وثائـــــــــــــق .. مُهـــــمـَـــــــلة .. !!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مدرسة الصناعية عطبرة (هيئة شؤون العمال)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



يبدو أن عمال السكة حديد من خريجى المدارس الصناعية - بالذات مدرسة الصنائع عطبرة – و هم فى سبيل إنشاء تنظيم يحمى مصالحهم، من دون سابق تخطيط و بمجهودهم الذاتى، يكون صلة الوصل بينهم و السلطات الإستعمارية و الذى أصبح فيما بعد (نقابة عمال السكة الحديد )، قد حاروا فى البدء من أين ينطلقون و ماذا يسمون كيانهم هذا، لا سيّما و أنهم أدركوا أن تسمية (نقابة) لن يحصلوا على موافقة من السلطات الإستعمارية عليها، فتحايلوا على ذلك بإسم (لجنة)، أصبحت "لجنة تمهيدية" لما توافقوا على أن يكون إسماً مبرءاً من الأغراض السياسية لكيانهم الجديد و هو: (هيئة شؤون العمال
) و ذلك بدءاً من العام 1938. كانت هذه "اللجنة التمهيدية" هى: (لجنة دار جمعية خريجى المدارس الصناعية) المكوّنة من عشرة أعضاء، و التى تولّت مسؤولية إنشاء (هيئة شؤون العمال) و التى بدورها تطوّرت إلى (نقابة عمال السكة الحديد) حيث بعدها إنتظم على شاكلتها جميع الهيئات المهنية فى السودان ليتشكل لاحقاً (الإتحاد العام لنقابات السودان).

{ فيما يلى خمس صور لدفعة من طلاب مدرسة عطبرة الصناعية مكونة من 11 طالب، تقدّم لنا تصوّر عن حياتهم فى المدرسة، حيث من هذه الدفعة بالتحديد خرج بعض قادة الحركة العمالية من الذين قدحوا شرارة العمل النقابى فى السودان.}

صورة (1): طلبة مدرسة عطبرة الصناعية فى زىّ الكشّافة

صورة

صورة (2): و هم فى ملعب "الجمباز"

صورة

صورة (3): و هم فى زىّ العمل التطبيقى بالورش

صورة

صورة (4): و هم فى زىّ الرياضة

صورة

صورة (5): و هم فى زىّ الرّاحة

صورة

يتبــــع ..

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الأربعاء مارس 03, 2010 9:42 pm، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


و يؤرخ المناضل و القائد العمالى (الطيب حسن الطيب)، فى كتابه (مذكرات عن الحركة العمالية – من الدورة الأولى لهيئة شؤون العمال بعطبرة 1946-1947-1948 ) لبداية هذا المجهود بإقتراح قُدِّم فى أحد حلقات النقاش العمالية من جانب السادة: محمد محمد على الكنزى و محى الدين زمراوى و الفاضل آدم جبال. و لابد أن هناك تحركات و أنشطة عمالية سبقت قرار إنشاء دار ثم كيان للعمال قبل عام 1938 كانت سبباً فى التمهيد لكل ذلك، إلاّ أن كتاب (الطيب حسن الطيب) لا يكشف الكثير عن ما قبل العام 1938. و الكتاب يُعتبر من الكتب النادرة ـ و قد تكون الوحيدة ـ التى وثّقت لتلك الفترة من تاريخ السودان بقلم أحد القادة العماليين من ذاك الرّعيل الأول. و سنحاول فيما يلى تدعيم هذا الكتاب ببعض الوثائق – و هى عبارة عن مسودّات قوائم توقيعات و إشتراكات عمّال و خطابات و محاضر إجتماعات و بعض الصور - التى أعتقد أن لها علاقة مباشرة بالوقائع التاريخية المذكورة فى هذا الكتاب. قد أُصيب فى الرّبط بين تلك الأحداث التاريخية و الوثائق .. و قد أخطىء، نظراً لأن هذه الوثائق بعضها بدون تاريخ أو بتاريخ اليوم و الشهر فقط، مما يصعّب من عملية الرّبط بين الحدث و الوثيقة، و لكنى مع ذلك و حيث وقعت على مسودّة لمحضر ملغى مكتوب بقلم الرّصاص إتّضح لى أنه هو نفس محضر آخر مكتوب بقلم الحبر، تم فى الأول كتابة التاريخ كاملاً بينما فى الثانى كُتبَ اليوم و الشهر فقط، وجدت أنه لابد و أن هناك علاقة ما بين هذه الوثائق و أحداث هذا الكتاب:

غلاف كتاب: (مذكرات عن الحركة العمالية – من الدورة الأولى لهيئة شؤون العمال بعطبرة 1946-1947-1948 ) صادر عن (دار جامعة الخرطوم للنشر، 1989)

صورة

الأهداء

إلى الذين حُوربوا فى أرزاقهم
و إلى الذين شرّدوا و عُذبوا فى الأرض
و إلى الذين ضحّوا بأنفسهم و مالهم من أجل تثبيت
دعائم الحركة العمالية فى السودان.


أهدى هذا الكتاب
...................

يتبـــــــع ..

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الثلاثاء يونيو 23, 2009 7:24 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

الأخ ياسر
هذا جهد بحثي كبير وقد فتح عديد الكوات إلى أقبية المهمل والمنسي في تاريخ السودان الذي تمت كتابته بعموميات تبسيطية، وبانصياع كامل لما تريد السلطة المركزية تثبيته، وما تريد محوه! لم يُكتب تاريخ السودان ولم يُدَرَّس بغرض إذكاء الروح البحثي النقدي التحليلي، وإنما بغرض تلقين صيغ هتافية لتمجيد ما تم رسم صورته ليخدم أغراض أهل الثروة والسلطة.
ما تضمنته المناهج المدرسية والرسائل الإعلامية التي لا تنفك تنهمر علينا إنما قُصد به وضع سقف لما هو مُفَكَّرٌ فيه! ولابد من قلب الطاولة على دهاقنة هذه السلالة المنقرضة من المزيفين لتاريخنا ولوعينا بالتفكير في اللامُفَكَّر فيه، والبحث في ما لا يُحَبَّذ البحث والتنقيب فيه. يفتح بحثك في هذه الوجهات التي طرقتها، أبوابا سوف تهب منها رياح كثيرة. وأرجو أن تكون كتابتك هنا مجرد تخطيط أولي بنية وضع القضية في دائرة الضوء، وإشراك الآخرين للإستئناس بآرائهم. لابد لهذا النوع من إعادة القراءة من إطار مفاهيمي conceptual Framework يجمع التفاصيل ويضعها في الوجهة التي تخدم قضية البحث المركزية التي انطلق منها البحث. وأرى أن القضية المركزية هنا هي فضح زيف كتابة التاريخ التي اعتمدت تفعيل الهامشي، وطمر المركزي وتهميشه. فالوثائق المنسية إنما تم نسيانها بعمد أو بجهل بقيمتها. وفي حالة العمد يكون نسيانها قد تم لكي لا تشوش على القراءة التي يُراد لها أن تُعتمد، وتسود! مرة أخرى شكرا لك على هذا التنقيب الحاذق
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

عزيزى النور حمد

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


الأستاذ العزيز .. النور حمد

سعيد أن ينال ما أعرضه هنا إستحسانك .. لقد كانت مهمتى ستكون أيسر و ذات فائدة أكبر فيما لو كان الوالد بجانبى ليلقى الضو على ما أعتم علىّ فى فك طَلْسَمَه من هذه الوثائق، إذ كان مؤمّلاً و مُخططاً له من جانبه أن أقوم بمساعدته فى كتابة مذكراته عن تلك المرحلة بعد إحالته للمعاش .. و لكن يبدو أننى تعطّلت كثيراً و لم ينتظر هو طويلاً .. فقد خرجت من السودان سنة 1980 – السنة التى بعد مُغادرتى أٌحيل فيها للمعاش - .. و رحل هو عن هذه الفانية فى 1984، تاركاً خلفه هذه المكتبة المتواضعة و كمية من الأوراق و الصور يحتاج فرزها و تصنيفها و إدراك كنهِها، فى غيابه، وقتاً و جهداً كبيرين .. بينما مجموع الوقت الذى قضيته فى السودان منذ 1980 و إلى الآن لا يصل الخمس سنوات .. أطولها الفترة الأخيرة و هى حوالى الثلاث سنوات مُجتمعة .. لقد كان آخر لقاء لى بالوالد فى مطار الخرطوم عند تاريخ مغادرتى السودان فى أكتوبر 1980.

.. أذكر أنه كلما رأيت الوالد فى المرّات القليلة التى كان يفتح فيها "فترينة" كتبه ليعيش لحظات بين ذكرياته .. كنت أتطفّل عليه بالأسئلة عن محتوياتها و أطلب بعض ما يستهوينى فيها .. و كان ردّه و هو يسترجع منى ما إعتقدت أنه قد غفِل عنه و هو غارق فى ذكرياته: (بعدين لمّن تكبر و تخلّص دراستك كل المكتبة حتكون حقّتك). و لكن مع تقدّمى فى المراحل التعليمية إلى مرحلة الثانوى العام، تعلّقت بأحد الكتب الذى كان يستهوينى غلافه الظاهر من خلف زجاج "الفترينة"، و قد لاحظ هو ذلك كلمّا كنت أتطفّل عليه .. فأعارنى إيّاه فى مناسبةٍ ما .. و قد كان: (كتاب الهلال) بعنوان (إعترافات شبابى – ليو تولستوى)، و على غلافه "بورتريه" لـه:

صورة

غلاف (كتاب الهلالإعترافات شبابىليو تولستوى)، صادر فى أغسطس 1959، العدد 101.

لقد كان أثر هذا الكتاب على تكوينى النفسى عظيماً إلى حد قيامى وقتها بتقليد رسم "بورتريه تولستوى" و قد كان ذلك سبباً كافياً بالنسبة للوالد ليمنحنى حق ملكية الكتاب الدائمة:

صورة

"بورتريه تولستوى" بألوان مائية، بداية مرحلة الثانوى العام.

.. و رغم أنه كثيراً ما كنت تشاهد الوالد يتحدث بإنفعال و حماس مع المعارف و الأصدقاء و الأقارب فى المواضيع السياسية المختلفة و هو يسترجع ذكرياته عن تلك المرحلة التاريخية .. إلاّ أنه كان حريصاً على إبعادنا نحن أبناءه عن تاريخه ذاك و عن السياسة بصورة عامة .. بمستوى كانت فيه الصفحة الأولى فى الصحف من الأمور شبه المحرّمة فى المنزل .. فقد شاهدته، حين لاحظ شقيقى الأكبر و هو يداوم فى مرحلة الثانوى العالى على قراءة الصفحة الأولى، يمنعه عن ذلك و يُشير عليه بقراءة ما هو مفيد ! .. و أذكر أنه فى أواسط السبعينات داوم على زيارته فى المنزل طالِبَىّ "ماجستير" بشعبة التاريخ جامعة الخرطوم .. و كانا يجلسان معه الساعات الطوال عدّة مرات إسبوعياً بصحبة آلة تسجيل يسألانه و يدوّنان ما يحكيه لهما .. و كان الوالد وقتها حفيّاً بهذا الإهتمام من طالبىّ شعبة التاريخ.

و ما يؤكد حرص الوالد على إبعادنا عن تاريخه النقابى و السياسى و عن السياسة فى عمومها .. أنه حين قلت له بأن صديقى قال لى فى المدرسة اليوم بأنه سمع إسمك يتردد فى سهرة التلفزيون بالأمس .. إستطاع أن يتجاوز تطفّلى هذا بالقول: أنه أمر قديم يتعلّق بالسكة حديد ليس ذو بال، .. و فى مرّة و أنا أُحضِرُ الشاى و القهوة لضيفيه طالبى شعبة التاريخ فى جلستهم تلك .. صادف أن كان الوالد مُنهمكاً فى سرد تفاصيل حدث كان يدور حول تأخر رواتب العمال و تجمّعهم أمام مكتب "الخواجة"، و أنه بإعتباره ممثّلاً لهم دخل المكتب، و فى مرحلةٍ ما من المفاوضات تملّكه الغضب بصورةٍ لم يعد يرى فيها أمامه .. الأمر الذى حدى به الإمساك بطاولة المكتب و همّ أن يقلبها على رأس "الخواجة"، .. و فى وسط إنفعاله ذاك و هو يصف بشكل مسرحي تفاصيل الحدث، و فى تلك اللحظة تحديداً إنتبه لتلكئى و تلصّصى و أنا أضع آنية الشاى و القهوة و "البسكويت" .. فأمسك ريثما أنتهى من وضع الآنية و حتى أشعر بأن مكوثى قد تطاول و أصبح مزعجاً .. لا سيّما و أنه كان قد نبّهنا آنذاك بأن لا نتطفل عليه و ضيوفه.

الآن حين أفكر فى سبب حرص الوالد – كأحد مؤسسى العمل النقابى فى السودان - على إبعاد أبناءه عن السياسة لا أجد إجابة مقنعة سوى أن تجربته فى هذا الخصوص لابد أنها لم تكن ممّا يُحبّذ نقله لأبنائه كمربّى .. و من واقع ما أعرفه عن تكوين شخصيتى و عن شقيق الوالد الأصغر – و إن كانت كل نفسٍ إلى حد كبير متفرّدة فى تكوينها – أن يصدر عن الوالد تصرّف عنيف و هو فى معرض المطالبة بالحق كان أمر طبيعياً و وارد جدّاً، .. و من منطلق هذه المعرفة مضافاً إليها تجربة "مراهقة سياسية" فى المرحلة الجامعية، أستطيع أن أفهم لماذا حرص الوالد على عدم نقله لتجربته فى هذا الخصوص لأبنائه و موقفه من السياسة عموماً، .. فالوالد لابد أنه كان وقتها مندفعاً بعواطف صادقة و نكران ذات و تجرّد .. ثم إصطدم لاحقاً بما لم ينتبه له فى المبتدأ بأن هذا المجال الذى ألقت به فيه الأقدار .. مجال عامر بالإلتواءات و كل شرور النفس البشرية .. و يبدو أنه لا يناسبه من الناس إلاّ من يستطيع أن يمارس هذه الشرور و يتمتّع بحصانة ضد ممارستها عليه .. و يمتلك فى نفس الوقت أن يدوس على مشاعره فى أصعب و أسوأ المواقف، .. و لابد أن الوالد أدرك فيما بعد أن ذلك إستدعى منه أن يخسر خلق كثير و يختصم مع أصدقاء و يكسب عداوات لاحصر لها .. و لم يكن هو ـ حسب معرفتى تلك ـ ذاك النوع من الناس ..

.. و فى فترة لاحقة .. عندما أصبح تطفّلى على مكتبته مزعجاً .. و أصبح دائماً ما يلُحُّ عليه سؤال: لماذا لا يسمح لى بالإطلاع على محتويات المكتبة ؟! .. قال لى: أنه كما قد أكون قد لاحظت أنا، هو حريص أشد الحرص على عدم تحريك محتويات المكتبة إلاّ عند الضرورة لدواعى الإطمئنان على سلامتها من التلف و صيانة و تحسين حفظها، فجُل المحتويات قابل للتلف إذا أُكثر من تحريكه و تداوله. فإن كنت ترغب فى الإطلاع على هذه المحتويات عليك تحقيق النجاح الأكاديمى حيث أنوى كتابة مذكراتى بعد نزولى المعاش، عندها ستجلس بجانبى لمساعدتى فى فض محتويات المكتبة و إنجاز تلك المهمة .. و وقتها أستطيع الإطلاع علي المحتويات بحرية. و رغم أننى أصغر أبناءه سنّـاً.. إلاّ يبدو أنه قد وطّن نفسه على إتخاذى ساعده الأيمن فى إنجاز تلك المهمة .. قد يكون ذلك لما لمسه من شغف و فضول و رغبة مُبكّرة فى التعرّف على محتويات مكتبته، .. و لكنى كما سبق أن ذكرت، تعطّلت كثيراً و لم يستطع هو أن ينتظر طويلاً، .. فقد رحل إثر نوبة سكّر تطوّرت إلى (Hart Attack) و لم يكن هناك أحد بجانبه ليمد له يد المساعدة .. و أجد نفسى أمام ما تركه وراءه مَدينٌ بالوفاء له بإلتزامٍ تعطّلت كثيراً على الإيفاء به. و رغم إمكانياتى الفقيرة فى هذا المجال .. ستكون روحه و ما أذكره أو يُهيّأ لى أننى قد سمعته أو فهمته منه .. سراجى الذى أنير به عتمة ما خلّفه من وثائق و أوراق.

.. بعد وفاة الوالد و فى غيابى، تم تحريك محتويات مكتبته إلى حقائب .. لا أستطيع أن أجزم حجم التالف و المفقود من الصحف بالذات، و أُلقى بـ"الفترينة" العتيقة فى غرفة "مخزن" بمنزل آخر. عند عودتى النهائية إلى السودان بعد أكثر من 25 عام .. أخرجت المحتويات من تلك الحقائب، و أعدت "الفترينة" من منفاها البعيد .. مسحت عنها الغبار و أصلحت بعض زجاجها المحطّم .. ثم طليتها بـ"الورنيش" أو "الجملكّة" كما كان يفعل "الوالد" دائماً بحُبْ، أعدت لها محتوياتها و فى ذهنى ما قاله عن حرصه على عدم تحريكها كثيراً لئلاّ يؤدى ذلك لتلفها .. و أضفت لها مجموعة كُتبى الخاصة ..

صورة

.. و إذ أتفق معك بأن الروح التى كُتب بها تاريخ السودان روح تلقينيّة بغرض تغبيش الوعى و الحِجر على التفكير الحر لتثبيت الوضع الذى يخدم أصحاب الثروة و السلطة .. و أنه لابد من قلب الطاولة على دهاقنة المزيّفين لتاريخنا ولوعينا بالمثابرة على التفكير النقدى الحر و الإستمرار فى البحث و التنقيب .. ها أنا لأول مرّة فى غيابه أنبش ما تستطيع تلك المحتويات أن تخبرنا به محاولاً الوفاء بمهمة لم أستطع أن أفى بها فى حياته .. آملاً أن تنجح كتابتى هنا فى خلق إطار مفاهيمي يجمع التفاصيل ويضعها في الوجهة التي تخدم قضية فضح زيف كتابة التاريخ التي إعتمدت تفعيل الهامشي، وطمر المركزي وتهميشه. و أتمنى أن يؤدى كل ذلك لإثارة الحوار بين المهتمين و الإستئناس بآرائهم .. إذ لا أعتقد أن مساهمتى هنا ستتعدّى عرض الوثائق و التعليق عليها بهذا المستوى غير المُحترف .. (1)

و أقبل وافر إعزازى و تقديرى ..

ـــــــــــــ
(1) غير أنى أخشى أن هذا "البوست"، بالذات فى مرحلته حول (هيئة شؤون العمال)، قد يبدو أحياناً توثيق يدور حول شخص "الوالد" أكثر منه لـ"تاريخ السودان" .. ذلك أننى و أنا أنبش فى أوراقه و أقرأ خط يده .. تطوف بمخيلتى ذكرياتى معه و حديثه مع الناس بحيث تسكننى روحه بمستوى يجعلنى (Totally Obssessed) – لا أدرى السبب على وجه التحديد، و لكن ربما يكون لأننى قد "تعطّلت كثيراً" فى عدم وفائى فى حياته بهذه المهمّة - ممّا يجعلنى كثيراً ما أعتقد أن قراءة هذه الوثائق كتاريخ للسودان إنما هى قراءة لتاريخه هو .. بحيث يبدو عملى فى هذا "البوست" كما لو كان عملية (Healing) لصلاتى بالوالد و ترميم لعلاقتى به كصديق و الذى فقدته قبل أن أسمح له بالبوح بمكنون ذكرياته.
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الأربعاء مارس 03, 2010 6:29 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


قبل مواصلة إستعراض الكتاب مدعوماً بالوثائق .. من الملائم أن نتعرّف على نماذج من الكرّاسات الدراسية لطلاب مدرسة عطبرة الصناعية، تسمح لنا بتصوّر مستوى تأهيلهم الأكاديمى و نوع المواد الدراسية التى كانوا يتلقّونها آنذاك و أدائهم فيها، و لكن سنسبق ذلك بعرض نموذج يعكس لنا مَلمَح عن الخلفية الأكاديمية التى أتى منها بعض طلبة المدارس الصناعية و جانب من مستواهم الأكاديمى قبل الإلتحاق بهذه المدارس:

غلاف كراس مادة اللغة العربية لتلميذ بمدرسة كُتّاب عبرى بتاريخ 30/1/1935م الموافق 1355هـ

صورة

و بداخله كُتب (باب الإعراب)

صورة

و كذلك (باب معرفة العلامات)

صورة

.. و لكن المدهش أن يُنظم تلميذ الكُتّاب هذا شعراً:

صورة

يُثنى فيه على المعلمين و "مُدير" مدرسته ..، إذ يقول ( و قد كتبت الكلمات التى أشك فى صحتها باللون الأزرق، بينما تركت بين قوسين نقاط باللون الأزرق للكلمات التى لم أستطع معرفتها، لذا أرجو من المتابعين إذا تعرّفوا على هذه الكلمات أن يساهموا فى تصحيحها):

أهـلاً بكم يا قـصـدنـا و غـاية المنا بـقـدومـكـم حــقـقـتموا الــمنا
****
يــا سـادتـى طـابـت بـكـم أيـامـنا نـَيـرتـموا بعــلومـكم لـظـلامـنا
بكم العــلا و بـكـم تـزول هـمومــنا حـقـقتموا يـا سـادتـى أحــلامنا
****
يـا سـادتـى بكم يــنمو مـجـدنـا عـلمتمونا كـيف ننمى (......)
و بــذلــتمــوا أرواحــكم نـحو سعدنا و وهـبـتـموا العمر العزيز بـلادنـا

يـا سـادتـى خـلدتـمـو بـقـلـوبـنـا ذكــراً لكــم كل ساعة تعـلو بـنا
نــدعــوا لكــم كل لــيلـة مـن ربــنــا (.....) يبقيكم نعم الدواء لخطينا

يـا سـادتـى هـديـتمـوا لنفـوسـنـا أقوالكم للمكـرمات تحـسـنا
فى الصدق و الإخلاص دوماً درسنا كل منكم نعم المربى المـحــسنا

يـا مَنْ مـلكـتم بالـمـكارم عــقـلـنا و إمتزتموا فى قلوبنا عن أهلــنا
فخراً بـكم يـا مَـنْ رفـعتـم جـهـلنا تـفـخر بكم (.....) لنا و كهـولنا

فالـتحـيا بـاق يا سـعادة مـديــرنـا بـالعـلم بين الناس ترفع ذكــرنا
لـكــم جـزيــل الـشــكــر يـا رواتـنـا فالشكر للمعروف قانون شعارنا


.. بمثل هذا المستوى و الطموح و الرّغبة فى التحصيل جاء بعض تلاميذ "الكتاتيب" من أقاصى السودان للإلتحاق بمدرسة الصنائع عطبرة ..

يتبـــــع
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الثلاثاء مارس 02, 2010 12:13 am، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

كُرّاسات مدرسة الصنائع عطبرة

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


و هنا نموذجين لكرّاسات دراسية أحدهما لنفس الطالب أعلاه فى مادة (اللغة العربية) حين كان فى (الفصل الثانى) بـ(مدرسة عطبرة الصناعية)، بتاريخ 23/1/1936م الموافق ذو القعدة 1356 هـ ، أما الثانى فهو للطالب (الشيخ إدريس محمد خالد) كُتِبَ عليه: (محاضرات صيانة الديزل) بتاريخ 1/9/1964م. ممّا يعنى أن الأخير لم يكن زميلاً للطالب الأول فى (مدرسة الصناعية عطبرة)، بل يرجّح أن كرّاسته لا تخص طلبة هذه المدرسة بقدر ما هى أقرب للمحاضرات التى كان يُلقيها خريجو المدارس الصناعية على بقية العمال من غير الخريجين لتأهيلهم مهنياً من خلال الدروس التى كانت تُلقى على العمال فى أندية (هيئة عمّال السكة حديد) أو أندية (الخريجين) .. لا سيّما و أن فى الغلاف الأخير كُتِبَ أسفله بقلم الرّصاص ما يكشف عن هوية صاحب الكرّاس:

منزل محمد الإمام الجبارة
شيخ إدريس محمد خالد الجبارة
برّاد ديزل و رشة ود مدنى
14/12/1964

.. بجانب أن "الوالد" كان يعمل على الأرجّح عام 1964 فى (مدنى).

غلاف كرّاس اللغة العربية لطالب السنة الثانية بـ(مدرسة الصناعية عطبرة):

و داخله نجد هذه المادة التى يبدو أنها كانت إملائية، بما أنها مصحّحَة بقلم المعلّم الأحمر:

صورة
صورة

و لكن الملاحظ، من هذين النموذجين لمادة اللغة العربية أن ما خضع له ذاك الجيل من سياسة تعريب كان أشدّ وطأة من ما خضعت له الأجيال اللاحقة، فقد كانت بدايات مرحلة التأسيس لسياسة التعريب المنظّم، حيث دفعت تلك السياسة، بضغطها البادى لنا من نماذج هذه الكرّاسات، آباؤنا حين إمتلكت عقولهم إلى الحرص على تخليصنا من ألسنتنا الأُم المنتمية إلى الثقافات السودانية غير الناطقة بالعربية، واضح أن أذهانهم حينها كانت صافية و متّقدة .. تستطيع أن تحفظ عن ظهر قلب غيباً بمجرّد قراءة أوليّة يتيمة .. و قد تمّ حشوها بترسانة من اللغة العربية و تمجيد العربى و ثقافته حتى تكبّدوا عناء الشعر فى تلك الفترة الباكرة (1) .. فظنوا أن الخلاص يكمن فى تمثل تلك الثقافة، .. بئس الظنون .. فها هى ترتد نتائجها من معمل إختبارها - أى أبنائهم - و هم بسبيل الإفتكاك من مصيدتها ..

كراس (محاضرات صيانة الديزل) للطالب (الشيخ إدريس محمد خالد الجبارة):

صورة

و داخله نجد المادة التالية، .. لاحظ النظريات العلمية و تعقيدات الرّسوم و الحرص على إتقان تفاصيلها:

صورة
صورة
صورة
صورة
صورة
صورة
صورة
صورة

غلاف الكراس الأخير و المكتوب أسفله بقلم الرصاص ما يكشف عن هوية صاحبه:

صورة

يتبـــع ..

ـــــــــــ

(1)- لاحظ أن سياسة التعريب فى تلك الأصقاع كانت تمارس و حتى السبعينات كالتالى: من يغفل من تلاميذ المدرسة و يتحدّث بلسانه الأُم – أى اللغة النوبية – يضع من يسمَعَهُ، فى غفلة منه أيضاً، و رقة فى جيبه .. ثم يُبلّغ عن "فِعلته المُشينة" للمعلم .. فيؤمر فى الحال بطابور مفاجىء لكل تلاميذ المدرسة، يُفتّش على إثرهِ جيوب الجميع، و من يجدوا فى جيبه تلك الورقة .. يكون مصيره التوبيخ القاسى أمام التلاميذ ثم الجلد المبرّح !! .. لقد قرأنا قصة (جين أير) و تألّمنا لمعاناتها المحزنة من تلك العقوبات المدرسية، .. ماذا يا ترى كان يمكن أن يُكتب روائياً عن من عانوا من سياسة التعريب بشكلها البشع ذاك !؟؟
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الجمعة أغسطس 10, 2012 12:36 am، تم التعديل 9 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

تأهيل العمال فى الإسعافات الأولية

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


إن تأهيل طلاب(المدرسة الصناعية عطبرة) لم يقتصر على التعليم الأكاديمى فى الفصول و التطبيقى فى الورش فقط . بل شمل الحصول على شهادات فى كورسات ذات صلة بمجال عملهم، مثل كورس الإسعافات الأولية:


صورة صورة

برنامج محاضرات دروس الإسعافات الأولية لسنة 1946-1947، و التى كانت تستغرق ساعتين لكل درس، صادر عن مكتب المدير العام للسكة حديد فى 7/12/1946 .

===***===
و لكن لم يكن يقتصر الأمر على هذه المحاضرات فقط بل كان عليهم المرور بإمتحان فيها تحت إشراف (مؤسسة القديس جون للإسعافات – The St. John Ambulance Association ) المُسجلة فى (لندن):

صورة

شهادة نجاح فى إجتياز كورس الإسعافات الأولية

جاء فيها:

WORKS MANAGER’S OFFICE
ATBARA, JULY, 1952

[align=left]Mohamed Abidi Bardawil
F.S.E-------


FIRST AID COURSES

[align=left] I am pleased to inform you that you passed the first aid course which was held at Atbara in January 1952 and accordingly I enclose herewith the ST. JAHN AMBULANCE Association for retention by you with General Manager congratulations which I add my own

[align=left]Encle
A/DEIRANI
J. M. Fossick
A/Works Manager

===***===
مكتب مدير الورش
عطبرة، يوليو، 1952
[align=right]محمد عبيدى بردويل

..........................

كورسات الإسعافات الأولية

يسعدنى أن أخطرك بأنك قد إجتزتَ كورس الإسعافات الأولية الذى إنعقد فى يناير 1952، و عليه أبعث لك بشهادة (مؤسسة القديس جون للإسعافات) لتحتفظ بها، مُرفقة مع تهانى المدير العام متبوعة بتهنئاتى.

ج. م. فوسِك
ع/ مدير الورش

===***===
و يحصلون بناءً على إجتيازهم لهذا الإمتحان على شهادة فى (الإسعافات الأولية):

صورة

شهادة (مؤسسة القديس جون للإسعافات) حاصل عليها خريج (مدرسة عطبرة الصناعية) (محمد عبيدى بردويل) بتاريخ يناير 1952/ (عطبرة).

===***===
و لاحقاً أصبح لعمال السكة حديد مصادرهم المحلية الخاصة فى الإسعافات الأولية:

صورة صورة

الغلاف الأمامى و الخلفى لكتاب الإسعافات الأولية، إعداد ضابط الإسعافات الأولية بهيئة السكة الحديد: (عبد المنعم بلاش) صادر فى السبعينات من مطابع هيئة السكة حديد / الناشر هيئة السكة حديد السودان.
(1)

صورة

صورة فوتوغرافية لضابط الإسعافات الأولية بهيئة السكة الحديد و مُعِد الكتاب (عبد المنعم إسماعيل بلاش).

و جاء فى التعريف به:

- تلقى تعليمه الأولى بمدارس الكمبونى بعطبرة و الثانوى بمدارس الأقباط المصرية للبنين بعطبرة القسم العلمى/ تخصص أحياء – واصل تعليمه بجامعة القاهرة الفرع حتى ثانية آداب إجتماع.
- حائز على شهادات فى الإسعافات الأولية من معسكر الخوجلاب و من القاهرة و من مستشفى عطبرة و أخيراً تحصل على شهادة ضابط إسعافات أولية بدرجة إمتياز من معهد سانت جون بإنجلترا. (2)
- الهواية التمثيل – الكشافة – السباحة و كمال الأجسام.
- قام بعقد عدّة كورسات تدريبية فى الإسعافات الأولية بمختلف مدن و محطات السكة الحديد و قام بتدريب ما يقارب الـ 500 شخص من مستخدمى هيئة السكة الحديد فى الفترة من أول يناير 1973 حتى أول يناير 1975.

يتبـــــــع ..

-----------------

هامش:

1) تصفّحت من قبل كتاب الإسعافات الأولية من تأليف الموظّفان بقسم طب المجتمع بكلية الطب جامعة الإمارات العربية المتحدة: (د. جون نيلسون نورمان) و (د. محمد الصادق حاج أحمد)، و الصادر فى 1996 من القاهرة، و رغم أن مؤلفيهِ أحدهما أستاذ جراحة و طب مجتمع و الآخر إقتصادى له رسالة دكتوراه تربط بين حقل طب المجتمع و الإقتصاد فى موضوع يختص – على حسب ما أذكر - بـ(التكاليف الإقتصادية لإصابات الحوادث المرورية)، و رغم أن كتابهما يركّز أكثر على إسعافات حوادث المرور، إلاّ أننى وجدت أن كتاب ضابط الإسعافات الأولية بالسكة حديد (عبد المنعم بلاش) لا يقل أهمية و شمولاً و وضوحاً فى هذا الخصوص.

صورة

غلاف كتاب الإسعافات الأولية لحوادث المرور و الطوارىء.


2) معهد (سانت جون – القديس جون) هو نفس المعهد الذى حصل منه خريجى مدارس عطبرة الصناعية على شهادات فى الإسعافات الأولية عام 1952، كما موضّح أعلاه.
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الخميس مارس 11, 2010 5:22 pm، تم التعديل مرة واحدة.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

(جــبـيـت الصـناعـيـة)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



صورة


ترَدّدت فى تحميل هذه الصورة لحين التـثـبّت منها .. ذلك أن مدرسة كُـتـّاب (عَبرى) نسبةً لحائط الطوب فى خلفية الصورة تم إستبعادها عن إحتمال أن تكون لها، لكن حين عَـلِمت أن الوالد قبل إلتحاقه بمدرسة (الصناعية عطبرة) أمضى فترة دراسة بمدرسة (جبيت الصناعية) بشرق السودان .. أصبح الإحتمال أكبر أن تكون الصورة لهذه الأخيرة. و رغم أن بعض الطلبة يبدون في سِنْ رياض الأطفال من مظهر الجالسين القـُرفصاء على البساط فى مقدّمة الصورة، إلاّ أن هناك من هُمْ فى سِنْ الصبيان خريجى الكتاتيب كما يبدو من مظهر الجالسين فى الصف الأول يسار الصورة و بعض الواقفين فى الصفوف الخلفية.

الطريف فى هذه الصورة .. اللوحة الموضوعة فى منتصف الصف الأمامى، و المكتوب عليها:

سال مداد على صورة ناظر المدرسة فوضعنا عليها هذه الورقة.

ممّا يعنى أن هذه الصورة تمّ إستنساخها من الصورة الأصل. أى أن الصورة الأصل إندلق عليها حبر سائل شوّه صورة الناظر .. فوُضِعَ مكانها ورقة لتغطيتها، و بَعد ذلك تمّ إستنساخ عدّة صور من الأصل المُعدّل، و الصورة المعروضة هنا هى إحداها. و لكن يبدو لى أن هناك تفاصيل طريفة عن هذا الموضوع لم أعد أتذكرها.

.....
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 06, 2010 10:44 pm، تم التعديل 5 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مقدمة كتاب (الطيب حسن الطيب)

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


كتب (الطيب حسن الطيب) فى مقدمة كتابه:

مــقـدّمـة

أيها القارىء العزيز أقدم إليك بكل تواضع هذه المذكرات التاريخية و التى جمعت خيوطها من واقع العمال و سجلت وقائعها من صميم الحوادث و نسجتها بإتقان و أصالة من إنتفاضات العمال المظفرة و التى كان لوقوعها أثراً ملموساً فى تاريخ حياتنا السياسية و الإقتصادية معاً.

و إنى أيها القارىء الكريم، أشهد الله بأنى لم أسجل إلاّ الحقائق أصوغها بكل صدق و أمانة لأن المؤرخ المخلص و المدقق إذا أراد أن يسجل تاريخاً للحركة العمالية فى السودان فإنه لا يجد لها أثراً قبل سنة 1935 لأن العمال لم يكتمل و عيهم حينئذ كما لم تكن لهم أغلبية مطلقة فى دور الحكومة و لا مع المقاولين فى الأعمال الحرّة لأن الأغلبية العظمى كانت من الأجانب، من مصريين و أغاريق و أجناس أخرى، لذلك لم يكن معروفاً للكثيرين من العمال ما هى النقابات و ما هو الدور الذى تقوم به لخدمتهم، فكان السواد الأعظم بل الأغلبية الساحقة من الأميين و الجهلة و قلة من أنصاف المتعلمين يظنون أن كلمة نقابة شىء يؤكل أو إسماً لبلد، و أن الوعى بين العمال بدأ ينمو و يزدهر و يتزايد بعد ظهور خريجى المدارس الصناعية فى المصالح الأخرى و ورش السكة حديد. و فى 1938 بُدأ المسيرة (1)، تقدم معلمو مدرسة الصنائع بعطبرة و على رأسهم المرحوم عيد محمد زكى و السيد بشرى عدلان و السيد محمد عثمان عبد المجيد و السيد محمد عوض يوسف، بطلب للسلطات للسماح لهم بدار تجمع شتاتهم و تكون لهم مقراً للمحاضرات الصناعية و يتعلم فيها الذين لم تمكنهم ظروف المعيشة من تعلم الكتابة و القراءة – و كذلك يتعلم فيها الذين يرغبون فى تعلم اللغة الإنجليزية، و بعد جهد و تعب متواصل وصل تصديق هزيل يحمل بين طياته شروطاً قاسية مثبطة للهمم، و لكن العمال لحاجتهم الملحة إلى جمع شتاتهم وافقوا على كل بند من الشروط.

أما الشروط فكانت:

(1) أن يكون المستر فيذر، و هو مدير مدرسة الصنائع، رئيساً لهذه الدار ليكون حارساً أميناً على مصالح السكة الحديد و الحكومة.
(2) أن لا تُلقى أى محاضرة قبل أن يراها الرئيس و يوافق عليها.
(3) أن لا يعقد أى إجتماع إلاّ بأمر من الرئيس و على شرط أن يحضر أو يؤجل إذا كان مشغولاً.
(4) أى مشترك جديد يقدم إسمه ليصادق عليه.

.. يتبــــــع ..
ـــــــــــ

1) إن تحديد الطيب حسن الطيب لعام 1938 كبداية لنشاط عمال السكة حديد النقابى يُوافق تاريخ إنعقاد أول دورة لمؤتمر الخريجين بأم درمان أوائل عام 1938 فى ثانى أيام عيد الأضحى، و الذى كان قد أُلـّـفت هيئته العامة عام 1937 بنادى الخريجين بأم درمان كما ذُكر فى المطبوعة التالية الصادرة فى 1947:



غلاف كتاب (الحركة الوطنية فى السودان – رسائل وفد السودان، بقلم إسماعيل الأزهرى رئيس وفد السودان)، حيث ذكر هذه المعلومة تحت عنوان مؤتمر الخرجين العام. صفـ33ـحة. صادر ببيروت.

إن تحديد (الطيب حسن الطيب) بداية العمل النقابى لعمال السكة حديد بهذا التاريخ مرتبط عنده بتقديم معلمو الصنائع بعطبرة لطلب السماح لهم بدار لدى السلطات الإستعمارية - و لكنه لا يكشف بصورة وافية عن التحرّكات و الأنشطة العمالية التى لابد و أن تكون قد سبقت ذلك و مهّدت له، حتى يكون هناك مبرّر يفسّر لنا الحماس الفجائى من قبل العمّال لقبول الفكرة. ذلك أنه إذا إستبعدنا هذه التحرّكات و الأنشطة و الضغط العمالي كتفسير لحماسهم الفجائى لفكرة إنشاء تنظيم لهم، يبقى لنا أن نركن إلى قبول موافقة تاريخ إنعقاد أول دورة لمؤتمر الخريجين بأم درمان تحرك المعلمين عام 1938 عن طريق الصدفة، أو القبول بإحتمال تبرير تحركهم بتأثير أو إيعاز من مؤتمر الخريجين. و قد جاء فى كتاب (بروفيسور محمد عمر بشير - تاريخ الحركة الوطنية فى السودان 1900-1969): (و تم إنعقاد الإجتماع العام الذى دعا إليه نادى الخريجين بأم درمان فى 17 يناير 1938. و أُتفق فى الإجتماع على ألاّ تقتصر عضوية المؤتمر على أعضاء نوادى الخريجين. و فضلاً عن ذلك، وافق الإجتماع على أن يُفوض للجنة مهمة تنظيم المشروع. ). صـ152ــ .

صورة

غلاف كتاب تاريخ الحركة الوطنية فى السودان 1900-1969

و لمّا كان (الطيب حسن الطيب) يرى أن الباحث لا يجد أثر لتاريخ الحركة العمالية فى السودان قبل سنة 1935 لأن العمال لم يكتمل و عيهم حينئذ، فماذا يمكن أن يُسجّـل كتاريخ مُمهِّد لتأسيس هذه الحركة خلال ثلاثة أعوام تمتد بين 1935- 1938، حتى يصبح منطقياً و مفهوماً إلتفاف العمال بحماس فـُجائى حول فكرة تكوين تنظيم نقابى لهم بُدأ بطلب بعض مُعلّمى المدارس الصناعية لتأسيس نادى للعمال فى 1938؟
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الاثنين إبريل 06, 2015 11:30 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »

***
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 06, 2010 10:35 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

دار عمّال السكة حديد

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


يواصل (الطيب حسن الطيب):

بهذا الإرهاب و هذا الضغط و هذه الصورة الخانقة البشعة قـَبـِلَ العمال هذا التصديق أملاً منهم بأن الأيام كفيلة بتغيير هذه الأوضاع.

و فُتِحت الدار على بركة الله و كانت الأنظار متجهة نحوها و كان العمال مُقبلين عليها من كل حدب و صوب بعضهم يتعلم و بعضهم يحاضر و البعض الآخر يوجه، و هم بين هذا و ذاك يتحسّسون مواضع أقدامهم و يشكون لبعضهم البعض الظلم الذى يلحق بهم و لا يجدون لعلاجه سبيلا، و كانت مجتمعاتهم داخل الدار و خارجها تدور حول مستقبلهم و إلى أى واد هم مساقون.

أما الدار التى صُـودِق عليها فتقع فى أحد منازل السكة الحديد (و رقمه 444 بشارع بربر بعطبرة). بعد أن إكتظت هذه الدار، بالمشتركين و طالبى العلم طلبت لجنة الدار من مدير السكة الحديد أن يبنى لهم داراً أرحب، من أموال الجزاءات التى كانت تُخصم منهم و ذلك بعد أن علموا من خيرة المواطنين بأن للعمال أموالاً مكدّسة يجب أن يستفيدوا منها.

صورة

صورة لفصل دراسى عمّالى من ذاك الزمان يُرجّح أنها ما قبل تأسيس (هيئة عمّال السكة حديد)، إذ مِن شكل و هندسة مبنى الفصل الصغير يبدو أن الفـَصْـل كان فى دار العمال الأولى بالمنزل رقم 444 بشارع بربر بالسكة حديد عطبرة. و يبدو فى الصورة عدد من الطلاب بأعمار متفاوتة و فى أقصى اليمين يقف ـ أحد معلّميهم العمّاليين عضو لجنة دار العمّال و لاحقاً (هيئة عمال السكة حديد) و قد بدا عليه الحماس و التفاؤل ببزوغِ فجرِ غدٍ جديد ـ (محمّد عبيدى بردويل) وقفة: "مَنْ غيرُنا !".

تصدق بالبنيان و بنى و تم الإفتتاح فى سنة 1940 بعد ذلك بدأ تنافس العمال يتزايد حول كراسى اللجنة كل فريق يرغب فى أن تزدهر الدار فى عهده، فكان بالدار جناحان جناح يقوده حسين الأمين و يعاونه محمد عثمان عبد المجيد و جناح يقوده بشرى عدلان.

صورة

صورة قديمة لنادى العمال بعطبرة الذى أُفـْـتـُـتِحَ عام 1940، و يُلاحظ ملعب "كرة السلّة" و كان هناك أيضاً ملعب لـ"تـَنِسْ المضرب" .. فقد كان العمال يمارسون هذه الرياضة و ينظّمون لها الدورات، و التى أصبحت بعد تكوين إتحادٍ لها رياضة "بورجوازية!" تـُدفـَع لها رسومٌ عالية لا يقدر عليها سوى "أولاد الذوات!".

صورة

صورة لمضرب "تـَنِس" مِن ذاك الزمان لا زال بحالة جيّدة، و يُلاحظ صغر حجم دائرة شبكة العصب البيضاوية حيث أصبحت دائرة المضرب الآن أكبر حجماً. و كان هناك بجانبه عدد مِن الكؤوس مُذهّبة و ذات قواعد بلاستيكية سوداء بأحجام صغيرة و متوسطة، لا أدرى فى زمن الـ Disposable هذا أين صارَ مصيرها.

يتبـــــع ...

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



كنت فى "بوست" (فى اليوم الأول للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعى) ذكرت أننى عثرت فى معرض الكتب على هامش المؤتمر على كتابين أحدهم عن (الجعليين) و الآخر بعنوان (الحركة العمالية فى السودان) لـ/د. (سعد الدين فوزى)، ترجمة محمد على جادين، إصدار مركز الدراسات السودانية، سلسلة رسائل جامعية.

و (سعد الدين إسماعيل فوزى) حسب ما جاء تعريفه فى هذا الكتاب من مواليد الخرطوم عام 1922 و توفى بلندن عام 1959. تخرج فى كلية الخرطوم الجامعية العليا (كلية الآداب) ثم بعث إلى بريطانيا للتخصص فى الإقتصاد. حصل على درجة الدكتوراة من جامعة لندن فى 1955 و هذا الكتاب ترجمة لرسالته. عيّن 1956 محاضراً فى كلية الخرطوم الجامعية ثم رئيساً لشعبة الإقتصاد. و فى 1958 أنشأ كلية الإقتصاد و أصبح عميداً، كما شغل منصب نائب مدير جامعة الخرطوم. صدر له كتاب فى سلسلة قضايا الإسكان فى السودان عن ديوم الخرطوم و برى أبو حشيش تحقيق د/ فاطمة بابكر محمود. الخرطوم 1984. صدر له ديوان شعر عام 1961 بعنوان "وادى عبقر".

صورة

غلاف كتاب (الحركة العمالية فى السودان)

.. و أنا أُقلـّب فى أوراق الوالد وَقـَعْـت على هذه الوثيقة:

صورة


و التى جاء فيها:

كلية الخرطوم الجامعية
الخرطوم
27/ 12/ 1952

أخى العزيز

تحياتى إليك خالصةً نقية. و تشكراتى لك وافية عميقة. فقد ساعدتنى كثيراً فى رحلتى الحديثة إلى عطبرة، و قدمت لى معلومات ما أحسب أن باحثاً فى تاريخ الحركة العمالية بالسودان، بقادر على أن يتجاهلها أو يستغنى عنها. و أنا إذ أسمع من الكثيرين عن أمانتك فى البحث، و قوة ذاكرتك، و حيدتك فى رواية الحوادث، أشعر بأننى حسن الحظ جداً، على أن لقيتك، و إستمعت إليك، و أخذت عنك ما أخذت من حديث العمال فى عطبرة.
أشكرك، أىْ أخى، مرة أخرى. و أرجو أن تهيىء لنا الأقدار فرصة اللقاء فى القريب.

[align=left]
أخوك
سعد الدين فوزى


يتبـــع ..
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في الأربعاء يونيو 17, 2009 8:42 pm، تم التعديل مرة واحدة.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


و لعلّه من المناسب هنا إستعراض بعض الوثائق التى قد تعطينا تصوّر عن نوع الكُتب التى شكلت وعى العمّال و مستوى الأنشطة و الإنتاج الثقافى لدار العمال، و نبدأ بقائمة كتب مكتبة الدار، و هى عبارة عن ثلاثة أوراق "فـُلسكاب" ستـُعرض على التوالى، و قد كُتِبَ أعلى الورقة الأولى و الثانية(كشف الكتب الموجودة بالمكتبة، 21 / 2/ 1952 ):

صورة


ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


صــفحــة (2)

صورة

صــفحــة (3)

صورة

و يبدو من ما كُتبَ أسفل هذه الورقة الثالثة ـ{قد إستلمت جميع هذه الكتب المُبينة بهذا الكشف يوم 21/2/1952 و هذا للإعتماد – أمين المكتبة (و هناك توقيع لم أستطع أن أميزه)، سكرتير الآداب: الحاج أحمد، سكرتير الدار: (و توقيع يبدأ بـ/محمد و الإسم الثانى يبدو كـ/خضر)} ـ أن هذه القائمة ذات الأوراق الثلاثة هى عملية تسليم و تسلـّم لكتب المكتبة من سكرتارية دار العمّال السابقة لسكرتارية الدار الجديدة.

يتــــبع...
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


من قائمة كتب مكتبة دار العمّال أعلاه ـ و التى بلغت حوالى 177 كتاب نستطيع أن نتعرّف بحد أدنى على عدد 105عنوان كتاب مِن ذاك النوع الذى يقول لمن يقع أسير فحواهُ: ( أنا المركز المُتعالى و الحقيقة .. و ما دونى الهامش الغث و "العـليقة !" ) ـ يتضح لنا الحصار الثقافى العربسلامى الوافد مباشرةً من بلاد "أولاد بَمبَة" و الذى وقع ضحيته العمال فى بواكير نهضتهم الوطنية و تشكّل على أساسه وَعيهم المعرفى. و قد كان لذلك أثاره الوخيمة على طريقة تفكيرهم و على نشاطهم السياسى و الثقافى على وجه الخصوص، لا سيّما و أسلوب تنشئة أبنائهم.

يتبـــــــع ..

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


و يواصل (الطيب حسن):

و فى غمرة هذا التنافس الهادف كانت المحاضرات تُلقى و حلقات النقاش تزداد يوماً بعد يوم (1)، و فى إحدى الندوات التى كانت تقام فكر نـَـفر بتمثيل رواية عنترة بن شداد لصالح الدار فنـُقـِل الخبر إلى اللجنة فوافقت و كوّنت فرقة للتمثيل فى الحال، و وُزّعت الأدوار و حُفظت الرواية (2). و بينما العمال فى غمرة البروفات فإذا بمفاجأة كبرى حيّرت الألباب و هى حرمان العمال من تمثيل هذه الرواية فحاولوا المستحيل للسماح بها فلم يفلحوا. و أخيراً قرّر العمال أن يسافروا إلى أم درمان ليمثلوا هذه الرواية لصالح ملجأ القرش و فعلاً سافروا و مثلوا هذه الرواية و كان تمثيل الرواية سبباً لتشديد الضغط على الخريجين داخل الدار و خارجها فكانت معاملة الملاحظين الإنجليز داخل الورش تتزايد سوءاً و من جانب آخر فإن شكاوى العمال لم تجد من يحقق فيها، و طلباتهم للتصاريح مصيرها الإهمال. (3)

صورة

غلاف نسخة طبق الأصل من كتاب المسرحيّة الشعرية: (عنترة بن شدّاد – تأليف أحمد شوقى بك) فى طباعة أنيقة و مُغرية، و التى حفظ عمال السكة حديد أدوارهم فيها عن ظهر قلب و مثـّلوها على خشبة مسرح (ملجأ القرش) بأمدرمان عام 1940. (4)

ـــــ

1) سأعرض لاحقاً نماذج من تلك المحاضرات التى كانت تلقى فى الدار على طلاب العلم من العمال من قِبَل زملائهم العمّال المعلمين.

2) هى ليست رواية و إنما مسرحية شعرية، تأليف (أحمد شوقى)، إصدار شركة فن الطباعة، مصر، بدون تاريخ. أن إختيار العمال لهذه المسرحية بالتحديد كبداية لنشاطهم المسرحى قد يكشف لنا عن رمزيتها فى صراعهم السياسى ضد المستعمر .. فـ(عبلة) تمثـّل السلطة التى يسعى العمال فى ذاك الوقت لخـُطب ودّها لتحقيق تطلّعاتهم مُمثّلين فى شخص (عنترة) الشجاع، و لكن (عنترة) من ناحية أخرى – و هذا هو الأهم – كان الشخصية التى رأووا فيها أنفسهم كـ"عرب سُود!"، ممّا يُـلمّح إلى أن العمال آنذاك كانوا على دراية بهويتهم اللونيّة الملتبسة بـ"ثقافتهم العربية!" و التى يبدو أنهم قد وجدوا أن أفضل من يشخّصها، فيما بوحذتهم من أعمال أدبية، هو مسرحية (شوقى) الشعرية عن قصة (عنترة بن شدّاد). إن رؤية العمّال لأنفسهم فى شخص (عنترة) كـ"عرب سود" يؤكد لنا أنهم من فرط ثقل ما تمثـّلوهُ من ثقافة العربسلام ـ كما بدت مادة هذه الثقافة فى قائمة مكتبتهم أعلاه ـ قد أدركوا عن إستسلام، و قيل عن طيب خاطر، صورتهم و موقعهم و حظهم المقسوم لهم داخل هذه الثقافة .. و لم يدروا الإنعكاسات السلبية لخضوعهم و إستسلامهم هذا على المدى الطويل.

3) لا يأتى برفيسور محمد عمر بشير فى كتابه (تاريخ الحركة الوطنية فى السودان 1900-1969، ترجمة هنرى رياض، وليم رياض و الجنيد على عمر، المطبوعات العربية للتأليف و الترجمة، الخرطوم السودان) على ذكر هذا النشاط المسرحي العمالى المتمثّل فى مسرحية (عنترة بن شدّاد) و المؤداة على خشبة مسرح (ملجأ القرش) و مسرحيات أخرى ضمن الأنشطة الثقافية للخريجين فى أم درمان، حيث جاء فيه:
{و فضلاً عن ذلك، كان هناك إتجاه جاد نحو المسرح. و من ثم أُلفت روايات مسرحية مستمدة من البيئة السودانية مثل تاجوج و خراب سوبا ، كما تألفت فرقة للمسرح بقيادة (صادق فريد).} المصدر أعلاه صفـ140ـحة.

4) لى علاقة غريبة مع هذا الكتاب، حيث أذكر فى فترة باكرة من العُمر أن الوالد حين يكون فى مزاج مُعيّن أيام العُطل كان يتناول هذا الكتاب من "فترينة" مكتبته الصغيرة، و كثيراً ما يكون ذلك بعد إلحاحنا نحن أبناؤه عليه، فنتحلّق حوله، و يبدأ بعدها القراءة بصوته الجهورى و بصورة مسرحية متقمّصاً بالكامل أدوار شخصياتها، و بينما نحن فاغرينَ أفواهنا الصغيرة مستمتعين و متعجّبين كان يقوم بالشرح بين الفينة و الأخرى .. و إن كنت آنذاك فى عمر لا يسمح لى فهم كل ما يدور بالتحديد .. إلاّ أننى كنت مستأنساً و مسحوراً بأداء الوالد المسرحى. و عند سؤال الوالد فى فترة لاحقة عن علاقته بهذا الكتاب .. قال أنه كان أول مسرحية يقومون بتمثيلها .. و عند سؤاله عن الدور الذى أُسند إليه .. قال أن التنافس حول دور (عنترة) كان حاداً بينه و أحد زملائه و تم إختيار زميله لتفوّقه بميزة الصوت و الملامح .. فأُسْنِدَ إليه دور غريم (عنترة) (ضِـرغام).
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 20, 2010 6:54 pm، تم التعديل مرة واحدة.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

الدرس الأول

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


يواصل (الطيب حسن)

و فى ذات يوم و لأول مرة فى تاريخ السودان يتفق عمال ورشة النجارين و عمال ورشة العمرة على الخروج فى شبه مظاهرة ليحتجوا على غلاء المعيشة و سوء الحالة فى السوق بغرض أن يؤثر مشهد المتظاهرين على رؤساء المصلحة ليوصوا لهم بعلاوات أو أى شىء يخفف الضغط عليهم.

و لكنى فوجئت عندما تقهقر القوم عند رؤيتهم لباشكاتب الورش ففروا حتى لا يراهم أو يتعرف على أحد منهم و كان هذا الباشكاتب فظاً غليظ القلب.
و بعد مضى يومين تجمع العمال مرة أخرى و قابلوا مدير الورش و كان هذا اللقاء فى زمن راحتهم أى فى وقت الإفطار حتى لا يُقال أنهم تركوا العمل و أتوا لمقابلة المدير، قَبِلَ المدير كل ما قيل له و كوّن مندوبين من العمال ليحضروا إجتماعات التموين بالمركز و خلافه.

كان هذا أول تجمع للعمال أخذوا منه الدرس و العظة للمستقبل
. (1)

يتبــــــع ..

ـــــ

1) يبدو أن هذا الدرس الأول يعنى أن العمال أدركوا أن التحرك لإنتزاع مطالبهم يجب أن لا يكون مرتجلاً بحيث يتفرّقوا عند أول مواجهة لهم مع المُستعمِر، بل لابُد أن يكون منظّماً، و من ناحية أخرى يعنى أيضاً أنهم بعد نجاح لقائهم مع مدير الورش الإنجليزى أثناء فترة الإفطار أدركوا أن بعض الأمور يمكن الحصول عليها بالتفاوض الهادىء، و لابد أن هذا دعّم من موقف المعتدلين منهم، و هذا ما يكشف لنا عنه الأسلوب الذى إنتهجه العمال فى إختيار شكل الدعوة لمدير الورش فى إجتماعهم التالى كما سيأتى لاحقاً.

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 20, 2010 6:55 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

تكوين لجان الورش

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


و يواصل (الطيب حسن):

و فى سنة 1940 تحركت ورشة النجارين فى شكل تجمعات إحتجاجاً على قرار المصلحة الذى يقضى بتخفيض يوم من كل إسبوع فرفضوا هذا الإتجاه و أضربوا و لكنهم إنقسموا إلى قسمين – قسم قبل العمل و قسم خرج و هو مرفوع الرأس موفور الكرامة ليفسح المجال لغيره ليعيش عيشة حرة كريمة و ليأخذ مرتبه كاملاً غير منقوص و حتى لا تضار عائلته، فكانت هذه هى الخطوة الثانية فى الإنتفاضات العمالية، و لا يفوتنى هنا أن أذكر أن هناك جواسيس على العمال ينقلون أخبارهم و نواياهم و حتى خصوصياتهم كانت تجد "إبن الحلال" الذى يبلغها لمكتب شئون المستخدمين. (1)

كل هذا و غيره يُحاك فى الخفاء و العمال لا يهتمون و لا يقيمون له وزناً و هم مستمرون فى بحثهم و الإنشغال بواقعهم لا يكترثون لشىء غير ذلك.

و فى إحدى حلقات النقاش و التى تضم الأخوان بابكر عبد الله و صادق عثمان و محمد صالح كرار و عبد الرحمن إبراهيم و أنور إبراهيم و على طه و على عثمان و آخرون تقدم محمد محمد على الكنزى و محى الدين زمراوى و الفاضل آدم جبال بإقتراح و هو لماذا لا نكوّن لجنة لتكون لنا حلقة إتصال بمدير الورش ترعى مصالحنا و تريحنا من هذا العذاب و توفر علينا الشكاوى و توقف عنا الظلم .. و قد سبق لهم أن ناقشوا هذا الإقتراح داخل الورش و أصروا على تقديمه للجنة الدار.

وافق الجميع على هذا الإقتراح و قدم للجنة دار جمعية خريجى المدارس الصناعية فتبنـّـته.

هنا (الطيب حسن الطيب) لا يأتى على ذكر أن حشد تأييد العمال لفكرة اللجنة قد تمّ عن طريق جمع توقيعات منهم، و لكن هذه المعلومة نجدها فى كتاب (سعد الدين فوزى) الذى يصف لنا أوضاع تلك الفترة و كيفية ظهور فكرة اللجان:

ميلاد الحركة العمالية السودانية

{ تعتبر الحركة العمالية فى السودان، بالمعنى الذى أوردناه فى المقدمة، حركة فتيّة و حديثة النشأة. فعمرها، الآن، لم يتجاوز العشر سنوات، و كان ميلادها نتاجاً لتفاعل عاملين مستقلين، بالرغم من ظهورهما فى وقت واحد تقريباً فى صيف عام 1946. و ظهر أحد هذين العاملين فى شكل محاولة رسمية من قبل الحكومة لخلق علاقات وطيدة داخل إطار العمل بين العمال و الإدارة، و ذلك عن طريق تكوين ما سمىّ بـ"لجان الورش" أما العامل الثانى فقد برز من وسط العمال أنفسهم، و ظهر فى شكل تنظيم عمالى متعدّد الأغراض هو "هيئة شئون العمّال" التى كانت تمثل تنظيماً نقابياً فى جانب من جوانبها، و جمعية خيرية تعاونية فى الجانب الآخر. و من خلال التفاعل بين خطـّى التطوّر المذكورين، و من خلال حالة الصراع التى نشبت بينهما منذ البداية، تحدّدت ملامح سرعة و حرارة النمو و التطوّر اللاحق لحركة العمال المنظمة ... }

{... لقد شهد عام 1946ثلاثة أحداث هامة. الأول، كان له طابعه السياسى البارز، جاء نتيجة لبدء المفاوضات بين حكومتى المملكة المتحدة و مصر لإعادة النظر فى إتفاقية 1936، ففور إعلان الخبر، تحركت الأحزاب السودانية المختلفة (الإستقلالية و الإتحادية) و قامت محاولات ناجحة لتوحيدها حول مطالب سياسية معينة و فى جبهة موحدة لمواجهة ظروف المفاوضات. و بالفعل تكوّن وفد موحد و سافر إلى القاهرة فى مارس، حيث ودع بمظاهرات شعبية كبيرة دون أن تؤدى إلى إخلال أو خرق فى النظام العام. و لكن المفاوضات المطوّلة قادت إلى إنقسام الوفد. فإنسحب منه الإستقلاليون، الأمر الذى أدّى إلى توترات سياسية فى مدن السودان. و بعد ذلك قام كل طرف بتنظيم المظاهرات الشعبية دعماً لوجهة نظره و موقفه. و فى نهاية أكتوبر و بداية نوفمبر تصاعد الصراع الذى صاحبته بعض مظاهرات العنف ممّا أدى إلى تدخل البوليس حفاظاً على الأمن و النظام العام ../ .. أما الحدث الهام الثانى ، فقد تمثل فى قيام مزارعى مشروع الجزيرة البالغ عددهم وقتها حوالى الـ 25000 مزارعاً، بإضراب عام عن العمل فى يونيو دعماً لمطالبهم الخاصة بتوزيع مال الإحتياطى، الذى كان يبلغ حوالى 1300000 جنيهاً مصرياً، على المزارعين ...}

{... ثالث الأحداث الهامة التى شهدها عام 1946، تمثل فى عرض لجان الورش التى قامت الحكومة بتكوينها، فى جانبه الأول، و هيئة شئون العمال التى كوّنها العمال المهرة بقسم الميكانيكا بالسكة حديد، فى عطبرة، فى الجانب الآخر . و هو حدث له تأثيراته الواسعة فى وسط جماهير العمال الحضريين. و فى الفصول القادمة سنقوم بمتابعة التطوّرات، التى تفجّرت وقتها، بشكل مفصّل، و لكن من المهم أن نسجل، هنا، أن تحرك الحكومة المركزية لفرض علاقات أفضل داخل إطارات العمل كان يمثل، فى حد ذاته، أستجابة للمصالح و الرغبات، التى عبّرت عن نفسها، بشكل عام، فى المشاكل العمالية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، و بعدها، فقد كان الواقع يقول:
"من أهم تأثيرات الحرب العالمية الثانية، أن الأوضاع (الخاصة بمشاكل العمل فى البلدان المستعمَرة و التابعة) قد بدأت تتغير (مقارنة بالأوضاع بعد الحرب العالمية الأولى). فمن المسلـّم به الآن أن مشكلة العمل العامة تحتل مكانة هامة فى سياسات التطور الإجتماعى المتوسعة. و كغيرها من الجوانب الأخرى للسياسات الإجتماعية، أصبح ينظر إليها، أكثر فأكثر، من خلال علاقتها بتحسين شروط حياة المجتمع ككل، و أقل فأقل، كمجرد مصدر من مصادر الشغب و القلاقل العادية
. "}

.. نواصل الإقتباس من (سعد الدين فوزى) ..

ـــــ

1) إن شكوك العمال حول تخابر و تعاون و تساهل بعض العمال مع الإنجليز و إن لها ما يبرّرها، إلاّ أنها لم يسلم منها حتى (سليمان موسى) أول رئيس مُنتخب لهيئة عمال السكة حديد، كما تفيد بذلك إحدى الوثائق التى سنعرضها لاحقاً.
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 20, 2010 6:58 pm، تم التعديل 5 مرات في المجمل.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


تابع الإقتباس من (سعد الدين فوزى) :

{فى عام 1944 تم تعيين أول ضابط عمل فى السودان، و فى عام 1945 تجدد نشاط لجنة العمل، و فى نفس الوقت بدأ أحد الخبراء الإنجليز بإعداد مسودة قانون عمل، كما توطدت العلاقات مع الملحق العمالى بالسفارة البريطانية فى القاهرة. المهم، أن كل هذه التطورات كانت تعكس إهتماماً بقضايا العمل و العمال.

إن أحد العوامل الأخرى التى كان لها دور حاسم فى ميلاد الحركة العمالية السودانية يتمثل فى عامل إقتصادى محدّد. و هو الضغوط الإقتصادية الحادة التى كان يعيشها العمال العموميون الذين يتقاضون أقل الأجور، و فى التدهور البطىء و المتواصل فى الدخول الحقيقية الذى كان يؤثر على كل فئات العمال. و بفعل تزايد المعرفة و تصاعد نمو الوعى الإجتماعى الذى فجرته الحرب العالمية الثانية، أصبح هذا الوضع وضعاً لا يطاق.
}

يتبـــع ..
آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت يونيو 20, 2009 11:35 pm، تم التعديل مرة واحدة.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


تابع الإقتباس من (سعد الدين فوزى):

{ و نتيجة للنشاط الواسع من أجل زيادة الأجور و الحياة الأفضل، الذى قادته هيئة شئون العمال، قامت اللجنة المستقلة للتحقيق فى وضع الأجور، التى كونها السكرتير المالى و تراسها أحد قضاة المحكمة العليا، بإجراء تحقيقات واسعة فى بداية عام 1948، و قد كشفت تلك التحقيقات أن مستوى الأجور الذى كان قائماً فى السكة حديد قد ظلّ ثابتاً منذ عام 1935، و أن أقل الأجور، هى أجور العمال العموميين، التى كانت تتراوح بين حد أدنى يبلغ جنيهاً مصرياً واحداً و خمسين مليماً (1,050 مليماً) و حد أقصى يبلغ 2,40 جنيهاً. و كان الحد الأدنى المعقول للأجور الذى حددته اللجنة، هو أربعة جنيهات أو أكثر قليلاً، و الذى يعادلها تقريباً، أربعة أضعاف الحد الأدنى، و اقل قليلاً من ضعفى الحد الأقصى المعمول به وقتها. و مع زيادة الدخول الأساسية بعلاوة غلاء معيشة وصلت إلى 70 فى المائة. إلاّ أن ذلك كان أقل من إرتفاع تكاليف المعيشة. و نورد فيما يلى وصف اللجنة لحالة ذوى الأجور المنخفضة من عمال السكة حديد:
"بناء على الأرقام التى أعدتها لجنة تكاليف المعيشة، فإن مستوى سلة الغذاء المعقول، و قت الحرب، بالنسبة لعامل فى مدينة عطبرة، مع زوجته و طفلين، و الذى يبلغ مرتبه الأساسى ثلاثة جنيهات مصرية، يقدّر بـ 4,75 جنيهاً مصرياً (أربعة جنيهات و خمسة و سبعين قرشاً) فى الشهر الواحد حسب الأسعار السائدة فى 31/12/1948. و كانت هيئة شئون العمال قد حددت مبلغاً يزيد قليلاً عن الأربعة جنيهات (2,72 + 70 فى المائة) كحد أدنى للأجر الأساسى الشهرى. و كان أقل الأرقام التى أقترحت هو مبلغ 3,6 جنيهاً. و لكن، من وجهة نظر هذه اللجنة، هذا الرقم و الوقائع المستخلصة الأخرى، تقترح أجراً لا يمكن أن يوفر أكثر من مستوى الكفاف و هو مستوى من الصعب إعتباره كافياً لتوفير مستوى معقول من المعيشة. و لم يحدد أى مقابل، على الإطلاق، بالنسبة للأثاث، أدوات المطبخ، أسرّة النوم، الأحذية، أو أى شىء آخر بخلاف ما هو ضرورى لإستئجار المنزل و البقاء على قيد الحياة. و فى رأى هذه اللجنة أن ذلك لا يكفى، و يتفق جميع أعضائها على مبلغ يزيد قليلاً عن الأربعة جنيهات كحد أدنى للأجور، تستطيع السكة حديد توفيره بسهولة لأىٍ من العمال الكبار العاملين معها. و بناء على تلك الأسس، بجانب علاوة غلاء معيشة تعادل 100 فى المائة، فإن هذه اللجنة ترى، بإتفاق كافة أعضائها، أن الحد الأدنى الأساسى الخاص بكبار العمال يجب أن يكون 2,1 جنيهاً مصرياً فى الشهر الواحد.
"} (1)

يتبـــــع ...

ـــــــ

1) (الحركة العمالية فى السودان - 1946/1955، د.سعد الدين فوزى)صــفــ 25/26 ــحة.

آخر تعديل بواسطة ياسر عبيدي في السبت مارس 20, 2010 6:59 pm، تم التعديل مرة واحدة.
أضف رد جديد