هـجوم وحـشى على معرض التشكيلى محمد حمزة ..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

شكرا يا صويم فقد فتح بوستك أبواب المناقشة حول المعارض

عزيزنا حسن موسى
ترددت كثيرا أن أقطع عليك تسلسل حديثك عن المعرض والمعارض التشكيلية ولكن حديثا بالتلفون مع أخينا الفنان التشكيلي أحمد سيداحمد الذي بمانشستر يقيم ويرسم ويعرض كمان، شجعني.
كان هناك أرتباط بين ثورة أكتوبر وإقتحام الفنون التشكيلية، وبالذات الرسم (والنحت أيضا) مجالات في العمل العام السياسي:
1- وأذكر حضوري للخرطوم في ديسمبر 1964 وكانت أول ملاحظة ألاحطها بوريتيرات ضخمة للقرشي تزين مداخل المدن الثلاث وعند الجامعة ورسومات للجماهير وهي تتظاهر وتحمل اعواد النيم وكانت كل تلك الرسومات ممضية باسم رسام لا أعرفه "فاضل الأسمر"
2- أقام إتحاد طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم إحتفالا بذكرى الإستقلال في أول يناير 1965 وكان تميزه ليس صور الشهداء بل رسومات بورتري لهم ولا أتذكر الآن من رسمها.
3- أقيم تمثالين لأحمد القرشي وبابكر عبد الحفيظ في نهاية الشارع الرئيسي (Main Road) عند مدخل المكتبة الرئيسية. وكان ذلك حدث فريد في بلد كان يعرف تمثالين لبابكر بدري وغاندي. ولم يخلد شهداء آخرين بنصب تماثيل حتى الآن. بل حطمت التماثيل التي كانت موجودة.
4- رفعت الجبهات الديمقراطية بالجامعات والمعاهد العليا قدراتها في العمل الثقافي بعد ثورة أكتوبر وقد إنعكس ذلك في الهرجانات الثقافية السنوية، وفي جامعة الخرطوم كان مهرجان الجبهة تنظمه جمعيتا الثقافة الوطنية والفكر التقدمي وقد أقيم أول مهرجان عام 1965 وقد حضرت المهرجان الثالث 1967 والرابع 1968 والخامس 1969 والسادس 1970 ثم حلت الجمعيات الفكرية في عام 1971 وواصلت جماعة المسرح الجامعي نساطها بعد 1971. وما يهمنا هنا النشاط التشكيلي الذي كان يصاحب المهرجانات أو هو جزء منه، فقد كان هناك فنان تشكيلي مدهش اسمه عبدالله هاشم عبد السلام كان ينظم معرضا تشكيليا يعرض فيه أعمال الفنانين الأوربيين وقدم نبذة عن سيرتهم وكان عرضه لبعض لوحات هؤلاء الفنانين يشكل معركة سنوية مع الأخوان الذين يتهمون الرسومات بالعري وخدش الأخلاق . ترى هل عبدالله هاشم كان من هؤلاء التشكيليين العصاميين؟ كان يساعد بعض الرفاق من كلية الفنون الجميلة ومن بينهم خلف الله عبود
5- شهدت الفترة بعد أكتوبر تطورا ملحوظا في فن الكاركتير فظهر عزالدين وأنتشر الكارتير في الصحف وكنا نشتري الأيام فننظر للصفجة الأخيرة حيث كاركتير عزالدين قبل قراءة المانشيت!
6- عندما خرجنا من المعتقل في عام 1973 بعد غياب 22 شهرا، وجدنا تغييرا كبيرا ووجدنا الأولاد أبان محافط كما يقول بولا ينتشرون في أروقة الجامعة، يأتون من كلية الفنون الجميلة ويساعدون في إقامة المعارض (معرض 19 يوليو 1973 والذي فجر الأحداث التي أدت لإتفاضة أغسطس شعبان 1973) شارك في تصميمه هؤلاء الشباب (المرحوم أحمد البشير الماحي والباقر موسى وآخرون)، ويجرون المناقشات حول الرسم واللوحة والسينما والسياسة والفلسفة، ويدخلون وعيا جديدا.
7- أمتدت تلك المناقشات من كلية الفنون والجامعة ومعهد الموسيقى لصفحات ثقافية كان أهمها صفحة حسن موسى بالأيام وشمل أيضا مجلة الثقافة والخرطوم! وهذه الفترة التي نشر فيها بولا مقالته الطويلة حول مصرع الإنسان
8- أقام بولا معرضه بالمجلس الثقافي البريطاني وأفتتحه طفل (محمد الجزولي عضو البورد الآن) وكان مظاهرة تعلن أن المعارض أصبحت جماهيرية و لآ تستأذن السلطة!

هذه ملاحظات شاهد شاف بعض الأشياء وفهم بعضها ولم يفهم أغلبها
ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä
مشاركات: 101
اشترك في: الاثنين ديسمبر 26, 2005 9:15 am
اتصال:

مشاركة بواسطة ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä »

صورة

السيدة سعاد عبدالله ميرغني
جدة الزميلة سليمى عثمان بابكر
رسمها جحا مع مجموعة رسوم أخرى لنساء ورجال العائلة
من مجتمع امدرمان الستينيات
وهناك المزيد من الصور

وقد ذكرت الزميلة ان الأصل الذي رسمه جحا كان يتم استنساخه فوتغرافيا
وتوزع النسخ على بيوت الأسرة المختلفة.
الصورة التي بينكم هي نسخة عن الأصل
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة


صورة

زين العابدين علي
.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة


صورة

زين العابدين علي


.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مائيات زين العابدين علي

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا ياسر
و شكرا على إرسال مائيات الفنان زين العابيدين علي ( و شكرا لنجاة على تنزيلها في الخيط) و قبل كل هذا فالشكر واجب لمن اقتناها و صانها و احتفى بها حتى وصلتنا.أول ما تراه عين الرسام هو القدرة التقنية العالية و الخبرة الطويلة التي تستبطن تصاوير الفنان زين العابدين. و هي صفات لا بد أن الرجل أدركها بالبحث المثابر في دروب المائيات العامرة بالمزالق.غير أن الأهم في تصاوير زين العابدين إنما يتمثل في المفاهيم الإجتماعية التي يحملها تصاويره الفريدة.فهذه المشاهد تنطوي على قدر كبير من البراءة و التفاؤل و الإيمان بجمال العالم. مرة ـ في نهاية الستينات ـ كنا( محمود عمر و حسين كناني و محمد دالي و آخرين نسيتهم) قد تحلقنا حول طبيعة صامتة نرسم بعض ثمار المانجو بألوان الغواش.كانت حلقتنا ضمن النشاط الأسبوعي لجمعية الرسم بالأبيض الثانوية التي ابتدرها استاذنا الفنان عبدالله حسن بشير المعروف بـ" جلـّي". و حدث مر علينا استاذنا " الخليل بن أحمد" كما كان يطيب له ان يسمي نفسه، و أظن أن عين الأستاذ الخليل البصيرة توقفت عند صورة دالي فقال معلقا:" و الله دا أطيب و أكرم زول فيكم .. شوفوا المنقة بتاعتو دي ختـّا فيها كل الألوان.." و فعلا توقفنا و نظرنا في صورة دالي التي كانت أكثر نضارة و اشراقا من تصاويرنا التي بدت لنا باهتة و طباشيرية إما بفعل الخراقة في تدبير علاقات اللون أو من باب الحذر المفرط ـ و قيل الفسالة ـ في بذل اللون على مسطح الورقة. من ذلك الوقت وقعت لي فكرة أن الممارسة الإبداعية في جوهرها إنما هي موقف عطاء كريم بلا حدود. فموقف العطاء يكسب من يعطي نوعا من الإستقلالية و السيادة الجمالية فيعطي ما يشاء لمن يشاء حين و أين يشاء.و في هذه الوضعية قوة معنوية كبيرة هي قوة الذات الوهّابة التي لا يحدها حد.. و أظنني استفدت من هذه الفكرة كثيرا في بناء أعمالي ( و في هدمها ).أقول: مشاهد زين العابدين فيها كرمه و إصراره على بذل كافة ألوان باليتته فكأنه يقول للناظرين في لوحاته :أنظروا.. العالم مكان رائع مطمئن و جميل يليق بقدر قوم في مثل طيبتكم حسن خلقكم، السماء صافية و النيل يجري و السواقي تدور منذ آلاف السنين و النساء جميلات و القطارات تطوي المسافات هونا و كي شيء عال العال.كان هذا عالم الحضريين في سنوات التفاؤل الذي عم مجتمع الحواضر بعد الإستقلال.في ذلك العهد لم يخبر القوم الحرب إلا كصدى بعيد لـ " مشكلة" لابد أنها ستنحل سلميا (بعد ثورة أكتوبر 1964) و لم تكن المجاعة و التصحر و القهر و الهجرة قد دخلت قاموس الونسة الحضرية.و أظن أننا نهتم بأثار العصاميين لأنها تثير فينا مشاعر الحنين لفردوس وطني مفقود.سحر عهد انقضى لكنه ما زال يتمتع بحضور قوي في هذا البورتريه الجبار الذي ابدعه جحا لجدة الفنانة سليمى عثمان بابكر (شكرا يا مأمون),
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الفهيم

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا مأمون
و شكرا على صورة جدّة سليمى( "موناليزا" من بلادنا) و نحن في إنتظار بقية التصاوير.

و سلام يا إيمان و شكرا على ذكر سيرة أعمال "عم الفهيم" و يا حبذا لو تكرّم من يحفظ شيئا من آثاره بمدنا ببعض التصاوير حتى نتجمّل بها و نتفاكر في أمرها.
أما ما كان من حديث " العالمية" فشرحه يطول و أنا عائد له في تعليق على بعض المعارض المزعومة " عالمية" التي اشتركت فيها في السنوات الأخيرة.و جل ما يمكن قوله في هذه العجالة هو ان " الما عارف يقول عدس" و أنت أدرى..

سلام يا صدقي ( و سلام لأحمد سيد أحمد)
متابعتك لحديثنا تشرفنا و تفرحنا
و كلامك عن ارتباط التحولات المهمة في الحضور التشكيلي السوداني بلحظات التحول السياسي المهمة في السودان هو في لب هذا المبحث الذي يتذرّع بتاريخ المعرض لمعالجة جيوبوليتيك الفن في السودان.و لو نظرت في المعرض/المحفل" التأبيني" الذي تم لأستاذنا و صديقنا الفنان عثمان وقيع الله و طبيعة الحضور السياسي للمناسبة( من مستشار رئيس الجمهورية لمنصور خالد لوزير الثقافة لحسن الترابي و آخرين) لجالت بخاطرك أسئلة كثيرة في خصوص هذا الغرام المتأخر لأعلام المشهد السياسي بالمنسيين من التشكيليين السودانيين.
شكرا لك على تذكيرنا بسيرة الفنان فاضل الأسمر.
سنعود لكل هذا..
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المغرض 9

مشاركة بواسطة حسن موسى »

المغرض 9

شوقي أبوعكر..الفتوغرافيا بلغة التشكيل

بعد معرض أحمد سالم عرفت العاصمة تواتر المعارض التشكيلية على تنوّع في أمكنة العرض و في طبيعة المعروضات. و لو أجّلنا الحديث عن المعارض السنوية لخريجي كلية الفنون ، فإن معرض المصور الفتوغرافي شوقي أبوعكر يسترعي الإنتباه ، من جهة، لأنه يكشف عن قدرة البراح المديني على استيعاب تظاهرة ثقافية فنية جديدة ليس في مكان " ثقافي" مهيأ لصفوة المثقفين و أنما في" وسط السوق" وسط الناس " العاديين". فقد أقام أبوعكر معرضه الأول في " عمارة ونجت" بالخرطوم عام 1954.و من الجهة الأخرى، يكتسب معرض أيوعكر أهميته من طبيعة المادة المعروضة. فالصور الفتوغرافية في ذاتها لم تكن خامة جديدة على أهل حواضر الخمسينات. ذلك أن أهل الحواضر كانوا ـ قبل معرض أبوعكر بعقود ـ كانوا قد خبروا عمل الفتوغرافيين المستقرين في ستوديوهات التصوير كحرفيين يبذلون خدماتهم لطالبي الصور التذكارية و البورتريهات و الصور الشخصية الضرورية للوثائق الرسمية ..
لكن الجديد في الصور المعروضة في معرض " عمارة ونجت" ، هو أن صاحبها يقدم نفسه كفنان تشكيلي، وسيلته جهاز التصوير الشمسي و لغته من مفردات الضوء و الظل على ورق الفتوغرافيا.
و رغم أن شوقي أبوعكر استهل مهنة التصوير كمصور يوثق بكاميراته للمناسبات الرسمية التي يغطيها عادة قسم التصوير بـ "وزارة الإستعلامات و العمل"، إلا أنه كان يحس و يحدس أن الفتوغرافيا تنطرح ـ في ما وراء منفعة التوثيق ـ كمجال للبحث الجمالي و كلغة للتعبير تتيح للمصور الفنان أن يخاطب الجمهور على مستوى مرجعية أيقونية جديدة.و في البداية كان أبوعكر يدبر حاله مع أدواته بإجتهاده الشخصي. و ربما كان قدره أن يتطور في درب الفتوغرافيا على طريقة العصاميين العليعثمانيين ، لولا أن ملابسات الوظيفة أتاحت له فرصة الإنفتاح على لقيات حركة الفتوغرافيا العالمية.فقد استفاد أبوعكر ـ في منتصف الستينات ـ من بعثة حكومية لدراسة التصوير الفتوغرافي في الولايات المتحدة .و هي فترة كانت حركة الفتوغرافيا العالمية فيها قد تملّكت أدواتها و أرست أسس أنواعها بشكل حاسم.ففي الستينات بدأ العالم ينظر للمصورين الفتوغرافيين كفنانين تشكيليين يعملون ضمن أفق جمالي لا يجادل أحد في مشروعيته الجمالية.
و حين عاد أبوعكر من الولايات النتحدة عام 1968 ، استقر في كلية الفنون يدرس الفتوغرافيا لطلاب قسم التصميم الإيضاحي حتى هام 1980 ، حيث غادرها لجامعة أم درمان الإسلامية.و قد استمر أبوعكر يقيم المعارض في الخرطوم و في عواصم الأقاليم بهمة و حماس كبيرين.و في أعماله الفتوغرافية التوثيقية يلمس المشاهد بسهولة تطور حساسية أبوعكر الجمالية وراء غشاء المنفعة التوثيقية.و حين نقارن صور معرضه الذي يوثق لفترة الإستقلال ( 1952 ـ 1956)، و الذي أقامه في " قصر الشباب و الأطفال" عام 1980 ،مع أعماله المتأخرة في السبعيتات و الثمانينات نلمس بسهولة آثار تجربة الولايات المتحدة.
و معارض أبوعكر ـ بخلاف معارض معاصريه الرسامين ـ تسافر و تغادر العاصمة لخارج السودان ( لندن سبتمبر 1980)
مثلما هي تسافر لحواضر الأقاليم( سنجة في مايو 1974 و الأبيض في يناير 1981) ( أنظر شوقي أبوعكر، حوار محمد صالح يعقوب في الصحافة 8 أكتوبر 1981).
وسط الجيل الثاني من المصورين السودانيين ستظل أعمال شوقي أبوعكر تحتفظ بثقل المرجع ( أو المرجع المعاكس) مثلما سيظل معرضه في " عمارة ونجت" يحتفظ بقيمة الريادة بالنسبة لسلسلة معارض التصوير الفتوغرافي التي عرفتها حواضر السودان من بعده.
و ستبقى تجربة أبو عكر علامة مهمة في أفق تطور حركة التشكيل في السودان و لا بد أن المستقبل سيهيئ لها نفرا من الباحثين الذين سيوفون هذا الرائد حقه في مشهد تاريخ الثقافة الحديثة في السودان.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المغرض 10

مشاركة بواسطة حسن موسى »

المغرض 10

مقام الفنان في " لكوندة السودان"

مع خروج كوادر كلية الفنون (أو مدرسة التصميم) للحياة العامة في نهاية الخمسينات، بدأ معرض التشكيل يستقر كشكل اتصال جديد لا يقتصر على أعمال الرسامين وحدهم، و إنما يشمل أصحاب تخصصات تشكيلية متنوعة مثل الفتوغرافيا( أبوعكر) و النحت (عبد الرازق عبد الغفار) و الخزف( نصيف إسحق).و كانت تلك نتيجة منطقية لتلك الجهود التي بذلها ذلك الرعيل (الأوّل؟) من تشكيليي المؤسسة التعليمية الرسمية الرامية بغاية تنظيم عملهم على قنوات اتصال تتيح لهم طرح انتاجهم للجمهور المحلي.و كانت أول مبادرة جماعية منظمة اضطلع بها ذلك النفر من تشكيليي عهد " السودنة" هي تأسيس "إتحاد الفنون الجميلة السوداني" في شكل أقرب للنادي الثقافي منه للمنظمة النقابية المطلبية.و لعل خيار " النادي" أو " الجمعية الثقافية" يجد تفسيره في روح " السودنة" و المصالحة القومية و لم الشمل مما ساد في اوساط أفندية الطبقة الوسطى المدينية الذين ورثوا من الإدارة الإستعمارية وطنا من الأشتات ( لحمة راس) فجعلوا من بين أولوياتهم ضرورة إكسابه محتوى قوميا يسوّغ الوحدة " الإدارية" الهشة التي خبروها على خلفية حرب" الإنفصال" في الجنوب.لكن لخيار النادي مثلبة بينة كونه ساهم في تحويل إنتباه التشكيليين عن التأسيس لمنظمة نقابية حقيقية تتولى الدفاع عن خصوصية مصالحهم كفئة عاملة تحت شروط العمل في السودان.
كان الإتحاد أول مؤسسة وطنية عامة تضطلع بمهمة إقامة المعارض بشكل منظم. و كانت أولى المشاكل العملية التي واجهت أهل الإتحاد هي مشكلة مكان العرض.فتحت شرط الغياب التام لمؤسسات رعاية الفنون في البلاد كان على تشكيليي الإتحاد أن يخلقوا لأنفسهم أمكنتهم الخاصة الضرورية للتواصل و التداول مع جمهورهم "السوداني".
صحيح أن خرطوم الخمسينات كانت تحسب عدة أمكنة متاحفية تضم بين جدرانها " آثار " الحضارات السودانية ( متحف السودان) و موضوعات الثقافة الشعبية( متحف الإثنوغرافيا) أو بعض أوجه التاريخ السياسي الحديث ( بيت الخليفة).و هي أمكنة كان بإمكانها إستقبال معروضات الفنانين السودانيين.و يمكن الحديث عن بعض صالات الإجتماعات الواسعة المشتتة في بعض دواوين الدولة و منتدياتها العامة ( دار الثقافة). لكن كل هذه الأمكنة المدينية استغلقت و امتنعت على معارض التشكيليين لأسباب متنوعة، بعضها خاص بالقائمين على أمر هذه الأمكنة و بعضها خاص بالقائمين على أمر إتحاد الفنون الجميلة. و لعل الأولين لم يهتدوا لتصنيف للنتاج التشكيلي يسوّغ لهم إدراج آثار التشكيليين المعاصرين بين محفوظاتهم أو على جدران صالات دواوينهم، و لعل الأخيرين لم يتمكنوا من عقلنة قابلية هذه الأمكنة المدينية لعرض الأعمال التشكيلية الحديثة، فلم يتحمسوا لإقتحامها و تأثيث براحها بآثارهم.و في النهاية خلص القوم إلى النزول في " فندق السودان" لعرض أعمالهم في قاعة استقباله المشهودة.
و قد تركت تجربة العرض في الفندق بصماتها على" المسلك المعارضي" في حركة التشكيل في السودان لسنوات طويلة. ذلك أن الذهاب إلى " اللكوندة"( مثله مثل الأكل في المطعم) ،عند كثير من السودانيين، هو، إما مساك الغريب الأجنبي " المقطوع من شجرة"، أو هو مسلك القريب" المجافي" أو المترفـّع عن ضيافة الأهالي.و في كلا الحالين فهو مسلك يدعو للريبة، أو على الأقل للعجب من طرف قوم ما زالت "اللكوندة" و المطعم في خاطرهم أمكنة غريبة وافدة من خارج حدود وعيهم الريفي بالمكان.

"غريب الشيطان" ..
لقد وجد تشكيليو إتحاد الفنون أنفسهم أمام نوع من "قياس أقرن" أي من حديه "أزرط" من الآخر .فمن جهة، كانت أفئدة هؤلاء الرجال عامرة بهم الخلاص الوطني باسم الفن.فقد كانوا يرون أنفسهم أصحاب رسالة قومية تربأ بهم عن عرض أعمالهم في حدود دائرة مغلقة من أهل الصفوة المحلية المتمركزين في جزر الإنتليجنسيا العاصمية.و من الجهة الأخرى، كان يقينهم برفعة القيمة الجمالية لنتاجهم الفني يربأ بهم عن طرح أعمالهم لعامة الشعب في الأمكنة الشعبية التي ارتادها التشكيليون العصاميون من رهط علي عثمان.كانت تلك أيام راجت فيها " إشكالية الأصانصير ":( هل ينزل الفنان لمستوى الشعب أم يصعد الشعب لمستوى الفنان؟). و هي إشكالية كشف رواجها عن الفرز الإجتماعي و الثقافي الذي بدأ يفعل فعله في بنية المجتمع المديني على محوري " الشعب" و " الصفوة".و قد انخرطت " صفوة " التشكيليين" السودانيين في خيار غربتها عن " الشعب" في عفوية و في براءة سياسية كبيرة و ما باليد حيلة..فهي غربة أستلاب حضاري إقتضاها قبولهم العفوي للدور التاريخي المناط بالطبقة الوسطى المدينية في سودان ما بعد الإستقلال.دور القوامة على واقع الإلحاق الإجتماعي للبنى الرأسمالية النيوكولونيالية و تأمين الآليات المادية و الرمزية لفعل الإلحاق.

لقد وجد التشكيليون " العائدون " للسودان ،بعد الدراسة في بريطانيا، وجدوا أنفسهم في موقف" الغريب" النموذجي. وأمام هؤلاء" الغرباء" المحمّلين بلوحاتهم و آلاتهم وتقنيات صناعاتهم الغريبة ـ فكأنهم طلائع حملة " فتح" حضاري جديد لـ " تركية غربية لاحقة" ،(" تركية نيو كولونيالية " لو جازت عبارتي )ـ أقول : أمام هؤلاء الغرباء كانت خيارات الأمكنة المطروحة تنطوي ، بشكل تنبِّؤي، على إحتمالات تطور ظاهرة التشكيل السوداني الحديث في العقود اللاحقة.فقد كتب على " العائدين" أن يقبلوا بواحد من خيارين بسبيل أن يحلوا مشكلة استقرارهم كتشكيليين ضمن بنية "المكان الأيديولوجي" للمجتمع المديني الوليد.

المكان الأيديولوجي ؟:

الحل الاول يتلخص في أن ينفض القوم أياديهم من أمر التشكيل في السودان و يرجعوا إلى من حيث أتوا. و حين أقول " من حيث أتوا" فأنا أعني " المكان الآيديولوجي" الذي تمخـّض عنهم بعد أن استكملوا فيه مقتضيات تأهيلهم كرواد قومية مسودنة غايتها إلحاق المجتمع السوداني الخارج من ثقافة التقليد قبل الرأسمالي و دمجه بتقليد ثقافة رأس المال.و"المكان الآيديولوجي"ـ في حالة روادنا التشكيليين ـ مفهوم أخرّجه ، بل "أفبركه" عن سبق سوء الظن العريض بأمرهم، كوني لم أجد لهم مفهوما دارجا يسع تشعّب و غماسة فرادتهم الوجودية و الإجتماعية من واقع كونهم ذوات إنسانية اضطرت ـ في عجلة كبيرة ـ لإختراع نسختها من الحداثة على مقاس جديد غير مسبوق..مقاس سوداني.و تركيب أمر القوم يأتي من واقع أن معظمهم " دخل الكتـّاب ( البريطاني) بعد ماشاب" في خلاوي الثقافة السودانية العربسلامية.و ذلك التاريخ يجعلهم يحملون في دواخلهم جرثومة القسمة التراجيدية بين التقليد( المزعوم شرقيا) و الحداثة ( المزعومة أوروبية).و ربما ساعد هذا الأمر في فهم الكيفية المركبة التي نفض بها بعضهم طرفه من أمر التشكيل في السودان أو من أمر التشكيل كإحتمال سوداني في أفق الحداثة.فهناك ذلك النفر من التشكيليين الموهوبين: شايقي و نجومي و وقيع الله وعامر نور و محمد عمر خليل إلخ.. ممن رجعوا ـ بعد إقامة قصيرة في السودان المستقل ـ إلى " من حيث أتوا" و استقروا في " المكان الآيديولوجي" الأوروبي بعيدا عن وعورة التأسيس في مكان قفر من تقاليد التشكيل التي تربوا عليها في الـ " منحيثأتوا" البريطاني. و هو" رجوع" ( و ليس " هروبا" كما في حالة "تحالف الهاربين" التي فصلها عبدالله علي ابراهيم و سأعود لذلك) لكنه رجوع تراجيدي مستحيل لرحم التكوين الإوروبي الذي لفظهم لفظا ولم يقبل حضورهم إلا كمنبوذين مهمشين و دياسبورا ضمن بنية الفن الرسمي الذي يسمي نفسه الـ" مين ستريم"
Main Stream Art
و هناك نفر آخر مثل الجنيد و إدريس البنا و شفيق شوقي و بسطاوي و القدّال إلخ.. ممن رجعوا إلى " منحيثأتوا" آخر متمثل في "المكان الآيديولوجي" المحلي الذي يتجاهل تقاليد التشكيل الأوروبية ،أو يتوجّس منها كونها تنطوي على شبهة الرجس وضلالات الشيطان.
و رغم أن عدد التشكيليين الذين أدانوا الرسم و هجروه لأسباب دينية يظل محدودا بحالات نادرة، إلا أن معظم " العائدين " من أوروبا هجروا ممارسة التشكيل متذرعين بمشغوليات الوظيفة البيروقراطية. و بين التشكيليين الذين احتموا من الممارسة وراء ساتر الوظيفة كنـّا نستعجب من قولة منسوبة لشيخ رسام ماهر نجلّه كثيرا، تباهى مرة بأنه هجر إدوات الرسم و فرشه منذ عودته من "الكلية الملكية" في بريطانيا و أنه لم يلمس " و لو فرشة أسنان"..
و يبدو أن القوم وجدوا في خندق الوظيفة خير ملجأ من تبعات مهمة إستنبات تقليد التشكيل الإوروبي في تربة السودان غير المواتية.و لا عجب فهم " أولاد مدارس"،بل أولاد مدرسة الحكومة( إقرأ: " مدرسة كتشنر" في قصيدة مقطوع الطاري الخواجة كبلينغ).و هم خدم الدولة المخلصون، دائما على العهد، و إن تباينت الأنظمة السياسية العسكرية و المدنية.هذه الدولة التي علمتهم و بعثتهم للخارج وأهلتهم ليقوموا على خدمتها، لم تر أي غضاضة في إنمساخ هؤلاء الفنانين الموهوبين لمجرد بيروقراطيين يحرسون لوائح الخدمة المدنية.فالدولة لا تفهم في مسائل الفنون ربما لأن الفنون بطبيعتها غير قابلة للذوبان في ماء الخدمة المدنية.

الخيار الثاني لمن نكصوا عن " الرجوع" إلى الـ " منحيثأتوا" الأوروبي، و في نفس الوقت، استنكفوا عن قبول ضيافة الشعب الأغبش، كان يتلخص في الذهاب إلى "اللكوندة"، في " القراند هوتيل" أولا ثم في " فندق السودان" بعده ، حيث انعقدت المعارض الأولى لإتحاد الفنون الجميلة السوداني.و هي أمكنة كانت تتمتع بحظوة إجتماعية عالية، بين خرطوميي الخمسينات و السبعينات، قبل أن تجتاحها زرافات الباحثين عن " خبز الفنادق" ( في عبرة المغني) حين استفحلت أزمات الرغيف في عاصمة الثمانينات و التسعينات..و فد كانت حظوة الفندقين لدى أهل السودان أمرا طبيعيا .فهي أمكنة سلطة نيوكولونيالية، بكل ما تحمله كلمة " سلطة " من دلالات مادية و رمزية.و لو توقفنا عند الطبيعة الآيديولوجية لهذا المكان المديني الجديد، فالفندق ينطرح في وعي سودانيي الطبقة الوسطى كمكان معاصر أو قل كجزيرة حداثية وسط محيط تقليدي.أو هو نوع من منطقة محايدة بين الفرقاء الإجتماعيين، شيء من قبيل الـ " نو مانز لاند"، أو قنطرة سحرية تملك أن تنمسخ برزخا بين أهل الداخل و أهل الخارج، بين المحلي و العالمي، منطقة تتقاطع فيها مدارات العوالم.و لـ " الفندق الكبير" سحره الخاص الذي ينطلي على رواده السودانيين مثلما ينطلى على رواده الأوروبيين ممن يحلو لهم استدعاء ذكريات المغامرين و الرحالة الأوروبيين و الإداريين الإستعماريين في القارة المظلمة: إفريقيا الذاكرة الشعبية الأوروبية. كتب الصحفي الفرنسي " تيري دي جاردان"، مراسل صحيفة " لوفيغارو" المحافظة ،المختص بمتابعة قضايا الشرق الأوسط، و كان قد زار السودان في مطلع السبعينات :
".. الفندق الكبير بالخرطوم هو أحد أكثر الفنادق القديمة التي أعرفها سحرا، و أمني نفسي أن أتمكن ذات يوم من تمضية عطلة طويلة فيه.هذا إن كان في مدينة مثل الخرطوم ما يستحق عناء التعطّل فعلا .فهو فندق قديم ، يرقد على النيل، على طراز معماري كولونيالي بريطاني صميم، و غرفه الرحبة تبردها مراوح كبيرة النصال تدور ببطء في السقوف العالية. أما الأسرة فهي عالية و كبيرة من النحاس تزينها ستائر من الدنتيل بينما خزانات الثياب المصنوعة من الخشب النفيس تؤثث الغرف بأبوابها سيئة الغلق ، تفوح من أحشائها رائحة عطن رفيع ،و هنا و هناك ، على الأرض المزخرفة ببلاط العربسك قد يقع بصرك على صرصار أو أثنين يدبّان هونا، بينما ترى على الحيطان شقوقا تسدها ورقة من عدد قديم من أعداد " تايمز"".." و وسط كل هذا الجو فلا أحد يلومك إذا بدأت تتخيل نفسك نوعا من " ليفينغستون" ( أنظر : تيري دي جاردان، مئة مليون من العرب، باريس /بروكسل، 1974 ، ص 232).

"مَعْطَة الهويولوجيا":

حين انعقد أول معرض جماعي لإتحاد الفنون الجميلة السوداني في قاعة استقبال الفندق الكبير تحت اسم " صالون الخريف" ( 17/6/1956) أمّه عدد كبير من أعيان البلاد و رسمييها و أجانبها. و قد لعبت ظروف الإستقلال القريب دورا كبيرا في تحويل المعرض من مجرد حدث ثقافي عاصمي إلى نوع من إحتفال قومي حقيقي تحتفي به الصحف السودانية.و ربما تيسّر فهم ظاهرة الإحتفاء الكبير بـ " معرض اللكوندة" بأن كل طرف كان يجد في الأمر " مَعـْطـَة" ( على حد عبارة الفنان محمد أحمد عوض):
فالفنانين الشباب، الذين خرجوا ( يا دوبك) من المدرسة، استطابوا هذه الوضعية الجديدة التي هبطت عليهم بين عشية و ضحاها، أعني وضعية الفنان السوداني الذي يمثل مستودع خلاصة الحضارات و التقاليد المتعاقبة المتوارثة عبر القرون.ناهيك عن كون هذه الوضعية المريحة جلبت لهم الإهتمام والإعتراف الرسمي بقيمتهم و بدورهم من طرف الرعاة النافذين في الدولة و القادرين على دفع ثمن " الفن السوداني " بسخاء غير مسبوق.
أما من جهة الدولة السودانية الراعية ، فقد كان "معرض اللكوندة" فرصة طيبة للتأكيد على موضوعة السودنة كمفهوم ذي محتوى جمالي و كمستودع لهوية جمعية لهذا الكيان الـ " وطني" الجديد الموروث من الإدارة الإستعمارية. و لا أبالغ إن قلت بأن "معرض اللكوندة" يمثل أول لقاء حقيقي بين الدولة الوطنية و الفنانين السودانيين على مشهد الهويولوجيا السودانية العامر بالمزالق.
و على الرغم من الإتفاق العام السائد بين الفنانين و الصحافة و رجال الدولة السودانية بـ " قومية" التظاهرة الماثلة في معرض إتحاد الفنون، إلا أن خيار المكان " القراند هوتيل" ظل يكذب المزاعم القومية التي لاكتها ألسنة المتحدثين. ذلك أن معرض "صالون الخريف" لم يكن أكثر من تعبير لتمثلات الحال الثقافي لأفندية الطبقة الوسطى الحضرية. و قد تكفل خيار المكان بمباشرة فعل الإنتخاب الإجتماعي لجمهور المعرض. ذلك أن " الفندق الكبير" في ذلك الزمان كان من أمكنة المدينة التي لا يستطيع الجمهور الـ " شعبي" إليها سبيلا ، فما بالك بالأمة السودانية بشعوبها و قبائلها السادرة في وديان السودان و بواديه و تلاله و أحراشه؟
و على كل، لم يكن خافيا على أحد طبيعة " الفندق الكبير"( "فندق السودان" لاحقا) كمكان ينتخب رواده حسب قدرتهم الشرائية، فضلا عن التاريخ الرمزي للمكان نفسه كمكان محظور على الأهالي في عهد الإدارة الإستعمارية.و عامة السودانيين في الخمسينات ما كانوا يرتادون فندق السودان إلا حكاما أو خدما. و هم و إن تجاسروا على إقتحام بهو الفندق الكبير بذريعة الفن السوداني فلا يراودهم الشك في إستحالة إقتناء الآثار الفنية المعروضة للحكام و الدبلوماسيين و السياح الأوروبيين.و " ستظل جدرانهم عارية" كما عبر محرر " الأيام" "لأن جيوبهم خلاء بلقع" ( الإيام 18 يونيو 56).
الصور المرفقة

صورة للرحالة الهنغاري لاسزيلو آلماسي
Làszlo Almàsy (1895- 1951)

أمام فندق " القراند هوتيل" عام 1926

2 ـ فندق السودان الجديد
3ـ قصر الشعب
4 ـ الشعب..
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


إقتباس:

{ و قد لاحظ محرر صحيفة "الأيام" عشية الإفتتاح "أن الغلابة الزائرين لهذا المعرض قد رحّبوا به جميعا و امتلأت نفوسهم حسرة لأن الأسعار باهظة، أقلها خمسة جنيهات. و ستظل جدرانهم عارية معطالا كالشمس (كذا) لأن جيوبهم خلاء بلقع .. و لعل المعرض الشتوي الذي وعدنا به إتحاد الفنون الجميلة أن يكون أرخص صورا". الأيام 18 يونيو 1956}

صورة

صورة
صورة
صورة

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

ريشين

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



صورة

ريشين

صورة

بعد تقاطع السكة حديد و "صينيّة" النادى الإغريقى الواقعة على تقاطع شارع (المك نمر) مع شارع أفريقيا فى إتجاه الجنوب، و فى ناصية مقابلة لمستشفى (بن خلدون) من الناحية الغربية، يعرض الفنّان (عبد الرحيم ريشين عبد الرحيم) لوحاته منذ مدّة طويلة. (ريشين) من (نيالا) و مولود تحديداً فى (كَبُم) عام 1957 . لم يتعلّم الرّسم من أحد و لا يذكر بالتحديد متى بدأت عنده هذه الموهبة، و لكنه نشأ متأثّراً بطبيعة البلد. و عن المواضيع التى يقوم برسمها، قال أنه يقوم برسم الشخصيات المعروفة أو ما يحدّده طلب السوق. و عن مطلب السوق، قال إمّا الشخصيات المعروفة أو صور فوتوغرافية لأشخاص عاديين، بالذات الصور القديمة التى يخاف أصحابها أن يصيبها التلف. زبائنه خليط من السودانيين و الأجانب. و يستخدم (ريشين) ألوان الزيت و البوهية التى يقتنيها من سوق الخرطوم، و يرسم على الأقمشة التى تُفصّل منها أزياء "البنطلونات"، و يطرّزها بالجوانب بالخيوط الملونة. لم يستخدم ألوان الماء قط، و لكنه رَسَم بـ"الباستيل". و يقول أنه يستطيع أن يرسم مناظر طبيعية و لكن الطلب عليها قل كثيراً، و أصبحت متوفّرة بكثرة من خلال صور "البوسترات" المطبوعة المستوردة، و التى عادةً ما تكون زاهية الألوان .. و تباع بـ"جنيه" أو إثنين، بينما يطلب هو ثمناً لهذا المنظر، الذى قد يحتاج منه لتجهيزه ثلاث إلى أربع أيام، عشرين أو ثلاثين "جنيه"، و الجمهور يفضّل البضاعة الأرخص.

صورة

"بورتريه" للإمام (عبد الرحمن محمد أحمد المهدى) رُسم بطلب.


(ريشين) يشكّل شاهد عصر لما آل إليه حال "الرسّامين العصاميين" .. و هم يقاومون تداعيات الواقع الثقافي البصري الجديد المتخلّق بفعل التطور التكنولوجي .. و الذى إن كان فى عهد "جحا" قد أدى إلى: { .. تجاوز "خبرته" الأيقونية سواء على مستوى المرجعية التقنية أو على مستوى المرجعية الجمالية. و انمسخ الخطاب التشكيلي الذي تحمله أعمال جحا إلى مجرد نوع أيقوني " شعبي" في المعنى المرذول للعبارة ..}، و ذلك لأن هذا الواقع الثقافي البصري الجديد قد: { طرح .. جملة من التبدلات في مسار حركة الأيقنة الشعبية لسكان الحواضر الذين خبروا اللقيـّات البصرية المستحدثة للتلفزيون و السينما و التصوير الفتوغرافي و زخم حركة الفن البصري التي جادت بها خبرة أوروبا آنذاك. و من جهة الجمهور، كان للتضخـّم المفاجئ و المتسارع للكيان الحضري الذي كان جحا يتحرك داخله، و ما ترتب عليه من تحولات على الصعيد الإجتماعي، كان له أكثر من تأثير نوعي على طبيعة الإحتياج الثقافي لأهل الطبقة الوسطى الحضرية، بحيث تكشـّف مجتمع المدينة في الستينات و السبعينات عن شهية ثقافية كبيرة، و قيل عن نهم أيقوني عارم في ظل "التورّم" الإعلامي ساعد على تخلّقه الإستقرار السياسي النسبي الذي حققه نظام تحالف الأفندية (المتعسكرين و المدنيين) من طليعة الطبقة الوسطى الحضرية.} .. حيث أن تطوّرات نفس هذه التكنلوجيا و تداعياتها ـ التى ما برحت منذ ذاك تخلق واقعاً ثقافياً بصرياً جديداً تلو آخر، و قد وصلت إلى مرحلة أكثر تعقيداً من الناحية التقنية و أوسع إنتشاراً من الناحية الإنتاجية فى عصرها الرّقمي ـ قد أدّت فى عهد (ريشين) إلى أخراجه من سوق "رسم المناظر الطبيعية" تماماً، كما صرّح أعلاه بذلك.

صورة

جانب من معرض الفنان (ريشين)


.. و إذا كان: (ملابسات الطلب و العرض في سوق الرسم السوداني)، تكشف لنا فى عصر (ريشين) كما يبدو لنا من رسوماته ـ بجانب صور الأجانب الفوتوغرافية: "الصورة الأولى رُسمت من صورة فوتوغرافية بطلب من أصحابها الأثيوبيين الأشقاء" ـ أنها تميل إلى رسم الشخصيات المشهورة محلياً و بصورة أكبر الشخصيات العربية، فإن العالمية إقتصرت على الرئيس الصينى فقط:

صورة

(و يبدو أن "ريشين" فى رسمه الأخير يغازل الأحداث السياسية فى السودان ـ ثمار العلاقات الصينية السودانية من خلال إستخراج البترول و المشاريع الإستثمارية ـ أكثر من تلبية رغبات سوق الرسم)، و قد دفعنى إحتمال أن لا تكون رغائب السوق سبباً وحيداً لتحديد موضوع الرّسم عند (ريشين) إلى التساؤل عن سبب طغيان رسم الشخصيات العربية على ما عداها من الوطنية و العالمية:

صورة صورة صورة

.. و بينما أنا أفكر كم سيكون الأمر محبطاً فيما لو كان سبب ذلك حقاً طلب سوق الرّسم السودانى – ممّا يعنى عندى أن تعلّق السودانيين بالعربان قد بلغ مُرتقاً خطراً ! - حيث كنت غير مرتاح و أنا أرى صور تلك الشخصيات العربية و هى مبذولة للناظرين فى ذلك الرّكن "الدعائى الخطير" المزدحم بالمارّة و السيارات، بينما لدينا عدد لا حصر له من الشخصيات التاريخية و الوطنية و وجوه السودانيين العاديين الذين هم أحق بالسيطرة على رغائب سوق الرّسم السودانى. و تساءلت ما إذا كان فى الإمكان توجيه هذا السوق بحيث يلتفت إلى ما يمتلك السودانيون من زخم أيقونى يغنيهم عن فوضى الصور الغريبة التى سيطرت علي سوقهم بفعل تداعيات العولمة و إنتاج الثورة التكنلوجية الغزير.

و توصّلت نظرياً إلى أن ذلك فى الإمكان، و لكن فقط إذا تمكنت تلك الجهة التى تضع على عاتقها مهمة توجيه سوق الرّسم أن تحل محلّ طلب السوق بالنسبة للرّسامين العصاميين، أى أن تقتنى منهم إنتاجهم الذى يوفى بمتطلّباتها التسويقية الموجّهة، لتقوم هى بعد ذلك بعرضها ـ فى أسواق صغيرة بجانب متعلّقات التشكيل السودانى الأخرى ممّا يزخر به من زخم ينتظر من ينفض عنه الغبار و يضيف إليه بهاء الألوان ـ بالشكل الذى يسمح لها أن تفرض نفسها على مزاج زبائن سوق الرّسم السودانى. إن ذلك فى الإمكان تحت مؤسسة ترعى بإيمان خلق سوق للتشكيل السودانى فى مستواه الشعبي (1).
.. و بينما أنا مُستغرق فى هذه الفكرة و أنا أُغادر ركن (ريشين) و قد سرحت بخيالى فى إمكانية تنفيذها، و كيف أن وجوه السودانيين المُميّزة بالوان إنتماءاتهم الثقافية المتعدّدة و بيآتهم الساحرة المتنوّعة و حيواناتهم الآسرة سيبدون لمرتادى سوق الرّسم من زبائن سودانيين و أجانب ـ و أن ذلك لو تم فى حد ذاته يعتبر توثيق فى غاية الأهمية لصور بعضها زال عن الوجود و الآخر يغالب الإنقراض (2) ـ نادى علىّ (ريشين) و قال بصوت مهذّب: (.. طبعاً إنتو حتنشروا رسوماتى دى الليلة أو بكرة .. و أنا عندى رسمة حتجهز اليومين ديل .. و عايزة تظهر مع رسوماتى الحتنشروها .. فكيف العمل؟)، فسألته: (ماذا تنوى أن ترسم ؟!)، فأجاب: (أوبـامـا) ! .. و على الفور تبادلنا أرقام التلفونات و أنا أُغالب أفكار و مشاعر جعلتنى أبتسم كالمجنون إبتسامة كادت أن تنقلب إلى ضحك هستيرى أثناء إجتيازى الشارع نحو صديقى الذى كان ينتظرنى فى سيارته بنفاد صبر!

صورة

(تحوّل الفنان العصامي شيئا فشيئا إلى نوع من شاهد حبيب لسحر عهد انقضى)

صورة

أسلحة (ريشين)


ـــــــــــــ

(1)- إن أكثر جهة قمينة بتبنّى و رعاية فكرة سوق للتشكيل السودانى فى مستواه الشعبي، هى (إتحاد التشكيليين السودانيين)، إن لم يكن لأهمية الفكرة على مستوى الثقافة و الفنون، فعلى الأقل بغرض تصحيح الأخطاء فيما يشبه النقد الذاتى بردّ الإعتبار لهذه الشريحة من مُبدعى السودان الذين أخرجهم دارسى التشكيل على نمط الجمالية الأوروبية من جنّة تصنيفهم ضمن زمرة الفنّانين التشكيليين بحصرهم فى زاوية "البدائيين"، بينما أخرجتهم تطوّرات التكنلوجيا و التبدلات التى أصابت المجتمع السودانى عن سوق الرّسم السودانى.
(2)- ذكر لى صديقى (أحمد) و نحن نناقش هذا الموضوع أنه فى أوروبا لوحظ إبّان الثورة الصناعية أن أعداد من الرّساميين العصاميين - و قد يطلق عليهم (التأثيريين) - توجّهوا للأرياف و طفقوا يرسمون كل ما تقع عليه أعينهم، و عندما أخضع المراقبون سلوكهم هذا للدراسة وجدوا أن أولئك إنما كانوا يدوّنون تفاصيل حياة كان مآلها لا محالة بفعل الثورة الصناعية إلى الزوال، .. و ما أحوج السودان - بسبب ما يعيشه من ظروف تعمل منذ زمن لتغيير ملامحه بشكل قاصد و مُمنهج – إلى توثيق هذه الملامح الآيلة للزوال.

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

التحية لعبد الرحيم ريشين

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا ياسر
و شكرا على سيرة و تصاوير الفنان القدير عبد الرحيم ريشين.
و أظنني شاهدت بعضا من أعماله في نيالا قبل عقود.( و عندي صورة فتوغرافية من مطلع الثمانينات لجدارية تمثل قطارا على واجهة مكتب سكك حديد السودان بنيالا. سأحاول تنزيلها و لك أن تستفسره إن كانت من أعماله أم لا؟).
المهم في الأمر هو أن بقاء فنانين عصاميين كعبد الرحيم ريشين في السوق دليل على أن استمرارية هذا النوع من النتاج الأيقوني تلاقي ضرورة ثقافية لدى قطاع من محبي التشكيل في الحواضر السودانية.و لا جناح عليه كونه يرسم شيوخ العربان أو أباطرة الصين أوحتى أوباما ذي الأوتاد فالمهم في الأمر هو كونه يرسم و يستمتع بعمله و يمتع جمهوره.و سيأتي يوم تفنى فيه الدول و الممالك و تبقى رسوم الفنان تدل عليه.أرجو أن تتمكن من تنزيل المزيد من أعمال عبد الرحيم ريشين و سنعود لحديثه لاحقا.
مودتي
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المغرض 11

مشاركة بواسطة حسن موسى »



المغرض 11



الفن السوداني في البوتيك الأفرنجي

شهدت سبعينات القرن العشرين حيوية فنية و نقدية كبيرة شكلت ما يمكن أن نطلق عليه فاتحة عهد جديد بالنسبة لمعارض الفن الحديث في السودان. و ربما أمكن فهم ذلك التغيير بظهور جملة من المؤسسات الثقافية الحكومية ( وزارة الثقافة و المجلس)و الأهلية ( المبادرات الخاصة) و الأجنبية (المراكز الثقافية).و في ظل هذه التحولات الثقافية تطور المعرض من مستوى وسيلة إتصال جماهيري ليصبح في بعض الحالات نوعا فنيا جديدا مستقلا بذاته بفضل مساهمات بعض التشكيليين الاصغر سنا.
و قد تعاظم دور الدولة في النشاط المعرضي بفضل أجهزة الثقافة الحكومية، فمصلحة الثقافة و المجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون كانا يشجعان الفنانين العارضين بتقديم العون التقني و الإعلامي و المادي من خلال إقتناء جزء من الأعمال المعروضة.و كانا يقتنيان أعمال الفنانين ضمن سياسة توثيق و جمع غرضها البعيد بناء مجموعة قومية تصلح أساسا لمتحف أو لصالة عرض قومية.
ورغم ذلك لم تكن سياسة المقتنيات الرسمية لتحل مشكلة بيع الأعمال التي كانت تتراكم لدى التشكيليين بمرور السنين.و ربما أدى واقع غياب سوق حقيقي للفن التشكيلي ببعض التشكيليين لمحاولة تصريف إنتاجهم في المواقع التي تتميز بحضور الأوروبيين سياحا كانوا أو مقيمين.
و أظن أن عدد كبير من التشكيليين اتجهوا بشكل عفوي نحو الفنادق العاصمية الكبيرة (كفندق السودان و إكسيليسيور، هيلتون، ميريديان ..) ليعرضوا آثارهم " السودانية" في صالات الإستقبال التي يعبرها الأوروبيون.
بيد أن صالات الفنادق الكبيرة لم تكن أرضا بكرا قبل وصول التشكيليين الحديثين. فقد سبقهم إليها باعة الأناتيك و المصنوعات اليدوية الشعبية (السودانية منها و المستوفدة من شرقي أفريقيا).و قد اضطر عدد من التشكيليين ـ بسبيل إيداع أعمالهم لدى أصحاب بوتيكات الفنادق ـ اضطروا لمراعاة مواصفات جمالية بعينها مفترض أنها مواصفات" أصالة محلية" فاكتملت بذلك ملامح ما صار يعرف في أدب الجمالية العرقية الأوروبية بـ " فن المطارات"( آيروبورت آرت).و هو ظاهرة معروفة في معظم أرجاء العالم الثالث الجاذبة للسياح الأوروبيين.و يمكن تلخيص فن المطارات بكونه يسعى لإنتاج آثار فنية معبأة بالملامح الأيقونية للتقليد المحلي، أو لما أُصطُلِح على أنه يمثل التقليد المحلي الأصيل. و هي آعمال يحبّذ أن تكون صغيرة الحجم سهلة الحمل و زهيدة الثمن.نوع من "غنيمة حرب" حضارية يحملها السياح العائدون إلى أوروبا في حقائبهم كقرينة على كونهم كانوا في هذا الموضع أو ذاك من مواضع العالم غير الأوروبي.و جدير بالذكر ان الولع بـ" فن المطارات" لم يعد يقتصر على السياح الاوروبيين وحدهم.فهناك نفر من أبناء الطبقة الوسطى الميسورة يعكف على شراء متاع " فن المطارات" لتزيين الدور و المحال المهنية بغرض إضفاء طابع سوداني " أصيل" على الأمكنة الحضرية التي يحتلونها.
أذكر حادثة طريفة بطلها صديقي فاروق . و قد كان فاروق رساما متعدد المهارات.فهو رسام حريف و ملون مائي من ذوي الدراية و كاريكاتيريست من المجودين . حدث ذلك في منتصف السبعينات. و هي فترة كنا نتقاسم فيها السكن في " بيت عزابة" في الحي "الشعبي" الواقع بين مستشفى الخرطوم و" فندق الواحة". مرة رجعت للدار يوم الخميس فوجدت فاروق منهمكا في تزيين مجموعة من بيض النعام بزخارف عجيبة أذكر منها منظرا فيه أفيال و أشخاص سود يحملون أقواسا و حرابا.
" أقعد يا أبوعلي تم معاي الشغل دا عشان ألحق أسلمُه قبل الساعة ستة".و بعد الإستفسار شرح لي الصديق أن زخرفة بيض النعام " طلبية" من تاجر أناتيك في السوق الأفرنجي و أنه يدفع " كاش".
كنا في نهاية الشهر و قد ضاقت بنا" فلما استحكمت حلقاتها ضاقت أكثر ". و بدا لي مشهد الجنيهات العشر التي تنتظرنا في تلك الأمسية كشعاع من النور في نهاية نفق العسر المالي الشهري الذي كنا نكابده بشكل مزمن. و لم أجد بدا من الإمتثال لطلب فاروق، فالصديق وقت الضيق كما تعبر حكمة الشعب .اتخذت مقعدا قربه و بدأت أنسخ أشكال صائدي الأفيال السود تحت رقابته الصارمة . من وقت لآخر كان يصححني " أوعك من حاجات الفنانين التشكيليين بتاعة ناس الكلية ديك ، مافي زول بشتريها".و أظنني حاولت مغالطته بأن" الخواجات ديل فيهم ناس عينهم شوّافة و بيفهموا و ممكن تحاول تعمل ليهم شغل مختلف".
فردّ ، و هو منهمك في وضع اللمسات الأخيرة ببوهية فضية على ثلاث بيضات مصفوفات أمامه على طاولة صغيرة ( نقطة للعين و قوس لسن الفيل بجرّة فرشاة رشيقة أدخل في حركة الراقص منها في عمل الرسام)، " خواجات شنو؟ الشغل دا بيشتروه سودانيين".
أذكر انني صحبت فاروقا لنسلم " الشغل" في بوتيك مصنوعات شعبية في ممر ضيق في عمارة فندق إكسليسيور.و استقبلنا صاحب المحل استقبالا طيبا يليق بالفنانين و شرح لنا شيئا من خفايا تجارته و كشف لنا أنه يستورد بعض المصنوعات من يوغندا و من كينيا و من القاهرة لأن الصنايعية السودانيين لا يحسنون أساليب صناعتها.
نابنا من جهدنا ذاك جنيهات عشرة صرفناها في بهجة نهاية الأسبوع مع الصحاب فأكلنا و شربنا و ضحكنا و حمدنا الله الذي يرزقنا كما يُرزق الطير( ذا قوود أولد تايم.. ياله من زمان).
ذكرتني حكاية " فن المطارات" الذي يقتنيه السودانيون المقيمون بحكاية الـ " سودانيز كوفي كورنر" الذي ابتدعه خيال مدير فندق المريديان الفرنسي في السبعينات حتى يمنح نزلاء الفندق من الأوروبيين نفحة من روح التقليد السوداني الأصيل ( تيبيكال). و ركن القهوة السودانية كان صالة في بهو الفندق يزخرفها ديكور النسخة الهوليودية من ألف ليلة و ليلة . و على البنابر الآبنوسية المزدانة بالطنافس الشرقية كان السياح يجلسون لإرتشاف القهوة التركية بينما تقوم على خدمتهم وصيفات(أريتريات ؟) رشيقات ناطقات في لسان البريطان و متنكرات في زي ألفليلوي عجيب.على جدران ذلك المكان لم ينس مصمم الديكور ان يضع بعض اللوحات التي تمثل الفن السوداني المعاصر في إحتماله الإستلهامي ( إقرأ: في إحتمال " مدرسة الخرطوم") الذي يعرض تمازج الزنوجة بالعروبة إلخ.و لم يمض زمن طويل حتى اكتشف العاصميون من شباب الطبقة الوسطى الميسورة ذلك المكان الذي يمكن للشباب أن ينعموا فيه بنوع من حرية اللقاء بعيدا عن رقابة الرقباء. فكان ان تقاطر الشباب العاصمي على ذلك المكان و جعلوا منه أسما على مسمى حقيقي.. هذه"المصالحة" التي حققها مدير فندق المريديان بين أهل الحواضر السودانية مع هذا الإختلاق المسقط على شاشة التقليد السوداني ، تمثـُل في مشهد التحول الثقافي لأهل الحواضر كـ "أليغوري" بليغ على حال الإلتواء الأيديولوجي في حداثة سودانية لا تتورع عن فبركة و " فولكرة" ( من فولكلور) تقليدها وتكييفه مع مقتضى الحال السياسي.و أليغوري" ركن القهوة السودانية " يسرى على وضعيات آيديولوجية أكثر فداحة مثل " الفن السوداني"و " الخلق السوداني" و" الإسلام السوداني" و" الثقافة السودانية" إلخ.
و فيما وراء مصالحة سودانيي الحواضر مع التقليد الثقافي المزعوم يقوم نوع من تواطؤ جمالي غميس بين سودانيي الحواضر و هؤلاء الحلفاء الأجانب الذين رمت بهم الأقدار في دروب هذه المدينة المنبتـّة عند مفترق دروب الحداثات .
على قاعدة هذا التواطؤ الجمالي الذي ينطوي على مزاعم الهوية المحلية و الأصالة السودانية ساغ لبعض الفنانين التشكيليين المعاصرين ان يتجاوزوا الأفق الضيق لباعة الأناتيك و المصنوعات الشعبية ليطرحوا للسياح الأوروبيين (وللسياح السودانيين ) متاع هذه "الفن السوداني "الذي يصالح التقليد و الحداثة ، العروبة و الزنوجة، الشرق و الغرب العقل و العاطفة .. إلخ.و في هذا السياق يمكن فهم دوافع فنانين معاصرين من خريجي كلية الفنون لتأسيس غاليريهات تعرض الفن السوداني جنبا إلى جنب مع ـ أو داخل ـ بوتيكات باعة الأناتيك و أعمال العاج و الآبنوس و جلود الأصلة و حقائب اليد المصنوعة من جلد التمساح. و رغم أن عبارة " غاليري" قد تبدو فضفاضة نوعا ما في توصيف ذلك المكان الذي كان الفنان أحمد شبرين يعرض فيه آثار الفن السوداني بين منتصف الستينات و منتصف السبعينات( داخل بوتيك لبيع الأناتيك في السوق الأفرنجي قرب مقهى "أتينيه")، إلا أن محل شبرين كان " غاليري"، حتى نجد كلمة أخرى أكثر كفاءة. ففي هذا المحل كان الزوار يجدون نتاج التشكيليين السودانيين من رسم و تلوين و خط عربي و شيء من النحت و الخزف و بعض مستنسخات الشاشة الحريرية و شيئ من بيض النعام المزخرف باليد ( وكان ما نخاف الكضب بعض الأقنعة الإفريقية المصنوعة في العاصمة)...

و على نموذج " غاليري/بوتيك" شبرين حاول فنان تشكيلي آخر هو " محمد حامد شداد" تأسيس " غاليري/بوتيك" للفن السوداني المعاصر في" فندق السودان" على ضفة النيل في عام 1976. لكن التجربة لم تستمر سوى بضعة أشهر بعد أن هجرها شداد أمام الصعوبات المالية.
أما أستاذنا الفنان محي الدين الجنيدـ من أوائل خريجي كلية الفنون ـ فقد حاول ، في بداية سني تقاعده من وزارة التربية و التعليم، أن يؤسس لغاليري للفن السوداني المعاصر.و قام باستئجار محل في السوق الأفرنجي سماه " كوش غاليري" و عرض فيه أعمال التشكيليين السودانيين جنبا إلى جنب مع بعض المستنسخات الحديثة و بعض المصنوعات الشعبية. و رغم أن غاليري كوش استمرت تعمل بحماس لما يقارب العام إلا أن الجنيد اضطر لهجران المشروع أمام الصعوبات الناتجة من غياب الدعم من أي جهة حكومية أو أهلية.

و مجذوب ربّاح في بنك النيلين:
من بين كل الأوصاف التي يمكن أن تطلق على العاصمة السودانية فلا أحد يغالط في كون الخرطوم مدينة غير جاذبة للسياح.و لو تجولت نهارا واحدا بين متحف السودان و سوق أمدرمان و مقابر حمد النيل فقد يتسنى لك مقابلة كل الأجانب الوافدين أكثر من مرة.بعد هذه الأماكن الإجبارية لا يبقى أمام السائح الاّ أن يلجأ لغرفته في الفندق و ينتظر الفرج.
و أظن أن وعي الفنانين السودانيين بضيق السوق المحتمل من قبل السياح الأوروبيين حفزهم لـ " فتح خشم البقرة" بسبيل العثور على مصارف لائقة لإنتاجهم الغزير. و في هذا المشهد يجدر التوقف عند محاولة الفنان مجذوب رباح التي يمكن تلخيصها في العبارة السحرية: " إذا لم يذهب أثرياء السودان إلى المعرض فليذهب المعرض للأثرياء ".ولقد ذهب مجذوب رباح بلوحاته " السودانية" لأثرياء السودان في عقر دارهم.أعني في ذلك المصرف العاصمي المشهود في شارع الجامعة: " بنك النيلين".حدث ذلك المعرض في 1971 و أذكر اننا كنا طلبة في كلية الفنون، ذهبنا ـ عشية الإفتتاح ـ لذلك المعرض الغريب يلفنا فضول كبير لمشاهدة كيف تكون الأعمال التشكيلية في البنك؟
عند مدخل البنك كانت هناك لافتة رصينة تعلن عن المعرض.و حين ترى تلك اللافتة يبدو لك كما لو كان في الأمر نوعا من اللبس أو كأن أحدهم أخطأ و وضع اللافتة أمام البنك بدلا من وضعها أمام المبنى المقابل لبنك النيلين حيث كانت " وزارة الثقافة و الإعلام". لكن وزارة الثقافة في ذلك الزمان كانت في شغل شاغل عن هموم التشكيليين السودانيين.أعني شغل البروباغاندا الغليظة التي أنهكت أمكانيات الأجهزة الثقافية الحكومية خصوصا بعد أحداث يوليو 1971.
عرض رباح في صالة " بنك النيلين" في مواجهة الكاونتر الرئيسي حوالي عشرين لوحة تحتوي على تجاريبه في استخدامات الحناء و الحريق و الشمع على الخشب.كان الطابع اللوني العام للأعمال يتراوح بين تنويعات الأسود و البني بغاية الأصفر الترابي.و معظم التكوينات كانت مركبة من وحدات زخرفية نباتية بسيطة تمازج بعضها كتابات يغلب عليها طابع الشعارات الدينية.
و في الوريقة التي قدم بها الفنان لمعرضه يقرأ الزائر بعد السيرة الموجزة عناوين و أسعار اللوحات.كما يقرأ فيها وجهة نظر الفنان في ضرورة أن يقتحم الفنان الأمكنة العامة بفنه و أن لا يبقى رهين الصالات التقليدية التي لا يؤمها الناس.
كنا ( النورحمد و آدم الصافي و محمود عمر و آخرين ..) في تلك الصالة كما الغرباء، بل كنا الغرباء ( و طوبي للغرباء) في ذلك المعرض حيث اضطرتنا مشاهدة الأعمال الفنية لأن ندير ظهورنا لرجال الأعمال و الصيارفة المشغولين بأمور دنياهم و قد اضطرتهم أعمال المال لأن يديروا ظهورهم لأعمال هذا الفنان الذي جاء يحمل إليهم الفن السوداني..
أظن ان معرض مجذوب ربّاح في " بنك النيلين" كان أول و آخر معرض تشكيلي يقيمه فنان سوداني في مؤسسة مصرفية.خسارة كبيرة بلا شك للمصارف السودانية أنها لم تنتبه للثروة المعنوية الكبيرة التي يمكن أن يودعها الفنانون التشكيليون السودانيون في خزائنها.
سأعود
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

زيارة ثانية (لريشين)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


تحيّتك و صلت إلى الفنان (ريشين) و هو بدوره يُحييك و يُحيّى المهتمين بموضوع الرّسامين العصاميين .. و عن لوحة محطة السكة حديد الجدارية بـ(نيالا) .. يقول أنها لابد أنها لشخص آخر .. كما ليس لديه لوحات أخرى فى معرضه غير تلك التى قمت بتحميلها، و قد كانت هناك عند زيارتى الأولى لوحة لـ(إسماعيل الأزهرى) كنت قد صوّرتها و أنزلتها فى الكومبيوتر مع الأخريات ثم قلبت عليها الأرض و لم أجدها .. لا فى الجهاز و لا فى الكاميرا !! .. و كنت قد مررت بعد ذلك مرتين على ركن (ريشين)، مرّة لإعادة تصويره هو حيث بدت صورته الأولى غير واضحة تماماً .. و الثانية حين إكتشفت إختفاء صورة (الأزهرى) فمررت لأعيد تصويرها .. و لكن (ريشين) ذاك اليوم، لسوء الحظ، جاء إلى ركنه متأخراً فلم أظفر بصورة (الأزهرى)، .. و اليوم حين سألته عنها قال لى أنها سُرِقت ! و أنه تعرّض فيما سبق لعدّة سرقات منها لوحة لـ(فرفور) ! (لاحظ جاذبية سوق الرّسم السودانى التى لا تقف عند حدود بعض الزبائن الذين يدفعون ثمناً للأعمال الفنية .. بل تتعدّاهم إلى الذين لا يدفعون: "الحراميّة !").

صورة

.. و كنت قد وعدت (ريشين) بأننى بعد إنزال لوحاته فى موقع (سودان للجميع) سأحضر معى كمبيوتر محمول ليتمكّن من مشاهدة لوحاته على الإنترنت، و حيث أننى لم أوفّق فى تدبير "المحمول" كتبت له عنوان الموقع و شرحت له كيفية الوصول إلى لوحاته المنشورة لحين أتمكن من توفير جهاز، ثم أعطيته فكرة عامة عن ما يدور فى "بوست" (هجوم وحشى)، و عندما سمع منى ما حدث لمعرض (محمد حمزة) بدار (الأمة) .. إستاء (ريشين) أيّما إستياء و تعجّب و سخر من أن يصدر مثل ذاك الفعل من شخص فى عصرنا هذا .. و تحدث بصدق عن ضرورة توفّر شرط الحرية لأعمال الفنان .. و أن من يرى أن هناك ما يسيء إليه فى تلك الأعمال عليه أن يلجأ للقانون و القضاء، و لكن هذا الشخص ليس لديه أى حق أن يمد يده و يمس تلك اللوحات بأى سوء، .. إنفعل (ريشين) و تحدّث كثيراً ضارباً أمثال و أحاديث و تالياً آيات تعضّد من مبدأ الحرية .. و ختم ساخراً: .. و الناس الجات الصباح ما لقت فاس مُعلّقة على رسمة سالمة .. ؟!

.. و حكى أنه ً قد مرّ به موقف مُشابه .. حيث جاء أحدهم فى يومٍ ما و إستشاط فيه: راسم الزول ده لييه ؟! .. فأجابه أن هذا ليس "الزول داك" و إنّما مجرّد رَسْمَة .. أما لو عايز " الزول داك " ـ هذا الذى لا يعجبك ـ فسأريك أين يقيم لتذهب إليه و تحسم معه مشكلتك. و لمّا أزبد و أرغى صاحبنا .. هدّده (ريشين) بأنه إن إمتدت يده للوحة "الزول داك!" فلا يلومنّ إلا نفسه، .. إجتمع المارة كأجاويد و أخيراً اقنعوا صاحبنا بالمخارجة. يقول (ريشين) أن العمل الفنى شىء يخصّك و تمتلكه أنت و لا يحق لأى جهة إنتزاعه منك، و الفيصل هو القانون. و تدخلت "ست الشاى" معلّقة: (.. آآآى .. دى ما خشبة ساااى .. لو عايز "فلان" بشحمو و لحمو أليمشى ليهو بالدرب عديييل ..)، و إذ أنا أستمع فى إطراقِ لهذه الونسة الظريفة الدائرة بين هؤلاء اللطفاء، و جدت أننى – بنقدهم الموجّه لسلوك محطّم معرض (محمد حمزة) و ذاك الذى لم يعجبه أن يُرسَم "فلان!" - : I am included، بما أنه لم يعجبنى رسم (ريشين) للعُربان مُعلّلاً تبرّمى ذاك بطغيان مشهد العُربان فى سوق الرسم السودانى على مشهد السودانيين، إذ حَجَبَ عنى موقفى ذاك الإنتباه لضرورة توفّر شرط الحرية للفنان فيما يرسم.

صورة

.. أمّا الصُدفَة "الغريبة و المُدهشة فى آن" – على حد تعبير صديقى "فيصل" - و التى أتمنى أن تكون صحيحة و ليس مجرّد تطابق أسماء – أن (ريشين) يعرف (زين العابيدين على)، و أفاد بأنه أيضاً من أبناء (نيالا) و هو ما زال حىٌّ يُرزق .. و قد علم مؤخراً من بعض أصدقائه أنه و رسّامين آخرين موجودين الآن بمدينة (نيالا) – حكاية (نيالا) مع الرّسامين دى شنو ؟! -. و لا أكذبك القول إن قلت لك أن مهمة لقائه ستظل شغلى الشاغل فى مُقبل الأيام، بل قد يُصبح السفر إلى (نيالا) فى مرحلةٍ ما ضرورة مُلحّة .. ذلك أننى (Fond of) مثل هذه المواقف: .. حين أُفاجئه بلوحاته الأربع .. التى ياما تملّيت فيها سنينا عددا، إذ أُدرك جيّداً مشاعر من يلتقى بلوحاته القديمة .. و لى مآرب أُخرى ..! (1)
قال (ريشين) أنه يحدث أن يرى لوحة معلّقة فى مكانٍ ما فيقول فى نفسه: (يا سلاااام .. الزول ده رسّام خلاص ..) و عندما يقترب منها يفاجأ بإسمه موقّع أسفلها !! .. لابد أن (زين العابيدين) قد نسى لوحاته تلك، و بما أنها ما زالت موجودة .. فهو يستحق أن يعلم بذلك و يراها من جديد.

لوحة (أوباما) فى طور التخَلّق، حاول (ريشين) أن يثنينى عن تصويرها الآن، و لكنى أقنعته بأن تصويرها الآن سيسمح للناس بالتعرّف على جانب من مراحل و أسلوب عمله.

صورة

ـــــــــــ

(1)- (ريشين) ليس لديه معرفة برسّامين عصاميين آخرين فى "العاصمة المثلّثة"، و قد سمع بأن أحدهم يعمل بجانب "نادى الأسرة"، البحث عنه لم يُسفر عن وجود هذا الرّسام و لا حول "حديقة القرشى"، إذ يخلط الناس بين "أكشاك الخطّاطين و البراويز" و الرّسامين، و لكن الجولة فى تلك النواحى أسفرت عن إحتمال وجود إثنين بأمدرمان، .. و إنطباعى بصورة عامة أن هناك عدد ليس بالقليل يعمل فى هذا المجال .. منهم من لم يكمل الدراسة بكلية الفنون .. و منهم من لا يرغب فى الكشف عن أعماله ، مثل الشاب اليافع (شول) .. الذى يقلّد الرّسوم الفلكلورية الأفريقية فى أحد "أكشاك الخطاطين". سأسعى ما أمكن و بمساعدة آخرين للوصول لرسّماين عصاميين فى كل نواحى السودان.
ايمان شقاق
مشاركات: 1027
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:09 pm

مشاركة بواسطة ايمان شقاق »


سلام وتحية للجميع،
الأخ ياسر عبيدي،
لك الشكر الجزيل على عرض أعمال ريشين، ومن قبله زين العابدين علي،
حديثك عن نيالا، ذكرني استمتاعي بدكاكين ورواكيب سوق نيالا في رحلة السنة الرابعة لكلية الفنون في 95، وقتها لفت إنتباهي عدد كبير من "دكاكين" الخط والرسم والتلوين، وهي تحتل حيزاً معتبراً من مساحة السوق، بها أعمال على الجلود والقماش والخشب نفذت بخامات متعددة. وهي بمثابة قاعات عرض ومراسم مفتوحة، فمن الممكن رؤية الأعمال المكتملة معلقة على الجدران أو متابعة بعض الأعمال أثناء تنفيذها. أعتقد أن في دارفور تقليد راسخ، احسب أنه لايزال في عنفوانه في حواضرها، وهو التهادي بأنواع الأعمال الفنية التي تنتجها هذه الاستوديوهات في المناسبات المختلفة، وقد يكون ذلك سبب من أسباب وجود واستمرار هذه السوق.

بالتأكيد لو حالفك الحظ في زيارة نيالا، ستجد ما يسرك في "سوق" الرسم والخط، بجانب ما بالسوق من أعمال فنية أخرى مختلفة من السعف والفخار والخشب، إلا إذا اختلف الحال بسبب الحرب.

تحياتي

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حب الناس مذاهب

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الأعزاء
إيمان و ياسر و ريشين
سلام
إن كان للأخ ريشين من عزاء في سرقة لوحة الأزهري فلنقل أن فعل السرقة ينطوي على شهادة إعجاب بعمل الفنان من طرف بعض المعجبين الحفاة العراة الذين لم يمنعهم واقع العوز المادي من التعبير عن فيض إعزازهم لعمل الفنان بهذه الطريقة الملتوية . و قد جاء في حكمة الشعب : " حب الناس مذاهب" و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
أظن أن " سوق الرسم" في نيالا طرف من ظاهرة أعمق منتشرة في معظم حواضر الأقاليم. ظاهرة هؤلاء الفنانين المتحركين خارج أطر الحركة الثقافية العاصمية.و هو أمر يستحق التأنـّي و الدراسة.
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المغرض 12

مشاركة بواسطة حسن موسى »

المغرض 12

مراكز لفن الهوامش

الفن السوداني في المراكز الثقافية الأوروبية

حضور و نشاط الأجهزة الثقافية الأجنبية في السودان ارتهن منذ البداية بـملابسات الصراع بين القوى العظمى ضمن جيوبوليتيك " الحرب الباردة".فالأجهزة الأجنبية المعرّفة بـ "المراكز الثقافية" كانت ( و ما زالت) أجهزة بروباغاندا آيديولوجية تتذرع بالثقافة لتخاطب أهل البلاد و تستميلهم . و هي تمثل نوعا من منصة عرض أو " فترينة" غرضها إغراء "السكان الأصليين" واستمالتهم للإنخراط في موقف التأييد ( أو على الأقل التحييد ) المعنوي بالنسبة للمشروع الآيديولوجي الذي تطرحه القوى المهيمنة التي تدبّر مهام المركز الثقافي.
و منذ منتصف الستينات بدأ جمهور العاصمة ـ و بعض حواضر الأقاليم ـ يحس بحضور المراكز الثقافية في شكل المكتبات العامة أو دروس اللغة الأجنبية و المعارض الفنية و معارض المطبوعات أو مهرجانات السينما أو في زيارات فرق الفنون المشهدية إلخ. و هي " خدمات ثقافية" كانت هذه المراكز تقدمها للجمهور السوداني مجانا أو لقاء رسوم رمزية للغاية. و كانت أكثر هذه الأجهزة نشاطا هي:
مكتبة المجلس البريطاني ( و فروعها في بعض عواصم الأقاليم)
المركز الثقافي الفرنسي
المركز الثقافي الأمريكي
المركز الثقافي السوفييتي
معهد غوته.

جمعية الثقافة السودانية الألمانية (لألمانيا الشرقية)
و مع نهاية الستينات ، صار للمراكز الثقافية الأوروبية في الخرطوم دور كبير لا يمكن لأحد تجاهله في تفعيل النشاط المعارضي للتشكيليين السودانيين.بل أن بعض المراكز الثقافية الأوروبية ـ بفضل ما تقدمه من عون للتشكيليين السودانيين ـ تحولت إلى نقاط إرتكاز مادية و معنوية لا تملك حركة التشكيل أن تستغني عنها بحال.
و يمكن تلخيص النشاط المعارضي في هذه المراكز الثقافية على وجهين:
الأول يتعلق بالمعارض الفنية المستجلبة من أوروبا لعناية الجمهور السوداني.و رغم أن هذه المعارض يغلب عليها الطابع التوثيقي المحافظ مثل " معرض محفورات ألبريشت دورير" الذي نظمته جمعية الصداقة السودانية الألمانية ( الشرقية) في كلية الفنون عام 1971 .و معرض " الغرافيك الهامبورجي" الذي نظمه معهد جوته( ألمانيا الغربية) في صالة المعارض بميدان " أبو جنزير" عام 1975. و هذه المعارض مهمة كونها تفتح أمام التشكيليين السودانيين كوى غير متوقعة لمعاينة تجارب وافدة من بيئات جمالية بعيدة عن الواقع التشكيلي المحلي.
أما الوجه الثاني لمعارض المراكز الثقافية الأجنبية فهو يتعلق بالمعارض التي تنظمها هذه المراكز للفنانين التشكيليين السودانيين.فالمراكز تقوم بتقديم مكان العرض داخل مبانيها و تتكفل بنفقات الإفتتاح و الدعوات و مطبوعات المعرض.و في هذه المعارض التي يؤمها أعضاء البعثات الدبلوماسية الموجودة في العاصمة إلى جانب أعيان و"أنتليجنسيا" العاصمة، فغالبا ما يتم الإفتتاح بواسطة السفير أو الملحق الثقافي أو مدير المركز.و بالنسبة للفنانين فنوعية الحضور، ذي القدرة الشرائية العالية، في هذه المحافل يمكن أن تعود على الفنان العارض بمنفعة بيع بعض أعماله .أما بالنسبة للمركز الثقافي الذي نظم المعرض فأظن أن المنفعة الكبرى تظل منفعة رمزية ( إقرأ: سياسية) كون المركز يدعم من حضوره كمركز اشعاع ثقافي و كمكان يلتقي فيه أهل العاصمة لغرض الفن السامي.و المعرض التشكيلي ـ كما تشهد بذلك خطب إفتتاح المعارض ـ يملك أن يمثل كتجسيد حقيقي لدعاوي التبادل و التعاون الثقافي و قيل "حوار الثقافات" بين الجهة التي يمثلها المركز و السودانيين. و إذا كانت المراكز الثقافية قد استهلت نشاطها بتقديم خدمات المكتبات و دروس اللغة في البداية، فهي سرعان ما توصلت لضرورة تدبير مكان لمعارض التشكيل.و معارض التشكيل ، فضلا عن تكلفتها المادية المتواضعة بالنسبة للجهة المنظمة، فهي تتميز بكونها تظاهرات ثقافية مأمونة العواقب سياسيا، فمعرض التشكيل إنما يعتمد على دعوة الناس لمشاهدة أشياء مصنوعة أولا (و أخيرا؟) لمتعة البصر. و هو عمل يتم في مقام جمالي و سياسي فضفاض يحتمل الإختلاف في الرؤى و يقبل التعدد في وجهات النظر بعيدا عن الحزازات و الغبائن و المصادمات التي يمكن أن تثيرها مناشط أدبية كالشعر أو المسرح أو الندوات السياسية.فالفنان يعرض أعماله أولا على مسؤولي المركز الذين يقررون ـ بعد معاينة الأعمال ـ أن يعرضوا أو أن لا يعرضوا له.و لمسؤولي المركز كامل الحرية في قبول المحاضرات أو الندوات في صدد المعروضات،و بشروطهم. كما لهم الحق في رفض منتديات النقاش التي قد تصعب السيطرة على مساراتها السياسية.و ضبط مسار التظاهرة الثقافية أمر له أهميته القصوى في ظروف سودان السبعينات الذي كان يعاني من توجس السلطات السياسية فيه بكل ماقد يأتي من جهة المثقفين و المبدعين الذين كانوا، بشكل عفوي، في جانب المعارضة السياسية للنظام.
وعلى الرغم من أن خرطوم السبعينات شهدت إتساعا ملحوظا في إمكانات العرض بفضل تأسيس أمكنة ثقافية حكومية جديدة مثل المتحف القومي ، قاعة الصداقة و قصر الشباب و الأطفال(الذي شيدته كوريا الشمالية) و أرض المعارض بـ " أبو جنزير" و "معرض الخرطوم الدولي" ، فقد توجه التشكيليون بأعداد متنامية نحو المراكز الثقافية الأجنبية و فضلوها على الفنادق العاصمية و أمكنة العرض الحكومية الأخرى ربما لأنهم لمسوا في استقبال المراكز الثقافية لهم إختلافا نوعيا لا يقبل المقارنة مع طبيعة الأستقبال الذي قد تقدمه الأمكنة الحكومية و الفنادق العاصمية. و ربما لأن القائمين على بعض أمكنة العرض الحكومية مثل "قاعة الصداقة الصينية السودانية" أو متحف السودان القومي أو معرض الخرطوم، لم يتحمسوا لفكرة إستقبال معارض التشكيليين السودانيين في دورهم الفارهة( عدا بعض الإستثناءات المعروفة كمعرض " عبد الوهاب الصوفي" في قاعة الثقافة الذي افتتحه " اللواء الباقر"،النائب الأول لرئيس الجمهورية في حينها). و ربما كان الأمر برمته لا يعدو نوعا من سوء التدبير الإداري :أذكر ان إدارة قاعة الصداقة حاولت استثمار صالتها ماديا بين 1975 و 1976 فعرضت على الفنانين العارضين دفع إيجار الصالة.ثم فرضت نظام تذاكر دخول للمعارض بفئات غير مريحة للغاية ( أنظر " مجلة الثقافة السودانيةـ فن تشكيلي ـ حسن موسى، فبراير 1977) فكان ان تجنبها التشكيليون و عادوا يبحثون عن فرص العرض في أماكن أخرى.

و في نهاية التحليل يمكن القول بأن المراكز الثقافية الأجنبية قد ساهمت بنصيب وافر في حل مشكلة أمكنة العرض في هذه العاصمة التي ظلت تشهد نشاط التشكيليين السودانيين الجم لعقود طويلة دون ان تتمكن من تأسيس صالة عرض قومية في حجم الجهد التشكيلي المشهود. و رغم ذلك يمكن القول بأن صالات المراكز الثقافية الأجنبية تبقى ، إجتماعيا ،مستغلقة على قطاع كبير من السودانيين الذين يملكون القدرة على التفاعل مع آثارالفنانين التشكيليين دون أن ينخرطوا جديا في المناقشات النقدية حول أسئلة الجمالية التشكيلية التي تشغل خواطر المثقفين.
لكن ـ فيما وراء الصعوبة النفسية التي تجعل " شعب الغلابة" ينكص عن تقحّم صالات المراكز الثقافية الأجنبية ، تطرح معارض المراكز الثقافية الأجنبية مشكلة "السلطة الفكرية" التي تسوّغ لمنظمي المعارض تنظيم المشهد الفني السوداني بذريعة أمتلاكهم لمكان العرض.
و هي مشكلة حقيقية تملك أن تطرح عواقب جسيمة في اللحظات التي يقع فيها الخلاف بين مشروع الفنان و مشروع سلطات المركز الثقافي الأجنبي.و من متابعاتي للمعارض التي كانت تتم في المراكز الثقافية الأجنبية في خرطوم السبعينات تسنى لي أن ألمس أن بعض موظفي المراكز الثقافية الأجنبية ـ رغم خبرتهم السطحية بالحياة الثقافية السودانية ، كانوا ـ في أغلب الأحيان ـ لا يتورعون عن بث الأحكام القاطعة بصدد تعريف ما هو فن و ما هو غير ذلك ، و قد يتمادى بعضهم لحد تعريف ما هو " فن سوداني أصيل" و ما هو خلاف ذلك إلخ.و قد تؤدي بهم قلة الحيطة (أو فرط المُكر) للرعي الجائر في مقام الأسئلة الدائرة ـ بذريعة الفن ـ حول قضايا "الهوية السودانية".و في سبعينات المناقشة النقدية بين التشكيليين لم يكن الحديث حول موضوعات مثل هوية الفن السوداني ليقتصر على مقام الرسم وحده و إنما كان يتعداه لمقامات الفكر المتعارض و المتناحر في ساحة السياسة السودانية.هذا الواقع النقدي افقد النشاط الفني براءته المزعومة و مسخ كافة المساهمين في النسخة التشكيلية من مناقشة الهوية السودانية إلى أشخاص يدافعون عن هذا الخيار السياسي أو ذاك.و في هذا السياق قام مدير معهد جوته، الذي كان في ذلك الوقت من أنشط منظمي المعارض في الخرطوم، قام في عام 1975 بتنظيم معرض جماعي لعدد من التشكيليين السودانيين الذين اصطفاهم ليمثلوا ما اعتبره هو الفن السوداني المعاصر.كان اسم ذلك المعرض " فن الخرطوم" (
The Art of Khartoum
و قد جمع فيه نخبة من الأسماء التي ارتبطت بتيار استلهام تراث التمازج العربي الزنجي المعروف منذ منتصف الستينات تحت اسم " مدرسة الخرطوم" (بينهم صلحي و شبرين وكمالا و عبد العال و رباح..).و قد نظم معهد جوته بهذه المناسبة محاضرة عامة مع عرض شرائح لأعمال فنية لبعض الفنانين قدمها ( بالإنجليزية) الدكتور أحمد الزين صغيرون، المؤرخ و صديق الصلحي ، عن "مدرسة الخرطوم" و عن دور ابراهيم الصلحي في صياغة مفهوم الفن السوداني.أذكر أنني كتبت تعليقا على تلك الأمسية في صفحة "ألوان الفن " بجريدة الايام .( لا أذكر تاريخه).

فتوات الثقافة الجدد:
و مدير معهد جوته في السبعينات يصلح نموذجا لنوع التغوّل الثقافي الذي يمكن لموظفي المراكز الثقافية الأجنبية أن يمارسوه تجاه الفنانين السودانيين. و في هذا المقام أذكر حادثة بليغة الدلالة أبطالها مدير معهد جوته و فنانان سودانيان هما الفنان علي الورّاق و الفنان بابكر كنديو.و أصل الحكاية أن الوراق و كنديو تقدما بطلب لعرض اعمالهما لمدير مهعد جوته. و يبدو أن الرجل لم يجد في أعمالهما النكهة السودانية التي كان يتوقعها فلم يكتف برفض عرض أعمالهما في صالة المعهد و إنما تبرع بتوجيه بعض النصح الفني لهما حتى يستويا على جادة الفن السوداني الأصيل .
و قد كتب الوراق و كنديو مقالا غاضبا في "الأيام"( 3/11/1976) يلخصان فيه ذلك اللقاء الغريب مع مدير معهد جوته.و من نص المقال نقتطف:

" تقييم شخصي لمشكل خواجاتي و تقييم عام له"
الحادثة:
" ..طلب الرجل الطيب منا أن نعطيه مهلة ثلاثة أيام لأنه، كما تعرفون، و الحديث له:"يجب أن أعايش أعمالكم. إن أعمالكم ذات شخصية مميزة ، لذا سهل علي معرفتها..".."و حين أكملت لوحاتنا أيامها الثلاث في كنفه، ذهبنا نسأله إن كانت لوحاتنا قد نقرت فيه شيئا، فإذا به يخبرنا أولا أن برنامج المعهد مزدحم، و أنه لن تتيسر لنا الفرصة إلا بعد ثلاثة أشهر.. ثم يحاول أن يكون أكثر وضوحا:" إن لوحاتكم غير مثيرة". أي و بتفسير آخر أبعد عمقا و أغنى، كما فهمنا،" لا تلمس تلك المنطقة الكهرومغنطيسية و التي هي بين الصلب و الترائب. و التي تجعل المشاهد يأكل أطراف اللوحة من فرط الإنسجام، "..". و انتهت المقابلة.
تقويم شخصي للحادثة:
و لما كان المشكل " خواجاتي" فإننا سنتعامل معه في تقويمنا هذا بـ " البرود" الملائم.. و سنبعد قدر الإمكان عن منطقة الإساءة التي يحاول أن يجرنا إليها السيد مدير معهد جوته لفرض خاص جدا لا علاقة له بأعمالنا و درجة إثارتها ، و إنما لشيء يتعلق في ما يتعلق به..
و بعد كل شيء فهو مدير المعهد له الحق في أن يؤجره مفروشا، و هو صاحب الزبدة له الحق في إن يشويها أو يفصلها قميصا..و لكن حق لنا أن نتساءل: إلى أي مرعى يريد السيد راعي المعهد أن يقود قطيع التشكيل؟ و ماذا يريد، بتدخله المتعسف و العنيف على المسألة التشكيلية،أن يفعل بثقافة أهل السودان؟؟
و ما ذا يريد أن يفعل بالحركة التشكيلية التي لا يعرف عنها سوى اسمين ، ينطقهما بصعوبة، و بعض التذكارات الفولكلورية؟؟
هل يا ترى يريدنا أن نلوّن الحصى كما تفعل العزيزة ابنة أخيه و التي يعتز بأعمالها و يزين بها مكتبه؟؟
لقد نبهنا إلى أن السودان به ثروة هائلة من الحصى و الحجارة و الشوك، و تساءل: لماذا لا نلوّن كل هذه المروج الترابية كما تفعل العزيزة ابنة أخيه؟
و نحن لا يهمنا كثيرا إذا قرر هو و عائلته تحمل عبء تلوين أرض السودان" البنية" الجافة بألوان الزيت. فنحن نعتبر نفسنا شباب التشكيل الذي تجاوز هذه السذاجات" الترابية"، و نعرف أن اسهامنا في التشكيل ليس ضروريا أن نشلـّخه ليصبح سودانيا ليثير السيد المدير و آخرين.".."و نوعده مخلصين أن معرضنا القادم سيكون بأجنحة ذباب الـ " تسي تسي" كي تصيب القارئ السوداني بصدمة تجعله لا يعرف ما الذي يجري في ساحة التشكيل ، حتى يتسنى للسيد المدير أن يعرض ما يسميه بأعمال مثيرة..
أما في ما يخص أعمالنا فنحن لا نملك حق الحديث عنها و إن كان ذلك لا يمنع اعتزازنا الكبيرو قناعتنا بها،و لا يهمنا إذا لم يكن اسمينا المتواضعيين مدونين في مذكرته".."فبالنسبة له قد نكون مجهولين تماما، لكننا نعرف أننا معروفين جدا وسط الأغلبية المجهولة و
" المتطاولة" لأخذ مكانها في صف التشكيل.و بعد، كان لنا أن نسأل: من أي جزء من معرفته يملك السيد المدير حق أن يحكم على أعمالنا و هو رجل في وظيفة غير متعلقة بهذا النشاط؟و لنذهب أبعد من ذلك :فأي ألوان يريد السيد المدير أن يصبغ بها ثقافة أهل السودان؟ و أي تيار " مثير" يريد له الثبات و المداومة في ساحات التشكيل؟؟ و السيد المدير يفعل هذا و سلاحه ذلك التهذيب الكثير المزيف و الملاحظات غير الذكية"..".
".."تقويم عام للحادثة:
لا نقول هذا لكي يخاطبنا شخص مثلنا معتز بسودانيته (إنتو القال ليكم أمشوا للخواجة دا منو؟).
إن هذه الحادثة تطرح مسائل عديدة و نتمنى أن يأخذها المهتمون بأمر الثقافة في هذا الوطن مأخذ الجد. فالحادثة نموذج لما يمكن أن يفعله الغياب غير المبرر لإتحاد الفنون..صالة العرض و اهتمام مصلحة الثقافة ..إلخ." .." فلو كان اتحاد الفنون موجودا لكان هو الجهة صاحبة الكلمة الأخيرة في تقدير درجات " الإشارة"، و لو أن مصلحة الثقافة دبّرت مخاطبة أفضل مع التشكيليين لما وقعنا تحت قبضة فتوات الثقافة الجدد.."(
النص الكامل للمقال متوفر في قسم الملاحق من كتاب صلاح حسن عبدالله" مساهمات في الأدب التشكيلي"، نشر دار أروقة، الخرطوم 2005 ، ص 221).

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

في معرض الفندق

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة

من دليل معرض الفنان أحمد طه الباشا في فندق الهيلتون

صورة

بوتيك مصنوعات شعبية في السوق الأفرنجي في خرطوم السبعينات

صورة

من أعمال الفنان مجذوب ربّاح التي عرضها في معرض بنك النيلين بالخرطوم

صورة

ركن القهوة السودانية في فندق مريديان الخرطوم في منتصف السبعينات.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مع تحيّات الفنان "ريشين"

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


صورة


تكتمل لوحة (باراك أوباما) فى يوم إستلام مهامه فى البيت الأبيض الموافق 20 يناير 2009 .

مع تحيّات الفنّان التشكيلى (ريشين).
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المغرض 13

مشاركة بواسطة حسن موسى »

شكرا يا ياسر على إيراد صورة أوباما ( ملك العالم)
و الشكر موصول للأخ ريشين على هذا العمل البليغ.

المغرض 13

صالة الدلاقين في "أبو جنزير"..


بعيد إستقلال السودان كتب محرر جريدة الأيام ( 18 يونيو 1956) تقريرا عن "معرض الخريف" الذي أقامه "إتحاد الفنون الجميلة السوداني" بصالة الـ " قراند هوتيل". و في نهايه التقرير عبر الكاتب عن أن" الخرطوم اليوم في حاجة ماسة لصالة عرض ثانية تعرض الصور العالمية و صور محلية..". و اليوم، و بعد إنقضاء أكثر من نصف قرن على معرض الخريف، ما زالت العاصمة تعاني من غياب صالة حقيقية لعرض الأعمال التشكيلية و ذلك رغم توفر العديد من الأبنية الحكومية التي يمكن ، بجهد بسيط ، أن تتحول لصالات عرض ممتازة.و أظن أن تفسير هذا الواقع الغريب يكمن في الطريقة التي تتعامل بها السلطات الوطنية المتعاقبة مع الفن التشكيلي.ذلك أن الفن التشكيلي ـ و قيل النشاط الإبداعي عموما ـ إنما يمثل في خاطر أهل السلطان كمثل " مكياج" مؤقت تلجأ له السلطة في المناسبات التي يحلو لها فيها أن تؤنسن من دمامتها بوجه حضاري مقبول.و لعل هذا المسلك الإنتهازي هو الذي يجعل سدنة السلطة السياسية في السودان يقصرون علاقة السلطة بالإبداع في أشكال البروباغاندا السطحية التي تفتقر إلى الديمومة المؤسسية، مثل المعارض و المهرجانات الموسمية.
و لعل أفضل الأمثلة على هشاشة الإهتمام الرسمي بالفنون التشكيلية في السودان يتجسد في ما عرف في أوساط التشكيليين بـ "صالة الدلاقين" ، والعبارة تدل على أرض المعارض بميدان " أبوجنزير" وسط الخرطوم.و المكان عبارة عن صالة من الخشب و القماش تم تشييدها في 1965لإقامة معرض تجاري مصري.و بعد انقضاء المعرض آلت الصالة لقسم المعارض بوزارة الثقافة و الإعلام و كانت تقام فيها المعارض التجارية و الصناعية حتى نهاية الستينات.و في عام 1971 نظم المجلس القومي للآداب و الفنون أول معرض تشكيلي جماعي في صالة أبوجنزير تحت عنوان " معرض الفن و التراث"و قد عرضت فيه أعمال تشكيلية معاصرة جنبا لجنب مع بعض المصنوعات الشعبية و الأشياء( الأناتيك) المصنفة في فئة الفن الشعبي ، ثم أشرف المجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون على جزء من الصالة منذ عام 1976 حيث كان يقيم فيه معارض الفن التشكيلي بشكل منتظم.و من ذلك الوقت أطلق العاملون بشعبة الفنون في المجلس على صالة أبوجنزير إسم " "غاليري الخرطوم للفنون ".و في عام 1983 شب حريق غريب دمّر الصالة فانطوت بذلك صفحة عامرة بالحيوية من تاريخ حركة التشكيل السوداني الحديث. فقد لعبت صالة أبوجنزير ، بفضل موقعها الإستراتيجي و بفضل بساطتها الشعبية البالغة التي تقارب التقشف، لعبت دورا مهما في تقديم أعمال جيل جديد من التشكيليين الذين كان يهمهم توصيل أعمالهم للجمهور العريض بشكل مباشر، بعيدا عن ملابسات البيع و الشراء( في سوق السياح) و بعيدا عن شروط المراكز الثقافية الأجنبية و بعيدا عن قلة خيال بعض مواقع العرض المحلية كـ " قاعة الصداقة" التي كانت تنوي تأجير صالتها للفنانين.كانت " صالة الدلاقين" بأبو جنزير تتكون من صالة كبيرة ( حوالي800 متر مربع) ذات مدخل واسع من جهة شارع القصر و تتفرع منها صالات صغيرة يمكن التحكم في مساحتها حسب الحاجة ، تمتد في شكل مربع يحيط بباحة واسعة كانت تستخدم أحيانا للندوات و المحاضرات. لكن الصالة التي كان المجلس القومي للآداب و الفنون يعرض فيها المعارض الفردية كانت صغيرة نسبيا (4 في 15 متر) و مدخلها يفتح جنوب ميدان أبوجنزير.و حين يكون هناك معرض فالمارة يرون الأعمال من موقف البصات و " الطرّاحات" في الشارع.و غالبا كان الناس( الشعب؟) يتوقفون و يغلبهم الفضول فيدخلون الصالة ، كما الغبار و الضجيج المديني ، ليجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الفنان العارض و أعماله.و هي لحظات غنية بالطرائف و الإكتشافات المدهشة سواء بالنسبة للزوار غير المتوقعين أو بالنسبة للفنان صاحب المعروضات. قريبي ـ " حاج أحمد"ـ شرطي أبعد ما يكون عن هم التشكيل، تفرقت بنا السبل فلم نلتق منذ سنين . رأي اسمي مكتوبا على مدخل الصالة فدخل و سلم علي بحرارة وحملق في الأعمال المعروضة بصبر و مثابرة حتى اتى عليها كلها" و سألني " يا حسن الرسم دا كلّهُ مُلولوْ مُلولوْ كدا في شنو؟؟". كان "حاج أحمد" يتأملني بفخر ظاهر و أنا أحاول ان أشرح له و لبعض الحاضرين أن غاية الفنان التشكيلي هي تدريب عين الجمهورعلى رؤية أشكال وألوان وحاجات جديدة غير مألوفة.و بدت له الفكرة معقولة و ودعني و وعدني بالعودة مرة أخرى لمشاهدة المعرض.كان ذلك آخر لقاء لنا قبل أن يتوفاه الأجل بعدها بسنوات.
في سبتمبر 1975،حين أقام الفنان محجوب حسن الفيل معرضه تحت شعار " الفن وظيفة إجتماعية" ،ذهبت إليه في صالة أبوجنزير لإجراء مقابلة لصفحة" الأيام" الفنية التي كنت أشرف عليها.قال الفيل معلقا على مكان العرض:" فضلت المكان دا رغم حاله، على دور المراكز الثقافية الأجنبية لسهولة الوصول إليه كمكان شعبي وسط المدينة، في الشارع يعني.أفتكر دا يخلي الرجل العادي اللي بيحس بغربة في المراكز الثقافية، يخليه يشعر إنو في ناس بتحاول تقرّب ليه الشغل بدون حواجز.و رجل الشارع يهمني حضوره و رؤيته للشغل ، مش بالنسبة لي بس لكن بالنسبة لكل الفنانين.( الأيام 23 سبتمبر 1975) و حين يقول الفيل" فضلت المكان دا رغم حاله" فهو يصدر عن إتفاق مضمر بين جمع الفنانين فحواه أن صالة " غاليري الخرطوم" في حالة لا تليق بما يستحقه التشكيليون من مكان للعرض.و قد كانت الإشارات للحالة المزرية التي تعاني منها صالة ابوجنزير، كمكان عرض الآثار الفنية، تتواتر في الصحافة بشكل شبه منتظم. أذكر ان أحمد عبد العال في معرض سجال صحافي ساخن مع مبارك بلال كتب "و قد كوفئ بلال ببعض المال على عبث كتبه حول تطور الفن التشكيلي في السودان في مهرجان الآداب و الفنون لعام 1975" و يرى عبد العال" أن هذا الذي كوفئ به بلال كانت أجدر به صالة الخرطوم للفنون بأبي جنزير صيانة و إصلاحا.."(الأيام 28/2/1975 ). لكن صالة ابو جنزير ـ رغم الغبار و الأمطار و ضيق الحال ، استمرت تعرض أعمال التشكيليين السودانيين للجمهور العاصمي ببسالة نادرة و بكفاءة عالية.و لو راجعنا سجلات شعبة الفنون في المجلس القومي للآداب و الفنون فسنجد أن صالة أبوجنزير ، رغم عمرها القصير، ( حوالي 10 سنوات) قد عرضت لما يقارب المئة معرض ( فردي و جماعي) للتشكيليين السودانيين.
و ربما أمكن فهم نجاح صالة أبوجنزير في كون المجلس القومي للآداب و الفنون كان يشجع التشكيليين جميعا على عرض أعمالهم من خلال شعبة الفنون بالمجلس. و قد كان المجلس يحفز الفنانين بتقديم المساعدات المادية و التقنية و الإعلامية للعارضين. فضلا عن تشجيع الفنانين بشراء بعض الأعمال لمقتنيات المجلس عقب إنتهاء المعرض.لكل هذا يجدر التذكير بأن القائمين على شعبة الفنون ( أذكر منهم محمد عبد الرحمن أبو سبيب و محمد حسين الفكي و الباقر موسى) كانوا على حيدة كاملة" تقريبا" فيما يتعلق بالخيارات الجمالية للفنانين العارضين.و هذا شيئ يحمد لهم ،و لا عجب فقد كان جل القائمين على شعبة الفنون في المجلس من الفنانين الممارسين و المساهمين في المناقشة الجمالية التي كانت مستعرة بين التشكيليين السودانيين في السبعينات.
و حين أقول أن القوم " كانوا على حيدة كاملة تقريبا" فـفي قولي بعض المجاز. و "التقريب " سينفعني كخط رجعة حين اتطرق لأسلوب القائمين على الشعبة في تدبير دعم المجلس لبعض المعارض أو لمشاريع العرض التي تقدم بها بعض التشكيليين في النصف الثاني من السبعينات.
لقد ثبّت المجلس ـ عبر معارض صالة أبوجنزير ـ نوعا من طقوسية سياسية للمعارض التي يدعمها و ذلك لأن القائمين على المجلس ـ بحكم عملهم كموظفين في أحد أجهزة وزارة الثقافة و الإعلام ـ لم يكن بوسعهم إلا أن يمتثلوا للتوجهات السياسية للنظام.و هكذا فالمجلس يدعم الفنانين العارضين بيد بينما اليد الثانية تقوم بتهيئة المعرض لكي يقوم المسؤول السياسي ( وزير الثقافة غالبا) بإفتتاح المعرض .و رغم أن مسعى تسيس المعارض من طرف المجلس القومي للآداب و الفنون لم يكن خافيا على التشكيليين العارضين في ذلك الوقت، إلا أننا حقيقة لم نشهد بين العارضين أغلبية ساحقة ضد حضور رموز النظام في إفتتاح معارضهم.و رغم أن بعض العارضين ( من المعارضين) كانوا يتدبرون الأمر بالتفاوض الودي مع المسؤولين في شعبة الفنون في المجلس حتى يتيسر لهم تجنب الثقل السياسي الرسمي لحضور المسؤولين السياسيين في الإفتتاح، فيمكن القول بأن بعض العارضين كان يرى في حضور الوزير نوعا من التقدير و الدعم الرمزي الرسمي. كل هذا الواقع لا يلغي المواقف البالغة التركيب من نوع ما جرىضمن معرض محمد حامد شدادالمعروف بـ " معرض الثلج " و الذي نظمه المجلس في صالة أبوجنزير و افتتحه وزير الثقافة ( إسمعيل الحاج موسى في يونيو 1976). و وجه التركيب في معرض محمد حامد شداد يتجلى أولا في كون القائمين على شعبة الفنون بالمجلس قبلوا " بشجاعة" مشروع شداد و تعاملوا معه بجدية كفنان تشكيلي. فالمشروع يقوم على عرض عدد من ألواح الثلج كما هي و تركها تذوب أمام الجمهور طيلة اليوم و تجديد العملية كل يوم حتى إنقضاء أجل المعرض. و تبرير دعم الشعبة مثل هذا المشروع و الدفاع عنه أمام الجمهور يقتضي قدرا من الشجاعة لتسويغ " معرض الثلج" كمعرض تشكيلي يستحق الدعم. و قد عرض محمد شداد حوالي عشرة كتل ثلجية بالإضافة لقطع" فنية" ثلجية أخرى أصغر، قوامها مكعبات الثلج التي تتكون في قوالب الثلج داخل الثلاجات العادية. و إلى جانب الثلج عرض محمد شداد عدة أكياس من البلاستيك الشفاف عبأها بالماء.و لا شك أن الطابع الإستفزازي الذي ظل يلازم نشاط محمد شداد النظري و العملي ساهم في تنبيه مسؤولي شعبة الفنون بالمجلس لمخاطر الإستهانة بمشروع مثل مشروع "معرض الثلج"، سيّما و محمد شداد في تلك الفترة كان قد ثبّت إسمه في المناقشة العامة كفنان فصيح يتزعّم " مدرسة" فنية جديدة هي " الكريستالية".و إذا صرفنا النظر عن دوافع مسؤولي شعبة الفنون فيلزمنا التأني عند موقف محمد شداد.فمحمد شداد،على خلاف سواد التشكيليين،" َودْ عِـزّتين و شبعان لكاعة"، و لم يكن بحاجة لأي دعم مادي من أي جهة حتى يتمكن من إقامة معرضه في أي مكان في الخرطوم.فما الذي حفزه للجوء لمؤسسة حكومية مثل المجلس القومي ؟ وما الذي يدفعه للقبول بالطقوسية السياسية للإفتتاح و ما يصاحبها من هللولة البروباغاندا المايوية الغليظة؟ و هو" الكريستالي" الذي بذل جهدا مشهودا في أن ينحت لنفسه صورة الفنان المتمرد " الرافض" للمؤسسات و الخارج على الأعراف و المواثيق القديمة و الحديثة..؟ ما الذي يجعل محمد شداد الكريستالي الذي ظل لسنوات يبشر بـ "تحرير الغرائز" و" توفير الجهد" و إعلاء شأن" الرؤيا" على "الحرفية "إلخ..ما الذي يجعله يرافق السيد الوزير، الذي شرفه بالإفتتاح، ليشرح له خفايا مشروعه الوجودي الجمالي و السياسي ، و هو عارف أن " هذا الوزير" بالذات أبعد ما يكون عن هموم الوجود الجمالي؟؟
الأجابة الوحيدة الممكنة لمثل هذه الأسئلة هي أن محمد شداد كان محتاجا للوزن الرمزي للمؤسسة الرسمية و طقوسيتها السياسية حتى يتمكن من استكمال مكيدته المشهدية التي تتذرّع بالشكل التقليدي للمعرض ـ لا لتوصيل نتاج خلقه التشكيلي ( و شداد تشكيلي متوسط المهارة ) ـ و إنما لعرض ذاته الفنانة المعارضة الخارجة المتمردة على هذا المسند الفريد، مسند المؤسسة الرسمية بموظفيها و وزيرها و جمهورها. و ضمن هذا المشهد الوجودي فمعرض الثلج مكيدة فنية ناجعة سياسيا بقدر ما ترتفع اصوات الإحتجاج على " هذا العبث" و تستثار" حفائظ التشكيليين " بفعل " هذه الألاعيب" كما جرت عبارة الكاتب عثمان علي الفكي:
"بحق أي شيطان تشكـّل هذه الألاعيب؟" في تعليقه على معرض الفنانة الكريستالية نائلة الطيب.(الأيام 14/9/1976).
هذه التعريجة على إستخدام المعرض عند الكريستاليين " لا تكتل غزال" و لا بد من التأني على مفهوم المعرض في تجربة الكريستاليين في مفاكرة أوسع من براح " صالة الدلاقين" الباسلة.

سأعود
ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä
مشاركات: 101
اشترك في: الاثنين ديسمبر 26, 2005 9:15 am
اتصال:

مشاركة بواسطة ãÃãæä ÃÍãÏ ãÍíí ÇáÏíä »

المزيد من رسوم جحا:
من ارشيف اسرة الفنانة سليمى عثمان بابكر
امدرمان

صورة

الاستاذ عبد الله ميرغني
عضو مؤتمر الخريجين والناشط السياسي وقتها



صورة

الاستاذ عبد الله ميرغني وابنه د. جلال
أضف رد جديد