً للعقلانية الأداتية والفعل الأداتي. وهي بهذا تلتقي مع النظرية النقدية، التي هدفها هو أن تنهي أولوية العقل الأداتي ـ العقل المستخدم كأداة دون اعتبار للسمات الخاصة للموضوع. ولكن وبما أن الفنون مستقلة فإنها لا توفر هذا النقد لنوع معين من الفعل وإنما توفره للإطار الذي تتم فيه الممارسة كلها. وطبقاً لذلك فإن الأعمال الفنية لا يمكن اختصارها في خدمة الممارسة لأن ما تنتقده هو نقض ممارسة الممارسة ذاتها. إن أدورنو يفهم الفن باعتباره الموضوعة الاجتماعية النقيضة للمجتمع.
إن فكرة أدورنو عن المحتوى المعرفي للفنون ـ أي محتواها من الحقيقة ـ يمكن فهمها بفهم الفنون كشكل من أشكال الفعل التواصلي، كما فعل هابرماس؛ وبذلك تكون الاستاطيقا الحديثة ذات أهمية أولية فهي تمنحنا إمكاناً لشكل من أشكال الفعل التواصلي له القدرة على جمع المادة المقصاة والمنفية والمشتتة وغير المتكاملة وغير ذات المعنى في فضاء من التواصل المتحرر من السيطرة. هذا الفهم اللغوي التداولي للحقيقة الاستاطيقية يبعدها عن التطابق مع فكرة التصالح بين الطبيعة والثقافة، التي يشتغل عليها أدورنو، فلا تصبح حقيقة بالمعنى الحرفي للكلمة وإنما إمكان للحقيقة؛ خلاصة لقدرة الأعمال الفنية على الكشف عن الحقيقة. كما يمكن تطوير العلاقة بين مقولات أدورنو عن الحقيقة والمظهر والتصالح إلى مركب من مجموعة constellation مقولات يحفظ الغاية النقدية لاستاطيقا أدورنو وممكناتها الفلسفية. وإذا أضفنا إلى كل ذلك العقلانية التواصلية فإن الذوات الفاعلة والمتواصلة والمتلقية ستدخل في العلاقة بين الفن والواقع واليوتوبيا مما سينتج تأثيراً متعدد الأبعاد في مقابل بناءات أدورنو الديالكتيكية أحادية البعد. هذا الفهم هو ما فشل فيه أدورنو لأنه لم يستطع أن يصل إلى أي شكل من أشكال العقلانية الأخرى غير العقلانية الأداتية، فظل أسيراً لها وبالتالي أسيراً لنموذج الحقيقة الذي تطرحه فلسفة الوعي، أي الحقيقة كتطابق بين المعرفة والواقع. مما يجعل أدورنو يعيد إنتاج شروط السيطرة بدلاً من التحرر منها.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

Thanks Fath Alaleem & Mazin for sharing this insightful intervew with Husham

Regards

الفاضل الهاشمي
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
عبد الله حسين
مشاركات: 208
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:52 pm

مشاركة بواسطة عبد الله حسين »

د. هشام عمر النور


ما هو موضوع الفلسفة في عالم اليوم؟


العقد الأول من القرن الأول للألفية الثالثة بعد الميلاد
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

موضوع الفلسفة؟

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

عبد الله إزيك..
أنا جد ما فهمت السؤال، يعني شنو "موضوع الفلسفة"؟ ممكن أنا مثلاً (لتوضيح نوع اللبس الذي أدخلت به لا أكثر) أسأل عن "موضوع العلم" مثلاً؟ أتعني سؤال "ما هي الفلسفة"؟.. ما عارف، يمكن لو وضحتا لي "موضوع الفلسفة" كان شنو في الألفيات السابقة، أستطيع المتابعة بصورة أفضل، وربما إستنباط ما ترغب في التساؤل عنه..
مع خالص تقديري..
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
عبد الله حسين
مشاركات: 208
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:52 pm

مشاركة بواسطة عبد الله حسين »

الأستاذ

مازن مصطفى


أطيب التحايا


لقد فضلت الإجابة على سؤالي بأسئلة مُضادة، بذريعة عدم الوضوح، رغم أن سؤالي مُباشر وغير مركب، يستفهم عن ماهية الموضوع أو الموضوعات التي تشتغل عليها الفلسفة في العالم المعاصر؟. رغم ذلك دعني أُجيب على سؤالك ..




كانت الفلسفة في الألفيات السابقة " بتاعة كلو "، موضوعاتها: الطبيعة والمجتمع والإنسان والتاريخ، وابتداء من القرن التاسع عشر، بدأ سؤال الفلسفة يستنفذ طاقته النقدية، بعد أن ارتقى بالبشرية مراقي صعبة، مع ظهور انجازات العلوم الطبيعية " التجريبية "، واستقلال العلوم الإنسانية بموضوعاتها ومناهجها الخاصة، فتراجعت نظرية المعرفة فاسحة المجال أمام نظرية العلم *، وترتب على ذلك أُفول عصر الفلاسفة الكبار الأفذاذ، من أمثال فلاسفة القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر، وتحتم على الفلسفة منذ ذلك الوقت أن تتواضع وتختار مقعدها المُلائم في قاعة عامة للدرس، تفيد وتستفيد من إنجازات العلوم الطبيعية والإنسانية.

يورغن هابرماس الذي تحتفون به كل هذا الاحتفاء، ليس له سوى تأثير محدود في ألمانيا، ينحصر أساساً في الأوساط الأكاديمية، مقارنة مثلاً بكارل ماركس الذي يسعى إلى " تجاوزه "، والذي أُختير عام 2003 ثالث أعظم شخصية في ألمانيا للألفية الثانية، يسبقه سياسي " كونراد أديناور " أول مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية، ومُصلح ديني " مارتن لوثر "، وذلك رغم التعتيم الإعلامي وتجربة ألمانيا الشرقية. وضمن العشرة الأوائل حضر مُفكر واحد فقط، هو ألبرت آينشتاين في المركز العاشر، وجاء في المركزيين 43 و84 فلاسفة عظام هما إيمانويل كانط وفريدريك نيتشه على التوالي، ولا يوجد أي أثر ليورغن هابرماس وغيره من أعضاء مدرسة فرانكفورت " Frankfurter Schule " في مشهد أعظم مائة شخصية في التاريخ الألماني، الذي نظمته القناة الثانية في التلفزيون الألماني " ZDF " ، في استطلاع للرأي بعنوان عظماؤنا " Unsere Besten "، اشترك فيه عدة ملايين من الألمان.

بعيداً عن ذلك، يبدو يورغن هابرماس اليوم في المشهد الألماني، على يسار التيار الليبرالي " سياسياً " وبحُلة كانطية من القرن 21 " فلسفياً "، فبعد أن قطع المسافة كلها من فختة إلى ميشيل فوكو وجاك دريداً، مُتكئاً على مفهوم " التأمل الذاتي"، عاد " العقل التواصلي " إلى حُضن " اليوتوبيا " زاعماً أنها الملاذ الأخير، الذي تتحقق فيها حُرية الفرد، بعد أن يتخلص من آليات السيطرة في المجتمعات الحديثة، ولكن هيهات!.


أسئلة أُخرى:


ـ من هو الفيلسوف؟.

ـ ألا تعتقدون أن هذا الحوار الصحفي يفتقر إلى أي حس نقدي، في ظل الأذمة التي تمسك بخناق النظام الرأسمالي العالمي، وخصوصاً هذا الجزء من أحد ردود د. النور:

إن تخطي الماركسية ضرورة نظرية من أية جهة أتيتها، سواء من جهة مشروعها الإنساني أو مشروعها السياسي أو مشروعها الاجتماعي الاقتصادي أو مشروعها الفلسفي والنظري أو مشروعها كعلم


فما تحته خط كمثال فقط، يبين لنا كيف أن الفلسفة تحشر أنفها في اختصاصات العلوم الأُخري، هنا علم الاقتصاد، ففي الوقت الذي يؤكد فيه عُتاة الرأسماليين أن مُساهمة ماركس في ميدان الاقتصاد السياسي، توصف بدقة الأذمة التي يمر بها الاقتصاد الرأسمالي، ينادي د. النور بتخطي مساهمة الماركسية في ميدان الاقتصاد، فالدوغماء التي ينعتنا بها، هي بالضبط مُحاولته لي عُنق الواقع كي يتوافق مع آرائه المُستقاة من نصوص النظرية النقدية " Kritische Theorie "؟.

ـ هل تعلمون بمدى ارتباط مدرسة فرانكفورت ومعهد الأبحاث الاجتماعية " Institut fuer Sozialforschung " بالمخابرات المركزية الأمريكية، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات أخلاقية؟.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أنظر يورغن هابرماس نفسه، مقدمة كتاب المعرفة والمصلحة

Juergen Habermas - Erkenntnis und Interesse
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

يامازن أتخايل عبد الله بيحاول يطعن في مسألة اطلاق لقب "فيلسوف" علي الدكتور .هشام عمر النور او ربما يجد في ذلك مبالغة وعدم منهجية وغياب دقة بما أنه اي الدكتور. هشام عمر النور لا يملك حتي الآن مشروع "نظرية معرفية" خاصة به وتنسب له او اضافة نوعية في هذا الأطار تؤهله لنيل هذا اللقب الذي بات هو في حد ذاته اشكالية ويحتاج الي أعادة تعريف جديدة في ظل المنجزات والمتغيرات الحديثة في حقل "المعرفة" عموماً وفي مجال الفلسفة علي وجه الخصوص وأيضاً في مجالات"العلوم الطبيعية" الشئ الذي يجعل مسالة "تقسيم العلوم" أو احصائها كما كان عند (الفارابي)* او الخوارزمي ومن جاء بعدهم ذات نفسها عرضة لآعادة التصنيف والترتيب في ظل علاقات العالم الحالي الأجتماعي منها والطبيعي وربما استوجب الحديث ايضاً عن مفهوم وفكرة "الجامعة" وصولاً للألقاب والمسميات نفسها اذا تجاوزنا طاقتها وجدواها التشجيعية التحفيزية وهذا ما لمسته في اشارة عبد الله حسين في عبارة مستقاة من (النظرية النقدية) واشارته ايضاً الي ( مدرسة فرانكفورت ) ومنجزاتها الفكرية التي يشكك حتي في أنها تتضمن فلسفة خاصة بها وأن اكثر ما يمكن وصفها به هي انها عبارة عن دراسات اجتماعية تتوسل التحليل المنطقي تعني بدراسة الواقع الجتماعي الأوروبي علي صعيد التراث الفكري والفلسفي لهذا الحيز الأجتماعي وأمتداداته.

لي عودة

مودتي

وليد يوسف

ـــــــــ
*أشارة الي كتاب الفارابي (( أحصاء العلوم ))

السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

لن يتم تجاوز الماركسية الا بتطبيقها باستراكيتها وشيوعيتها !!

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

هذا حوار فكري رائع يشد اليه القاريء شدا ويشحذ الهمم ويشكل مع مقال الاستاذ عمر الامين حول اشكاليات الجمالية الاوربية مائدة دسمة من الاعمال المبدعة وقد امضيت طيلة الشهر الماضي بعيدا عن هذا الجهاز المعلوماتي الخطير احاول الاستمتاع باجواء شمال الوادي وروعة اثاره وطيبة اهله ... وخطر لي ان اسجل بعض ملاحظاتي حول ( الحوار مع الدكتور هشام عمر النور) :
ابدأ فاقول انني اتفق مع د. هشام علي ان لكل منا الحق في قراءة هابرماس او ماركس او غيرهما قراءته الخاصة ما دامت هذه القراءة دون افتئات او تجني وعليه اطرح النقاط الآتية :
• ولنبدأ بهابرماس الذي اتفق مع من يراه قد نحا بنفسه منحي مختلفا عن اسلافه من مدرسة فرانكفورت بالرغم من وجود افكار مشتركة معهم الا انه قد قدم تصورا يزاوج بين البنية والفعل في نظرية كلية واحدة كما دافع عن مشروع الحداثة وبالاخص فكرتي العقل والاخلاق الكليين وحجته في ذلك ان مشروع الحداثة لم يفشل بل بالاحري لم يتجسد ابدا ولذا فان الحداثة لم تنته بعد وهو موقف يضعه في اتجاه معارض تماما مع اسلافه بالنظر الي موقفهم من نقد عقل التنوير
• يميل هابرماس الي ترتيب الاشياء ثلاثيا فهو يميز بين ثلاثة اشكال للنظرية تقوم بدورها علي ثلاثة مصالح معرفية
• يعني هابرماس بالمصالح المعرفية اننا دائما نطور المعرفة لغرض معين
• تلك المصالح التي يتناولها هابرماس هي مصالح مشتركة بيننا جميعا بحكم اننا اعضاء في المجتمع الانساني
• لكن العمل ليس وحده ما يميز البشر عن الحيوانات ويجعلنا قادرين علي تحويل بيئتنا بل واللغة ايضا او قل القدرة علي استخدام العلامات للتواصل بعضنا مع البعض
• هذه الفكرة لا تختلف عن تلك الموجودة عند جورج هربت ميد
• ان هاتين القدرتين اي القدرة علي العمل والقدرة علي التواصل تفضيان الي ظهور شكلين مختلفين من اشكال المعرفة
• العمل يؤدي الي ظهور المصلحة التقنية وهي المتمثلة في السيطرة علي العمليات الطبيعية واستغلالها لمصلحتنا وهذه المصلحة يدعوها هابرماس بالعلوم التحليلية التجريبية (اي العلوم الوضعية او العقل الاداتي)
• هابرماس لا يستهين بمكانة هذه المعرفة في حياة البشر وذلك لاننا جميعا نتاثر بالعمليات الطبيعية التي تحدث خارج وعينا وهي عمليات لا سلطان لنا عليها
• اليس ذلك يكمن في جذور الماركسية ؟؟؟
• المشكلة مع العقل الاداتي لا تكمن في ان هذا العقل ذاته فاسد او يقود الي الهيمنة بل تكمن في ان ذلك العقل قد اكتسب في المجتمعات الحديثة الاولوية علي الاشكال الاخري للمعرفة
• اما اللغة وهي الوسيلة الاخري التي يحول بواسطتها البشر بيئتهم تؤدي الي ظهور ما يدعوه هابرماس بالمصلحة العملية وهذه بدورها تؤدي الي ظهور العلوم التأويلية وينصب اهتمام (المصلحة العملية) علي التفاعل البشرى – أي علي طريقة تأويل أفعالنا تجاه بعضنا البعض وطريقة فهمنا لبعض والسبل التي تتفاعل بها في إطار التنظيمات الاجتماعية .
• كما تفضي المصلحة العملية إلي نوع ثالث من المصلحة هي مصلحة الانعتاق والتحرر وهي أيضاً مرتبطة باللغة وهي تسعي لتخليص التفاعل والتواصل من العناصر التي تشوهها ... ومصلحة الانعتاق و التحرر تؤدي إلي ظهور العلوم النقدية من قبيل التحليل النفسي وغاية العلوم النقدية القائمة علي مصلحة التحرر هي الكشف عن التشويه القائم في التفاعل والتواصل وإصلاحه ...
• ويتوجه هابرماس في أعماله الأخيرة وبخاصة (في نظرية فعل التواصل) إلي فلسفة اللغة ابتغاء توسيع أساس النظرية النقدية وتنقسم أطروحته إلي ثلاث مراحل : في المرحلة الأولي: الدعوة إلي ضرورة التحرير مما يدعوه (بفلسفة الوعي) التي يعني بها الفلسفة التي تري العلاقة بين اللغة والفعل كالعلاقة بين الذات والموضوع (أي التحرر من منظومة الفكر التجريبي بمصطلحات المفكر الماركسي الفرنسي التوسير) وحصر رؤية العالم علي هذا النحو سيجعلنا أسرى للعقل الأداتي (حيث الذات تقوم بعمل شيء ما للموضوع).. وفي المرحلة الثانية (كما يلخصها ديفيد راسمسن ) يمكن أن يتخذ الفعل صورتين : الفعل الاستراتيجي وفعل التواصل . الأول يتضمن الفعل الغائي العقلاني في حين أن فعل التواصل هو ذلك الفعل الذي يرمي للوصول إلي الفهم .. وفعل التواصل هو فعل لا أداتي بالمعني التالي:( أن أي تفاهم يتم التوصل إليه عن طريق التواصل له أساس عقلاني : ذلك انه تفاهم لا يمكن فرضه فرضاً من قبل أي من الطرفين أداتياً كان ذلك الفرض عن طريق التدخل في الموقف تدخلاً مباشراً أم استراتيجياً ، عن طريق التأثير في قرارات الخصم ) .. ومثل هذا الفعل يحمل من طياته أدعاءً بالصدق . وهذا الادعاء من حيث المبدأ ، قابل للنقد فمثلاً يستطيع الشخص الموجه له هذا الفعل أن يستجيب بنعم أو لا حسبما يروق له ... وأفعال التواصل بهذا المعني هي أفعال أساسية لا يمكن اختزالها إلي أفعال غائيه . ولو كانت تلك الأفعال أفعالاً غائبة لعاد المرء ثانية إلي أشكالية فلسفة الوعي . وفي المرحلة الثالثة يترتب علي إعطاء فعل التواصل الأولوية عدة أمور منها أولاً ان العقلانية موجودة في لغتنا ذاتها وخاصيتها الأهم (وهي تلك التي يركز عليها هابرماس في حواره مع أنصار ما بعد الحداثة ) أن هذه العقلانية تستلزم نسقاً اجتماعياً ديمقراطياً يشمل الجميع ولا يستبعد أحداً هدفه ليس الهيمنة بل الوصول إلي تفاهم وثانياً ثمة نظام أخلاقي ضمني يحاول هابرماس الكشف عنه – أي الأخلاق الكلية (وهي فكرة تعرضت للنقد عند علماء الاجتماع : إذ كيف يمكننا حتى مجرد التفكير بنظام أخلاقي ينطبق علي جميع البشر بشتي مشاربهم وأنماط حياتهم ؟) وثالثاً فكرة وجود مجتمع ديمقراطي بحق يكون فيه للجميع فرص متكافئة للوصول إلي أدوات العقل كالمساهمة في الحوار ولأن يكون لكل فرد فيه صوت مسموع يحسب حسابه عند اتخاذ القرار النهائي
• وقد وجهت إلي هابرماس انتقادات عدة أهمهما أن هابرماس لم يثبت ولا يستطيع أن يثبت أولوية فعل التواصل علي الفعل الاستراتيجي كما أن أطروحته حول التحرر والانعتاق لم تثبت . ليس هذا فحسب بل أن محاولة أقامة النقد علي التفرقة بين النسق والحياة اليومية (كما طرحة في نظرية فعل التواصل) تقوض وضع التحرر الذي يزعمه والمشكوك فيه أصلاً (راسمسن في كريب)... لذلك يظهر أن مشروع هابرمس بمجمله يعاني من تناقض في الأهداف . فإن أخذنا مشروعة الأكبر بأوضح معانية ، فيظهر أن محاولة تامين أولوية التواصل في فلسفة اللغة تجهضها تلك التفرقة التي يقيمها بين النسق والحياة واليومية... ذلك أن تلك التفرقة تقيد مجالات أساسية من التجربة الاجتماعية للبشر من التشكل عبر عمليات تنطلق من التواصل .. أما إذا أخذنا مشروعه من حيث النسق الاجتماعي فإن ظواهر بعينها فحسب يمكن أن تصنف تحت مقولة الإجماع . ولذا فإن حجته التي تدعم التحول اللغوي نحو النظرية الاجتماعية وحجته التي تؤيد أقامة تفرقة بين النسق الاجتماعي والحياة الاجتماعية هما حجتان علي طرفي نقيض إذ أن الرغبة في تأمين أولوية التحرر من الإطار الأول (اللغة) قد تقوضت بمحاولة تقييد التحرر من الإطار الثاني (المجتمع) وهكذا تجد أفكار هابرمس نفسها دون مخرج وتلفها تناقضات مستعصية
• يختلف الكاتب مع هابرماس ويزعم انه يتجاوزه نقديا
• يلخص الكاتب رؤيته للنظرية النقدية في محاولته دمج ادرنو وهابرماس اي تركيبهما فلسفيا .. هذا التركيب من نتائجه انه يتجاوزهما نقديا الاثنين معا .. فادورنو يمثل التفكير السلبي في هذا التركيب .. تفكير اللاهوية .. وهو التفكير النقدي المحايث لموضوعه والذي يفككه بحيث يصبح مخالفا ما كان عليه فيدرك تناقضاته ومن ثم يتعرف علي بدائله الممكنة وما ان تستقر هذه البدائل علي هوية ما ممكنة في تفكير الهوية الا وعاد التفكير السلبي مجددا لتفكيكها وهكذا دواليك (الميتانقد) ..تفكيك مستمر يستحيل ان يقوم معه بناء .. وهدم دائم الخ
• وتفكير الهوية عند هابرماس ليس تفكيرا مطلقا .. فالهوية عنده ليست هوية جوهرية ثابتة بل هي لا تعكس اي مضمون كان ثابتا او متغيرا .. فهي مجرد اجراءات نتخذها بشان الخطاب فتعمل علي استقراره والوصول الي اجماع بشانه
• بتركيب ادرنو وهابرماس معا يحقق كل منهما مشروعه الفلسفي في الآخر وبدون احدهما في الآخر فان مشروع كل منهما الفلسفي سيمضي الي ما لا يريد .. الي المطلق .. فيغيب المشروعان فيما قاما اصلا لنقده وتجاوزه
• بدون هابرماس يمضي ارنو بعيدا في اللاهوية بحيث لا نراه ... وبدون ادرنو يعود هابرماس قريبا في الهوية بحيث لا نري غيره
• بدون هابرماس لا نمسك مع ادرنو شيئا وبدون ادرنو نمسك مع هابرماس شيئا لا نستطيع ان نمسك بغيره
• بهما معا نحقق مشروعنا الدائم في التغيير .. ثورتنا المستمرة ونمضي في مشروع تحررنا الانساتي
• هما ضروريان معا للهدم والبناء ثم للعودة مجددا .. وهكذا يمضي التحرر الانساني في حركة تجاوز لا في حركة تكرار
واذن قبل تركيب الدكتور هاشم لهما معا كيف يمكن لنا ان نقبل اطروحاتهما وبها كل هذا القدر من الوصف الذي يلصقه بهما كل علي حدة !!!!!
• يطلق علي مدرسة فرانكفورت اصطلاح إنسانية (هيومانية / ميتافيزقيقة ) ، أي أن مقولة الإنسان تصبح مقولة متجاوزة لقوانين الطبيعة / المادة وانطلاقا من هذا فإن مفكري مدرسة فرانكفورت يذهبون إلي أن آلية الخلاص ليست الطبقة العاملة وإنما المثقفون القادرون علي التعرف علي الإمكانيات الكامنة في الإنسان وعلي رؤية الماضي والحاضر والمستقبل ثم يضيفون إلي المثقفين( أكثر العناصر تطوراً في الطبقة العاملة) (أي أكثر العناصر اقتراباً ) من المثقفين وليس ذلك فحسب بل أن أدرنو وهو أكثر أقطاب مدرسة فرانكفورت تألقاً وذيوعاً حصر فلسفته في عملية النقد فقط اي نقد المجتمع الرأسمالي الحديث بآلياته السلعية المتشيئة وكان يري انه حيثما يحتوي المجتمع الوعي ويحدد مساراته تماماً لا يصبح النقد ممكناً سوي للأفراد بفضل ما يتمتعون به من ذاتية وبذلك يحول أدرنو في جدله السالب إمكانية التغيير الاجتماعي إلي داخل الذات الفردية المعارضة للمجتمع . إذ انه اذا كان المجتمع هو السلب وهو الزيف المطلق فلا عثور علي الحقيقة سوي في أعماق الفرد فكل ممارسة عملية في ظل الخداع الاجتماعي القائم في العلاقات الرأسمالية الحديثة تؤدى بتلك الممارسة إلي مشاركة في ذلك الفعل الاجتماعي المخادع ومن ثم تكريسه وتثبيته ، فالحل الوحيد إذن عند أدرنو هو الركون إلي الذات المتأملة العازفة عن أية ممارسة اجتماعية .
ما هي المفاهيم الأساسية لاتجاه ما بعد الحداثة وأبرز من يمثله جيتاري وفوكو و دوريدا وليوتار وسولرز ودولوز بالرغم من تنوع اجتهاداتهم ؟ أن نزعة ما بعد الحداثة هي المقابل لنزعة الحداثة التي تعني بشكل عام التنوير والعقلانية والرؤية الموضوعية للتاريخ والتقدم الإنساني والأساس الموضوعي للمعرفة عامة ... ونزعة ما بعد الحداثة تقوم علي رفض فلسفة التنوير العقلاني ورفض كل فلسفة تقوم علي النسق الكلي أو علي مفهوم التاريخ أو مفهوم التطور أو الأساس الموضوعي للمعرفة ، بل يرى بعض فلاسفتها وخاصة فوكو أن الحقيقية ليست معرفة أو ثمرة معرفة موضوعية بل هي علاقة قوة . فالحقيقة هي السلطة والسلطة هي الحقيقة . وإن الواقع الإنساني واقع متشظي متجزئ وصراعات من أجل السلطة المنبثة في مختلف المستويات الاجتماعية والتي تختلف باختلاف مراحل التاريخ دون أن يكون لها دلالة تاريخية . وإلي جانب هذه الرؤية المتشظية المتجزئة للوجود يسود المنهج التفكيكي في المعرفة لاكتشاف العناصر الأصلية الجوهرية أن كان هناك ما هو جوهري . وتعد هذه النزعة امتداداً لفلسفة نيتشه في ارادة القوة وفلسفة هايدجر في نظريته الوجودية المطلقة وفي منهج تحليلاته اللغوية كمصدر معرفي أساسي... وقد اخذ جاك دوريدا مقولة الفيلسوف الماركسي لويس التوسير في أن النظرية تخلق موضوعاتها الخاصة بها وعالمها الخاص بها وحولها الي فكرة أن اللغة تصنع موضوعاتها الخاصة بها ثم إلي نظرية في المعاني ونقطة البدء في هذه النظرية هي أن المعني لا يأتي بأي حال من الأحوال عن طريق العلاقة بشيء خارج اللغة فليس هناك من شيء مطلقاً بإمكاننا البحث عنه ليضمن لنا المعني وليؤكد لنا اننا علي حق وإن المعني لا يكون حاضراً أبداً بل هو دائماً في مكان آخر وهو ليس مضموناً بأي شيء من خارج ذاته والعالم الذي نراه أمامنا هو من خلق المعاني ومصنوع بواسطتها إذ ليس هناك من شيء غير المعاني ... أن المعني يكمن في العلاقات فيما بين الكلمات في اختلافها وتمايزها عن بعضها البعض وعملية الدلالة هي عملية إظهار هذه التمايزات . وعندما نقول شيئاً فإننا نضفي علي العالم نظاماً مؤقتاً لأننا نقوم بتعريف شيء ما وفقاً لعلاقته بشيء آخر . والقول كثيراً ما يصفونه بأنه "حدث" ومصطلح "الخطاب" يستخدم للإشارة إلي مجموعة أقوال أو أحداث ذات صلة ببعضها البعض . وليس ثمة قول أو خطاب له معني محدد فمعناهما يعتمدان دائماً علي علاقتهما بالأقوال والخطابات الأخرى .: فعندما نسأل عن معني خطاب من الخطابات فإننا نحال إلي خطاب آخر وهكذا .. .. وتصبح التعددية في التأويلات الممكنة نوعاً من المعيار الجمالي في الفنون ويغدو التأويل ذاته في النقد الأدبي عملاً خلاقاً يضاهي في قيمته العمل الأصلي الذي يقوم بتأويله وبدلاً من ذلك السرد المرجعي (سواء أتعلق الأمر بالعلوم أم بالعقل أم بالماركسية أم بأي شيء كان، يدعي قدرته علي ضمان الحقيقة، أو أي سرد جمالي يقدم مقاييس للجمال ، أو أي سرد أخلاقي يضع معايير للأخلاق الذي يحافظ علي بقاء الأشياء مجتمعة) نجد أنفسنا إزاء شبكة معقدة ومتباينة من ألعاب اللغة وهي شبكة نتحرك في نطاقها بحيث يكون استيعابنا لقواعد هذه الألعاب وقدرتنا علي التحرك من إحداها إلي الأخرى ،هما ما يحفظ تماسك الأشياء وارتباطها ... وهي صورة تعني أننا فقدنا كل صلة بالعالم الأصلي وإننا نعيش في هذا العالم الموهوم (عالم مابعد الحداثة) أسرى للعلامات أي فقدنا أي اتصال بالعالم الخارجي ...ان الواقع الوحيد عندهم أننا لسنا إلا نتاجاً للغتنا .. فنحن عاجزون عن تكوين اي معرفة ولا نستطيع ان نميز بين معرفة افضل او اسوا من غيرها ..
يعني باختصار العالم الذي نراه أمامنا هو من خلق المعاني ومصنوع بواسطتها إذ ليس هناك من شيء غير المعاني والقصة كلها العاب لغوية وتاويلات ثم تاويلات للتاويلات وكل واحد يقرأ ويؤول حسب قدرته علي الامساك بخيوط هذه الالعاب اللغوية ...
الا يقوض هذا الراي أي حس للنظام في العالم .. الايعني ان كل العالم بما فيه من مادة وطاقة لا تعني شيئا ولا وجود لها خارج الاعيب اللغة .. ولذا ليس غريبا ان نري مصدر الصبغة الفوضوية التي تصبغ معظم كتاباتهم ...
• انكر توماس كوهن (او كون) الطبيعة التراكمية والتقدمية للعلوم الطبيعية الحديثة مشيرا الي الطبيعة المتقطعة والثورية للتغيير في العلوم وقد نفي في اكثر تاكيداته الراديكالية احتمال وجود معرفة علمية للطبيعة علي الاطلاق حيث ان كافة المفاهيم لدي العلماء يثبت خطؤها في نهاية المطاف فنظرية النسبية مثلا لا تضيف شيئا جديدا الي معارفنا عن صحة الميكانيكا النيوتونية الثابتة فحسب وانما تثبت خطأ هذه الميكانيكا برمتها بصورة اساسية وهذا غير صحيح حيث ان النظرية العلمية ليس من المحتم ان تكون صائبة باي معني نهائي من معاني نظرية المعرفة حتي تكون لها عواقب متناسقة وتاريخية بعيدة التاثير .. المطلوب فقط هو ان تنجح في التنبوء بالظواهر الطبيعية وان تسمح للانسان باستخدامها فاذا كانت ميكانيكا نيوتن يثبت خطؤها في مجالات السرعات المقاربة لسرعة الضوء وانها ليست اساسا صالحا لانتاج الطاقة الذرية او القنبلة الهيدروجينية فلا يعني انها فاشلة بصدد السيطرة علي المظاهر الاخري للطبيعة مثل الملاحة الكونية والقاطرات او المدافع بعيدة المدي .. كذلك فان هناك تدرجا في النظريات من صنع الطبيعة لا من صنع البشر .. فنظرية النسبية ما كانت لتكتشف قبل اكتشاف قوانين الحركة النيوتونية .. وهذا التدرج بين النظريات هو الذي يضمن الانسجام ووحدة الهدف في تقدم المعارف العلمية .
• انظر :
(From Paradigms to Research Programs : Towards a Post – Kuhnian Political Science American Journal of Political Science )
• سؤال اخير : هل تستطيع الماركسية أمام التحولات المتتابعة الصور التي يشهدها العالم وأمام الأحداث الكبرى التي طبعت بألوانها الصارخة هذه التحولات أن تجيب علي أسئلة عصرنا التي يطرحها التاريخ والحياة ؟
• الإجابة نعم لأن الفلسفة الماركسية وللمرة الأولى في تاريخ الفلسفة لم تعد تزعم التحليق فوق الأشياء وفوق البشر وتاريخهم بل أصبحت تهدف إلي أن تكون أداة امتلاك الوعي ومحرك العمل الذي به يغير الإنسان الأشياء ويغير نفسه ويبني بيده تاريخه . والماركسية لا تزعم لنفسها تأليف مذهب مكتمل ، مذهب كلي لا يلبث أن يقع في صدام مع الواقع الدائم التغيير . وفلسفة الماركسية لا توجد في المعرفة المشخصة لكتابة التاريخ ... أن المبدأ الأساسي في الماركسية هو (النمو الجدلي للتناقضات بين الإنسان والمادة) وما من واقع ينفصل عن هذا المبدأ لأن الواقع ينبغي أن يفهم علي انه علاقة الانسان بالمادة او بمعني آخر :لا يفهم ما يمكن ان يكون عليه الواقع إلا بإدراك علاقة الإنسان (بالمادة ) من حيث هي حركة جدلية, صراع الأضداد واتحادها : فهو صراع لأن الإنسان مقابل "للمادة" مقابلة الفعل للانفعال وهو إتحاد لأنه لا حرية دون ضرورة ولا إنشاء دون مادة تحول أو تعطي صورة . إذن لا يمكن أن تكون وحدة الأضداد هذه إلا تاريخاً وصيرورة وليس الواقع أو التجربة إلا النمو الجدلي للتناقضات بين الإنسان والمادة . وهذا الواقع يتناوله الإنسان ويعرفه في قلب هذا الصراع مع "المادة" والذي هو بوتقة يتولد منها الواقع الجديد . ولكن ماذا تعني هنا لفظة "مادة" التي هي مضادة للانسان ومطابقة له في وقت واحد .. انها ليست "تلك" المادة التي هي موضوع العلوم الطبيعية ولا "ذلك" الواقع المنفصل عن النشاط الإنساني . أنها وعلي كل مستويات النشاط الإنساني هي الموجود الذي يفرض نفسه علي الإنسان كمنطلق لممارسته الجديدة أنها إذن نتيجة ممارسة سابقة ومحصول (النمو السابق) لتناقضات الإنسان و"المادة" ..وهذا النمو هو التاريخ بمعني السير التاريخي الذي يقوده الإنسان (والصيرورة) المتعددة المظاهر التي تولدها الجماهير البشرية علي أساس نمط إنتاجها التاريخي وعلاقاتها بالبنية التحتية للإنتاج .. إذن المادة هي الطبيعة وقد (أنسنها) الإنسان بممارسته فحولها ونظمها وسيطر عليها تاريخياً بالقوى المنتجة وهي أيضاً بمعني أوسع جملة علاقات الإنتاج الاجتماعية التي يجب أن ينطلق منها الإنسان لصنع تاريخه الجديد وعلاقة الإنسان بالمادة هي علاقة الإرادة الإنسانية بالوضع القائم الواجب تخطيه وتحويله إنها علاقة بين الحرية المبدعة للواقع الجديد والضرورة التي تفرض نفسها علي الأفراد والفئات ... الفلسفة الماركسية هي الجهد لجعل العمل شفافاً أمام الفكر ولحفزه بتجاوزه ويكمن تفوق الماركسية بالضبط لأنها مادية وجدلية أي تستطيع أن تحمل إلينا النظرة التركيبية التي يحتاجها عصرنا بل وأي عصر آخر والماركسية بمبادئها نقيضة (للدوغما) ..فماركس منذ أطروحته حول فيور باخ قد استطاع أن يكتشف العاهة الرئيسية في كل صور المادية السابقة وهي أنها أغفلت اللحظة الفاعلة في المعرفة ، أغفلت الفعل الذي يقوم به الإنسان طلباً لمعرفة الأشياء بذهابه نحو هذه الأشياء يسقط عليها رسوماً خيالية لإدراكها وفرضيات لتصورها ثم يتحقق بالممارسة من صحة رسومه المتخيلة وفرضياته ونماذجه . فالمعرفة بناء نماذج . والمعيار الوحيد لقيمة هذه النماذج هو الممارسة .. والماركسية قد انحازت للعلم بل أصبحت علماً وذلك بالذات لأنها تخلت عن الطموح النظري (الدوغمائى) لأن تكون فلسفة تحلق عالياً فوق العلوم بمنجي مما ينال هذه العلوم من صروف الدهر فالماركسية حين تذكر أن العالم ذو وجود خارجي عني وأنه يوجد بدوني وانه لا حاجة به الي ليكون موجودا ولكن في الوقت نفسه حين لا تخلط أبدا بين هذا العالم وبين "النموذج" المتفاوت في درجة تعقده والذي يبنيه العلم له في كل عصر من عصور التاريخ إنما تبرهن عن علمها بأن الواقع لا ينضب ولا يستطاع رده إلي ما لدينا عنه من معرفة وأن كل تصور علمي هو دائماً بناء مؤقت بانتظار تصورات أخري أكثر غني وأكثر أداءً وأقرب للحقيقة تلك اللحظة المادية في المعرفة كما كان يراها ويصفها ماركس وانجلز ولينين بأنها لحظة يسيطر عليها معيار الممارسة معيار التحقق التجريبي من فرضياتنا ، ومن نماذجنا , ذلك المعيار الوحيد الذي يستطيع أن يضمن لنا آخر الأمر أن بناءنا ألمفهومي يقابل واقعاً موضوعياً حيث يقول ماركس في أطروحته الثانية عن فيور باخ :(هل يستطيع الفكر الإنساني أن يصل إلي حقيقة موضوعية ؟ أن قضية معرفة ذلك ليست قضية نظرية بل هي قضية عملية ففي الممارسة وحدها يجب علي الإنسان أن يثبت حقيقة فكرته وقوتها وواقعيتها الأرضية) ... وهذه المادية الجدلية تمتاز عن كل صور المادية السابقة بصورة خاصة بكونها تقرر أهمية العلاقات بين الحقائق النسبية والحقائق المطلقة ، فكل حقيقة لدي الماركسي هي في الوقت نفسه حقيقة نسبية وحقيقة مطلقة وهذا المعني بالذات يكتسب أهمية كبرى وخاصة أننا نلصق بالماركسية صفة العلمية ... فلو أننا أضفينا علي الماركسية امتياز اعتبارها حقيقة مطلقة (أي ليست مطلقة ونسبية في آن واحد ) إذن لنفينا عنها صفة العلم وما يخضع له العلم من تقلبات أثناء مسيرة تقدمه ولأصبح لدينا ماركسية دوغمائية.... والماركسية لا تستطيع في وقت واحد أن تزعم الانتساب للعلم وأن تطالب لنفسها بصفة الحقيقة المطلقة.... فكل نظرية علمية تقدم تفسيراً للظواهر المتصلة بها هي حقيقة نسبية بمعني أنها لابد لها في يوم قريب أو بعيد من أن تتجاوزها نظرية أخري أكثر عموماً . ولكنها في الوقت نفسه حقيقة مطلقة بمعني أن النظرية التي ستتجاوزها ستحتوي بالضرورة علي كل ما كانت تفسره وتمد سلطانها عليه . وكما قال لينين في( المادية والتجاربية النقدية) فإن صفة النسبية هذه لا تقود أبداً للأخذ بالمذهب النسبي ذلك أن كل اكتشاف لايعود ليصبح موضع جدل لأنه أعطانا وإلي الأبد قوة فعلية في معالجة الطبيعة فكان بالتالي انعكاساً تقريبياً لواقع هذه الطبيعة والمعرفة العلمية – خاصة في مجال العلوم الطبيعية الحديثة – هي بكل تأكيد غائيه وتراكمية ولا يحدث التقدم فيها إلا بالبناء علي أساس إنجازات الماضي .. والمعرفة العلمية بالطبيعة لا هي دورية ولا هي عفوية والبشرية لا تعود أبداً بصفة دورية إلي نفس الحالة من الجهالة كما أن نتائج العلوم الطبيعية الحديثة ليست خاضعة لنزوات البشر ولقد ظلت المعارف العلمية تتراكم منذ زمن بعيد جداً وكان لها تأثير دائم في تشكيل الطبيعية الأساسية للمجتمعات البشرية ثم حدث التغير الكيفي علي العلاقة بين المعارف العلمية والمسار التاريخي حين تم اكتشاف المنهج العلمي في القرنين السادس عشر والسابع عشر .وأحدث هذا الاكتشاف قسمة أساسية غير دورية في الزمن التاريخي إلي الفترة السابقة عليه والفترة التالية له . كما وفر اكتشاف المنهج العلمي آلية غائيه لشرح العديد من مظاهر التطور. ...
• اذا كانت مهمة الفلسفة عند هابرماس هي :"تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع الي مستوي النقد من العماء الايدولوجي" فان العلامة الدكتور استيفن هوكنج احد ابرز علماء القرن العشرين في مجال الفيزياء النظرية وشاغل كرسي نيوتن واينشتاين يقول :"الفلاسفة يجب ان يدرسوا ويناقشوا الكيفية التي يمكن للمرء ان يفهم بها الكون : اي ما هو وضع ومعني النظرية الموحدة الكبري ولكنهم في اغلبهم ليس لديهم الخلفية الرياضية الكافية لان يتابعوا التطورات الحديثة في الفيزياء النظرية وثمة نوع متفرع يسمي بفلاسفة العلم وهم من ينبغي ان يكونوا افضل تجهيزا الا ان الكثيرين منهم فيزيائيون فاشلون وجدوا ان من الصعب عليهم ابلغ صعوبة ان يبتكروا نظريات جديدة وبالتالي فانهم بدلا من ذلك يداومون علي الكتابة في فلسفة الفيزياء وهم مازالوا يتناقشون حول النظريات الهلمية للسنوات الاولي من هذا القرن فهم لا صلة لهم بالحدود الحالية للفيزياء .. والناس الذين يصنعون التقدم في الفيزياء النظرية لا يفكرون بلغة المقولات التي يبتكرها لهم فيما بعد الفلاسفة ومؤرخو العلم "
• ويقول ايضا :"تاتي النظرية اولا ويتم طرحها بسبب الرغبة في الحصول علي نموذج رياضي رائع متسق ثم تعطي النظرية تنبؤات وهذه التنبؤات يمكن اختبارها بالملاحظة واذا اتفقت الملاحظات مع التنبؤات فان هذا لا يبرهن علي النظرية وانما تظل النظرية باقية لتصنع تنبؤات جديدة يتم مرة اخري اختبارها بالملاحظة .. واذا لم تتفق الملاحظات مع التنبؤات نتخلي عن النظرية .. ثم يطرح احدهم نظرية جديدة يتم فيها تفسير كل الملاحظات المربكة علي نحو طبيعي رائع واحد امثلة ذلك تجربة ميشلسون-مورلي التي اجريت في 1887 والتي بينت ان سرعة الضوء تكون دائما هي نفسها بصرف النظر عن طريقة تحرك مصدر الضوء او الاملاحظ .. وقد بدا هذا امرا مضحكا فلا شك انه اذا تحرك احدهم تجاه الضوء فانه ينبغي ان يقيس انتقال الضوء بسرعة اكبر ممن يقيسها وهو يتحرك في نفس اتجاه الضوء الا ان التجربة بينت ان كلا الملاحظين يقيس بالضبط السرعة نفسها
• واخطر ما قاله البروفيسور هوكنج هو الاتي : " انا اقول اني واقعي بمعني اني اعتقد ان ثمة كون موجود هناك بالخارج ينتظر من يستقصي امره ويفهمه .. وان اعتبر ان الموقف الذي يقول بان لا وجود لشيء الا الانا وحده او النفس الفردية اما العالم الخارجي فهو تجليات للنفس ولا وجود مستقل له و القائل بان كل شيء هو من خلق تصوراتنا لهو موقف فيه مضيعة للوقت فلا احد يتصرف علي اساس ذلك .. ولكننا لا نستطيع ان نميز ماهو واقعي بالنسبة للكون بدون نظرية وبالتالي فاني اتخذ الراي بان نظرية الفيزياء هي مجرد نموذج رياضي نستخدمه لتوصيف نتائج الملاحظات .. والنظرية تكون نظرية جيدة اذا كانت نموذجا رائعا واذا كانت تصف طائفة واسعة من الملاحظات واذا تنبأت بنتائج النظرية تتفق مع الواقع لاننا لا نعرف ما يكونه الواقع مستقلا عن النظرية " !!!!!!!! اليس هذا هو ما يقوله الماركسيون ... !!!!!!!!!!
• ارجو الا يكتسي حوارنا بالطابع السجالي اذ ان الخطاب السجالي خطاب توجهه الرغبة في ابطال راي الخصوم اكثر من اي شيء آخر .. انه خطاب الردود والردود علي الردود وبالتالي فهو لا يبني معرفة ولا يبرهن علي حقيقة .. كما يقول الدكتور الجابري ..!!!!!!!!!!!!
• الطريقة الوحيدة لتجاوز الماركسية هي تطبيقها باشتراكيتها وشيوعيتها ولا اظن انها قد طبقت حتي الآن .. !!!
• اكتفي بهذا ولمزيد من القراءة ارجو العودة الي المراجع المذكورة بمقالنا (واهم من يحلم بتخطي الماركسية )
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

لن يتم تجاوز الماركسية الا بتطبيقها باستراكيتها وشيوعيتها !!

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

نسيت ان اضيف الاتي :
لمعرفة علاقة مدرسة فرانكفورت بالمخابرات الامريكية هناك دراستان موثقتان يمكن الرجوع اليهما لتفصيل ذلك وهما :
الاولي:
From Political Dissent to Intellectual Integration : The Frankfurt School in American Government 1942-1949
وصاحب هذه الدراسة هو المؤرخ الالماني (الفونس زولنر)
والثانية :
THE CRITICISM OF ARMS : THE FRANKFURT SCHOOL GOES TO WAR
للباحث الامريكي باري م كاتس

كما اريد ان اختم فاقول :

ان قراءتي حتي الآن تقول ان الماركسية صحيحة من اي جهة اتيتها !!!!!!!!!!!!راجيا قراءة واعادة قراءة ما يقوله العلامة الدكتور استيفن هوكنج احد ابرز علماء القرن العشرين والواحد وعشرين في مجال الفيزياء النظرية وشاغل كرسي نيوتن واينشتاين ... وطبعا هو ليس ماركسيا (حسب علمي !!!) ولكنها الامانة العلمية الخالصة .. وللجميع خالص المودة

صورة العضو الرمزية
ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí
مشاركات: 39
اشترك في: السبت يناير 05, 2008 3:31 pm
مكان: بورتسودان

مشاركة بواسطة ÝÊÍ ÇáÚáíã ÚÈÏ ÇáÍí »

العزيز مازن مصطفي
لك التحيه
شغلتني شواغل عن متابعة تنزيل باقي حوار هشام ولعل من تمام الفائده انت تتصدي انت لموضوع الحوار بالاستكمال ومتابعة الحوار حوله بحكم قربك من موضوع الحوار بحكم التخصص وبحكم انك ادري الناس بهشام وبطريقت تفكيره.اما انا فقد تصديت لنشر الموضوع لانني اري ان من اوجب واجباتنا التعريف بالجيل الجديد من المفكرين الذين سيرثون ارض المعرفه من الحرس القديم وهشام جدير بالتعريف بافكاره والتنبيه لها خصوصا وهشام ليس مجرد مردد لافكار هابرماس انما يقدم هبرماس علي طريقتهي وعلي كيفوا المعرفي ورؤيته الفلسفيه ، اضف الي ذلك نطاق المعرفه بمدرسة فرانكفورت ضعيف الا من بعض الكورسات الاسكولاستيكيه التقريريه خصوصا مساهمة الجيل الثاني خصوصا ادورنوا وهابرماس ، انا شخصيا انتفعت برسالة هشام(رسالة الدكتوراه وهي: بعنوان مدرسة فرانكفورت
في سياق العلاقة بين النظرية النقدية وما بعد البنيوية وما بعد الحداثة) انتفعت بها كثيرا وفتحت لي مداخل للتعرف علي النظريه النقديه ولل التخفيف من حدة تاثير اتجاهات ما بعد الحداثه والنقض المطلقه الذي قدمه فوكو ودريدا وغيرهم لمنجزات الحداثه.
بالجمله الحوار اثار جمله من المقولات الكليه واحتوي مراجعات حول مفاهيم مفتاحيه
شكرا مازن
وارجو ان اتحصل لو امكن علي ايميلك لمزيد تواصل

فتح العليم
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

ازمة اقتصاد السوق وتنبؤات ماركس

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

اسئلة بريئة (او غير بريئة !!) تكمن في قراءات لبعض تحليلات الماركسيين :

يعيش العالم على وقع الحدث الاقتصادي الهائل وهو الأزمة المالية التي ضربت أغلب بورصات العالم وخاصة مركز الاقتصاد الرأسمالي العالمي "وول ستريت"والتي كانت قد بدأت صيف 2007 بتحطم منظومة القروض العقارية عظيمة المخاطر
الان نحن نري كيف تراجع منظرو العالم الرأسمالي وفقدوا الثقة في حسن تصرف المؤسسات المالية وتراجعوا عن شعارات "اقتصاد السوق" وعن " لا لتدخل الدولة" إلخ.. وهم يدعون الدول لانتشالهم بالاعتماد على احتياطي الخزائن العامة وقد سارعت هذه الأخيرة بتأميم عديد البنوك المفلسة بضخ الحقن المالية.وكان الليبيراليون قد صموا آذاننا بمقولات "نهاية الاشتراكية" و"نهاية التاريخ" وأعلنوا الرأسمالية نظاما أبديا، غير قابل للتعرض مستقبلا للأزمات والهزات.اليس ما يقومون به الان هو عين ما تنادي به الماركسية ؟؟؟؟
الم تؤكد البيانات الاقتصادية ان الازمة المالية الراهنة تدفع الخزانة الامريكية الي حافة الافلاس بعد ان وصل اجمالي الدين العام لامريكا الي اكثر من 10 الف مليار اي 10 تريليون دولار بينما اجمالي الدخل القومي هو في حدود 8 تريليون دولار بل واعلنت مؤسسة دورست الاقتصادية الامريكية ان عداد الدين العام الذي تضعه في ميدان التايمز بمدينة بنيويورك لرصد الدين العام الامريكي لحظة بلحظة لم يعد قادرا علي استيعاب الزيادة الرهيبة في الديون الامريكية ؟؟؟؟
الم يتنبأالرئيس الفرنسي ساركوزي بنهاية اقتصاد السوق الحر ووصف فكرة القوة المطلقة للاسواق ووجوب عدم تقييدها باي قواعد او باي تدخل سياسي بانها كانت فكرة مجنونة وان فكرة ان الاسواق دائما علي حق كانت فكرة مجنونة ؟؟؟
اليست هذه أزمة هيكلية لم تقدر حيل ومناورات وتقليعات منظري النيوليبرالية والامبريالية على تجاوزها فلا المضاربات ولا توجيه الاقتصاد للسلع ولا الحروب ونهب الشعوب واستعمارها نجحت في تحقيق مجتمع الرفاه.؟؟؟؟؟
الا يجمع المحللون الاقتصاديون علي ان هذه الازمة ستتفاقم؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الا تخفي وراءها تعفن اقتصاد السوق حيث السيادة المطلقة لقوانينه وهي تهدد "الاقتصاد الحقيقي-الإنتاجي" أي إنتاج السلع الاستهلاكية الضرورية وتبادلها لأن الرأسمال المالي يلهث وراء الربح السريع فيوظف الرساميل في البورصات في شكل أسهم وغيرها ؟؟؟؟
انهم يتشاجرون الان حسب مصالحهم في تحديد ماهية هذه الازمة : هل هي أزمة عقارية أو أزمة مالية أو أزمة الاقتصاد الأمريكي؟ أو أزمة الاقتصاد الرأسمالي؟ وهل هي حادث عابر وظرفي أم أزمة "شيخوخة" تذكر مرة أخرى بنهاية نمط حضاري يبنى على الاستغلال والاضطهاد ودعوة لتجاوزه؟
اليست هذه ازمة التناقض بين التملك الفردي لوسائل الإنتاج والطابع الاجتماعي للعمل وللإنتاج؟؟؟
اليست هذه الجبال الهائلة من الثروات الوهمية القابلة للتهاوي في أي لحظة هي نتيجة استحواذ حفنة من الرأسماليين والمضاربين على مجهود عمل أغلبية المجتمع ؟؟؟
الماركسيون مدعوون لدراسة دقيقة للازمة الراهنة والاساليب التي تتبعها الراسمالية وتطبقها في ازماتها الدورية وخاصة هذه الازمة للخروج منها بل وربما استخدام منجزات العلم لمساعدتها وربما زيادة ارباحها علي حساب زيادة افقار العاملين واخذ الدروس المفيدة من الاقرار بفشل نمط الحزب الواحد والاستفادة من اتساع الحركة الجماهيرية المعادية للراسمالية لمزيد من الضغط لهزيمة محاولات صفوة الراسمالية العالمية التي تجمع نفسها للتوصل الي انجع الحلول للخروج من ازمتها الراهنة ..!!!
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


تحياتي للجميع
والشكر أولاً للأستاذ فتح العليم لمبادرته بإنزال هذا الحوار إلى المنبر.


عبد الله حسين،
سلام

ياخ مازن قال ليك سؤالك غير واضح (وأنا أيضاً أشاركه الرأي). فهل هذا يستدعي اتهامك له بـ"التذرع" بعدم الوضوح تهرباً من الإجابة على سؤالك؟ ويتهرب ليه؟

استغربت أيضاً يا عبد الله لاستشهادك المطمئن بالقناة الثانية للتلفزيون الألماني. فعلى الرغم من أهمية الشخصيات موضع استطلاعها وعلى الرغم من أهمية مساهماتهم في التراث الإنساني، فإن ذلك لا يجعل من مثل هذه القنوات مرجعاً يعتد به. مش مذيعيها ياهم ناس عمر الجزلي بتاعين ألمانيا؟ والمواطنين المشاركين في الاستطلاع دا مش هم نفسهم الفوزوا أنجيلا ميركيل؟ برامج المنوعات التلفزيونية ليست هي المصادر التي يُرجع إليها في القضايا المعقدة والهامة.

سؤالك

ألا تعتقدون أن هذا الحوار الصحفي يفتقر إلى أي حس نقدي

يقع في باب التبخيس المجاني.
أتمنى أن تتحلى بالموضوعية، حرصاً على سلامة النقاش حول هذا الحوار العالي المستوى الذي يتم بين اثنين من المتخصصين في مجالهما، حتى وإن اختلفت معهما. وهو أيضاً ليس بحوار صحفي كما هو واضح من مضمونه ومن النقاش الدائر حوله.

وسؤالك الآخر:

هل تعلمون بمدى ارتباط مدرسة فرانكفورت ومعهد الأبحاث الاجتماعية " Institut fuer Sozialforschung " بالمخابرات المركزية الأمريكية، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات أخلاقية؟

يقع في باب الإرهاب الفكري، والطعن المجاني في ذمم الناس وأخلاقهم.
كما أنه لا يمكن اختزال مساهمات فلاسفة كهابرماس وأدورنو في أنهم عملاء للمخابرات الأمريكية. مثل هذه الطعون أتت من أجهزة القمع الفكري السوفيتية التي شهدنا دورها في ما آل إليه المعسكر الاشتراكي، وفي الخسائر الفادحة التي كان من نتائجها انهيار أحزاب يسارية كبيرة على الرغم من مساهماتها العميقة الجذور في مجتمعاتها، كالحزبين الشيوعيين الفرنسي والإيطالي على سبيل المثال.

نجاة


صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

الاستاذة نجاة والجميع
تحية طيبة
اريد ان اشير الي ان الدراسات التي اثبتت تعاون اقطاب مدرسة فرانكفورت مع المخابرات الامريكية لم تكن من قبل اجهزة القمع الفكري السوفيتية فهي قد كانت كالآتي :

الدراسة الاولي التي اشرت اليها تحمل عنوان (من المعارضة السياسية الي الاحتواء الفكري : مدرسة فرانكفورت في الحكومة الامريكية منذ عام 1942 الي 1949 ..(From Political Dissent to Intellectual Integration : The Frankfurt School in American Government 1942-1949) وصاحب هذه الدراسة جيدة التوثيق هو المؤرخ الالماني الفونس زولنر (Alfonons Soellner)حيث كانت قد نشرت في الاصل بالالمانية عام 1987 كفصل من كتاب يحمل عنوان (المانيا بعد هتلر) .. فهل كان الفونس تابع لاجهزة المخابرات السوفيتية ؟؟ انا لا علم لي بذلك حتي الآن ..

الدراسة الثانية هي : (نقد الاسلحة :مدرسة فرانكفورت تنخرط في الحرب ) .. (THE CRITICISM OF ARMS : THE FRANKFURT SCHOOL GOES TO WAR) ونشرت في (Journal of Modern History )-(Volume 59 Issue 3) ... من صفحة 439 الي صفحة 478 .... وهي للباحث الامريكي باري م كاتس (Barry M Katz) من هيئة التدريس بجامعة ستانفورد المعروفة .. فهل ايضا كان كاتس من اجهزة المخابرات السوفيتية ؟؟؟ ايضا لا علم لي بذلك حتي الآن ...
هذا ما اردت توضيحه فلسنا نبغي سوي الحقيقة وهي ضالتنا جميعا ...وانا وجدناها اخذنا بها ..

والله الموفق
مع خالص مودتي للجميع


[b]
عبد الله حسين
مشاركات: 208
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:52 pm

مشاركة بواسطة عبد الله حسين »

عزيزتي نجاة


أطيب التحايا


لا أستطيع أن أفهم أن يرد الأستاذ مازن مصطفى نيابة عن د. هشام عمر النور، وأن تردي أنت نيابة عن الأستاذ مازن مصطفي، بما أنكم جميعاً أعضاء في هذا الموقع؟، إذا كان السبب هو عامل الزمن، فأنا أيضاً أعاني من ذلك، وأترك للآخر ما شاء من الوقت لكي يرد، ولست على أي حال في عجلة من أمري.

إن كان هذا الحوار، مجرد حوار أكاديمي، بين اثنين من المُختصين في الفلسفة، كما أشرت، لما توقفت عنده، أكثر من توقفي في قراءة كثير من الكتابات التي أجد أنها بعيدة عن تخصصي الأكاديمي وهو العلاقات الدولية. الشاهد أن هذا الحوار الصحفي، أو سمه بما شئت، قد زج بإسم الحزب الشيوعي السوداني مقروناً بمآلات النظرية الماركسية، في متن نصه الحواري، وقد رأيت المُشاركة فيه، بما أني عضو في هذا الحزب، وأتبنى النظرية الماركسية، خاصة وأن د. هشام عمر النور، قد أعلن في مقدمة ورقته " هل هناك ضرورة نظرية لتخطي الماركسية "، أنها جاءت كرد على أن قيادة الحزب الشيوعي السوداني قد أعادت تبني الماركسية، وهذا يثبت أن مُنطلقاته سياسية وليست فكرية، هي بالضبط خُروجه من الحزب الشيوعي وانضمامه لحركة حق، لاحقاً حق الحديثة، كنائب للأمين العام الحاج وراق.

إذا كان سؤالي غير واضح بالنسبة لك وللأستاذ مازن مصطفى، فهو واضح جداً بالنسبة لآخرين، فحتى في اللغة الدارجة درج الناس على القول أن فلان " ما عندو موضوع "، أو أن موضوعاته هامشية، أو جدية، والقصد هو أن للبشر موضوعات مختلفة، وإهتمامات غير ملزمة للآخرين، وينطبق ذلك أيضاً على العلوم الطبيعية والإنسانية، ومنها الفلسفة، التي بالتأكيد أن موضوعاتها قبل 2000 عام ليست هي مواضيعها الآن، في العالم المُعاصر. لقد وجهت سؤالي لـ د. هشام عمر النور تحديداً، لاعتقادي أنه مطلع على كثير من المصادر المُهتمة بمدرسة فرانكفورت، وقد صُغته بناء على قراءة في أحد تلك المصادر:
يقول د. نور الدين افاية في كتابه " نموذج هابرماس "، ص 19، " ( إن من بين المشاكل التي تواجه الفلسفة هو أنه في الوقت الذي امتلكت العلوم التجريبية والانسانية موضوعاتها بقيت الفلسفة بدون موضوع، ذلك أن القول بأن الفلسفة هي تساؤل عن الانسان والمجتمع والطبيعة والتاريخ قول لا يصمد أمام الملاحظة، لأن للإنسان علومه وللمجتمع علومه وللطبيعة علومها وللتاريخ مباحثه. ماذا بقى إذن للفلفسة؟ هل صفة التساؤل وحدها كافية لنعت تفكير ما بأنه فلسفي ؟ أم أن الفلسفة تفترض إضافة إلى شرط السؤال، مقاييس تتفرد بها ؟ ثم هل الفلسفة في الزمن المعاصر، بقيت رهينة الذات ومسألة الوعي، أم أنها بفضل الانفتاحات المعرفية، توظف المفهوم وأشياء العالم المعيش؟ ).

أما بخصوص القناة الثانية في التلفزيون الألماني، فهي لا تختلف عن بقية المصادر الإعلامية الموجودة في العالم الغربي، هي نفسها التي تنبأت وفق استطلاعات الرأي بفوز باراك أوباما وفاز بالفعل!، الاستطلاعات طابقت صناديق الاقتراع، واحتفلنا به أنا وانت والجميع، مع علمي أن أوباما في نهاية المطاف، ليس أكثر من ممثل لمصالح الامبريالية العالمية، رغم لونه الأسود، مثل كونداليزا رايس " السوداء أيضاً " ممثلة مصالح النفط في الإدارة الأمريكية، إذا انتزعت نتائج استطلاعات الرأي فوز كارل ماركس رغماً عن رغبات هذه الأجهزة المُسيطرة، فلماذا لا نحتفي به، خصوصاً أن الذي تبناه وقدمه لهذا الاستطلاع هو جريجور جيسي، أحد قادة حزب اليسار الألماني الذي يتقدم بقوة في المشهد الألماني، وهو أحد القادة السابقين في ألمانيا الشرقية، وعلى علم بالتأكيد بأجهزة الإعلام الامبريالية؟.

وبخصوص:

سؤالك
اقتباس:
ألا تعتقدون أن هذا الحوار الصحفي يفتقر إلى أي حس نقدي

يقع في باب التبخيس المجاني.
أتمنى أن تتحلى بالموضوعية، حرصاً على سلامة النقاش حول هذا الحوار العالي المستوى الذي يتم بين اثنين من المتخصصين في مجالهما، حتى وإن اختلفت معهما. وهو أيضاً ليس بحوار صحفي كما هو واضح من مضمونه ومن النقاش الدائر حوله.


فسؤالي كان كاملاً:

ـ ألا تعتقدون أن هذا الحوار الصحفي يفتقر إلى أي حس نقدي، في ظل الأذمة التي تمسك بخناق النظام الرأسمالي العالمي، وخصوصاً هذا الجزء من أحد ردود د. النور:

اقتباس:
إن تخطي الماركسية ضرورة نظرية من أية جهة أتيتها، سواء من جهة مشروعها الإنساني أو مشروعها السياسي أو مشروعها الاجتماعي الاقتصادي أو مشروعها الفلسفي والنظري أو مشروعها كعلم


يعني أن افقتقار الحس النقدي ليس بشكل مُطلق، إنما في ظل الأزمة الحالية التي تمسك بخناق النظام الرأسمالي.

أما بخصوص سؤالي الأخير:



وسؤالك الآخر:
اقتباس:
هل تعلمون بمدى ارتباط مدرسة فرانكفورت ومعهد الأبحاث الاجتماعية " Institut fuer Sozialforschung " بالمخابرات المركزية الأمريكية، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات أخلاقية؟

يقع في باب الإرهاب الفكري، والطعن المجاني في ذمم الناس وأخلاقهم.
كما أنه لا يمكن اختزال مساهمات فلاسفة كهابرماس وأدورنو في أنهم عملاء للمخابرات الأمريكية. مثل هذه الطعون أتت من أجهزة القمع الفكري السوفيتية التي شهدنا دورها في ما آل إليه المعسكر الاشتراكي، وفي الخسائر الفادحة التي كان من نتائجها انهيار أحزاب يسارية كبيرة على الرغم من مساهماتها العميقة الجذور في مجتمعاتها، كالحزبين الشيوعيين الفرنسي والإيطالي على سبيل المثال.


أتمنى أن تثبتي أن ذلك يقع في باب الإرهاب الفكري، وأن ذلك أتى من أجهزة القمع الفكري السوفيتية، في المقابل إليكم بهذه الوثيقة:

OSS & the Frankfurt School:
Recyling the “damaged lives of cultural outsiders”
by Susan Cavin, Ph.D.,
Adjunct Associate Professor of Sociology
New York University


The relationship between sociology, psychology, and O.S.S. espionage
represents one of the most fascinating, but closeted triangles in recent American
intellectual history. O.S.S. was laughingly referred to as “Oh So Social” because its
ranks were filled with upper class old boys and society girls. In a period that spanned
only four years (1941-1945), the O.S.S. and Office of Wartime Information (OWI)
tapped the rising, fleeing and falling stars of the American and European academy.
In July 1941, General Wild Bill Donovan was asked to direct the Coordinator of
Information (C.O.I)., which became O.S.S. in 1942.
i
Then O.S.S. and O.W.I.(later to
become Voice of America) were one, but later split into two separate organizations. In
1945, when the war ended, the O.S.S. was disbanded, but the famed Research and
Analysis branch, which at war’s end had grown to 900 scholars,
ii
was moved into the
C.I.A. in 1947.
iii
In 1976, Ray S. Cline’s Secrets Spies and Scholars Blueprint of the Essential CIA
uncloaked Herbert Marcuse as an O.S.S. sociologist in R & A’s “German section.”
iv
In
1987, Robin Winks’ classic Cloak and Gown Scholars in the Secret War named Paul
Massing, Barrington Moore, Edward Shils as O.S.S. researchers, among many others in
all branches of the social sciences.
v
In 1989, Barry Katz revealed the O.S.S. Central

European Section of Research and Analysis had hired these members of the Frankfurt
School: Marcuse, Franz Neumann, Otto Kirchheimer, Felix Gilbert;
vi
along with
sociologists Morris Janowitz, Edward Shils, and Barrington Moore; and economist Paul
Sweezy.
vii
In 1996, Heideking & Mauch’s American Intelligence and the German
Resistance to Hitler reconfirmed that Franz Neumann, Herbert Marcuse, and Max
Horkheimer were members of O.S.S. R & A.
viii
Heideking and Mauch published an
interesting O.S.S. memorandum by Marcuse which predicted the various scenarios the
Nazi defeat would take called “Report by the OSS Research and Analysis Branch:
Possible Patterns of German Collapse authored jointly by German exiles and former
members of the New School for Social Research: Herbert Marcuse, Felix Gilbert, and
Franz Neumann, analysts in the Central European Division of R & A since the end of
1942.”
ix
Marcuse, later to become Angela Davis’s mentor at Brandeis University, briefly
served with the Office of War Information (O.W.I) before joining O.S.S.
x
Previously, Robin Winks’ Cloak and Gown uncloaked the following O.S.S.
sociology at Yale and Harvard: Barry Katz (19 ) revealed the O.S.S./O.W.I. wing of
the Frankfurt School: Paul Massing, Barrington Moore, Edward Shils, (Kline)
Heideking & Mauch’s American Intelligence and the German Resistance to Hitler
(1996, p. 3) confirmed the following members of the O.S.S. R & A: Franz Neumann,
Herbert Marcuse, Max Horkheimer. ôReport by the OSS Research and Analysis Branch:
Possible Patterns of German Collapseö authored jointly by German exiles and former
members of the New School for Social Research: Herbert Marcuse, Felix Gilbert, and

3
Franz Neumann, analysts in the Central European Division of R & A since the end of
1942. (Mauch, 1996, p. 87)
Claus Dieter KrohnÆs Intellectuals in Exile Refugee Scholars and the New
School for Social Research outed John Herz , Hans Speier, Otto Kircheimer as OSSers.
Some great sociologists and classic 20th century social theorists were hired by U.S.
military intelligence during World War II.
The O.S.S./ O.W.I. and other U.S. military intelligence agencies recycled what
Adorno called “the damaged lives of cultural outsiders,”
xi
when the U.S. inherited this
treasure trove of German intellectuals after 1933. About 1200 academics lost their jobs
in Germany in 1933, when 16% of all university faculty were dismissed. By 1938, it
was 39% of all faculty.
xii
Some academic fields were hit harder than others in Germany,
particularly the social sciences where 47% of faculty were dismissed.
xiii
Some
German-Austrian social scientists found positions in the United States at the New School
for Social Research, Institute for Advanced Study at Princeton, Black Mountain College
in North Carolina, and Roosevelt University in Chicago.
xiv
U.S. universities could not
accomodate all these intellectuals fleeing the Nazis; some had to do government
consulting work outside the academy to supplement their income.
The Frankfurt School was of course part of this intellectual migration. Frankfurt
School legends read like a who’s who in the social sciences: Erich Fromm, Herbert
Marcuse, Teodor Adorno, Max Horkheimer, Paul Lazarsfeld, Otto Kirchheimer, Leo
Lowenthal, Frederich Polloch and Franz Neumann. Franz Neumann is thought to have
been the first member of the Frankfurt School to have been inducted into O.S.S.,
xv
bringing Marcuse and some of his fellow Frankfurt Schoolers with him.

The Frankfurt School used two approaches to analyze Nazism, which
O.S.S./O.W.I. utilized: the legal-political-economic approach led by Neumann; 2) the
other approach led by Horkheimer, “explored the psychosocial mechanisms of
obedience and sources of violence.”
xvi
When Horkheimer took over the Institut in
1930, he sponsored an “empirical study of the mentality of workers in the Weimar
Republic” to explain why the German proletariat had turned right instead of left. Erich
Fromm was the project’s first director; “in later years, Anna Hartock, Herta Herzog, Paul
Lazarsfeld, Ernst Schactel all contributed to the attempt to complete the study.”
xvii
It
eventually fell to Teodor Adorno to complete the task which became the sociological
classic, The Authoritarian Personality.”
xviii
Claus Dieter Krohn’s Intellectuals in Exile Refugee Scholars and the New School
for Social Research outed John Herz , Hans Speier, Otto Kircheimer as O.S.S.ers.
xix
Herz and Kircheimer ‘s special O.S.S. assignment was civil service and union leadership
for the Rand Corporation under Hans Speier.
xx
Sociologist Hans Speier wrote some of
the most fascinating sociology outside the academy for O.S.S. during World War II. on
German War Propaganda,
xxi
along with Austrian psychologist Ernst Kris
xxii
(who
wasErik Erikson’s art teacher in Vienna before the war).
xxiii
Speiers and Kris will be
discussed at length in the next section on Funkspiel (radio game), along with Paul
Lazarsfeld and Teodor Adorno. two sociologists not publicly known to have consulted
for O.W.I until this paper.

O.S.S. Psychoanalysis of Hitler’s Mind

While it is well known that Donovan recruited Walter Langer to lead the O.S.S
psychoanalysis of Hitler’s mind, it is not well known that Carl Jung, Erik Erikson, Hans
Speier, and Gordon Allport psychoanalyzed Hitler’s mind for O.S.S.-O.W.I.-C.O.I.
Gordon Allport had worked with Murray as early as 1941 on an OSS project to
analyze Hitler’s mind.
xxiv
Some of this study of Hitler’s mind utilized both sociologists
and psychologists analyses of Hitler’s radio speeches. Both Henry Murray
xxv
and Ernst
Kris had been mentors to young Erik Homburger Erikson, who was hired by C.O.I.
(the predecessor to the O.S.S.) to listen to analyze Hitler’s radio speeches.
xxvi
Erik
Homburger Erikson wrote at least three studies for COI: 1) his analsysis of Hitler’s radio
speeches; 2) “On Submarine Psychology,” written for the Committee on National Morale
for the Coordinator of Information (COI) (1940); and 3) “On the Feasibility of Making
Psychological Observations in Internment Camps (COI) 1940
Erik Erikson was only one of many German -Austrian social scientists who were
employed by U.S. military intelligence (e.g., COI/OSS/OWI/ONI) to listen to and analyze
Nazi radio broadcasts, particularly Hitler’s speeches. Erikson worked for C.O.I. in the
early days of the O.S.S. then later the Office of Naval Intelligence (ONI).; Hans Speier
and Ernst Kris worked for O.S.S. and O.W.I. Critical theorist Teodor Adorno and
methodologist Paul Lazarsfeld worked as O.W.I. consultants to listen to and analyze
America’s wartime radio broadcasts.

“I Don’t Want to Be Jung’s Footnote”
Jung, Bancroft & Dulles
Socialite Mary Bancroft is the pivot in a Swiss intelligence menage a trois
between her two father figure-lovers, Berne-O.S.S. station chief Allen Dulles, and her
therapist, Carl Jung. Dulles once impatiently told Mary, “I don’t want to go down in
history as a footnote to a case of Jung’s!”
In 1944-45, Henry Hyde took four trips to see Allen Dulles in Switzerland to
loan Dulles, a POW Czech radio operator named Wally, for Operation Sunrise. On one
of these trips, Hyde traveled from Lyon to just inside the Swiss border where he was met
by car by Mary Bancroft. Mary got out of the car; kissed Henri on both cheeks, and
drove off in another car with a man. Hyde drove Mary’s car to the Geneva Airport,
picked up Paul Mellon (O.S.S.-MO) who had just flown in from England. Hyde drove
Mellon to a beautiful old hotel overlooking Lausanne where Jung was waiting for him
upstairs in a hotel room. Mellon's mission was to hear Jung's psychoanalysis of Hitler's
mind and the German collective unconscious. Hyde waited for Mellon in the hotel lobby,
then drove Mellon back after his meeting with Jung.
Paul and Mary Mellon had been patients of Jung’s since 1938. Mellon wanted to
see Jung again during the war; family therapy revisited. Paul and Mary, husband-wife
patients of Jung, had raved to their brother-in-law OSS Station Chief London, David
Bruce, who had married Paul’s sister Aisle, about Jungian psychoanalysis


David Bruce-Paul Mellon-Allen Dulles O.S.S. cable traffic from Switzerland to London
officially confirms Jung’s analysis of Hitler’s mind for O.S.S.
Dante called the dead “shades.” Jung called what we don’t want to know about
ourselves, our “shadow.” Jung wrote: “In Hitler, every German saw his own shadow, his
own worst danger...” Freudian psychohistorians have argued that Hitler was Jung’s
shadow. In 1934, Jung first denied the rumor that he sent Hitler coded messages over the
radio. However, in 1938, Jung did diagnose Hitler, Mussolini and Stalin over the radio
on journalist H.R. Knickerbocker’s show entitled, “Diagnosing the Dictators.” Jung was
accused of having Goebbels as his patient, but denied it. However, he admitted meeting
Goebbels and seeing Hitler and Mussolini at very close range in the thirties.
By 1943, Jung was rumored to be “Hitler’s doctor;” which he publicly denied in
1949. However, both Nazis and O.S.S. aristocracy were Jung’s patients. Hitler
confidante Ernst Hanfstaengl, one of the trusted few to ever see Hitler’s “tidy, simple,
ascetic bedroom,” reported to O.S.S. that “when he showed Dr. Jung a specimen of
Hitler’s handwriting, the latter immediately exclaimed that it was a typically feminine
hand.”(Langer) Jung’s work on Hitler’s Femininity is cited in the official OSS study of
Hitler’s mind by Walter Langer.
Jung told Knickerbocker over the radio that Hitler “has a tremendous mother
complex...The unconscious of a man is always represented by a woman; that of a woman
always by a man.” Jung later elaborated on Hitler’s anima-possession by his female
shadow: “...in Germany Hitler has an uncanny power of being sensitive to that collective
unconscious. It is as if he knows what the nation is really feeling at any given time....One
form under which the unconscious appears to a man is that of a female figure....Hitler has
never gained a healthy relationship to this female figure, which I call the anima. The
result is that he is possessed by it. Instead of being truly creative he is consequently
destructive.”
Jung analyzed Hitler’s radio voice as the source of his power. His siren voice is
“nothing other than his unconscious into which the German people have projected their
own selves, that is, the unconscious of 78 million Germans.” Jung was consulted on


Hitler’s mind not only by Dulles (SI), Mellon (MO), and Bruce (SI) of O.S.S., but by
OSS Chief Psychologist Henry A. Murray many times over the war.
Hitler’s Perversion
Murray, Allport, Erikson
While Freud’s most gifted cast out student-rival-jealous son, Carl Jung was
playing both sides off against the middle in his not so neutral Switzerland., Anna Freud
had already psychoanalyzed young Erik Erikson and taught him about her flegling
science of child psychology. Anna Freud gave Erik Erikson the idea to analyze Hitler’s
childhood, which later made him famous in his first book Childhood and Society. Erik
Erikson thanked Chief OSS Psychologist Henry Murray in Childhood & Society, where
he publicly analyzed Hitler’s childhood, for giving him his first intellectual home in the
U.S.
Henry A. Murray, Chief Psychologist at O.S.S. S School, co-authored the O.S.S.
Hitler study, and developed the thematic apperception test for selective service boards
that are still used today by civilian psychological clinics. Murray is an elusive, but
important connecting figure in O.S.S. networks.
Academic colleague and father-figure mentoring triangles

between Chief OSS psychologist Henry Murray - Walter Langer-Ernst Kris (authors of
the OSS official Hitler study); Jung-Henry Murray-Erik Erikson (O.S.S. Switzerland-
Harvard Clinic/O.S.S. Virginia Farm); and Murray-Gordon Allport-Clyde Kluckhohn
(Harvard Clinic/O.S.S. Farm in Virginia) are worth more explorationr.
While Hitler’s sexuality was psychoanalyzed by Jung, Erikson, Allport, Langer,
Murray, and Kris for O.S.S. from 1941 to 1945; the German intelligence ABWEHR was
also interested in this delicate subject. German intelligence reports by Walter
Schellenberg, the best ABWEHR officer, noted that Dr. Morrell, who often injected
Hitler with drugs, and Hansfstaengl knew that Hitler publicly achieved sexual ######


during his political speeches by talking dirty to the audience, which he regarded as
female. Dr. Morrell refused to correct this condition medically because he knew that it
was Hitler’s public ###### that made his voice powerfully attractive to the masses.
O.S.S. reports suggested that Hitler privately achieved ###### by having a woman
defecate over his face.
The application of psychological theory to wartime military intelligence adds a
fascinating angle to the kaleidoscope called the psychology of war. Carl Jung devised a
word association test the Allies used to identify military recruits in W.W.I. Gordon
Allport’s classic theories on the “psychology of rumor;” Erikson’s dramatic play theory
and Jung’s theories of extroversion-introversion and collective unconscious were used by
O.S.S. in WWII. My paper is the first social science text to connect Allport, Jung and
Erikson’s classic theories in psychology to O.S.S. espionage training.
Sociology & Funkspiel (Radio Games)
Lazarsfeld, Herzog,Adorno, Merton
During World War II, radio technology and social science theory and methods
were to espionage what computers, the Internet and computer science are today. Radios
served more purposes than can be discussed here.
In the fall of 1939, the Rockefeller Foundation allotted a grant to Princeton
University to set up the Office of Radio Research with Frank Stanton and Hadley Cantril
as Directors. “Adorno was employed part-time by Lazarsfeld ‘s Radio Research Project
at Princeton,” which later moved to Columbia University.
xxvii
In the Spring of 1940, the
Office of Radio Research was transferred to Columbia University; Lazarsfeld became
itsDirector .
xxviii
One OSS axis was the radio traffic generated by the intersection of Secret
Intelligence (SI) with Morale Operations (MO) and Research and Analysis (R & A) in


Allen Dulles’ busy OSS-Switzerland station in 1944-45. In Switzerland: OSS
psychological warfare that Allen Dulles waged against the Nazis included using
Carl Jung to psychoanalyze the mind of Adoph Hitler.
xxix
Dulles’s wartime
mistress Mary Bancroft had been Jung’s mistress- patient first;
xxx
Bancroft was
the go-between between Dulles and Jung. However, Jung had other close
O.S.S. ties through both his former patient Paul Mellon
xxxi
as well as through
Henry Murray,
xxxii
O.S.S. Chief Psychologist at the O.S.S. S School in Virginia.
xxxiii
Murray was also Director of the Harvard Psychological Clinic, and co-author of the
official O.S.S. study of Hitler’s mind, led by Walter Langer, Ernst Kris, and Bertram
Lewin.
xxxiv
The Frankfurt School, New School for Social Research, and Columbia
University's contributions to W.W.II military intelligence were immense. Sociologists
Barrington Moore, Edward Shils, and Paul Massing. worked for O.S.S./O.W.I. (Kline),
along with John Herz , Hans Speier, and Otto Kircheimer (Dieter Krohn), and Max
Horkheimer. The O.S.S. Report on Possible Patterns of German Collapse was authored
jointly by: Herbert Marcuse, Felix Gilbert, and Franz Neumann, analysts in the Central
European Division of O.S.S.- R & A since 1942. (Heideking & Mauch, 1996)
Herbert Marcuse, Angela Davis’ mentor at Brandeis, and Norman O. Brown, who
wrote Life Against Death, were perhaps the most famous OSSers among New Left
academic gurus worshipped by sixties radicals. Psychologist Erik Erikson,
anthropologist Clyde Kluckhohn and sociologists were also used to developed questions/
questionnaires for Allied military interrogators of German and Japanese POWs.


This paper adds Paul Lazarsfeld, Teodor Adorno, Herta Herzog, and Robert
Merton to this legendary list of sociologists who analyzed what the Germans called
“funkspiel” or radio war propaganda for O.W.I.. O.W.I. was originally part of O.S.S.,
and later became Voice of America. O.S.S-O.W.I. recycled what Adorno called "the
damaged lives of cultural outsiders" of European emigre scholars into military
intelligence.
Before the war at the University of Vienna, Paul Lazarsfeld created a research
Center for applied Psychology when Ernst Kris, co-author of the O.S.S. Hitler Mind
Study, was Erik Erikson’s art teacher at the University of Vienna. In 1944-45,
psychologist Ernst Kris and sociologist Hans Speier wrote German Radio War
Propaganda for O.S.S.
Originally, Lazarsfeld and Erich Fromm directed the Frankfurt School’s Marxist
study of the puzzling fascist tendency of German workers in the 1930’s, later finished by
Teodor Adorno as the sociological classic,“The Authoritarian Personality” in 1950.
During the war, Lazarsfeld was a fat cat grant king at Columbia University, while Adorno
and Hannah Arendt at the New School for Social Research were struggling adjuncts
picking up bits and pieces of part-time government research work. The successful
Lazarsfeld hired the unsuccessful genius Adorno, but Lazarsfeld was unhappy with
Adorno’s critique of American radio.
Lazarsfeld’s Radio Project began in 1937 at Princeton University, moved to
Columbia University as the Office of Radio Research in 1939-40, and produced several
reports for O.W.I. on American radio war propaganda. Lazarsfeld’s Office “conducted a
pioneering study of voter decision-making in the 1940 and 1944 presidential
election...During the war years the Office was active in governmental research, especially


on communications.” In 1942, the Office published “A Study of Three Radio Broadcasts
Intended to Refute Rumors,” (Barton, Guide to the Bureau of Appliced Social Research.)
In 1943, Robert Merton became Associate Director of the Office. In 1943 and 1944,
Lazarsfeld and Merton jointly wrote, “Studies in Radio and Film Propaganda,” and “The
Psychological Analysis of Propaganda.”
In 1944, the Office of Radio Research was renamed the Bureau of Applied Social
Research. During and after the war, Lazarsfeld’s Bureau pioneered the use of
sociological methods for voter opinion poll research and marketing/advertising for
Madison Avenue.
In 1941, Adorno did three studies of American radio for Lazarsfeld’s Office of
Radio Research . Two of Adorno’s studies,“On Popular Music” and “The Radio
Symphony,” music noted the “commodity character of modern society, the trend towards
monopoly in all sectors of society, including communications; society’s reaction to any
threats to its preservation by a tightening of its conformist elements...”Adorno saw
“standardization” and “pseudo-individuality” as the essential ingredients of popular
radio music shows such as NBC’s “Music Appreciation Hour.” Although Adorno’s work
was not exactly what Lazarsfeld had in mind, Adorno’s analysis of radio in the forties
was prophetic for television, film, advertising and mass market book publishing sequels
in the last half of the twentieth century. “Recognition of the familiar was the essence of
mass listening, serving more as an end in itself....Once a formula was successful, the
industry plugged the same thing over and over again. The result was to make music into a
kind of social cement operating through distraction,displaced wish-fulfillment, and the
intensification of passivity.”
Adorno’s friend in California, the great German novelist Thomas Mann gave a
lecture at O.S.S.-HQ on the German way of thinking in Washington during the war.
Mann’s son worked for O.S.S. Adorno and Thomas Mann's working relationship during
Mann's work on Dr. Faustus is a fascinating aside. Even Marlene Dietrich and Lotte
Lenya were pulled into O.S.S.’s radio war.
Lazarsfeld also brought in several of his old Frankfurt School associates to the
Bureau: Adorno, Herta Herzog, Leo Lowenthal (OWI section chief) and Franz Neumann


from OSS, Marcuse from OSS-OWI. Marcuse was given a full-time position at
Lazarsfeld’s Bureau. Neumann was the Frankfurt School scholar who joined OSS first,
and may have brought others with him. Neumann wrote the classic study of Nazism
called Behemoth (1982). “Postwar reports continued the communications research
tradition, commercial studies mixing with foreign audience analyses for the Voice of
America, studies of anti-prejudice propaganda and public health communications.”
(Barton, p. 2) All that Lazarsfeld learned about influencing public opinion via radio
during wartime was applied to television advertising to sell products.


How Were Refugee Radical Sociologists and Psychologists Recruited?

This paper has explored secret triangle between the upper class, intelligence
circles and the academy: the spy school aristocracy. There are many routes of passage
into this secret club. Teacher’s pet became apprentice spy when Chief O.S.S.
psychologist Henry A. Murray, director of Harvard Psychological Clinic, recruited young
emigre researcher Erik Erikson, giving him his first intellectual home in the U.S.
Classmates brought each other into the club, senior professors brought talented junior
professors like Ray Kline into the fold. College presidents picked the brains of their best
faculty.
O.S.S. recruiters like David Bruce raided college departments and campuses at
his old alma mater Princeton, while General Donovan raided his old alma mater
Columbia. Other times, it was only after the recruitment that the old school bonds were
there to rediscover. This is a book about ruling class spy triangles: the Ivy League
triangle between

bookworms, aristocrats, and spies; the triad between social science, espionage, and

radio technology (sci-spy-techies); and the intelligence

overlap between the triple social sciences of sociology, anthropology, and psychology

during World War II.

President-General Dwight David Eisenhower first drew a picture of

“the military-industrial complex” triangle between the U.S. government, the military and
the munitions industry. This book explores another secret triangle between the upper
class, intelligence circles and the academy: the spy school aristocracy. There are many
routes of passage into this secret club. Teacher’s pet became apprentice spy when Chief
O.S.S. psychologist Henry A. Murray, director of Harvard Psychological Clinic, recruited
young emigre researcher Erik Erikson, giving him his first intellectual home in the U.S.


Classmates brought each other into the club, senior professors brought talented junior
professors like Ray Kline into the fold.
O.S.S. cells were designed to be triangles. To enter into O.S.S., a trusted insider

had to vouch for the new asset to their case officer. This maintained the upper class

structure of the O.S.S.; bringing in only friendly newcomers from the lower strata who

were amicable with the upper crust.

Class warfare became class attraction between leftist academics and

center right old boys in the fight against fascism during World War II. The O.S.S.

intermingled high society with “the best and the brightest,” which reenacted their Ivy

League schooldays, stimulating both old boys and bright boys. Aristocrats and academics

liked, loved, hated, admired, rivaled, respected and tried to impress each other to death.
The following chapters chart the exciting beginning of how and why
psychologists, anthropologists and sociologists were recruited by O.S.S. elites who had
been students at the same schools where the brightest stars of the American academy
taught. Professors were recruited who brought along their brightest graduate students,
RA, TAS, colleagues, friends, wives, lovers and mentors into the war effort.
O.S.S. Family and Kinship Patterns have rarely been studied at this close range, revealing
that intelligence is a family affair of: parent-child spies, legacies, schoolmates, teacher-
students, sibling rivals, childhood friends, brother-in-laws, sexual jealousies, passionate
adulteries coexisting with marriages of convenience, lifelong friends, long term rivals,
their ex-lovers, and their lovers’ lovers. Contrary to the fictional lone spy out in the cold,
O.S.S. was actually a high society of spies, playing in a childhood schoolyard, wearing
their school colors, a community as tight as a cult with General Donovan as guru, with
initiation rituals, rites of passage, and great social control over its members: the power of
gossip in high society.


O.S.S. organized and unified the lonely, lost adult children and wives of
American expatriates, and turned them into an American global village, a worldly small
town. These jetsetters, internationals, American upper class marginals, biculturals, and
triculturals who spoke several languages had lived in so many countries they were no
longer sure which country they belonged to. The war made these prodigal sons, daughters
and ex-wives feel American. O.S.S. brought them home at last to the country their
families had left.
O.S.S. was a romantic masculinity cult, modeled after an English men’s club
where men really liked, befriended and loved each other. O.S.S. male bonded in the
English way, and male-female bonded as the Greeks knew it, and O.S.S. proved it: “An
Army of Lovers Cannot Fail.”
At the heart of this study is the basic question: how was social science used as

espionage in World War II? This question inevitably raise a number of related questions

of particular interest to World War II buffs, historians, sociologists, psychoanalysts,

and anthropologists including: What is the relationship of academia to espionage?

What social science classics can be traced back to O.S.S./OWI warwork? How can

classic European and American social science be separated from World War II

military intelligence? Did academics go beyond bookworming for O.S.S.? What roles

did social scientists play in the intelligence reports that lead to the decision to deploy the

atom bomb? What is the relationship between science, communications technology and

espionage? Which psychologists and sociologists were used by O.S.S. to develop

character studies of foreign leaders and to analyze Hitler talk radio and the lure of

fascism for the German masses? Why did O.S.S. recruit so many upper class

men and women? Finally, what did W.W.II sociologists of radio war learn that is
applied

to television and Internet war today?


For the scholarly audience, the book provides a valuable history of the origin of university
affiliation with US intelligence; for social theorists, a reexamination
of classic social science theories in new light; for social scientists, a social history of
American anthropology and sociology at Columbia University. For the psychoanalytic
community, this is a new discussion of the history of psychology’s collusion with military
intelligence.



George C. Chalou, The Secrets War The Office of Strategic Services in World War II. Proceedings of the
Conference on the Office of Strategic Services in World War II (June 11-12, 1991) sponsored by the
National Archives and Records Administration. Washington, DC: National Archives Trust Fund Board,
1992. See also Bradley F. Smith The Shadow Warriors: O.S.S. and The Origins of the CIA. New York:
1983; and Kermit Roosevelt, War Report of the O.S.S.. New York, 1976.
ii
Barry Katz, “The O.S.S. and the Development of the Research and Analysis Branch,” in Ibid., pp. 43-47.
iii
Ray S. Cline, Secrets, Spies and Scholars Blueprint of the Essential CIA. Washington, DC: Acropolis,
`976. Cline also names Ralph Bunche as an O.S.S.er. See also Chalou, op. cit..
iv
Kline, 1976, p. 77.
v
Robin Winks, Cloak and Gown Scholars in the Secret War, 1939-61. (New York: 1987). See also Robin
Winks, “Getting the Right Stuff, FDR, Donovan, and the Quest for Professional Intelligence ,” in Chalou,
op. cit., pp. 19-38.
vi
Barry Katz, Foreign Intelligence: Research and Analysis in the Office of Strategic Services, 1942-1945.
Cambridge, MA, 1989.
vii
Barry Katz, in Chalou, op. cit., p.p. 44-45.
viii
Heideking & Mauch’s American Intelligence and the German Resistance to Hitler (1996, p. 3)
ix
Ibid., p. 87
x
xi
Adorno in Klaus Dieter Krohn, Intellectuals in Exile, p. 218; pp. 11-12
xii
Ibid., p. 208.
xiii
Ibid., p. 11-12.
xiv
Ibid., p.5-6. After 1933, the New School, which is intimately linked with the Rockefeller Foundation,
attracted the most refugee scholars in the U.S.
xv
Katz, op. cit., Wink, op. cit.
xvi
Martin Jay, The Dialectical Imagination, A History of the Frankfurt School & the Institute of Social
Research 1923-50 (Boston: Little Bronw & Co., 1973) p. 168-69.
xvii
Ibid.
xviii
Teodor W. Adorno with Else Frenkel-Brunswick, Daniel T. Levinson & R. Newitt Sanford, The
Authoritarian Personality (New York: 1950).
xix
Claus Dieter Krohn’s Intellectuals in Exile Refugee Scholars and the New School for Social Research
(University of Massachusetts, 1993, translated by Rita and Robert Kimber, foreword by Arthur J. Vidich)
pp. 176-177. See also Martin Jay, The Dialectical Imagination: A history of the Frankfurt School and the
Institute of Social Research 1923-1950 (Boston: Little, Brown & Co., 1973).
xx
Jay, op. cit., p. 176-77.
xxi
Ernst Kris and Hans Speier, German Radio Propaganda: Report on Home Broadcasting during the War.
(New York: Oxford, 1944).


See also Ernst Kris, Walter Langer, Henry A. Murray, and Bertram Lewin. The Mind of Adolph Hitler.
See also Ernst Kris, “The Danger of Propaganda,” American Imago, II, 1940, pp. 1-42. Ernt Kris, “Some
Problems of War Propaganda: A Note on Propaganda, New and Old,” The Psychoanalytic Quarterly, Vol.
XII, 1943, pp. 381-99. Ernt Kris, “German Propaganda Instructions of 1933,” Social Research, Vol. IX,
No. 1, February 1942, pp. 62-63.
xxiii
Robert Coles, Erik Erikson The Growth of His Work, Boston: Little Brown, & Co. 1970.
xxiv
Murray wrote in his study of Hitler’s mind on file at NARA: “Sources of Information for this
analysis....A paper published by W.H.D. Vernon, Hitler, the Man- Notes for a Case History, Journal of
Abnormal and Social Psychology 1942, 37,295-308, was written under my general supervison and contains
most fo the ideas of Professor G.W. Allport and myself on this topic as far as they were crystallized in the
fall of 1941.”
xxv
Henry A. Murray’s Sadism:
The strange "case of Murr"Born into Averill Harriman’s upper class Fifth Avenue world on May 13,
1893, Harry Murray was his mother’s least favorite child (HAM, Love’s Story Told, p. 7)
Bossed and bullied around by his older sister Virginia, Harry was sent to Groton in 1906 to toughen up.
Dean Acheson was one of his roommates (HAM, p. 25) at Groton where he encountered his second taste of
sadomasochistic bullying: "Pumping….a ritual in which the upper-classmen …turned upside down so that
water could be pumped into his nose." Pumping didn't happen to Harry, but he witnessed it. "Harry
…avoided the humiliation of being elected May Queen and forced to dance in skirts before a crowd of boys
who laughed and then ran their strange victim down." (HAM, p. 23) Harry did note however, that at first
introduction to male communal life in the showers, he walked in with an erection and was laughed at.
(HAM, p23)

It appears that the Groton sadomasochistic gang rape of the male May Queen turned Harry on,
since he replicated it for twenty years in ritualistic ##### ############ sex with Christiana Morgan.
(Love’s Story Told and Translate This Darkness) Christiana Morgan co-authored the Thematic
Apperception Test (TAT) with Harry, although he later stole it completely from her. Harry dressed as a
woman in skirts while he beat Christiana with whips and used other medieval instruments to torture her
before they had sex at their Tower she built with his money, modeled after Carl Jung’s Tower in Bollingen,
Switzerland. Christiana "was beautiful and she knew it."
Murray, Moby Dick & Melville
In August 1924, Harry sailed on the Scythia across the Atlantic and assisted the surgeon Bland-
Sutton in an emergency, it was Harry’s first human surgery. Bland-Sutton, who had read Moby Dick twelve
times, introduced Harry to Melville’s Moby Dick. (HAM, p. 1)

At Harvard, he was the exact opposite of Ted Koszynski; Harry was a preppy with the best social
connections, a DEKE and member of Hasty Pudding (HAM, p. 27). Harry
Went to Columbia Presbyterian for Medical School and then did research at Rockefeller Institute. (Love's
Story Told, p. 53)

In Love's Story Told, the author thanks these people for interviews about HAM:
Mrs. Gordon Allport, Erik Erikson, Evelyn Hooker, Alfred Kazin, Kenneth Kenniston, Rollo May, Lewis
Mumford, Talcott Parsons, David Riesman, Edwin Shneidman, Neil Smelser, Robert Penn Warren, and
Alan Watts. (HAM, p. ix-x)
xxvi
. For more on Erikson’s Hitler studies, see his classic,” Hitler’s Imagery and German Youth in 1942
Psychiatry 5, pp. 475-93; which becomes his classic “The Legend of Hitler’s Childhood”
in Childhood and Society (1950).

References


Erik Erikson, Toys and Reasons Stages in the Ritualization of Experience, (NY: Norton,
1976)
Erik Erikson, GandhiÆs Truth (1969)
__________Young Man Luther (1958)
_____________Childhood and Society (1950, 1963)
David Johnston, ôSuspect in Loss of Nuclear Secrets Unlikely to Face Spying Charges,ö
New York Times, June 15, 1999, p. 1.
Henry A. Murray, Thematic Apperception Test Manual. (Cambridge: Harvard University
Press, 1943.
_____________ Explorations in Personality. (New York: Oxford University Press,
1938.
David Norman Smith, ôThe Social Construction of Enemies: Jews and the
Representation of Evil,ö Sociological Theory, Vol. 14, No. 3, November 1996, pp. 202-
240.
Neil McLaughlin, Nazism, Nationalism, and the Sociology of Emotions: Escape from
Freedom Revisited, Sociological Theory, Vol. 14, No. 3, November 1996, pp. 241-261.
Edwin S. Shneidman, et. Al. Foreword by Henry A. Murray (New York: Grune &
Stratton, 1951).
Kurt Lewin,Æs A Dynamic Theory of Personality (1935).
Franz AlexanderÆs ôThe influence of psychologic factors upon gastro-intestinal
disturbance,ö Psycholanalytic Quarterly (1934), p. 501-588
Henry A. Murray, The Psychology of Humor," Journal of Abnormal and Social Psychology 29 (1934), 79.
Forrest G. Robinson, Love’s Story Told A Life of Henry A. Murray (Cambridge,
MA: Harvard University Press, 1992).
Claire Douglas, Translate This Darkness, The Life of Christiana Morgan, (New York:
Simon & Schuster, 1993).
xxvii
xxviii
xxix
Jurgen Heideking and Christof Mauch, American Intelligence and the German Resistance to Hitler
(Westview, 1996), p. 40. See also “The First German Surrender The End of the Italian Campaign,” Report
by Allen W. Dulles and Gero von Gaevernitz, Bern, May 22, 1945 at the National Archives (NARA) , RG
226, E. 110, Box 1, Folder 11B. See also Mary Bancroft, “Jung and His Circle,” Psychological
Perspectives 6:2 (1975). Jung Centenary Issue II.

xxx
Bancroft, Ibid.. See also Mary Bancroft, Autobiography of a Spy.
xxxi
Heideking and Mauch, op. cit., See also Paul Mellon, Reflections in a Silver Spoon: a memoir (New
York: Morrow, 1992).
xxxii
Dialogue with Henry A. Murray by Richard Evans, 1964 videotape series with Carl Jung, Gordon
Allport, Erik Erikson.. See also Murray and G>W. Allport’s report on Hitler’s mind in OSS files at the
National Archives, NARA, RG226,Entry 92.
xxxiii
Henry Murray, Assessment of Men: Selection of Personnel for the Office of Strategic Services. The
O.S.S. Assessment Staff (1948) (New York: Rinehart, 1948, p. vii.
xxxiv
Henry A. Murray, Walter Charles Langer, Ernsty Kris, Bertram D. Lewin. A psychological analysis of
Adolph Hitler: his life and legend. Washington: M. O. Branch, Office of Strategic Services, 1943. (165
pp.)
See also Bradley F. Smith, The Shadow Warriors, op. cit., p. 276-77
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

عبد الله

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

الأستاذ عبدالله حسين..

للمرة الثانية تدفع بكلام غير مبني سوى على محض ظنونك..

أنا لم_ ولن بالمناسبة_ أرد نيابة عن هشام النور؛ ولا عن أي شخص سواي..
ولم أفهم، ولو لوهلة، أن نجاة ترد بالنيابة عني؛ ولم أكن لأرضى إن فعلت.

المداخلات هنا منصوبة لمناقشة من يشاء؛ في كل الجزئيات الواردة بها، أما إذا أردت شخصاً بعينه (وهو بالطبع حقك)، فأقترح عليك اللجوء للرسائل الداخلية، حيث لا يمكننا القراءة، دعك من الرد..


ولو قرأت مداخلتي (هل فعلت؟) لوجدت أنني لم أعرب سوى عن رغبة في المتابعة:
يمكن لو وضحتا لي "موضوع الفلسفة" كان شنو في الألفيات السابقة، أستطيع المتابعة بصورة أفضل، وربما إستنباط ما ترغب في التساؤل عنه..

شايف؟ المتابعة، وإستنباط ما ترغب في السؤال عنه؛ هذا كل ما وعدتك به! فمن أين أتيت بفكرة الرد أساساً؟..
هذا لا ينفي أنني قد أرد على كل ما أقرأ؛ سواء كان موجهاً لي أم لغيري، طالما نشر بداخل المنبر، وطالما وجدت لدي الرغبة في ذلك. كما أن لدي الحق بتجاهل ما شئت تجاهله من مداخلات، و إن خاطبني مباشرة..

كنت أحسب ما أكتبه منذ أول المداخلة من البديهيات!..

إن الأمر يمضى لمضيعة وقت حقيقية؛ فدوناً عن مناقشة ما ورد بالحوار أجدني مضطراً لشرح العناقريب؛ من قبيل التذكير بأن لا أحد زعم_طيلة هذا البوست_ أن الإتهام سوفيتي (أنا لا أعلم هل هو كذلك أم لا)، كل ما ورد أن:

مثل هذه الطعون أتت من أجهزة القمع الفكري السوفيتية

و هذه ال" مثل" أجدها للتشبيه لا للمطابقة.

بعدين تعميم زي دا:

ألا تعتقدون أن هذا الحوار الصحفي يفتقر إلى أي حس نقدي، في ظل الأذمة التي تمسك بخناق النظام الرأسمالي العالمي، وخصوصاً هذا الجزء من أحد ردود د. النور:
(الخط تحت المفردات لي)

طيب إذا مابشكل مطلق، "أي" دي قاعدة تسوي شنو هنا؟

(تخريمة: لطفاً، "الأذمة" التي تجد الحوار لا يعبأ بها تكتب كذا: "الأزمة"، وهو تصحيح يدعي البراءة، لأنك كررتها كثيراً. )

في موضوع " موضوع الفلسفة"، أرى أن هشام النور أجاب على سؤالك في هذا المقطع:

"والدليل الحيوي على صحة هذا الاستنتاج هو أن الماركسية كانت قد أعلنت موت الفلسفة واعتبرته عائقاً ايدولوجياً في سبيل التحرر تستخدمه البرجوازية باقتدار (وهي أحد الاتهامات التي طالت هابرماس في الستينات باعتبار أنه ما يزال يمارس صراعاً فلسفياً بدلاً من أن يمارسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً). وهي قراءة خاطئة تماماً لمقولة ماركس في كون الفلاسفة اعتادوا تفسير العالم وأنه قد حان أوان تغييره. المهم أنه بينما أعلنت الماركسية موت الفلسفة (حتى وإن تعددت نسخ هذا الموت أو فهمه) فإن النظرية النقدية عند هابرماس تعتبر الفلسفة هي علم التفكير النقدي وبذلك ترد لها اعتبارها لا كأحد العلوم وإنما كأهمها. فهي أحد ثلاثة معارف إنسانية؛ فبينما كل العلوم تنقسم بين العلوم ذات الصلة بالطبيعة والعلوم ذات الصلة بالإنسان وتفاعلاته فإن الفلسفة تقوم على رأس العلوم النقدية. وهو من أهم الانتقادات التي وجهها هابرماس إلى ماركس باعتبار أن الأخير قد خلط بين العلوم النقدية والعلوم الطبيعية. هكذا تصبح مهمة الفلسفة “تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع إلى مستوى النقد من العماء الأيدولجي” (وفق ما أستحضر من لغة هابرماس) ولذلك دعني أقول لمن يعيشون في أحلام موت الفلسفة: “لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل فلسفة تموت فلسفة جديدة”. وأنا أعني بدقة عدم الحلم بعالم سعيد؛ فالعبارة ليست مجرد مجاراة لشعر أمل دنقل وإنما هي عبارة أقصدها تماماً، لأن الفلسفة وعي شقي ـ على حد تعبير هيجل ـ ولكنه ضروري لمشروع التحرر الإنساني."


لا أجد داعياً بعدها لتكرار سؤال _و لهشام نفسه_ عن موت الفلسفة (أترى،إتضح مؤخراً لي أنك تهدف لإثارة "موت الفلسفة"، لا التساؤل عن موضوعها). أها موضوع الفلسفة (كما تستخدمه، بمعنى مهمتها) هو “تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع إلى مستوى النقد من العماء الأيدولجي”.. دا حسب هابرماس، وحسب هشام.
لا أعرف لماذا لم يجب هشام على سؤالك_ إذ أجدك متبرماً_ إذ لم أثر معه الموضوع؛ لكني لن أتعجب لو لم يكن الزمن هو السبب. أكنت تجيب على أسئلة أجبت عليها سلفاً لو كنت بمكانه؟
.........................................................................................................

أها تعال النسألك:
يا زول أنا القاليك منو محتفي بي هابرماس؟ إستنتجت الحاجة دي من وين؟ سواء كنت محتفي بهابرماس أم لم أكن لاتوجد علامة واحدة تدفع بك إلى القول بإحتفائي به..
أها عارف دي أنا بقراها شنو؟
دي الشوعنة يا عبدالله؛ البتفترض إني ما ممكن أعمل حوار مع زول يرتكز على هابرماس بدون ما أكون محتفي بهابرماس..
يا زول هسي المدخلو سياسي في الناس دي كلها منو؟
..............................................................................................
..............................................................................................
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

اخطاء توماس كوهن(كون) ومهمة الفلسفة عند اسيفن هوكنج

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

طلب مني بعض الاخوة الاعزاء (د/عبد الوهاب ود/السماني ود/حسن حسين وغيرهم ) ان افصل والخص الحديث عن توماس كوهين ومهمة الفلسفة وكيف تنبني النظريات عند اسيفن هوكنج ..وهاانذا افعل مبينا اخطاء توماس كوهن وتخلف من يسمون بفلاسفة العلم ومهمة الفلسفة عند هوكنج وتطابق ارائه في بناء المعرفة مع ما تقول به الماركسية (والحمد لله رب العلمين ) !!!!!

• انكر توماس كوهن (او كون) الطبيعة التراكمية والتقدمية للعلوم الطبيعية الحديثة مشيرا الي الطبيعة المتقطعة والثورية للتغيير في العلوم وقد نفي في اكثر تاكيداته الراديكالية احتمال وجود معرفة علمية للطبيعة علي الاطلاق حيث ان كافة المفاهيم لدي العلماء يثبت خطؤها في نهاية المطاف فنظرية النسبية مثلا لا تضيف شيئا جديدا الي معارفنا عن صحة الميكانيكا النيوتونية الثابتة فحسب وانما تثبت خطأ هذه الميكانيكا برمتها بصورة اساسية وهذا غير صحيح حيث ان النظرية العلمية ليس من المحتم ان تكون صائبة باي معني نهائي من معاني نظرية المعرفة حتي تكون لها عواقب متناسقة وتاريخية بعيدة التاثير .. المطلوب فقط هو ان تنجح في التنبوء بالظواهر الطبيعية وان تسمح للانسان باستخدامها فاذا كانت ميكانيكا نيوتن يثبت خطؤها في مجالات السرعات المقاربة لسرعة الضوء وانها ليست اساسا صالحا لانتاج الطاقة الذرية او القنبلة الهيدروجينية فلا يعني انها فاشلة بصدد السيطرة علي المظاهر الاخري للطبيعة مثل الملاحة الكونية والقاطرات او المدافع بعيدة المدي .. كذلك فان هناك تدرجا في النظريات من صنع الطبيعة لا من صنع البشر .. فنظرية النسبية ما كانت لتكتشف قبل اكتشاف قوانين الحركة النيوتونية .. وهذا التدرج بين النظريات هو الذي يضمن الانسجام ووحدة الهدف في تقدم المعارف العلمية .
• انظر :
(From Paradigms to Research Programs : Towards a Post – Kuhnian Political Science American Journal of Political Science)
• اذا كانت مهمة الفلسفة عند هابرماس هي :"تحرير وعي ذاتي للنوع يرتفع الي مستوي النقد من العماء الايدولوجي" فان العلامة الدكتور استيفن هوكنج احد ابرز علماء القرن العشرين في مجال الفيزياء النظرية وشاغل كرسي نيوتن واينشتاين يقول :"الفلاسفة يجب ان يدرسوا ويناقشوا الكيفية التي يمكن للمرء ان يفهم بها الكون : اي ما هو وضع ومعني النظرية الموحدة الكبري ولكنهم في اغلبهم ليس لديهم الخلفية الرياضية الكافية لان يتابعوا التطورات الحديثة في الفيزياء النظرية وثمة نوع متفرع يسمي بفلاسفة العلم وهم من ينبغي ان يكونوا افضل تجهيزا الا ان الكثيرين منهم فيزيائيون فاشلون وجدوا ان من الصعب عليهم ابلغ صعوبة ان يبتكروا نظريات جديدة وبالتالي فانهم بدلا من ذلك يداومون علي الكتابة في فلسفة الفيزياء وهم مازالوا يتناقشون حول النظريات الهلمية للسنوات الاولي من هذا القرن فهم لا صلة لهم بالحدود الحالية للفيزياء .. والناس الذين يصنعون التقدم في الفيزياء النظرية لا يفكرون بلغة المقولات التي يبتكرها لهم فيما بعد الفلاسفة ومؤرخو العلم "
• ويقول ايضا :"تاتي النظرية اولا ويتم طرحها بسبب الرغبة في الحصول علي نموذج رياضي رائع متسق ثم تعطي النظرية تنبؤات وهذه التنبؤات يمكن اختبارها بالملاحظة واذا اتفقت الملاحظات مع التنبؤات فان هذا لا يبرهن علي النظرية وانما تظل النظرية باقية لتصنع تنبؤات جديدة يتم مرة اخري اختبارها بالملاحظة .. واذا لم تتفق الملاحظات مع التنبؤات نتخلي عن النظرية .. ثم يطرح احدهم نظرية جديدة يتم فيها تفسير كل الملاحظات المربكة علي نحو طبيعي رائع واحد امثلة ذلك تجربة ميشلسون-مورلي التي اجريت في 1887 والتي بينت ان سرعة الضوء تكون دائما هي نفسها بصرف النظر عن طريقة تحرك مصدر الضوء او الملاحظ .. وقد بدا هذا امرا مضحكا فلا شك انه اذا تحرك احدهم تجاه الضوء فانه ينبغي ان يقيس انتقال الضوء بسرعة اكبر ممن يقيسها وهو يتحرك في نفس اتجاه الضوء الا ان التجربة بينت ان كلا الملاحظين يقيس بالضبط السرعة نفسها
• واخطر ما قاله البروفيسور هوكنج هو الاتي : " انا اقول اني واقعي بمعني اني اعتقد ان ثمة كون موجود هناك بالخارج ينتظر من يستقصي امره ويفهمه .. وان اعتبر ان الموقف الذي يقول بان لا وجود لشيء الا الانا وحده او النفس الفردية اما العالم الخارجي فهو تجليات للنفس ولا وجود مستقل له و القائل بان كل شيء هو من خلق تصوراتنا لهو موقف فيه مضيعة للوقت فلا احد يتصرف علي اساس ذلك .. ولكننا لا نستطيع ان نميز ماهو واقعي بالنسبة للكون بدون نظرية وبالتالي فاني اتخذ الراي بان نظرية الفيزياء هي مجرد نموذج رياضي نستخدمه لتوصيف نتائج الملاحظات .. والنظرية تكون نظرية جيدة اذا كانت نموذجا رائعا واذا كانت تصف طائفة واسعة من الملاحظات واذا تنبأت بنتائج النظرية تتفق مع الواقع لاننا لا نعرف ما يكونه الواقع مستقلا عن النظرية " !!!!!!!! اليس هذا هو ما يقوله الماركسيون ... !!!!!!!!!!
وكما قلت سابقا فالماركسية صحيحة من اي جانب اتيتها ..!!
والطريقة الوحيدة لتجاوز الماركسية هي تطبيقها باشتراكيتها وشيوعيتها ولا اظن انها قد طبقت حتي الآن .. !!!
مقالنا القادم سيكون انشاء الله حول (هل تتطابق نظرية المعرفة بين حجة الاسلام الامام ابو حامد الغزالي وماركس )
لمزيد من المعرفة يرجي الاطلاع علي ما جاء بالمراجع المذكورة سابقا وخاصة كتب هوكنج وفوكوياما والمجلات العلمية المذكورة


صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

استغربت أيضاً يا عبد الله لاستشهادك المطمئن بالقناة الثانية للتلفزيون الألماني. فعلى الرغم من أهمية الشخصيات موضع استطلاعها وعلى الرغم من أهمية مساهماتهم في التراث الإنساني، فإن ذلك لا يجعل من مثل هذه القنوات مرجعاً يعتد به. مش مذيعيها ياهم ناس عمر الجزلي بتاعين ألمانيا؟ والمواطنين المشاركين في الاستطلاع دا مش هم نفسهم الفوزوا أنجيلا ميركيل؟ برامج المنوعات التلفزيونية ليست هي المصادر التي يُرجع إليها في القضايا المعقدة والهامة.


العزيزة نجاة ......سلام

يا نجاة ما ممكن!! عاد مرمطي بالقناة الثانية للتلفزيون الألماني جنس مرمطة (أيش جاب لي جاب) ناس عمر الجزلي شنو البتقارنيهم بالعاملين في قناة الـ (ZDF) وهل أنتي علي معرفة حقيقية بقناة الـ (ZDF) ؟ وعموماً بالسياسة الأعلامية في دولة المانيا الأتحادية وطرق ادارتها في عمل الدراسات الأجتماعية وغيرها من الدراسات والتغطيات الأعلامية ؟ وعلي معرفة ببنية المجتمع الألماني التي انتجت رواد المدراس "الفلسفية" بدأً من القديم منها والوسيط والتنويري ومروراً بالحديث منها من الهيجليين الشباب والكثيرين غيرهم غيرهم ووصولاً حتي لمؤسسي " مدرسة فرانكفورت " ومن خَلَفّهمْ ومنهم (Jürgen Habermas) ذات نفسه، حيث لا يمكنك هكذا ببساطة غير معهودة فيك أختصار هذه الناحية وأجمالها بهذه العبارة الموغلة في التعسف بوصفك للمشاركين في الأستطلاع تبع الـ (ZDF) من الألمان وغير الألمان بانهم هم نفسهم الفوزوا (أنجيلا ميركل) !!أظن يا نجاة أنك لا تعرفي نظام الأنتخابات الألماني المعقد جداً هذا دون أن تنسي الدور الخطير الذي لعبته السياسة الألمانية عبر منظماتها الأجتماعية الشعبية في اتخاذ مواقف كثيرة تميزت بالأستقلالية التامة منها الموقف الحاسم من الحرب في العراق واجبار حكومتها السابقة المؤلفة حينها من تحالف حزبي الديمقراطيين الأجتماعيين الـ (SPD) و حزب الخضر (Die Grünen) بالأمتناع عن مشاركة الولايات المتحدة في حربها المعلنة ضد ما يسمي بالأرهاب.
ومن ناحية ثانية الدراسات الأجتماعية التي تديرها او تشرف عليها المؤسسات الأعلامية المستقلة هي ليست فقط برامج منوعات تلفزيونية وأظن انه لا يفوت عليك ان المؤسسة الأعلامية لاتكتفي فقط بالبث التلفزيوني او الأذاعي فلها عدة من نشاطات أخر تعتمد فيها علي جامعات ومعاهد دراسات علمية وأجتماعية مرموقة ولها مكانتها في المجالات العلمية المستقلة ايضاً.

بغض الطرف عن طبيعة السجال الدائر هنا فالحق يقال القناة الألمانية الثانية للتلفزيون الألماني الـ (ZDF) من القنوات الأعلامية المستقلة التي تتميز بسمعة جيدة تؤهلها لنيل ثقة الكثيرين وتتمتع بدرجة مصداقية عالية فارجو يا نجاة أن لا تعميك سخونة السجال من عدم رؤية الحقائق الموضوعية والخستكه بها.

عامر مودتي

وليد يوسف
آخر تعديل بواسطة الوليد يوسف في الأربعاء ديسمبر 03, 2008 3:26 pm، تم التعديل مرة واحدة.
السايقه واصله
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »



سلام يا وليد

تسألني إن كنت "على معرفة حقيقية" بالقناة الألمانية المشار إليها هنا. و"إذا ما كنت أعرف عموماً السياسة الإعلامية في ألمانيا، وعلى معرفة ببنية المجتمع الألماني التي أنتجت رواد المدارس الفلسفية..." إلى آخر سؤالك.
وقبل أن أشكرك خالص الشكر على هذه الاستهانة بقدرتي على التقدير، والقياس، والإلمام بمعلومات ليس معرفتها ضرباً من ضروب السحر، أود أن أسألك بدوري ما علاقة هذا برأيي في برامج المنوعات في التلفزيون الألماني المذكور، الذي هو شبيه ببقية برامج المنوعات في التلفزيونات الغربية وغير الغربية، حتى وإن كان من صنوف برامج المنوعات التي تُسمى بالمنوعات الثقافية؟
إن المشاركين الذين يشاركون في مثل هذه الاستطلاعات ليسوا من المتخصصين، والمتخصص لا يسمح لنفسه ـ بل لا يمتلك الحق أصلاً ـ بتصنيف العلماء والمساهمين في التراث الإنساني في تصنيفات تراتبية. إن هذا الاستطلاع في حد ذاته يعطي القائمين على البرنامج ومعاهد دراسات الرأي الحق في تصنيف علماء ومساهمين عظيمين من الأول إلى الطيش!!! وفي هذا استخفاف بالعلوم والعلماء. كما أن مشاهدي ومستمعي البرامج، حتى وإن كانوا من المتخصصين في مجالاتهم، لا يمكنهم تصنيف أصحاب المساهمات العظيمة وفق الترتيب الذي يمليه عليهم مزاجهم أو تقديرهم أو معرفتهم.

أشكرك أيضاً على ظنك ـ دون وضع أي احتمال لعكسه ـ بعدم معرفتي بنظام الانتخابات الألمانية "المعقد جداً". وأسألك بدوري ما هي علاقة "نظم الانتخابات" بالرأي الذي أبديته في المشاركين في الاستطلاع المذكور؟ جوهر الديمقراطية ليس هو نوع الأنظمة الانتخابية، ولكنه مبدأ التمثيل، الذي هو أساس العقد الاجتماعي بين الشعب وممثليه، والذي وُضعت النظم الانتخابية المختلفة لتقود إليه في نهاية الأمر. إن النظم الانتخابية "المعقدة جداً"، لم تمنع تصاعد الحركات اليمينية المتطرفة، بل والفاشية أيضاً، ولم تمنع وصول متطرفين إلى سدة الحكم في دول غربية، كالنموذج الذي قدمته النمسا، ولم تمنع فرنسا (موطن جان جاك روسو صاحب العقد الاجتماعي) من أن تصحو غداة الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في عام 2002 وهي تلعن عارها بتأهيل قائد اليمين المتطرف لخوض الجولة الثانية. خرج الملايين في الشوارع ينبذون اختيارهم وتفريطهم في الديمقراطية و"نظمها الانتخابية المعقدة"، وعالجوا خطأهم بمنح ما يزيد عن 87% من أصواتهم لجاك شيراك ضد المتطرف جان ماري لوبين، في نتيجة تذكِّر بنتائج الانتخابات الوهمية التي يخوضها عتاة الدكتاتوريين في العالم. كما أن وجود الحركات المناهضة للعولمة الليبرالية والمدافعة عن الحقوق لا ينفي ضعف الحس والوعي السياسيين عند شرائح عريضة من المواطنين. وهي نفس هذه الشرائح التي تلحق الهزائم بالحركات التقدمية، وتأتي بجورج هايدر، وجان ماري لوبين، و...تشارك في استطلاعات الرأي في برامج المنوعات.

أشكرك أيضاً على تعريفي بأن "الدراسات الاجتماعية التي تديرها أو تشرف عليها المؤسسات الإعلامية المستقلة هي ليست فقط برامج منوعات تلفزيونية". نعم عمل هذه المؤسسات لا يقتصر على الاستطلاعات التي تطلبها هذه البرامج، فمؤسسات استطلاع الرأي تجري استفتاءاتها على أصعدة عديدة، بدءً من التكهن بنتائج الانتخابات المختلفة (بكل "أنظمتها المعقدة" وغير المعقدة) مروراً بمعرفة أنواع السلع التي يفضلها المستهلك، من البسكويت الذي يحبه أطفال المدارس إلى السيارات الألمانية ومستحضرات التجميل الفرنسية، وكل ما من شأنه أن يسهِّل للرأسمالية معرفة أقصر الطرق للوصول لجيب المستهلك. وهذا جانب مهم ـ إن لم يكن الأهم ـ من جوانب نشاط معاهد استطلاع الرأي. يا عزيزي، أكبر معهد لدراسات واستطلاع الرأي في فرنسا ترأسه وتمتلكه...رئيسة المجلس الفرنسي لأرباب العمل.
فلتهنأ الرأسمالية بمعاهد استطلاع الرأي "المرموقة".

وأخيراً، تنهي مداخلتك باستهانة بالغة بقدرة محاورك على التمييز و"رؤية الحقائق الموضوعية". وإذا ما كنت ترى في هذا الحوار "سجالاً ساخناً"، فهذا على كل حال ليس رأيي. فأنا أعبر هنا عن خلاف مع شركاء في الحوار. وليس هذا هو وحده ما استغربت له في هذا الجزء من مداخلتك، فقد أزعجتني وأربكتني كلمة "خستكة" التي زججت بها هنا في حوار لا يمكن فيه استخدام كلمات من شاكلة هذه الكلمة التي من ناحيتي لا استخدمها، ناهيك عن أن أدخلها في حوار جاد.

تحياتي للجميع
نجاة

أضف رد جديد