حَصاد الهشِيم في مُلتقى الاعِلاميين

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
فتحي الضو
مشاركات: 250
اشترك في: الأربعاء مايو 21, 2008 12:23 pm

حَصاد الهشِيم في مُلتقى الاعِلاميين

مشاركة بواسطة فتحي الضو »

حَصاد الهشِيم في مُلتقى الاعِلاميين

فتحي الضَّـو

[email protected]

ثمة نُكتة تذكرتها بمناسبة هذا المقال، وكان الناس قد تداولوها في بواكير جاهلية العُصْبَة ذوي البأس، حينما ابتدعت يومذاك ما أسمته بـ (الباصات السياحية) بغرض تخفيف حِدة أزمة المواصلات على خلق الله، ولكن كالعهد بهم فقد كان ذلك حلاً أشبه بما نطقت به ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر، والتي اقترحت على فقراء الفرنسيين المتظاهرين أمام قصر فرساي أكل (الجاتوه) عِوضاً عن الخبز الحافي الذي طالبوا به ليسُدَّ رَمَقهم! المُهم أن أحفادها بالتبني خصصوا تلك (الباصات) لتعمل جنباً إلى جنب مع الخطوط العادية، ولكن بفارق (سياحي) في سعر (التذكرة) والذي تضاعف كثيراً. تقول النكتة أن أحد الكادحين لم يكن يعلم بتلك البِدعة، فهرع ذات نهار قائظ نحو أحد الباصات السياحية، وحشر نفسه داخله دون عناء، بل استعجب حصوله على مقعدٍ خالٍ بلا مكابدة. ولكن فرحته تلك لم تدم طويلاً، إذ أخبره المُحصِل بسعر التذكرة المضاعف، فأراد صاحبنا المسكين الاحتجاج، لكن المُحصِل شرح له أسباب ذلك بقوله إن الباص سياحي. ولمَّا كان الرجل لا يملك المبلغ المطلوب وأُسِقط في يده...نهض مُتذمراً من مقعده والحسرة تملأ قلبه...وشاء قبل مغادرة الباص التنفيس عن كُربته، فالتفت نحو الرُكَّاب وخاطبهم بصوتٍ عالٍ قائلاً...إن شاء الله البلد تكون عجبتكم! ونحن بدورنا نستعير هذه الطُرُفة، ونقولها للزميلات والزملاء الذين هَرعوا خِفَافاًً ويَممُوا وجوههم شطر الخرطوم لحضور ما سُمي بملتقى الاعلاميين في الخارج!
لكن الأمر بدأ لي أكثر من طُرُفة، وفي الحقيقة إزدادت قناعتي بتلك التمنيات الطيبة إثر مشاهدتي أحد الغِرُّ الميامين الذين تكبدوا المشاق لحضور المؤتمر وقد جاءه قادماً من إحدى الدول الأوربية، والتي نمسك عن ذِكر اسمها لأن سيرتها أصبحت تثير أعصاب العُصْبة ذوي البأس، بل تتمنى لو أنها دكتها دكاً دكاً ومسحتها شبراً شبراً من خارطة العالم، ولكن ما علينا بحقدٍ استوطن في القلوب، ولا ضغائن مارت وفارت في الصدور، ودعونا نعود للمذكور الذي نتوارى خجلاً أيضاً من ذِكر اسمه، فقد ظهر على شاشة القناة الفضائية السودانية وهو مُدجج بكاميرا فوتوغرافية، وتحدث في أخبار النشرة الرئيسية (الساعة العاشرة مساء16/5/2009) وكان ضمن فوج من المؤتمرين اختاروا الذهاب إلى الفاشر للوقوف على حقيقة الأوضاع، بعيداً عن الاعلام الغربي صاحب الأجندة الخفية والدوافع المُغرِضة على حد زعمه. وللوصول لذلك الهدف النبيل، قال المذكور إنه انتبذ مكاناً قصياً وشقَّ طريقه ليصبح بمنأى عن الجماعة، وذلك حتى يتسنى له تلمس الواقع بلا رقيب أو عتيد. ولا أخفي عليك يا عزيزي القاريء إنني ما أن سمعت ذلك حتى تحفزَّت وجعلت من جسدي كله آذاناً صاغية. بل قلت في نفسي سراً: لله دَرُّهُ هذا الفتي إنه يأتي البيوت من شبابيكها، وبالرغم من أن ذلك يمثل أبغض الحَلال في ظِل الأنظمة الديمقراطية، إلاَّ أنه أمر مرغوب فيه في ظل الأنظمة الديكتاتورية. لكن الفتى الجَحْجاح لم يشأ أن يجعلني أنعم بما أضمرته، إذ ما لبث أن أحبطني دون وازِع إنساني أو سياسي...فقد قال – لا فضَّ فُوه - إنه استوقف مواطناً وسأله عن معسكر أبوشوك؟ فقال له المواطن المغلوب على أمره...أنت في معسكر أبوشوك. فأبدى (السائح الاعلامي) دهشةً بالغة! وقال للمشاهدين الذين صبروا على الأذى مثلنا...في الحقيقة يا جماعة لا شيء يدل على أنه معسكر لاجئين!
لم أشعر بإهانة شخصية أصابتني في مقتلٍ بمثلما شعرت في تلك اللحظة...هي إهانة لا يجدي معها الغضب ولا الانفعال ولا الحسرة، لأن القائل لم يكن يدري إنه بقوله ذاك قد أساء لنفسه أولاً، ثم للمناسبة التي ضرب لها أكباد الطائرات ثانياً، ثم للمهنة التي احتمي بمظلتها ثالثاً، ثم لبني جلدته الذين وقعوا بين سندان الظروف البائسة ومطرقة تهكمه البيئس رابعاً، ثم للانسانية جمعاء خامساً وأخيراً. بيد أن الفضول دفع بالتساؤل الذي مضغته الألسن كثيراً في كواليس المؤتمر إلى دائرة العلن، فلابد أنك تساءلت يا عزيزي القاريء مثلما تساءل أناس من وراء حجاب: هل كان ذلك المؤتمر حقاً ملتقى للاعلاميين وفقاً لتسميته ومداولاته وصِيته؟ من المؤكد أن الاجابة ليست عصية على قوم اتصفوا بفراسة تعرف الأجنة في الأرحام، ناهيك عن استنكاه دوافع من تبختر أمامهم بزهو وخيلاء. فالذين تابعوا وقائع هذا الملتقي أدركوا دون عناء يذكر، أن غالبية الحضور هم كالمعيدي تسمع به خير من أن تراه، فلا صِله لهم بالاعلام وإن كانوا من ذوي الصِلة بالمحفل وأهله، وليت الجهة الداعية تفعل خيراً وتقوم بنشر الأسماء والهويات على الملأ حتى يستبين الناس عشيتهم من ضحاهم. وبما أن الشيء بالشيء يذكر نتساءل كذلك عن جدوى حضور شخصيات من دول عربية شقيقة، ونخص بالذكر مثالاً محمد الهاشمي الحامدي، بإعتباره أحد الشخصيات المثيرة للجدل وله ارتباطات باطنية بالانقاذ وفجورها، وقد كشفت بعض الصحف عن دعم ممدود كان يتلقاه نظير تسخييره صحيفته (المستقلة) لخدمة المشروع الحضاري وهو في أوج تطرفه. وأيضاً كان الدكتور عبد الله الأشعل بين الحاضرين، وهو يفترض أن يكون رجل قانون، ولا يوجد أي سبب منطقي يدعم حضوره المناسبة، اللهم إلا إذا كانت اطلالته الراتبة في الفضائية السودانية قد أَهَّلته لأن يكون أحد الاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج!
نخلص إلى عشِر ملاحظات استنبطناها من رِكام هذه المناسبة، ومنَّا إلى الجهة التي أشرفت عليها وذلك استجابةً لدعوتها الكريمة في ضرورة المناصحة بين الراعي والراعية، لعل هذا يكون حافزاً لها في استبانتها قبل ضحى الغد:
أولاً: من المُسلَّم به أن الطريق إلى عقل الاعلام الخارجي يمر أولاً بقلب الاعلام الداخلي، بمعني أن الذين توخوا إصلاحاً وصلاحاً للاعلام الخارجي عليهم في الأساس أن يصبُوا جهودهم في الاعلام الداخلي، ومن هذا المنطلق نعتقد أن الملتقي لم يكن موفقاً في اختيار التوقيت المناسب، فلضمان مثل تلك الملتقيات كان ينبغي إزالة كل المطبات الهوائية، والعمل على تهيئة المناخ الضروري لتعزيز الثقة بين الداعي والمدعوين، ولكن الذي حدث كان على العكس تماماً، فعلاوة على القيد المسمى بالرقابة القبيلة، فقد تزامن انعقاد الملتقى مع ازدياد حدة التوتر بين الشريكين حول قانون الصحافة والمطبوعات والذي يفترض أن يكون في صدارة أولويات المدعوين، بل جعل الشريكان من ساحة الملتقى نفسه ميداناً للرماية بتراشق واتهامات تجاوزت قانون المطبوعات وطالت الطعن في الذمم بوصمها بالفساد. علاوةً على أنهما – كما هو معروف - ليسا على قلب شريك واحد في موضوع المحكمة الجنائية، وبناءً عليه فالسؤال الذي يثور هنا: هل يمكن أن يُصلح عطار الملتقى ما أفسده دهر السياسة؟
ثانياً: لقد كشف ضعف التغطية الاعلامية لمؤتمر إعلامي عن مفارقة تدعو للشفقة والأسى، وأكد في نفس الوقت أن الجهة المشُرفة كان هاجسها حشد أكبر عدد من المدعوين أكثر من اهتمامها بما يمكن أن ينتج عنهم في القضية الاساسية. فهي تقول أن عددهم بلغ 400 إعلامي منهم 250 من الخارج و150 من الداخل، وكان من المفترض بل من المتوقع بالنظر لذلك العدد الضخم أن تُسيطر أخبار الملتقى تلقائياً على الساحة، وتنعكس بتغطية إعلامية شاملة يمكن أن تكون تمريناً ديمقراطياً، في حال صدقت النوايا التي جعلت من قضية الحريات الاعلامية هماً اساسياً أو هكذا ترآءى للناظرين. بل لعل المُدهش أن عدد الصحفيين الذين تناولوا الحدث بالتعليق في أعمدتهم اليومية لا يتعدى أصابع اليدين، وقد تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعة عمَّا أَرضَعت إذا ما علمت أن الصحف جميعها خلت من البيان الختامي والقرارات والتوصيات، واكتفت بنذرٍ منه في السياق الخبري! وقد ساورني إحساس عميق بهاجس قال لي أن صحفيي الداخل جاءوا للفُرجة على صحفيي الخارج الذي هبطوا من دنياوات العالم! وبالقدر نفسه بادلهم صحفيو الخارج استطعام ذات الدهشة!
ثالثاً: في غزلٍ مكشوف وبحسب تغطية صحيفة الرأي العام (15/5/2009) قال السيد نافع على نافع موجهاً حديثه للسيد كمال عبد اللطيف عندما سمع بكلمته التصالحية تجاه المعارضين:«إنت ما عندك أخلاق بتكون بِعتنا للجماعة ديل، ونحن حنطلِّع بيان نكيّسك ونقول دا كلامك إنت بس ما كلام الحكومة» فقال كمال:«إنت لو عايز تكيسني صاح قول نحن الكتبنا ليهو الخطاب» في الواقع لا نريد أن نفسد على السيد كمال بهجة يومه ذاك، ولكن لو أن السيد نافع طبَّق عملياً مزحته تلك، لكان قد كافاْ الحكومة مغبة ما احتوش مواقفها من ظنون، ولكان قد انقذ كمال نفسه من تبعات خطاب يعد في التقدير من أسوأ ما نضح عن الملتقى، نسبة لأنه ارتأى أن يكون قومياً، فكان تجسيد فعلياً وباسقاطات العقل الباطن لمشروع مثلث حمدي (عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق صاحب تلك الفكرة الجدلية التي فضحت الاجندة الخفية لدولة الصحابة) بجانب أن الخطاب نفسه غرق في بحور عاطفية ولم يقدم تحليلاً علمياً لأدواء قضية جاءها المدعوون من أركان الدنيا الأربعة على حد فخره وتباهيه، بل أن الأنكي والأَمْر ذلك التخليط الذي مزج بين أصحاب مواقف مشرفة كانوا دوماً من نصراء الديمقراطيات مع أصحاب مواقف مخزية ظلوا على الدوام يقتاتون من موائد الديكتاتوريات، وبالرغم من أن الخطاب ليس بوثيقة يُعتد بها في هذا المضمار إلا أن الأمانة تقتضي نقده وتشريحه، لأنه بمثل ذلك التخليط اعتقد البعض أن القضية السودانية هي محض سمك لبن تمر هندي!
رابعاً: هذه ملاحظة تتسق مع ما مضى، وقد سبقني في الاشارة لها الزميل الصديق فيصل محمد صالح في عموده المقروء (الأخبار16/5/2009) وهي تؤكد أن المؤتمر الذي أُفترض أن يكون قومياً يعكس التعدد الحزبي ويمثل كل ألوان الطيف السياسي، جاء في مجمله تكريساً لهيمنة المؤتمر الوطني، وبحسب فيصل «تحولوا إلى متحدثين حزبيين باسم المؤتمر الوطني، وتحينوا الفرصة للهجوم على القوى السياسية الأخرى ورميها بتهم كثيرة» وتساءل أيضاً «ألم يكن من الأوجب والأعدل أن تتاح لباقان أموم أو ياسر عرمان أو مالك عقار فرصة الوقوف أمام المؤتمرين ومحاورتهم والادلاء برأي الحركة في المحاور والقضايا المطروحة؟ وكذلك محمد إبراهيم نقد والصادق المهدي» ولكنه عِوضاً عن ذلك فقد «تحول المؤتمر المصروف عليه من مال الحكومة لمنبر لحزب المؤتمر الوطني وهذا ما لا يجوز» وبناءً على ما تعلمناه في مدارج المرحلة الابتدائية، دعونا نستعير فصاحة الخروف في تلك القصة المعروفة ونقول: هل بعد السلخ ذبح يا مسعود؟
خامساً: إن أُم الكتاب في هذا الملتقى، هو السؤال الجوهري الذي كان ينبغي أن يسأله الداعي والمدعو لأنفسهم ويُحتم إجابة صادقة مع النفس قبل الآخرين وهو: هل نحن بصدد قضية مهنية بحتة تختص بالاعلام ودروبه، أم أننا أمام أزمة وطنية شاملة يعد الاعلام واحداً من جزئياتها الكثيرة والمتشابكة؟
سادساً: إلحاقاً للسؤال أعلاه، إذا افترضنا جدلاً أن الاعلاميين الذين اجتمعوا في رحاب الملتقى المذكور كانت قضية الحريات الصحفية هي مبعث همهم وغاية عزمهم، لعل السؤال الذي كان ينبغي أن يطرحه المشاركون على أنفسهم بأمانة وموضوعية أيضاً: هل المدعوون يُعدَّون في زمرة المتضررين بشكل مباشر أو غير مباشر من القيود التي تكبل تلك الحريات؟ فلو أن قائل اكتفى بالاجابة الأخيرة القائلة إنهم متضررون بشكل غير مباشر، وأن مطالبهم التي نادوا بها والخاصة بالحريات الصحفية هي من قبيل المؤازرة مع من ظلَّ يعاني من قيودها فعلياً، فسنقول له ساعتئذٍ أحسنت وبوركت وكفى الله المؤمنين شر الجِدال، أما إذا كابر مُكابر وقال أن صحفيي الخارج برمتهم متضررون بصورة مباشرة من قيود الحريات، فحتماً سنقول له كذباً كاذب، لأن الواقع يدحض الافتراء، فالاحصائيات تشير إلى أن الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الصحافة السودانية ومن خلال هامش الحريات المتاح، لا يتعدون بضع أفراد بل لربما أقل من أصابع اليدين، وهو عدد إذا ما قورن بنحو 250 مدعو فسنجد أنه مجرد نقطة في محيط! ومن جهة أخرى إذا افترضنا أن رسالة الملتقى موجهة للعالم الخارجي فحسب، فالمعروف أن الذين توافدوا على الخرطوم...بعضهم يعمل في مؤسسات إعلامية تتمتع بحريات صحفية حد البطر، فأين إذن مساهماتهم في قضايا الوطن، علماً بأن لا قيد يدمى معصمهم؟
سابعاً: يعجب المرء أيما عجبٍ من الذين يزايدون على وطنهم ومواطنيهم ويدَّعون إنهم اتخذوا مواقف مناهضة للعصبة أو الديكتاتوريات التي سبقتها، ويكثرون من ترديدها ويزعمون أن تلك مرحلة طُويت صحائفها، وحتى لو صدق خطلهم فلا يدرى المرء لماذا تُطوى صحائف كتاب طالما أن العِلَّة موجودة والجرح متقيح والألم مستمر؟ ما الذي استجد حتى تصبح تلك المواقف وثائقاً تتوسد تلافيف الذاكرة؟ ومن ذا الذي قال إن الدفاع عن قضايا الحريات العامة فرض كفاية يقوم به البعض ويسقط عن الآخرين؟ لسنا في حاجة للقول إن الحرية بالنسبة للصحفي هي بمثابة الماء والهواء، بل كلما استمطر سحابتها أتاه خراجها دون صلاة استسقاء. ولذا فالدفاع عنها صيرورة تاريخية لاهدنة ولا مهادنة فيها، فإن لم يكن بمقدور البعض الاستمرار في طريق وعِر مليىء بالأشواك ومشبع بالمِحن والإحن، فما عليهم سوى الكف عن مزايدات هم يعلمون قبل غيرهم أنها مجرد هرطقات...لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت!
ثامناً: لا ندري لماذا انشغل الناس بتكلفة الملتقى، مع أن الذي يستحق الانشغال من ذات الشاكلة كثر. ومع هذا لا نعتقد أن الهمس الجهير أخطأ إرساله نحو آذان القائمين على أمره، بل يُحمد للزميل الطاهر حسن التوم الذي أثار الموضوع في الحوار الذي أجراه مع السيد كمال عبد اللطيف (قناة النيل الأزرق 18/5/2009) وتكهن فيه بتكلفة المؤتمر وفقاً لما تداولته مجالس العاصمة وقال حوالي المليار جنيه، لكن المسؤول لم يطفيء ظمأ حب استطلاع السائل فقال له: افرض مائة مليار حتى هل هذا كثير على أبناء وبنات السودان الذين تركوا ديارهم وأعمالهم وأهليهم؟ في الواقع نحن أيضاً نُعضد بدورنا من افتراضه ونقول بقسم مغلظ لا وألف لا فهم يستاهلون وأكثر، ولكنها على أية حال كانت فرصة لسيادته لاختبار الشفافية في أبهى معانيها، مثلما كانت فرصة لاقتران الأقوال بالأفعال، وعليه لا ندري أيم والله من رسب فيهما؟
تاسعاً: ينبغي علينا جميعاً أن نُطأطيء رؤوسنا خجلاً ونُذِل نفوسنا انكساراً، فقد تزامن مع الملتقى فوز الزميل معن البياري من صحيفة الخليج الأماراتية بجائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة سنوياً، وشارك فيها هذا العام 3113 صحفي من 19 بلداً عربياً، ولا تعجب يا عزيزي القاريء إن خلت القائمة من الصحفيين السودانيين، ولكن لك الحق كل الحق في أن تلطم الخدود وتشق الجيوب إذ ما علمت أن التقرير السياسي الفائز للزميل البياري كان عن نازحي دارفور! ونقول لمثل هذا يا سادتي لا تقام المؤتمرات ولا تنظم الملتقيات ولا تحشد اللقاءات، إنما كان الأجدر والأرحم أن ينصب الناس سرادقاً للحزن والبكاء والعويل على مدى المليون ميل مربع...ولا عزاء للمكلومين!
عاشراً: ضمن اللقاءات الجانبية التي تمت بين المؤتمرين والمسؤولين، كان هناك لقاء مع رأس الدولة المشير عمر البشير في بيت الضيافة (13/5/2009) ووفقاً لما أشارت له الصحف فقد شهد ولأول في تاريخ الانقاذ، اعترافه بظاهرة بيوت الأشباح والضرر الذي اصاب البعض من قرينتها المسماة بالفصل التعسفي، وطلب من المتضررين فتح صفحة جديدة. المدهش أن رأس الدولة هيأ فرصة تاريخية للمدعوين للوقوف عند القضيتين اللتين رُزِىء منهما خصوم الانقاذ، وكان بإمكان المستمعين استثمار الاعتراف ومواصلة الحديث حوله بشفافية، بل كان من المأمل تطوير تلك الدعوة والنظر في امكانية الخروج بمبادرة تضمد الجراح وترد المظالم، لا سيما، وبين ظهرانينا من ظلَّ يرفع لواء (العدالة الانتقالية) حتى كلَّ مَتنه، وكذلك أهرق الكثيرون حبراً دِهاقاً وتحدثوا مراراً وتكراراً عن كيفية استلهام تجارب دول عرفت بانتهاكاتها الفظيعة لحقوق الانسان، ولكنها نجحت في بلسمة جراح ضحاياها مثلما هو الحال في جنوب أفريقيا والمغرب وبعض دول أميركا اللاتينية. بل بين يدينا جهود سودانية خالصة وُضِعت نظرياً على الورق في عدة اتفاقيات كان نظام الانقاذ طرفاً أساسياً فيها، فعلى سبيل المثال اتفاق القاهرة الموقع بينه والتجمع الوطني الديمقراطي (2005) وقبله كان هناك اتفاق جدة بينه والحزب الاتحادي الديمقراطي (2004) وقبلهما كانت هناك اتفاقية جيبوتي بينه وحزب الأمة (1999) ولا داعي لتعميق الجراح بالحديث عن نيفاشا وإخواتها، ولهذا نعتقد أن المؤتمرين اضاعوا فرصة ثمينة كان يمكن اقتناصها ودحرجتها. فهل يا ترى لم يعلم حاضرو ذلك اللقاء أن الاعتراف الذي اندلق من بين الشدقين هو سيد الأدلة كما يقول القانونيون، ويمثل في الوقت نفسه نصف المسافة نحو العدالة، بحيث يسهل التفاكر أو الاجتهاد حول النصف الآخر؟ أم يا ترى لم يتيقن السادة المبجلون من وعد الأمان الذي منحهم له السيد كمال عبد اللطيف في نفس اللقاء عندما قدمهم للمشير البشير قائلاً: «اسألوا ما بدا لكم من أسئلة ساخنة» بمثلما لم يجد التقريظ الذي ذرَّه على مسامعهم فتيلاً :«نقيتهم نقاوة ما فيهم زولاً هيّن ولا ليّن، ومعظمهم معارضون وبعضهم ترك السودان منذ مجييء الانقاذ وبكرهونا عمى»!
إذاً يا ايها الملأ أفتُوني في رُؤياي إن كُنتُم للرؤيا تعبُرُون!!
• حذفت الرقابة الأمنية فقرات كاملة من هذا المقال بعد نشره في صحيفة الأحداث اليوم الأحد 24/5/2009
• للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب يرجى زيارة مكتبته على موقع الجالية بواشنطن
https://www.sacdo.com/web/forum/forum_to ... sacdoname=فتحى الضو&sacdoid=fathi.aldaw

.
ÃÍãÏ ÇáÔíÎ
مشاركات: 139
اشترك في: السبت مارس 29, 2008 4:22 am

شكراً

مشاركة بواسطة ÃÍãÏ ÇáÔíÎ »

الاستاذ فتحي والاعضاء المنبر الكرام


شكراً استاذ فتحي علي التحليل الضافي لوقائع مؤتمر اعلامي الخارج وليتهم وعوا ما قلت
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

.

صورة

.
صورة العضو الرمزية
محسن الفكي
مشاركات: 1062
اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
مكان: ميدان الخرطوم

بدون تعليق

مشاركة بواسطة محسن الفكي »

فتحي الضو كتب:

كان الدكتور عبد الله الأشعل بين الحاضرين، وهو يفترض أن يكون رجل قانون، ولا يوجد أي سبب منطقي يدعم حضوره المناسبة، اللهم إلا إذا كانت اطلالته الراتبة في الفضائية السودانية قد أَهَّلته لأن يكون أحد الاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج!

فهي تقول أن عددهم بلغ 400 إعلامي منهم 250 من الخارج و150 من الداخل، وكان من المفترض بل من المتوقع بالنظر لذلك العدد الضخم أن تُسيطر أخبار الملتقى تلقائياً على الساحة، وتنعكس بتغطية إعلامية شاملة يمكن أن تكون تمريناً ديمقراطياً، في حال صدقت النوايا التي جعلت من قضية الحريات الاعلامية هماً اساسياً أو هكذا ترآءى للناظرين. بل لعل المُدهش أن عدد الصحفيين الذين تناولوا الحدث بالتعليق في أعمدتهم اليومية لا يتعدى أصابع اليدين، وقد تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعة عمَّا أَرضَعت إذا ما علمت أن الصحف جميعها خلت من البيان الختامي والقرارات والتوصيات، واكتفت بنذرٍ منه في السياق الخبري! وقد ساورني إحساس عميق بهاجس قال لي أن صحفيي الداخل جاءوا للفُرجة على صحفيي الخارج الذي هبطوا من دنياوات العالم! وبالقدر نفسه بادلهم صحفيو الخارج استطعام ذات الدهشة!

تاسعاً: ينبغي علينا جميعاً أن نُطأطيء رؤوسنا خجلاً ونُذِل نفوسنا انكساراً، فقد تزامن مع الملتقى فوز الزميل معن البياري من صحيفة الخليج الأماراتية بجائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة سنوياً، وشارك فيها هذا العام 3113 صحفي من 19 بلداً عربياً، ولا تعجب يا عزيزي القاريء إن خلت القائمة من الصحفيين السودانيين، ولكن لك الحق كل الحق في أن تلطم الخدود وتشق الجيوب إذ ما علمت أن التقرير السياسي الفائز للزميل البياري كان عن نازحي دارفور! ونقول لمثل هذا يا سادتي لا تقام المؤتمرات ولا تنظم الملتقيات ولا تحشد اللقاءات، إنما كان الأجدر والأرحم أن ينصب الناس سرادقاً للحزن والبكاء والعويل على مدى المليون ميل مربع...ولا عزاء للمكلومين!

.


. .
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

مفكرة الخرطوم (1): الأكل على مائدة الانقاذ! ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل

(١)

سألنى مندوب وكالة البحر الاحمر، وقد عهدت اليه سفارة السودان بواشنطن بأن يستجلى خيارى من خطوط شركات الطيران التى تقصد الخرطوم:(هل تفضل الخليجية ام الحبشية؟) أجبت على الفور وبلا تردد: الحبشية! أنا لا اعرف سودانيا ذى ذوق وبصيرة يُخيّر بين الحبشية وغيرها فيستبدل الذى هو أدنى بالذي هو خير. الحبوش كما عرفتهم من أفضل خلق الله. خبرتهم فى اركان المعمورة الاربعة، فكنت كلما عاشرت غيرهم من أهل افريقيا ازددت تعلقا بهم، وارتفع حبى لهم ضعفا وضعفين. عشت هائما فى طبقات السماء، لساعات، لعلها عشرين فى العدد، بين واشنطون وروما واديس ابابا والخرطوم، تطوف علىّ فيهن زهرات الحبوش جيئةً وذهابا بطعام هو كالشهد وشراب يشبه شراب اهل الجنة. ولا يُنبئك عن زهرات الحبوش مثل خبير، فاسأل جمال محمد احمد و(وجدان افريقيا). تأتينا ذات القوام السمهرى، تغدو وتروح، تقبل وتدبر، على مدار الساعة، وعلى الثغر ابتسامة كضياء القمر: ( شاى؟ .. بُنّة؟)، فنقول نعم للشاى ونحن من شيعته المريدين، ونقول نعم للبنّة مع أننا فى راتب حيواتنا لا نقربها ولا نستطعمها. وما زلنا بين شاىٍ وبُنّة حتى هبط بنا الطائر المبروك ثرى الوطن فى الهزيع الاخير من الليل، فتركنا صحبة الحبوش آسفين الى صحبة يوسف محمد الحسن ومساعديه من رجال مراسم الدولة. أو هكذا ظننا، قبل ان نعرف ان الثورة المنقذة (خصخصت) بعض أجهزة المراسم والعلاقات العامة فجعلتها قطاعا خاصا. يا لقوة عين الثورة المنقذة، تخصخص المراسم؟!
(٢)
لم أعرف للسودان طريقا ولم تطأ قدمى مطار الخرطوم زهاء اربعة عشر عاما ونيف. غير أننى روضت نفسى على زيارة دورية منتظمة الى القاهرة وبعض دول الخليج العربى كل عام الاقى فيها من الاهل والاحباب من اردت. ولكننى عندما تبلغت دعوة رسمية من وزير الدولة برئاسة مجلس الوزراء لزيارة الخرطوم وحضور ملتقى الاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج قبلتها على الفور. وقد ادهش موقفى هذا كثيرين، وأغضب آخرين عاظلتهم وعاظلونى. منهم من له عندى مكانة الاب من ابنه والاخ من أخيه، ومنهم من أراه فأجهله ولا اقيم له وزنا. وأظن ان الوزير نفسه كان من المندهشين وان الريبة قد داخلته من أمرى. آية ذلك أنه إتصل بى هاتفيا فى مكتبى حيث مقر عملى فى حكومة ولاية منيسوتا. احترت حيرتين، الاولى من مبادرة الاتصال والحرص على الاستيثاق، والثانية من سؤال الحّ على: كيف عرف الرجل رقم هاتف مكتبى، وانا لا ابذل للناس من ارقامى الا الرقم النقال ورقم منزلى. وقد علمت لاحقا انه اتصل هاتفيا بآخرين من الكتاب الصحافيين المقيمين بالولايات المتحدة وناقش بعضهم مناقشات مطولة مستفيضة، لا بد ان شركة خدمة الاتصالات سُرّت بها وقرّت عينا.
(٣)

لماذا قبلت دعوتهم؟ توالت على الاسئلة. وكانت اجابتى واحدة لا تتحور ولا تتبدل: ولماذا لا اقبلها وقد وازنت بين دواعى المشاركة ومسوغات المقاطعة فرجحت الاولى فى ميزانى. المشاركة موقف والمقاطعة موقف. فإن اتخذت موقف المشاركة فبها ونعمت وعلى بركة الله. أنا انسان حر منذ عرفت قدماى الوقوف على الارض واستقر رأسى بين كتفى، لا وصاية لأحد علىّ. القاعدة الاصولية تقول: الاصل فى الاشياء الاباحة. وان اتخذت موقف المقاطعة فلا بد من أسباب منطقية سليمة يركن اليها العقل ويطمئن الوجدان. ولكن عقلى ووجدانى استقرا على المشاركة، وسأفصّل لاحقا وسأوافيك ضمن هذه السلسلة – أعزك الله – بالدوافع والقناعات، والرؤى والتصورات، وساوافيك أيضا بما لامست وعايشت خلال ايام الملتقى الاربعة، ثم بما رأيت وسمعت فى صباحات الخرطوم ونهاراتها ومساءاتها، وكثير منه يدعو للتأمل، وبعضه يستدر الضحك، وغير قليل يبعث على البكاء!

لست ممن يقاطعون من اجل المقاطعة، ولست من هواة المواقف البطولية. كما أن الله، الى ذلك، خلقنى منزها عن الخوف. ولذا فإننى خلافا لغيرى ممن وافق على المشاركة ثم تردد، ثم تراجع، لم اكن لاخشى قط الواهمين والادعياء من قطاع الطرق الاسفيرية، ممن ظلوا يجلسون على مؤخراتهم خلال العقدين الاخيرين يطرقعون على السنة الكيبورد يشتمون نظام الانقاذ ويمنون النفس بزواله ويبشرون الناس بانهيار بنيانه، ويفرضون وصايتهم فرضا على كل صاحب فكر او رأى مستقل مغاير. بدأ بعض مناضلى الكيبورد هؤلاء مسيرتهم النضالية وهم فى ميعة الشباب، وتوالت عليهم السنون فوهن منهم العظم واشتعل الرأس شيبا، وهم يراوحون مكانهم، العيون خابية من فرط الخدر، والوجوه كابية من طول الانكباب على اجهزة الحاسوب، والاصابع العشرة تطرقع وتفرقع، تهدد الانقاذ والمنقذين بالويل والثبور، والانقاذ على توالى السنين فى شغل عنهم، تستكرش وتستجعب وتنتفخ منها الاوداج، حتى انبطحت على السودان كله فوضعته فى جوفها، كما فعل الحوت بذى النون رسول نينوى. ولسان حالها يقول بقول الفرنجة: " مع أعداء كهولاء من يحتاج الى أصدقاء؟!"

عرفت بعض مناضلى الكيبورد هؤلاء فى اوائل التسعينات. كانت آخر صرعات النضال الكيبوردى عهدئذٍ ان تُسطر كلمات النضال الاسفيرى فى شكل رسائل يصحبها عند فتح البريد او عند الطرق على الرابط الالكترونى نشيد محمد وردى ( يا شعبا لهبك ثوريتك ). وطال النضال واستطال، حتى انتهى الحال الى مآل رأينا فيه الوردى نفسه يقبع فى ركن من صالون الفريق اول عبد الرحيم محمد حسين، رجل الانقاذ القوى، يغنى له ولندمائه حتى مطلع الفجر ( الحنيّن يا فؤادى )، ولكن ليل مناضلى الاسافير ما زال طفلا يحبو! وما زال "أطفال منتصف الليل" يخبطون على اسنان الكيبورد، يتوعدون ويسبغون الصفات، ويصدرون احكام الموت المعنوى على من عداهم ممن يخالفهم الرأى: انتهازى .. وصولى ..عميل... كوز.. وبالعكس. يتسقطون المواقف تسقطا، ويتعسفون البطولات تعسفا. لم يسمع واحد منهم قط عن حكمة الامام الشافعى: ( رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب). تبا لهم آخر الدهر، أمِن قليلٍ تملكت الانقاذ الرقاب وتمكنت فى الارض؟ أمِن قليلٍ ركب رجالها على الظهور ودلدلوا ارجلهم؟ أمِن قليلٍ كانت لهم الجولة والصولة وعاقبة الدار؟!

قرأت قبل يوم من مغادرتى الى الخرطوم فى موقع الكترونى شهير كلاما لمناضل وقد كتب:( على اولئك الذين قبلوا الدعوة ووافقوا على السفر ان يخجلوا ..). نظرت الى صورته على الموقع وحدقت فى بؤرة عينه وفى نيتى ان ( أخجل ) علنى ابدل رأيى. الخجل هو ان ينظر الضعيف المهزوز الى رجل المبادئ صاحب الموقف الجرئ، العين فى العين، ثم تنكسر عين الضعيف وتتسربل بالخزى. ولكن الخجل لم يواتنى فكررت المحاولة بغير فائدة، ثم لاحظت فجأة ان الصورة التى احدق فيها هى فى الواقع صورة فوتوغرافية للقائد الحقوقى الامريكى الراحل مارتن لوثر كنج، وليس بينى وبين مارتن لوثر ما يستدعى الخجل. سألت فقيل لي أن الاسم والرسم كلاهما مستعاران. وان كاتب الكلمات الذى يخفى اسمه ورسمه أمريكى سودانى يعمل ضابط صف فى القوات البرية الامريكية، شارك فى احتلال العراق ثم عاد وتفرغ للنضال الكيبوردى فى منطقة واشنطن. سبحان الله. لا يجد الواحد منهم فى نفسه الشجاعة ليكتب اسمه الحقيقى أو يبرز رسمه الذى خلقه الله عليه، فيستخفى تحت اسم مختلق، ويتستر تحت رسم مستعار ثم يريدنى، انا الذى اضع اسمى مثلثا ورسمى مربعا ومستطيلا امام الملأ، ان اخجل منه!!

لم ادر هل اضحك ام ابكى وانا اقرأ لاحدى مناضلات الاسافير وقد كتبت تقول فى ثقة واعتداد، ويقين العارفين يملأ اجنحتها، أن حكومة الانقاذ (منحت المشاركين فى ملتقى الاعلاميين قطع اراضى وسيارات "جياد")، ثم ثان وثالث يؤكدان الخبر ويعززانه. ولكننى ضحكت حتى بانت نواجذى حين قرأت لمناضل يفترض انه ينقل الوقائع مباشرة من الخرطوم لزملائه من مناضلى الكيبورد فكتب ( فى هذه اللحظات وزير الدولة كمال عبداللطيف يلقى خطابه أمام الملتقى)، ثم كتب (قال كمال عبداللطيف) ثم وضع نقطتين وفتح قوسا وكتب كلاما لم يرد قط فى خطاب الوزير، ولكنه كتبه على اية حال، ثم اخذ يضحك على الكلام الذى كتبه هو ونسبه للوزير ويدعو المناضلين للضحك ففعلوا. ذكرنى هذا المناضل بمواطنى دولة افريقية جميع سكانها مسلمون، تعاركوا فيما بينهم ودمروا حرثهم ونسلهم، فلما كاد الجوع والمرض يفتكان بهم نظمت هيئة الامم المتحدة برنامجا لانقاذهم باعادة توطينهم فى دول الغرب. نسبة مقدرة من أهل ذلك البلد تخصصت فى النصب على وكالات الرعاية الاجتماعية فى الولايات المتحدة فيزوّرون ويكذبون ويكتبون البيانات الملفقة طلبا للمال والمعونات، فاذا سألتهم وهم المتدينون فى ظاهر أمرهم، وبعضهم ممن يصر على انزال طائرة من السماء الى الارض لاداء الصلاة اذا حان ميقاتها، عن هذا الغش والتدليس، اجابوك دون ان يطرف لهم جفن: هؤلاء الامريكيون كفرة الكذب عليهم لا يؤثم مرتكبه!! ومثل ذلك مناضلو الكيبورد. يظنون انهم يحسنون صنعا ويسرعون بوتائر الثورة المضادة ان هم تكذبوا وافتروا واخترعوا الروايات وأحالوها على مسئولى الانقاذ. ما قولك يا هذا فى رجل من هؤلاء طلب منى ان أتوسط له لدى المستشار الاعلامى بسفارة السودان بواشنطن، الاستاذ سيف الدين عمر، الذى تربطنى به علائق ود وصداقة، حتى يضم اسمه الى قائمة المدعوين ويزوده بتذكرة سفر الى الخرطوم لحضور الملتقى ولكن المستشار اعتذر لسبب خارج عن ارادته، فأنضم الرجل من فوره الى ركب المناضلين فرأيته فى احدى المواقع الالكترونية مشمرا متنمرا يحاكى صولة الاسد وهو يلقى بالحمم على المشاركين ويتهمهم بالانتهازية! فيم العجب بعد ذلك – يا رعاك الله – لو بقى نظام الانقاذ صامدا كالطود، يحكم السودان موحدا ومقسما عشرينا بعد عشرين؟! ولم لا واولئك وهؤلاء هم عينات الأشاوس من معارضيه الذين أخذوا على عاتقهم منازلته وهزيمته؟!

(٤)

كتب الىّ صديق عزيز يناصحنى ويدعونى الى مقاطعة الملتقى يقول: ان من دعوك من رجال حكومة الانقاذ يعرفون قيمة اسمك ويريدون الاستفادة منه! ولكن نصيحته جاءت بعكس مبتغاه اذ كان مردودها داعما لرغبتى فى المشاركة عوضا عن النكوص عنها. فقد أطربنى أيما طرب زعمه بأن الحكومة تريد الاستفادة من إسمى، واسعدنى قوله ان لاسمى ( قيمة) أساسا. ذكرت الراحل عبد العزيز العميرى وغنائه ( لو اكون زول ليه قيمة .. ). وذكرت والدى يقول لى فى صغرى ( يا إبنى اجتهد عشان يكون ليك قيمة ). ثم تفكرت وتأملت: ما قيمة الانسان اذا لم تكن له قيمة؟ شكرت الله ان حكومة السودان، وطنى الاول، اصبحت – بحسب صديقى - تعرف قيمتى، ودعوته أن يهدى حكومة وطنى الثانى، الولايات المتحدة، لتعرف قيمتى أيضا فينصلح حالى فى الدارين السودانية والامريكية!

وأجبت من سألنى فى رسالة بعث بها الى بريدى الخاص عن سبب مشاركتى، قلت: أنا ذاهب الى الخرطوم لآكل على مائدة الانقاذ، وانا آكل محترف على الموائد. فقد اكلت حسيا ومعنويا على موائد النظم المتعاقبة نظاما اثر نظام. اكلت على موائد مايو حتى اتخمت، ثم سقطت مايو فى مزبلة التاريخ. واكلت على موائد حكومة سوار الدهب والجزولى الانتقالية حتى اترعت وذهبت السلطة الانتقالية الى عفو ربها. ثم اكلت على موائد نظام الديمقراطية التعددية الثالثة حتى انتفخت وتجشأت، فجاء عسكر الحركة الاسلامية وكتبوا السطر الاخير فى كتابها. وخفت ان يتهاوى نظام الانقاذ ويسقط على يد مناضلى الكيبورد قبل ان آكل على مائدته فيختل تسلسل الاكل على الموائد عندى، وذلك ما لا يرضاه لنفسه آكل محترف على الموائد. لهذا اسرعت بخطاى مهرولا الى عاصمة المشروع الحضارى.

أيها العزيز الاكرم. اسمعنى احدثك ضحىً: أنا لست من أهل المبادئ. أنا من أهل الزبادى. ولو صبرت على اسبوعا حدثتك عن زبادى الانقاذ وعن صديقى الجديد، الآكل الاول المقيم إقامة دائمة على حفافى الموائد، عمار محمد آدم!

نقلا عن صحيفة ( الاحداث )

الحكاية شنو?
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

من تغدى تمدى و لو الحرب دائرة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الأخ علي عجب
سلام
تقول حكمة مولانا ودابزهانة:
من تغدى تمدى و لو الحرب دائرة[قي دارفور مثلا]
كدي خلي صاحبنا الكاتب مصطفى البطل يخلص أكله و كلامه
و ربما كانت هناك[ في كلامه و ليس في أكله] حكمة خافية على معارضيه
يا مصطفى بخلاف " معارضي الكي بورد" هناك معارضو الإستبداد و الفساد و القهر العرقي و أرجو ان تحفظ لهم حقوقهم.
و الزعل مرفوع فوق
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

{لماذا قبلت دعوتهم؟ توالت على الاسئلة. وكانت اجابتى واحدة لا تتحور ولا تتبدل: ولماذا لا اقبلها وقد وازنت بين دواعى المشاركة ومسوغات المقاطعة فرجحت الاولى فى ميزانى. المشاركة موقف والمقاطعة موقف. فإن اتخذت موقف المشاركة فبها ونعمت وعلى بركة الله. أنا انسان حر منذ عرفت قدماى الوقوف على الارض واستقر رأسى بين كتفى، لا وصاية لأحد علىّ. القاعدة الاصولية تقول: الاصل فى الاشياء الاباحة. وان اتخذت موقف المقاطعة فلا بد من أسباب منطقية سليمة يركن اليها العقل ويطمئن الوجدان. ولكن عقلى ووجدانى استقرا على المشاركة، وسأفصّل لاحقا وسأوافيك ضمن هذه السلسلة – أعزك الله – بالدوافع والقناعات، والرؤى والتصورات، وساوافيك أيضا بما لامست وعايشت خلال ايام الملتقى الاربعة، ثم بما رأيت وسمعت فى صباحات الخرطوم ونهاراتها ومساءاتها، وكثير منه يدعو للتأمل، وبعضه يستدر الضحك، وغير قليل يبعث على البكاء! }


حسن موسي سلامات

في الحالة دي مفروض نفهم, قصة (المعايشة) بي تذاكرهم!! , دي فهلوة

(اخلاقية) جديدة ?.

لكن نشوف بعد تكية الغداء,,,اصلوا الاخلاق دي

حاجة فضفاضة شديد .
صورة العضو الرمزية
ÃÈæ ÈßÑ ÕÇáÍ
مشاركات: 236
اشترك في: الاثنين يوليو 28, 2008 11:15 am

مشاركة بواسطة ÃÈæ ÈßÑ ÕÇáÍ »


شايف اخونا مصطفى البطل يشير اكثر من مرة و فى مناسبات متفرّقة الى جلوس من يُسمّيهم بـ مناضلى الكى بورد على "مؤاخراتهم". و اظن غير اثم ان البطل بأشارته للمؤاخرات هذه انما يريد ينكأ جراح حرج عيال العرب المسلمين من تفاصيل الجسد الإنسانى (راجع الجيوبولتيك). كييييف الراجل تكون عندو مُؤخرة، و يجلس عليها كمان؟!!!. الشينة منكورة عاد. انتا يا مصطفى يا اخوى كان فى امريكا ذات العماد عندكم طريقة قعاد غير حقّت عباد الله التانين دى ارجو ان تنوّرونا بها عسى ان يرفع الله عنا جميعاً حرج الجلوس على المؤاخرت هذا.
ÚíÓì íæÓÝ
مشاركات: 26
اشترك في: الأربعاء يوليو 26, 2006 10:38 pm

مشاركة بواسطة ÚíÓì íæÓÝ »

البطل لم يعد فقط كاتب فذ ونوعي وليهو قيمة،، لكن أصبح أحد رموزنا الاعلامية،، تماماً مثله مثل الهـندي عـز الدين، أو كما قال كمال:
القي كمال عبد الطيف كلمة أعدت بعناية فائقة ..رغم طولها إلا أنها كانت جميلة وبليغة ..اعترف فيها ضمنا ان التاريخ لم يبدأ بالإنقاذ ..وان ثورة ابريل كانت انتفاضة شعب ..بل عدد رموز العمل الاعلامى وذكر بالاسم بشير محمد سعيد ..محمود ابوالعزائم .. طلحة جبريل .. مصطفى البطل ..الهندي عزالدين ووو .. ومازال يعدد في رموزنا الصحفية حتى ظننته سيذكر الصحافي الضخم المقيم بامريكا ( فتحي باشا الضو)

المصدر:
سـودانايل
ÅÓãÇÚíá Øå
مشاركات: 453
اشترك في: السبت سبتمبر 10, 2005 7:13 am

مشاركة بواسطة ÅÓãÇÚíá Øå »

الاستاذ فتحي الضو تحية طيبة لك ولضيوفك.
غايتو اذا قيض لسقراط , هذا العلامة الذي كرس عمره في توليد الاسئلة والافكار الناقدة, مثله في ذلك مثل القابلة, وقام من قبره وتناول ما تقدمه جوغة اعلاميي الانقاذ من خلال وسائل الاعلام المسموعة, المقرؤة, والمرئية لشعب السودان, لاقشعر بدنه, وتصدع راسه واصيب بالدوخة والطراش زي التقول اكل ليه تركين بمش مدود ولا ام فتفت صارقيل.
ويا حسن لايهم اذا كان الزعل مرفوع ولا منصوب ولا مجرور, فلكل موقفه.
صورة العضو الرمزية
محسن الفكي
مشاركات: 1062
اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
مكان: ميدان الخرطوم

فتحى الضو يسبق فريد زكريا فى أطروحتة بسنوات عشر

مشاركة بواسطة محسن الفكي »


تحية للكاتب الصحفى فتحى الضو وضيوفه الأجلاء
ومازلنا فى شهر مايو ..شهر الصحافة وعيدها فى الثالث منه فى حريتهاوانقل ما يلى



1_ الصدق هـو الألتزام الأول للصحافة.
2 _ ولاءها الاول للمواطنين
3 _ جـوهـرها نظام من التحقيق .
4_ ممارسيها يجب ان يحتفظوا بـأستقلالهم عن هـؤلاء الذين يمدونهم بالاخبار
5_ يجب أن تكون الصحافة رقيبا مستقلا عن السلطة .
6_ يجب أن تشكل منبرا للنقـد العام والحلول الوسط.
7_ يجب أن تناضل من أجل ان تجعل الهام مشوقا مع الالتزام بصلب الموضـوع.
8_ يجب أن تبقى الصحافة على الأخبار شـاملة ومتناسبة مع أهمية الموضوع.
9_ يجب أن يسمح لممارسى هذه المهنة أن يستعملوا ضمائرهم الشخصية .

المبادئ الـ 9 للصحافة نقلا عن كتاب :[font=Comic Sans MS]elements of jornalismbybill kovach & tom rosenstiel





وحيث أن هم أزمة الضمير الأنسانى فى دارفور ستظل دوما تؤرق مضاجعنا ، عندى أسئلة عابرة للمحترفين فى هذه المهنة :
من بين كل الأحصائيات المهولة لأرقام من قضوا فى 6 سنوات خلت فى دارفور
هل يوجد اسم واحد لصحفى سودانى قتل أو أُصيب أثناء أداء مهمته مثلما يحدث فى سائر أرجاء الدنيا التى تعرف وتعى شيئا اسمه صحافة ...؟


يقول فتحى الضو فى كتابة الصادر العام 1992 عن محنة النخبة السودانية ،وفى اجابة لسؤال طرحه :
لماذا يحسن لماذا يحسن السودانيون صنع الثورات ولا يحسنون الحفاظ عليها .؟
انقل هذه الفقرة :


6- من منغصات الممارسة الديمقراطية فى الحقبتين الماضيتين احتكار النخبة لها .. وهى لا تمارسها بغية الاشعاع الذى يفيض على الآخرين وانما فى اطار ذاتية مفرطة وبغيضة . كأن يكون أقصى طموحها ماتنتجه الديمقراطية من حرية فى الرأى والفكر والتعبير وتتناسى تماما تطلعات شريحة كبيرة من أهل السودان لا تعنيها اهتمامات النخبة فى كبير شئ .وقد تكون تلك الاهتمامات .. ضرورات حياتية بحته . والأنكى والأمر حينها ان تلجأ النخبة الى معالجة هذه الاهتمامات بالتنظير الذى لا يخلو من احتقار ! فمن الذين حملوا السلاح فى الانقسنا او جبال النوبة أناس لا يعنيهم حق اصدار الصحف .. أو تكوين الاحزاب من قريب او بعيد .

بالطبع هنا تبرز اشكالية المهمات الاجتماعية والاقتصادية مع الديمقراطية الليبرالية فى أيهما يسبق الآخر ؟ ولايسع كل ديمقراطى غيور الى الانحياز الى الراى القائل بأن الثانية تسبق الأولى .. بأعتبار الأفضل دائما للعامل والمزارع وكل الطبقة الكادحة واللاهثة خلف نظام اجتماعى واقتصادى مميز هو النظام الديمقراطى الليبرالى ** . ففى اطاره تستطيع هذه الفئات انتزاع حقوقها من براثن القوى الرأسمالية .. الطفيلية والاقطاعية الطائفية المهيمنه على مقدراته .أى ان المهمات الأجتماعية والأقتصادية تكون الناتج الطبيعى لتطوير وتطور العملية الديمقراطية .وعلى أية حال هذه الاشكالية ليست حكرا على السودان محده .. ففى العالم الثالث كثير من المجتمعات تعيش وضعا مشابها . لكن هل لنا ان نتخيل تعقيداتها فى ظل اهتزاز مسلمات العدالة الاجتماعية ، وفى ظل اقتصاد منهك يكشر بانيابه فى وجه السواد الأعظم من السودانيين ، وفى ظل الغبن السياسي .. التى تختصره مقولة البسطاء فى الحقب الديكتاتورية (نشيل الجماعة ديل يجونا ديل).. على أوتار هذا الثالوث تعزف القوى الظلامية المعادية للديمقراطية الحانها النشاز . فهذه الاشكالية لم تضعها النخبة السودانية المحبة للديمقراطية فى حجمها الطبيعى والواقع يؤكد انها قتلتها بالثرثرة ولم تتعامل معها بمسؤولية وطنية مما يعنى ان الاشكالية نفسها ولدت اشكالية اخرى .




واشكالية الصحافة والعمل الأعلامى فى السودان متجذرة .. ومرتبطة أساسا بتقطع أوصال الوطن بسبب سؤ منظومة المواصلات بصورة عامة .. وتاريخيا كما هو معروف كلما تقدمت المواصلات وتم تأمينها كلما ارتقت الدولة وازدهر اقتصادها ، بدليل طريق الحرير التاريخى فى آسيا الوسطى ، والأشكالية الأخرى تكمن فى المنهج والدراسة والتدريب ..الخ ، لدرجة اننى طالعت " للباز" تصريحا قال فيه أن كلياتنا لاتوجد فيها مادة الصحافة ...(!!) .

وحتى السودانيين فى ظل وجودهم فى الخارج لم يخلقوا أى مؤسسات صحفية تذكر (حسب معلوماتى اللهم الا الدستور البعثية ) بينما كان بلد جار للسودان كمصر يزخر بأكثر من صحيفة ناطقة باللغة الفارسية مطلع القرن العشرين ..(!!) .
وحتى تجربة الصحف الأقليمية ككردفان ،وهى من التجارب التى لو كانت فى كل اقليم او محافظة لفعلت الكثير فى تغغير الوعى الجمعى ، والتنمية البشرية .

ما اود أن أخلص له بأختصار وكونى لست صحفيا ، هو ، المعارضة والمولاة تحصيل حاصل .
بلد من مطلع يناير وحتى أمس قتل فى جنوبها وشرقها وغربها فوق 3000 سودانى بسبب الصراع القبلى والجهوى والأقليمى ، ونحن نقاتل فى غير معترك ندين هذا ونصف بالعمالة ذاكـ .

* ما ذكره فتحى الضو عن صحفى من هولاندا ، والبطل عن جورج بوك ، يمكننى أن أذكر أمثله هنا أيضا وبالأسم عن اعلامى من هولاندا ماذا قال لى قبل وبعد عودته .. انما احجامى مرده نتيجة لحسرتى على أوضاعنا الأعلامية البائسة اساسا فى شهر مايو شهر الصحافة ..وأوضاعنا الأمنية المتردية . وده سبب كتابتى بدون تعليق ، الى أن اضطررت مُجبرا .


_______________

** اعتقد أنك يا أستاذ فتحى الضو ، قد سبقت الكاتب الهندى الأصل(مواليد 1964) فريد زكريا فيما طرحه عن مستقبل الحرية[font=Comic Sans MS] The Future of Freedom
أضف رد جديد