قالت أمي ردا على سؤالي عن عم علي ، نسيبنا الجديد الذي سيتزوج عمتي:
والله يا ولدي التُّرَابَة التَّكْتَح دي ما عندو ،،،
كان الجو ساعتها مكدّرا ، والغبار يغطي ما بين أرضنا والسماء دون أن نعلم سببا واحدا لكل هذا الكدر . وكانت أمي تستعد لإقامة عرس عمتي التي ترمّلت قبل أربع سنوات ، حين رحل زوجها الثري عنها وتركها دون ولد أو بنت ، وكان الناس يتهمونها بالعقم ، مما جعل عم علي يتقدم لخطبتها ، لأنه كان يريد امرأة لا تنجب ، بحكم أنّ له اثني عشر ولدا من زوجتيه السابقتين ... وأمي تقوم مقام أم العروس بحكم أنها بنت خال عمتي ، ولحقيقة أنّ عمتي يتيمة ، وهي تعيش في بيتنا منذ وفاة زوجها ..
والله يا ولدي عمتك دي بت حلال ، بس ما بعرفو حظها مالو كدي ... شوف هسة نحن دايرين ننضف العيش عشان نوديهو الطاحونة وعشان نجهّز للعرس ، والكتّاحة دي ليها يومين تهب علينا ما دايرة تقيف ...
قلت لأمي أن تلك مواسم وتارات تمر بأجوائنا وتتكرر كل عام ، ومن المؤكد أنها ستنتهي الليلة أو صباح الغد ... لكني أعدت أمي لنقطة البداية ، لأتعرف على بعض الإمكانيات المادية لعم على ، حيث كان بي حزن شديد على عمتي التي ترملت من ذاك الرجل الثري ليحل محله رجل فقير مزواج مثل عم علي ...
كانت أمي حانقة على عمي بخيت – شقيق والدي - الذي أضاع كل ما ورثته أخته من زوجها الراحل ، حين تآمر مع أحد اصدقائه ، ووضع خطة أصبح بموجبها وكيلا عن عمتي في إدارة أملاك زوجها الراحل . ولم تمر سنتان على وفاة الرجل حتى أفرغ عمي بخيت خزائن الرجل من أي مليم أحمر ... وقالت أمي في أسى واضح :
والله يا ولدي هسة كان خلّوها من العرسة دي كان أخير ليها ...
استغربت كثيرا قول أمي ، وقلت لها أنّني أذكر أن عم علي كان يملك ( حوّاشة ) ، وبضعة نعاج ...
قالت :
إن شاء الله نعاجو طايرات عليهو ،،، من يوم ما شاف الدنيا ونعاجو ديل ما زادن من الخمسة ... والحويويشة ، والله ما جايبالو العيش الياكلو في حنكو ... واللِّمة العندو دي ، والله يا ولدي ما يكفّيها غير الخالق .
فكّرت كيف تعرف أمي كل هذه المعلومات ، وكيف هي مستاءة من هذه الزيجة ، وتتركها لتتم ،،، وتساءلت في داخلي ، لم لا تحاول أمي منع قيام هذه الزيجة ؟ ثم أبلغتها السؤال في تردد واضح خوفا من أنّ تكون رؤيتي للأمر في غير مصلحة عمتي ، أو أن يكون هذا الحوار محرضا لأمي لتتخذ موقفا حيال زواج عم على من عمتي ، وأنا حقيقة أرى أن في الزواج خيرا لها ...
قالت أمي أنها ترى في هذا الزواج فرصة للذرية لعمتي ، وأن اي ذرية تنتج عن هذا الزواج ستكون سعادة لها في حاضرها ، وعضدا لها في كبرها ...
إذن أمي لا تقول بعقم عمتي ، رغما عن أنّ كل القرية تقول بذلك ، وكدت أسأل أمي من اين تأتي الذرية وجميعنا نعلم أن عمتي عاقر ، وأنها تزوجت وبقيت مع زوجها الراحل عشر سنين دون أن تنجب ،،، ثم ترددت في طرح السؤال ، لتفاجئني أمي بالإجابة على تساؤلي دون أن أطرحه عليها ، ويبدو أنها قد عرفت ما يدور في خاطري ...
والله يا ولدي ده سِرّاً كتمناهو أنا وعمتك العمر كلّو ... وقلنا أصلنا ما نقولو لي زول ، بس با ولدي شايفاك شايل الهم علي عمتك ، وأنا عارفاك بتريدا ، وهي كمان بتريدك ...
صمتت أمي لدقيقة ، وأنا أنتظر بلهفة والتياع ، والدقيقة تمر ببطء لم أشهده من قبل ...
أيوة يُمّة ، الحاصل شنو ؟
والله يا ولدي ، أنا ما كنت قايلة روحي بعيش وبقول ليك ، وعمتك مخسّماني النبي ما أكلم إنس ولا جنس ،،، ودسّينا الخبر ، وكنا دايرين ندخل بيهو القبر ، بس الليلة يا ولدي الله يغفر لي ، ما عارفة كيفن جبت ليك طاري الحكاية دي ،،، وإنت معلوقتك شينة ، كان عرفت شئ ما بتخليهو إلا توصّلو حدّو .... الليلة يا ربي يا سيدي ، تغفر لي ،،، والله ما في نيتي غير عمل الخير ...
يُمّة الحاصل شنو ؟ ما تقولي ، أنا ولدك ، وإن شاء الله ما يطلع منّي أي خبر لأي زول في الدنيا دي ...
شوف يا ولدي ، عمّتك دي يعميها لي الليلة ما شافت الرجال ...
........................؟
آي والله ، الله يغفر ليهو ويرحمو الراجل داك كان راجلا طيب ، وودناس ، وأخو أخوان ، بس الله يرحمو ويوسِّد راسو الجنة ،،، رجالتو مي تامة ...
لم يستمر ذاك الغبار أكثر من نهار الغد ، ولم ينتظر عم علي أكثر من أسبوع ليدخل بعمتي ،،، وعاشا سويا بضع سنين ، فقراء ، مع ستر الحال ، أنجبا خلالها ولدين وبنت ...
وسرّك في بئر أيها المرحوم ...
التُّرَابَة التَّكْتَح ما عــــندو
-
- مشاركات: 9
- اشترك في: الأحد مايو 15, 2005 4:16 pm
التُّرَابَة التَّكْتَح ما عــــندو
آخر تعديل بواسطة محمد عبد الباقي قاسم في الثلاثاء يوليو 19, 2005 8:43 am، تم التعديل مرة واحدة.
-
- مشاركات: 228
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm
-
- مشاركات: 9
- اشترك في: الأحد مايو 15, 2005 4:16 pm
-
- مشاركات: 228
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm
-
- مشاركات: 9
- اشترك في: الأحد مايو 15, 2005 4:16 pm
الصديق محمد قاسم ،
هذه كتابة متميزة تماماً.
يبدو للوهلة الأولي أن الأمر من أمور الدنيا أم قدود العادية ، من كتاحة وزول أو زولة كُج ، وزواج مرتقب محفوف باالأسئلة والمخاوف العادية التي تطرأ في اذهان من يهمهم الأمر مثل الأم وما يقال في مجتمع القرية الصغير من حكاوى ، يكون معظمها من نسج خيال شعبي موغل في الطرافة التي تقترب كثيراً جداً من العبث.
ولكن يتفتَّح رويداً البعد المأساوي الذى جعل من هذه العمة المغلوبة على أمرها في مقام شخصيات تشيخوف ، دون أن تكون طرفاً مباشراً في السرد.
أحييك على هذا المستوى الراقي من الحكي المتعلق باليومي والعادي وفي نفس الوقت المهموم بقضايا الوجود الإنساني بعذاباته المرتبطة بإشكالية البنية الأخلاقية ، قضايا الستر والفضيحة المتباريات ، بما يدق على بوابات التراجيديا.
لك خالص مودتي
مصطفى آدم
هذه كتابة متميزة تماماً.
يبدو للوهلة الأولي أن الأمر من أمور الدنيا أم قدود العادية ، من كتاحة وزول أو زولة كُج ، وزواج مرتقب محفوف باالأسئلة والمخاوف العادية التي تطرأ في اذهان من يهمهم الأمر مثل الأم وما يقال في مجتمع القرية الصغير من حكاوى ، يكون معظمها من نسج خيال شعبي موغل في الطرافة التي تقترب كثيراً جداً من العبث.
ولكن يتفتَّح رويداً البعد المأساوي الذى جعل من هذه العمة المغلوبة على أمرها في مقام شخصيات تشيخوف ، دون أن تكون طرفاً مباشراً في السرد.
أحييك على هذا المستوى الراقي من الحكي المتعلق باليومي والعادي وفي نفس الوقت المهموم بقضايا الوجود الإنساني بعذاباته المرتبطة بإشكالية البنية الأخلاقية ، قضايا الستر والفضيحة المتباريات ، بما يدق على بوابات التراجيديا.
لك خالص مودتي
مصطفى آدم
-
- مشاركات: 353
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm
الاخ محمد ودقاسم
نص بالفعل ممتع وكاد ان يلامس المباشرة .اطرف مافيه عنوانه الذي يمكن قراءته ليعني الزوجالاخير للعمة ثم لا يلبث المرء عبر غبتسامة أن يحوله للزوج الراحل المتستر عليه.
العمة passiveوكما قال الاخ مصطفى تقع عليها الحوادث والمصائب وهي تتقبلها بروح زاهدة متفهمة حتى للظلم برؤيتهاسواء أن جاء من الزوج الاول او من اشاعات المجتمع عن عقمها او من اخيها الذي ابتلع ثروتها التعويضية. اشتباك الكتاحة مع النص جعله مشوقاًجملة (عاشا سنوات) تفيد بأنهما اقترقا ولم يفصح النص عن ذلك رغم الإشارة لنهاية التبات والنبات. نص يضج بالحركة وشخصيته الرئيسية يحكي عنها الراوي فحسب لكن انسانها كله يتكشف لنا فهي لم تبح باسرارها حتى في أشد الظروف حرجاً رغم ان الام الشخصية الثانية المساندة لها باحت بالسر .هذه قصة عن المحبةفي ظروف قاهرة.
نص بالفعل ممتع وكاد ان يلامس المباشرة .اطرف مافيه عنوانه الذي يمكن قراءته ليعني الزوجالاخير للعمة ثم لا يلبث المرء عبر غبتسامة أن يحوله للزوج الراحل المتستر عليه.
العمة passiveوكما قال الاخ مصطفى تقع عليها الحوادث والمصائب وهي تتقبلها بروح زاهدة متفهمة حتى للظلم برؤيتهاسواء أن جاء من الزوج الاول او من اشاعات المجتمع عن عقمها او من اخيها الذي ابتلع ثروتها التعويضية. اشتباك الكتاحة مع النص جعله مشوقاًجملة (عاشا سنوات) تفيد بأنهما اقترقا ولم يفصح النص عن ذلك رغم الإشارة لنهاية التبات والنبات. نص يضج بالحركة وشخصيته الرئيسية يحكي عنها الراوي فحسب لكن انسانها كله يتكشف لنا فهي لم تبح باسرارها حتى في أشد الظروف حرجاً رغم ان الام الشخصية الثانية المساندة لها باحت بالسر .هذه قصة عن المحبةفي ظروف قاهرة.