خلافات الإخوان في السودان ...إلى أين تنتهي؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الإسلام السياسي والدولة.. السودان نموذجا

GMT 10:00:00 2006 الخميس 10 أغسطس

خالد عويس



الإسلام السياسي والدولة.. السودان نموذجا


(1) المزايدات طريقا للحكم

لا يتعلق الأمر بإنقلاب عسكري عادي، هو الثالث في تاريخ السودان، عدا إنقلابات أخرى فاشلة، بل بأيدلوجية دينية منغلقة سعت - عبر الجيش - للاطاحة بحكومة ديمقراطية، ووضع كل مخططاتها "الأصولية" محل تنفيذ، مغيرة بذلك الوجه العلماني والمدني للسودان، ذلك الوجه الذي استمده منذ عقود طويلة، أفاد خلالها المثقفون الليبراليون السودانيون من دراستهم في مدارس وجامعات بريطانية، ما شكّل طبقة مستنيرة، ارتكبت أخطاء سياسية لعل أفظعها المعالجات المبتسرة لمشكلة جنوب السودان، غير أنها تمكنت في المقابل من كبح جماح الثقافة السلفية الأصولية التي كانت تجاهد للبقاء في ظل قناعات مجتمعية بالمدنية والحداثة، تقودها نخبة حازت اجماعا واسعا عبر السبل الديمقراطية، وعززتها ثورتان شعبيتان ضد نظامي الجنرال إبراهيم عبود (1958-1964) والجنرال جعفر نميري (1969-1985) من أجل استعادة الديمقراطية.
ما حدث في السودان بعد إستيلاء الإسلامويين على السلطة، يجل على الوصف، خصوصا لجهة إنه توسل بالإسلام و"الدولة الإسلامية". وطيلة خمسة وعشرين عاما، ضخ الإسلامويون السودانيون يقودهم الدكتور حسن الترابي شعارات استهدفت بالأساس نسف المفاهيم المدنية واحلالها بمفاهيم "إسلامسياسية" عريضة. إذ كان يصعب قطعا ترجمتها لمشروع سياسي ناضج.
وعوض التصدي لهذا "المشروع الناقص" من قبل الأحزاب السياسية "المدنية" في السودان وخصوصا حزبي الأمة، والاتحادي الديمقراطي، انخرط الحزبان وغالبية نخبهما المثقفة في مجاراة "المشروع الإسلامي" ومحاولة خلق مشروعات موازية ومماثلة له.
وفي غضون سنوات قليلة، كان المشروع الأكثر أصولية، وقدرة على الالتفاف السياسي - باسم الدين - يزايد أكثر، ويطرح شعارات براقة، تتماهى مع محيط عربي وإسلامي متوجه بالفعل منذ نهاية السبعينات للإسلام السياسي.
كانت الخطوط العريضة التي يطرحها إسلامويو السودان تتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة نظام إسلامي، واقتصاد إسلامي، مع توجه واضح إبان الديمقراطية الثالثة (1986-1989) لاعتبار الحرب في جنوب السودان بين الجيش النظامي وثوار حركة تحرير السودان (الدكتور جون قرنق)، معركة مقدسة.
ولربما كان واحد من أهم أسباب عجلة الإسلاميويين في الاطاحة بحكومة الصادق المهدي الديمقراطية في 30 يونيو 1989، هو قرب التوصل لاتفاق سلام نهائي بعد اتفاق مماثل مبدئي بين الدكتور جون قرنق ومحمد عثمان الميرغني (زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، الشريك في الحكم آنذاك).
لم يكن لدى الإسلامويين السودانين برنامجا سياسيا فعليا للحكم، بخلاف الشعارات التي ما فتئ دعاة الإسلام السياسي و"أسلمة المجتمع" يطرحونها في كل مكان في العالمين العربي والإسلامي. لكن الإسلامويين السودانيين زادوا على الشعارات، تفصيلات وجزئيات في البرنامج تتحدث عن حقوق المسيحيين، وحلول أزمات السودان المستفحلة، إنما بتغليب المنحى الشعاراتي.

(2) الاختبار الحقيقي.. الدولة
أصبح الإسلامويون السودانيون أمام الاختبار الحقيقي في اليوم الذي تلا إنقلابهم. حيث بات متوقعا "تنزيل" الشعارات، والمضي قدما في تجسيد "دولة إسلامية" في القرن العشرين، بأدوات وتفكير القرن السابع. وبعيدا عن تفكيك تلك الشعارات، وتحليلها، بل ومقاربتها بمفاهيم الدولة المدنية الحديثة، لابد من محاكمة تطال التجربة في ضوء "إسلاميتها"، وفي ضوء "تدين" الدولة، و"أخلاقيتها" و"استقامتها"، لأن هذه المفاهيم هي التي شكلت البنية الرئيسة في فكر الإسلام السياسي في السودان.
وكان أشياع الدكتور الترابي دائما ما يعتبرون أن السبيل لـ"هداية" المجتمع، وانصرافه لشؤون العبادة والانتقال به إلى نموذج مدني - نسبة لمجتمع المدينة المنورة - يكمن في حل عقدة أساسية تتمثل في الحكم، فأمور "العباد لا تستقيم بوجود الحكم الفاسد البعيد عن قيم الدين".
وقيم الدين، والحكومة المؤسسة على الدين لا تبنى إلا بوجودهم هم على رأس السلطة. فحتى مشاركتهم السياسية في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري - الذي بايعوه إماما للمسلمين – والتي امتدت سبعة أعوام، لم تعتبر بنظرهم كافية، على الرغم من أن أحكام الجلد والقطع والقتل والمسائل الشكلية سادت السنوات الأخيرة من حكم نميري، جنبا إلى جنب مع تراجع الحياة المدنية واعدام المفكرين (محمود محمد طه، أعدم في 18 يناير 1985).
كانت نسبة من السودانيين (الجبهة الإسلامية حازت 54 مقعدا فقط من أصل 260 مقعدا في البرلمان السوداني 1986 !!) تعتبر أن الدين "الحق" والمفاهيم الدينية الخالصة ستجد سبيلها إلى الحياة العامة فعلا إذا ما حكم الإسلامويون.
وكان واضحا أن غالبية هؤلاء يعتقدون أن ما تبثه أجهزة الإعلام التابعة للإسلاميين حول "التطبيق النموذجي"، وما تؤكده الشعارات الإسلامية، سيخلق مستقبلا مغايرا تماما للسودان، حيث ينهض الحلم بديلا للواقع، وينشأ اعتقاد جازم بأن الحكم الإسلامي - أي حكم إسلامي - سيكون مماثلا لحكم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه !!
الغريب في الأمر أن تجربة جعفر نميري لم تثن هؤلاء الأشياع عن التطلع إلى النظام السياسي الإسلامي. لكن رمي الأحزاب الأخرى بثقلها في هذا الميدان (حزب الأمة عبر برنامجه "نهج الصحوة الإسلامية" والحزب الاتحادي الديمقراطي "الجمهورية الإسلامية")، ميدان التنافس "الإسلامي" أخلى الساحتين السياسية والفكرية من منظومات "حداثية" وعلمانية قادرة على تعرية الشعارات "الإسلاموية" وتفريغها من مضامينها. والأكثر غرابة، أن هذين الحزبين خصوصا حصلا على فرصة ذهبية باستعراض تجربة جعفر نميري الشائهة في تطبيق أحكام زعم بأنها إسلامية.
وكانت تجربة نميري التي أوعز بها الإسلامويون، قائمة على قوانين وممارسات وأمور شكلية لا تنسحب على الفهم العميق للدين، ولا تنفذ من المظهر إلى الجوهر.
وحين كانت أيدي بعض الصبية صغار السن والجياع تقطع في الخرطوم، كانت رائحة فساد كبار المسؤولين تزكم الأنوف. وكانت المجاعة التي ضربت شرق إفريقيا في 1984 تشرد الملايين في غرب البلاد، من دون أن يعترف نميري بـ"المجاعة" التي تواجه "حكومته الإسلامية" !!
في عهد الإنقاذ، صار الأمر أسوأ. فالمستشارون في عهده الذين أغروه بتطبيق "شرع الله"، أصبحوا على رأس الدولة، وبمثابة عرابيها. والذين كانوا يأتمرون بأمر نميري ويبايعونه إماما للمسلمين، أضحوا "آئمة"، فماذا كان حصاد سنوات "التجريب الإسلاموي"؟

(3) (المؤمنون) أدخلوا زجاجة في مستقيمه !!
يتضح البون الشاسع بين الشعارات "البراقة" والتطبيق حين يصار إلى مقارنة ما جرى في السودان في عهد "الحكومة الإسلامية"، بما طرحه الإسلامويون سابقا. وإذا أراد أي باحث أمين أن يعير مطابقة الدولة - أية دولة - لأبسط المعايير الأخلاقية التفاتا، فلابد أن يعرج أولا إلى حادث وقع أخيرا في يونيو 2006 (بعد توقيع اتفاق السلام، والمزاعم عن مناخ الحريات). ففي شهر يونيو - يكتب المفكر اليساري السوداني الحاج وراق عن معارض شيوعي تعرض للتعذيب (على يد من؟) - :
(ادخلوا له زجاجة في مستقيمه! وهذا لم يكن مجرد ادعاء وانما اثبته الكشف الطبي! أحد اشكال التعذيب التي يقشعر لها وجدان كل شريف، والتي تعرض لها الطبيب عمر التاج النجيب! وقبله تعرض طلاب جامعة أم درمان الاهلية، ومعتقلو (إقليم) دارفور و(حزب المؤتمر) الشعبي، وقبلهم الألوف في بيوت الاشباح من الديمقراطيين والمعارضين الى شبيه لهذه الممارسات الوحشية، مما يطرح بإلحاح قضية التعذيب في البلاد: أهي تجاوز لبعض افراد في أجهزة الأمن ام مظهر من مظاهر انتهاكات حقوق الانسان في البلاد؟.)
ويثير وراق هنا نقطة جديرة تماما بالمناقشة. فالدولة "الإسلاموية" ما تزال بعد 17 عاما عاجزة عن احترام حقوق الانسان، وما تزال بعيدة عن أي قانون "أخلاقي وضعي" ناهيك عن أي وازع ديني !! وبطبيعة الحال فقد أدرك السودانيون بعد مرور بضعة أشهر فقط على حكم الإسلامويين بأن "الدولة الإسلاموية" ما هي إلا "معتقل كبير" ترتكب فيه أفظع الجرائم وأكثرها وحشية بضمائر تستأنس بنصوص القرآن والأحاديث الشريفة.
ما حدث للدكتور عمر التاج ظل ممارسة "أصيلة" لأجهزة الأمن التابعة لدولة الإسلامويين. ولنتعرف على عدل دولة الإسلامويين، وأخلاق هذه الدولة، من خلال قراءة جزء من رسالة (العميد) محمد أحمد الريح الموجهة لوزير العدل السوداني في 15 أغسطس 1993:
"تعرضت شخصيا للاغتصاب وإدخال أجسام صلبة داخل الدبر، وقام بذلك النقيب (....) وآخرون لا أعرفهم: الإخصاء بضغط الخصية بواسطة زردية والجر من العضو التناسلي بنفس الآلة وقد قام ذلك النقيب عاصم كباشي عضو لجنة التحقيق. القذف بالألفاظ النابية والتهديد المستمر بإمكانية إحضار زوجتي وفعل المنكر معها أمام ناظري بواسطة (....) وآخر يحضر من وقت لآخر لمكان التحقيق يدعى (....) وشهرته (...)" (المصدر: موقع سودان للجميع).
ويروي المحامي السوداني عدنان زاهر قسما من تجربته في معتقلات "الإسلامويين" في 1992 في كتاب "العمارة مستنقع التعذيب"، وهو كتاب تحت الطبع:
"كان ضربهم متزامنا ومترادفا بسيل منهمر من الشتائم من نوع (انتم المحامون تفسدون العامة وتدافعون عن الباطل)، (إنكم معارضة)، (أنتم أولاد [كلمة يستحى من كتابتها])، (إنكم أتفه من مشى على الأرض)، وغيرها من الإهانات التي لا يمكن أن تسطر على الورق دون الوقوع في طائلة خدش الحياء العام".
ويمضي زاهر:
"نزعت القمصان من أجسادنا في ذلك البرد القارس ثم القى بنا على الأرض كخرفان ينوي ذبحها. كنا نرتجف من شدة البرد والقهر، وبدأ مسلسل الضرب مرة أخرى. كانوا ثلاثة يتناوبون ضربنا الملازم مهدي، شخص يدعى عبيد وآخر أسقطت أسمه الذاكرة رغم رسوخ صورته. كان ضربا مبرحا في أماكن أنتقت بعناية ومعرفة وتدريب مسبق. كانوا يختارون أكثر الأماكن إيلاما. كان الضرب يرافقه كالعادة سبابا مقذعا وبذيئا. وكمرحلة التعذيب الأولى، لم يكونوا يطلبون شيئا محددا أو معلومة بعينها كان الضرب من أجل الضرب والعنف من أجل العنف".
وفي رمضان 1990 تم اعدام 28 ضابطا عاملا وآخرين متقاعدين من الجيش السوداني بذريعة تدبيرهم إنقلابا عسكريا (يشار إلى أن الإنقاذ جاءت للحكم عبر إنقلاب عسكري!!). وتم اعدام مواطنين في الأعوام الأولى لـ"الثورة" بتهمة "اخفاء عملات أجنبية وعدم التبليغ عنها".
وتم اعدام الطبيب النقابي الدكتور علي فضل في الفترة ذاتها بحجة معارضته النظام الإسلامي. ولم يعدم الدكتور علي فضل بالاستناد إلى حكم قضائي، وإنما تحت تعذيب "الأمن الإسلاموي".
وفي خلال 17 عاما من الحكم "الإسلامي" قتل طلاب وطالبات معارضون ومعارضات في الخرطوم، وعدد من الجامعات خارج العاصمة السودانية. وقتل مواطنون ومواطنات أثناء تظاهرات ضد النظام الإسلاموي. وارتفع عدد ضحايا حرب الجنوب (التي أضحت مقدسة بين الحق الإسلامي والباطل المسيحي) إلى 2 مليون. وخلال 3 سنوات فحسب، سقط ما بين 180 - 300 ألف قتيل في دارفور !!
ولأن الإسلامويين أرادوا منذ البدء أن يحكموا سيطرتهم تماما على الخدمة المدنية و"الاقتصاد" السوداني، تم بيع مؤسسات عامة لموالين للنظام، وتم فصل حوالي 125 ألف سوداني وسودانية من وظائفهم. ويرصد التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في السودان في 2003 أن حجم العاملين في هيئة السكة الحديد انخفض من 31 ألف في 1989 إلى نحو 11 ألف في 2003، أي بنسبة 65% تقريبا.
ماذا فعلت "دولة الإسلام" لهذه الأسر التي تم تشريدها؟
وهل "اقتصت" دولة الإسلام من مشايعيها الذين تورطوا في القتل والتعذيب؟
لم يحدث ذلك، فتاريخ "الدول الإسلامية" المزعومة يتكرر بطريقة تدعو للدهشة، حيث ينصب الاهتمام على الشكليات، وينصرف عن الجوهر، جوهر الدين، وجوهر الانسانية التي من أجلها بعث الأنبياء والرسل "رحمة للعالمين" !!
والمشكلة الحقيقية التي تواجه الإسلامويين عموما، وإسلامويي السودان خصوصا، هي أنهم لم يعوا دروس التاريخ بـ"عقول ناقدة" وباحثة عن "روح النص" و"مقاصده" و"غائيته"، ولم يتعلموا أبدا من الدروس الكبيرة التي وفرها التاريخ "الإسلامي"، تاريخ الدول الإسلامية، بدء بالدولة الأموية والعباسية، ونهاية بالدولة العثمانية. ومثلما حمل الخليفة العباسي الأول، لقب "السفاح"، يجوز لأي مثقف حر يرغب فعلا في فضح القشور و"ثقافة الوهم" أن يطلق على عدد من قادة هذا التيار وخصوصا في السودان، الصفة ذاتها، صفة القتل والإجرام، وباسم الدين، تماما كما كان يفعل الخليفة العباسي.
ألا يعتبر القذف بحوالي 125 ألف سوداني إلى الشارع دون وظيفة إجراما؟
ألا يعد تعذيب انسان بحشر زجاجة في مستقيمه جريمة بشعة بكل المقاييس ناهيك عن مقياس الدين؟
ولماذا بالأساس تتم الدعوة لدولة إسلامية، طالما أنها لا تتورع - باسم الدين وظل الله في الأرض - عن ارتكاب "كبائر" كالقتل؟


(4) تأهيل المجتمع أخلاقيا !!
ولئن كان زعم إسلامويي السودان ينصب على "تأهيل المجتمع أخلاقيا"، وردعه عن "طريق التهلكة"، و"اعادة صياغة الانسان السوداني"، فلننظر بروية إلى النتائج، نتائج "البعث الإسلاموي" المزعوم، أو إن شئت الدقة "العبث الإسلاموي". ورد في صحيفة "الوطن" السعودية (1/7/2006) أن اللجنة القومية لمكافحة المخدرات في السودان حذرت من "تنامي تعاطي المخدرات وسط شريحة الطلاب رغم أن الجهات المسؤولة ذكرت أن البلاغات عن انتشارها وسط الطلاب لم ترق لدرجة الظاهرة".
ويمضي الخبر للقول "لفت رئيس اللجنة الدكتور الجزولي دفع الله إلى غياب الإحصاءات الدقيقة والرسمية للمخدرات لكنه أشار إلى أن هنالك علاقة بين المخدرات والحروب التي دارت في بعض أقاليم السودان، مبينا أن الحروب حجمت من حملات مكافحة المخدرات و أتاحت الفرصة لتجار المخدرات لأن يتحركوا بحرية ويسهموا في إضعاف الشباب وتفكيك الأسر مشيرا إلى أن المخدرات المضبوطة بواسطة الشرطة تساوي حوالي10% من المخدرات المنتشرة فعلا".
هذا عن أوساط الطلاب فقط، ناهيك عن الفئات الأخرى، وفي بلد يعاني أكثر من 85 بالمئة من سكانه من الفقر المدقع. وبطبيعة الحال فإن شعارات الأسلمة وحدها، والتعويل على الوازع الأخلاقي ليس كفيلا بالتصدي لمثل هذه الظواهر الخطيرة. فالعوامل التي يهملها الإسلامويون عادة، كالاقتصاد، والحريات، والشفافية، باعتبارها معطيات وعوامل دنيوية بل و"علمانية" بنظرهم، تبرز كعوامل حاسمة في معالجة مثل هذه الظواهر.
ولعل البيئات الجامعية الفقيرة معرفيا وثقافيا وفنيا في عهدهم، أسهمت بقدر في خلق احباط واسع وسط جيل الشباب علاوة على النظرة القاتمة تجاه المستقبل في ظل وضع ينهار تدريجيا.
التعويل على الوازع الأخلاقي وحده كان سمة لمناقشات سمجة جرت في المجلس الوطني السوداني (البرلمان) خلال شهر يونيو 2006 حول توزيع الواقيات الذكرية. واعتبرت غالبية النواب الإسلامويين "المعينين بالطبع" أن توزيع الواقيات الذكرية مجانا مدعاة لـ"اشاعة الفاحشة في المجتمع"، هكذا ومرة أخرى دون أي اعتبار للعوامل الأخرى مثل العامل الاقتصادي، والحروب، بل والجهل.
وكان واجبا بالطبع أن يقر توزيع الواقيات الذكرية مجانا، مترافقا مع حملة إعلامية للحد من انتشار فيروس الإيدز في البلاد. فبحسب تقرير وضعه برنامج الامم المتحدة لمكافحة الايدز، يبقى السودان الأكثر تضررا من فيروس الايدز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وإذا تمت الإشارة إلى أن ما يقارب النصف مليون سوداني يحملون هذا الفيروس تبعا لاحصاءات غير رسمية، فلابد أن يثير هذا الأمر قلقا عميقا، دعك من أن يطرح أسئلة عن الدولة "الإسلامية" الوحيدة ربما في المنطقة - بحسب مزاعمهم - التي يتفشى فيها هذا المرض جراء الاتصال الجنسي غالبا، فالتقرير ذاته يؤكد أن ابرز اسباب انتقال العدوى هو العلاقات الجنسية دون وقاية.
ويضيف تقرير الأمم المتحدة بأن فيروس الايدز يتفشى بين الطلاب والنازحين وأن النساء لا يحصلن على معلومات كافية حول مخاطر الاصابة بالايدز. كما أظهر تحقيق أجري أخيرا ان 5 بالمئة فقط من النساء يعرفن ان استخدام الواقي قادر على منع انتقال الفيروس ولم تر اكثر من ثلثي النساء الواقي ولم يسمعن عنه.
وأضاف التقرير ان 55 بالمئة من الرجال والنساء الذين يمارسون الدعارة في السودان يؤكدون انهم لم يروا ابدا الواقي.
ويرجع الفضل في ذلك كله إلى "دولة الإسلام" التي لا يثير حفيظتها شيء قدر الطعن في عفافها وفضيلتها، كيف لا، وهي قامت بالأساس من أجل العفاف والفضيلة؟


(5) الإسلامويون الطهرانيون !!
والإسلامويون الطهرانيون ضربوا مثلا غاية في السوء في جانب آخر يتعلق بطهر اليد، ومدى الشفافية المالية والادارية. فبعد أن تم تعيين الأشياع في وظائف الخدمة المدنية، والجيش، والأمن، والشرطة، واحكموا قبضتهم على الاقتصاد السوداني، دافعين بذلك ملايين السودانيين إلى الهجرة حتى لإسرائيل كما ورد في الأخبار أخيرا (حوالي 150 سودانيا يقبعون في السجون الإسرائيلية يطالبون بحق اللجوء السياسي)، توضح أن طهرانية الإسلاميويين بل وطهرانية دولتهم، ليست إلا غشاوة في عيون البسطاء.
ففي دليل "الدول الفاشلة" لعام 2006 الذي يصدر في واشنطن، تصدر السودان الترتيب العالمي !!. وتعريف الدول الفاشلة هي تلك "التي لا تملك فيها الحكومة سيطرة فعالة على أراضيها، والتي لا توفر الأمن المحلي أو (الخدمات العامة) لمواطنيها، وتفتقد إلى احتكار استخدام القوة".
لكن "الدولة الإسلامية" لا تفخر بترتيبها المتقدم وسط "الدول الفاشلة" فحسب، فمؤسسة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير صنفت السودان بحسبانه الدولة العربية الأكثر فسادا وبين (الدول العشر الأكثر فسادا في العالم). يبقى هنا أن نثير سؤالا جوهريا: ترى من يفسد "في الأرض" في السودان؟
"الدولة الإسلاموية" لا تكترث لذلك، فهناك ما هو أهم، وأكثر أولوية، ولو كان "عبادة النصوص"، والتصدي بحزم لـ"العلم". ففي سبتمبر 2005 انتقد رئيس الدولة الدعوات لوقف ختان الإناث في السودان، واتهم جهات لم يسمها بتحريك الحملة ضد الختان، وقال إن هناك دوائر "تتربص بالاسلام والمسلمين تحرك حملات منع ختان الإناث".
فالخلاف حول ختان الإناث، وتصدي بعض المثقفين وبعض الدوائر الطبية في السودان لهذه العملية الإجرامية، التي أودت أخيرا بحياة طفلة سودانية تدعى (إنعام)، هو "تربص" في عرف "خليفة المسلمين" بالإسلام والمسلمين. هكذا يختزل الإسلامويون القضايا التي تؤرق المجتمع وتقض مضجعه إلى معركة دينية ظاهريا، حيث يتم التستر بالدين، ويتم "قمع" الآخرين بعصا الدين.
وبالعودة لموضوع فساد "الإسلامويين"، يمكن بسهولة الإشارة إلى كتاب صدر أخيرا من قبل الدكتور عبدالرحيم عمر محي الدين، وهو إسلاموي سوداني يبدو أنه قرر الخروج على "النسق". يحمل الكتاب اسم (الترابي والإنقاذ.. صراع الهوية والهوى). يقول الدكتور محي الدين: (أصبح الكثيرون من قادة الحركة الإسلامية لا يسكنون مع جماهير الغلابة والمستضعفين من أبناء الشعب السوداني حيث تطاول البنيان، وزهت وتشكلت أنواع الفرش والزينة، وتنوعت صنوف الطعام والشراب).
ويمضي للقول: (لا نحن ولا الإسلام ضد الطيبات من الرزق والتمتع بأنعام الله، لكن الذي ينبري لقيادة الجماهير لا بد أن يكون منهم وأن ينتمي إليهم مظهرا وجوهرا وأن تشعر الجماهير بأنه واحد منهم يعيش آلامهم ويجوع إذا جاعوا ويمتطي أبناؤه المواصلات العامة كسائر أبناء الشعب السوداني).
إذن هو اعتراف "شفاف" بأن دعاة "الإسلام السياسي" تنكروا للبسطاء والفقراء، ولم "يؤثروا" على أنفسهم، على الرغم من أنهم لا يشتكون "خصاصة". بل الأنكى من ذلك، أنهم لم يكشفوا إلى غاية الآن عن مصدر ثرائهم العريض!!
والدكتور الترابي نفسه، يقول لصحيفة الرأي العام الكويتية في 4/5/2006 (الذين يتولون السلطة في السودان جاءوا باسم الإسلام، وما زالت تغشاهم غاشية من سمعة أنهم ينتسبون إليه، وعموما أريد أن يتوبوا إلى الله لأنه إذا نسبنا للإسلام حكما يمزق البلاد، فهذا الأمر يضر به ويؤذي سمعته ودعوته في العالم ويؤثر على نشر دعوته سلبا ويظهر الإسلام بأنه دين طغيان واعتقالات، وهذا ضد الدين تماما).
وشهد "شاهدان" من أهلها !!
وبالطبع فإن جناحي الإسلامويين في السودان (المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير، والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي) يزايدان على أيهما أكثر "أصولية" و"تدينا"، على الرغم من آراء الترابي الأخيرة حول ولاية المرأة وجواز اقترانها بمسيحي أو يهودي، والمراد غالبا من هذه "الرسالة"، هو الغرب "الكافر العلماني" !!


(6) حرب مقدسة ضد الجنوبيين.. وأخرى في دارفور
الترابي نفسه، هو الذي قاد سنوات طويلة، الحرب "المقدسة" ضد المسيحيين الجنوبيين باسم الدين و"الحور العين"، في خطاب تختلط فيه النصوص الدينية بالوعود "الجنسية" المبثوثة بسخاء للشباب وإن تلبست بالمقدس، والوطنية الشوفينية.
وجرى ذلك من خلال "شيطنة" الدكتور جون قرنق، والسخرية منه ومن شكله - كإفريقي أسود - في التلفزيون الرسمي التابع - بالطبع - للترابي وجماعته. وكان يتم بث صورة قرنق في شكل وحش يقطر فمه دما !!.
وفي مثل هذه الحالة من الفجور في الخصومة، يضرب بالنصوص عرض الحائط، وتضحي السياسة موغلة في الميكيافيلية. فـ"أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، تنسى تماما في غمرة الانشغال بتصوير (قرنق مثلا) كعدو يجوز تشنيعه بأية حال، وليغفل الإسلامويون إلى حين، سماحة الإسلام، ومقاصده، وروحه التي لا تشبه قطعا سخريتهم من الآخر حتى لو كان عدوا (افتراضيا) !!.
جناحا الإسلامويين يزايدان على الدين. فإن بدا للترابي أن يضرب تلاميذه السابقين تحت الحزام، ليفقدهم الشرعية، فإنهم في الجانب الآخر لا يقلون عنه مزايدة. فرئيس الجمهورية، بدلا من أن يحاول حل مشكلة دارفور التي تسبب بها نظامه، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 180 ألف إلى 300 ألف قتيل (مسلم)، بطريقة سلمية، يقسم بـ"الطلاق" ثلاثا أنه لن يسمح بدخول قوات دولية للإقليم.
ويزيد على ذلك بأنه يفضل قيادة المقاومة (الإسلامية بالطبع) في دارفور على دخول القوات الدولية، التي أضحى لها وجود ظاهر في السودان منذ توقيع اتفاق السلام بين الخرطوم والحركة الشعبية.
فهذه القوات موجودة في الجنوب وفي جبال النوبة (غرب) وفي الخرطوم ذاتها على بعد بضعة عشرات من الأمتار من قصر البشير الرئاسي. لكن الإسلام السياسي "البراغماتي"، الشديد البراغماتية، لابد أن يزايد، ولابد أن يراهن على الدين.
يبقى هنا أن نشير إلى أن كل هذه الضجة حول دارفور، والأطماع الدولية فيها، والمخاوف من مجيء قوات (لحماية المدنيين من هجمات المليشيات المدعومة بواسطة الحكومة) هي ضجة كاذبة، تتذرع بالدين وبالوطنية الشوفينية.
وفي هذا الصدد ينسف اعتراف حكومي سوداني كل الحجج الواهية التي تسوقها في رفض مجيء هذه القوات. فمدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية، اللواء (وقتذاك، الفريق الآن) صلاح عبدالله قال في تصريحات صحفية نقلتها الخليج الإماراتية (19-4-2004): "سلحنا ميليشيات دارفور لكننا لن نفعل ذلك في الشرق"!!
هذا يعني ببساطة أن الخرطوم سلحت المليشيات (العربية)، ودعمتها ووفرت لها الاسناد لسحق 180 ألف إلى 300 ألف من مواطنيها (المسلمين، الأفارقة). وهذا معناه أن الخرطوم تخشى تبعات هذا التصرف، خصوصا لجهة أن أطراف عدلية دولية (كافرة طبعا) كمحكمة الجنايات الدولية تتحرك جاهدة من أجل إنفاذ العدالة على مجرمي الحرب في دارفور. لكن دولة الإسلام العاجزة عن توفير العدل، لا ترغب في أن يحصل الضحايا في دارفور على أبسط حقوقهم الانسانية، وهي العدل، ناهيك عن الحقوق التي بسطها لهم الدين (القصاص) !!
وتدرك الحكومة (الإسلاموية) أن مجيء هذه القوات سيوفر غطاءا لعمل الفرق القانونية وفرق البحث والاستقصاء التابعة للمحكمة الدولية على الأرض في دارفور، فكيف تسمح دولة الإسلام، بمعاقبة مشايعيها (المؤمنين)؟
الغريب أن مدير جهاز الأمن والمخابرات ذاته عاد بعد اعترافه بعامين تقريبا ليهدد ويتوعد: (إذا كان الخيار المطروح هو استعمار السودان ودخول الجيوش الأممية إلى ترابه فإن باطن الارض خير من ظاهرها) موضحا في تصريحات نقلتها صحف الخرطوم مطلع يوليو 2006 أنه في حال نشوب المعركة (فإننا سنبدأ من الخرطوم بالطابور الخامس وعملاء الداخل من المرجفين والمتربصين بأمن الوطن ومواطنيه) !!.
كيف لا، والإسلامويون هم وحدهم الذين يحددون للآخرين "مقاس" الوطنية، و"معيار" التدين. ودولة الإسلام في السودان، لا تختلف كثيرا عن "محاكم التفتيش". فإذا كنت سودانيا يؤمن بالضمير والقيم الانسانية، وحقوق الانسان، وضرورة تطبيق العدل حتى على "فاطمة بنت محمد" عليها رضوان الله، وتدرك بأن الانسان دائما أقيم وأولى من "السيادة الوطنية"، وأن مقتل قرابة 300 ألف من مواطنيك، لابد أن يتبعه تحقيق عادل، وحساب عسير، فلا شك أنك "طابور خامس" و"مرجف" و"متربص" ينبغي أن تطالك "درة" الفريق صلاح عبدالله، و"درة" دولة الإسلام، هذا إن لم يكن مصيرك كمصير مواطني دارفور القتلى !!


علينا أن ندرك أولويات دولة الإسلام السياسي، فمقتل مواطن على يد أتباعها (اتباع الدولة) يبقى أمرا غير ذي بال، أما مساندة العدالة، والمطالبة بحماية المدنيين (طالما الجيش مقصر والأجهزة الأمنية مقصرة وقوات الاتحاد الإفريقي مقصرة)، فهي كبيرة من الكبائر.


(7) فساد دولة المؤمنين
وتنصرف دولة الإسلام إلى سفاسف الأمور، لا عظائمها. وتنشغل بالأمور التافهة على الأمور العظيمة (كالقتل). ففي 21 يونيو 2003 (الحرب في دارفور بدأت قبل ذلك، وكان المواطنون يموتون هناك)، أعلن رئيس الدولة رصد 5 مليون دينار (50 مليون جنيه) لصالح تجهيز زي خاص بالطالبات الجامعيات يستوفي "الشروط الدينية".
وأمر الرئيس بفرض هذا الزي "الإسلامي" على جميع الطالبات بالجامعات السودانية. ويتكون الزي الإلزامي من جلباب فضفاض طويل وقميص فضفاض وغطاء للرأس (خمار) وفق "الشروط الاسلامية". وفي الجانب "المظلم" من الصورة، كان ما لايقل عن 2 مليون سوداني (مسلم) يعانون من شظف العيش والجوع في معسكرات للنازحين في دارفور وفي تشاد المجاورة.
لا بل ويعن لدولة الإسلامويين الاحتفال بذكرى الإنقلاب في مثل هذه الظروف. وتنفق على الاحتفالات عشرات الملايين من الدولارات. ويطيب لها أن تستورد "يختا" فاخرا بما لا يقل عن 5 ملايين دولار ليكون في خدمة "أمير المؤمنين" وضيوفه، ولا عزاء - في الدولة الإسلاموية – للجوعى في دارفور !!
تتدخل دولة الإسلام السياسي في كل شيء في حياة مواطنيها، حتى الزي، الذي لابد أن يكون "إسلاميا"، لكنها ترفع يدها عن واجباتها الرئيسة. فالتعليم والعلاج اللذان كانا مجانا منذ عهد الاستعمار الإنكليزي، مرورا بالحكومات الوطنية كلها التي حكمت البلاد، ديكتاتورية كانت أم ديمقراطية، رفعت "دولة الإسلام" يدها "الطاهرة" عنهما منذ مجيئها، لتثقل كاهل المواطنين الفقراء بنفقات باهظة في بلد تكثر فيه الأمراض، ويسود الجهل.
علينا أن ندرك أن ما أنفقته دولة الإسلام السياسي على التعليم في الفترة 1995-1997 لا يتعدى 1.4% من الناتج القومي، في حين بلغت هذه النسبة على التوالي في بلد كساحل العاج 5% وكينيا 6% وسيشل 10%. في الوقت نفسه بلغ حجم الإنفاق العسكري المعلن في السودان 3.6% من الناتج العام أي قرابة ثلاثة أضعاف ما أنفق على التعليم (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
ويبلغ عدد الأميين في السودان 18 مليون (التعليم والثورة: سعاد إبراهيم أحمد، مجلة احترام: المجلة السودانية لثقافة حقوق الانسان وقضايا التعدد الثقافي، مارس 2006). وجل ايرادات النفط خلال 2003 (حوالي 2.5 ترليون جنيه سوداني) تم صرفها على جهاز الدولة البيروقراطي (913.000 مليار جنيه) وتم تخصيص 468 مليار للأمن والدفاع، وهما في الحقيقة الأهم بنظر دولة الإسلام السياسي.
أما الانتاج والتنمية البشرية، فتراجع نصيبهما (من 775 مليار جنيه إلى 620 مليار) بنسبة 20% عن العام السابق، فيما تراجع نصيب التنمية الزراعية 23% (من 220 مليار جنيه في 2002 إلى 170 مليار في 2003). وفي خضم هذه الأرقام المذهلة، وخصخصة التعليم والعلاج، علينا أن نعلم أن متوسط دخل الفرد في "دولة الإسلام السياسي" لا يتجاوز 400 دولار سنويا. وعلينا أن نقرأ هذا الرقم بدقة (400 دولار سنويا) ما يعني أن متوسط الدخل يوميا لا يتعدى دولار تقريبا!!
وعلى هذا المواطن (السعيد) في دولة الإسلام السياسي التي تهتم لأمر الزي الإسلامي، والحروب المقدسة، أن يأكل ويشرب ويعلّم أبناءه، ويتعالج بدولار في اليوم!!
ويكون الأمر منطقيا لو أن رجالات دولة الإسلام السياسي يعيشون بالكيفية ذاتها التي فرضوها على المواطن السوداني. فقد كانت جملة الاعتداءات على المال العام، باستثناء قطاع المصارف من سبتمبر 2004 وحتى نهاية اغسطس 2005 تقدر بـ(542 مليون دينار، يعني 5 مليارات جنيه)، ولنلاحظ أن ما تم تخصيصه لجهاز الدولة من ميزانية العام 2003 (أي العام السابق) كان 913.000 مليار جنيه.
كانت جرائم سرقة المال العام وصلت إلي 813 مليون دينار (8 مليار جنيه) في 2002 لم يسترد منها الا 8.32 مليون دينار أي 9% تقريبا. المفاجأة المزلزلة فعلا، هي أن الاعتداء علي مال الزكاة كانت نسبته 11% من إجمالي المبالغ المسروقة. هذا يعني أن أموال "السائل والمحروم" التي تقوم بجمعها دولة الإسلام السياسي، من "السائل والمحروم" ذاته، سرقت منها أكثر من مليار جنيه!!
ولنقرأ مرة أخرى بتمعن، ففي 2003 هدد العاملون في 21 ولاية بالإضراب عن العمل بسبب عدم دفع الدولة (دولة الإسلام) أجورهم. وكانت مطالبهم وقتها لا تتعدى 6 مليار جنيه سوداني.
من يسرق، ومن يجوع؟ من يعتدي على أموال الزكاة، والمال العام؟
حسنا. من يتستر عليهم؟
من يفعل ذلك، خصوصا إذا علمنا بأن غالبية من يعملون في أجهزة الدولة، هم من الإسلامويين؟
وما تم رصده هنا، هو ما تكشف عنه الحكومة بنفسها.وهذا ما تكتب عنه صحافة الخرطوم المراقبة. وبالطبع فإن أرقام الاعتداءات على المال العام متواضعة جدا، بالنظر إلى ترتيب السودان المتقدم في الشرق الأوسط وإفريقيا كـدولة "فاسدة".
وفي 30 يناير 2006 كشفت وزيرة الدولة بوزارة الطاقة والتعدين، انجلينا جانج تينج (من الحركة الشعبية لتحرير السودان)، إنها كوزيرة لا تعلم شيئا عن العائدات الكلية للنفط ومن يقوم بحسابها والكيفية التي يتم بها ذلك!!
ولننح جانبا الحديث عن عموميات الفساد، ولنستعرض نموذجا من نماذج الفساد "الإسلاموي" في قمة هرم السلطة. قبل عامين تقريبا، انهارت بناية تابعة لجامعة الرباط في الخرطوم، والجامعة بدورها تابعة لوزارة الداخلية كعمل استثماري في التعليم العالي لهذه الوزارة. وبالاضافة للخسائر المادية، قتل مواطن بسيط في هذا الحادث.
وبعد ضغوط شعبية تعرضت لها الحكومة الإسلاموية بهدف تشكيل لجنة تحقيق، برأت لجنة التحقيق وزير الداخلية (آنذاك) الفريق عبدالرحيم محمد حسين، ملقية المسؤولية على الشركة المسؤولة عن البناء.
ونفت اللجنة ذاتها أن يكون الوزير (الإسلاموي المقرب من أمير المؤمنين) قد أثرى (ثراء حراما) من وراء "صلته" بالشركة. هذا يعني ببساطة أن للوزير صلة بالشركة التي (غشت) في مواد البناء، وتسببت بمقتل انسان واهدار مال عام. وكشفت تقارير صحافية بعد ذلك أن الشركة ذاتها هي التي قامت بتشييد بيت الوزير في ضاحية "غاردن سيتي" على شاطيء النيل الخلاب !!.
وذكرت تقارير صحافية أخرى أن كلفة المصعد الكهربائي وحده في البيت المذكور بلغت (200 مليون جنيه) في بلد لا يزيد متوسط دخل الفرد فيه سنويا عن (2مليون جنيه).
تسببت الفضائح المتتالية في استقالة الوزير. وبدلا من محاسبته، وعوضا عن ظهور "درة عمر"، كافأه رئيس الجمهورية بوزارة الدفاع !!
إنها دولة الإسلام السياسي، التي حين يسرق فيها البسطاء الذين يحصلون على دولار واحد في اليوم، تقطع أيديهم !!
ولابد أن أشير إلى أمر في غاية الأهمية، ففي نهاية يونيو 2006 أصدر النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس حكومة جنوب السودان، الفريق سلفا كير ميارديت (مسيحي، علماني) مرسوما وضع بموجبه والى غرب الاستوائية تحت الاقامة الجبرية بمنزله ريثما تنتهي التحقيقات معه بشأن اتهام بـ"الفساد".
يا سبحان الله !! الحكومة الإسلاموية عجزت طوال سنوات حكمها الـ 17 عن محاكمة أي مسؤول رفيع بتهمة الفساد، وهاهو سلفا كير (المسيحي، العلماني)، ولمّا يمض العام على توليه أعباء منصبه، يكافح الفساد بهذه الطريقة الداعية للاعجاب !!
هل الحكم الراشد يقوم على قاعدة إسلاموي/لا إسلاموي، أم على معايير أخرى؟
وهل تؤثر الرقابة الشعبية، وفصل السلطات، وحرية الصحافة، وحق العقاب من خلال صناديق الاقتراع، في فساد أو نزاهة الحكام؟ لن يجيبك الإسلامويون على مثل هذه الأسئلة، وإذا أجابوا، فإن الإجابة ستكون "مقتطعة" و"مجتزأة" من القرآن الكريم على شاكلة "لا تقربوا الصلاة".
ولنقرأ معا: وجدت الشرطة شيخا في الخامسة والستين من العمر ميتا في إحدى طرقات وسط العاصمة جيوبه خالية إلا من تذكرة طبية حديثة الصدور عليها اسم دواء لعلاج الملاريا وعزا الطبيب الشرعي أسباب الوفاة إلى مضاعفات حمى الملاريا التي لم تجد غذاء أو دواء (جريدة الخليج الاماراتية 29/11/1996).
"لو عثرت بغلة بالعراق...." !!
لكن من يسأل أمير المؤمنين؟
ومن يسأل حكومة الإسلامويين؟
لا بأس بموت فقير، أو مليون فقير، طالما أن "أولويات" الحكم، الحرب المقدسة في الجنوب، ومحاربة الفنون والآداب (تم تحطيم التماثيل الفنية في كلية الفنون الجميلة والتشكيلية في الخرطوم في مطلع التسعينات، وخسرت الإذاعة والتلفزيون تسجيلات فنية نادرة بدعوى خروجها على الدين)، بالإضافة لتثبيت دعائم حكمهم !!
تذكروا، نحن لا نتجنى على الحكم الإسلاموي، فالحرب المقدسة "الملعونة" التي قسروا الشبان السودانيين على خوضها من خلال المعسكرات الجبرية للخدمة العسكرية (حين هرب بعض المجندين من معسكر "العيلفون" في 1997 فتح الجنود النار عليهم فسقط العشرات مضرجين بدمائهم)، كان هذا ثمنها: تعتبر معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة في السودان من أعلى المعدلات في أفريقيا والعالم العربي إذ بلغت 116 طفلا في الألف (بسبب الحرب)، في حين تنخفض هذه النسبة على سبيل المثال في دولة كالأردن -الذي لا يملك من الموارد الطبيعية ما يملكه السودان- إلى 5 في الألف فقط، (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
أي بلد هذا الذي يشهد انهيارا فظيعا في كل مناحي الحياة فيه، بسبب "الحكم الإسلاموي"؟
تخيلوا أن بلدا تجري فيه ما لا تقل عن تسعة أنهار، لا تتوفر المياه الصالحة للشرب إلا لـ 25% من مواطنيه (الحرب في جنوب السودان.. حصاد الهشيم - محمد عبدالعاطي، الجزيرة.نت).
هذا يعني أن 75% من السودانيين، (ليس في الجنوب وحده، بل في السودان كله) يستهلكون مياها غير صالحة للشرب!!.
لم لا، طالما الميزانية يوجه معظمها على البندين العسكري والأمني. الأول لمحاربة مواطني الدولة في الجنوب ودارفور وشرق السودان، في حين تقتطع ثلاث من دول الجوار أراض سودانية (مصر،إثيوبيا، كينيا) والجيش لا يحرك ساكنا. والثاني للتجسس على البقية، وتوفير وسائل التعذيب، وتدريب العاملين في أجهزة الأمن على أحدث "فنون" التعذيب. إنها الحكومة ذاتها التي تعادي الفنون، وتهجّر كبار الفنانين السودانيين سنوات طويلة في المنافي !!


(8) سقوط الشعارات.. والمشروع الإسلاموي !!
لأن السودان بعد 17 عاما فقط من حكم الإسلام السياسي، أضحى دولة "فاشلة" ولم يكن كذلك، ودولة "فاسدة" بل الأكثر فسادا بين الدول العربية، ولم يكن كذلك، وأضحى يعاني حروبا في جبهات عدة، ولم يكن كذلك، وخيّم شبح الانفصال في الجنوب ودارفور، وارتد المجتمع للقبيلة والجهة، ولم يكن المجتمع كذلك.
ولأن معاناة مواطنيه بلغت حدا لم يحدث في تاريخه، ولأن المواطن السودان "لم يطعم من جوع ولم يأمن من خوف"، بل أصبح الشيخ المسن يموت في الشارع لعجزه عن ابتياع دواء بمبلغ زهيد، يبقى الوصف الصحيح لمثل هذا الحكم، هو أنه الأفشل في تاريخ البلاد، والأكثر دموية وارهابا، والأكثر فسادا، وانتهازية، والأقل شفافية، والأكثر ديكتاتورية وتهورا، والأهم من ذلك.. الأبعد وبشقة واسعة جدا عن روح الإسلام !!
لنقرأ بتمعن ما ذكره مثقف إسلاموي بارز هو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني (مستشار رئيس الجمهورية حاليا) في ورقة بعنوان (دعوة لاحياء العمل الاسلامي الوطني) قدمها أمام ندوة لهيئة الاعمال الفكرية في الخرطوم قبل عامين تقريبا:
"أشد الادواء التي اصابت الحركة الاسلامية هو الاحساس الذي انتاب كثيرا من اعضائها بتآكل المشروعية وفقدان المصداقية الذاتية الذي اضعف الايمان بالنفس وبأحقية المطلب الذي اجتمعوا عليه وتواثقوا على نصرته، مشيرا الى ان ذلك قاد الى ضمور العمل الاسلامي وسط التيارات الحية والمتجددة في المجتمع، والتي كانت للحركة الاسلامية الصدارة فيها على من سواها" !!
ولنقرأ مرة أخرى للدكتور حسن مكي (أحد المثقفين الإسلامويين البارزين) في صحيفة الخليج الاماراتية (6/9/1996):
"ما جدوى هذا المشروع الحضاري إذا كان الاتجاه العام للحياة في السودان يمضى لانكماش وانقباض وتأزم، وأنها ماضية إلى المزيد من الأزمات نتيجة للانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، ونتيجة للتضخم، ونتيجة للخلل في السياسات الاقتصادية".
ويمضي لما هو أهم، بل هو جوهر المسألة:
"إن الإسلام يقوم على النموذج والقدوة وما زالت الأوضاع في السودان بعيدة عن حضارة النموذج." ورصد ما طرأ من تغيرات على حياة الإسلامويين: " إن هذه الفئة الجديدة تستفز المواطنين بمسكنها وملبسها ومأكلها ومركبها".
ولنذكر هنا أن البند الثاني من بنود "أهداف" حزب المؤتمر الوطني (الإسلامويين) عبر مرسومه الأساسي، يؤكد "حاكمية الله" !!
والحقيقة طبعا أن الإسلام عبر شخوصه لا يحقق عدلا ولا دولة كفاية ولا يكفل حقوقا انسانية - من خلال الحكم - لأنه ما من وسيلة لمراقبة "خائنة الأعين وما تخفي الصدور". ولا سبيل لمحاسبة الحاكم "الفاسد" الذي يرفع المصحف بيمينه. ولا يمكن لأي مواطن أن يعترض على أي أمر، لأن الحاكم أشبه بـ"ظل الله على الأرض"، ومعارضة الدولة، هي معارضة الله !!
لكن، وبعد كل هذه السنوات، هل تسمى هذه دولة "الله"، أم دولة "الشيطان"؟
وما هي حقيقة المشروع الإسلاموي في الحكم؟
وما هي حقيقة الشعارات؟
والحقيقة أن الإسلام (لصلاحيته لكل زمان ومكان) لم يشرع شكلا محددا للدولة، ولم يدع لدولة دينية. والإسلام في مقاصده النهائية، وروحه، وجوهره، أقرب لمفاهيم العدل منه للظلم، ولمفاهيم المساواة منه لعدم المساواة، ولمفاهيم حقوق الانسان، منه لمفاهيم القطع والضرب والجلد و"التعذيب".
والحقيقة، أنهم يدركون ذلك جيدا. لكنهم - دعاة الإسلام السياسي - يتاجرون بالشعارات، وهي وسيلتهم الوحيدة لخداع الناس، وارهابهم والتسلط عليهم باسم الدين. و"مطية" الإسلام، والمزايدة بشعاراته، هي أسهل طريقة يمكن اتباعها للوصول للحكم، عبر الاحتجاج الإسلاموي، وتشغيل آلة الإرهاب الفكري بحق "المخالفين".
وأخيرا قد يعن لسائل أن يطرح سؤالا عن حصار دولة الإسلامويين بواسطة الغرب، ومعاداة الغرب لها.
وهو سؤال جدير بالانتباه، فإسلامويو السودان كانوا مستشارين لجعفر نميري، حين كان الأخير "عميلا" أمريكيا لا يشق له غبار. وكانوا مستشاريه حين قام نظامه بترحيل الفلاشا. وكانوا مقربين منه حين كان لوكالة المخابرات الأمريكية وجود كبير جدا في الخرطوم مطلع الثمانينات.
وفي ظل حكمهم "الكامل دون شراكة مع أحد"، أصبح مدير جهاز الأمن والمخابرات السودانية يطير إلى مقر المخابرات الأمريكية في الولايات المتحدة بطائرة خاصة، وتكشف الصحف الأمريكية ذلك (لوس أنجلوس تايمز). ولم تكشف ذلك صحافة الخرطوم (لماذا ترى؟).
صحيح أن الخرطوم ظلت على عداء واضح لواشنطن إلى بداية الألفية، واستضافت بن لادن والظواهري وغيرهما من غلاة المتشددين. لكن أين (المباديء) حين يتحول كل هذا العداء لتعاون وثيق، تم من خلاله تسليم كل ملفات (أصدقاء الأمس: إخوتهم الإسلاميين في القاعدة وغيرها) للمخابرات الغربية؟
و قدمت الاستخبارات السودانية للولايات المتحدة بحسب تقارير صحافية معلومات مهمة عن تحركات بعض الأشخاص المشتبه في علاقتهم بالإرهاب في بعض الدول المجاورة كالصومال.
وأبعدت متطرفين وسلمتهم إلي استخبارات دول عربية (يعتقد أنها مصر) لها تعاون وثيق مع وكالة المخابرات الأمريكية. وقامت بإحباط هجمات ضد أهداف أمريكية، وذلك باعتقال متطرفين أجانب كانوا يعبرون السودان للانضمام إلى المسلحين في العراق.
وعرض السودان في منتصف 2000 تسليم اثنين من المشتبه في تورطهما في أحداث تفجير سفارتي الولايات المتحدة في شرق إفريقيا عام 1998.
وكانت الخرطوم قد عرضت على السعوديين تسليم بن لادن منتصف التسعينات !!
إن اليسار (الشيوعي، الملحد) - في هذه الحالة - ممثلا في فيدل كاسترو، وبدرجة أقل، هوغو شافيز يبقى مؤهلا أخلاقيا أكثر من الإسلامويين. فلم يقرأ واحد منا عن مثل هذا التعاون الذي يبلغ درجة "الانبطاح" للدوائر الاستخباراتية الغربية. وما هو الثمن؟
الثمن هو محاولة الإبقاء على مقاعد السلطة !!
ويا له من هدف نبيل يكشف عن سمو روحي، ونزعة أخلاقية. لكن، أين الشعارات التي أطلقتها الإنقاذ طيلة عشر سنوات: (أمريكا روسيا قد دنا عذابها، علي إن لاقيتها ضرابها)، و(الأمريكان لكم تسلحنا، بقول الله وقول الرسول لكم تسلحنا)؟
ولماذا ترفض الخرطوم إذن مجيء قوات دولية لدارفور؟
هل دولة الإسلام متناقضة؟
هل تعاني من خلل أخلاقي عميق؟
ولن تحصل على إجابة مقنعة من قبلهم سوى أن "هذه هي السياسة".
ونسأل بدورنا: أهي "السياسة" أم "السياسة الشرعية"؟
وما هو المقصود بـ"دولة إسلامية" على وجه الدقة؟
أهي الدولة الأقرب للعدل وكفالة حقوق الانسان والمساواة والقانون، أم التي يرأسها إسلامويون، أم التي يغلب فيها المسلمون؟
وما المقصود بـ"شريعة إسلامية"؟
أهي قيم العدل والإنصاف و"الرقابة" على المسؤولين وتطبيق القانون حتى لو كان على رئيس الجمهورية أو "وزير الدفاع"، أم هي قطع أيدي الجياع الذين لا يحصلون في اليوم سوى على دولار واحد؟
أهي توفير مأوى ومأكل ومشرب لكل مواطن، أم جلد صانعات الخمور البلدية، ومطاردتهن في الأسواق حين يلجأن لصنع الشاي تحت الأشجار من أجل توفير كسرة خبز لأطفالهن؟
سيقول الإسلامويون كلاما كثيرا "مبهما" وفي أطر عريضة عن مردود "إيمان أهل القرى وتقواهم"، وعن "الحاكمية لله"، لكنهم لن يتحدثوا قط عن الفروق البائنة بين المظهر والجوهر، أو بين القشور والمقاصد.
وهذا هو السقوط بعينه، فكرامة الإنسان، وحقه في الحياة، وفي التعليم، والعلاج، والمساواة مع الآخرين، والعدل، والقانون، تبقى هي الجوهر النقي لأية دولة أخلاقية، أو تدعي القسط الأقل من الأخلاق. وبدون ذلك، وهو الحادث بالفعل، تبقى دولة الإسلامويين في السودان، عبر تجربتها الطويلة في الحكم، نموذجا يدلل بوضوح إلى سقوط المشروع الإسلاموي حين يحكم، وحين يدير شؤون دولة ما بخبرات سياسية كسيحة، ونزعة عنفية تعكس مزاجا احتجاجيا، وميلا واضحا لمعاداة كل مظاهر الحداثة.
لم يسقط المشروع الإسلاموي فحسب، وإنما أشر للتخريب الذي يلحقه بأي مجتمع فيما إذا حمل شعاراته (الإسلام هو الحل) و(الحكم الإسلامي) و(الشريعة الإسلامية) لدواوين الدولة.

خالد عويس

[email protected]

* روائي وصحافي سوداني
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الترابي يدعو لإلغاء حصانات المسؤولين لمساءلتهم قضائيا.. كما يحدث في إسرائيل
طالب بتشكيل حكومة انتقالية مستقلة.. وقال إن اتصالاته مع مصر لا تعني أن أبواب القاهرة فتحت له

الاحـد 16 ربيـع الثانـى 1430 هـ 12 ابريل 2009 العدد 11093
جريدة الشرق الاوسطش

الخرطوم ـ لندن: «الشرق الأوسط»


دعا الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض إلى تشكيل حكومة انتقالية، لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، والتحضير للانتخابات العامة المقرر لها في فبراير (شباط) من العام المقبل. وأرفق الترابي الخطوة بورقة مكتوبة تحمل رؤيته في 10 محاور، لتجاوز الأزمة السياسية في البلاد، صوب في ديباجتها هجوما شديدا على حكومة الرئيس عمر البشير، وحملها مسؤولية الأزمة في دارفور، واتهمها بقصف المدنيين، عندما «تجاوزت قهر المقاومة المسلحة إلى قصف المدنيين الأبرياء وحرق العديد من القرى المستقرة، وتشريد الملايين نزوحا أو لجوءا، واستباحة كرامتهم الإنسانية، وإشاعة الاغتصاب الجماعي». وطالب الترابي بإلغاء حصانات المسؤولين السودانيين حتى يتم مساءلتهم قضائيا، كما يحدث في إسرائيل.

وقال الترابي في مؤتمر صحافي عقده أمس إن الحكومة الانتقالية التي يدعو لها تتكون من شخصيات وطنية، ولا تكون حكومة ائتلافية من الأحزاب، وأضاف: «لا نريدها ائتلافا بين حزبين، ولكن يمثل كل الوطن ولا تنزع لجهة، وأن تكون مرجعا للإجماع الوطني». ومضى: «نريدها تدير شأن الوطن إلى حين»، وقال: «مهمتها الخروج بالبلاد من الأزمة الحالية». ويرى الترابي أن غالب من يكونون الحكومة من الذين لن يشاركوا في الانتخابات، «لضمان عدم الانحياز إلى قوى سياسية بعينها»، وتابع: «الغالب فيها أو كلها من أناس عملوا في الحقل الوطني ولهم تجارب سابقة».

وشدد الترابي أن الحكومة الانتقالية يجب أن تحترم الجنوب وتهتم بشأنه، وانتقد الحركة الشعبية في هذا الخصوص، وقال: «كان ينبغي أن تعزز الثقة للوحدة، ولكن هنالك الكثير من الارتياب في هذا الشأن». وحسب الترابي فإنه إذا جاءت حكومة انتقالية وجاءت بقضاء مستقل «فلن تأتي المحكمة الجنائية الدولية بجديد فيما يختص بملف دارفور»، غير أنه نوه إلى أن قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير «يظل قائما لأنه صادر من مجلس الأمن الدولي وسيلاحق المتهم حتى مماته».

وفي سياق رده على أسئلة حول جدوى الحكومة الانتقالية التي طرحها، قال الترابي «إن الحكومة الحالية حكومة رجل واحد، وبقية المسؤولين لا يدرون أي شيء خارج فناء وزاراتهم»، وأضاف: «حتى وزير الخارجية لا يعلم أي شيء مما يحدث قي قطر»، في إشارة إلى مفاوضات الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة. وردا على سؤال حول علاقة حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده مع مصر، قال الترابي إن حزبه على اتصالات بالمسؤولين في مصر، وقال إن القيادي في حزبه المحبوب عبد السلام الان يوجد في مصر، والتقى بعدد من المسؤولين المصريين، وأرسل رسالة للحزب أوضح فيها أن لمصر رؤية حول قضية دارفور. وأشار الترابي إلى أن مصر تنتقد النهج القطري في مفاوضات سلام دارفور، ودعت إلى تجميع كافة القوى السياسية والحركات المقاتلة وفعاليات المجتمع المدني للمشاركة في مفاوضات على أراضيها تختلف عن النهج الثنائي المتبع في قطر، ونوه الترابي في هذا الشأن إلى أن «هذا لا يعني أن أبواب مصر فتحت للترابي».

وطرح الترابي في رؤية حزبه لتجاوز الأزمة السودانية عشر نقاط، وقال إن مقتضيات المرحلة تتطلب إجراء إصلاحات شاملة في قضايا الحريات وتحقيق السلام والعدالة وإجراء الإصلاحات السياسية والقانونية التي تعززها، بجانب اتخاذ تدابير المساءلة ومحاصرة الفساد وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وفي جانب الحريات العامة قال إنه ما زالت قيود على حريات التعبير والتنظيم والرقابة على الصحف والاعتقال السياسي الممتد بغير بينة سياسية قائمة. ودعا لأن ينهض الحكم الانتقالي بمسؤولية إصلاح الدستور والقانون الجنائي وإطلاق حريات التظاهر دون استعمال القوة، وتعديل قانون الأمن الوطني وإلغاء أية سلطة لفرض الاعتقال التحفظي.

وحول الإصلاح القانوني واستقلال القضاء دعت مذكرة الترابي إلى وضع قانون لمكافحة الفساد بجانب بسط المساواة في المسؤولية الجنائية ورفع كل الحصانات التي يتمتع بها أكابر السلطة وأصاغرها، فضلا عن استقلال القضاء بواسطة قانون يمنع أي إجراء كالنقل أو العزل أو الحرمان من الفرص والمخصصات لأي قاض. وحول المحور الثالث المتعلق بقضية دارفور وسائر الأزمات الإقليمية قالت المذكرة: «إن من الأوفق أن ينشأ إقليم لدارفور بحدود عام 1956، وتقوم عليه حكومات بصلاحيات وسلطات أصيلة تنسيقية بالدستور، وأن يعين نائب لرئيس الجمهورية من دارفور على مستوى المركز. ورهن الترابي تحقيق العدالة في داخل البلاد بإلغاء الحصانات على المسؤولين، وقال إن المسؤولين الإسرائيليين لا يتمتعون بأية حصانات وتلاحقهم الشرطة والمحاكم، وقال: «هذا يدعو إلى الخجل»، مشيرا إلى أنه سيقوم بزيارات خارجية لعدد من الدول الأوروبية وأميركا، دون تحديد موعد قاطع لهذه الزيارات. وحول إشراك إقليم دارفور في الانتخابات، قال الترابي: «إن إخراج درافور من الانتخابات سيقود بعض الأحزاب لمقاطعة الانتخابات. وأوضح أن هناك تشاورا تم بين حزبه وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، وقال: «سيتم إشراك بقية الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم المؤتمر الوطني»، وأضاف: «نحن سنطرح رؤيتنا وإن لم يستجِب لها المؤتمر الوطني فإن الرأي العام السوداني إذا أراد شيئا فلا بد أن يستجيب القدر»، غير أنه أوضح أن الخروج في ثورة شعبية في الوقت الراهن سيؤدي إلى تمزيق السودان، «ونحن نريد الحكومة الانتقالية كتحرك متطور نحو نظام آخر». وأشار إلى أن حزبه لا يمانع في الحوار مع المؤتمر الوطني في القضايا القومية، وقال: «نحن في القضايا القومية مستعدون للذهاب إلى أي مكان، ولكن نرهن الحوار الثنائي مع الوطني بالتساوي في القوة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين»، وأوضح أن حزبه مستعد للتحالف مع أية قوى سياسية تتفق معه على برامج حد أدنى، ولم يستبعد الترابي التحالف مع المؤتمر الوطني، وقال: «يمكن التحالف مع الوطني لكنه أعسر».
------------------------------
الخرطوم ترفض اقتراحات الترابي للتعامل مع أزمة المحكمة الجنائية
<
>الخرطوم - النور أحمد النور الحياة - 13/04/09//


رفض حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان أمس دعوة زعيم حزب «المؤتمر الشعبي» المعارض الدكتور حسن الترابي إلى تشكيل حكومة انتقالية مستقلة وإجراء انتخابات حرة للخروج من الأزمة السياسية في البلاد بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس عمر البشير.

واعتبر المسؤول السياسي في «المؤتمر الوطني» الدكتور مندور المهدي دعوة الترابي «تراجعاً عن اتفاق السلام في جنوب البلاد» الذي حدد ولاية الحكومة الحالية بإجراء الانتخابات المقررة العام المقبل. وقال إن «الحكومة الحالية يشارك فيها 13 حزباً ولها قاعدة جماهيرية عريضة. والبلاد لا تعيش أزمة سياسية بعد صدور مذكرة التوقيف التي رفضتها كل القوى السياسية، عدا حزب الترابي».

وأضاف: «لا يوجد سبب منطقي لتشكيل حكومة انتقالية في الوقت الحالي... والدعوة إلى حكومة جديدة ستؤدي إلى إثارة الفتنة في البلاد». وأشار إلى أن «الانتخابات المقبلة ستكون مراقبة دولياً كما ستشرف عليها هيئة مستقلة، ما يضمن نزاهتها وحيادها».

لكن «حزب الأمة» بزعامة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي أيد اقتراح الترابي تشكيل حكومة انتقالية. وقال مساعد رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر إن الأزمة التي يعيشها السودان «لا مخرج منها إلا بحكومة انتقالية تكون مهمتها تنفيذ اتفاق السلام في جنوب البلاد وتسوية أزمة دارفور والإشراف على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية».

وكان الترابي دعا السبت إلى تشكيل حكومة انتقالية تتولى تسيير الأمور ومعالجة الأزمات والتحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة العام المقبل. وطالب بجعل دارفور إقليماً واحداً «تقوم عليه حكومة بصلاحيات وسلطات أصيلة»، وأن يعين نائب لرئيس الجمهورية من الإقليم يُختار بإجماع أهله، وتعويض المتضررين من الحرب مع إعمال إجراءات التحقيق والمحاسبة عن كل الجرائم.
----------------------------

معركة....( البضع ) الجديدة
الكاتب/ محمدلطيف
Monday, 13 April 2009


هل كان الدكتور الترابي يعلم أن القطاع السياسي للمؤتمر الوطني ينعقد يوم الأحد من كل أسبوع حين أطلق مبادرته الجديدة بالسبت ؟ تساءلنا حين أطلق سراح الترابي عن ما إذا كان الشيخ جزءً من الأزمة أم جزءً من الحل...

ويبدو أن الشيخ الترابي قد اختار أمس الأول وعبر بيان مكتوب ومؤتمر صحفي أن يكون جزءً من الحل ....ولكن بشروطه هو ...فالحريات العامة وإطلاقها أمر ميسور وسهل التعاطي حتى للعامة ...ثم إن حيدة الانتخابات ونزاهتها مما لن يختلف فيه اثنان حتى المؤتمر الوطني...ولكن الشيخ لم يكتف بمجرد إنشاء الكلام ... فتخطاه إلى ما لا يعجب كثيرين ... فقد طالب بوضع قانون لمحاربة الفساد ...وكثر من يعلمون أن الشيخ لا يرجو خير الحكم وصلاحه باعتبار ما سيكون بعد وضع القانون بل يدركون أن الشيخ يريد أن يقول إن الفساد بلغ حداً يستدعي تشريع قانون قائم بذاته ..ولعل بعض القراء يتذكرون معركة (البضع )..!

ولكن الشيخ لم يقف عند هذا الحد ...بل عاد لموجدته القديمة قبيل المفاصلة حين كان يخطط لإقصاء العسكر من الحياة السياسية ..فطالب الرئيس بعد تردد بأن يخلع بزته العسكرية ( ولا يعود إليها أبداً ) مما أوغر صدور العسكريين...حتى أولئك الذين كانوا يتعاطفون معه نسبياً من كبار الجنرالات ..!

إذن الدكتور الترابي الذي تساءلنا عن إمكانية عودته جزءً من الحل ...والذي طرح ما اسماها رؤية المؤتمر الشعبي لحل الأزمة السياسية ... قد انتهى إلى إعادة إنتاج أزمته مع حزبه السابق ...والذين يدركون الخفايا يدركون ذلك ... لذا لم يكن مفاجئاً أن يسارع المؤتمر الوطني عبر قطاعه السياسي إلى رفض مبادرة المؤتمر الشعبي وذلك قبل مرور أربع وعشرين ساعة على إعلانها ..!!

الاخبار
---------------------------
م التاريخ: الإثنين 13 إبريل 2009م، 18 ربيع الثاني 1430هـ

تحت الضوء
«غبينة» الترابي.. وقصة الابن الضال.. دارفور وتشاد.. سيناريو الحريق القادم.. هبوط طائرة البشير في (زالنجي) تفنيد لمزاعم الإبادة

علي اسماعيل العتباني
[email protected]

... تحولات كبيرة ومثيرة في إتجاه الصراع الدارفوري وحروب تشاد.. وهل ستنتقل حرب دارفور إلى تشاد.. وهل ستصبح قبيلة (الزغاوة) ضحية لحروب النخبة الزغاوية.. وضحية لـ (غبينة) الدكتور الترابي.. وهل ستدول دولة (ديبي) بحروب النخب الزغاوية.
ولعل هناك عدة تشكلات تدور هذه الأيام على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي.. ومن أهم هذه التشكلات زيارة المبعوث الأمريكي للسودان.. الذي منح فرصة كاملة ليقف على حقيقة الاوضاع في السودان.. حيث زار دارفور وجنوب السودان وربما كان من الملائم كذلك ان توفر له فرصة قادمة بزيارة بعض مناطق العاصمة الطرفية، حتى يقارن بين الاوضاع هنا وهناك.. كما نعذر المبعوث الأمريكي حينما تكلم عن الأوضاع البائسة في دارفور لأنه قادم من قلب المجتمع الأمريكي نازلاً إلى دارفور.. وسواء كان قبل الحرب أو بعدها فلا بد ان يرى أوضاع النازحين بائسة.. وإذا كان الماء في دارفور يكفي لشهرين كما قال، فبعض مناطق الخرطوم لا يوجد فيها ماء لأيام عدة.. وهذا بالطبع ليس تهويناً من شأن مأساة النازحين، ولكن محاولة لقراءة موضوعية وجادة للنتائج الحالية التي خلقتها الحركات المسلحة بأيديولوجية الكراهية المستمدة من (الكتاب الأسود).

الكتاب الأسود
فهل إطلع المبعوث الأمريكي على (الكتاب الأسود) وهل ربط بين قصته وانقسام الحركة الإسلامية و(غبينة) الدكتور الترابي.. وما يجري من حرب أهلية في دارفور تطورت من صراعات تاريخية قديمة بين الزراع والرعاة؟
وحروب دارفور ذات جذور تاريخية ممتدة، كما قال الكاتب الأمريكي الإيرلندي الأصل المتخصص في دارفور (أوفاهي (oصfahey) في كتابه The History of darfur)) ، وكما جهد به في محاضراته ومقابلاته.. و(أوفاهي) هذا خبر دارفور قبل خمسين عاماً وعنون رسالته للدكتوراة عن دارفور في وقت كانت فيه (الانقاذ) في رحم الغيب.. فلذلك هذه الصراعات والحروب التي يراها ويسمع بها المبعوث الأمريكي ليست أمراً جديداً، وعليه أن يقرأ رسالة الدكتوراة للكاتب (أوفاهي) ليفهم ان الجديد في هذه الحروب هو (التسييس) تسييس حرب دارفور.. وهناك قيادة المؤتمر الشعبي التي ظلت تسيس هذه الحرب.. والآن مع بروز الضجة في المؤتمر الشعبي والتمرد البادي على وجوه أهل المؤتمر الشعبي.. والغضب والانسحاب من المؤتمر الشعبي ليس كله بسبب (أوكامبو) رغم ان هناك إجماعاً في صفوف قيادات المؤتمر الشعبي برفض تأييد الدكتور الترابي للمحكمة الجنائية وإدعاءات (أوكامبو).
ولكن كذلك فإن المؤتمر الشعبي وكأي حزب سوداني انعكست عليه قضية دارفور سلباً وايجاباً.
المؤتمر الشعبي
ولما رأى بعض اعضاء المؤتمر الشعبي من القبائل العربية ان الدكتور الترابي مال كل الميل للحركات المسلحة إذا هم ينسحبون ويواجهون (الترابي) ويطالبون بانعقاد مؤتمر شورى استثنائي.. وهذا الأمر لمسناه من كبار قادة المؤتمر الشعبي.. ولكن مع ذلك نسأل: ما هو الوضع الآن على أرض دارفور ويمكن ان نلخص الوضع في دارفور ان هناك إنحساراً وتلاشياً في تحركات الحركات المسلحة.. وهي الآن تحاول ان تتخلص من الأسرى الذين بين أيديها، أما منّاً وإما فداء.. وخارطة دارفور الجديدة التي بدأت تتشكل تعكس فقط حروب قبيلة الزغاوة.. وأن المرحلة المقبلة ستبرز حروب المنتمين للزغاوة على مستوى أرض دارفور وعلى مستوى أرض تشاد.
قبيلة الزغاوة
وحينما نتحدث عن قبيلة الزغاوة ندرك تماماً ان هذه القبيلة من القبائل السودانية التي لها اسهامات واسعة وخبرة في تاريخ وراهن السودان.. ولكن قلة قليلة من ابناء هذه القبيلة يريدون ان يتاجروا باسمها في مزادات السياسة.. لذا يدفعون باسم القبيلة وبعض ابنائها في أتون صراعات لا نهائية تحقيقاً لطموحات السلطة والثروة.. ولذلك فان واجب المسؤولية يقتضي ان تقدم قيادات القبيلة وحكماؤها بكشفهم وعزلهم عن مسار حركة اغلب ابناء القبيلة تلك الحركة التي تبذل أكثر وقتها في ضروب الكسب الحلال، ولذلك يجب ان نقرأ مغزى انضمام سليمان جاموس وبعض قيادات حركة تحرير السودان مع خليل إبراهيم وحركة العدل والمساواة في هذا الإطار، فكلهم من قبيلة الزغاوة.. وهي محاولة يائسة لتوحيد جبهة القوى الزغاوية العسكرية لأن التلاشي العسكري للحركات المسلحة جعل الشوكة والقوة في يد أبناء الزغاوة خليل إبراهيم وسليمان جاموس، وأصبح للشق المحارب من الزغاوة سيادة الموقف في دارفور مثلما أصبح الترابي في الشمال زعيماً للمعارضة المتبنية لخطوط (أوكامبو).
ولكن من سيحارب (الزغاوة) في دارفور.. سيحاربون قوات (مني أركو مناوي) رئيس السلطة في دارفور وسيجددون الحروب حول سلطنة الزغاوة وحول من هو ملك الزغاوة وحول من يتكلم باسم الزغاوة.. إذاً الدماء التي ستتدفق في دارفور هي دماء الزغاوة ونحن لسنا سعداء بذلك.. لأن دماء الزغاوة دماء سودانية ومسلمة.. والدم المسكوب من النخب والقواعد الزغاوية إنما هو دم سوداني.. واللّه حرم قتل الأنفس إلاّ بالحق.. ولذلك نحن مع شيوخ وحكماء الزغاوة الذي يتقاطرون ويتهامسون ويجتمعون في مجالس شوراهم ان ما يحدث ما هو إلاّ استنزاف لطاقات وقدرات الزغاوة وابنائها وأرواحها.. وأن الزغاوة قبيلة نخشى ان تأكلها مثل هذه الحروب.. وإذا كانت الحروب قد أكلت الخلافة العثمانية واسقطت الدولة العثمانية نتيجة للتناقص السكاني فكيف بقبيلة مثل قبيلة الزغاوة تتحارب فيما بينها.
مباركة فرنسية
وما يجري وسيجري في دارفور من حروب بين الزغاوة كذلك يحدث مثله في تشاد.. لأن المعارضة التشادية نفسها انسحبت عنها القبائل العربية وأصبحت تحت قيادة (تيمان أردمي) الذي عاد من فرنسا بعد ان قضى فيها ثلاثة اشهر.. ويقال إنه نال مباركة فرنسية لمعارضته وان يكون البديل لسلطة الزغاوة في انجمينا بدليل ان مجلة (جوان أفريكا Jeuneaafrique) المتخصصة في الشؤون الافريقية والموصولة بالاستخبارات الفرنسية رشحت تيمان أردمي كأحد الوجوه الذين سيشكلون افريقيا في العام 0102م واختارته كشخصية مهمة في صورة لغلافها.
إذاً الجغرافيا السياسية في دارفور وتشاد تتشكل حول نخب الزغاوة أو حول صراعاتهم.. وأهم قادة هذه النخب على الساحة التشادية (إدريس ديبي) و(تيمان أردمي) وعلى الساحة السودانية (خليل إبراهيم) و(مني أركو مناوي) مع وجود بعض العناصر التي بات لا وزن لها، كشريف حرير الذي يسافر هنا وهناك وأصبح بعيداً عن واقع دارفور . والاستاذ اخمد ابراهيم دريج الذي غادر دارفور في عهد النميري ولم يرجع، وبانجاز وحيد حققه وهو حاكم لدارفور وهو طريق (نيالا - كاس- زالنجي) الذي دعمته الحكومة المركزية وقتها ودول سكسونيا السفلى ونفذته شركة (هولد آند فرانك) الألمانية.. وآخرون مثل عبد الواحد محمد نور.
صراعات النخب
والسؤال: إلى متى سيظل مستقبل دارفور وتشاد مرهوناً بصراعات نخب الزغاوة، في وقت أصبح فيه عبد الواحد محمد نور الذي هرول إلى إسرائيل، خارج دائرة المحاسبة والمساءلة لأن من يذهب الى إسرائيل فمن المؤكد أنه سيكون (مشطوباً) في التشكل السياسي السوداني.. وعبد الواحد هرول إلى إسرائيل كي يجد لنفسه سنداً حينما وجد ان مستقبل تشاد ودارفور مربوط بالصراع (الزغاوي - الزغاوي).
ولكن نخب قبيلة الفور فهمت (اللعبة) وفكت ارتباطها بدولة الزغاوة الكبرى وأصبحت تنتظر الفرج بعد ان تأكدوا أنهم خارج الخارطة السياسية التي ترسمها نخب الزغاوة للمنطقة.. والسيد أحمد إبراهيم دريج يكاد يكون غير حاضر في بيئة دارفور، وخارطة دارفور تتحدث عن أمن نسبي يسود وتلاشى في حركة العصيان المسلح واخلاء طوعي للمعسكرات مع ازدياد الوجود الأجنبي في تشاد.. وربما في الأيام المقبلة سنشهد انتقال الصراع المسلح من دارفور إلى تشاد.
البشير وزالنجي
بمعنى حينما يتقدم (تيمان اردمي) إلى (إنجمينا) فإن خليل إبراهيم سيتراجع بطلب من (إدريس ديبي) ليشترك في حرب (ديبي) ضد (اردمي). وستكون مجزرة كبرى لأبناء الزغاوة.. مما يعني ازدياد الحريق وسط هذه القبيلة الشجاعة.. ولكن ويا للأسف فنخبتها الموظفة (سياسياً) و(ترابياً) ستقوض أكبر انجاز للزغاوة في تشاد وتضعف وضعيتهم في دارفور.
وفي هذا الظرف الذي يذكر الناس فيه ان دارفور غير آمنة.. ويتكلم عبد الواحد من فنادق فرنسا عن شعبه المقهور في دارفور تنزل الطائرة المأمونة للرئيس البشير في قلب (زالنجي).. ونزول طائرة الرئىس البشير في (زالنجي) هي رسالة للسيد أحمد إبراهيم دريج ولعبد الواحد محمد نور. فزالنجي هي مسقط رأسيهما ولأن شيوخ (زالنجي) من قبيلة الفور كانوا في مقدمة المستقبلين للرئيس البشير.. كما ان ما حدث في زالنجي واستقبالها للرئيس البشير نفى أكبر فرية تحدث عنها الناس وهي ان هنالك ابادة لقبيلة (الفور).. وها هي قبيلة الفور وشعب عبد الواحد المقهور وأهل السيد دريج خرجوا على بكرة أبيهم يستقبلون الرئيس البشير ويرحبون به ويطالبون بالولاية الرابعة في دارفور والتي يأملون ان تكون عاصمتها زالنجي.. ويتكلمون عن المطار الجديد وتوسعة الجامعة ودعمها ويتكلمون عن مجد الفور.. كما ان عبد الواحد لن يستطيع ان يأتي ابداً إلى هذه المنطقة ليس لأنه يخاف من الأمن السوداني ولكنه بات يعلم انه إذا جاء ستتم تصفيته من قبل (الزغاوة) الذين لا يريدون لهم منافساً في هذه المنطقة. كما ان الفور انفسهم شطبوا عبد الواحد لأنه بعد ان تكلم من إسرائيل لا يمكن ان يجد له رصيداً وسط القبيلة التي كانت ترسل كسوة الكعبة المشرفة والتي أسست (آبار علي) التي تسقى الحجاج والمعتمرين ويحرموا منها والتي أقامت الاوقاف السودانية في ارض الحرمين.
الابن الضال
إذاً عبد الواحد يحكي قصة الابن الضال والشارد، والملفوظ الذي بات لا مكان له في ساحات دارفور. والذي حتماً لن تكتب له الحياة في هذه المنطقة مرة اخرى.. ولذلك ارتبط بإسرائيل ووفق حياته نهائياً بالاستخبارات الغربية.
وكذلك الرسالة.. رسالة زيارة الرئيس البشير إلى عاصمة الفور زالنجي موصولة إلى السيد أحمد إبراهيم دريج الذي كان يبيع ويتكسب بفكرة (الجنجويد) الذين تسندهم الحكومة للقضاء على الزرقة وعلى الفور.. ولكن ها هي أوهامه تبدد وهاهم أهله الفور يتكاثرون وتعلو وجوههم البسمة ويستقبلون الرئيس البشير بالترحاب والحب والقلوب المفتوحة والايادي الممدودة.
وها هو البشير في المنطقة التي صوروا أنها منطقة ابادة وانها منطقة غير آمنة وأنها منطقة محرمة على الراعين للثقافة الاسلامية، فاذا البشير في عربة مكشوفة تتجاوز خطوط البروتوكول والمراسم المرسومة يطوف حول الناس جميعهم ويحييهم ويصافحهم.. فهل يستطيع السيد دريج أو عبد الواحد ان يأتوا في عربة مكشوفة وسط الاسلحة النارية والمليشيات المسلحة ووسط من يقولون إن أهل دارفور ضد هذا ومع هذا..
إذاً هذه دارفور، خرجت بالأمس القريب الفاشر، وخرجت نيالا، وخرجت الضعين، واليوم تخرج زالنجي وغداً ستخرج الجنينة.
إذاً ماذا بقى للحركات المسلحة إلا أن ينتقل الصراع «الزغاوي- الزغاوي» الى تشاد.. وحتى يندلع الحريق في تشاد، فهذه عاقبة الذين زرعوا الفتنة وسفكوا الدماء في دارفور.. كما أن الاستخبارات الفرنسية الآن تجني المر.
أربعة عناصر
ونحن مع ذلك نقول إن المرحلة المقبلة تتطلب بعد هذا النجاح الكبير على الساحة الدارفورية مشروعاً جديداً يقوم على أربعة عناصر.. العنصر الأول هو إبراز صورة السودان الحقيقية وهدم الصورة السالبة التي بناها الاعلام العالمي عن دارفور.. وهدم الأكاذيب عن الإبادة والإغتصاب وغيرهما.. وهذه تحتاج الى استراتيجية إعلامية كبرى يتكاتف فيها معشر الإعلاميين على مستوى الصفحات المكتوبة وعلى مستوى الفضائيات أو الإعلام الخارجي والعالمي نحتاج فيها الى ميزانيات ضخمة تدعم فضائيات كبرى تتحدث بلغة الغرب حتى تبرز صورة دارفور الحقيقية والسودان الحقيقية.. وحتى تزول الصور الكاذبة التي رسمت في المخيلة الغربية وعند المنظمات الدولية التي كان أساسها الإفك والإفتراء.
توطين النازحين
أما العنصر أو المحور الثاني فهو مشروع استراتيجي مدروس لإعادة توطين النازحين تحدد فيه أسهم الحكومة وينعكس في الميزانية وتحدد فيه أسهم الدعم الشعبي والعربي والاسلامي وأسهم النظام الإقليمي والدولي بتوقعات واقعية وبرنامج عمل مرحلي.
والعنصر الثالث هو معالجة أوضاع الفاقد التربوي لأنه هو الآن يمثل الاحتياطي الموجود والجاهز الذي تأخذ منه الحركات المسلحة وتختطف منه الشباب اليائس الذي لا يجد توظيفاً ويعاني من البطالة و يريد أي بديل مستقر ومضمون ولذلك يتجه الآن للحركات المسلحة.. ومعالجة أوضاع الفاقد التربوي ترتبط كذلك بإعادة صياغة وصيانة البنية التعليمية الدارفورية وتأهيلها وصقلها ومدها بالمعلمين.
ما بعد الحرب
أما العنصر الرابع فهو معالجة وتشوهات ما بعد الحرب، ذلك أن الحرب خلقت أوضاعاً صعبة على كثيرين، منهم من يكاد يصيبه الجنون ومنهم من أصابته الأمراض النفسية، إذاً هذه جبهة يجب ان يتكلم فيها الاختصاصيون النفسيون والأطباء ويبدأ في معالجة آثارها لأنه يقال إن من جرب القتل وسفك الدماء يمكن ان يجعله مهنة عمر ولذلك لا يجب ان نترك هؤلاء الناس لمنطق البندقية وسيطرة أجواء الحرب.
وكذلك في الاستراتيجية الدارفورية الجديدة يجب البحث عن دور الشرطة والجيش في المرحلة القادمة لأنه بعد سودنة العمل الطوعي وإبعاد المنظمات الأجنبية لابد كذلك من «سودنة» للأمن.. لأنه بدون سودنة الأمن وبدون فرض هيبة وسيطرة الجيش القومي ستظل أرض دارفور بؤرة للجواسيس وبؤرة للعملاء الذين لا يريدون لهذا الوطن استقراراً.
إذاً، هذه هي ملامح الخارطة الجديدة لدارفور، وهذا هو تصور دارفور المستقبل، وعليه فلنجعل الهجرة النفسية والعقلية والفكرية والروحية والمادية هجرة جماعية لدارفور، حتى تعود لوضعها التاريخي في السودان، أكثر قوة وتأهيلاً وارتباطاً وإنتاجاً، وتكون رصيداً لأهل السودان والإنقاذ.

الراى العام

--------------------------

الترابي بين الغلظة وتصفية الحسابات
كتب manager
Wednesday, 15 April 2009


زفرات حرى
الطيب مصطفى

[email protected]هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته

الترابي‮ ‬بين الغلظة وتصفية الحسابات‮ (١‬ـ‮٢)‬

جاء في‮ ‬الأنباء أن الشيخ‮ ‬يس عمر الإمام وهو من أكبر قيادات المؤتمر الشعبي‮ ‬قد بعث برسالة إلى د‮. ‬حسن الترابي‮ ‬الأمين العام للحزب ناشده فيها بمراجعة نفسه حول بعض القضايا خاصة فيما‮ ‬يتعلق بموقف الترابي‮ ‬من قرار محكمة الجنايات الدولية ومذكرة مدعي‮ ‬تلك المحكمة في‮ ‬حق الرئيس البشير‮. ‬وقال الشيخ‮ ‬يس مخاطباً‮ ‬الترابي‮: »‬المؤمنون‮ ‬يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم وأن أهل الحكم الحالي‮ ‬هم إخوان لنا بغوا علينا والبشير منا وإلينا لن نسلمه إلى الطاغوت ولن‮ ‬يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا‮).‬
لم أدهش لموقف الشيخ‮ ‬يس عمر الإمام فقد كتبت قبل أيام مقالاً‮ ‬بعنوان‮: »‬لا عزاء لأوكامبو والترابي‮) ‬وذلك بعد أن وصل الرئيس إلى الدوحة للمشاركة في‮ ‬القمة العربية وقلت في‮ ‬ذلك المقال إن المساندين للترابي‮ ‬باتوا‮ ‬يضيقون‮ ‬به ذرعاً‮ ‬واستشهدت بالشيخ‮ ‬يس الذي‮ ‬قال لي‮ ‬عبر الهاتف‮ ‬من مستشفاه في‮ ‬الأردن حيث كان‮ ‬يتلقى العلاج عقب صدور مذكرة أوكامبو‮ (‬إنني‮ ‬والبشير في‮ ‬خندق واحد‮) ‬بل إن الشيخ‮ ‬يس اتخاذ موقفاً‮ ‬مختلفاً‮ ‬ومضاداً‮ ‬للقوات الدولية التي‮ ‬وافق الترابي‮ ‬على دخولها السودان‮.‬

تلك كانت مواقف الشيخ‮ ‬يس،‮ ‬لكن اللافت للنظر أن هناك ثورة بدأت تشتعل داخل المؤتمر الشعبي‮ ‬يطالب من خلالها عدد من أعضاء الهيئة القيادية للحزب أمينهم العام بمراجعة مواقفه ومنهجه وأسلوبه الحاد في‮ ‬أداء واجباته ومهامه‮.‬

د‮. ‬الحاج آدم القيادي‮ ‬بالمؤتمر الشعبي‮ ‬أكد لصحيفة‮ (‬الأحداث‮) ‬وجود خلافات بينه وبين الترابي‮ ‬وبالرغم من أنه آثر عدم الخوض في‮ ‬التفاصيل إلا أن أنباء أخرى أكدت أنه أرسل رسالة إلى الترابي‮ ‬تحدث فيها عن‮ ‬غلظة وضيق صدر الأمين العام بالرأي‮ ‬الآخر وسخريته من المشاركين في‮ ‬أحد اجتماعات الأمانة العامة مؤخراً‮ ‬بسبب الاختلاف حول ورقة رؤية سياسية عن الوضع السياسي‮ ‬الراهن قدمها الأمين العام ـ الترابي‮ ‬ـ وحاول فرضها على الجميع ووجدت الورقة انتقاداً‮ ‬من الأستاذ خليفة الشيخ قوبل باستفزاز شديد من الأمين العام وأشار خطاب الحاج آدم حسب المصادر إلى إصرار الأمين العام على رأيه متجاوزاً‮ ‬ومستخفاً‮ ‬بآراء الآخرين وأشار الخطاب إلى أن الحاج آدم أكد في‮ ‬خطابه أنه‮ (‬سئم من حدة وغلظة وضيق صدر الأمين العام واصراره على فرض رأيه على الآخرين واستخفافه المستمر بالآراء التي‮ ‬تخالف رأيه‮).‬

كنت كثيراً‮ ‬ما استغرب مواقف رجال كالذهب الخالص من أمثال الشيخ‮ ‬يس عمر الإمام ود‮. ‬الحاج آدم ود‮. ‬عثمان عبد الوهاب والأستاذ خليفة الشيخ ممن لا تأخذهم فيما‮ ‬يعتقدون أنه الحق لومة لائم وممن أكن لهم احتراماً‮ ‬وتقديراً‮ ‬وأعلم أنهم لن‮ ‬يكونوا في‮ ‬يوم من الأيام طائعين‮ ‬يساقون كالأنعام وهم الذين قضوا أعمارهم في‮ ‬شن الحرب على الطائفية السياسية وغيرها والتي‮ ‬تقوم على نظرية‮: (‬إن المريد لشيخه كالميت بين‮ ‬يدي‮ ‬الغاسل‮) ‬وكنت أعلم أنهم‮ ‬يصدرون عن ذات المرجعية التي‮ ‬ندندن حولها وينهلون من ذات النبع الذي‮ ‬نهلنا منه ولا نزال نعب من معينه الصافي‮ ‬ونستقي‮ ‬ما‮ ‬يهدينا إلى الفرقان وسواء السبيل الذي‮ ‬نميز به الحق من الباطل‮... ‬ذلك النبع وتلك المرجعية التي‮ ‬أخرجت الكثيرين من قيد الترابي‮ ‬وإحنه وأضغانه وجعلتهم‮ ‬يتمردون على سطوة رجل لا‮ ‬يجيز لهم شرعهم أن‮ ‬يجعلوه وسيطاً‮ ‬بينهم وبين الله تعالى‮... ‬يفكر لهم ويقودهم وفق هواه ورغباته الجامحة‮.‬

دعونا نتأمل قليلاً‮ ‬في‮ ‬تلك الغلظة والإحن والضغائن التي‮ ‬باتت هي‭ ‬المحرِّك الأساسي‮ ‬للترابي‮ ‬من خلال استعراض رسالة‮ ‬يس عمر إلى الترابي‮ ‬ثم رد الترابي‮ ‬على‮ ‬يس فقد قال‮ ‬يس في‮ ‬رسالته التي‮ ‬نحن بصددها الآن مخاطباً‮ ‬الترابي‮ ‬ما‮ ‬يلي‮: (‬فهلاّ‮ ‬وقفتم في‮ ‬لحظة صفاء لمراجعة بعض ما بدر منكم في‮ ‬حق إخواننا؟ ما كان لكم أن تنطلقوا من موجدة أو تكونوا أسرى لمواقف سابقة تتخذونها ذريعة لتصفية الحسابات‮). ‬إذًا فإن‮ ‬يس مقتنع تماماً‮ ‬بأن المرارات الشخصية وتصفية الحسابات هى التي‮ ‬تحرك الترابي‮ ‬وتملي‮ ‬عليه مواقفه السياسية وهو عين ما عناه الحاج آدم وما أدلى به من خرجوا على الترابي‮ ‬ممن انفضوا من حول الرجل ضيقاً‮ ‬من فظاظته وتمرداً‮ ‬على أسلوب تصفية الحسابات الذي‮ ‬شكا منه الشيخ‮ ‬يس وكيف لا‮ ‬يخرجون وينفضون من حول الرجل والقرآن‮ ‬يحدثنا أن الفظاظة والغلظة كفيلة بفض الناس حتى من حول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إن هو اتصف بها لكن لينه وطباعه السمحة هى التي‮ ‬جعلت المؤمنين‮ ‬يلتفون حوله‮.‬

كانت شخصية الشيخ الترابي‮ ‬قديماً‮ ‬لا تخلو من‮ ‬غلظة لكن تلاميذه كانوا‮ ‬يغفرون له ذلك انبهاراً‮ ‬بشخصيته الكاريزمية وباتخاذه الاسلام مرجعية عليا بها‮ ‬يخاصم وبها‮ ‬يصالح وإليها‮ ‬يأوي‮ ‬ويلوذ ويتحاكم في‮ ‬كل شأن لكن كيف‮ ‬يصبرون على الرجل بعد أن نصب مراراته الشخصية محل مرجعيته القديمة التي‮ ‬لطالما حرَّض الشباب والشيوخ على‭ ‬التضحية بأرواحهم في‮ ‬سبيلها؟‮!‬

الشيخ‮ ‬يس عمر لم‮ ‬ينف أنه‮ ‬يشعر بشيء من المرارة وذلك حين قال‮: (‬هم إخوان لنا بغوا علينا‮) ‬لكنه تسامى على ذلك وعاتب الترابي‮ ‬على انطلاقه من الغضب ومن المواقف السابقة واتخاذ ذلك ذريعة لتصفية الحسابات أما الترابي‮ ‬فرسالته إلى‮ ‬يس تكاد تصرخ اعترافاً‮ ‬بأن الغضب والرغبة في‮ ‬الثأر هى التي‮ ‬تحرك الرجل وتدفعه إلى ذلك الفجور في‮ ‬الخصومة الذي‮ ‬بلغ‮ ‬درجة تقديم الكافر على‭ ‬المسلم مما سأفيض فيه‮ ‬غداً‮ ‬بإذن الله فقد قال الترابي‮ ‬في‮ ‬رده على‮ ‬يس بشماتة لا تليق بمن هو في‮ ‬مقامه‮:‬

‮(‬فما تشهده الساحة اليوم كما ذكرتم هو بما كسبت أيديهم فنحن نعيش في‮ ‬وضع مأزوم داخلياً‮ ‬تحت سطوة السلطان قهراً‮ ‬وكبتاً‮) ‬أي‮ ‬أن الترابي‮ ‬أكد أنه‮ ‬ينطلق من الشعور بالمرارة جراء ما أصابه من كبت وقهر،‮ ‬ثم‮ ‬يقول للشيخ‮ ‬يس الذي‮ ‬أقعده المرض وهدته سنون المجاهدة‮ ‬يقول بعد عقود من الزمان أمضاها الشيخ‮ ‬يس إلى جانب الترابي‮: (‬فإن ظهر لكم عكس ما ترون فلكم دينكم ولي‮ ‬دين فالاجتهاد في‮ ‬أمر الدنيا أوسع وأرحب لا حجر ولا حكر‮)!!‬

بربكم هل من‮ ‬غلظة أكبر من هذه‮... ‬ثم بربكم هل من طغيان أكبر من أن‮ ‬يظن الرجل أنه هو التنظيم وعلى كل من‮ ‬يخالفه الرأي‮ ‬أن‮ ‬يختار له مكاناً‮ ‬خارج التنظيم الذي‮ ‬يقوده الترابي؟‮!‬

الترابي‮ ‬في‮ ‬رده على الشيخ‮ ‬يس ابتدر خطابه بعبارة‮: (‬إلى الأخ‮ ‬يس‮... ‬سلام‮) ‬بينما كان خطاب الشيخ‮ ‬يس كالتالي‮:‬

‮(‬سلام عليكم في‮ ‬الأولين والآخرين‮) ‬الترابي‮ ‬استكثر أن‮ ‬يرد التحية بأحسن منها أو‮ ‬يردها كما هي،‮ ‬امتثالاً‮ ‬للخلق الاسلامي‮ ‬والأمر القرآني‮ ‬الذي‮ ‬يقول‮: (‬وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‮) ‬لكن ماذا نفعل مع الغلظة التي‮ ‬تزايدت بفعل السنون وربما بفعل الإصابة الشهيرة‮.‬

نواصل‮..‬

----------------------

منع الترابي من السفر للعلاج في باريس
الأحد, 19 أبريل 2009 18:26
بي بي سي


قال احد مساعدي الزعيم السياسي السوداني المعارض حسن الترابي ان الحكومة السودانية منعته من السفر الى باريس لتلقي العلاج. وأشار عواد ابو بكر، ان الترابي حاصل على ترخيص بالسفر اصدر عن وزارة الداخلية السوادنية الا انه اوقف في مطار الخرطوم. وكان الترابي الذي يتزعم حزب المؤتمر الشعبي المعارض قد اطلق سراحه في مارس/اذار بعد ان قضى شهرين في السجن على خلفية مطالبته للرئيس عمر البشير بتسليم نفسه لمحكمة الجزاء الدولية. وقد وجهت المحكمة تهما للبشير بارتكاب جرائم حرب في سابقة بتوجيه تهمة لرئيس خلال فترة رئاسته. ولم يستبعد الترابي وفي وقت سابق ان تلجأ "بعض القوى" الى استعمال القوة مع السودان كما فعلت في العراق. واضاف الترابي بعد ساعات من إطلاق السلطات السودانية صراحه ان "التهمة موجهة الى شخص وليس الى الحكومة السودانية فعلى الشخص الاستجابة للمحكمة التي تناديه". وكان الترابي قد قال "سياسيا نحن نعتقد انه مدان... ويجب ان يتحمل المسؤولية عن كل ما يحصل في دارفور: التهجير، واحراق القرى، وعمليات الاغتصاب الممنهجة على نطاق واسع".
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

ة زلزال مذكرة العشرة ...
بقلم: محمد الشيخ حسين
الاثنين, 20 أبريل 2009 21:02

قصة زلزال مذكرة العشرة
الترابي حضر أول اجتماع لمذكرة العشرة

محمد الشيخ حسين

[email protected]

ما هي قصة مذكرة العشرة الشهيرة التي كانت البداية للمفاصلة التاريخية داخل ثورة الإنقاذ الوطني وخروج الدكتور حسن الترابي وأنصاره من الحكم؟
هل كانت المذكرة بداية لعملية تستهدف قيادة الترابي شخصيا، بعد أن ظل نحو عشر سنوات أشبه بالمسؤول المطلق عن إدارة البلاد، خاصة أنه استطاع أن ينقل الحركة الإسلامية للمرة الأولى من طور الدعوة إلى طور الحكم فماذا حدث؟
هل كانت المذكرة عملية خطيرة، لم يتصور الذين شاركوا فيها الأبعاد والمآلات الخطيرة التي أفضت إليها؟.
هل تحولت فكرة المذكرة إلى تحالف ضم كل الذين كانت لهم مآخذ على قيادة الترابي للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؟
يبدو أن الوقت مازال مبكرا على إصدار أحكام نهائية حول هذه المذكرة، على الرغم من أن تداعياتها تظلل حياتنا الآن بصورة دراماتيكية، فمثلما كانت نقلة إيجابية في الحركة الإسلامية عند الكثيرين، تعتبر خطوة سلبية عند الآخرين.
غير أن الدكتور أمين حسن عمر يقدم هنا رواية متماسكة لمجمل الظروف التي قادت إلى ظهور مذكرة العشرة. ولعل أهمية هذه الراوية تكمن في أمرين:
الأول: أن صاحبها يعتبر من المقربين جدا للدكتور حسن الترابي.
الثاني: أن الدكتور أمين يقدم روايته بمنهج متماسك يسرد الأحداث في عقلانية لا تخلو من مثالية، وهنا الجزء الأول من ثلاثية زلزال مذكرة العشرة.
قبل الحديث عن كيف كان الإعداد لمذكرة العشرة، ما هي الأجواء التي مهدت لظهورها؟
تبدأ هذه الأجواء بتعريف أن تنظيم المؤتمر الوطني كان جديدا، وفي بدايات تلمسه للعمل السياسي في البلاد. وتزامنت هذه البداية مع قرار بتجميد الحركة الإسلامية صدر قبل يونيو 1989م.
وتمظهرت الحركة الإسلامية خلال سنوات ثورة الإنقاذ الأولى في الهياكل الفوقية. وحتى هذه كانت مجرد وجوه قليلة من سبعة أشخاص. وكانت هذه المجموعة تتخذ القرارات التي تتعلق بالرؤية، ثم تذهب من بعد ذلك للمؤسسات، ثم تطور الأمر إلى مكتب تنفيذي من ثلاثين شخصا من دون أن يكون هنالك كيان شوري. ثم اُسترجع مجلس الشورى القديم المكون من 40 شخصا بعد أن كان معلقا.
وبعد قرار عودة مجلس الشورى تقرر أن يوسع المجلس تدريجيا, بحيث تكون دائما نسبة القادمين 60 بالمائة والقدماء 40 بالمائة حتى بلغ مجلس الشورى في مرحلة من المراحل 500 عضو لم يكونوا كلهم من قدامى المنضمين للحركة الإسلامية، بل كان بينهم مستقطبون كثر خلال سنوات الإنقاذ الأولى.
عفوا د. أمين أنت تتحدث عن سنوات الإنقاذ الأولى، في حين أن زلزال مذكرة العشرة ظهر بعد تسع سنوات من قيام الثورة؟
هذا الاستدراك يقودني إلى المرحلة التي جاء فيها الدستور في عام 1998م، حيث نص الدستور على التعددية التي تعني بالطبع أن يكون هناك حزب ظاهر للحركة الإسلامية، بمعنى هل تظهر الحركة الإسلامية كحركة إسلامية أم تتخذ إطارا أوسع منها؟ لذلك جاءت فكرة المؤتمر الوطني (كحزب سياسي للحركة الإسلامية). وساد قبله نظام سياسي من حزب واحد قائم على فكرة المؤتمرات المستندة إلى الديمقراطية القاعدية وإلى الشورى واللجان الشعبية.
الشاهد عندما صدر الدستور ذو الصيغة التعددية, تقرر البحث عن تنظيم واسع, وجاء المؤتمر الوطني، والمهم هنا أن الاتفاق بين المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في المرحلة الأولى قضى بتصعيد مجلس الشورى بكامله، لكي يصبح الإطار الشوري للتنظيم الجديد. وحدث اتفاق ثانٍ بتصعيد المكتب القيادي بكاملة ليكون الإطار القيادي. وهكذا أصبحت هذه الأجهزة هي الأجهزة التنفيذية لبناء المؤتمر الوطني، وهذا ما حدث إذ أصبح الأمين العام هو أمين المؤتمر الوطني, والرئيس أصبح رئيس مجلس المؤتمر الوطني، والأمين العام هو الرئيس الإداري والتنظيمي للحزب الجديد.
وبعد فترة أعيد تنظيم الإطار الشوري بحيث يشمل أعضاء من الولايات، لأنه في البداية, كان جميع أعضاء الشورى من العاصمة. وأضيف للأمانة العامة جهاز جديد باسم المجلس القيادي، مثل أعضاء الولايات معظمه, أكثر من 70 بالمائة، والباقي دورة قومية تمثل العاصمة. وضمت الأمانة العامة برئاسة الدكتور حسن الترابي مجموعة أمناء اختارهم الدكتور الترابي, وعرضت على مجلس الشورى ووافق عليها، على الرغم من اعتراض واسع القواعد على كثير من الأمناء.
د. أمين هل يمكن ذكر أسماء الأمناء الذين تم الاعتراض على اختيارهم؟
يبدو لي أنه لا داعي لذكر الأسماء، خاصة أنني كنت أحد الذين طوروا أفكارا لمعالجة تلك الاعتراضات. وقد تركز الاعتراض على أشخاص بعينهم من جهة أنهم غير مناسبين للمواقع التي شغلوها, وأذكر أننا اقترحنا على الدكتور الترابي أن يشغل الدكتور نافع علي نافع منصب الأمين السياسي، لأن الأمين السياسي المعين في ذلك الوقت لم يكن مناسبا. ورغم أننا نعلم أن هناك حالة من عدم العلاقات الناعمة بين الدكتور الترابي ودكتور نافع، إلا أن هدفنا كان دفع الجميع للعمل بقوة في التنظيم. وظللنا مع الدكتور الترابي في ذلك اليوم حتى المغرب لإقناعه بالتعديل، لكن الذي حدث أن الدكتور الترابي قدم الأمانة العامة كما أراد، وبدا واضحا أن أغلبية الناس لم تكن راضية عن تلك الأمانة، بسبب أن عددا كبيرا من أعضائها دخلوها من باب الاستقطاب، ولم يعرفوا كقيادات تاريخية.
وانتهى الأمر في تقدير الكثيرين أن الدكتور الترابي اختار هؤلاء لعضوية الأمانة العامة لتكون الكلمة النهائية له.
اختيار الدكتور الترابي لمنصب الأمين العام، هل كان هناك اعتراض عليه؟
لم يكن هناك أي اعتراض عليه، بل كان أمرا مسلما به، فضلا عن هذا أنه قرار مجلس الشورى.
حالة عدم الرضا باختيار أعضاء الأمانة، هل تم التعامل معها بأي نوع من الجدية لامتصاصها؟
الواقع آنذاك أن الرأي الذي يعتقد أن الدكتور الترابي أتي بهؤلاء, لمجرد أن تكون الكلمة النهائية له, قد أخذ في الاتساع، إضافة إلى أن الأمانة العامة لم تتصرف كسلطة أو تجتمع كجهاز، وكان الأمين العام يتصرف بمفرده. وعندما اتسعت دائرة النقد لهذا الوضع، كنا نحن (علي كرتي وسيد الخطيب وأمين حسن عمر) نعتقد في ذلك الوقت أن الدكتور الترابي يمكن أن يسمع لنا أكثر من الآخرين، لذلك قلنا للأستاذ ياسين عمر الإمام إننا نريد أن نتحدث للدكتور الترابي والتقينا في منزل ياسين، وانتقدنا الأمانة العامة, وقلنا إن رئيس مجلس الشورى أصبح مهمشا والقرارات تصدر عن الأمانة العامة للحكومة وكأنما الحكومة جهاز تابع للأمانة العامة. ولم نشعر أننا أقنعنا الدكتور الترابي, واتفقنا على جلسة أخرى كانت في منزل علي كرتي، استمرت حتى الهزيع الأول من الفجر في نقاش لم يخل من الحدة انتهى بقول الدكتور الترابي (ما تدسدسوا في البيوت، أمرقوا للسهلة). وقد استفز هذا الرد سيد الخطيب وعلي كرتي.
في ذلك الوقت كنت وسيد الخطيب نلتقي بانتظام في هيئة الأعمال الفكرية، حيث كان سيد متفرغا للهيئة ورئيسا لها. واتفق رأينا (أنا وسيد والأخ المحبوب عبد السلام وآخرون) على إعداد مذكرة للدكتور الترابي تحمل وجهة نظرنا، خاصة بعد أن فشلنا عبر جلستي حوار بإقناعه بوجهة نظرنا. ودوّنا في هذه المذكرة عدة نقاط عادية لا تحمل أي استفزاز أو تحدٍ مثل:
ـ ينبغي أن تكون الأمانة العامة جهازا.
ـ لابد أن يكون هناك مكتب سياسي.
ـ نرجح أن يكون المكتب السياسي متصلا بالأمور التنفيذية والسيادية.
ـ ينبغي أن يكون رئيس المكتب السياسي رئيس الجمهورية حتى يكون جزءا من الأداة التي تتخذ القرار المتعلق بأعمال الحكومة.
وهكذا كانت المذكرة مجرد ملاحظات ديمقراطية تنشد المزيد من التوسع في الديمقراطية والشورى.
حتى الآن تبدو الأمور عادية، لكن ما الذي حدث حتى تتحول هذه المذكرة إلى زلزال؟
كان تقدير سيد الخطيب وعلي كرتي أننا إذا رفعنا المذكرة بهذا الشكل سوف يهملها الدكتور الترابي, وكانا يريان بدلا من أن نرفع المذكرة للدكتور الترابي نرفعها لمجلس الشورى الذي يرأسه رئيس الجمهورية. تحفظت أنا والمحبوب على رفع المذكرة لمجلس الشورى، لأنها ستجعلنا وكأننا في مواجهة مع الدكتور الترابي، خاصة أننا كنا نسعى لمعالجة الأمر بهدوء بعيدا عن التصعيد.
وللحرص على عدم التصعيد من جهتي, سبب آخر, فحواه أنني بحكم عملي كمستشار صحفي في القصر كنت على علم بأن العلاقات لم تكن جيدة بين الطرفين (الرئيس والأمين العام)، ولم تكن في أحسن أوقاتها بسبب تفاوت الآراء بين الطرفين في السياسة الخارجية. وأضرب مثلا بأن الدكتور الترابي كان يبادر بإعلان سياسات كان من الأرفق أن يترك للرئيس أو الحكومة مهمة الإعلان عنها حتى لا تبدو الحكومة وكأنها تدار من طرف خفي. ومثل هذا التصرف يفتقد للشفافية من جهة أن العالم سيعتقد أن الحكومة تدار برأسين رأس كبير, هو رأس الترابي, ورأس صغير, هو رأس الرئيس.
تبدو مثل هذه الخلافات السابق ذكرها من الأمور الوقتية، هل في تقديرك يمكن أن تقود إلى النتائج التي انتهت إليها مذكرة العشرة؟
صحيح أن كل هذه الأمور وقتية, وكانت توتر العلاقة بين الطرفين، لكن العلاقة وصلت أقصى مراحل توترها لسببين:
الأول: في تلك الفترة أكثر الدكتور الترابي من نقده للقوات المسلحة، وأحيانا يمتد النقد للحديث عن مهنية القوات المسلحة. وهذا النقد خلق رأيا عاما سلبيا في الجيش ضد الدكتور الترابي، خاصة أن الجيش واحدة من مكونات ثورة الإنقاذ الأساسية. وهكذا أصبحت هناك حالة غضب تنعكس في أحيان كثيرة على تيارات داخل الجيش من الطريقة التي يتم بها النقد في المساجد وبيوت الأعراس. وكانت هذه المسألة مستفزة, وكنت أعلم أن هذا يستفز الرئيس.
الثاني: إقدام الدكتور الترابي على شيء لم يكن مناسبا، وكان مترددا فيه، لكنه في النهاية أقدم عليه، وطلب من الرئيس أن يخلع البدلة العسكرية, وأن لا يلبسها بعد ذلك, وأن يصير مدنيا فقط.
وقفنا عند إقدام الدكتور الترابي على مطالبة الرئيس بخلع البدلة العسكرية والتحول إلى مدني، كيف تفسر هذا الأمر، وما علاقة هذا بمذكرة العشرة؟
تفسر هذه المطالبة أيضا في إطار الموقف السلبي الذي تبناه الدكتور الترابي من القوات المسلحة.
أما علاقة الأمر بمذكرة العشرة فقد تزامن مع توجه سيد الخطيب وعلي كرتي بالمذكرة إلى مكتب الرئيس وتقديمها للرئيس بصفته رئيس مجلس الشورى لإدراجها في أجندة الاجتماع.
ويتسق هذا التحرك من قبل الخطيب وكرتي مع اللوائح التي تنص على إدراج أي بند في اجتماع مجلس الشورى أن يتم بواسطة الرئيس أو الأمين العام أو ثلث أعضاء المجلس.
وحسب اللوائح, إن كنت تريد رفع مذكرة فلابد من وضعها في الأجندة وتدرج قبل مدة من الاجتماع ويعلم بها الناس ثم تعرض للنقاش. فإما أن يدرجها الرئيس كرئيس لمجلس الشورى أو يدرجها الأمين العام أو ثلث أعضاء المجلس.
ولم يكن عنصر الوقت يسمح بجمع توقيعات ثلث أعضاء المجلس، كما لم يكن متوقعا أن يقوم الأمين العام بإدراجها، وهكذا ذهبوا إلى الرئيس لإدراجها.
عفوا د. أمين, أنت تروي عن آخرين، ويبدو أن دورك قد اختفى، ما هو دورك الفعلي في مسألة إدراج المذكرة في الأجندة بواسطة الرئيس؟
في تقديري, ولست متأكدا من التفاصيل, أن سيد الخطيب بعد مناقشاتنا في هيئة الأعمال الفكرية، انتقل بالنقاش إلى مركز الدراسات الإستراتيجية. وهناك دخل الدكتور بهاء الدين حنفي في الصورة بصفته مدير المركز. وفي هذه المرحلة دخل الدكتور غازي صلاح الدين بحكم الصداقة التي تربطه بسيد ودكتور بهاء، ودائما ما يتبادلون الرأي في كافة القضايا والمسائل.
من النقاش الذي دار بين هؤلاء الأربعة كرتي والخطيب وبهاء وغازي خرجت مسودة المذكرة.
نحن الآن في مرحلة ظهور مسودة من أربعة أشخاص في حين أن المذكرة تحمل اسم العشرة؟
ذهب الإخوة الأربعة بالمذكرة إلى الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، بغرض تحديد موعد لهم مع الرئيس. لكن الفريق بكري قال لهم لن اسمح لكم بمقابلة الرئيس إلا بعد معرفة الموضوع. وعندما تم اطلاع الفريق بكري على موضوع المذكرة، قال لهم: إذا كان هذا هو الموضوع فأنا أؤيد هذه المذكرة. وهكذا أصبح الفريق بكري الرجل الخامس في مذكرة العشرة، واعتقد أن هذا التأييد موقف طبيعي من الفريق بكري باعتباره شخصا ينتمي للقوات المسلحة.
موقف المذكرة حتى الآن يؤيدها خمسة من عشرة؟
بعد موافقة الفريق بكري عرضت المذكرة على شخص آخر، لا أرغب في كشف اسمه، لكن الذي حصل أن هذا الشخص الآخر انتقد المذكرة من جهة أنها لن تكون ذات وزن، إلا إذا انضم إليها أو أيدها أشخاص لهم رمزية. وضرب عدة أمثلة بكسب تأييد شخصية لها رمزية دينية مثل البروفيسور أحمد علي الإمام وشخص له رمزية تاريخية مثل الأستاذ عثمان خالد مضوي والبروفيسور إبراهيم أحمد عمر, وشخصية لها رمزية قبلية مثل حامد علي تورين، وشخصية لها رمزية سياسية مثل الدكتور نافع علي نافع. وهكذا اكتمل عقد العشرة الذين سميت بعددهم المذكرة.
كيف تطورت الأحداث بعد أن وصلت المذكرة للرئيس؟
عندما سلمت المذكرة للرئيس ووافق على إدراجها، كان المناخ ملبدا بغيوم كثيفة من الغضب. وبدت آثار هذه الغيوم واضحة حين جاء الرئيس لأول مرة في تاريخ اجتماعات الحركة الإسلامية كلها وتاريخ مجلس الشورى، إلى اجتماعات مجلس الشورى بالزي العسكري الكامل ومعه حرسه الرئاسي.
هذا المنظر وإدراج المذكرة دون إبلاغ الأمين العام، أثار الدكتور الترابي والأشخاص المحسوبين عليه. وعرضت المذكرة في جو عاصف، وفي الحقيقة لم أحضر الجزء الأول من الاجتماع، بسبب أنني كنت المعقب على محاضرة قدمها الأستاذ علي عثمان محمد طه في مركز الشهيد الزبير في ذلك اليوم.
بالمناسبة، ما هو دور الأستاذ علي عثمان محمد طه في هذه المذكرة؟
الأستاذ علي عثمان محمد طه لم يكن طرفا في المذكرة لا من قريب ولا من بعيد. وكل الاتهامات التي وجهت له في شأن هذه المذكرة كانت ظلما وعدوانا.
عفوا د. أمين مازال الاتهام يطال الأستاذ علي عثمان بتدبير المذكرة رغم مرور عشر سنوات عليها؟
أكرر وأؤكد أن الأستاذ علي عثمان لم يكن طرفا في هذه المذكرة أصلا. ومن يروج لهذا الاتهام لا يعرف طبيعة الأستاذ علي عثمان.. إنه لن يقبل بمثل هذا النوع من المعالجة. وحتى إن قبل بها، فإن الظروف لم تكن مواتية لمثل هذا النوع من المعالجات. إضافة إلى أن الأستاذ علي عثمان كان مدركا للأوضاع والمناخ السائد آنذاك.
وفيما يتعلق بغياب الأستاذ علي عثمان عن بداية الجلسة، فأنا لا اعرف إن كان قصد أن يغيب بسبب هذه المحاضرة أم بالصدفة تداخلت المواعيد. الخلاصة الاتهام للأستاذ علي عثمان اتهام باطل, وليس هناك ما يؤيده من وقائع إعداد وتقديم المذكرة نفسها.
عودة إلى اجتماعات مجلس الشورى، كيف سارت الأمور بعد عرض المذكرة؟
الحوار حول مذكرة العشرة داخل مجلس الشورى كان عاصفا, وانتهى إلى تسوية قادها إبراهيم السنوسي الذي قدم اقتراحا وسطيا قضى بأن تعدل القرارات التي وردت بالمذكرة. ووافق غالبية أعضاء مجلس الشورى عليها وأجيزت في تلك الأجواء.
هل قبل الدكتور الترابي تلك التسوية، أم أنه انحنى للعاصفة ريثما تهدأ الأمور؟
قبل تلك الأحداث العاصفة كان الدكتور الترابي قد أعلن أنه سيترك المجلس الوطني، وسيتفرغ للعمل السياسي. ولكن بعد اجتماع مجلس الشورى تحدث مع الدكتور الترابي الكثيرون بغية إقناعه بأن لا يترك رئاسة المجلس الوطني.
وبالفعل استجاب الدكتور الترابي واتخذ قرار الاستمرار في المجلس الوطني.
وأعتقد أن الدكتور الترابي قرر استخدام المجلس الوطني كإحدى وسائله في الساحة السياسية، إما حائط صد أو حائط هجوم. وبدا لي واضحا أن الدكتور الترابي سار في نهج إعادة البناء على شكل يضمن أن المؤتمر العام يكون أكثر ولاء للشيخ الترابي، وبعد ذلك إذا لم يستطع التخلص من الرئيس، يمكنه التخلص من المساندين الكبار للرئيس من خلال المؤتمر.
عفوا د. أمين فالإجابة السابقة تتضمن استنتاجات، نود أن نقف تحديدا على وقائع تسند هذه الاستنتاجات؟
أدعم حديثي السابق بالنزاع الشديد الذي حدث عند تشكيل اللجنة التنظيمية للمؤتمر. وقد عانيت أنا شخصيا من هذا النزاع، لأنني رشحت لعضوية اللجنة بصفتي محايدا. وأصل الحكاية أن الرئيس كان قد استشار الدكتور غازي صلاح الدين في من سيتم اختياره؟ كانت إجابة د. غازي أن أمين محايد في هذا. وربما جال في ذهن الدكتور غازي أنه قد يصعب على الدكتور الترابي أن يعترض على اختياري. لكن الذي حصل أن الدكتور الترابي انتحى بي على طرف في ردهات المؤتمر، وقال لي (لماذا اختارك الرئيس عشان وزير معاهو يعني).
وكان واضحا بالنسبة لي أن الأمر كان به تهمة ضدي. على أي حال كانت هذه هي الأجواء التي تصاعدت جدا بدرجة تنبئ عن انقسام كبير داخل المؤتمر. لكن في نهاية الأمر بجهود من الدكتور عوض الجاز، والأستاذ عبد الله حسن أحمد تم التوصل إلى تسوية أدت إلى أن يقول الأمين العام حديثا تصالحيا وكذلك الرئيس في الجلسة الافتتاحية. واعتقد الناس أن الأمر قد قضي.
بعد هذه التسوية أجريت الانتخابات ولم تكن النتيجة في مصلحة التيار المؤيد لمذكرة العشرة، هل يعني أنكم لم ترتضوا نتيجة الانتخابات؟
عندما أجريت الانتخابات اكتشف الناس أن الدكتور الترابي حتى يتخلص من أكبر عدد من الناس الذين اعتبرهم مؤيدين للاتجاه الجديد الذي أفرزته مذكرة العشرة، اكتشف الناس أنه اتفق مع قاعدة من الأمناء بالولايات الذين يدينون بالولاء للدكتور الترابي، لأنه هو الذي اختارهم. اتفق الدكتور مع هؤلاء الأمناء على تعبئة قواعدهم لتمرير قرار بإلغاء الكلية القومية، في الوقت الذي تدخل فيه كل القيادات مجلس الشورى من هذه الكلية.
وعبر هذه الكلية يدخل الرئيس البشير والدكتور نافع وكل القيادات. وألغيت هذه الكلية على حين غرة, وهذا يعني أن هؤلاء لن يدخلوا مجلس الشورى. وإذا لم يدخلوا مجلس الشورى, فهذا يعني أنهم ليسوا بقياديين.
ولكن بمعالجات من الراحل الدكتور مجذوب الخليفة مع عدد من أمناء الولايات الأكثر تحررا استطاع الراحل مجذوب أن يدخل عددا كبيرا من هؤلاء ضمن ولايتي الخرطوم ونهر النيل, وهناك آخرون دخلوا كاستكمال, منهم شخصي, واعتقد أنني محايد.
وقفنا عند إلغاء الكلية القومية ومعالجات الراحل الدكتور مجذوب الخليفة في إدخال عدد كبير في مجلس الشورى، لكن الدكتور الترابي يعتقد أن الممارسة الديمقراطية أسقطتكم في باب الانتخاب فعدتم من نافذة الاستكمال؟
عندما تختار كلية ولاية الخرطوم هؤلاء الأعضاء، فهل هذا ضد الديمقراطية؟ إذا تحدثنا عن الديمقراطية، فالدكتور الترابي ألغى الكلية القومية بهدف إبعاد كل القيادات التي تدخل إلى مجلس الشورى عبرها، فهل هذه ممارسة ديمقراطية. ولفائدة الجميع، فإن الكلية القومية تسندها ظروف موضوعية، ولا مجال لوصفها بأنها غير ديمقراطية حتى تلغى، والدليل أن المؤتمر الشعبي الآن لديه كلية قومية، مما يعني أن إلغاء الدكتور الترابي للكلية القومية لم تكن له مبررات موضوعية، بقدر قصد أن يسحب البساط من تحت أرجل القيادات في ولاية الخرطوم.
عفوا د. أمين يبدو أنك تعرضت لموقف غريب من جهة أنك كنت أحد المقربين للدكتور الترابي، لكنه مع ذلك أسهم في إسقاطك في الانتخابات؟
كنت على علم بهذه النتيجة، لأن أصدقائي في المجموعة المؤيدة للدكتور الترابي قالوا بلغة مباشرة (أنت ما معانا ما بنجيبك عديل كده).
ولم يكن في الأمر أي تستر أو مواربة، فالدكتور علي الحاج نفسه اعترف لي بأنهم اتفقوا على إسقاط شخص ليس معهم وأسقطونا فعلا.
وكنت قد رفضت أن أدخل في كلية الخرطوم، لأنني لم أكن حريصا على الدخول في مجلس الشورى نفسه. ولكن عندما جاء الاستكمال أدخلنا من باب الاستكمال في المجلس الجديد. غير أن المجلس الجديد نفسه سار في اتجاه تأييد الرئيس، مما دعا الدكتور الترابي إلى تجيير هذا الاتجاه بسبب مغانم السلطة.
بعيدا عن اتهام الدكتور الترابي، ما تفسيرك لتوجه أعضاء المجلس في اتجاه تأييد الرئيس؟
الواقع أن هذه التهمة تصلح لأن يضعها الإنسان كل في كف الشخص الآخر، وهي ليست حكرا على جهة واحدة.
وفي تقديري أن شعور أغلبية الأعضاء أن الدكتور الترابي كان متشددا ولا يريد التسوية، ويريد فقط أن يتخلص من الأشخاص الذين يرغب في التخلص منهم، ولا يريد أن يقدم أي تنازلات. هذا الشعور قاد أغلبية أعضاء مجلس الشورى إلى معسكر الرئيس.
واعتقد أن تقديري السابق يقدم التفسير الموضوعي للمسألة، ولكن هذا لا يمنع أن عددا قليلا من الأعضاء لم يكن في استطاعتهم إغضاب الحكومة. وأدعم هذا التقدير بتأكيد فحواه أنني جادلت بعض الأخوة المؤيدين للدكتور الترابي حول بطلان هذه التهمة، وقلت لهم إن الأعضاء الذين تتحدثون عن هرولتهم للسلطة، هم الذين بعثوا بأبنائهم للمعارك واستشهدوا وذهبوا بأنفسهم للمعارك وقاتلوا، فهل مثل هؤلاء يسعون للحكومة من أجل لمناصب هذا حديث غير موضوعي ينزع من منزع الخصومة وليس من منزع النظر الموضوعي للمسألة.
باعتبار الدكتور الترابي صاحب أكبر بذل في بناء الحركة الإسلامية، لكن الملاحظ في تعامله مع مذكرة العشرة أنه تحول إلى شخص هدم بنفسه البناء الذي شيده على مر السنوات، ما رأيك في هذا الاعتبار؟
سيطرت على الدكتور الترابي فكرة أنه شخصية مستهجنة، وبعض الناس حرضوا على هذه الفكرة مضيفين إليها أنه يراد حشره في الركن ويراد استلاب الصلاحيات التي يتمتع بها، ويراد عسكرة النظام. هذا ما كان يقال له. ولم يكن هذا صحيحا عند النظر الموضوعي للمسألة آنذاك.
في ظل الظروف الجديدة للخلافات، هل ظل الأستاذ علي عثمان محمد طه في موقفه المحايد؟
احتفظ الأستاذ علي عثمان محمد طه بموقفه المحايد لفترة طويلة، في الوقت الذي كان مستهدفا فيه بدرجة كبيرة من الهجوم الإعلامي الكثيف الذي لا يخلو من الاتهامات, حتى اضطر في نهاية الأمر إلى أن يعلن موقفا واضحا من غير مواربة، لكن الحملة على الأستاذ علي عثمان زادت بعد قرارات الرابع من رمضان، وهم اعتقدوا أن أفكار حل المجلس هي أفكار الأستاذ علي عثمان وليست أفكار الرئيس.
بمناسبة قرار الرابع من رمضان، يرى الدكتور الترابي أن القرار هدم الديمقراطية بحل المجلس، لأن الدستور لم ينص على حل المجلس؟
الصحيح أن الدستور سكت عن حق الحل، والرئيس حل المجلس، ولجأ الدكتور الترابي إلى المحكمة الدستورية التي حكمت وقالت إن الرئيس له الحق، لأن السوابق في السودان تفيد أن دستور 56 سكت عن الحل، لكن الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري حل الجمعية التأسيسية. ودستور 1973 سكت أيضا عن الحل، لكن الرئيس الأسبق جعفر نميري حل مجلس الشعب. لذلك اعتمدت المحكمة الدستورية على السوابق في حكمها. وقد انتقدت هذا في الصحف كرأي مخالف ونشرته في كتاب. ومع هذا فلست مؤيدا لرأي الدكتور الترابي، واعتقد أنه استخدم المجلس الوطني في حربه ضد الرئيس في قصة التعديلات الدستورية.
عفوا د. أمين تبدو إجابتك السابقة مثل من يقود طريقا ثالثا في هذه الخلافات؟
إبداء الرأي لا يؤسس على الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك المعسكر. كان ردي على هذه الفتوى أن الرئيس له الحق مع صمت الدستور صحيح في القانون العام، لأنه يأخذ بالسوابق. وقلت إننا لا نحتكم حاليا للقانون العام، وإنما نخضع لأحكام الشريعة الإسلامية. والقاعدة العاملة في الشريعة هي أن السكوت عند الحاجة إلى بيان بيان. فإذا سكت عن سلطة الرئيس عند المكان المفروض أن تقرر فيه هذه السلطة فهذا يعني أن الدستور لابد أن يعطي السلطة للرئيس والرئيس ليس له الحق.
وهذا رأي قانوني أو شرعي أو كذا، لكن هذا لا يعني أنني كنت موافقا على ما يفعله الدكتور الترابي بالمجلس، لأننا كنا نشعر بأنه حول قضية التعديلات الدستورية إلى وسيلة لإضعاف موقف الرئيس وربما لدفعه إلى الاستقالة، لكن أدى الأمر إلى حل المجلس. وهذا ادخل المؤتمر الوطني في حالة انقسام من حيث الواقع, ومن ناحية قانونية لم يحدث انقسام، ولكن من حيث الواقع حدث الانقسام حتى تم بطريقة رسمية عندما تغيب الدكتور الترابي ومجموعته عن اجتماع مجلس الشورى، ومن بعد ذلك اختاروا لأنفسهم اسما جديدا.
في حسابات الربح والخسارة ما حصاد الأطراف الثلاثة الدولة، الحركة الإسلامية والأشخاص المعنيين؟
بالنسبة للحركة الإسلامية أسمي ما حدث فيها بانسلاخ مجموعة ذات عدد مقدر مع الدكتور الترابي. وكانت غالبية هذه المجموعة من الطلاب والنساء. وتفسيري أن الطلاب كانوا على اتصال مباشر مع الأمين العام والطلاب لم يكونوا مرتبطين بالمؤتمر الوطني كتنظيم. ولما كان التنظيم الطلابي للحركة الإسلامية مرتبطا بالأمين العام, فهو صاحب الصلة والوصل والفكرة، والشباب بطبيعتهم مثاليون، وكذلك المرأة. لذلك غالبية الذين انسلخوا ما عدا بعض القيادات الظاهرة كانوا من الشباب والطلاب والنساء. لكن الجسم الرئيسي للمؤتمر الوطني في الولايات بقي مع المؤتمر الوطني, ما عدا بعض الأمناء المعروفين بولائهم للدكتور الترابي, الذين انسلخوا مع مجموعات قليلة في بعض الولايات, لكن ظل الجسم الرئيسي للمؤتمر الوطني متماسكا.
والحركة الإسلامية كانت أكثر تضررا من المؤتمر الوطني، لأن أعضاء من الحركة الإسلامية ذهبوا مع الدكتور الترابي، وغالبيتهم ظلت في المؤتمر الوطني، لكن هناك مجموعة ثالثة جلست على الرصيف لم تنضم إلى هذا أو ذاك. وهي المجموعة الثانية في العدد بعد المجموعة التي انضمت للمؤتمر الوطني. ويمكن إحصاء الوضع بأن المجموعة الأكبر انضمت للمؤتمر الوطني, المجموعة المتوسطة جلست على الرصيف والمجموعة الأقل ذهبت مع الدكتور الترابي. ويمكن أن يحدث خلاف في المسألة، لكن المراقب يستطيع أن يحكم وفق المعايير المعروفة في المكاتب القيادية للحركة الإسلامية.
الحاصل أن الحركة الإسلامية كانت متضررة بسبب صعود أفراد وذهاب أفراد، لكن الدكتور الترابي هو المتضرر الأكبر لأنه كان زعيم هذا التيار كله، وكانت له سلطة واسعة. وحتى بعد كل هذه المراجعات كانت سلطته واضحة فيها، لكنه اكتفى بسلطة قليلة خرج بها.
والمؤتمر الوطني بالطبع خسر، لأن مجرد الانقسام يثير جوا من السلبية داخل التنظيم، لكن المؤتمر الوطني استطاع من بعد ذلك أن يمضي في مسيرته وأن يجتذب عناصر جديدة.
الخلاصة أن أحدا من الناس لا يستطيع أن ينكر أن هذه مسألة سلبية في تاريخ الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، لكنها ليست غريبة في تاريخ السودان. فالانقسامات موجودة في السودان بسبب أن البناء التنظيمي ضعيف والبناء الفكري فضفاض والتركيز كان على الأشخاص والقيادات.
هل توافق على الرأي الذي يقول إن الدكتور الترابي عبر كل هذا كان يأمل أن يكون رئيسا للبلاد والحركة الإسلامية؟
لا اعتقد أن الدكتور الترابي كان يمكن أن يكون رئيسا للسودان، وهو يعلم أن هنالك معطيات كثيرة خارج السودان تجعل مهمة قيادته للسودان كرئيس صعبة.
وفي الفترة الأخيرة كان الدكتور الترابي يعلم أن غالبية القوات المسلحة لم تكن في حالة ترحيب بالدكتور الترابي.
أخيرا قصة أن يبقى الدكتور الترابي رئيسا للحركة الإسلامية كلها هذه صحيحة, وأن تخضع لها الدولة كلها برئيسها هذا أيضا صحيح، لكن سبب المشكلة الرئيسية أن الدكتور الترابي كان يريد أن تكون له الكلمة النهائية, وهذا غير متاح بطبيعة أن ممارسة السلطة في إطار ديمقراطي لا يمكن أن تجعل هذا أمرا متيسرا, ليس للترابي بل لغيره. ولنا عبرة في الأحزاب الأخرى التي تقسمت وتشتت بسبب إصرار القيادات على أن تحكم القبضة عليها.
أظن أننا نحتاج في ثقافتنا السياسية إلى ثقافة التخويل والتفويض حتى نحافظ على وحدة التنظيم، مثلما حافظنا حتى الآن على وحدة البلد من خلال الفيدرالية التي تتيح صلاحيات لمستويات أخرى.
-------------------------------------

زلزال مذكرة العشرة ...
بقلم: محمد الشيخ حسين
الاثنين, 20 أبريل 2009 21:02

قصة زلزال مذكرة العشرة
الترابي حضر أول اجتماع لمذكرة العشرة

محمد الشيخ حسين

[email protected]

ما هي قصة مذكرة العشرة الشهيرة التي كانت البداية للمفاصلة التاريخية داخل ثورة الإنقاذ الوطني وخروج الدكتور حسن الترابي وأنصاره من الحكم؟
هل كانت المذكرة بداية لعملية تستهدف قيادة الترابي شخصيا، بعد أن ظل نحو عشر سنوات أشبه بالمسؤول المطلق عن إدارة البلاد، خاصة أنه استطاع أن ينقل الحركة الإسلامية للمرة الأولى من طور الدعوة إلى طور الحكم فماذا حدث؟
هل كانت المذكرة عملية خطيرة، لم يتصور الذين شاركوا فيها الأبعاد والمآلات الخطيرة التي أفضت إليها؟.
هل تحولت فكرة المذكرة إلى تحالف ضم كل الذين كانت لهم مآخذ على قيادة الترابي للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؟
يبدو أن الوقت مازال مبكرا على إصدار أحكام نهائية حول هذه المذكرة، على الرغم من أن تداعياتها تظلل حياتنا الآن بصورة دراماتيكية، فمثلما كانت نقلة إيجابية في الحركة الإسلامية عند الكثيرين، تعتبر خطوة سلبية عند الآخرين.
غير أن الدكتور أمين حسن عمر يقدم هنا رواية متماسكة لمجمل الظروف التي قادت إلى ظهور مذكرة العشرة. ولعل أهمية هذه الراوية تكمن في أمرين:
الأول: أن صاحبها يعتبر من المقربين جدا للدكتور حسن الترابي.
الثاني: أن الدكتور أمين يقدم روايته بمنهج متماسك يسرد الأحداث في عقلانية لا تخلو من مثالية، وهنا الجزء الأول من ثلاثية زلزال مذكرة العشرة.
قبل الحديث عن كيف كان الإعداد لمذكرة العشرة، ما هي الأجواء التي مهدت لظهورها؟
تبدأ هذه الأجواء بتعريف أن تنظيم المؤتمر الوطني كان جديدا، وفي بدايات تلمسه للعمل السياسي في البلاد. وتزامنت هذه البداية مع قرار بتجميد الحركة الإسلامية صدر قبل يونيو 1989م.
وتمظهرت الحركة الإسلامية خلال سنوات ثورة الإنقاذ الأولى في الهياكل الفوقية. وحتى هذه كانت مجرد وجوه قليلة من سبعة أشخاص. وكانت هذه المجموعة تتخذ القرارات التي تتعلق بالرؤية، ثم تذهب من بعد ذلك للمؤسسات، ثم تطور الأمر إلى مكتب تنفيذي من ثلاثين شخصا من دون أن يكون هنالك كيان شوري. ثم اُسترجع مجلس الشورى القديم المكون من 40 شخصا بعد أن كان معلقا.
وبعد قرار عودة مجلس الشورى تقرر أن يوسع المجلس تدريجيا, بحيث تكون دائما نسبة القادمين 60 بالمائة والقدماء 40 بالمائة حتى بلغ مجلس الشورى في مرحلة من المراحل 500 عضو لم يكونوا كلهم من قدامى المنضمين للحركة الإسلامية، بل كان بينهم مستقطبون كثر خلال سنوات الإنقاذ الأولى.
عفوا د. أمين أنت تتحدث عن سنوات الإنقاذ الأولى، في حين أن زلزال مذكرة العشرة ظهر بعد تسع سنوات من قيام الثورة؟
هذا الاستدراك يقودني إلى المرحلة التي جاء فيها الدستور في عام 1998م، حيث نص الدستور على التعددية التي تعني بالطبع أن يكون هناك حزب ظاهر للحركة الإسلامية، بمعنى هل تظهر الحركة الإسلامية كحركة إسلامية أم تتخذ إطارا أوسع منها؟ لذلك جاءت فكرة المؤتمر الوطني (كحزب سياسي للحركة الإسلامية). وساد قبله نظام سياسي من حزب واحد قائم على فكرة المؤتمرات المستندة إلى الديمقراطية القاعدية وإلى الشورى واللجان الشعبية.
الشاهد عندما صدر الدستور ذو الصيغة التعددية, تقرر البحث عن تنظيم واسع, وجاء المؤتمر الوطني، والمهم هنا أن الاتفاق بين المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في المرحلة الأولى قضى بتصعيد مجلس الشورى بكامله، لكي يصبح الإطار الشوري للتنظيم الجديد. وحدث اتفاق ثانٍ بتصعيد المكتب القيادي بكاملة ليكون الإطار القيادي. وهكذا أصبحت هذه الأجهزة هي الأجهزة التنفيذية لبناء المؤتمر الوطني، وهذا ما حدث إذ أصبح الأمين العام هو أمين المؤتمر الوطني, والرئيس أصبح رئيس مجلس المؤتمر الوطني، والأمين العام هو الرئيس الإداري والتنظيمي للحزب الجديد.
وبعد فترة أعيد تنظيم الإطار الشوري بحيث يشمل أعضاء من الولايات، لأنه في البداية, كان جميع أعضاء الشورى من العاصمة. وأضيف للأمانة العامة جهاز جديد باسم المجلس القيادي، مثل أعضاء الولايات معظمه, أكثر من 70 بالمائة، والباقي دورة قومية تمثل العاصمة. وضمت الأمانة العامة برئاسة الدكتور حسن الترابي مجموعة أمناء اختارهم الدكتور الترابي, وعرضت على مجلس الشورى ووافق عليها، على الرغم من اعتراض واسع القواعد على كثير من الأمناء.
د. أمين هل يمكن ذكر أسماء الأمناء الذين تم الاعتراض على اختيارهم؟
يبدو لي أنه لا داعي لذكر الأسماء، خاصة أنني كنت أحد الذين طوروا أفكارا لمعالجة تلك الاعتراضات. وقد تركز الاعتراض على أشخاص بعينهم من جهة أنهم غير مناسبين للمواقع التي شغلوها, وأذكر أننا اقترحنا على الدكتور الترابي أن يشغل الدكتور نافع علي نافع منصب الأمين السياسي، لأن الأمين السياسي المعين في ذلك الوقت لم يكن مناسبا. ورغم أننا نعلم أن هناك حالة من عدم العلاقات الناعمة بين الدكتور الترابي ودكتور نافع، إلا أن هدفنا كان دفع الجميع للعمل بقوة في التنظيم. وظللنا مع الدكتور الترابي في ذلك اليوم حتى المغرب لإقناعه بالتعديل، لكن الذي حدث أن الدكتور الترابي قدم الأمانة العامة كما أراد، وبدا واضحا أن أغلبية الناس لم تكن راضية عن تلك الأمانة، بسبب أن عددا كبيرا من أعضائها دخلوها من باب الاستقطاب، ولم يعرفوا كقيادات تاريخية.
وانتهى الأمر في تقدير الكثيرين أن الدكتور الترابي اختار هؤلاء لعضوية الأمانة العامة لتكون الكلمة النهائية له.
اختيار الدكتور الترابي لمنصب الأمين العام، هل كان هناك اعتراض عليه؟
لم يكن هناك أي اعتراض عليه، بل كان أمرا مسلما به، فضلا عن هذا أنه قرار مجلس الشورى.
حالة عدم الرضا باختيار أعضاء الأمانة، هل تم التعامل معها بأي نوع من الجدية لامتصاصها؟
الواقع آنذاك أن الرأي الذي يعتقد أن الدكتور الترابي أتي بهؤلاء, لمجرد أن تكون الكلمة النهائية له, قد أخذ في الاتساع، إضافة إلى أن الأمانة العامة لم تتصرف كسلطة أو تجتمع كجهاز، وكان الأمين العام يتصرف بمفرده. وعندما اتسعت دائرة النقد لهذا الوضع، كنا نحن (علي كرتي وسيد الخطيب وأمين حسن عمر) نعتقد في ذلك الوقت أن الدكتور الترابي يمكن أن يسمع لنا أكثر من الآخرين، لذلك قلنا للأستاذ ياسين عمر الإمام إننا نريد أن نتحدث للدكتور الترابي والتقينا في منزل ياسين، وانتقدنا الأمانة العامة, وقلنا إن رئيس مجلس الشورى أصبح مهمشا والقرارات تصدر عن الأمانة العامة للحكومة وكأنما الحكومة جهاز تابع للأمانة العامة. ولم نشعر أننا أقنعنا الدكتور الترابي, واتفقنا على جلسة أخرى كانت في منزل علي كرتي، استمرت حتى الهزيع الأول من الفجر في نقاش لم يخل من الحدة انتهى بقول الدكتور الترابي (ما تدسدسوا في البيوت، أمرقوا للسهلة). وقد استفز هذا الرد سيد الخطيب وعلي كرتي.
في ذلك الوقت كنت وسيد الخطيب نلتقي بانتظام في هيئة الأعمال الفكرية، حيث كان سيد متفرغا للهيئة ورئيسا لها. واتفق رأينا (أنا وسيد والأخ المحبوب عبد السلام وآخرون) على إعداد مذكرة للدكتور الترابي تحمل وجهة نظرنا، خاصة بعد أن فشلنا عبر جلستي حوار بإقناعه بوجهة نظرنا. ودوّنا في هذه المذكرة عدة نقاط عادية لا تحمل أي استفزاز أو تحدٍ مثل:
ـ ينبغي أن تكون الأمانة العامة جهازا.
ـ لابد أن يكون هناك مكتب سياسي.
ـ نرجح أن يكون المكتب السياسي متصلا بالأمور التنفيذية والسيادية.
ـ ينبغي أن يكون رئيس المكتب السياسي رئيس الجمهورية حتى يكون جزءا من الأداة التي تتخذ القرار المتعلق بأعمال الحكومة.
وهكذا كانت المذكرة مجرد ملاحظات ديمقراطية تنشد المزيد من التوسع في الديمقراطية والشورى.
حتى الآن تبدو الأمور عادية، لكن ما الذي حدث حتى تتحول هذه المذكرة إلى زلزال؟
كان تقدير سيد الخطيب وعلي كرتي أننا إذا رفعنا المذكرة بهذا الشكل سوف يهملها الدكتور الترابي, وكانا يريان بدلا من أن نرفع المذكرة للدكتور الترابي نرفعها لمجلس الشورى الذي يرأسه رئيس الجمهورية. تحفظت أنا والمحبوب على رفع المذكرة لمجلس الشورى، لأنها ستجعلنا وكأننا في مواجهة مع الدكتور الترابي، خاصة أننا كنا نسعى لمعالجة الأمر بهدوء بعيدا عن التصعيد.
وللحرص على عدم التصعيد من جهتي, سبب آخر, فحواه أنني بحكم عملي كمستشار صحفي في القصر كنت على علم بأن العلاقات لم تكن جيدة بين الطرفين (الرئيس والأمين العام)، ولم تكن في أحسن أوقاتها بسبب تفاوت الآراء بين الطرفين في السياسة الخارجية. وأضرب مثلا بأن الدكتور الترابي كان يبادر بإعلان سياسات كان من الأرفق أن يترك للرئيس أو الحكومة مهمة الإعلان عنها حتى لا تبدو الحكومة وكأنها تدار من طرف خفي. ومثل هذا التصرف يفتقد للشفافية من جهة أن العالم سيعتقد أن الحكومة تدار برأسين رأس كبير, هو رأس الترابي, ورأس صغير, هو رأس الرئيس.
تبدو مثل هذه الخلافات السابق ذكرها من الأمور الوقتية، هل في تقديرك يمكن أن تقود إلى النتائج التي انتهت إليها مذكرة العشرة؟
صحيح أن كل هذه الأمور وقتية, وكانت توتر العلاقة بين الطرفين، لكن العلاقة وصلت أقصى مراحل توترها لسببين:
الأول: في تلك الفترة أكثر الدكتور الترابي من نقده للقوات المسلحة، وأحيانا يمتد النقد للحديث عن مهنية القوات المسلحة. وهذا النقد خلق رأيا عاما سلبيا في الجيش ضد الدكتور الترابي، خاصة أن الجيش واحدة من مكونات ثورة الإنقاذ الأساسية. وهكذا أصبحت هناك حالة غضب تنعكس في أحيان كثيرة على تيارات داخل الجيش من الطريقة التي يتم بها النقد في المساجد وبيوت الأعراس. وكانت هذه المسألة مستفزة, وكنت أعلم أن هذا يستفز الرئيس.
الثاني: إقدام الدكتور الترابي على شيء لم يكن مناسبا، وكان مترددا فيه، لكنه في النهاية أقدم عليه، وطلب من الرئيس أن يخلع البدلة العسكرية, وأن لا يلبسها بعد ذلك, وأن يصير مدنيا فقط.
وقفنا عند إقدام الدكتور الترابي على مطالبة الرئيس بخلع البدلة العسكرية والتحول إلى مدني، كيف تفسر هذا الأمر، وما علاقة هذا بمذكرة العشرة؟
تفسر هذه المطالبة أيضا في إطار الموقف السلبي الذي تبناه الدكتور الترابي من القوات المسلحة.
أما علاقة الأمر بمذكرة العشرة فقد تزامن مع توجه سيد الخطيب وعلي كرتي بالمذكرة إلى مكتب الرئيس وتقديمها للرئيس بصفته رئيس مجلس الشورى لإدراجها في أجندة الاجتماع.
ويتسق هذا التحرك من قبل الخطيب وكرتي مع اللوائح التي تنص على إدراج أي بند في اجتماع مجلس الشورى أن يتم بواسطة الرئيس أو الأمين العام أو ثلث أعضاء المجلس.
وحسب اللوائح, إن كنت تريد رفع مذكرة فلابد من وضعها في الأجندة وتدرج قبل مدة من الاجتماع ويعلم بها الناس ثم تعرض للنقاش. فإما أن يدرجها الرئيس كرئيس لمجلس الشورى أو يدرجها الأمين العام أو ثلث أعضاء المجلس.
ولم يكن عنصر الوقت يسمح بجمع توقيعات ثلث أعضاء المجلس، كما لم يكن متوقعا أن يقوم الأمين العام بإدراجها، وهكذا ذهبوا إلى الرئيس لإدراجها.
عفوا د. أمين, أنت تروي عن آخرين، ويبدو أن دورك قد اختفى، ما هو دورك الفعلي في مسألة إدراج المذكرة في الأجندة بواسطة الرئيس؟
في تقديري, ولست متأكدا من التفاصيل, أن سيد الخطيب بعد مناقشاتنا في هيئة الأعمال الفكرية، انتقل بالنقاش إلى مركز الدراسات الإستراتيجية. وهناك دخل الدكتور بهاء الدين حنفي في الصورة بصفته مدير المركز. وفي هذه المرحلة دخل الدكتور غازي صلاح الدين بحكم الصداقة التي تربطه بسيد ودكتور بهاء، ودائما ما يتبادلون الرأي في كافة القضايا والمسائل.
من النقاش الذي دار بين هؤلاء الأربعة كرتي والخطيب وبهاء وغازي خرجت مسودة المذكرة.
نحن الآن في مرحلة ظهور مسودة من أربعة أشخاص في حين أن المذكرة تحمل اسم العشرة؟
ذهب الإخوة الأربعة بالمذكرة إلى الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، بغرض تحديد موعد لهم مع الرئيس. لكن الفريق بكري قال لهم لن اسمح لكم بمقابلة الرئيس إلا بعد معرفة الموضوع. وعندما تم اطلاع الفريق بكري على موضوع المذكرة، قال لهم: إذا كان هذا هو الموضوع فأنا أؤيد هذه المذكرة. وهكذا أصبح الفريق بكري الرجل الخامس في مذكرة العشرة، واعتقد أن هذا التأييد موقف طبيعي من الفريق بكري باعتباره شخصا ينتمي للقوات المسلحة.
موقف المذكرة حتى الآن يؤيدها خمسة من عشرة؟
بعد موافقة الفريق بكري عرضت المذكرة على شخص آخر، لا أرغب في كشف اسمه، لكن الذي حصل أن هذا الشخص الآخر انتقد المذكرة من جهة أنها لن تكون ذات وزن، إلا إذا انضم إليها أو أيدها أشخاص لهم رمزية. وضرب عدة أمثلة بكسب تأييد شخصية لها رمزية دينية مثل البروفيسور أحمد علي الإمام وشخص له رمزية تاريخية مثل الأستاذ عثمان خالد مضوي والبروفيسور إبراهيم أحمد عمر, وشخصية لها رمزية قبلية مثل حامد علي تورين، وشخصية لها رمزية سياسية مثل الدكتور نافع علي نافع. وهكذا اكتمل عقد العشرة الذين سميت بعددهم المذكرة.
كيف تطورت الأحداث بعد أن وصلت المذكرة للرئيس؟
عندما سلمت المذكرة للرئيس ووافق على إدراجها، كان المناخ ملبدا بغيوم كثيفة من الغضب. وبدت آثار هذه الغيوم واضحة حين جاء الرئيس لأول مرة في تاريخ اجتماعات الحركة الإسلامية كلها وتاريخ مجلس الشورى، إلى اجتماعات مجلس الشورى بالزي العسكري الكامل ومعه حرسه الرئاسي.
هذا المنظر وإدراج المذكرة دون إبلاغ الأمين العام، أثار الدكتور الترابي والأشخاص المحسوبين عليه. وعرضت المذكرة في جو عاصف، وفي الحقيقة لم أحضر الجزء الأول من الاجتماع، بسبب أنني كنت المعقب على محاضرة قدمها الأستاذ علي عثمان محمد طه في مركز الشهيد الزبير في ذلك اليوم.
بالمناسبة، ما هو دور الأستاذ علي عثمان محمد طه في هذه المذكرة؟
الأستاذ علي عثمان محمد طه لم يكن طرفا في المذكرة لا من قريب ولا من بعيد. وكل الاتهامات التي وجهت له في شأن هذه المذكرة كانت ظلما وعدوانا.
عفوا د. أمين مازال الاتهام يطال الأستاذ علي عثمان بتدبير المذكرة رغم مرور عشر سنوات عليها؟
أكرر وأؤكد أن الأستاذ علي عثمان لم يكن طرفا في هذه المذكرة أصلا. ومن يروج لهذا الاتهام لا يعرف طبيعة الأستاذ علي عثمان.. إنه لن يقبل بمثل هذا النوع من المعالجة. وحتى إن قبل بها، فإن الظروف لم تكن مواتية لمثل هذا النوع من المعالجات. إضافة إلى أن الأستاذ علي عثمان كان مدركا للأوضاع والمناخ السائد آنذاك.
وفيما يتعلق بغياب الأستاذ علي عثمان عن بداية الجلسة، فأنا لا اعرف إن كان قصد أن يغيب بسبب هذه المحاضرة أم بالصدفة تداخلت المواعيد. الخلاصة الاتهام للأستاذ علي عثمان اتهام باطل, وليس هناك ما يؤيده من وقائع إعداد وتقديم المذكرة نفسها.
عودة إلى اجتماعات مجلس الشورى، كيف سارت الأمور بعد عرض المذكرة؟
الحوار حول مذكرة العشرة داخل مجلس الشورى كان عاصفا, وانتهى إلى تسوية قادها إبراهيم السنوسي الذي قدم اقتراحا وسطيا قضى بأن تعدل القرارات التي وردت بالمذكرة. ووافق غالبية أعضاء مجلس الشورى عليها وأجيزت في تلك الأجواء.
هل قبل الدكتور الترابي تلك التسوية، أم أنه انحنى للعاصفة ريثما تهدأ الأمور؟
قبل تلك الأحداث العاصفة كان الدكتور الترابي قد أعلن أنه سيترك المجلس الوطني، وسيتفرغ للعمل السياسي. ولكن بعد اجتماع مجلس الشورى تحدث مع الدكتور الترابي الكثيرون بغية إقناعه بأن لا يترك رئاسة المجلس الوطني.
وبالفعل استجاب الدكتور الترابي واتخذ قرار الاستمرار في المجلس الوطني.
وأعتقد أن الدكتور الترابي قرر استخدام المجلس الوطني كإحدى وسائله في الساحة السياسية، إما حائط صد أو حائط هجوم. وبدا لي واضحا أن الدكتور الترابي سار في نهج إعادة البناء على شكل يضمن أن المؤتمر العام يكون أكثر ولاء للشيخ الترابي، وبعد ذلك إذا لم يستطع التخلص من الرئيس، يمكنه التخلص من المساندين الكبار للرئيس من خلال المؤتمر.
عفوا د. أمين فالإجابة السابقة تتضمن استنتاجات، نود أن نقف تحديدا على وقائع تسند هذه الاستنتاجات؟
أدعم حديثي السابق بالنزاع الشديد الذي حدث عند تشكيل اللجنة التنظيمية للمؤتمر. وقد عانيت أنا شخصيا من هذا النزاع، لأنني رشحت لعضوية اللجنة بصفتي محايدا. وأصل الحكاية أن الرئيس كان قد استشار الدكتور غازي صلاح الدين في من سيتم اختياره؟ كانت إجابة د. غازي أن أمين محايد في هذا. وربما جال في ذهن الدكتور غازي أنه قد يصعب على الدكتور الترابي أن يعترض على اختياري. لكن الذي حصل أن الدكتور الترابي انتحى بي على طرف في ردهات المؤتمر، وقال لي (لماذا اختارك الرئيس عشان وزير معاهو يعني).
وكان واضحا بالنسبة لي أن الأمر كان به تهمة ضدي. على أي حال كانت هذه هي الأجواء التي تصاعدت جدا بدرجة تنبئ عن انقسام كبير داخل المؤتمر. لكن في نهاية الأمر بجهود من الدكتور عوض الجاز، والأستاذ عبد الله حسن أحمد تم التوصل إلى تسوية أدت إلى أن يقول الأمين العام حديثا تصالحيا وكذلك الرئيس في الجلسة الافتتاحية. واعتقد الناس أن الأمر قد قضي.
بعد هذه التسوية أجريت الانتخابات ولم تكن النتيجة في مصلحة التيار المؤيد لمذكرة العشرة، هل يعني أنكم لم ترتضوا نتيجة الانتخابات؟
عندما أجريت الانتخابات اكتشف الناس أن الدكتور الترابي حتى يتخلص من أكبر عدد من الناس الذين اعتبرهم مؤيدين للاتجاه الجديد الذي أفرزته مذكرة العشرة، اكتشف الناس أنه اتفق مع قاعدة من الأمناء بالولايات الذين يدينون بالولاء للدكتور الترابي، لأنه هو الذي اختارهم. اتفق الدكتور مع هؤلاء الأمناء على تعبئة قواعدهم لتمرير قرار بإلغاء الكلية القومية، في الوقت الذي تدخل فيه كل القيادات مجلس الشورى من هذه الكلية.
وعبر هذه الكلية يدخل الرئيس البشير والدكتور نافع وكل القيادات. وألغيت هذه الكلية على حين غرة, وهذا يعني أن هؤلاء لن يدخلوا مجلس الشورى. وإذا لم يدخلوا مجلس الشورى, فهذا يعني أنهم ليسوا بقياديين.
ولكن بمعالجات من الراحل الدكتور مجذوب الخليفة مع عدد من أمناء الولايات الأكثر تحررا استطاع الراحل مجذوب أن يدخل عددا كبيرا من هؤلاء ضمن ولايتي الخرطوم ونهر النيل, وهناك آخرون دخلوا كاستكمال, منهم شخصي, واعتقد أنني محايد.
وقفنا عند إلغاء الكلية القومية ومعالجات الراحل الدكتور مجذوب الخليفة في إدخال عدد كبير في مجلس الشورى، لكن الدكتور الترابي يعتقد أن الممارسة الديمقراطية أسقطتكم في باب الانتخاب فعدتم من نافذة الاستكمال؟
عندما تختار كلية ولاية الخرطوم هؤلاء الأعضاء، فهل هذا ضد الديمقراطية؟ إذا تحدثنا عن الديمقراطية، فالدكتور الترابي ألغى الكلية القومية بهدف إبعاد كل القيادات التي تدخل إلى مجلس الشورى عبرها، فهل هذه ممارسة ديمقراطية. ولفائدة الجميع، فإن الكلية القومية تسندها ظروف موضوعية، ولا مجال لوصفها بأنها غير ديمقراطية حتى تلغى، والدليل أن المؤتمر الشعبي الآن لديه كلية قومية، مما يعني أن إلغاء الدكتور الترابي للكلية القومية لم تكن له مبررات موضوعية، بقدر قصد أن يسحب البساط من تحت أرجل القيادات في ولاية الخرطوم.
عفوا د. أمين يبدو أنك تعرضت لموقف غريب من جهة أنك كنت أحد المقربين للدكتور الترابي، لكنه مع ذلك أسهم في إسقاطك في الانتخابات؟
كنت على علم بهذه النتيجة، لأن أصدقائي في المجموعة المؤيدة للدكتور الترابي قالوا بلغة مباشرة (أنت ما معانا ما بنجيبك عديل كده).
ولم يكن في الأمر أي تستر أو مواربة، فالدكتور علي الحاج نفسه اعترف لي بأنهم اتفقوا على إسقاط شخص ليس معهم وأسقطونا فعلا.
وكنت قد رفضت أن أدخل في كلية الخرطوم، لأنني لم أكن حريصا على الدخول في مجلس الشورى نفسه. ولكن عندما جاء الاستكمال أدخلنا من باب الاستكمال في المجلس الجديد. غير أن المجلس الجديد نفسه سار في اتجاه تأييد الرئيس، مما دعا الدكتور الترابي إلى تجيير هذا الاتجاه بسبب مغانم السلطة.
بعيدا عن اتهام الدكتور الترابي، ما تفسيرك لتوجه أعضاء المجلس في اتجاه تأييد الرئيس؟
الواقع أن هذه التهمة تصلح لأن يضعها الإنسان كل في كف الشخص الآخر، وهي ليست حكرا على جهة واحدة.
وفي تقديري أن شعور أغلبية الأعضاء أن الدكتور الترابي كان متشددا ولا يريد التسوية، ويريد فقط أن يتخلص من الأشخاص الذين يرغب في التخلص منهم، ولا يريد أن يقدم أي تنازلات. هذا الشعور قاد أغلبية أعضاء مجلس الشورى إلى معسكر الرئيس.
واعتقد أن تقديري السابق يقدم التفسير الموضوعي للمسألة، ولكن هذا لا يمنع أن عددا قليلا من الأعضاء لم يكن في استطاعتهم إغضاب الحكومة. وأدعم هذا التقدير بتأكيد فحواه أنني جادلت بعض الأخوة المؤيدين للدكتور الترابي حول بطلان هذه التهمة، وقلت لهم إن الأعضاء الذين تتحدثون عن هرولتهم للسلطة، هم الذين بعثوا بأبنائهم للمعارك واستشهدوا وذهبوا بأنفسهم للمعارك وقاتلوا، فهل مثل هؤلاء يسعون للحكومة من أجل لمناصب هذا حديث غير موضوعي ينزع من منزع الخصومة وليس من منزع النظر الموضوعي للمسألة.
باعتبار الدكتور الترابي صاحب أكبر بذل في بناء الحركة الإسلامية، لكن الملاحظ في تعامله مع مذكرة العشرة أنه تحول إلى شخص هدم بنفسه البناء الذي شيده على مر السنوات، ما رأيك في هذا الاعتبار؟
سيطرت على الدكتور الترابي فكرة أنه شخصية مستهجنة، وبعض الناس حرضوا على هذه الفكرة مضيفين إليها أنه يراد حشره في الركن ويراد استلاب الصلاحيات التي يتمتع بها، ويراد عسكرة النظام. هذا ما كان يقال له. ولم يكن هذا صحيحا عند النظر الموضوعي للمسألة آنذاك.
في ظل الظروف الجديدة للخلافات، هل ظل الأستاذ علي عثمان محمد طه في موقفه المحايد؟
احتفظ الأستاذ علي عثمان محمد طه بموقفه المحايد لفترة طويلة، في الوقت الذي كان مستهدفا فيه بدرجة كبيرة من الهجوم الإعلامي الكثيف الذي لا يخلو من الاتهامات, حتى اضطر في نهاية الأمر إلى أن يعلن موقفا واضحا من غير مواربة، لكن الحملة على الأستاذ علي عثمان زادت بعد قرارات الرابع من رمضان، وهم اعتقدوا أن أفكار حل المجلس هي أفكار الأستاذ علي عثمان وليست أفكار الرئيس.
بمناسبة قرار الرابع من رمضان، يرى الدكتور الترابي أن القرار هدم الديمقراطية بحل المجلس، لأن الدستور لم ينص على حل المجلس؟
الصحيح أن الدستور سكت عن حق الحل، والرئيس حل المجلس، ولجأ الدكتور الترابي إلى المحكمة الدستورية التي حكمت وقالت إن الرئيس له الحق، لأن السوابق في السودان تفيد أن دستور 56 سكت عن الحل، لكن الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري حل الجمعية التأسيسية. ودستور 1973 سكت أيضا عن الحل، لكن الرئيس الأسبق جعفر نميري حل مجلس الشعب. لذلك اعتمدت المحكمة الدستورية على السوابق في حكمها. وقد انتقدت هذا في الصحف كرأي مخالف ونشرته في كتاب. ومع هذا فلست مؤيدا لرأي الدكتور الترابي، واعتقد أنه استخدم المجلس الوطني في حربه ضد الرئيس في قصة التعديلات الدستورية.
عفوا د. أمين تبدو إجابتك السابقة مثل من يقود طريقا ثالثا في هذه الخلافات؟
إبداء الرأي لا يؤسس على الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك المعسكر. كان ردي على هذه الفتوى أن الرئيس له الحق مع صمت الدستور صحيح في القانون العام، لأنه يأخذ بالسوابق. وقلت إننا لا نحتكم حاليا للقانون العام، وإنما نخضع لأحكام الشريعة الإسلامية. والقاعدة العاملة في الشريعة هي أن السكوت عند الحاجة إلى بيان بيان. فإذا سكت عن سلطة الرئيس عند المكان المفروض أن تقرر فيه هذه السلطة فهذا يعني أن الدستور لابد أن يعطي السلطة للرئيس والرئيس ليس له الحق.
وهذا رأي قانوني أو شرعي أو كذا، لكن هذا لا يعني أنني كنت موافقا على ما يفعله الدكتور الترابي بالمجلس، لأننا كنا نشعر بأنه حول قضية التعديلات الدستورية إلى وسيلة لإضعاف موقف الرئيس وربما لدفعه إلى الاستقالة، لكن أدى الأمر إلى حل المجلس. وهذا ادخل المؤتمر الوطني في حالة انقسام من حيث الواقع, ومن ناحية قانونية لم يحدث انقسام، ولكن من حيث الواقع حدث الانقسام حتى تم بطريقة رسمية عندما تغيب الدكتور الترابي ومجموعته عن اجتماع مجلس الشورى، ومن بعد ذلك اختاروا لأنفسهم اسما جديدا.
في حسابات الربح والخسارة ما حصاد الأطراف الثلاثة الدولة، الحركة الإسلامية والأشخاص المعنيين؟
بالنسبة للحركة الإسلامية أسمي ما حدث فيها بانسلاخ مجموعة ذات عدد مقدر مع الدكتور الترابي. وكانت غالبية هذه المجموعة من الطلاب والنساء. وتفسيري أن الطلاب كانوا على اتصال مباشر مع الأمين العام والطلاب لم يكونوا مرتبطين بالمؤتمر الوطني كتنظيم. ولما كان التنظيم الطلابي للحركة الإسلامية مرتبطا بالأمين العام, فهو صاحب الصلة والوصل والفكرة، والشباب بطبيعتهم مثاليون، وكذلك المرأة. لذلك غالبية الذين انسلخوا ما عدا بعض القيادات الظاهرة كانوا من الشباب والطلاب والنساء. لكن الجسم الرئيسي للمؤتمر الوطني في الولايات بقي مع المؤتمر الوطني, ما عدا بعض الأمناء المعروفين بولائهم للدكتور الترابي, الذين انسلخوا مع مجموعات قليلة في بعض الولايات, لكن ظل الجسم الرئيسي للمؤتمر الوطني متماسكا.
والحركة الإسلامية كانت أكثر تضررا من المؤتمر الوطني، لأن أعضاء من الحركة الإسلامية ذهبوا مع الدكتور الترابي، وغالبيتهم ظلت في المؤتمر الوطني، لكن هناك مجموعة ثالثة جلست على الرصيف لم تنضم إلى هذا أو ذاك. وهي المجموعة الثانية في العدد بعد المجموعة التي انضمت للمؤتمر الوطني. ويمكن إحصاء الوضع بأن المجموعة الأكبر انضمت للمؤتمر الوطني, المجموعة المتوسطة جلست على الرصيف والمجموعة الأقل ذهبت مع الدكتور الترابي. ويمكن أن يحدث خلاف في المسألة، لكن المراقب يستطيع أن يحكم وفق المعايير المعروفة في المكاتب القيادية للحركة الإسلامية.
الحاصل أن الحركة الإسلامية كانت متضررة بسبب صعود أفراد وذهاب أفراد، لكن الدكتور الترابي هو المتضرر الأكبر لأنه كان زعيم هذا التيار كله، وكانت له سلطة واسعة. وحتى بعد كل هذه المراجعات كانت سلطته واضحة فيها، لكنه اكتفى بسلطة قليلة خرج بها.
والمؤتمر الوطني بالطبع خسر، لأن مجرد الانقسام يثير جوا من السلبية داخل التنظيم، لكن المؤتمر الوطني استطاع من بعد ذلك أن يمضي في مسيرته وأن يجتذب عناصر جديدة.
الخلاصة أن أحدا من الناس لا يستطيع أن ينكر أن هذه مسألة سلبية في تاريخ الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، لكنها ليست غريبة في تاريخ السودان. فالانقسامات موجودة في السودان بسبب أن البناء التنظيمي ضعيف والبناء الفكري فضفاض والتركيز كان على الأشخاص والقيادات.
هل توافق على الرأي الذي يقول إن الدكتور الترابي عبر كل هذا كان يأمل أن يكون رئيسا للبلاد والحركة الإسلامية؟
لا اعتقد أن الدكتور الترابي كان يمكن أن يكون رئيسا للسودان، وهو يعلم أن هنالك معطيات كثيرة خارج السودان تجعل مهمة قيادته للسودان كرئيس صعبة.
وفي الفترة الأخيرة كان الدكتور الترابي يعلم أن غالبية القوات المسلحة لم تكن في حالة ترحيب بالدكتور الترابي.
أخيرا قصة أن يبقى الدكتور الترابي رئيسا للحركة الإسلامية كلها هذه صحيحة, وأن تخضع لها الدولة كلها برئيسها هذا أيضا صحيح، لكن سبب المشكلة الرئيسية أن الدكتور الترابي كان يريد أن تكون له الكلمة النهائية, وهذا غير متاح بطبيعة أن ممارسة السلطة في إطار ديمقراطي لا يمكن أن تجعل هذا أمرا متيسرا, ليس للترابي بل لغيره. ولنا عبرة في الأحزاب الأخرى التي تقسمت وتشتت بسبب إصرار القيادات على أن تحكم القبضة عليها.
أظن أننا نحتاج في ثقافتنا السياسية إلى ثقافة التخويل والتفويض حتى نحافظ على وحدة التنظيم، مثلما حافظنا حتى الآن على وحدة البلد من خلال الفيدرالية التي تتيح صلاحيات لمستويات أخرى.
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

الترابي لـ«الشرق الأوسط»: لن أغادر الخرطوم عن طريق جوبا بل جهاراً نهاراً
كاشفا عن اتصالات للقاهرة معه تتولاها المخابرات المصرية
الثلاثـاء 25 ربيـع الثانـى 1430 هـ 21 ابريل 2009 العدد 11102

جريدة الشرق الاوسط

لندن: مصطفى سري


رفض الأمين العام للمؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن الترابي السفر إلى خارج السودان عبر طرق أخرى منها التوجه إلى جوبا عاصمة حكومة الجنوب التي تقودها الحركة الشعبية بزعامة النائب الأول للرئيس السوداني سلفا كير ميارديت، نافياً إعادة السلطات الأمنية جواز السفر الدبلوماسي الذي صادرته منه مساء أول من أمس ومنعته من مغادرة البلاد متوجهاً إلى العاصمة الفرنسية باريس في رحلة علاج، كاشفاً عن اتصالات للقاهرة معه تتولاها المخابرات المصرية. وقال الترابي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من الخرطوم إن مقربين منه أبلغوه من تمكينه بمغادرة السودان إلى الخارج عبر طرق أخرى منها التوجه إلى جوبا التي قال إنها تحكمها الحركة بشكل مستقل عن بقية البلاد، وأضاف «لكنني رفضت لأنني أريد أن أغادر من مطار الخرطوم جهاراً نهاراً وليس عن طريق جوبا أو من مكان آخر مع أن السفر عن طريق جوبا أو غيرها ممكن وليس صعبا». أوضح الترابي أن السلطات الأمنية تعاملت معه بـ«سخف وتعسف» بعد أن أكمل كل الإجراءات الخاصة بالسفر إلى باريس أول من أمس، وأضاف «قبيل نصف ساعة من التوجه إلى الطائرة حضرت سيارة لجهاز الأمن وأبلغوني أنا ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب وزميلي في المعتقل دكتور بشير آدم رحمة وأسرتي بأننا غير مسموح لنا بمغادرة البلاد وصادروا وثائق سفرنا فوراً»، وتابع «إجراءات سفري صحيحة من تأشيرة الدخول المتعددة إلى أوروبا وتأشيرة الخروج لكنهم تعاملوا معنا بشيء من السخف والاستفزاز»، وقال «حتى الآن لم يعيدوا جواز سفري أنا وبشير آدم رحمة وشخص ثالث لكن أعادوا جوازات سفر زوجته وصال المهدي وابنته أمامة»، وأكد أنه سيختبر السلطات الأمنية مرة أخرى في محاولة السفر إلى خارج السودان، وقال «سأجرب مرة أخرى لأن ذلك حقي الذي كفله الدستور الذي كتبوه بأيديهم».

وربط الترابي منعه من التوجه إلى باريس وعدد من العواصم الأوروبية منها لندن وجنيف إلى جانب دول عربية وأفريقية مثل تشاد وقطر بالزيارة التي سيقوم بها مساعد الرئيس السوداني دكتور نافع علي نافع ومدير جهاز الأمن الفريق صلاح عبد الله إلى فرنسا، وقال «نافع الذي سبق أن كان مديراً لجهاز الأمن حتى فترة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995 التي اتهمت مصر الحكومة السودانية بالضلوع فيها ومدير جهاز الأمن الحالي صلاح عبد الله سيتوجهان هذا الأسبوع إلى باريس ويخشون أن أفرش لهما شوكاً في الطريق وعرقلة استجدائهما للفرنسيين»، وتابع «هم يخافون من جولتي التي سأقوم بها إلى باريس، لندن، وبرلين، وجنيف، وكنت سأتوقف في الدوحة وأزور تشاد والعاصمة الليبية طرابلس للبحث عن حلول لأزمتنا الداخلية مع تلك العواصم»، مشيراً إلى أن رحلة العلاج ليست تغطية كما أفاد مصدر في جهاز الأمن السوداني في تصريح صحافي، وقال «جهاز الأمن يعلم من خلال تنصته على هواتفنا أنني سأغادر لعمل مراجعة حول صحتي العامة في باريس وأنني سأزور العديد من العواصم للبحث عن صحة بلادنا كلها التي اعتلت بفعلتهم، وأضاف «حتى مصر التي فتحت إلينا الطريق عبر مسؤولي مخابراتها كنا سنزورها في وقت آخر للتباحث حول قضية دارفور». وقال التربي إن القاهرة تعمل لجمع القوى السياسية السودانية لحل أزمة دارفور وأن الزعيم الليبي يقوم بذات الفعل، وتابع «ربما سأزور القاهرة لأنني أتحرك لكي أعالج مع آخرين أمراض بلادنا وليس من أجل حالتي الصحية وحدها».

وأشار الترابي إلى الاعتقال الذي تعرض له أخيرا بسبب طلبه الرئيس السوداني عمر البشير إلى تسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقال إن الاعتقال الأخير سبب في تدهور حالته الصحية.

وفي الوقت نفسه قال مصدر أمني في تعميم صحافي إن السلطات المختصة قد منعت الدكتور حسن الترابي أول من أمس من السفر إلى فرنسا ضمن جولة خارجية طويلة كان ينوي القيام بها إلى عدد من الدول الأوروبية والعربية والأفريقية، وأضاف المصدر أن برنامج الدكتور الترابي إلى الخارج كان حافلا بتحركات معادية للدولة وضد التوافق الوطني. وهاجم المصدر رحلة زعيم المؤتمر الشعبي الخارجية ووصفها بالمشبوهة والساعية إلى شق الصف الوطني وعرقلة المساعي الجارية لتحقيق السلام بالبلاد.

---------------------------------

الترابي‮ ‬بين الغلظة وتصفية الحسابات‮ (٢‬ــ ‮٢)‬
كتب manager
Thursday, 16 April 2009


زفرات حرى

الطيب مصطفى

[email protected]هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته



الترابي‮ ‬بين الغلظة وتصفية الحسابات‮ (٢‬ــ ‮٢)‬

نمضي‮ ‬بإذن الله تعالى في‮ ‬تشريح رد د‮. ‬الترابي‮ ‬على الشيخ‮ ‬يس عمر الإمام والذي‮ ‬ابتدره بعبارة‮: (‬الأخ‮ ‬يس سلام‮) ‬بدون أن‮ ‬يقابل التحية بأحسن منها أو‮ ‬يردها كما هي‮ ‬امتثالاً‮ ‬للأمر القرآني‮ ‬واعترافه وتأكيده لما قاله الشيخ‮ ‬يس بأنه‮ ‬يصدر في‮ ‬أفعاله وآرائه الحادة تجاه البشير عن تصفية حسابات من خلال عباراته‮: (‬تحت سطوة السلطان قهراً‮ ‬وكبتاً‮).‬

يقول الترابي‮ ‬مخاطباً‮ ‬الشيخ‮ ‬يس‮: »‬فإن ظهر لكم عكس ما ترون فلكم دينكم ولي‮ ‬دين فالاجتهاد في‮ ‬أمر‮ (‬الدنيا‮) ‬أوسع وأرحب لا حجر ولا حكر‮«!!‬

سأتجاوز ضيق صدر الترابي‮ ‬وزجره للشيخ‮ ‬يس من خلال عبارته التي‮ ‬تعني‮ ‬أن‮ (‬الباب‮ ‬يمرق جمل‮)!! ‬كما‮ ‬يقول مثلنا الشعبي‮ ‬فقد أوضحت ذلك بالأمس،‮ ‬وأتساءل أين هي‮ (‬الدنيا‮) ‬يا تُرى في‮ ‬مقولة الشيخ‮ ‬يس والتي‮ ‬أرجع الترابي‮ ‬أمر الخلاف بينه وبين الشيخ‮ ‬يس إليها وهل اختلف الرجل مع الترابي‮ ‬حول اجتهاد في‮ ‬أمر الدنيا أم أنه اجتهاد في‮ ‬أمر من صميم الدين؟

الشيخ‮ ‬يس أرجع الخلاف بينه والترابي‮ ‬إلى قضية للدين فيها شأن وأي‮ ‬شأن فقد قال الشيخ‮ ‬يس في‮ ‬خطابه للترابي‮: (‬إن ما‮ ‬يجري‮ ‬اليوم في‮ ‬حق البلاد لا‮ ‬ينفصل عن حملة الاستهداف لكل ما هو إسلامي‮ ‬وما الجزائر وأفغانستان وتركيا وفلسطين والعراق عنا ببعيد ولا‮ ‬يمكن تفسير ما‮ ‬يدور في‮ ‬السودان بمعزل عن الكيد العام الذي‮ ‬يقوده الغرب ضد الإسلام والمسلمين‮)‬،‮ ‬ثم‮ ‬يمضي‮ ‬الشيخ المجاهد ليقول‮: (‬والله لولا مرض عضال أقعدني‮ ‬وسقمٌ‮ ‬ألمّ‮ ‬بي‮ ‬لكنت في‮ ‬الصفوف الأولى مقاتلاً‮ (‬المؤمنون‮ ‬يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم،‮ ‬وأن أهل الحكم الحالي‮ ‬هم إخوان لنا بغوا علينا والبشير منا وإلينا لن نسلمه إلى الطاغوت ولن‮ ‬يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً‮).‬

الشيخ‮ ‬يس‮ ‬يقول إن ظلماً‮ ‬قد حاق بهم لكنه رغم ذلك لن‮ ‬يفجُر في‮ ‬خصومته ويرمي‮ ‬الدين وراءه ظهرياً‮ ‬في‮ ‬خلافه مع من‮ ‬يصر على أنهم‮ (‬إخوان‮) ‬ومن‮ ‬يصر على أنه‮ ‬ينصره لأنه منه وإليه‮ (‬ويعني‮ ‬بذلك بالطبع الرئيس البشير‮) ‬وأنه لن‮ ‬يُسلمه إلى الكفار الأعداء المحاربين‮... ‬أما الترابي‮ ‬فقد بات‮ ‬يضيق ذرعاً‮ ‬بإقحام الدين في‮ ‬السياسة أو السياسة في‮ ‬الدين‮... ‬ويا سبحان الله‮... ‬الرجل الذي‮ ‬لطالما حدَّث الناس عن‮ (‬الشرك السياسي‮) ‬والذي‮ ‬حاضر وكتب عن العلمانية المقْصِية للدين عن الدنيا المبْعِدة له في‮ ‬ركن قصي‮ ‬من زوايا المسجد لا‮ ‬يطيق أن‮ (‬يُقحم‮) ‬الدين في‮ ‬السياسة،‮ ‬فسبحان مُغيِّر الأحوال‮!!‬

هذا‮ ‬يذكرني‮ ‬ما طرحته من قبل وما أجدني‮ ‬مضطراً‮ ‬إلى طرحه مراراً‮ ‬وتكراراً‮ ‬بعد أن صدمني‮ ‬وملأني‮ ‬حسرة وألماً‮ ‬على‮ (‬شيخنا القديم‮) ‬قبل أن‮ ‬يخلد إلى الأرض ويتَّبع هواه فقد استنكر الرجل أن‮ ‬يسأله محرر صحيفة‮ (‬الخرطوم مونتر‮) ‬الجنوبية الناطقة بالانجليزية عن علاقة الدين بانتخاب‮ ‬غير المسلم وتقديمه على المسلم فقال الترابي‮ ‬‭(‬This has nothing to do with religion‭)‬‮ ‬وكررها مرتين وهى تعني‮: (‬أن هذا لا علاقة له بالدين‮)!!‬

وهكذا‮ ‬يزيح الترابي‮ ‬الدين من أمور السياسة لدرجة أن‮ ‬يخرجه حتى من الولاية العامة بمعنى أنه من الجائز جداً‮ ‬للمسلم في‮ ‬عرف الترابي‮ ‬أن‮ ‬يصوِّت المسلمون لعدو الإسلام والمسلمين باقان أموم ليفعل بالإسلام في‮ ‬الشمال أكثر مما فعله وحركته به في‮ ‬الجنوب‮!!‬

لقد أزاح الترابي‮ ‬الدين من السياسة لكن ما الذي‮ ‬أزاح الترابي‮ ‬عن مبادئه التي‮ ‬قضى زهرة شبابه منافحاً‮ ‬عنها وداعياً‮ ‬إليها ومقاتلاً‮ ‬في‮ ‬سبيلها؟‮! ‬إنه الفجور في‮ ‬الخصومة وتصفية الحسابات التي‮ ‬اتهمه بها الشيخ‮ ‬يس عمر‮... ‬إنه الحقد وغل النفوس الذي‮ ‬ملأ على قابيل جوانحه قبل أن‮ ‬يفتك بأخيه هابيل‮.. ‬إنه الحسد الذي‮ ‬أخرج إبليس من الجنة‮.. ‬إنه الهوى الذي‮ ‬فتك بالعالِم الرباني‮ ‬الذي‮ ‬قال عنه سبحانه‮: (‬الذي‮ ‬آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين‮)... ‬ساقه حتى أخلده إلى الأرض بفعل الهوى الطاغي‮ ‬وشح النفس الأمارة بالسوء‮.‬

هل‮ ‬يمكن أن تتخيلوا الترابي‮ ‬في‮ ‬ستينات القرن الماضي‮ ‬يفتي‮ ‬بإمكانية انتخاب الشيوعي‮ (‬المسلم ان شاء الله‮) ‬عبد الخالق محجوب الذي‮ ‬قاد الترابي‮ ‬حملة إقصاء حزبه من الساحة السياسية ناهيك عن انتخاب باقان أموم المحارب لله ورسوله الكافر العلماني‮ ‬الرافض حتى لإيراد البسملة في‮ ‬صدر الدستور الإنتقالي؟‮!‬

المحبوب عبد السلام مريد شيخه والذي‮ ‬كتب مقالاً‮ ‬بعنوان‮: (‬سأصوت لسلفاكير‮) ‬هل كان‮ ‬يتصور أن‮ ‬يظل عضواً‮ ‬في‮ ‬الحركة الإسلامية دعك من أن‮ ‬يكون قيادياً‮ ‬بل أقرب المقربين لشيخه الترابي‮ ‬إن هو كتب في‮ ‬الستينات أنه سيصوت لعبد الخالق محجوب؟‮! ‬من الذي‮ ‬تغيَّر‮ ‬يا تُرى باقان أموم أم الترابي‮ ‬؟‮! ‬وهل تغيَّر النهي‮ ‬القرآني؟‮! (‬يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي‮ ‬وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)؟‮!‬

لماذا‮ ‬يزور الصادق المهدي‮ ‬البشير في‮ ‬منزله ويتسامران ويمزحان بل ويدخل الصادق مع البشير في‮ (‬التراضي‮ ‬الوطني‮) ... ‬تلك العبارة الرقيقة التي‮ ‬تنم عن الود والحميمية ولماذا‮ ‬يزور الميرغني‮ ‬البشير؟‮! ‬ولماذا‮ ‬يرفض الزعيمان المحترمان أن‮ ‬يسلما البشير لمحكمة الظلم الدولية بينما‮ ‬يسعد الترابي‮ ‬بذلك ويرحِّب؟‮!‬

إنه الخلق الإسلامي‮.. ‬خلق التسامي‮ ‬والتسامح والتصافي‮ ‬لا خلق الغل والحقد وتصفية الحسابات‮.‬

دعونا نرجع إلى خطاب الترابي‮ ‬الغاضب إلى رفيق دربه‮ ‬يس الذي‮ ‬كان‮ ‬يحتاج وهو في‮ ‬سرير المرض إلى عبارات حانية لا إلى زجر وطرد وإقصاء فقد قال الترابي‮ ‬للشيخ‮ ‬يس‮: ‬إن ما تشهده الساحة اليوم هو نتاج‮ (‬ماكسبت أيديهم فنحن نعيش في‮ ‬وضع مأزوم داخلياً‮ ‬تحت سطوة السلطان‮..).‬

بربكم عن أي‮ ‬وضع‮ (‬مأزوم داخلياً‮) ‬يتحدث الترابي‮ ‬وهو الذي‮ ‬يعلم أن السودان لم تجتمع كلمته منذ عقود من الزمان كما اجتمعت اليوم؟‮! ‬من هو المأزوم البشير الذي‮ ‬التفَّت حوله الجماهير حتى في‮ ‬دارفور التي‮ ‬يتاجر الأعداء والعملاء باسمها أم الترابي‮ ‬المعزول من الجميع والذي‮ ‬تضجَّر منه وتمرد وثار حتى أقرب المقربين إليه؟‮! ‬من هو المأزوم؟ أهو الذي‮ ‬يتوعده الكافر أوكامبو ومن‮ ‬يقفون خلفه من بني‮ ‬صهيون والصليبيين أم الترابي‮ ‬الذي‮ ‬بات مقرباً‮ ‬إلى هؤلاء‮ ‬يسبِّح بحمدهم ويدعو إلى قوانينهم الطاغوتية وأحكامهم الجاهلية‮ (‬أفحكم الجاهلية‮ ‬يبغون‮...).‬

ليت الترابي‮ ‬يكلِّف شخصاً‮ ‬يخبره بموقعه في‮ ‬نفوس الشعب السوداني‮ ‬اليوم وبموقع البشير ومكانته بين الجماهير‮... ‬ليت الترابي‮ ‬يسأل الشعب السوداني‮ ‬ما إذا كان‮ ‬يصدقه ويقبل طروحاته وأفكاره السياسية ويثق في‮ ‬إدعائه بأنه‮ ‬يؤمن بالديمقراطية رغم ضيق صدره وسلوكه الدكتاتوري‮ ‬حتى مع أقرب المقربين إليه‮.‬

إن فاقد الشيء لا‮ ‬يعطيه ولا‮ ‬يجوز لمن‮ ‬يشعل الحرائق والتمردات ويشجعها أن‮ ‬يتحدث عن الديمقراطية والتداول السلمي‮ ‬للسلطة ولعل علاقة الترابي‮ ‬بحركة خليل إبراهيم التي‮ ‬روَّعت المواطنين في‮ ‬أم درمان وقتلت منهم العشرات واستخدمت أطفالاً‮ ‬لم‮ ‬يبلغوا الحلم في‮ ‬قتالها‮... ‬لعل تلك العلاقة لا‮ ‬ينكرها إلا مكابر‮!!‬

صدقوني‮ ‬إني‮ ‬لا أرى في‮ ‬الترابي‮ ‬اليوم إلا رجلاً‮ ‬حاقداً‮ ‬يمسك بمعوله ويهوي‮ ‬به على رأس بلاده وشعبه وحزبه بل وعلى نفسه وتاريخه وعلاقته بربه سبحانه ولا أجد شبيهاً‮ ‬له إلا من‮ ‬يرفع شعار‮ (‬عليَّ‮ ‬وعلى أعدائي‮) ‬لكنه من أسف لا‮ ‬يكتفي‮ ‬بنحر نفسه والعمل على نحر أعدائه وإنما‮ ‬ينحر حتى من‮ ‬يظن أنه‮ ‬يعمل من أجلهم‮!!‬

لعل الإخوة في‮ ‬المؤتمر الشعبي‮ ‬يعلمون أني‮ ‬لم أنقدْ‮ ‬في‮ ‬يوم من الأيام إلا لقناعاتي‮ ‬ويعلمون أني‮ ‬وقفت ضد مذكرة العشرة التي‮ ‬كنتُ‮ ‬اختلف وأعترض على الطريقة التي‮ ‬قُدِّمت بها لا على محتواها الذي‮ ‬جلسنا حوله مع الترابي‮ ‬أكثر من مرة ويعلمون كذلك أني‮ ‬سعيتُ‮ ‬بين منزل الرئيس والترابي‮ ‬يوم الرابع من رمضان لدرء الفتنة وحذرت الأول من أخطار الانشقاق وقلت للثاني‮ ‬إنه بعناده سيرجع المشروع الإسلامي‮ ‬خمسين خطوة إلى الوراء ويشق الصف وشهود ذلك موجودون حتى اليوم ولن استفيض في‮ ‬ذكر مواقفي‮ ‬التي‮ ‬ما اضطررتُ‮ ‬إلى ذكرها اليوم إلا لأبين أني‮ ‬كنت أيام الخلاف أقف موقفاً‮ ‬وسطاً‮ ‬لتقريب الفريقين المتشاحنين ولم أنحز إلى قريبي‮ ‬الرئيس حتى إبان احتدام الخلاف،‮ ‬لكن تطورات الأحداث وفقه الأولويات والنظر إلى البدائل وانكشاف المستور‮ ‬يحتم على أصحاب المبادئ تقديمها على العواطف واختيار الأصلح،‮ ‬أما الانقياد بروح القطيع فلا‮ ‬يجوز بل انه‮ ‬يتعارض مع روح الإسلام الذي‮ ‬جعل إبراهيم‮ ‬يتبرأ من أبيه ونوحاً‮ ‬من ابنه والرسول صلى الله عليه وسلم من عمه والذي‮ ‬لا‮ ‬يجيز سلوك الامعة إنما‮ ‬يريد أصحاب المواقف‮... ‬إنه وقت التبرؤ من الغل والحسد والهوى‮.. ‬وقت تبرؤ المريد من شيخه وفراره إلى الله تعالى‮.‬

--------------------------------------
القاهرة والترابي‮.. »‬الشامي‮ ‬والمغربي‮«!!‬
كتب manager
Monday, 20 April 2009


القاهرة والترابي‮.. »‬الشامي‮ ‬والمغربي‮«!!‬

تقرير‮: ‬أسامة عبد الماجد

لم‮ ‬يكن مهماً‮ ‬في‮ ‬المؤتمر الصحافي‮ ‬الذي‮ ‬عقده مؤخراً‮ ‬الأمين العام للمؤتمر الشعبي‮ ‬د‮. ‬حسن الترابي‮ ‬مطالبته بتكوين حكومة قومية وإنما الأهم تأكيداته أن التحركات التي‮ ‬يقوم بها القيادي‮ ‬بالحزب المحبوب عبد السلام في‮ ‬مصر،‮ ‬أن الشعبي‮ ‬وإن شئنا الدقة الترابي‮ ‬على علم تام بها‮!!‬

إذاً‮ ‬تحول جديد قد طرأ في‮ ‬العلاقات بين المؤتمر الشعبي‮ ‬والقاهرة‮!! ‬وهو أمر جد مثير خاصة وأن مصر لم تستسغ‮ ‬اسم الترابي‮ ‬قط‮!! ‬ولم تهضم‮ ‬يومًا ما أفكار وأطروحات ورؤى عراب الحركة الاسلامية السودانية،‮ ‬فالقاهرة ظلت وعلى الدوام موقنة بأن كل‮ »‬البلاوي‮ ‬التي‮ ‬تتحدف عليها‮« ‬صنيعة‮ »‬ترابية‮«!!‬

وعندما فشلت محاولة اغتيال الرئيس المصري‮ ‬حسني‮ ‬مبارك في‮ ‬أديس أبابا في‮ ‬1995‮ ‬خلع‮ »‬الريس‮« ‬عن نفسه عباءة الدبلوماسية وأطلق تصريحات مشحونة بالغضب قائلاً‮ »‬يا دكتور حسن كرهتنا في‮ ‬الدكتره‮«!! ‬وحتى عندما حاول معاونوه تخفيف العبارات الحارقة بتذكيرهم له وبطريقة فيها كثير من الذكاء انه‮ ‬يتحدث على الهواء مباشرة بتمرير ورقة له قال لهم علانية وبصوت عال‮ »‬مهو أنا عارف‮«!! ‬ويعتقد أنه مع الحق طالما كان سيفقد روحه‮!! ‬ومبارك بخبرته الطويلة وتمرسه لم‮ ‬يكن في‮ ‬حاجة لتنبيه او استدراك‮!! ‬ولذلك اوصل رسالته حيث اضاف‮ »‬انا ما بخافش من الموت وشفت الموت بعينيا وكنت قائد القوات الجوية في‮ ‬حرب اكتوبر‮«.‬

وبعدها ظلت الوسائط الاعلامية الموالية للقاهرة عندما تبث خبراً‮ ‬عن الحكومة تقول‮ »‬حكومة البشير والترابي‮«!! ‬وسبّب د‮. ‬حسن صداعاً‮ ‬لمصر ودول أخرى عندما وجه بأن تكون الأبواب مشرعة في‮ ‬وجه معارضي‮ ‬الحكومات العربية وهو التخطيط الماكر الذي‮ ‬أزعج القاهرة التي‮ ‬ردت الصفعة باحتضانها للمعارضة السودانية وتهيئة سبل الإقامة لها‮!!‬

وظل العداء مستحكماً‮ ‬بين الاسلاميين في‮ ‬السودان مع الغرب ومصر‮!!‬

وكان الترابي‮ ‬كلما تسنح له فرصة للنيل من مصر لا‮ ‬يألو جهداً‮ ‬في‮ ‬استثمارها حتى وإن سنحت له في‮ ‬الزمن بدل الضائع على سبيل المثال أن نائب الرئيس الشهيد الزبير محمد صالح كان في‮ ‬زيارة إلى مصر لتحسين العلاقات وأعتقد أن مستشار الرئيس د‮. ‬غازي‮ ‬كان بمعيته،‮ ‬والطائرة التي‮ ‬تقلهم لا تزال‮ ‬عالقة في‮ ‬السماء،‮ ‬هبطت قبلها تصريحات بطعم الحنظل للترابي‮ ‬أربكت حسابات الزبير بإشارته الى أن الشعب السوداني‮ ‬لن‮ ‬ينسى لمصر فترة الاستعمار‮!! ‬ويقال أنه فور هبوط الوفد السوداني‮ »‬اسمعوه‮« ‬تسجيلاً‮ ‬لتصريحات الترابي‮ ‬بل قيل ان‮ ‬مبارك قال للزبير‮ »‬اخدت اذن من شيخك ولا لا‮«!!‬

ويرى القيادي‮ ‬الاسلامي‮ ‬المعروف د‮. ‬اسامة علي‮ ‬توفيق ان الترابي‮ ‬ظل على الدوام‮ ‬يقوم بإفشال مساعي‮ ‬الوفاق مع مصر ويضيف‮ »‬ان علاقة الحركة الاسلامية السودانية وتحديداً‮ ‬علاقة الترابي‮ ‬بمصر ظلت متوترة على مستوى الحركة الاسلامية هناك وعلى الصعيد الرسمي‮« ‬وأفاض د‮. ‬اسامة في‮ ‬حديثه لـ»الانتباهة‮« ‬فيما ساقه من رأي‮: »‬الترابي‮ ‬متطلع وعندما اتخذ قرار فصل الحركة الاسلامية في‮ ‬السودان‮ ‬من التنظيم الدولي‮ ‬للإخوان قوبل قراره برفض عارم من الإخوان في‮ ‬مصر الذين اختلفوا معه حتى في‮ ‬آرائه الفقهية التي‮ ‬وصفها اسامة بالشاذة مثل‮ »‬أحاديث الآحاد والذبابة والمرأة وعصمة الرسول الكريم‮«!!‬

ويجزم محدثي‮ ‬الذي‮ ‬درس بمصر وترأس اتحاد الطلاب السودانيين بجامعة الاسكندرية في‮ ‬الثمانينات ان علاقة الترابي‮ ‬بالنظام المصري‮ ‬لا‮ ‬يمكن ان توصف الا بعبارات متوترة وسيئة‮!! ‬ومقت الحكومة المصرية للترابي‮ ‬بان عقب المفاصلة حيث ساند الاعلام المصري‮ - ‬ومعلوم مدى تأثيره في‮ ‬المنطقة‮ - ‬الرئيس البشير في‮ ‬انقلابه‮ ‬الثاني‮!! ‬وكثيرون أشاروا أن ذلك تم بإيعاز من حكومة مبارك‮!!‬

ويعتبر اسامة توفيق ذلك العداء المستحكم بأن الترابي‮ ‬كان‮ ‬يرى ان وجوده في‮ ‬عباءة التنظيم الدولي‮ ‬يقلل من شأنه لذلك خرج عليه كما ظل لا‮ ‬يستلطف الحكومة المصرية ولم‮ ‬يجد توفيق تفسيراً‮ ‬منطقياً‮ ‬للتنافر بين الطرفين‮!!‬

ومن الراجح أن كنه ذلك الغموض في‮ ‬العلاقة أنه ليست هناك شخصية واحدة للترابي‮ ‬بحسب رأي‮ ‬المحلل السياسي‮ ‬الراحل حسن ساتي‮ ‬في‮ ‬لقاء استضافته فيه قناة العربية الفضائية عبر برنامج‮ »‬العين الثالثة‮« ‬حلقة بتاريخ‮ ‬17‮ ‬مارس2006‮!! ‬وظل ساتي‮ ‬يطلق عليه‮ ‬لقب‮ »‬ميكافيلي‮ ‬الشرق‮«!!‬

لكن بدأت سيناريوهات مسلسل الخصومة الفاجرة بين الطرفين في‮ ‬تقديم مشاهد‮ ‬غاية في‮ ‬الاثارة ولعلها لم تبدأ بتصريحات المحبوب في‮ ‬القاهرة بكشفه عن حوار له مع مسؤولين مصريين او تأمين شيخه على ذات الأمر وإنما هي‮ ‬قديمة لكن لم‮ ‬يفطن لها المراقبون في‮ ‬حينها فيما‮ ‬يبدو‮!! ‬إذ أن الترابي‮ ‬وفي‮ ‬مؤتمر له بدار حزبه في‮ ‬24‮ ‬فبراير‮ ‬2004م قال‮ »‬انه لا علاقة له بمحاولة اغتيال الرئيس مبارك في‮ ‬اديس ابابا‮«!! ‬وزاد‮ »‬مصر وامريكا تعرفان انني‮ ‬لا علاقة لي‮ ‬بتلك العملية‮«!! ‬وتواصل تغزّل الترابي‮ ‬في‮ ‬القاهرة عقب اطلاق سراحه الذي‮ ‬تزامن مع تأييد المحكمة الجنائية لقرار مدعيها العام لويس مورينو عندما قال‮ »‬مصر كانت قديماً‮ ‬تأخذ مواقف عدائية ضدي‮ ‬ليس الامر بيني‮ ‬وبينها ولكن لأن مصر ترى ان الاخوان المسلمين في‮ ‬مصر امتداد للترابي‮ ‬في‮ ‬السودان لكنها اخيراً‮ ‬سكتت عني‮ ‬ولم تعد تفعل ذلك‮« ‬وتواصل تودد د‮. ‬حسن الى مصر وجاء هذه المرة حتى على حساب الحكومة القطرية التي‮ ‬امتدحها من قبل وأكد تأهلها لحل الاشكال في‮ ‬دارفور سيما وأن اميرها الشيخ حمد هو من اسهم في‮ ‬اطلاق سراحه وهو ما قاله الترابي‮ ‬عقب خروجه من المعتقل‮!!‬

أشار الترابي‮ ‬في‮ ‬مؤتمره الأخير‮»‬11‮ ‬ابريل‮« ‬الى ان مصر تنتقد النهج القطري‮ ‬في‮ ‬مفاوضات سلام دارفور ودعت الى تجميع كافة الاطراف السودانية في‮ ‬مفاوضات على اراضيها تختلف عن النهج الثنائي‮ ‬المتبع في‮ ‬قطر‮!! ‬وهي‮ ‬محاولات من الترابي‮ ‬لزيادة اسهم مصر في‮ ‬بنك دارفور‮!!‬

ونوه الترابي‮ ‬في‮ ‬هذا الشأن الى ان‮ »‬هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬ان ابواب مصر فتحت للترابي‮« ‬كما قال في‮ ‬حوار له بقناة العربية‮ »‬ان مصر أقرب إليه الآن من نظام البشير‮« ‬بالمقابل‮ ‬بادلته القاهرة ذات‮ ‬مشاعر التقرب حيث زار السفير المصري‮ ‬بالخرطوم الترابي‮ ‬في‮ ‬منزله بعد الافراج عنه وتعد الزيارة تاريخية كما ان مدير المخابرات‮ ‬المصرية الرجل النافذ عمر سليمان صرح بعدم وجود موانع من زيارة الترابي‮ ‬لمصر والتي‮ ‬كان‮ ‬يزورها ايام نميري‮!! ‬وهي‮ ‬بطريقة او بأخرى دعوة لحسن لكن حديث المحبوب عبد السلام وهو بحسب رجل مقرب منه انه ظل اكثر الناس ضد العلاقة السوية مع مصر‮!! ‬ان الاسلام المعتدل‮ ‬يعد تطوراً‮ ‬جديداً‮ ‬في‮ ‬مسار الحركة الاسلامية إذ لا تعترف قيادات الحركة الاسلامية في‮ ‬السودان والعالم العربي‮ ‬بهذا المصطلح وتعتبره صنيعة امريكية وهو تعبير‮ ‬يجد رواجاً‮ ‬في‮ ‬مصر ولذلك وجد الترابي‮ ‬وانصاره فيما‮ ‬يبدو وتراً‮ ‬يعزفون عليه خاصة أن امكانية حوار تفتحت منافذه بين الشعبي‮ ‬والادارة الامريكية بتسهيل من الحركة الشعبية اصبح امراً‮ ‬واقعاً‮ ‬وفق تصريحات المحبوب للغراء‮ »‬الاحداث‮« ‬في‮ ‬القاهرة ومن الممكن ان‮ ‬يكون الحوار المرتقب بين الشعبي‮ ‬وواشنطن بتسهيلات مصرية عبر محور الاسلام المعتدل الذي‮ ‬يرى المراقبون ان القاهرة هي‮ ‬مركزه الرئيسي‮!!‬

كما أن استلطاف مصر للترابي‮ ‬يمكن ان‮ ‬يعود الى محاولتها إحداث اختراق في‮ ‬الملفات السودانية وتحديداً‮ ‬دارفور التي‮ ‬باءت كل المقترحات التي‮ ‬قدمتها بشأنها بالفشل جراء اصطدامها برغبات الخرطوم بل ان احداها رفضها وزير الدولة بالخارجية على كرتي‮ ‬في‮ ‬حينه وكان وقتها في‮ ‬مصر حتى انه‮ ‬يخال لك انه لم‮ ‬يتدارس الامر مع صانعي‮ ‬القرار في‮ ‬الخرطوم‮! ‬كما أن مصر تسعى لاستقطاب حركات دارفور من خلال الترابي‮ ‬خاصة مثل حركة خليل ابراهيم ولما لم تكن لها علاقة بها فتحت احضانها للمنشق عنها بحر ابو قردة‮.‬

القيادي‮ ‬اسامة علي‮ ‬توفيق اكد استحالة لم شمل الترابي‮ ‬والقاهرة لكنه عاد وقال‮ »‬لا‮ ‬يمكن ان تتعامل معه الا في‮ ‬اطار الاستخدام كأحد كروت الضغط‮«.‬



الانتباهة


-------------------------------------------------

الدفاع عن القيادات
كتب manager
Thursday, 16 April 2009


وقائع وتوقعات

د‮. ‬ربيع عبدالعاطي

الدفاع عن القيادات،‮ ‬دفاغٌ‮ ‬عن الأُمة

‮❊ ‬مما‮ ‬يسوؤنا في‮ ‬المجتمع السوداني‮ ‬سب الآباء والاستهتار برموز الأمة وعدم احترام الكبار،‮ ‬وتلك مسائل محسومة بناء على الركائز التي‮ ‬قام عليها المجتمع والأصول التي‮ ‬يتشرف الجميع بالانتساب إليها،‮ ‬وإلى تاريخها‮. ‬وكم أنني‮ ‬فُجعت عندما استمعت إلى مقابلة أجرتها قناة الجزيرة الفضائية مع الدكتور حسن عبدالله الترابي،‮ ‬عندما ذكر في‮ ‬إفادته لمحاوره بأنه لا‮ ‬يمانع في‮ ‬التضحية بشخص مقابل الحفاظ على أمة،‮ ‬وهو‮ ‬يدرك بأن من‮ ‬يقتل نفساً‮ ‬بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً‮.‬

‮❊ ‬كما أنني‮ ‬دهشت عندما استدل الدكتور الترابي‮ ‬بصلح الحديبية،‮ ‬وهو العالم الفذ الذي‮ ‬اجتهد الكثير من الاجتهادات،‮ ‬مما لم‮ ‬يتفق معه حولها معظم علماء الأمة،‮ ‬وكأني‮ ‬به‮ ‬يخالف المجموع ولا‮ ‬يود من أحدٍ‮ ‬أن‮ ‬يعارضه،‮ ‬فهو‮ ‬يفتي‮ ‬بالحق أو بغيره حتى وإن كانت الفتوى تقضي‮ ‬بقتل الأمة أو قياداتها،‮ ‬ولا أدري‮ ‬ما هو رأيه إذا كانت الغالبية من علماء الأمة‮ ‬يرون أنه قد أخطأ،‮ ‬ولقد سبق أن وقف السودان معه كبيراً‮ ‬وصغيراً،‮ ‬عندما تم الاعتداء عليه بكندا بضربة كادت تقضي‮ ‬عليه‮. ‬ووقتها لم‮ ‬يتجرأ حتى المعارضين للدكتور الترابي‮ ‬من حيث الفكر والتوجه السياسي،‮ ‬بأن‮ ‬يسيروا في‮ ‬اتجاه الذين اعتدوا عليه،‮ ‬وكان حدث الاعتداء مستنكَراً‮ ‬ومرفوضاً‮ ‬من قبل سواد الناس الأعظم‮.‬

‮❊ ‬والمفاجأة،‮ ‬أن الدكتور الترابي‮ ‬بعد أكثر من مرور عقدٍ‮ ‬من الزمان على حادثة الاعتداء عليه،‮ ‬يمانع بالدنية في‮ ‬الدين،‮ ‬والتضحية برموز الوطن ومن تصدوا لقيادتها،‮ ‬وهو رأي‮ ‬غريب لا تزال مجتمعات المدينة تتداوله تفسيراً‮ ‬وتكييفاً،‮ ‬ولم أجد حتى هذه اللحظة شخصاً‮ ‬سوداني‮ ‬الهوية ومسلم الديانة ومستقل التفكير إلا وهو لا‮ ‬يزال مستغرباً‮ ‬ما طرحه الدكتور الترابي‮ ‬من آراء،‮ ‬بل هناك علامات للتعجب والاستفهام،‮ ‬ستظل قائمة،‮ ‬إلى أن‮ ‬يبدل ما ذهب إليه من أطروحات منها‮:‬

‮❊ ‬هل الدكتور الترابي‮ ‬لا‮ ‬يزال على فكره القديم أم أن ذلك الفكر قد تبدل بمثل ما أن العمر قد تقدم؟

‮❊ ‬وهل تغير المجتمع السوداني‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يُضَحِّ‮ ‬بالدكتور الترابي‮ ‬عندما اعتُدي‮ ‬عليه ليسمح بالاعتداء على شخصية تمثل السودان وشعب السودان؟

وعموماً‮ ‬ـ فإن الذي‮ ‬أفصح به شيخ حسن لم‮ ‬يكن مهضوماً‮ ‬من قبل الكافة،‮ ‬وكان نشازاً‮ ‬بين الآراء والمواقف،‮ ‬خاصة أن الاستهداف الذي‮ ‬اتجه نحو السيد رئيس الجمهورية،‮ ‬لم‮ ‬يكن موجهاً‮ ‬إلى شخصٍ‮ ‬يسمى عمر،‮ ‬وإن كان كذلك فإننا في‮ ‬زمانٍ‮ ‬سابق قد‮ ‬غضبنا عندما استُهدف حسن لأن حسن له دور في‮ ‬التاريخ،‮ ‬وإسهامٌ‮ ‬في‮ ‬الفكر ونصيب في‮ ‬الفقه،‮ ‬والدعوة وحركة الإسلام‮.‬

‮❊ ‬أما المشير عمر حسن أحمد البشير،‮ ‬فهو ليس بالشخص العادي،‮ ‬وإنما هو الرجل الذي‮ ‬حكم السودان،‮ ‬وتحققت بقيادته الإنجازات،‮ ‬فصمد وصمد معه الشعب،‮ ‬حتى وصلنا جميعاً‮ ‬إلى الذي‮ ‬جعل الأعداء‮ ‬يستهدفونه كرمز لشعب قهر الصعاب،‮ ‬وتجاوز التحديات‮.‬

‮❊ ‬والدعوة مجدداً‮ ‬للدكتور الترابي،‮ ‬أن‮ ‬يراجع ما صرح به،‮ ‬لأنه تصريح في‮ ‬اتجاه أملته الغيرة وطغت عليه الدنية،‮ ‬ولا مجال هنا للحديث عن شخص،‮ ‬ولكن عن قيادات أمة،‮ ‬ورموز سيادة،‮ ‬ومن‮ ‬يدعو للتضحية بهم،‮ ‬فهو‮ ‬يدعو للتضحية بتاريخ ومبدأ ودين‮.‬



الانتباهة
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

المحبوب عبدالسلام: المؤتمر الشعبى لم يتخذ موقفا من المحكمة الجنائية، والمعلن هو موقف الامين العام
السبت, 02 مايو 2009 23:35

فى ندوة ببرنامج دراسات السودان وحوض النيل بعنوان" تأملات فى العشرية الاولى لنظام الانقاذ"



المحبوب عبدالسلام: المؤتمر الشعبى لم يتخذ موقفا من المحكمة الجنائية، والمعلن هو موقف الامين العام



-الانقاذ كان يديرها تنظيم داخلى به 40% من القدامى و60% من الجدد، وخلافنا مع الجناح الاخر لم يكن حول السلطة بل حول قضايا



- كمال حسن على يقول : خلافنا كان حول السلطة، ويصعب الفرز حول المواقف باثر رجعى.



القاهرة- صلاح خليل



حول أزمة المحكمة الجنائية الدولية قال المحبوب عبدالسلام الناطق الرسمى باسم حزب المؤتمر الشعبلى بالخارج، إننا كحزب لم نتخذ موقفا حتى الان، حيث لم تجتمع هيئات الحزب ،وأضاف أن ماهو معلن فى وسائل الاعلام هو تعبير عن موقف الامين العام للحزب الدكتور الترابى، وأن موقفه هذا متسق مع مجمل مواقفة الفكرية، واشار إلى ورقة طرحتها الحركة الإسلامية عام 1987 تتكلم عن العدالة الإنسانية والدولية، وان المحكمة بالنسبة لنا هى تطوير للجزء القانونى فى العلاقات السياسية الدولية.



وعن تراجع مصداقية المؤتمر الشعبى قال أن هذه المصداقية سوف تعود بالتدريج، وكان أمرا طبعيا الا يصدقنا الناس فى البداية، ولكن الوضع الان أفضل كثيرا، والحقائق والمواقف سوف تفرض نفسها، وقال لقد بدأنا مع الحركة الشعبية التى كنا فى أشد الخصومة معها، ووقعنا معها مذكرة التفاهم .. وهم لم يوقعوا الا بعد أن أستمعوا الينا وإلى شرح وتحليل لمواقفنا ولماذا تمت المفاصلة، وقال : لعل الذين تابعوا ندوة الدكتور الترابى قبل يومين فى جامعة الخرطوم يمكنه أن يلحظ التقدم الذى حدث.. وأشار إلى أن من هم فى المؤتمر الشعبى وبقوا فيه حتى الان هم أصحاب مواقف وأصحاب قضايا، وان الترابى قضى 40 شهرا فى السجن منذ المفاصلة، وأشار إلى نفسه قائلا كان يمكننى أن أبقى مع الوطنى وأكون وزيرا ولكن هذه قضايا مبدئيه.



وقد تناول المحبوب فى حديثه وفى ردوده على مداخلات القاعة العديد من القضايا، وذكر ان المؤتمر الوطنى يقول بأن الخلاف كان حول السلطة، ونحن نقول بأن الصراع هو حول قضايا تدور حول موضوعه الدستور، والفيدرالية والحريات، وبدون حريات لن تكون هناك فيدرالية او لامركزية، والدستور الذى يقوم على فيدرالية حقيقية لا يمكن أن يتأسس إلا على حرية حقيقية، وعلى اللامركزية.ومن بين القضايا أيضاً الالتزام بالعهود وما دمنا قدمنا وثيقة (الدستور) لابد من الالتزام بها حتى لو لم يكن الآخرون قد شاركوا بفعالية فى وضع هذا الدستور.و قال انه لايمكن ان تستمر الدولة بدون حريات وفيدرالية ، واشار الى ان الترابى قال منذ وقت مبكر : لابد من الفيدرالية والا فان السودان سوف ينقض من اطرافه.



وأكد المحبوب انه كانت هناك خطة استراتيجية للإنقاذ وضعت من قبل أن تأتى الإنقاذ، وقال أنا احاول فى كتابى الذى سيظهلر قريبا، أن أرى لماذا تم الخروج عن هذه الخطة، وقال أن الجواب يتمثل فى الشهوة المتمكنة للسلطة من بعض من كلفتهم الحركة الإسلامية بالحكم نيابة أو وكالة عنها.


كما أشار فى إجابة على مداخلات العديد من المشاركين إلى أن الفصل المتعلق بالجهاد فى الجنوب هو الفصل الوحيد الذى قام بكتابته مرتين طبقا لتوافر معلومات جديدة، كما تناول حادثة اعدام الضباط ال28 . وكذلك التناقضات المدنية العسكرية داخل النظام.
وركز فى مقاطع مختلفة من الندوة على اهمية "فقه التعافى والتصالح"، وحول المطالبة المتكررة بالاعتذار قال انه حصل بالفعل ، واكد على مقولة لينين " ان النقد الذاتى للتجربة هو عمل سياسى كبير "وشدد على أن الوضع الحالى أصبح معقد جداً، وبالتالى يحتاج إلى أفكار جديدة للتصالح للتصالح والتعافى.



وأشار إلى انه لم يكن لدينا فى السودان دولة، بل فقط ملامح دولة، وبالرغم من ذلك فان هذه الملامح حدث لها نوع من الردة خلال عقدى الانقاذ. وأن المؤتمرات الشعبية التى أقامتها الانقاذ فى مطلع عهدها لم تكن نسخا لمؤتمرات القذافى الشعبية، بل كانت محاولة لملء الفراغ السياسى. وعن السلطة والحكم قال كان لدينا المؤتمرات الشعبية، وكان لدينا أيضاً التنظيم الداخلى الذى قال البعض أنه حُل، ولكنه كان مرناً وكان من الممكن فكه وتركيبه وكان به 40% من القدامى و60% من القادمين الجدد، وكان الهدف هو إخراج هذا التنظيم الداخلى فى الإنقاذ- والذى نشأ بعد الإنقاذ – الى العلن، وكان من أحلامنا التنظيمية أن نحل تنظيمنا الداخلى على المجتمع كله، ولذا كان هذا التنظيم الداخلى لا مركزى بشكل واسع للغاية.



وكان المحبوب عبدالسلام قد قدم فى بداية الندوة عرضا للافكار الرئيسية لكتابةالمعنون" دائرة الضوء وخيوط الظلام: تاملات فى العشرية الاولى لنظام الانقاذ" الذى يعده الان للطبع فى القاهرة، وقال أن هذا الكتاب يقدم نظرة من الداخل، ومن ثم فإنه يقدم إضافة لتوضيح آلية الفعل من الداخل بحسبان أن الحركة الإسلامية هى أول حركة سنية تصل إلى الحكم فى العالم العربى، وأضاف ان الكتابة واجب لأننا مادمنا حكمنا الناس وشاركنا فى هذه التجربة فيجب علينا توضيح ما جرى، وقال أن عمل الحركة الاسلامية مثل الدائرة لايمكن لشخص أن يلم بها بشمول ، ولكن كُُل يكتب من زاوية رؤيته وما عاصره او ادركه، ولعل هذه الكتابة تستفز الاخرين، فيسهموا ايضا بما لديهم.



وقد عقب كمال حسن على رئيس مكتب حزب المؤتمر الوطنى السودانى بالقاهرة على حديث المحبوب قائلا: ان الخلاف بين جناحى الانقاذ كان حول السلطة وكيفية ممارستها، وان محاولة فرز المواقف حول القضايا بأثر رجعى الآن عمل غير منطقى وغير مقبول، وقال أن الخلاف حول السلطة امر جائز، ولقد اختلف حولها من قبل من هم افضل منا، وليس هناك ما يدعو لكى نصور أنفسنا بأننا فوق البشر ، فنحن بشر والخلاف مشروع.. وقال أن السلطة هى أداة مهمة لاستنزال القيم والأفكار والتقدم نحو الاهداف.



وقد عقب المحبوب على طرح كمال حسن على فى نهاية الندوة بالتفصيل، ثم اشار الى ان حضور ممثل مكتب المؤتمر الوطنى فى القاهرة لهذا اللقاء وكذلك عبدالملك النعيم المسئول الاعلامى بالسفارة ، يعد تطورا ايجابيا على حد قوله قياسا الى أن طرفى الحركة الاسلامية توجد بينهما قطيعة اجتماعية فضلا عن القطيعة السياسية، وان لا احد منهما كان يحضر منابراو ندوات الطرف الاخر.



وقد شارك فى الندوة الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس المصرى للشئون الافريقية، والدكتورة اجلال رأفت، والدكتور فارمينا مكويت منار رئيس مكتب اتصال حكومة جنوب السودان الذى أدلى بمداخلة مطولة طالب فيها باهمية التطلع الى المستقبل والحفاظ على وحدة البلد، ونصر الدين كوشيب امين الحركة الشعبية بمصر، وصالح على سر الختم من الحزب الاتحادى الذى اشار الى ان الانقاذ فى النهاية ليست سوى نص فى عقل الترابى، وان المحبوب هو الشخص االقادر على تمثل نص الترابى والتعبير عنه والتحاور معه، كما اشاد الكاتب والاعلامى جمال عنقرة باجواء الندوة واعتبرها عملا متقدما وان كان قد تحفظ على كثير مما أورده المحبوب ،وشارك كذلك عدد كبير من الناشطين السودانيين والاعلاميين . وقد ادار الندوة هانئ رسلان رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل، الذى اعتبر فى كلمته الختامية أن الحضور الكثيف وأجواء الحوار الموضوعى والمتزن رغم سخونة القضايا،يمثل نجاحا لبرنامج دراسات السودان بالاهرام .



- هناك كتاب أعده رائد الحركة ومؤسسها الدكتور الترابى عن الحركة فى عام 1985.



- الحركة هى حركة تغيير اجتماعى تسعى لكسب السلطة السياسية.



- لابد من تناول الجوانب الاجتماعية والثقافية.



- الحركة الإسلامية كانت مهتمة بأنها لا تتحدث عن نفسها باعتبارها سرية وباطنية، ولا تفصح عن كل أفكارها، ناهيك عن آليات عمل مطبخها الداخلى.



- هناك كتابين لحسن مكى.



- فى الفترة الأخيرة التى أتعرض لها هناك عدد محدود من الكتب منها كتاب الأفندى فى منتصف التسعينات "الثورة والإصلاح السياسى" وهناك أيضاً مقالات "التيجانى عبد القادر".



- "دائرة الضوء وخيوط الظلام".



الحركة الإسلامية دائرة يستطيع أن يصف أحد أجزاءها ولكن لا يستطيع أن يسلم.



-هناك فقد ذاتى وأيضاً مشاركة للآخرين.



- أنا لست محايداً ولكن منتمى إلى فريق ومن ثم نظرتى وتعليقاتى قد تثير الطرف الآخر للرد أيضاً.



- والهدف هو الخروج من السياسى اليومى المتعلق بالكثير من المشاكل والتناقض إلى مجال الأفكارلفائدة السودان وللآخرين.



- بدأ الكتاب بتناول مرحلة التخطيط الاستراتيجى الذى تميزت به الحركة، وهذا بدأ فى مرحلة ما بعد المصالحة الوطنية.



وكان الهدف هو تأمين الحركة الاجتماعية لصالح التخطيط الاستراتيجى.



- كان هناك تقدير أن إجراء الكتب سيعقبها نسيم الحرية، ولكن سقوط نميرى كان مفاجئاً. هذا أظهر الفرق بين المستعدين حسب التخطيط الاستراتيجى وغيرهم من أخذوا على غزة. ---- هى الانتقال من 3 نواب إلى 53 مقعد.



مرحلة الإنقاذ الأولى:



التخطيط من الحركة الإسلامية، التنفيذ بعض العسكريين وكثير من أبناء الحركة.



- هذا أوجد تناقض بين العسكرى والمدنى بين الزعيم المعتقل وبين من يمارس السلطة فى العلن.



- ومن ضمن المفارقات كذلك حقوق الإنسان، ففى الوقت الذى تدور فيه المؤتمرات فى قاعة الشارقة كانت هناك تقارير حقوق الإنسان والمعارضين تقول أن هناك تناقضاً بين الاهتمام بالطرح الفكرى والحوار فى حين وجود تعذيب واعتقالات للمئات.



- فى الاقتصاد لم يكن هناك ما يشير إلى الهوية الإسلامية التى تبنيت فيما بعد وأن هذا نظام إسلامى غير موءمة خططه بالضبط وبالتالى جاءت ردود أفعال متناقضة من الإقليم والعالم.



- التحرير الاقتصادى كان أيضاً له --- اجتماعى.



- اللا مركزية هى أخذ البرامج والأفكار تم تلقى منهم التقارير. واللامركزية كانت هدفاً عزيزاً غير أنها .



- ووجهت بتناقضات الإنقاذ لأن المكتب القائد للإنقاذ كان فيه عسكر ومدنيين والعسكر لديهم تربية قايضة وهذا أدى إلى أول تجاذب، وكانت هناك مظاهر مثل حل مجلس الثورة فى عام 1993، ثم دعوة العسكر للتخلى عن زيهم العسكرى ثم التوالى إلى أن جاءت المفاصلة.



- مشكلة الجنوب.



- فى المفاوضات بين الإنقاذ والحركة الشعبية كانت هناك تناقضات فى النقاشات بين الطرفين.



وكان من الصعب على قادة الإنقاذ أن تستوعب أن الحركة الشعبية تريد أن تطرح نفسها لكل السودان – وكان صدا غريباً لأن وفد الإنقاذ يرأسه عسكرى وكان يظن أن الحركة الشعبية تريد الإمساك بالسلطة.


- فترة التوالى السياسى هى التى اجتمعت فيها كل التناقضات.
------------------------------------


ندوة للترابي تتحول إلى اشتباكات بالأيدي والكراسي.. وأخرى ترفض تكفير عرمان
قيادي في الحركة الشعبية: نسعى إلى ترسيخ دولة المواطنة.. وحزب البشير يهرب من الفشل
الجمعـة 06 جمـادى الاولـى 1430 هـ 1 مايو 2009 العدد 11112
جريدة الشرق الاوسط

الخرطوم: إسماعيل آدم


طالب الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض مجددا خصمه الرئيس عمر البشير بتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت قرارا في مارس (آذار) الماضي بتوقيفه باتهامات تتعلق بجرائم دارفور، وذلك امتثالا للمواثيق الدولية التي يرتبط بها السودان. وقال: «لا يوجد شيء اسمه رمز الأمة»، ودافع الترابي بشدة عن موقفه هذا بإسهاب، وهو الموقف الذي تسبب في اعتقاله في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وكان الترابي يتحدث في ندوة في جامعة الخرطوم مساء أول من أمس حول «الفقه الإسلامي بين التقليد والتجديد»، انتهت باشتباكات بالأيدي والكراسي بين أنصاره من الطلاب المنسوبين إلى حزبه، المؤتمر الشعبي، وحزب البشير، المؤتمر الوطني الحاكم، لم تسفر عن إصابات تذكر. كما عقدت ندوة أخرى في الخرطوم ضد تكفير قيادي في الحركة الشعبية هو ياسر عرمان، شارك فيها حزب الترابي وقياديون من الحركة الشعبية وقوى سياسية أخرى، طالب الحكومة بلجم المتطرفين. وواجه الترابي في الندوة حملة انتقادات شعواء من الطلاب المنسوبين إلى القوى السياسية الأخرى، ووصف طالب منسوب إلى الحركة الجمهورية الدينية الترابي بالتناقض، «حيث يدعو الآن إلى التجديد، فيما كان يعمل ضد المجددين مثل زعيم الجمهوريين في السودان محمود محمد طه»، (تم إعدامه في عهد الرئيس السابق جعفر نميري)، وشكك طلاب آخرون في إخلاصه في عملية التجديد. وسخر الترابي في الندوة مما أسماه حشد الناس لتأييد رفض تسليم البشير للمحكمة، كما سخر من فتاوى دينية صدرت في الخرطوم في الفترة السابقة ترفض تسليم البشير للمحكمة وتحظر سفره إلى الخارج باعتبار أن ذلك يشكل خطورة على حياته، بعد صدور قرار المحكمة. وشن هجوما عنيفا على أولئك العلماء وقال: «إنهم يصدرون الفتاوى عند الطلب»، وأضاف: «هؤلاء أغفلوا الكبائر واهتموا بالصغائر»، وأبدى الترابي استغرابه لمن يطالبون البشير بعدم تسليم نفسه، وفي ذات الوقت لا يتحركون عندما يتعرض هو للاعتقال من قبل السلطة.

وفي سياق حديثه، نفض الترابي يده بشدة من المشاركة في محاكمة وإعدام زعيم الحركة الجمهورية الدينية الشيخ محمود محمد طه في عهد الرئيس السابق نميري، وقال: «أنا لم أقتل محمود ولا علاقة لي بإعدامه»، وأضاف الذي كان يتولى منصب مستشار للرئيس البشير أنه كان ضد تطبيق قوانين الشريعة بالطريقة التي طبقت بها، وأكد أن محمود محمد طه كان من مؤيدي نميري، وأنه (طه) أصدر بيانا أيد فيه قتل الآلاف بالجزيرة أبا من قبل قوات نميري، في إشارة إلى ثورة الأنصار، الجناح الديني لحزب الأمة المعارض، على نميري في الجزيرة أبا في عام 1970، والتي واجهها نميري بالقوة العسكرية. ومضى الترابي إلى القول: «ولكن محمود اختلف معه بعد أن أعلن نميري تطبيق الشريعة، لأنه كان يريد شريعة محمود وليس شريعة محمد».

وكرر الترابي بعضا من آرائه الدينية المثيرة للجدل من قبيل حكم المرتد، قال الترابي إن هنالك فهما متخلفا للعشرات من الآيات في القرآن الكريم، وانتقد البخاري ومسلم وقال: «جواهم كلام عجيب». وأضاف: «إن الدين انفصل تماما من الدولة منذ انقضاء عهد الخلافة الراشدة ومجيء الخلافة الضالة منذ عهد الأمويين والعباسيين»، ومضى: «نحن انحطينا جدا وأصبحنا نعول على السلف». وقال إن «السلف ليس كله صالحا، بل هناك سلف طالح».

وحسب الترابي فإن هناك آلاف الآلاف من الأحاديث الموضوعة، وتوقف عند صحيح البخاري ومسلم، وقال: «جواهم كلام عجيب»، وقال إن البخاري كان يحذف في أحاديثه باستمرار، وهناك عناوين بلا أحاديث، وشكك في أحاديث رواها الصحابي الجليل أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه عاد ليقول: «أنا ما عندي طعن مطلق في أبو هريرة».

وطبقا للترابي فإنه لا يوجد الآن فقه في العلوم الحديثة مثل السياسة أو الفنون أو الرياضة أو المعاش أو الاقتصاد، وقال إن «غالب معاملات المصارف الإسلامية أسوأ من المعاملات الغربية». وأضاف: «أصبح الفقه الذي من المفترض أن يقودنا إلى الأمام، يرجعنا إلى الخلف»، وقال إن «الشعائر كلها أصبحت لا معنى لها، والدين أصبح صوريا، والأذكار بلا معنى، فالناس يسعون بين الصفا والمروة ويرمون الجمرات ويرجعون وهم يعتقدون أنهم جاءوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، ولا يعلمون لماذا يرمون ولماذا يسعون، كما أنهم يرددون ـ حي قيوم ـ وإذا سألتهم عن معنى قيوم فإنهم لا يعرفون». ووصف الترابي من يسمون أنفسهم علماء بـ«الجهلاء»، وقال إن «كلمة فقهاء باتت تطلق على ناس لا عقل لهم، وأصبحوا لا يجتهدون حتى فسد الدين تماما»، وأضاف أن «الفقه توقف منذ الخلافة الراشدة، وانفصل الدين عن الدولة تماما منذ الخلافة الضالة في عهد العباسيين والأمويين».

ورأى الترابي أن الفقه هو أن تدرك المعاني من سطحها إلى أعماقها البعيدة، وأن الفقيه هو الذي يفهم كل آيات الله المنزلة ويتفقه في كل شيء قبل أن يتحول أخيرا إلى الذي يحفظه فقط ولا يحمل الفهم بدرجة أصبح فيها «الفكي» في مجتمعنا لا يكاد يفقه شيئا. وقال إن الإسلام يحدث له كما يحدث للنبات، يزدهر وينمو ثم يذبل ويموت إذا لم يجدد. وسخر من انتظار الناس لعيسى وانجذابهم إلى الماضي وإغفال التجديد، وحديثهم حتى الآن عن أنهم تابعون للمذهب المالكي، وأضاف: «منذ ذلك الزمان، ألم يجئ رجل بعده؟». ونصح الترابي الطلاب بالقول: «أنا لا أقول لكم اتركوا دينكم ولتأتوا بكل شيء من الغرب، ولكن أقول لكم يجب أن نستقل ولا نكون كالقرود مقلدين»، وقال: «إن التقاليد غالبة علينا، ونحتاج إلى تجديد واجتهاد من الجميع يشكل رأيا عاما، فلتتم النهضة». وبرأيه: «لا بد من نهضة صحوة وفقه وفهم عميق ليخرجوا منها مثالا وفكرا للناس». ودعا الترابي الطلاب إلى التحرر من التقليد والعمل على التجديد والاجتهاد من الجميع لتشكيل رأي عام، وقال: «لننهض لا بد من صحوة وفقه وفهم عميق حتى نخرج للناس بالمثال».

ومن جهة اخرى رفض ممثلون للقوى السياسية المعارضة وقيادات من منظمات المجتمع المدني، من بينهم قيادات من الحركة الشعبية (جنوبا) المشاركة في الحكم، مطالبات بعض الجهات الدينية تكفير القيادي في الحركة الشعبية ياسر عرمان، بسبب تصريحات أطلقها في البرلمان أخيرا تطالب بمراجعة العقوبات المنصوص عليه بشأن مادة الزنا في القانون الجنائي الجديد المطروح لتناقش في البرلمان السوداني، والمستمدة من الشريعة الإسلامية، لوجود غير مسلمين في البلاد.

وحذر هؤلاء في ندوة عقدت بالخرطوم مساء أول من أمس للتضامن مع عرمان، من الاتجاه التصعيدي الذي تقوده عناصر دينية وسياسية محسوبة على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحملوا الدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس، رئيس كتلة حزب المؤتمر الوطني في البرلمان، مسؤولية ما أسموه التحريض ضد عرمان.

وقال القيادي في جماعة «الجمهوريين» الدينية في السودان الدكتور عمر القراي، إن «عقوبة الجلد مهينة ومسيئة للمسلم وغير المسلم»، واعتبر الموضوع الذي أثاره عرمان سياسيا وليس دينيا.

وشن باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية هجوما عنيفا على حزب المؤتمر الوطني وحمله مسؤولية اتجاه البعض إلى تكفير الناس، وقال أموم في الندوة التي عقدت في صحيفة «أجراس الحرية» بتنظيم مجموعة تسمى نفسها «الحركة من أجل حرية التعبير»، إن تكفير عرمان هو تكفير للحركة الشعبية، وشدد على أن الحركة الشعبية تقف بكل قوة مع عرمان وبكل الوسائل. وقال إن حزب المؤتمر الوطني كلما يضيق بسبب فشل الدولة السودانية يبحث عن قضية لتحويل الأنظار إليها. وأضاف أن الحركة قوية وتستطيع أن ترد على المؤتمر الوطني في أية لحظة، ومضى: «نحن مع المواطنة في السودان، ونعتبرها هي الأساس لكل شيء.. ونحن نسعى إلى ترسيخ دولة المواطنة».

وحمل المحامي كمال الجزولي في الندوة حزب المؤتمر الوطني مسؤولية ما يحدث، وقال إنها لا تتدخل لوقف المتطرفين، مشيرا إلى أن اغتيالات وقعت في السابق أغلبها تمت باسم الدين، «وأن الدولة لا تتحرك لحسم الأمر»، واستغرب أن هذه الجماعات لا تكفر الحاكم وإنما تكفر آخرين.

وقال المحامي كمال عمر القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض إن حزب المؤتمر الوطني هو الذي يخلق مثل هذه الأزمات، وأضاف أن حزبه يقف مع عرمان وضد من يقوم بتكفيره، ووصف ما حدث في البرلمان حيال حديث عرمان بأنه لا معنى له، وطالب بتدخل الحكومة «لوقف التطرف».

من جانبه عبر عرمان عن أسفه لما حدث له، وأشار إلى أن غازي صلاح الدين قاد هذا الاتجاه داخل البرلمان، «رغم أنني إلى وقت قريب أرى أنه من أعمدة الاستنارة في حزب المؤتمر الوطني». وجدد عرمان بأن وصف هيئة علماء السودان له بأنه رضع من ثدي النصارى هو إساءة، ليس له وإنما إلى النائب الأول للرئيس سلفا كير، «يقصد أنه مسيحي»، وإلى الكثيرين في السودان وأحياء الخرطوم.

--------------------------------------

الأربعاء 22 إبريل 2009م، 27 ربيع الثاني 1430هـ العدد 5679

الصحافة

الحكومة الانتقالية: نفسي أصدِّقك يا شيخنا

المتوكل محمد موسي
[email protected]
زبدة أفكار ورؤى قدَّمها الشيخ الدكتور حسن الترابي في المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقده حزبه في محاولة منه للاسهام في حلِّ الأزمة التي يمر بها السودان هذه الأيام، فقد اقترح تشكيل حكومة انتقالية لتتولى تسيير الأمور في البلاد ومعالجة الأزمات، ضمن رؤية من عشر نقاط طرحها لحل أزمة البلاد السياسية، ورهن استقرار السودان بقيام انتخابات حرة ونزيهة، داعياً إلى اطلاق الحريات وتحقيق السلام والعدالة وإجراء إصلاحات سياسية وقانونية، واتخاذ تدابير للمساءلة ومحاصرة الفساد وتهيئة المناخ لانتخابات حرّة ونزيهة، وأن الحكومة الانتقالية يجب أن تُشكّل من عناصر مؤهّلة ومستقلة تتراضى عليها القوى السياسية، تتولى تسيير الأمور ومعالجة الأزمات الماثلة، موضحاً أنها ليست حكومة ائتلافية، وتقوم بالترتيب للانتخابات القادمة وتوفر المساواة في الفرص بين الأحزاب ويكون من بين مهامها التأمين على اتفاقية السلام وما تحقق فيها من مكاسب للجنوب، وينهض الحكم الانتقالي باصلاح الدستور والقانون الجنائي ووضع قانون لمكافحة الفساد ورفع الحصانات عن المسؤولين في الدولة وحماية استقلال القضاء، وقد اشترط الشيخ أن تتكوّن حكومته الانتقالية المقترحة من وجوه جديدة.
مثل هذه الدعوات المثالية تجد دوماً الصدى الملائم والقبول في أفئدة أهل السودان قاطبة، بل إن جميع شعوب الدنيا وأممها تتوق لأن يكون لها الحق في تفويض من يحكمها وأن تُسلم قيادها لمن تثق في أنهم قادرون على تحقيق أحلامها والسهر على مكتسباتها ومقدراتها، لا للذين يُكرسون مكتسبات ومقدّرات البلاد لصالح منافعهم الشخصية ويمارسون المحسوبية ويقربون ذويهم وأنسباءهم ويفرغون الحياة من كل معنىً لها وطعم، ولكن ليس هناك ما يُطمئن القلب على أن حديث الشيخ ودعوته يمكن أن تجد الترحيب من أهل السودان لجهة أن الشيخ هو وائد الديمقراطية التي كانت دانية القطوف، بل يُعتقد على نطاق واسع أن الوضع المزري الذي يعيشه السودان اليوم قد أسهم الشيخ فيه بقسطٍ وافر من الجهود ليكون ماهو كائن اليوم من أزمات، فكيف يتفاعل الشعب السوداني مع رؤاه ودعوته بعد كل ما حدث؟ كنا نرغب في التعلّق بأهداب دعوة الشيخ ولكن ماذا نفعل وتاريخنا السياسي في السودان له لسان يذكر به الأحداث خاصة في مواضيع مثل من هو الذي لا تطابق أقواله السياسية أعماله ومن هو الذي مواقفه السياسية التي يُظهرها تتعارض مع تلك التي يُسرها في سويداء قلبه إلى أن تُحين اللحظة المناسبة وإن شئت قل ساعة الصفر ليُباغت الجميع بالأمر الواقع.
ولعل أكثر ما يُثير الريبة في دعوة الشيخ هو تعهّده بأنه لن يترشح ضد الرئيس عمر البشير في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وقد برر ذلك بعمره في إشارة إلى أنه قد بلغ من العمر عتياً ولا يستطيع مقارعة الطامحين التّواقين لمعاقرة الحكم، وكعهده في استخدام عبارات وألفاظ غامضة وحمّالات أوجه، حدد العمر الذي لا ينبغي فيه لأحد أن يتطلع للسلطة والتصدي لسياسة الجماهير بأن قال «عندما يصبح عمر الإنسان 60 أو 70 أو 77 عاماً كما هي الحال بالنسبة لي، يكون أولاده في عمر تولي الرئاسة.. ابني عمره 40 عاماً وأحفادي يمكنهم الترشح للانتخابات البرلمانية، إذن، من الأفضل أن أذهب، أن أترك مكاني للأجيال الجديدة». لماذا لا تحدد أيها الشيخ الجليل عمراً بعينه ينبغي فيه للمرء أن يتقدّم الصفوف للقيام بحكم السودان؟ فهل عمر الستين هو الأفضل ليترك المرء التفكير في خوض الانتخابات أم الـ77 أم ما بينهما؟ وما هو العمر المناسب للتطلع للرئاسة، هل هو عمر الـ40؟ أم أفضل فكرة التوريث في جلباب انتخابي؟ كنا نرغب أن تشتمل روشتة الشيخ السياسية على إجابة محددة على مثل هذه الأسئلة لأنه سعى وراء السلطة حتى نالها وهو قد ناهز الستين من العمر أو تجاوز ذلك قليلاً، وطالما لم يشتمل مؤتمره الصحفي على مثل هذه الإجابات نأمل أن تشتمل عليه مؤلفاته التي سيعتكف على تأليفها بعد أن بلغ سن التقاعد.
إنها دعوة مقبولة، قياساً بالوضع المأزوم الراهن، أن تتولى حكومة انتقالية إدارة شؤون البلاد على أن يكون أعضاؤها من المستقلين الذين لا ينتمون لأي حزبٍ في السودان ريثما تجرى انتخابات حرة ونزيهة تُفرز حكومة ديمقراطية يطمئن لها الشعب السوداني، كنا نرغب بشدة أن نسرح، طرباً، بخيالنا في الأُفق البعيد ونحن نُعيش مع هذه الدعوة البرّاقة التي أطلقها الشيخ، ولكن ماذا نفعل مع التاريخ الذي يُخرج لنا لسانه كل مرة، ساخراً، من مثل هذه الدعوات، فكم مرة تولى أحدهم السلطة الانتقالية بعد الانتفاضات الشعبية التي جرت في السودان على أساس أنه مستقل، لتُبدي لنا الأيام ما كنا نجهل ويكتشف الشعب السوداني الغرير أن الرئيس الانتقالي مربوط بحبلٍ سري بحزبٍ من الأحزاب، يُنفذ مخططاته ويأتمر بأمر رئيسه و«كلو في الخفاء».
أرى أنه ليس هناك ما يجعلنا نصدِّق الشيخ بعد التجربة المريرة والنفق المظلم اللذين زجّ فيهما السودان، بسبب تخطيطٍ محكمٍ منه أدى إلى انتزاع السلطة عنوةً من حكومة منتخبة، مهما قيل في حقها، فهي قد جاءت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع المباشر.. وهي تمثل وتجسّد أسلوب الحكم الملائم الذي كنا نتوق لجعله نبراساً نستهدي به في إدارة شؤون بلادنا، وليس منكوراً، أن التجارب الديمقراطية في السودان ظلت دوماً مثار احباط للشعب السوداني، فقد ظلت تقدِّم نموذجاً، سيئاً لمنهج الحكم الديمقراطي رغم أنها قد جاءت إلى السلطة عبره إلا أنها ظلت لا تقدر أهمية نعمة الديمقراطية حق قدرها، فبعد رفع الكثير من الشعارات الديمقراطية التي تدغدغ أحلام البسطاء أثناء الحملات الانتخابية، إلا أنها وبعد أن تضمن الجلوس على كرسي السلطة الوثير سرعان ما تقلب ظهر المُجن لكل الشعارات التي رفعتها متنكرةً للعهود والمواثيق التي قطعتها للجماهير قبل بدء الانتخابات، ولكن في بلادي ما أسهل الكلام وما أصعب الفعل وما أسهل قطع الوعود وما أصعب الوفاء بها وأسوأ من عدم الفعل وعدم الوفاء بالوعود المقطوعة للشعب السوداني هو تضييع الديمقراطيه التي كل مرة يشقى فيها الشعب السوداني ويقدم الغالي والرخيص وما أن يأتي بها لتكون نهجاً يحكم بها بلاده حتى يتم التفريط فيها لتقع فريسةً في يد الذين يخططون والناس نيام.
لقد أُتيحت للشيخ فرصة حكم السودان ولكنه لم يستطع تقديم نموذجٍ يُحتذى به وبعد أن أصبح خارج دائرة صنع القرار بدأ التنظير لمنهج الحكم الأمثل للسودان.. ولو كان الشيخ قد خطط لقلب النظام الديمقراطي وهو في معية الصبا، لكنا قد وجدنا له العذر في اجتهاده الذي أغرق البلاد في لُجةٍ من الأزمات والمشاكل.. لكن الدكتور الشيخ قد خطط للأمر وهو في عمر النضج الفكري والسياسي، لنحصد ما نحصده الآن من أزمات في راهننا اليوم، فما الذي يجعلنا نصدق ونبارك اجتهاده اليوم، وقد بلغ من العمر عتياً على حسب قوله؟

4
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

زفرات حرى

الطيب مصطفى

بين الترابي ومحمود محمد طه

نفض الترابي يده من إعدام محمود محمد طه وصرَّح في ندوة بجامعة الخرطوم قائلاً; أنا لم أقتل محمود محمد طه ولا علاقة لي بإعدامه

أتساءل والألم يعتصرني لماذا صمت الترابي كل هذا الوقت وجاءت تصريحاته اليوم بعد أكثر من ربع قرن من إعدام محمود محمد طه
من الذي تغيّر يا ترى; محمود محمد طه أم الترابي؟ أقولها بصدق إن من أصدر حكم الإعدام إسلاميون يفخرون بذلك الصنيع ويؤمِّلون في أن يكون سببًا لرضوان الله عليهم وكان الترابي حينها زعيمًا لأولئك الإسلاميين ونافذًا في حكومة نميري ومساندًا لقوانين سبتمبر الإسلامية بل إن البعض يزعمون أنه لولا مشاركة الإسلاميين في حكومة نميري لما تشجَّع الرجل ومضى قدمًا في إنفاذ قوانين الشريعة التي لم يحدث أن وقف الترابي ضد أي من أحكامها بل كان مساندًا صلبًا لها فخورًا بذلك لا منهزمًا كحاله اليوم معتذرًا متملصًا كمن ارتكب خطيئة كبرى.
لكن الترابي الذي يتنصل اليوم ويتبرأ من قتل محمود محمد طه هو الذي يضع يده في أيدي الشيوعيين وقيادات الحركة الشعبية المنادين بعلمانية الدولة الرافضين للشريعة وهو الذي يجلس متوسطًا باقان ونقد في صحيفة أجراس الحرية رغم أنه كان قديمًا قد خاض غمار معركة حل الحزب الشيوعي وحاضر ونافح في إباء وقوة إلى أن تكلَّل مسعاه بالنجاح التام

من يا تُرى تغيَّر نقد وباقان أم الترابي الذي صرح لصحيفة الخرطوم مونتر أنه سيصوت لمرشح الحركة الشعبية ضد الرئيس البشير بالرغم من أنه يعلم أن الحركة لن ترشح مسلمًا وأنها تطالب بإقامة مشروع السودان الجديد العلماني المصادم لهوية السودان الشمالي العربية الإسلامية , ويكفي ما تقوم به اليوم من حرب على الإسلام في جنوب السودان الذي تحكمه بالحديد والنار وتذيق أهله ومسلميه خاصة صنوف العذاب.

محمود محمد طه كما يعلم الجميع هو الذي أتى بشريعة ودين غير الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال إنه أوحي إليه بأن يصلي صلاة غير التي صلاها الرسول الكريم والتي سمَّاها بالصلاة ذات الحركات , وهو الذي نقض عرى الإسلام عروة عروة.

اختم بدعاء حار; اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك !!.

الانتباهة
10/5/2006
ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ
مشاركات: 226
اشترك في: الأحد مايو 29, 2005 7:59 pm

مشاركة بواسطة ãÚÇáí ÇáÔÑíÝ »

هل أصبحت دارفور قبرا للحلم الإسلامي في السودان؟ ...
بقلم: د. أسامة عثمان
الأربعاء, 03 يونيو 2009 09:06

[email protected]



ليس لي من فضل العنوان أعلاه، وإنما هو عنوان مقال متميّز اطلعت عليه مؤخرا ورأيت أن أشرك القارئ في فحواه إن لم يكن قد اطلع عليه على الرغم من أنه قد نشر في غير موقع ومن هذه المواقع موقع الجزيرة نت المعروف، ولكن ليس الجميع ممن يقرأون موقع قناة الجزيرة. وصفت هذه المقال بالمتميّز لأن كاتبه شاب عربي من جمهورية موريتانيا الإسلامية يسمى محمد بن المختار الشنقيطي (من مواليد 1966)، وما لفت نظري هو العمق في التحليل والإلمام بشؤون السودان الذي نادرا ما تجده في كتابات العرب عندما يكتبون عن السودان فمعرفة العرب بالسودان ضعيفة للغاية وتجاوبهم مع قضاياه لا يقوم على معرفة بما يجري وإنما استنادا على العاطفة وروح التضامن العربي الذي أزكاه الشعور القومي أو الانتماء الإسلامي في السنوات الأخيرة وربما بعض تعاطف مما تظهر وسائل الإعلام من البؤس المقيم والأزمات التي لا تنتهي لهذا الشعب الطيب المتواضع كما يقولون. وحتى لا نظلم جميع العرب يجدر بنا أن ننوه إلى أن أكثر العرب معرفة بالسودان والسودانيين كانوا هم أصحاب الانتماءات الأيدلوجية أيا كان اتجاههم ففي الزمان الماضي كان الشيوعيون العرب، العوام والمثقفون منهم، من أكثر العرب دراية بما يحدث في السودان من خلال الصلات بحزبه الشيوعي الذي كان منارة تصبو إليها قلوبهم، وحل الإسلاميون وحركتهم الإسلامية في العقود الأخيرة مكان الشيوعيين في الستينات والخمسينات وصارت حركتهم النموذج الذي تهفو إليه قلوب الإسلاميين العرب وصاروا أكثر المثقفين العرب معرفة بما يجري في السودان ولقد ازداد ذلك الاهتمام بعد أن وصلت الحركة الإسلامية للسلطة في السودان. وتتالت زياراتهم في ظل دولة المشروع التي ظلت حلما في البلدان الأخرى.



وكاتب المقال كاتب إسلامي من الذين اهتموا بتجربة الحركة الإسلامية السودانية وأفرد لها كتابين من الكتب الخمسة التي أصدرها حتى الآن وخصها بعشرات المقالات كان آخرها المقال الذي نحن بصدده. صدر للكاتب في عام 2002 عن دار الحكمة بلندن كتاب بعنوان " الحركة الإسلامية في السودان مدخل إلى فكرها الإستراتيجي والتنظيمي"، ثم أصدر كتابا آخر بعنوان " آراء الترابي من غير تكفير ولا تشهير"، ربما نعود إليهما في وقت لاحق. كما صدر له أيضا " الخلافات السياسية بين الصحابة: رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ" ولقد قدم له الشيخ راشد الغنوشي، وصدر له أيضا "فتاوى سياسية: حوارات في الدعوة والدولة" كما أن له ديوان شعر مطبوع باسم "جراح الروح". والكاتب وفقا لما جاء في مدونته على الانترنت وتقديم موقع الجزيرة نت له هو باحث وشاعر ومحلل سياسي مهتم بالعلاقات بين العالم بين العالم الإسلامي والغرب. وهو مهتم أيضا بالفقه السياسي، وعنوان مدونته على شبكة الإنيرنت هو (fiqsyasi.org) ومن سيرته الذاتية أيضا نعلم أنه، كشأن الكثير من أهل شنقيط، قد جمع بين التعليم الحديث والتعليم الديني التقليدي، الذي يسمى في بلاد المغرب العربي "التعليم الأصلي" في مقابل تعليم المستعمر وهو التعليم الحديث (سألت الدكتور عبد لله الطيب، رحمه الله، ذات يوم: لماذا كانت المدرسة الوسطي تسمى بالابتدائي في الزمان القديم وهي ليست المرحلة الأولى في التعليم؟ فرد مبتسما: لأن التعليم الحق يبدأ عندها، والتعليم الحق هو تعلم الإنكليزية!" أو "اللغة" المعرّفة بالألف واللام كما كانت تسميها لغة الدواوين الحكومية في السودان سابقا)



ما علينا، عود على بدء، فكاتبنا حاصل على إجازة في حفظ القرآن الكريم ورسمه وضبطه، كما أنه قد صحب عددا من العلماء الموريتانيين لعدة سنين فأخذ عنهم طرفا من العلوم الشرعية وعلوم العربية ثم حصل على شهادة البكالاريوس في الشريعة الإسلامية تخصص أصول الفقه، وحصل على الماجسيتر في إدارة الأعمال في جامعة تكساس التي يحضر فيها للدكتوراة حاليا حيث يعمل مديرا للمركز الإسلامي في أحد مدنها وإماما لمسجدها. وعمل بالتدريس في موريتانيا واليمن ويعمل في أحد مراكز الأبحاث في الدوحة.



يستهل الشنقيطي مقاله بإثبات أن لأهل دارفور أن يتوقعوا المساندة من الدول العربية والإسلامية ثم ينتقد مسألة التأييد العاطفي الذي يميز الموقف العربي والإسلامي فيما يتعلق بقضية دارفور والمتمثل في تأييد المواقف الرسمية للحكومة السودانية ومعارضة كل ما يأتي من الغرب في هذا الصدد ويحدد موقفه في وضوح نادر في الخطاب العربي الشائع قائلا "من حق أهل دارفور على الشعوب العربية والإسلامية أن تتعاضد معهم في وجه نظام الرئيس عمر حسن البشير والكوارث التي جرها على شعبه عمدا بدلا عن هذا النزوع إلى الرفض العاطفي غير المؤسَّس على إدراك لتفاصيل الواقع والتنكرُ الساذج لما ثبت بالمعاينة والتواتر من جرائم الحرب في دارفور، وكأن ضحاياها ليسوا بشرا يستحقون العطف والمواساة وإهمالا بيد أن الناس في عالمنا العربي الإسلامي اعتادوا على العداء العاطفي لكل المبادرات الغربية في بلادهم، والنظر بريبة إلى كل حديث غربي عن تحقيق العدالة والإنصاف. وهو أمر يرجع إلى ما اعتادوه من الغربيين من التطفيف والازدواجية" ثم يشير إلى قضية مهمة قلّ أن يتعرّض لها الإعلام العربي والمثقفين العرب في كتاباتهم لتفسير أسباب هذا الموقف العاطفي وهو " أن حكومة السودان تقدم نفسها باعتبارها (حكومة إسلامية) ومن الذي لا يتعاطف مع حكومة إسلامية ضد العدوان الغربي؟!" ثم يضيف "بيد أن هذا المنزع العاطفي يغطي وراءه حقيقة برودة مشاعرنا تجاه ضحايا القمع والاستبداد السياسي في بلادنا، فنقع بحسن نية وطوية في ذات الازدواجية والتطفيف الذي نرفضه من الغربيين" وهذا هو المأخذ الرئيسي على الحكومات العربية ونشطاء المجتمع المدني الذي يتردد كثيرا في أوساط مناصرة القضايا الإنسانية المختلفة حيث يلاحظ الغياب العربي الإسلامي التام في أي مأساة سياسية وإنسانية غير القضية الفلسطينية أو قضية العراق أو السودان، كما لو أن بقية العالم لا تعني العرب والمسلمين في شيئ. كان كوفي عنان قد أشار عند وقوع كارثة السونامي إلى أن المساعدات قد انهمرت من كل صوب لإعانة المنكوبين باستثناء البلدان العربية الغنية، مما جعلهم يتحركون، كالعادة، بعد أن يتحرك الآخرون ويقدمون كشوفات مساعداتهم عن طريق الهلال الأحمر في إطار العون الثنائي ولكنهم لا يقدمون المساعدات بالضرورة من خلال العون الأممي متعدد الأطراف الذي عناه الأمين العام للأمم المتحدة. وكثيرا ما تهتم منظمات المجتمعات المدني في أمريكا وأوروبا بقضايا حقوق الإنسان في فلسطين وتسير المظاهرات من أجل ذلك ولكن قلما تجد جمعيات عربية تهتم بأي قضية أخرى في العالم خارج الوطن العربي. وكثيرا ما يندهش النشطاء الغربيون لهذا الكيل بمكيالين الذي يعاني منه العرب والمسلمين باعتبار أنهم من بين الشعوب المستضعفة ولكنهم يمارسونه بأنفسهم. ولقد كانت قضية دارفور نموذجا لهذا الكيل بمكيالين.



ثم يلخّص الشنقطي لقارئه العربي أسباب صراع دارفور كما يراها " إن الصراع في دارفور عميق الجذور، وهو في أصله صراعان: أحدهما صراع على الموارد الشحيحة بين العرب الرحل والأفارقة القرويين من سكان جبل مرة، والثاني صراع بين الطامحين من أبناء دارفور إلى توزيع أعدل للسلطة والثروة وبين الحكومة المركزية في الخرطوم" ثم يعبّر عن دهشته كإسلامي بين " تحوُّل هذا الصراع - في ظل حكم الحركة الإسلامية السودانية - من مناوشات تقليدية إلى حرب طاحنة، ومن حرب موارد إلى صراع هوية يدعو إلى التأمل حقا" ويمضي شارحا لتأملاته عن العلاقة بين الحركة الإسلامية وتفجر الصراع قائلا: فما هي العلاقة بين تفجر الصراع السنوات الأخيرة وبين التجربة الإسلامية السودانية التي بدأت بانقلاب عمر البشير عام 1989؟ وما مدى مسؤولية الإسلاميين في معسكريْ البشير والترابي عن إشعال الصراع واستمراره؟ وما هي دلالة هذا الصراع المدمر على مصير التجربة الإسلامية السودانية، وهي التجربة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وبعثت الآمال العريضة في يوم من الأيام؟"



ثم يمضى في محاولة الإجابة على التسآؤلات أعلاه برد الأمر إلى صعوبة التحول من فقه الحركة إلى فقه الدولة: لم يكن نجاح الإسلاميين السودانيين في الاستيلاء على السلطة عام 1989 صدفة عابرة، أو ضربة حظ وافر، بل كانت ثمرة تطور منهجي في الحركة الإسلامية السودانية على مر السنين: في وعيها العام، وبنيتها الهيكلية، وبنائها القيادي، وعملها في المجتمع، وعلاقتها بالسلطة، وعلاقتها بالحركات الإسلامية.. وهو ما جهدتُ في تقديم عبرته معتصَرة ومختصَرة في كتابي عن "الحركة الإسلامية في السودان.. مدخل إلى فكرها الإستراتيجي والتنظيمي". ثم يضيف: لكن نجاح الثورة أكبر من مجرد استلام السلطة، والنجاح الفني ليس معيارا للنجاح المبدئي، خصوصا إذا كان أهله يحملون رسالة أخلاقية، تهدف إلى تحرير الناس لا إلى إخضاعهم" ثم يورد بعض الأعذار لتجربة الإنقاذ نقلا عن كتابه المذكور أعلاه" وفي بلد كالسودان، متسع الأرجاء، ممزق الأحشاء، أنهكته الحرب الأهلية، وهددت فيه الحاجة إنسانية الإنسان، كان على الثورة الجديدة أن تتحمل أعباء زائدة، ومسؤوليات أخلاقية وإنسانية جسيمة، لم تواجه كل الثورات. ومن أهم تلك التحديات كما لخصتها في ختام كتابي المذكور عام 2002: أن على هذه السلطة أن تكف عن كونها حركة، وتقتنع بأنها أصبحت دولة، بكل ما يعنيه ذلك من دلالات سياسية وأخلاقية.، وأن تسعى لإطعام الإنسان السوداني من جوع، وتأمينه من خوف، باعتبار ذلك أهم بند في رسالتها، وأول خطوة على طريق البناء، وأن تبني شرعية سياسية على غير القوة والإكراه، فلا خير في سلطة تستمد شرعيتها من القوة حصرا، ولا مجال لاعتماد فق الضرورات إلى الأبد، وأن توقف النزف الإنساني الذي سببته الحرب الأهلية، لا بدماء الشباب المتعطش للجهاد والشهادة، بل بحكمة السياسة، ومنهج الحوار والتعايش، وأن تدرك أن جسم الدولة متسع للجميع، بخلاف جسم الحركة، فالعجز عن احتواء واستيعاب المجتمع، معناه العجز عن تغيير المجتمع، وأن تعرف أن الحلول الفنية -على أهميتها وحاجة العمل الإسلامي إليها- لا تكفي. فالدولة الإسلامية دولة فكرة ومبدأ، قبل أي شيء آخر، وأن تعترف بموقعها الحرج في المكان، إقليميا ودوليا، فتتحمل مسؤوليتها بوضوح، وتنأى بنفسها عن أسلوب المغامرات والمهاترات والتخبط والتورط، وأن تعترف بموقعها الحرج في الزمان-حاملة لراية الإسلام أيام غربته- فتعضد ذلك بمزيد من الإقدام والتوكل والحكمة والدراية.



ثم ينظر إلى الوراء ويقدم شهادة نادرة من إسلامي عربي في حق إخوانه من الإسلاميين السودانيين، لأن كثير من الإسلاميين العرب يرون عدم انتقاد التجربة الإسلامية السودانية لأن أعداءها كثر فيما يرون ولا حاجة بهم لإضافة نصل على النصال والسيوف المشرعة للقضاء عليها. أما الشنقيطي فيقول " وبالنظر إلى الوراء عقدين من الزمان أعترف أن ثورة الإنقاذ فشلت فشلا ذريعا في رسالتها، وخيبت آمال الكثيرين ممن علقوا عليها بعض الآمال، وأنا منهم. كما أعترف أن حرب دارفور لخصت هذا الفشل أبلغ تلخيص" ويحاول أن يقدم تفسيرا لأوجه القصور هذه قائلا: إذا كان لنا أن نجد تفسيرا فكريا لهذا الفشل -يفترض حسن المقاصد -ولا شك في حسن مقصد الكاتب فهو ناقد من داخل الصف الإسلامي، فهو تخلّف فقه الدولة عن فقه الحركة لدى الإسلاميين السودانيين” ثم يخلص إلى جملة هي فحوى فكرة المقال وجماع الأمر عنده حيث يقول "فلم تنجح تجربة إسلامية على مستوى الحركة كما نجحت التجربة السودانية، ولم تخفق تجربة إسلامية على مستوى إدارة الدولة كما فشلت التجربة السودانية".



ويمضي شارحا لهذه الفكرة من خلال تجربة الحركة الإسلامية والمفارقة بين مرحلة الحركة ومرحلة الدولة. ويذكّر بالربط بين البعد الأخلاقي للحركة والممارسة للسلطة وفي ذلك يقول: لكن التفسير الفكري لا يفسر كل شيء، فهنالك عنصر أخلاقي قد يفوق العنصر الفكري في أهميته، وتخلف هذا العنصر الأخلاقي في تجربة الإنقاذ هو الذي يفسر محنة دارفور، ويدين العديد ممن قادوا تلك التجربة ومن اتبعوهم".



ويمضي مذكّرا القارئ العربي العام، وليس الإسلامي المهتم، بالانشقاق الذي وقع في أوساط الإسلاميين بسبب الصراع على السلطة ونتائجه ويشير تحديدا إلى النقاش الذي فجرته كتابات الأفندي والتجاني عبد القادر عن أسباب الصراع. ثم يقرأ ذلك بعين المراقب المعني بالأمر لانتمائه للمشروع الإسلامي حيث يرى أن محنة دارفور ليس بمعزل عن الانشقاق الذي وقع في أوساط الإسلاميين فيقول: ويمكن للمراقب، من بعيد مثلي، أن يستخلص من تلك المطارحات والردود، ومما تيسر من محاورات مباشرة مع أنصار كل من الترابي والبشير، ملامح ما حصل داخل أحشاء الحركة فتولدت عنه محنة دارفور". ثم يورد اقتباسا مطولا من مقال لعبد الوهاب الأفندي يتفق معه تماما ويعتبره تلخيصا دقيقا وحكما صائبا، وإن رأى أنه لا يعطي الخلفية التاريخية التفصيلية، خصوصا في شقها المتعلق بالحركة الإسلامية، يقول الشنقيطي: كتب د. عبد الوهاب الأفندي ملخِّصا أسباب الحرب في دارفور فقال "إن التدهور الذي وقع في إقليم دارفور كان نتيجة لسلسلة أخطاء مميتة، بدأت بإساءة إدارة الوضع السياسي وممارسة الإقصاء في حق أهل دارفور، ومرت عبر العجز عن التصدي للتمرد المسلح، ومحاولة مداراة هذا العجز أو تداركه عبر تشجيع الفوضى والإجرام، وأخيرا العجز والتخبط في إدارة الكارثة التي نتجت وذيولها الدولية."



وحتى يعطي الخلفية التاريخية التي يعتقد أن الأفندي قد أهملها يضيف قائلا: إن الجذور الاجتماعية للصراع في دارفور كانت موجودة دائما، مثلها مثل الكثير من الصراعات الكامنة في دول العالم الثالث، لكن تفجُّر الصراع التقليدي إلى حرب إبادة وتهجير بدأ ببداية الصراع بين جناحي الحركة الإسلامية". ثم يمضي بقارئه في شرح مفصّل عن قصة الخلاف ومخطط الحركة الإسلامية في التدرج عن الإفصاح عن وجهها وما إلى آخر القصة المعروفة للقارئ السوداني فيما عرف بالمفاصلة في القاموس السياسي السوداني. وربما كان من المفيد هنا أن نكرر جزئية مهمة وردت في سياق ذلك ساقها الكاتب للاستدلال على فكرته الرئيسية وهي أن بذرة صراع دارفور قد وجدت في صراع الإسلاميين، حيث يشير إلى أن من تداعيات الشقاق ومحاولة كل طرف أن يأمن نفسه وقع استبعاد لبعض ضباط الجيش والأمن من الإسلاميين من أبناء دارفور كانوا هم فيما بعد نواة حركات التمرّد خصوصا تلك التي يقودها الإسلامي المعروف خليل إبراهيم. ويقول في ذلك: وانضم الإسلاميون المنحدرون من دارفور في غالبيتهم الساحقة إلى جناح الترابي، ربما لأنه كان مساندا لفكرة المركزية الإدارية وتقوية الحكومات المحلية، وهو ما عمق الحنق عليهم من الجناح الآخر".



ويمضي في شرح مسؤولية الحركة الإسلامية عن محنة دارفور بقوله: كان أهل دارفور من الإسلاميين المشاركين في الحركة الإسلامية يعلقون آمالا عريضة على ثورة الإنقاذ، أقلها أن ترفع الضيم عن إقليمهم، وتكفل لهم حضورا منصفا في جهاز الدولة ونصيبا منصفا من خدماتها، لكن سرعان ما خاب ظنهم. ولم تكن خيبة الظن هذه، جديدة مع الأسف، فقد بدأت بوادرها في الثمانينات، حينما استقال عدد من القادة الإسلاميين المنحدرين من دارفور من الجبهة الإسلامية القومية التي يقودها الترابي آنذاك احتجاجا على دعم الجبهة للقبائل العربية في دارفور ضد قبيلة الفور الأفريقية". ويورد في ذلك أن "حكومة الإنقاذ قد قضت على التمرد بسهولة وأعدمت بولاد نفسه، مما ترك جرحا عميقا لدى أهل دارفور، خصوصا الإسلاميين منهم. وينظر أهل دارفور اليوم إلى بولاد على أنه شهيد قضيتهم، وأنه رجل سابق على عصره، كما تمدحه أدبياتهم بأنه كان حافظا للقرآن الكريم عميق التدين ومهندسا متميزا. بينما وصفته دعاية حكومة الإنقاذ حينها بأشنع الأوصاف والتهم، ومنها أنه ارتد عن الإسلام ومزق المصحف الشريف. وقد اعترف الترابي فيما بعد – حسبما أفضى به إليَّ أحد المقربين منه- بأن حكومة الإنقاذ لم تأخذ العبرة من تمرد بولاد، فكانت حرب دارفور الأخيرة عاقبة لذلك".



ثم يعضد استدلاله بسير خليل إبراهيم على خطى داؤود بولاد ليخلص إلى أن "مشكلة دارفور لا يمكن فصلها عن مشكلة الحركة الإسلامية السودانية وعجزها الفاضح في بناء دولة العدل التي بشرت بها السودانيين خلال نصف قرن قبل انقلاب 1989. ثم يعبّر عن حسرته كإسلامي في عبارات تذكّرنا بحسرة الأفندي والتجاني عبد القادر وغيرهما من الإصلاحيين الإسلاميين، حيث يقول فضلا عن ما ذكر عن العجز في بناء الدولة " ثم الأنانية السياسية التي اتسم بها قادة الحركة في صراعهم الداخلي، ثم كيد بعضهم لبعض بطريقة انتهازية لم تحترم أسس التعامل الإنساني، فضلا عن الأخلاق الإسلامية" ويختم بقوله: لقد حفر الإسلاميون السودانيون قبرا جماعيا في دارفور لأنفسهم، ولحركتهم وتجربتها الرائدة، وهم يتحملون نتائج ذلك بؤسا وشقاء لهم ولشعبهم، وصدا عن الإسلام، وتيئيسا للناس من تحقيق العدل في ظلاله" ويوجه نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية التي عليها أن تدرك ذلك "بدلا من التعاطف الساذج لأن دماء الفقراء المشردين في دارفور وكرامتهم الإنسانية لا يقلان وزنا عند الله عن دم الرئيس البشير والدكتور الترابي وكرامتهما، والاستصراخ في وجه العدوان والتطفيف الغربي لا يصلح مبررا للوقوف إلى جنب الظلمة من المسلمين. فمتى تفهم الشعوب العربية والإسلامية ذلك؟"



ومرّة أخرى يجد أنه يحسن به أن يستشهد بشهادة الأفندي، ولا عجب فالأفندي رجل عليم بمظهر الأمر وبمخبره، حيث يدعو الأفندي الإسلاميين في السودان إلى "أن ينصروا إخوانهم بكف أيديهم عن الظلم اتباعا للنصيحة النبوية، وأن يسارعوا إلى نجدة المنكوبين والتضامن معهم، وأن يطالبوا من داخل الحكومة بمساءلة ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن هذه الكوارث السياسية والعسكرية والانسانية التي لم تهدد النظام فقط، بل تهدد اليوم وجود السودان" ويضيف الشنقيطي إلى ذلك: هذا إضافة إلى ما وجهته من ضربة للعلاقات العربية الأفريقية، ولمستقبل العمل الإسلامي في دارفور".



ويقدم نصيحة عامة للإسلاميين، وربما المسلمين عامة، من خلال قراءته للتاريخ الحديث فيقول: إن سوء صنيعنا في علاقة بعضنا ببعض وتسويغنا ما لا يستساغ هي الثغرة التي يدخل منها الآخرون دائما. وقد وقفنا مع صدام حسين في إبادة شعبه وغزو جيرانه، فكانت النتيجة أن خسرنا العراق وشعبه. وها نحن نقف اليوم مع البشير في إبادة شعبه وتشريده وستكون النتيجة أن نخسر السودان وشعبه. فهل ننظر أخيرا في المرآة لنرى الخشب في أعيننا، بدل البحث عن القذى في أعين الغير؟



ويختم المقال بقوله: كم هو حق ما كتبه الأفندي "نعم هناك بالقطع خطر يتهدد الإسلام في السودان اليوم، ولكنه خطر مصدره الخرطوم، لا نيويورك أو واشنطن".



وبعد، فهذه شهادة من داخل صف الإسلاميين بالمعنى العريض تميزت بالرؤية النقدية وليس التعاطف ودفن الرأس في الرمال بدعوى عدم إضافة نصل من الإخوان إلى نصال الأعداء. فمتى سيكف يا ترى أهل الإنقاذ والإسلاميون منهم على وجه الخصوص عن ترديد نجاح تجربتهم غير المسبوقة وأننا سنفوق العالم أجمع وأن المشروع الحضاري هو الحتمية التاريخية الجديدة على الرغم من الفشل والإفلاس المبين للمشروع والفكرة التي احترقت على نار الواقع وإدارة الدولة لا لصعوبة إدارة الدولة في عالم اليوم المتشابك ولكن بسبب السقوط الأخلاقي قبل المادي الذي وقعت فيه الحركة والذي كان الأفندي والتجاني عبد القادر أول من أشار إليه من داخل الصف الإسلامي. ولا نملك في الختام إلا أن نكرر ما قاله الشنقيطي أعلاه:"فلم تنجح تجربة إسلامية على مستوى الحركة كما نجحت التجربة السودانية، ولم تخفق تجربة إسلامية على مستوى إدارة الدولة كما فشلت التجربة السودانية". ونحن، جمهور الشعب السوداني العريض من خارج الإسلاميين، لا يعنيه الجزء الأول من المقولة أعلاه عن النجاج الكبير للحركة وإنما يعنينا الجزء الثاني وهو هذا الإخفاق المدوي للتجربة الإسلامية في إدارة الدولة وهي دولتنا جميعا. أما آن الأوان لأهل الإنقاذ، والإسلاميين منهم على وجه الخصوص، للإقرار بهذا الفشل المدوي وأن يدعوا أهل السودان، من غيرهم، أن يتداعوا للنهوض ببلدهم وأن يكون لهم رأي آخر بعد أن خبروا ورأوا أن فكرة المشروع الإسلامي العروبي في السودان قد وصلت إلى أقصى مدى يمكن أن تبلغة تحت قيادة الإسلاميين السودانيين وخبروا كيف كانت نهاية الأحلام وعودة التاريخ.



أسامة عثمان، نيويورك


نشر الجزء الأول من هذا المقال في جريدة الصحافة بتاريخ 26 مايو 2009، ولكن الرقيب حجب الجزء الثاني منه من النشر في جريدة الصحافة بتاريخ 2 يونيو 2009، ولقد أوردنا المقال هنا بجزئه المنشور والمحجوب

------------------------------------------------------
مجلة أكتوبر المصدر:
1700 العدد:
أسرار الطلاق بين البشير والترابى - أكتوبر عنوان الصفحة:
https://www.octobermag.com/Issues/1700/artDetail.asp العنوان على الإنترنت:
01 June 2009 تاريخ الطباعة

--------------------------------------------------------------------------------


أسرار الطلاق بين البشير والترابى




لأول مرة منذ سيطرت جبهة الإنقاذ الإسلامية بقيادة حسن الترابي عام 1989 تسمح القاهرة لأبرز قادة حزب المؤتمر الشعبي (حزب الترابي) ليس فقط بزيارتها بل بطبع كتاب يتناول السنوات العشر الأولى فى حكم الإنقاذ والتي شهدت العلاقات المصرية السودانية توترا كبيرا علي خلفية موقف السودان من غزو العراق للكويت، وحادث أديس أبابا الأثيم الذي تعرض له الرئيس مبارك.
وفى هذا الحوار تواجه أكتوبر المحبوب عبد السلام الناطق الرسمي باسم الحزب والرجل الثاني فيه حول الجديد فى العلاقات المصرية مع الترابي، وهل تسامحت مصر مع ما قام به بحقها، وتفاصيل إقامة أسامة بن لادن في الخرطوم وعلاقاته بالترابي، وغيرها من التفاصيل فى هذا الحوار:
*هل هذه هي الزيارة الاولي إلى القاهرة منذ عام 1989 ؟!
**لقد قمت بزيارة قصيرة جدا العام الماضي إلي القاهرة لكن لم أظهر في وسائل الإعلام أو التقي مع الباحثين في مراكز البحوث، أو التقي بمسئولين مصريين ، لكن هذه الزيارة تعتبر الأولي حيث وجدت كامل الترحيب من الجميع سواء كانوا رسميين أو شعبيين
*وهل معني ذلك أن القاهرة تسامحت مع الأسباب التي كانت سبب للتوتر مع الترابي طوال هذه السنوات ....؟
**أستطيع القول أن العلاقات بين مصر وحزب المؤتمر الشعبي ستعود الي طبيعتها، لأن ما حدث من قطيعة خلال السنوات الماضية لم يكن طبيعيا، لأن مصر هي الجار الأكبر للسودان ولا يمكن تجاهلها.
*لكن الترابي كان يقول إن علاقات السودان يجب أن تمتد من الشرق للغرب وليس الي الشمال والجنوب، أى أنه لم يضع وزنا لمصر في علاقاته الخارجية؟..
**هذا الحديث غير صحيح ، لأن الترابي قام بزيارة القاهرة عام 1989 قبل أن يتسلم الحكم مع جبهة الإنقاذ، وكان يقول إنه لن يتسني له سودان قوي ومستقر بدون الشقيقة الكبرى مصر، كما طرح الترابي مشروعا طموحا لزراعة القمح بين مصر والسودان، وبالتالي مصر كانت فى مقدمة أولوياته، لكن ربما الخلاف حول حرب الخليج الثانية هي التي أدت إلي التوتر الشديد فى العلاقات بين مصر وحزب المؤتمر الشعبي، والأصل أن تكون العلاقات طيبة بين مصر وجميع الأحزاب السودانية، وهذا واضح فى الوقت الحالي حيث تستضيف القاهرة مكاتب للحركة الشعبية لتحرير السودان، المؤتمر الوطني، وأحزاب الأمة والاتحادى بل وتستضيف مكاتب لبعض الحركات المسلحة والسياسية فى دارفور، وهذا يؤكد علي رغبتها فى التواصل مع الجميع. وفى هذا الإطار أعتقد أن عودة المياه إلي مجاريها بين المؤتمر الشعبي ومصر أمر طبيعي وحتمي نظرا لحرص كل جانب علي بناء علاقات طيبة مع الآخر ، والحقيقة أنه بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 توترت العلاقات بشكل كبير بين مصر والترابي لدرجة لم تسمح له بتوضيح موقفه حتي سنحت لنا الفرصة من جديد لنقول لمصر وشعبها وحكومتها ورئيسها أن حزب المؤتمر حريص جدا منذ اليوم الأول الذى كان يشارك فى الحكم، وحتي الآن وضمن استراتيجيته الدائمة بناء علاقات قوية ومتينة مع مصر الرسمية والشعبية.
دور حيوى
*وهل تم الاتفاق علي ترتيب زيارة د. حسن الترابي إلي القاهرة؟..
**حتي الآن لم يتم الاتفاق علي شىء من هذا القبيل.
*كيف ترى الدور المصرى فى مساعدة السودان فى الوقت الراهن؟..
**أنا أعتقد ومعي كل الشعب السوداني أن مصر قدمت وما زالت تقدم للسودان خدمات لا يمكن إنكارها، وساعدت السودان علي تخطي الكثير من المشكلات، فالدور المصرى موجود فى جميع الملفات السودانية بداية من دارفور التي قدمت مصر الكثير من الأفكار لحل الأزمة هناك، كما أنها جزء رئيسي فى اللجنة العربية الأفريقية لحل الأزمة فى دارفور، وهناك استعدادات فى القاهرة لجمع أبناء دارفور علي ورقة تفاوضية واحدة، وأن القاهرة الآن فى مرحلة استماع من جميع الأطراف السودانية لوضع تصور لحل الأزمة فى دارفور، وقدمت خدمات لا يمكن إنكارها للمؤتمر الوطني الحاكم والرئيس البشير فى أزمة المحكمة الجنائية الدولية مع السودان، وكانت مصر من أوائل الدول العربية التي أبدت اعتراضها علي قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير علي خلفية اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى دارفور، ولا يمكن أن ننسي الزيارة التي قام بها الوزير أحمد أبو الغيط والوزير عمر سليمان إلي الخرطوم لنزع فتيل الخلاف بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، مما ساعد فى عودة وزراء الحركة الشعبية إلي عملهم فى الخرطوم، لذلك كله فالدور المصرى حاضر فى جميع الملفات السودانية بداية من دارفور وانتهاء باتفاقية نيفاشا.
*هل يوافق المؤتمر الشعبي برئاسة الترابي علي المقترح المصرى الداعي لعقد مؤتمر دولي لإحلال السلام فى دارفور؟.
**نعم نحن نوافق وبقوة علي هذا المقترح، ونعتبر أن مصر من أهم الدول التي تفهم الملف الدارفوري والتي يجب أن يكون لها دور فى حل تلك الأزمة، وحتي عندما سمعنا أن قطر تريد أن تلعب دورا فى حل الأزمة فى دارفور قام الدكتور الترابي بزيارة الدوحة ونصح القطريين بعدم إغفال مصر وليبيا من ناحية، والقوى السياسية السودانية من ناحية أخرى ، لكن فوجئنا بالإخوة فى قطر بالتنسيق مع الحكومة السودانية فقط، والجميع يجب أن يعلم أن الأزمة فى السودان خطيرة وكبيرة، ولا تتعلق بدارفور وحدها ولكن بكل طوائف الشعب السوداني، وأن العرب وحدهم غير قادرين علي حل مشكلات السودان، كما أن الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي عجزت عن حل الأزمة السودانية لذلك فالاقتراح المصرى هو المناسب فى الوقت الحالي لتجميع كل المبادرات السابقة ومشاركة كل الأطراف الفاعلة سواء السودانية والعربية والأفريقية والدولية.
*لماذا كل هذه المشكلات فى السودان من الشمال إلي الجنوب ومن الشرق إلي الغرب، حيث يقال إن هناك تمرداً جديداً سوف يظهر فى كردفان قريبا؟..
**هناك الكثير من الأسباب، أبرزها أن المؤتمر الوطني الحاكم فى السودان أفلس في تقديم الأفكار الجديدة لأن هناك وزراء لهم 20 عاما في الوزارة دون تغيير، بالإضافة إلي أن هناك صراعاً داخل المؤتمر الوطني بين المتشددين وبعض المعتدلين، فالبعض منهم حذر من تفاقم الأزمة في دارفور عقب التوصل لاتفاقية نيفاشا، وطالب المؤتمر الوطني بالتجاوب مع مطالب أبناء دارفور، وهي في الحقيقة مطالب عادلة وطبيعية، لكن هناك فريقاً أخر قال لا بد من سحق المتمردين وقتلهم ولن نتفاوض معهم ، واستمر الحال حتي وصلنا إلي هذا الوضع.
عمل إرهابى جبان
*هل تعتقد أن مصر تسامحت بعد المحاولة الفاشلة للمساس بالرئيس مبارك في أديس أبابا؟
**لقد سألني العشرات منذ وصلت إلي مصر حول هذه القضية، وكنت أقول لهم أن للقضية جانبين، الأول الجانب القضائي، وهذا متروك للقضاء وليس لي أن أقوم بالتعليق عليه، لكن تطور العلاقات بين مصر والمؤتمر الوطني خلال السنوات السابقة يؤكد أنها تجاوزت مثل هذه المرارات، ونحن نعتبر أن من يقوم بأى عمل فيه مساس برئيس دولة وخاصة إذا كان زعيم أكبر دولة عربية وهو الرئيس مبارك فهو شخص جبان وجهة إرهابية.
*وهل شارك الترابي في تأسيس القاعدة مع أسامة بن لادن والظواهرى؟..
**الترابي مفكر كان يدعو إلي إلغاء الحواجز وجوازات السفر، وأن يكون الإنسان حُراً في تفكيره وتنقلاته، لكن هذه الأفكار كانت مرفوضة من جانب الغرب، وهناك خلاف كبير جدا بين الأفكار التي يدعو لها الترابي والأفكار التي تتبناها القاعدة التى تقوم علي الفصل بين المجتمع الإسلامي والمجتمع غير الإسلامي، والقاعدة لا تؤمن بأي تواصل مع أصحاب الديانات والحضارات الأخرى، وهذا عكس ما يؤمن به الترابي تماما، لذلك ليس هناك أي مساحة من الاتفاق بين الترابي والقاعدة، ولا يوجد أي علاقة الآن بين الترابي وأسامة بن لادن، فعندما جاء إلي السودان جاء كمستثمر سعودي لم يكن مطلوباً وقتها للسلطات السعودية أو السلطات الأمريكية، وقانون الاستثمار لا يمنع أي مستثمر عربي من إقامة المشروعات في السودان ، وبناء علي هذا الإطار جاء بن لادن إلي السودان وأقام مشروعات زراعية ومشروعات في شق الطرق، ولم يلتق بالترابي بمفردهما أو في لقاء خاص علي الإطلاق، لكن الترابي التقي بن لادن مرات قليلة للغاية في مناسبات عامة.
طلاق جناحى الإنقاذ
*الحركات الإسلامية وعلي رأسها جبهة الإنقاذ متهمة بالديكتاتورية وعدم القدرة علي قراءة المشاهد السياسية التي تحيط بها كما هو الحال مع حماس وطالبان، كيف ترى هذه القضية؟..
**المشكلة في تجربة الإنقاذ أن الآخرين فى النظام لم يستوعبوا ما يدعو له الترابي، الذى يؤمن بتداول السلطة، وطرح هذا في قالب إسلامي عرف باسم التوالي السياسي، وهذه الأفكار رفضها قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، وكنا نطرح قضايا متقدمة للغاية حول الحريات العامة، وحرية التعبير، بالإضافة إلي أن حزب المؤتمر الشعبي طرح أفكارا حول عدم المركزية، وإعطاء الولايات سلطات كبيرة تخفف من أعباء الحكم المركزى.
*وهل هذه القضايا كانت السبب في الطلاق بين جناحي الإنقاذ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي؟..
**الخلاف بين المؤتمر الوطني والشعبي كان حول القضايا والأفكار التي طرحها الترابي، وهي لم تكن قضايا فكرية بقدر ما كانت قضايا تتعلق بكل شىء في السودان، وأنا ما زلت أعتقد ان الخلاف كان حول قضايا وليس حول السلطة.
*هل لديكم خطة بديلة للخروج من الوضع الحالي في السودان؟..
**نعم نحن ندعو إلي تشكيل حكومة انتقالية من جميع القوي السياسية تدير الشأن السوداني خلال 6 شهور، وتقوم بالإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، لأن الوضع القائم في السودان غير عادل، لأن الحزب الحاكم يملك الجيش والشرطة والقضاء وبالتالي الانتخابات لن تجرى فى أجواء عادلة.
أزمة دارفور
*ما هي رؤيتكم لحل الأزمة فى دارفور؟..
**حل أزمة دارفور سهل للغاية وغير معقد لأن فصائل دارفور استطاعت أن تتوصل لقواسم مشتركة حول مطالبها من الحكومة في فترة قياسية بينما الجنوب توصل إلي هذه القواسم خلال 50 عاما، ونحن نري أن الاستجابة إلي مطالب الإقليم لن تسبب أى ضرر للسودان، ونحن نوافق علي إعادة توحيد ولايات الإقليم الثلاث في إقليم واحد ، كما نوافق علي تعيين نائب للرئيس من أبناء دارفور، بالإضافة إلي أننا نوافق علي مبدأ التعويض الفردى والجماعي لأبناء دارفور، وكل هذه مطالب عادلة ولن تكلف السودان شيئا.
*البعض لا يفهم موقف الترابي وحزب المؤتمر الشعبي من قضية تسليم البشير إلي المحكمة الجنائية الدولية؟..
**حزب المؤتمر الشعبي لم يصدر بياناً يدعو فيه إلي تسليم الرئيس البشير إلي المحكمة الجنائية الدولية، لكن الأمين العام للحزب حسن الترابي طالب البشير بالدفاع عن نفسه أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد تأكيد البشير أنه برىء من التهم التي وجهتها له المحكمة، وما قلناه في الحزب أن المحكمة الجنائية جزء مهم فى تطور الفكر القانوني الجنائي الإنساني العالمي الذى حاربت البشرية كثيرا فى سبيل الوصول إليه، وهناك دول عربية وأفريقية مشاركة فى تأسيس المحكمة، كما أننا نطالب بتحقيق العدالة لأنها جزء رئيسي فى إنهاء المرارات بين طوائف الشعب السوداني، ولا نمانع فى تشكيل محكمة من القضاة السودانيين والعرب والأفارقة لمحاكمة المتهمين فى جرائم دارفور، ومن يثبت إدانته يدخل السجن، ومن تثبت براءته يرفع رأسه عاليا.


-----------------------------------------------------------------------------


وهنا النص الكامل للحوار الحلقة الاولى


B]مستشار الرئيس السوداني يجيب على أسئلة جمهور "إسلام أون لاين"(1/3)

غازي صلاح الدين:إسلاميو السودان مطالبون بقراءة تجربتهم بعين ناقدة

بمفهومنا الشرعي لم يكن نظام النميري هو الذي يقيم الصلاة

وليد الطيب / 23-05-2009



د.غازي صلاح الدينفي أواخر أبريل المنصرم، قدم موقع "الإسلاميون.نت" دعوة للمهتمين بتجربة العمل الإسلامي للمشاركة في حوار مفتوح مع المفكر الإسلامي د.غازي صلاح الدين العتباني، الذي يشغل في ذات الوقت منصب مستشار الرئيس السوداني عمر البشير، وهاتان الصفتان، تتيحان معرفة شاملة بالتجربة الإسلامية السودانية: معرفة تجمع بين الفكر في تأملاته وتجريداته الكبرى، وبين التجربة والمشاركة في صناعتها وتعاطيه اليومي معها من خلال المناصب المختلفة التي تولاها ضيفنا خلال العشرين عاما الماضية، التي هي عمر تجربة الحركة الإسلامية السودانية في الحكم.
والعشرون عاما هي عمر تجربة غازي صلاح الدين، في العمل السياسي بمعناه الحكومي، وهي عشرون تلت عشرين أخرى أمضاها الدكتور غازي جنديا، ثم قائدا في الحركة الإسلامية السودانية، خاض فيها تجارب مختلفة، بين قيادة نقابة الطلاب بجامعة الخرطوم، والمشاركة في المقاومة المسلحة لنظام الرئيس جعفر النميري (1969-1985). وترجع خصوصية التجربة إلى كونها الأولى التي تصل فيها حركة إسلامية في العالم الإسلامي السني إلى سدة الحكم، وهي تجربة ثرية لا يجوز إهمالها، بل الاعتبار بها، فقد وصلت الحركة الإسلامية السودانية للسلطة في لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي وتدشين النظام العالمي الجديد الذي تنفرد بقيادته الولايات المتحدة، والذي يجعل من الإسلام " العدو الأخضر" البديل للخطر الأحمر المنهار، بالإضافة لمحيط إقليمي معادٍ للتوجهات الإسلامية التي رفعتها التجربة الإسلامية الجديدة، ويبذل كل جهده العسكري والسياسي لوأد هذه التجربة النابتة.

واستولت الحركة على الحكم في الخرطوم في ظرف محلي يعاني من انهيارات داخلية، وتصدعات عسكرية وأمنية، وفشل اقتصادي، وفوضى سياسية تحت مسمى "الديمقراطية الثالثة"، بالإضافة لتعدد إثني وديني وثقافي واسع. ومع ذلك تمكنت الحكومة الجديدة من تجاوز كثير من العقبات، واستطاعت بلورة تجربة جهادية شعبية فريدة، وإحداث نهضة اقتصادية جيدة، كما سعت الحكومة لتأسيس نظام اقتصادي ومصرفي يقوم على الإسلام وصيغه الشرعية.

وفي هذا الحوار استقبلنا عشرات الأسئلة من جمهور موقع (إسلام أون لاين.نت)، وقد انتخبنا باقة منها، وتفضل مشكورا د.غازي صلاح الدين بالإجابة عليها ، رغم كثرة المشاغل، حبا في التواصل مع الإسلاميين، وأولئك الذين هم خارج الصف الإسلامي ويرغبون في حوار جاد حول المشروع الإسلامي أو تقييمه تقييما موضوعيا.

ويقول د.غازي قبل إجابته على الأسئلة: من البدهي، أن إجابتي على أسئلة الجهور الكريم –الذين أتوجه لهم بالشكر الجزيل- ليست تعبيرا عن الحركة الإسلامية بمعنى أنها إجابة مسئول في الحركة الإسلامية السودانية يدافع عنها، بل هي ملاحظات شخص له تجربة في العمل الإسلامي، وله إطلاع على تجربة الحركة الإسلامية السودانية خاصة. ويضيف: المهم بالنسبة لي ليس تقيم تجربة الحركة الإسلامية في السودان، بل استخلاص مؤشرات ودلالات يمكن أن يستفيد منها العاملون في الحقل الإسلامي في أي مكان آخر، وعلى هذا الأساس ستكون الإجابات إن شاء الله.

في المراجعة التاريخية

* ما هو السند الشرعي الذي أسستم عليه خروجكم المسلح على الرئيس النميري في عام 1976م؟

ـ يجب أن نتذكر أن نظام الرئيس النميري جاء في بدايته بوجه شيوعي صرف، وكان هذا كافيا للخروج عليه آنذاك، صحيح أنه عدل فيما بعد وجهته عندما دخل في صدام مع الشيوعيين، ولكنه اصطدم أيضا بالأنصار وبالإخوان المسلمين، وكان هناك إجماع على أن هذا النظام جاء إلى الحكم بطريقة غير شرعية، وحاول أن يطبق نظرية شيوعية في الحكم، وأقام علاقاته مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية على هذا الأساس الأيديولوجي، وبمفهومنا الشرعي ليس هو النظام الذي يقيم الصلاة، فضلا عن ذلك، في عام 1975مبدأ التضييق على العمل الإسلامي، ليس فقط تضييقا على قيادات الإخوان، ولكن على العمل الإسلامي نفسه في كل منابره ورجاله.

والحركة الإسلامية تصورت وقدرت -وقد تكون مخطئة في التصور والتقدير- أن النظام لا يقبل بمعادلة كانت تمضي عليها الأحوال والأوضاع قبل 1975. والحركة لم تكن تسعى لانقلاب على الحكومة، وكانت تتعامل معها كأمر واقع، والحكومة من جانبها كانت تتعامل مع الإخوان على هذا الأساس، ولكن بعد انقلاب حسن حسين في1975، ألصقت الحكومة هذا الانقلاب بالجماعة زورا وبهتانا، بل وألصق بنا نحن طلاب جامعة الخرطوم، واتخذ النظام ما حدث ذريعة لمصادرة مواطن القوى في الحركةالإسلامية، وملاحقة أفرادها وقياداتها، والتضييق على الدعاة في كل البلاد، ومنع الحديث في المساجد. رأت الحركة أن ذلك تعد على حقها في أن تكون موجودة في المجتمع، وأن تتقدم بدعوتها للناس سلما؛ ولذلك أجازت لنفسها التوافق مع القوى السياسية الأخرى للعمل على تغيير النظام، بعد أن انسدت أمامها كل الطرق للتواصل مع المجتمع والنظام.

* ما هو السند الشرعي الذي بررتم به خروجكم على الحاكم في 1989؟

- في عام 1989م، الذي شهد تغييرا سياسيا انتهى بوصول الحركة الإسلامية إلى السلطة بواسطة الجيش، أقول إن السبب المباشر لما حدث هو ما عرف في الأدبيات السياسية السودانية بمذكرة الجيش التي قدمت لرئيس الوزراء في فبراير 1989م، وعلمت الحركة الإسلامية أن بعض القوى ستستخدم المؤسسة العسكرية في حسم الاختلاف السياسي، فقد رضيت الحركة الإسلامية –واسمها الانتخابي الجبهة الإسلامية– بالديمقراطية، وعبرها حققت المرتبة الثالثة في الكتل البرلمانية، وقد كان مركزا متقدما بشهادة الجميع، وشاركت في الحكومة الديمقراطية، إلا إنها مع ذلك أقصيت بتحرك من القوات المسلحة، وهو السبب الثانوي.

أما السبب الرئيس في ظني هو الإحساس بتقدم الحركة المتمردة في جنوب السودان، بعملياتها العسكرية نحو الشمال، مقابل وهن حكومي في مواجهتها، بالإضافة إلى تحرك متزامن للتمرد، كانت القوات المسلحة تشهد تحركات عسكرية لبعض القوى السياسية بداخلها، ويمكن أن نقول إن هناك ثمة صلة بين تحرك التمرد والتحرك داخل القوات المسلحة، مما يؤدي إلى تغيير جذري في النظام، واعتبرت الحركة الإسلامية مذكرة الجيش مؤشرا قويا لهذا الاتجاه، فكان التحرك لتغيير النظام لإنقاذ البلاد، وقد أجازه مجلس شورى الحركة الإسلامية.

قد يكون ما ذكرته، لا يتضمن إشارة لنصوص شرعية فيما سبق، ولكن الخلاف كان في (دالة) إقامة الصلاة، هو المؤشر المتفق عليه شرعا (ما أقاموا فيكم الصلاة) فالحركة الإسلامية كانت ترى أن النظام يمثل حالة من الطغيان، واتجه إلى محاصرة العمل الإسلامي (الدعوة) -خاصة أنه –أي النظام- جاء بوسائل غير متفق عليها أو غير شرعية- إذا تجاوز حدا معينا فهو عندها كمنع الصلاة ويفتقد للشرعية.

وتكتسب الشرعية بسبيلين: الانتخاب، أو من خلال الفكرة التي تطرحها، ويجب في الحالة الثانية أن تكون ملتزما بها وأمينا عليها. ففي 1976 كان هناك اعتقاد أن النظام تجاوز كل الخطوط الحمراء وصادر الدعوة، وفي 1989، كانت هناك عناصر ذات توجهات معادية للتوجه الإسلامي في الجيش توشك أن تنقلب على النظام القائم، فأصبح الانقلاب خيارا راجحا.

* ما هو السند الشرعي الذي اعتمدتم عليه في قتل مدبري انقلاب رمضان 1990، كما نرجو منكم توضيح اللبس والتعارض الظاهر في الأسئلة السابقة؟.

- فيما يتعلق بالضباط الذين أعدموا في 28 رمضان 1990، فقد كان انقلابا على مؤسسة بواسطة عناصر شيوعية أو علمانية، والنظام كان يعتمد بأنه يقوم على فكر إسلامي، ووصل إلى السلطة بالحيثيات التي ذكرت، وقد عدَّ القائمون على الأمر هؤلاء "خوارج" وسرت عليهم الأحكام التي حكمها القضاة يومذاك.

* إذا استدار الزمان، وعاد مؤشر الوقت إلى 1976 أو1989، فهل ترى أن على الحركة الإسلامية أن تسلك ذات الطريق الذي سلكته من واقع تجربتكم؟

- في 1976، أعتقد لو أن الجبهة الوطنية أمهلت النظام، ودخلت معه في حوار، لكانت النتائج أفضل، ولكن الحكومة أغلقت باب الحوار، فلو أن الحكومة فتحت الباب للحوار، ولو أن الجبهة الوطنية المعارضة استجابات لهذه الدعوة لكان الواقع أفضل، ويمكن أن يحدث تغيير متمهل وإصلاح تدريجي في النظام السياسي، ينتهي بوضع ديمقراطي يستوعب فكرة الإسلام، وهذا الذي كان في اعتقادي أن نظام نميري يمضي نحوه؛ لأنه لاحقا استوعب فكرة الإسلام أولا، ولعل هذا التغيير المتدرج نحو الإسلام من خلال تطوير التجربة القائمة أجدى للفكرة الإسلامية، وإحداث تغييرات جوهرية به، وقد ضر الانقطاع المتكرر للتجارب السياسية وتقلبها بين ديمقراطية وحكومة عسكرية في إحداث حالة من عدم استقرار حرمت السودان من تقديم تجربة ناضجة كان مؤهلا لها مقارنة ببقية الدول الإفريقية؛ وذلك لتميز شعبه بقدر مناسب من التعليم والوعي السياسي، وما توفر له إمكانات مادية.




جعفر نميري

أعود فأقول إن ما أشرت إليه من ضرورة استقرار التجارب كان واضحا للإسلاميين وهم يستولون على السلطة بواسطة الجيش في عام 1989م، ولهذا كانت الخطة تقوم على إحداث تغيير يستنقذ البلاد من أن تقع في براثن انقلاب آخر، أو في يد الحركة المتمردة في الجنوب، وكان الانقلاب في وعي مثقفي الحركة الإسلامية أنه استلام للسلطة لأمد محدود، وسيعمل على تغيير الدستور وتأمين البلاد على أن تعود الحياة المدنية إلى طبيعتها خلال عامين أو ثلاثة على أبعد الفروض، ولكن على أسس جديدة ودستور جديد، ولكن لأسباب كثيرة ذلك لم يحدث ومضينا فيما نحن فيه.
مراجعات في التربية

* إذا نظرنا للأجيال الجديدة في الحركة الإسلامية نجد أنهم أقل ما يقال عنهم إنهم ليسوا امتدادا للجيل السابق، وإنما هم مسخ مشوه.. ترى ما هي الأسباب التي أدت لهذا التدهور العقدي والفكري وما هو الحل؟

- أسمع ذلك كثيرا، ولكن دعنا نكون منصفين، صحيح أن الجيل السابق في الحركة الإسلامية له مميزات كثيرة، منها أنه أكثر وعيا سياسيا، ولديه ثقافة متكاملة في الدعوة والعمل التنظيمي، وأكثرا اقترابا من المجتمع، أما الجيل الذي نشأ في عهد الإنقاذ فله تجربة جهادية كبيرة لم تكن لأي جيل من أجيال الحركة الإسلامية السابقة، طبعا الجهاد ليس كافيا، وهو وسيلة ضمن وسائل أخرى في التربية، ربما تكون وسائل التربية المدنية أشد وأقسى من مجرد الاندفاع في العمل الجهادي، فربما تأثر بهذه المسألة وربما لأنه نشأ في ظل واقع والحركة الإسلامية فيه متمكنة ومتسيدة، فلم يمر بمراحل الابتلاء التي مر بها أولئك الذين دخلوا السجون، وقرءوا ودرسوا وجادلوا التيارات الأخرى، وشاركوا في منافسات حرة في الانتخابات الطلابية، والتربية السياسية، والتي فرضت قدرا واسعا من التواصل مع القيادات الفكرية والسياسية بالمجتمع ولهذه التربية المفتوحة الثرية قطعا وقعها في تكوين المرء وتربيته ووعيه.

ولكن إذا قيل لي إن الجيل الحاضر، حاد عن الصواب وترك الصلاة، ستكون هذه مصيبة كبيرة، إن صحت هذه المقولة، فـ(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ومن تركها فقدكفر)". وعلى كل حال، أنا لا أحب التشاؤم فالناس ليسو دائما سيئين، فإن كرهت منهم خلقا رضيت منهم آخرا، وأدعو إلى نظرة أكثر تحليلية موضوعية، حتى نستطيع أن نحدد على وجه الدقة ما الذي نقبله وما الذي نرفضه، وكيف حدث ما حدث. أما اختلاف الأجيال، وعدم رضا الجيل القديم بالجيل الجديد، فهذه مسألة منذ بدء تاريخ الإنسانية وهي ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مكان في العالم، ففي أمريكا الجيل القديم يرى الشباب قد انحرفوا عن قيم المجتمع الأزلية، وكذلك في روسيا وبريطانيا وغيرها من أرض الله، فهذه المسائل تحتاج لمقاربة أكثر دقة وتحليلا.

* مع اقتراب كثير من الحركات الإسلامية في العالم من الوصول إلى السلطة، وضح أن هناك جيل ينشأ في ظل أوضاع جديدة، وهي أوضاع تقتضي ترتيبات ومناهجوأنماط تربوية جديدة، فكيف يمكن تربية هذا الجيل؟.

- في تجربتي الشخصية، فإن الجرعة التي يتلقاها الشخص من العمل العام –وهو معنى أوسع من العمل السياسي- والتحدي الذي يواجهه في المحافظة على التزامه القيمي والشعائري هي أكبر من أي وسيلة تربوية أخرى، من السهل عندي اعتزال العمل العام والمحافظة على الصلوات في المسجد وغيرها من العبادات، ولكن عندما أحافظ على الصلوات في وقتها في هذه المدافعة، وتلك المكابدة، فبلا شك سيكون مردودها على نفسي أضعاف أضعاف شعورك بها وأنت تصليها معتزلا، لو سألتني عن خياري أقول لك على الناس أن ينخرطوا في العمل العام، وأن يحافظوا على تربيتهم، ولا أدري ما وجه الاستحالة في حدوث ذلك حتى يتوهموا فيعتزلوا؟ نحن المسلمون يجب أن يكون رسول صلى الله عليه وسلم حاضرا في مقام الاقتداء عندنا، فهو كان يصلي ويقود الجيش، يصلي وينام، ويقوم الليل ويصوم. وحقيقة فكلما انخرط الواحد منا في العمل العام كلما زادت مقدرته على استيفاء عبادات لا تتأتى إلا في هذا المقام، عبادات قد تكون أقل عددا ولكن ثمرتها أكبر وأكثر بركة منتلك المعتزلات التي تسمى تربوية.

وبنفس القدر ما نسميه التربية الفكرية، فحين تطلع على كتاب فكري فإن استيعابك له مختلف، سواء أكان إسلاميا أو غير ذلك؛ لأن استيعابي وفهمي له أضعاف فهمي له قبل الانخراط في العمل العام، خذ مثلا كتابا يتحدث عن أزمة مقاربة النظرية مع التطبيق العملي في التجربة الماركسية، وهي تجربة بشرية، الوعي بها يكون أكثر مما هي عليه وأنت معتزل، والاستفادة منه في إقامة وتقييم المشروع الإسلامي وتجربته تكون أكبر؛ لأن هناك إشكالات نظرية تحل من خلال التجربة وهناك خلاصات مشتركة بين هذه التجربة والتجربة الإسلامية رغم الاختلاف الكبير بينهما في المنطلقات والمبادئ والأهداف، ومن هذه الخلاصات: هناك اختلاف بين النظرية والتطبيق عند التنزيل العملي للأفكار والنظريات، وهذه الخلاصة يجب أن يعيها كل إسلامي.

ونصيحتي لكل أحد يعمل في المجال العام، سواء أكان إسلاميا أو مهنيا، أن يعمل وأن يتربى خلال العمل، فدعوة القرآن الأساسية والتوجيه السائد هو أن تعمل، وتعرفون قصة الصحابي الذي جاهد في يوم إسلامه، واستشهد وهو لم يصل لله ركعة ولم يصم.. عمل قليلا ووجد كثيرا. وأنا أرى أن فلسفة التربية الإسلامية يجب أن تكون التربية قريبة من وقائع الحياة وغير منعزلة عنها، فالمسلم مدعو إلى أن يصلي ويحج ويزكي وهو يصارع تيارات الحياة العامة.

* ابتعد الإسلاميون كثيرا عن الدور الريادي في الدعوة إلى الله، وانخرطوا في العمل السياسي، وأصبحت الوسائل أهدافا، ومنها الدولة، وتحولت تحديات قادة الحركة الإسلامية من جهاد واستشهاد وتفان إلى حركة صراع سياسي داخل الحركة الإسلامية.. والسؤال.. هل أنتم راضون عن هذا الانتكاس الخطير في مسيرة الحركة الإسلامية؟ وهل سيقتصر دوركم على السرد التاريخي علما بأن التجربة الإسلامية ألقت بنتائج سلبية على الفئات المجتمعية من الشعب، والتي كانت تترقب نجاح الإسلاميون بدلا من انكفائهم في المجتمع وإعلان انهزامهم، لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي شامل؟

-لا أقر أنه انتكاس خطير، صحيح إذا اقتصر دور الإسلاميين على السرد التاريخي، فإن تلك كارثة وإعلان هزيمة، من الضروري استصحاب التجربة التاريخية والاستفادة من دلالاتها، ولذلك كنت أدعو دائما إلى المراجعة النقدية لتجربة الحركة الإسلامية، وقد قمت ببعضها في خاصة أمري. وأعتقد أن تجربة الحركة الإسلامية تجربة ثرية، فهي مليئة بنجاحات مثلما هي مليئة بالأخطاء، كالدولة الأموية أو الدولة العباسية في تاريخنا الإسلامي، فهذه التجارب التاريخية القديمة كان فيها إشراقات في الاهتمام بعلوم الدين والعلوم المعاصرة آنذاك، ولكن كانت هناك سلبيات في الجانب السياسي. والإسلاميون في السودان وفي غيره مطالبون أكثر من غيرهم بقراءة تجربتهم التاريخية بعين ناقدة، بدلا من العقلية المتحيزة، وهو ما يخالف ضرورة أنها تجربة بشرية.

*د.غازي.. هل ترهلت الحركة الإسلامية وأصبحت مرتعا للوصوليين والانتهازيين ممن يقدمون إذا أقبلت السلطة وينفضون إذا أدبرت؟

- حتى لا يصيب المسلمين الإحباط، فهناك سنة كونية في القرآن "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كانتوابا"، فالنصر الأول في العهد النبوي جاء بأصناف كثيرة جدا لم تكن في مستوى الجيل الأول، جيل ما قبل الفتح، فأي نصر ولاسيما إن كان الوصول إلى السلطة سيأتيك بطوائف من هؤلاء، ولكن لا ينبغي أن نفقد الثقة في أنفسنا، وقد ظلت التجارب الإسلامية منذ عهدها الأول تعتمد على ثلة وطليعة ملتزمة، وحولها تجد كل الأشكال والدرجات وفيها المنافق.

أنا لا أدافع عن وجود الانتهازيين، ولكن أقول إن أصحاب الحاجات والأغراض، يهرعون دائما إلى مواطن الغنيمة، وهذا شيء طبيعي ولا يزعجني، ولكن يقلقني إذا أصبحت السمة الغالبة هي الانتهازية، وانعدم من يعملون بإخلاص من أجل الآخرة. ولا أعتقد أن هذا قد حدث في تجربتنا القائمة، بحسب ما أراه في خاصة نفسي، وفي كثير ممن أتعامل معهم، ولا أعتقد الدنيا هي مطلبهم النهائي، رغم أنها قد تناوش أحيانا، ولكن يبقى المقصد، وأظن أن هذا هو السائد.

* الإسلاميون ليسوا ملائكة، يجب أن يسعوا لإقامة الحكم الإسلامي كما أمرهم الله، على أن يتم ذلك بشفافية عالية ومحاسبة المنتمين وأهل الصف، والتشديد في أخطائهمأكثر من الآخرين، فليسوا هم أهل الصواب المطلق في تجربتهم، وليس الآخرون أهل الشر المطلق مهما عظمت أخطاؤهم.. سؤالي للأخ الكريم الدكتور غازي، باعتبار اهتمامي بالعمل التربوي، حول التداخل بين العام والخاص؛ كيفية التوفيق بين نجاح العمل العام والسعي فيه وبذل الجهد، والنجاح الخاص في الحياة، مع ملاحظة أن بعضالإسلاميين يسخرون العمل العام لمصالحهم الخاصة، وهذا قد ظهر في تجربة حكمهم الماثلة؟

- نعم الإسلاميون ليسوا ملائكة، وكان الفهم المستقر عندنا في الحركة الإسلامية أننا جماعة من المسلمين، ولسنا جماعة المسلمين، ولا الجماعة الإسلامية، ولا ندعي أننانحن الفرقة الناجية وحدنا، نحن جماعة من جماعات المسلمين يجمعنا معهم الإسلام الواحد والعقيدة، ولكن لنا منهج ولنا نظرية وتركيز على جوانب معينة مثلما للجماعات الأخرى، فأيما شخص من الإسلاميين أوهم الآخرين بأنه من أهل الصواب المطلق فإنه مخطئ، ولكن أؤكد لك أن معظم الإسلاميين لا يقرون له بذلك.

طبعا وجود بعض الإسلاميين يسخرون العمل العام لمصالحهم الشخصية فهذا وارد جدا، ورسولنا الكريم حينما قال "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فهو يلمح إلى أن من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ لأنه يعلم حالة معينة لرجل هاجر من أجل الزواج بامرأة، وهو صحابي بحسب التعريف العلمي للصحابي، وهو منلقي الرسول صلى الله عليه مسلما ومات على الإسلام، وإن تخللت حياته ردة. إذن أن يكون هناك ناس يحرصون على الدنيا والنجاح الخاص أو تسخير العمل العام لمصالحهم الخاصة.. هذا وارد، وقد يرد من أناس متدينين، لا أقول ذلك تبريرا، ولكن أقول يجب أن نتوقعه ونؤسس الآليات التي تمنع حدوثه، ولكن المهم أيضا إذا رأيناه يحدث ألا نفقد الثقة في أنفسنا وتجربتنا ونقول هذا كله باطل؟

* هل في تجربتكم القائمة هناك آليات لمنع هذا الفساد؟

- طبعا كلمة الفساد تستخدم استخداما واسعا، ولكن إن كنت تعني استغلال السلطة، فهناك نظام للمحاسبة، ولكي أكون صريحا فأنا ما علمت أن النظام تناول حالة بعينهاوصوب عليها وأصدر بحقها أحكاما، ربما بسبب أن الاتهامات التي ترد مبهمة ولا بينة تسندها. ولكن المهم أن نثبت المبدأ، بضرورة وجود هذه المؤسسة؛ لأنه عندما تأتيك الدنيا وأنت في الحكم تكون لك الأبواب مشرعة، وحتى أهل الإيمان قد يطمعون في الدنيا وهذا وارد، لذلك فإن التربية في سياق العمل هي التربية الحقيقية؛ لأن من السهل على أي فقير أن يجلس في المسجد ويقول أنا زاهد، ولكن الزاهد الحقيقي هو من يرى جميع الأبواب مفتوحة ولا يأبه لها.

* هل من متلازمات الخروج للعمل العام أن يتزهد في الدنيا وتكون حياته شظفا؟

- بقدر ما ضحى الإنسان بقدر ما كان قريبا من الناس والجماهير ومخالطتهم.. وأنا شخصيا أرى أن الإسلاميين السودانيين غير منعزلين عن الناس، فهم يشاركونهمأفراحهم وأتراحهم، ولكن من كان في السلطة فإن أوضاعه المادية ستكون أفضل ممن هو خارجها، ولكن أن تستغل السلطة، وتحوز الأموال فهذا لا يصح، ولكني أعرف أيضا أنه قد يكون من بين زملائي من اغتر بالسلطة وتغيير بسبب السلطة واستولى على الأموال، وأوصد الأبواب أمام الناس، وهذا النموذج متوقع حدوثه، ولكن لا أراه كثيرا.

عن اسلام اون لاين
أضف رد جديد