ناس الخرطوم

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáäÕÑ ãÍí ÇáÏíä
مشاركات: 150
اشترك في: الأربعاء مايو 27, 2009 3:20 am

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáäÕÑ ãÍí ÇáÏíä »

و هناك مثال آخر على تصعيد المناقشة من مقام أهل الصفوة الفكرية لمقام أهل النشاط السياسي، و في خاطري مثال التصعيد الذي حصل لسؤال " الهوية الثقافية" من مقام المناقشة الجمالية لمقام المناقشة السياسية الواسعة ، و هو تصعيد يستحق التأنـّي و التأمل،ذلك أن المناقشة السياسية الراهنة حول أسئلة الهوية الثقافية استولت على المتاع الإصطلاحي و المفاهيمي الذي صاغه مبدعون و مثقفون سودانيون تقدموا في دروب مناقشة الهوية منذ أكثر من خمسة عقود.[ و هذه أيضا فولة كبيرة مكيالها بعيد عن متناول اليد حاليا فصبرا]

في انتظار هذه الفولة حتى يتوفر المكيال.صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الصلحي بين سلطة الفنان و فنان السلطة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا سيف النصر محي الدين [ عاشت الأسامي]..
شكرا على القراءة الرشيدة و فولة " الهوية الثقافية" في منظور السياسة السودانية [ و غير السودانية ] تحتاج لأكثر من مكيال و لحزب بحاله من الكيالين المثابرين. و كما ترى فنحن ، كفنانين منتبهين لما يدور في ساحة السياسة، شغالين على فولة الفن و تأثره، و قيل تأثيره ، بعواقب الفعل السياسي، و دا قدرنا.و السياسيون السودانيون [ و غير السودانيين] ناس "ما عندهم قشة مرّة" حين يتعلق الأمر بتكبير الكيمان السياسية، و لا جناح عليهم في ذلك،بس الجناح بيحصل في جهة الفنانين الذين ينخرطون في زفة السياسة بغير بصيرة نقدية[ أو حتى ببصيرة إنتهازية في بعض الأحوال النادرة].و المتأمل في سيرة الفنانين السودانيين من زاوية علاقتهم بالسلطات السياسية يلمس بسهولة أن إشكالية الفن و السياسة في السودان" دبنقة" كبيرة وهشة بالغة التركيب. و تركيبها و تداخل ابعادها يفرض علينا كلنا مراعاة مسافة نقدية حذرة حتى نتمكن من تصعيد علاقة الفنانين و السياسيين من مزالق الإبتذال لمقام الفكر النقـّاد النافع.في ندوة ناس الميدان جرى حديثنا على محوري الفن و السياسة و ثارت أسئلة كثيرة أثرت المناقشة، و أنا أترك للأصدقاء في ملحق الميدان الثقافي مسؤولية تقديم محتوى الندوة للناس.و أكتفي هنا بإيراد نص قديم [2005] حول سؤال الفنان و السلطة كنت قد كتبته للمساهمة في إصدارة جمعية حول أستاذنا الفنان القدير إبراهيم الصلحي.و قد تكرم الأصدقاء في مجلة " الوسيلة" بنشره في عددهم الأخير. و أنا أعرف أن "الوسيلة" تطبع عددا محدودا من النسخ و توزع عددا أقل مما تطبع، و لذلك رأيت إثبات نصي هنا عساه يسهم في توسيع مداخل سؤال الفن و السياسة في السودان.

:::::::::::::


الصلحي.. العدو العاقل
بين فنان السلطة و سلطة الفنان
حسن موسى
2005أغسطس

ثمة تعريف دارج لتكعيبية بيكاسو فحواه أن غاية المشروع التكعيبي عنده هي عرض الحقيقة من كافة وجوهها في نفس الوقت، و ذلك في معنى أن الرسام يرسم حجما مكعبا بطريقة تمكن المشاهد من رؤية أوجه المكعب الستة على مسطح اللوحة.و قد انتفع النقاد بهذا المفهوم في تفسير تكعيبية بيكاسو كـاحتمال في الواقعية، و برّروا عليه بعض لقيّات بيكاسو الايقونوغرافية الشهيرة كرسم عينين على الوجه الماثل على وضعية البروفيل أو رسم التداخل في صور الأجسام التي تفقد كثافة المادة و تبدو كما لو كانت تشفّ عن ما خلفها.
و بدا لي ، و أنا أتهيأ لرسم صورة أدبية لـ " أستاذنا" الفنان ابراهيم الصلحي، أن أفضل طريقة لتقديم الصلحي هي رسم صورة "تكعيبية " تضيء الأوجه المتعددة لحضوره الابداعي المركب. والكلام عن تجربة أستاذنا الفنان ابراهيم الصلحي في حدود المقالة أمر عسير كون هذه التجربة الغنية الممتدة لأكثر من سبعة عقود تتجاوز سعة الكلمات، و ذلك لأن الصلحي ، من جهة أولى ، كشخص أفريقي من السودان،قد عبَر أزمنة و أمكنة القرن العشرين بانتباه كبير لأحداثها و مؤشراتها التاريخية الكبيرة،و انتباه الصلحي لأحداث و مؤشرات القرن العشرين أثّر عليه و على انتاجه الفني بقدرما جعل منه فنانا مِؤثرا في المشهد الافريقي للحداثة.
و من جهة أخرى فالصلحي، كفنان تشكيلي غير أوروبي، يعتبر تجسيدا حيا لصيرورة ما يتعارف الناس عليه اليوم بـ " الفن الافريقي المعاصر ".و عليه فقد استقر عزمي على معالجة صورة "استاذنا" من مداخل متعددة متداخلة تصون تعدد وجوهه الاجتماعية و الفنية و تراعي تداخل شؤوننا الجمالية و السياسية و الشخصية. هذه "الصورة الادبية التكعيبية" هي ،بطريقة غير مباشرة، صورة شخصية لي و لعدد من الفنانين السودانيين من أبناء و بنات جيلي ، بقدر ما هي صورة للصلحي، كوننا نعد الرجل بين فنانين مهمين نفعونا بتجربتهم الغنية علي درب الابداع .


قدّمت الصلحي بصفة" استاذنا"، بضمير الجماعة، رغما عن كوني شخصيا لم أتشرّف بتلقي الدروس على يد الصلحي، أيام كان يعلم الرسم في كلية الفنون بالخرطوم.ذلك أنني وصلت كلية الفنون في 1970 بعد أن كان الصلحي قد غادرها قبل عام لانجلترا.لكني ، و الحق يقال ، تعلمت الكثير من أستاذنا من جراء التأمل في تجربته الوجودية الغنية المتنوعة.
أقول تعلمت من الصلحي كيف يقف الفنان الحديث ، كممثل لذات ثقافية جديدة ذات سيادة، ، من بقية الفرقاء الثقافيين ضمن مشهد المجتمع المعاصر.فهذا رجل مسلم راشد يمشي في الاسواق في هذه الهيئة الجديدة، هيئة الفنان التشكيلي، و يقبله أهل الطبقة الوسطى العربسلامية ، بل و يجلّونه اجلالا ظاهرا كـ "فنان" ، رغم أن صورة" الفنان" في ذاكرة المجتمع الحضري الحديث ظلت متأثرة سلبيا بأنواع الغموض الموروث من فولكلور الرومانسية البوهيمية الاوروبية التي يلخصها القول الشعبي الشائع : "الفنون جنون". مثلما ظلت متأثرة سلبيا بمثال الصعلوك الحضري " الصايع" الذي لازم فناني الغناء و الموسيقى في حواضر السودان لعقود. و اذا أضفت لهذه التأثيرات السلبية ريبة المسلمين و توجسهم الديني من عواقب الصورة البصرية، و ما تحفظه الذاكرة الدينية من وعيد بعذاب رهيب للمصورين في يوم القيامة، فيمكنك أن تتصور المسافة الطويلة التي قطعها الصلحي و جمهوره ،و الجهد الكبير غير المنظور الذي كابده الجميع بسبيل تقعيد صورة الفنان الحديث و قبول وضعيتة المادية و المعنوية كوضعية اجتماعية تشرّف أهل الطبقة الوسطى المدينية العربسلامية.(1) فالصلحي هو من طليعة جيل "الفنانين الدارسين"، الذين يمتهنون الفن بشكل رسمي و مقبول، ضمن المشهد الاجتماعي. و حين أقول " الفنانين الدارسين " فقولي يحفظ مجد الفنانين العصاميين الذين سبقوا جيل "الدارسين" على دروب مغامرة التشكيل الحديث في السودان،و أعني الفنانين من رهط علي عثمان و أحمد سالم و عيون كديس و العريفي الأب و جحا و غيرهم من جنود التشكيل العصامي المجهولين، الذين كانوا ـ و ما زالوا ـ يكسبون عيشهم من بيع نتاجهم الفني على منطق سوق الصنايعية و الحرفيين الشعبيين.
ان القبول الاجتماعي الذي لقيه الفنانون من خريجي المؤسسات التعليمية العليا، ممن ينتمون الى الشريحة الحديثة الميسورة الحال من أبناء الطبقة الوسطى المدينية، انما تم ضمن سياق تاريخي فرض على الفنانين أن يقوموا بتعريف طبيعة دورهم الاجتماعي ضمن المرحلة التاريخية الجديدة التي أعقبت نهاية الاستعمار في 1956 .و قد استشعر الفنانون من جيل الصلحي ما ينتظره منهم المجتمع السوداني الحديث المتخلـّق على خلفية الشتات المادي و المعنوي وعلى واقع التناقضات السياسية و الثقافية التي عبّرت عن نفسها في شكل الحرب الاهلية في جنوب السودان منذ 1955.أقول : استشعر الفنانون ـ ضمن غيرهم من أعضاء صفوة الحواضر ـ حاجة المجتمع الجديد الى بناء وحدة وطنية سودانية تصون تماسك وطن الاشتات العرقية و الثقافية و الجغرافية الموروث من المستعمرين.و كان من الطبيعي أن يقوم أبناء الطبقة الوسطى العربسلامية بصياغة مشروع الخلاص الوطني ضمن سعة المواعين الثقافية لأيديولوجيا الطبقة الوسطى العربسلامية و بالاستفادة من أداتها الرئيسية: الدولة الحديثة و مؤسساتها.و قد حظيت المؤسسة التعليمية الرسمية بدعم الدولة المتصل باعتبارها أحد أهم أدوات تحديث المجتمع التقليدي و دمجه في حداثة السوق الراسمالي.و ضمن هذا الافق اعتنت الدولة السودانية المستقلة بكلية الفنون ضمن اعتناءها بمؤسسات التعليم الحديث الاخرى باعتبارها تمثل حيزا آيديولوجيا ضروريا لتقعيد فكرة الحداثة في ثقافة المجتمع السوداني الوليد. و غني عن القول أن فكرة الحداثة التي تبنتها الدولة السودانية تتطابق قلبا و قالبا مع الزعم الاوروبي الذي يفترض صيرورة وضعية للتقدم المادي و الروحي نحو يوتوبيا السعادة في مجتمع السوق و الوفرة الاستهلاكية.و قد لعبت كلية الفنون منذ سنوات تأسيسها الأولى في " مدرسة التصميم " على يد الاداري البريطاني الرسام " جان بيير غرينلو" (" القانون الاخضر" حسب عبارة تلميذه ابراهيم الصلحي)، دورا نوعيا مهما، كمختبر مفيد لتوطين مفهوم" الخصوصية الثقافية السودانية" وسط المتعلمين.و اهتمام " غرينلو" الاداري البريطاني بالخصوصية الثقافية السودانية يمكن فهمه ضمن استراتيجية سياسية للادارة البريطانية في السودان ، فحواها دعم التيارات السودانية تحت شعار " السودان للسودانيين" الذي رفعته الادارة البريطانية لتعبئة بعض القوى السياسية السودانية ضد الشريك الاضعف في دولة الحكم الثنائي: مصر، و ضد القوى السياسية السودانية التي كانت تحبذ " وحدة وادي النيل" مع مصر بعد استقلال السودان.
و" الخصوصية الثقافية السودانية " مفهوم سياسي فحواه اكساب حداثة واقع الالحاق لبنى السوق نكهة محلية مميزة، نكهة سودانية.وقد عرف عن " غرينلو" حماسه الكبير لتأسيس مناهج تربية فنية سودانية تستلهم قيم الاسلام و الافرقة في السودان.
ضمن هذا الشروط سعى الصلحي الأستاذ ـ في معية عدد من التشكيليين من أبناء جيله و تلاميذهم في كلية الفنون ـ الى تأسيس نوع من" اطار آيديولوجي" للفن السوداني على أساس فكرة " التمازج الثقافي" أو " الهجنة " بين المكونات الثقافية العربسلامية و المكونات الثقافية الأفريقية السابقة على العروبة و الاسلام. و قد ترجم الصلحي و رفاقه مباديء فن الهجنة على الصعيد العملي بمباحث آيقونوغرافية في بعض أشكال الموروث الشعبي فيما أسماه مزج الخط العربي بالزخارف الأفريقية لاستنباط مفردات تشكيلية من واقع حياة السودانيين. و كان عاقبة هذه المباحث الايقونوغرافية و الجمالية التي ابتدرها صلحي أن نفر من رفاقه و تلاميذه في كلية الفنون انخرطوا في الممارسة التشكيلية على خطى الصلحي بدون تحفّظ نقدي بالنسبة لاشكالية التراث الثقافي السوداني كما طرحها الصلحي . و ربما كان تفسير انخراط التابعين في مباحث الهجنة الايقونوغرافية السودانوية ، بدون نقد، يتفسر بالنجاح العالمي لعمل صلحي في اطار بعض مؤسسات الرعاية العالمية المهتمة بالثقافة الأفريقية المعاصرة ، و النجاح المحلي لفكرة فن الهجنة السودانوية لدى النخبة السياسية المحلية . و هكذا تضامنت عناصر النجاح العالمي و الحاجة السياسية المحلية بشكل عفوي ساهم في تثبيت تيار الصلحي و رفاقه و تلاميذه كفن سوداني قوامه الهجنة العربية الافريقية. و قد تم ذلك التحول ضمن سياق سياسي سوّغ لسودانيي الطبقة الوسطى أن يعتبروا السودان كـ "بوتقة "لأعراق أفريقيا أو كـ "جسر" بين أفريقيا و العالم العربي. و فكرة السودان كـ "بوتقة"أو كـ "جسر" أو كـ " وسيط" بين أفريقيا العربية و أفريقيا الزنجية كانت فكرة رائجة في أدبيات الهوية التي أنتجها مثقفو الطبقة الوسطى العربسلامية بعد الاستقلال.
و منظرو الهوية السودانية الذين يموضعون السودانيين في موقع الوسيط، الحكم بين افريقيا العربية و أفريقيا الزنجية، انما ينطلقون من فرضية سياسية قوامها وحدة القارة الافريقية بشقيها العربي شمال الصحراء و الافريقي جنوبها (3). و هي فرضية اعتباطية يكذبها الواقع التاريخي و الجغرافي و السوسيولوجي للمجتمعات التي تتقاسم الارض الافريقية،فالصحراء لم تكن يوما حاجزا أو خندقا يفصل بين الافارقة بل هي أرض مأهولة أهلها يتحركون في كافة الاتجاهات و يتداخلون مع جيرانهم على كل المستويات. كما أن البحار التي تحد أرض أفريقيا شرقا و شمالا لم تكن أبدا حواجز طبيعية، و انما كانت و ما زالت جسورا مطروقة للتبادل بين أهل القارة وجيرانهم الأسيويين و الأوروبيين.و حين أقول أن مفهوم الوحدة الافريقية كقدر مكتوب على الافارقة انما يعبر عن فرضية سياسية، فهذا التحليل يتجاوز رهط المثقفين السودانويين ليجد جذوره في أدبيات الفكر السياسي الافريقاني الاوروبي.و هو فكر تعود على رؤية أفريقيا ككيان اسطوري خارج التاريخ (4).
واختزال مشكلات القارة لمستوى التعارض بين مكوناتها العرقية يسوّغ للكثيرين تجنب مشكلات الواقع الجيو بوليتيكي للقارة. فالسودان ليس سوى واحد من بين هذه المجتمعات التي تؤلف، ضمن مجال الهيمنة الاستعمارية،كيانا اقتصاديا ناتجا عن أسلوب الانتاج الرأسمالي و مستبعدا ، في الوقت نفسه، من الاستفادة من ثمار التقدم الرأسمالي.(5) .
و اذا طمح هذا السودان المتعدد المتنوع ـ فيما وراء الثنائية الفقيرة الكاذبة للعرب و الافارقة ـ أذا طمح هذا السودان يوما الىدور الريادة في بناء القارة الافريقية فعليه أن يجتاز عقبات التخلف و سوء التنمية أولا.)

و حين أطلق الفنان البريطاني ذو الاصل الغوياني( غويانا البريطانية) " دنيس وليامز"، الذي كان يعمل في كلية الفنون في الخرطوم في مطلع الستينات ،على تيار فن الهجنة اسم " مدرسة الخرطوم" لاقت الفكرة قبولا فوريا من الجميع،(6).
و ذلك رغم أن أعضاء هذه الـ " مدرسة" لم يجتمعوا أبدا للتفاكر في الاشكاليات الاجتماعية و المفاهيم الجمالية الرئيسية التي تجعل منهم كيانا فنيا يسوّغ فكرة المدرسة الفنية.و كل الأدب النقدي الذي ساهم في تعريف الموجهات الاساسية لتيار الفن السوداني في الستينات لم يتجاوز بضعة تصريحات صحفية للفنانين أو مقالات كتبها فنانون و بحاث مثل الدكتور أحمد الزين صغيرون و أحمد الطيب زين العابدين
( 7) .و لعل ندرة الادب النقدي الذي كان يفترض فيه مصاحبة النتاج الفني لمدرسة الخرطوم ، تتفسر بكون معظم الفنانين الذين انخرطوا في عرض " مدرسة الخرطوم" انما كانوا من أصدقاء الصلحي و زملاءه كأحمد شبرين و كمالا اسحق و مبارك بلال أو من تلاميذه في كلية الفنون كأحمد عبد العال و ابراهيم العوام و موسى الخليفة . و قد جاء انخراطهم في مغامرة " مدرسة الخرطوم" كنوع من المؤازرة العفوية لمشروع فني وطني.و قد لاقت فكرة وطن الهجنة العرقية الثقافية رواجا كبيرا وسط صفوة الطبقة الوسطى العربسلامية فظهر بين الأدباء من طرحوا فكرة أدب الهجنة الآفروعروبية، في منتصف الستينات، على زعم أن الأدب السوداني يتميز عن أدب العرب الآخرين بـ "الدم الافريقي" الذي يتخلل أساليبه البلاغية السودانية (8) .
و لعل أفضل تجسيد لتيار أدب الهجنة في السودان كان يتمثل في ما عرف بـ " مدرسة الغابة و الصحراء " التي سندها، بانتاجهم الشعري و بتنظيرهم، شعراء مهمين مثل محمد عبد الحي و المحمد المكي ابراهيم و النور عثمان أبكر.و على أثر تجربتي" مدرسة الخرطوم" و" مدرسة الغابة و الصحراء" عرفت نهاية الستينات و بداية السبعينات مباحث و نقاشات في موضوع جمالية التمازج العربي الافريقي في مجالات الثقافة السودانية المتنوعة. و هي فترة بدأ فيها النقاش ، في الصحف السودانية ، حول موضوعات خصوصية" الموسيقى السودانية" بين التأثيرات العربية و الافريقية ،(9)، و في خصوصية" المسرح السوداني" بين التقليد الاوروبي الحديث و الموروثات الطقوسية الافريقية . لغاية خصوصية " الاسلام السوداني" كدين منقّح و مهجن بمعطيات المعتقدات الافريقية. و الصلحي على قناعة كبيرة بموضوعة الاسلام السوداني فيما عبر عنه في حديثه لأولي باير في حوار بمناسبة معرض الصلحي في بايرويت عام 1983 :
« .. Islam has always taken elements from local cultures. Lots of little customs, which could be described as paganism have been carried on socially and been incorporated into the lives of Muslim people.Many of the rituals we perform at weddings or circumcision are very old; certainly pre-islamic.” (10)

أخلص من كل هذه المقدمة الى أن الصلحي لعب دورا مهما في تقعيد صورة للفنان الحديث تتجاوز مقام المصور مزخرف المتاع و المكان الى مقام الفنان المهموم بحال المجتمع الحديث الذي يعيش فيه و بمصير الوجود من حيث هو كموضوع للممارسة الجمالية.و قد كان هذا أول درس وعيناه عن الصلحي.

قلت أنني ـ مثل كثيرين من أبناء و بنات جيلي ـ تعلمت من صلحي كيف يكون الفنان التشكيلي الحديث ضمن المشهد الاجتماعي.و رغم أننا لم نتبع الخيارات الجمالية و السياسية للصلحي، فقد ساعدتنا تجربة الصلحي، كفنان مهموم بمصير مجتمعه، في تطوير مفاهيمنا حول دور الفن الاجتماعي في بلد كالسودان، و ذلك من واقع المفاكرة النقدية حول أطروحات الصلحي الجمالية و السياسية. و أذكر انني حين وصلت لكلية الفنون بالخرطوم في 1970 ، كانت مفاهيم" الفن السوداني" التي طرحها الصلحي منذ بداية الستينات ، تحت مظلة " مدرسة الخرطوم"، ، قد تثبّتت في شكل مباديء أكاديمية نهائية يتضامن على صيانتها الجميع، في كلية الفنون و في خارج كلية الفنون ، و على صعيد الصفوة الثقافية و السياسية السودانية، أو حتى خارج السودان في الاوساط الاوروبية و الامريكية المهتمة بالفن الافريقي. و قد لا حظت ـ مع آخرين ـ غياب المنهج النقدي في البنية المفهومية و التشكيلية لمشروع " مدرسة الخرطوم" . فالمشروع يدعو الفنان السوداني لتأسيس نسخة سودانية للحداثة الفنية من خلال تهجين " التقليدي"( تقرأ :الشرقي) بـ" الحديث"( تقرأ : الغربي)، و ذلك على زعم يموضع الفنان المعاصر في موضع الحَكَم الذي يستعلى على التاريخ و يفصل بين النقيضين: الشرق التقليدي و الغرب الحديث.و على منطق التهجين يطرح " الخرطوميون" سلسلة من الاختزالات الجائرة في حق التركيب الكبير للظاهرة الجمالية المعاصرة في السودان، و ذلك حين يطرحون تمثلاتها البصرية في حدود الايقونوغرافيا الموروثة من التقليد العربي مختزلا لاحتمال فن الخط العربي و التقليد الافريقي مختزلا لاحتمال الزخرفة البدائية.و فكرة التهجين العربي الافريقي في أفق" مدرسة الخرطوم" بدت لنا فكرة مريبة لأكثر من سبب:
فمن جهة أولى بدا لنا أن فكرة الهجنة العرقية العربية الافريقية لا تنجو من شبهة العرقية السعيدة التي تتصور امكانية وجود أعراق عربية و افريقية خالصة النقاء في مكان ما، و ذلك فضلا عن كون فكرة الهجنة العرقية العربية الافريقية تنطوي على تصنيف عرقي استبعادي يستثني عرب القارة الافريقية من صفة الافرقة ، كما لو كانت الافرقة تقتصر على المجموعات الزنجية السوداء التي سكنت الأرض الافريقية قبل الآخرين.
و من جهة أخرى ،ففكرة الهجنة الثقافية العربية الافريقية تفترض للثقافة ، عربية أو أفريقية ، وجودا خالصا منزها عن الشوائب بما يؤهلها لانتاج الهجين بمجرد تمازجها مع ثقافة خالصة مغايرة.ناهيك عن كون اغلاق التنوع الثقافي للسودانيين في ثنائية العروبة و الأفرقة يفقر الثقافة السودانية و يعزلها عن جملة التأثيرات الثقافية الأخرى الموجودة خارج ثنائية العروبة و الافرقة، سواء كانت تأثيرات ثقافية قديمة أو تأثيرات ثقافية معاصرة.
قلت أن تجربة الصلحي ، بوصفه كمؤسس لمفهوم فن الهجنة الأفريقية العربية، ساعدتنا في تطوير مفاهيمنا الجمالية من حيث كونها مثلت بالنسبة لنا نوعا من مثال حي و يومي لتخلّقات العلاقة بين الفن و الايديولوجيا، و هو مثال كان يطرح علينا جملة من الاسئلة الاجابة عليها لا تكون بغير مشروع نقدي اجتماعي متكامل يتجاوز الحدود الجغرافية لاقليم الفن التشكيلي.و على مسند تجربة الصلحي اتيح لنا أن نطور من أدواتنا النقدية و مفاهيمنا الجمالية على الصعيدين النظري و العملي.بالذات حول أسئلة " دور الفنان الاجتماعي" و " الهوية الثقافية" و العلاقة بين " الممارسة النظرية و الممارسة العملية للتشكيل".و هي اسئلة معاصرة، كان الأوروبيون، و مازالوا، يطرحونها على انفسهم كلما قابلوا احدى تعبيرات الفن المعاصر غير الاوروبي.أذكر حين وصلنا فرنسا في نهاية السبعينات كنا ، صديقي الفنان عبدالله بشير بولا و شخصي، نعمل في مباحث جامعية تحت اشراف البروفسور" جان لود" أستاذ دراسات تاريخ الفن الافريقي في السوربون .كان بولا قد بدأ أطروحة الدكتوراه حول اشكالية" الفن و الهوية الثقافية في السودان"(11) بينما كنت أنا أتابع بحثي لنيل دبلوم " ميتريز" في موضوع "مؤسسات رعاية الفن المعاصر في السودان"(12) . و كان البروفسور " لود" يعبر عن دهشته، أزاء المداخل النقدية الجيوسياسية التي كنا نقارب بها موضوعات الفن المعاصر الأفريقي، و يتساءل: من أين لكم بمثل هذه الافكار ؟ و تساؤله كان يعبر عن فضول علمي كبير تجاه الشروط التي كونتنا كفنانين و كبحّات وافدين من القارة التي أفنى الرجل عمره في تفحص فنونها.في حينها كنا نحن ، من مشهدنا، نستغرب دهشة العالم الجليل و تساؤله المحيّر.فقد كان موقفنا يبدو لنا أمرا طبيعيا في سياق تجربتنا السودانية.
ولو كان الله قد مد في عمر الرجل حتى هذه اللحظة لكنت أجبته بـأننا توصلنا لبناء معظم مفاهيمنا النقدية في موضوعات الفن و الهوية من واقع معالجةالاشكالية المركبة التي طرحتها علينا مساهمة"أستاذنا" الصلحي في السودان.عسى أن يكون في قولي شيء من الانصاف للصلحي و لنا.


و في تحليل نهائي ما، أظن أن بين أهم الدروس التي تعلمناها من خلال الحوار مع الصلحي، كان هو درس مشروعية الخصومة الفكرية. و هو يتلخص في أهمية قبول الخصومة الفكرية و تأسيسها كأمر ضروري للمفاكرة النافعة و للتفتح الخلاق أمام الفنانين المهمومين بقضايا مجتمعهم المصيرية.و في هذا المشهد كان كثير من المراقبين و المتابعين للمناقشة التي دارت في السبعينات على صفحات الجرائد و المجلات السودانية يعبرون عن قلقهم من العنف الأدبي الظاهر الذي طبع المناقشة حول قضايا الفن و التراث في السودان و اشكالية الهوية الثقافية الوطنية.و رغم أن الصلحي تمكن ، على مستوى التنظير و على مستوى الممارسة، من أن يحفظ لنفسه موقفا وسطا بين مجموعتنا و بين رفاق دربه و تلاميذه السابقين في "مدرسة الخرطوم"، الا أنه كان يرى بُعد الحيوية الفكرية في عنف الجدال أكثر مما يرى بعد الاذى المجاني.و ما زلت أذكر تضامنه العلني مع مجموعتنا في منتصف السبعينات، في خصوص النقد الذي كنا نوجهه لكلية الفنون كمؤسسة تعليمية قاصرة عن أداء مهمتها التربوية.(13) .و رغم أننا لم نكسب الصلحي بالكلية في معسكرنا تلك الايام، الا ان تزكية الصلحي لبعض نقدنا كانت مفيدة كونها اضمرت الاعتراف بمشروعية الخصومة الفكرية و ان عبّرت عن نفسها في لغة عنيفة، سيّما و صلحي منتصف السبعينات كان قد استقر في المشهد الثقافي و الاعلامي المحلي كمرجع ثقافي كبير، بفضل موقعه الوظيفي المهم في وزارة الثقافة و الاعلام، و بفضل شعبيته الواسعة من خلال برنامجه التلفيزيوني الشهير " بيت الجاك"، و أيضا بفضا الاحترام الذي يتمتع به في أوساط المثقفين السودانيين خارج فضاء الفن التشكيلي.




في هذا المنظور كان" استاذنا" ابراهيم الصلحي بالنسبة لنا معلّم من نوع مختلف.معلم معارض يقبل مبدأ معارضة الفكرة بالفكرة ، بل و يفرح به فرحا ظاهرا.هذا المعلم المعارض هو أيضا فنان يحمل مشروعه الجمالي التربوي هما حياتيا يستغرقه و يستبد بملكاته الروحية و المادية كلها.هذا المعلم الذي يعز قناعاته الفكرية أيما اعزاز، تنطوي دخيلته على نوع من تحسّب ديني صوفي يعصمه من الركون لسلامة منطقه بشكل نهائي.فهو يجادلك الحجة بالحجة في مسائل الرسم و الآيديولوجيا دون أن يغفل لحظة من تأمين حججه بجملة من أدب الحكمة الصوفية الشعبية من نوع " الكمال لله وحده" أو " الله أعلم" و " ان شاء الله " أو " استغفر الله" و" كل من عليها فان " و " الدنيا كم كبّت و كم بتكب "و " الرجوع الى الحق فضيلة"(14) ، كما لو كان يرسم لنفسه خطوط رجعة تلقائية أو كمن يحفظ لنفسه هامش تحفّظ يمكنه من الوقوف على مسافة آمنة من انمساخ القناعات التي يبني عليها مشاريعه الفنية و الفكرية.و التصاق الصلحي المتحفّظ بقناعاته، ظل يلهمه انتباها مستديما للصوت المعارض لأفكاره . و قد كان لي ـ بين آخرين ـ كـ عبدالله بشيربولا و هاشم صالح و فتح الرحمن باردوس و عبد الله محمد الطيب و علاء الجزولي و صلاح حسن عبدالله و الباقر موسى و كوثر ابراهيم و أحمد البشير الماحي و عمر الامين .. ـ شرف اسماع الصلحي صوتا ناقدا معارضا لمشروعه الجمالي و لمشروعه السياسي(15). و كم كانت دهشتنا كبيرة من الاستجابة الذكية التي قابل بها أستاذنا نقدنا لمواقفه الجمالية و السياسية.أقول كانت دهشتنا كبيرة لأن خبرتنا في الحوار الفكري النقدي مع استجابات بعض رواد الفن في السودان كانت سلبية جدا.فبعض محاورينا من أنصار" مدرسة الخرطوم" لم يكن يتردد في اتهامنا بالتنكر للتراث الوطني و الاغتراب الفكري و عبادة القيم الثقافية الغربية المستوردة، لغاية تُهَم الامتثال للقوى الاجنبية. و هي أوصاف كانت تترجم في قاموس البوليس السياسي، أبان سبعينات ديكتاتورية نميري، في معاني الخيانة للوطن و التآمر مع الحزب الشيوعي السوداني المحظور.
قلت ان استجابة الصلحي لأسئلتنا استجابة ذكية، كون الصلحي يقبل كل الاسئلة ـ بلا استثناء ـ و يسمعها ويرد عليها في جدية كبيرة. و هو في هذا المشهد قمين بكل أنواع الاستدراك لتصحيح وجوه الخطأ بسرعة و بلباقة ، اذا تبين له أن ثمة خلل ما في طرحه . و المناقشة مع صلحي ممتعة كون الصلحي لا يتردد في أن يصحح نفسه في أي لحظة من مسار المناقشة، من أجل احكام طروحاته و تدعيمها.و ربما كانت هذه الطريقة في المناقشة أقرب لأسلوب الصلحي الرسام الذي يستأنف العمل على نفس الصورة ، محوا و تعديلا و اضافة بلا نهاية،، دون أن يغمض له جفن عن تشعبها و تركيب و جوهها المتزايد، بغاية احكام الحاصل البصري النهائي.و أظن أن الاستدراك مبدأ أصيل في منهج الصلحي التشكيلي، كونه قلّما يكتفي بالدفقة الاولى العفوية، و يفضل عليها المعاودة و و المراجعة و " الحك"، بغاية دفع المعالجة الشكلية لأقصى درجات التجويد في حاصل الصورة النهائي. و أظن ثانيا أن الصورة في خاطر الصلحي انما تنطرح كـ " حاصل نهائي" يصل اليه الفنان كفاحا و لا يبلغه الا حين تنتفي المسافة بين صورة الفكرة في الخاطر و صورتها على المسند المادي.بل أن الصلحي قمين بدمج الصورتين، أعني صورة الخاطر و صورة المسند المادي، في صورة واحدة تلغي الفرق النوعي بين طبيعة وجود الفكرة و طبيعة وجود العلامة المادية.و في أحاديث الصلحي عن تجربته البصرية حكايات و أحاجي مدهشة عن تداخل الخيال و الواقع.فهو يملك أن يرى مشاهد غريبة أشبه بالاحلام ، غير أنه يراها ضمن واقع الحياة اليومية ، مثل رؤيته للأموات ، كما يقول في حواره مع أولي باير(16):
« ..I used to see the dead.I saw my nephew three days after he had died « .. »I used to see “..” a man galloping on a hourse, coming in by one window and going out by the next. I had never told anybody about it.”
و أفضل حكايات الصلحي عن تداخل صور الواقع مع صور الخيال هي تلك الحكاية التي حكاها لأولي باير في حوار 1983 المطول الذي صاحب معرض الصلحي في بايرويت.ففي هذه الحكاية يحكي الصلحي أنه فوجي بأن أحد الاشكال التي رسمها في لوحة له في الخرطوم صار يتحرك كما الكائن الحي. و بعدها بسنوات وجد الصلحي نفس الشكل في" متحف الفن البدائي بنيويورك"(17)
« And when I saw that drawing I could recognise my own work ! I found that I had done that thing myself.Yet the little piece of paper underneath it said that it came from the ancient Paraka culture of Peru..”
كل هذا يجعل من الصلحي استثناءا بين أبناء جيله، كونه الوحيد، تقريبا، الذي ما يزال يطور من مقولاته الجمالية و السياسية عبر انخراطه في المناقشة الكبيرة في موضوع الفن و الهوية على الصعيد المحلي في السودان أو على الصعيد العالمي في فضاء الفن الافريقي المعاصر.(18)
و قدرة الصلحي على تجاوز قناعاته النظرية التي يؤطر بها ممارسته العملية شيء يستحق التأمل كونه يؤشر على أولوية الممارسة العملية على التنظير في خاطر الرجل.و لا عجب ، فالصلحي في نهاية التحليل رسام ممارس كتب عليه، تحت شروط جيوبوليتيك الفن السوداني ، أن يضطلع بالمساهمة في الجهد الآيديولوجي الوطني بتأسيس جمالية للطبقة الوسطى العربسلامية في السودان.ففي الستينات كانت أعمال الصلحي تبدو كما لو كانت بيانا بصريا ( مانيفست ) لمقولاته النظرية.ذلك أن تصاوير الصلحي كانت تنبني على حضور الخط العربي وطراز الزخارف الهندسية المزعومة أفريقية مع تنويعات لونية تتراوح بين الرمادي والأسود و البني باعتبارها" ألوان أرضنا"أو " ألوان السودان"، كما كان يحلو للصلحي وغيره أن يرددوا.
« ..as sudanese individual coming from the Sudan « .. » I find the colour in it particularly looks very much like our earth, and maybe that ‘s why I feel it’s Sudanese”(19)
لكن هذا التصريح الذي يداهن العواطف الوطنية للجمهور السوداني ، و الذي تكذبه الجغرافيا الطبيعية للسودان، يصبح سجنا حين يستنفذ الصلحي التشكيلي مباحث الألوان الترابية و يبدأ في التطلع لآفاق ابداعية جديدة. و في الواقع فقد هجر الصلحي" ألوان الوطن" مع منتصف السبعينات، وقادته غريزة التشكيلي الباحث نحو تنويعات لونية جديدة بالحبرو ألوان الفلوماستر الزاهية القوية، و البعيدة كل البعد عن أنواع البني و الرمادي و الاسود التي صارت نوعا من " ماركة مسجلة" عند حراس" مدرسة الخرطوم". في تلك الفترة اهتم الصلحي بطراز رسومات تقليد" التانترا" الهندية بعد مشاهدته لمعرض أعمال التانترا في غاليري هايوارد بلندن كما قال في حواره مع أولي باير في 1983:
« I was very excited when I saw the big Tantra exhibition at the Hayward Gallery in London « .. » I found it a highly balanced form of painting “..” I think it liberates you, it lets you meditate. I always meant to have painting as a platform for meditation.”..” and that is what I found in the Mandalas, particularly with the designs where the lines open up: with an entrance to them.it takes you in and you feel very much at ease with yourself” (P. 38)
و على درب التانترا " تحرر" الصلحي من أثقال" مدرسة الخرطوم" الاسلوبية نحو مباحث تشكيلية جديدة. و بين الثمانينات و التسعينات يهجر الصلحي الالوان ليتابع تجارب الرسم بالابيض و الاسود، كما في اعمال الحبر على الورق التي نشرتها في اضبارة تصاوير( بورتفوليو) دار " بومرانغ برس نوربير آس" عام 1991 .
“Painting in Shades:Ibrahim Elsalahi” (20)
،و لعله من الامور ذات الدلالة كون المهتمين بعمل الصلحي و نقاده و تابعيه لم يهتموا أبدا بمبحث الصلحي في منطقة التصوير الفتوغرافي. و هو مبحث لم ينقطع عنه صلحي أبدا منذ منتصف الستينات.و بخلاف الاعمال الفتوغرافية القليلة التي نشرت للصلحي في كتاب " مدينة من تراب " لعلي المك، الذي نشرته " دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1974 ،(صّمم الكتاب الفنان حسين شريف)، فان عمل الصلحي الفتوغرافي ظل مجهولا للجميع تقريبا.
ولعل أفضل مثال على قدرة الصلحي على تجاوز أطروحاته القديمة هو التحول و التطور الذي حدث بالنسبة لمفهوم الصلحي لـ" مدرسة الخرطوم" بين قطبي الاسلمة و الافرقة : فمدرسة الخرطوم في تصريحات الصلحي الاولى في نهاية الستينات كانت تركز على الثقافة الاسلامية وعلى الخط العربي كمصدر ايقونوغرافي مركزي. و هي الفترة المتأثرة بمباحث الصلحي الايقونوغرافية في القسم الاسلامي من محفوظات المتحف البريطاني
فقد جاء في تصريح للصلحي منشور في مجلة" آفريكان آرت"، على أثر مقدمة د. أحمد الزين صغيرون لمطبوعة دليل المعرض الذي نظمته صالة " غاليري لامبير"
(Lambert)
بباريس عام 1967 :
« I was most facinated by the treasures of wounderful Islamic art they have there, and I kept woundering about the possibility of trying to bring that into my work. It was most valuable to me, and I thought , why not let it flow?”
(21)
و في تلك الفترة شارك الصلحي بثمان لوحات في معرض " الفن الافريقي المعاصر" الذي اقيم في " معهد لندن للفن المعاصر"
London’s Institute of Contemporary Arts
بالتضامن مع" ترانسكريبشان سنتر" بلندن
Transcription Centre, London
و" امباري كلب" بأوشوغو في نيجيريا
The Mbari Mbayo Club of Oshogo, Nigeria
و قد كتب " أولي باير" في مطبوعة المعرض مقدما الصلحي كفنان أفريقي
وافد من مجتمع اسلامي الثقافة
: Ibrahim Elsalahi… comes from an Islamic culture that knows no representaional art at all. When he returned from England, however, Salahi found that many of the ideas he had acquired from abroad isolated him in hid own country and that his work seemed meaningless and without character in Khartoum.He began to study arabic calligraphy – the most important artistic tradition inNorthern Sudan.His earlier pictures were simply decorative versions of Koranic verses. Later the letters began to sprout figurative doodles, and finally the image was disassociated from the characters and began to lead a life of its own.Even then the rhythm and structure of the arabic alphabet underlies most of his forms ..”(22)
و في منتصف السبعينات تحول خطاب الصلحي عن تمثلات الايقونوغرافيا الاسلامية ليشتمل على عناصر آيقونوغرافية أفريقية.و جدير بالذكر أن صلحي منتصف السبعينات كان قد استقر في السودان كموظف كبير في وزارة ثقافة نظام النميري.و هي الفترة التي تبنت فيها دولة النميري سياسة "الوحدة في التعدد بعيد "اتفاقية أديس أبابا" التي أوقفت الحرب في الجنوب ( عام 1972). و كأحد بناة أيديولوجية التمازج في اطار سياسة الوحدة الوطنية من خلال التعدد العرقي و الثقافي ، طور الصلحي خطابا تمازجيا يوصف الفن السوداني كفن هجنة بين العناصر العربية و العناصر الافريقية، بل أن الصلحي لا يكتفي باضافة ما تضامن الخرطوميون على تسميته بشكل تعميمي " الزخرف الافريقي"، في أسلوب ينمّ غالبا عن نوع من الاستعلاء الجمالي المضمر تجاه المكون الايقونوغرافي الافريقي، لكنه في مطلع الثمانينات يثبت اصالة المكون الايقونوغرافي الافريقي في قلب الممارسة العربية التي تجعل من الخط مركزها. ففي حواره مع صديقه أولي باير بمناسبة معرضه في ايوالوا هاوس عام 1983 يقول الصلحي ردا على سؤال باير
« Ulli beier : when you learned to write at the Khalwa [ traditional coranic school], was there an element of calligraphy in it already ?
Ibrahim ElSalahi: O yes, there was calligraphy and even decoration. We learned what is called the Sudanese hand,”..”and at the beginning of every section, you decorated your wooden writing board “..”so the artistic part started quite early.
U.Beier:what kind of decoration was this, abstract designs,arabesques?
I.El Salahi: Strangely, it was African rather than Arabic in character.You know in the Koran, at the beginning of each chapter there is a decoration on top and along the side…almost like a gate of paradise. It is the flowing kind of interlacing design , which is of an islamic nature, of an arabesque nature. But what we did was much more African, because we used criss- cross pattern and sharp triangles ans squares” (23)

و في نفس المقابلة مع " أولي باير" يقدم الصلحي تفسيرا "سحريا" لحضور الاقنعة الافريقية في اعماله.أقول " تفسيرا سحريا" لأن الصلحي و" باير" يعرفان أن السودان لا يعرف فن القناع الافريقي التقليدي، و صلحي نفسه يقر بأنه لم يسافر في غرب أفريقيا الا في وقت لاحق ،أي بعد تنفيذه لموتيفات الاقنعة في أعماله.و تفسير الصلحي السحري لحضور الاقنعة الافريقية في أعماله يبدأ بعبارة:
« What I am going to say right now migtht not make sense to a western mind “ (24)
و يحكي الصلحي حكاية جميلة عن كونه وسيط روحي " ميديوم " تتلبسه أرواح غريبة تنطق عبره و تجعله يعيش أحداثا غريبة لا يملك أزاءها سوى الامتثال.
« I thought I was being a medium for a spirit of some sort, something was working through me”..”
So answering your question about masks: I don’t know if I was hit by a spirit from West Africa working through me.Because I had never seen these masks before…” (25)
ومن يعرف الصلحي الباحث الذي يعرف مسالك المتاحف و دور المحفوظات الاثرية يجد صعوبة في التصديق بأن الرجل لم ير الاقنعة الافريقية من قبل، لكن ما يهمني من هذه الحكاية هو أن الصلحي يقدم نفسه عبرها كـ " كجور" . والكجور في تعبير السودانيين نوع من الـ "شامان" .وهو في جبال النوبة ساحر و طبيب و عراف و وسيط بين عالم الناس و عالم الارواح و القوى الماورائية. وبالنسبة للمسلم، يبدو خيار موقف" الكجور"الأفريقي، الذي يبذل روحه و جسده في خدمة الارواح و القوى السحرية لكي تعبر عن نفسها خلاله، هو خيار مناقض تماما لتعاليم الدين التقليدي على عقيدة الطبقة الوسطى العربسلامية في السودان.لكن الصلحي ليس مسلما فحسب ، انه فنان صاحب مشروع اجتماعي وطني يمكن تلخيصه بكلمة : الهجنة .و ليس عرضا أن الصلحي المسلم يتبنى موقف الكجور الافريقي ، لا بوصفه خيار فكري واعي و انما بوصفه موقف عفوي طبيعي مودع في دخيلة الشخص السوداني ، شيء فطري لا يملك الشخص الا الامتثال له.و بالذات في مطلع الثمانينات حيث بدآ نظام الجنرال النميري يعدل من قوانين البلاد العلمانية ليتبنى تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية على السودانيين المسلمين و غير المسلمين بدون فرز. و الصلحي بهذا الموقف، موقف الكجور ،يسعى لتأكيد ثقل ميراثه الرمزي الافريقى، كما لو كان الرجل يسعى لتصحيح الاختلال الذي أحدثته السلطات السياسية في توازن معادلة الهجنة السودانية.
هذا الموقف لا يمكن عزله عن واقع الفرز السياسي و الديني الذي حصل داخل بنية أنصار" مدرسة الخرطوم" في مطلع الثمانينات.فمع تنامي نفوذ الاسلاميين الاصوليين داخل أجهزة السلطة السياسية، بدأت الاصوات التي كانت تدعو لمشروع الهجنة العربية الافريقية في التراجع عن مركز الصدارة في العمل الثقافي و السياسي. و من الأحداث الفنية المهمة في مطلع الثمانينات، يبقى ذلك المعرض الفني و التعليمي الضخم ،الذي نظمه، في " قاعة الصداقة" بالخرطوم في مارس و أبريل 1981 ، فنانون مقربون من التيار الاسلامي الرسمي، و على رأسهم أحمد شبرين و أحمد عبد العال وابراهيم العوام . و هم اشخاص كانوا من غلاة المدافعين عن مفاهيم " مدرسة الخرطوم " وراء الصلحي في الستينات و السبعينات..و قد موّل المعرض المتسمي بـ " معرض المخطوطات و الجماليات الاسلامية" تحت شعار " لا اله الا الله" ، من قبل" المجلس الاعلى للشئون الدينية و الاوقاف"، وأشرفت عليه رسميا" اللجنة القومية للاحتفال بالقرن الهجري الخامس عشر".
وفي الوثيقة التي تقدم للمعرض، كتب أمين لجنة المخطوطات و الجماليات الاسلامية ، الفنان أحمد شبرين: "ان هذا المعرض يعتبر مقدمة متعجلة لنشاط مستقبلي واسع، يمكن له التخطيط ليؤسس للمتحف الاسلامي و المكتبة الاسلامية في السودان". و في واقع الامر تكشف المعرض عن كونه" مقدمة متعجلة" لواقع سياسي جديد و لنشاط مستقبلي أكبر طموحا. نشاط بدأ بفرض قوانين الشريعة الاسلامية في 1983 و اختتم بكارثة الحرب الاهلية في جنوب و شرق و غرب البلاد.
و في الثمانينات و التسعينات اضمحلت دعاوى ثقافة الهجنة العربية الافريقية لصالح بروباغاندا الاسلمة و التعريب،و علا نجم الفنانين الاسلاميين المقربين من السلطات مثل أحمد عبد العال و محمد حسين الفكي و راشد دياب وآخرون ممن تضامنوا حول مفهوم جديد للفن الاسلامي المعاصر تجسد في نص بيان ما سمي بـ " مدرسة الواحد".( تقرأ :مدرسة الله) الذي صدر في الخرطوم عام 1988. و قد جاء نقد الفنانين الاسلاميين لـ " مدرسة الخرطوم" في بيان " مدرسة الواحد ": أن " مدرسة الخرطوم " " ظهرت كملمح حضاري تاريخي " .." و لكن دون وضوح نظري كاف ".
و اليوم بعد نهاية الحرب في الجنوب و توقيع اتفاق السلام و اقتسام السلطة بين الحركة الشعبية و الجبهة الاسلامية بدأت الدوائر الثقافية في السودان تشهد عودة الحياة لتيار الهجنة العربية الافريقية القديم.و عاد مثقفو الطبقة الوسطى العربسلامية لخطاب الأفروعروبية كأساس لبناء ايديولوجيا التمازج الثقافي و العرقي تحت شعار " السودانوية".و من الامور ذات الدلالة كون نظام الجبهة الاسلامية في الخرطوم قد وجه الدعوة مؤخرا لعدد من أعلام الحركة الثقافية السودانية المقيمين خارج السودان بين أوربا و أمريكا، و بينهم الصلحي، لزيارة الخرطوم الموصوفة ب " عاصمة الثقافة العربية للعام 2005 ". و قد تم استقبال العائدين و الاحتفاء بهم على أعلى مستويات السلطة السياسية حيث قابلهم الرئيس عمر البشير و رئيس الوزراء علي طه و وزير الثقافة عبد الباسط عبد الماجد.و في الاحتفال الرسمي قام وزير الثقافة بتوجيه اعتذار رسمي للفنان ابراهيم الصلحي عن الاهانة التي لحقت به في 1976 حيث كان الصلحي قد تعرض للضرب و الاعتقال من أمن نظام الجنرال النميري.و رغم أن نظام الجبهة الاسلامية لا يتحمل أدنى مسئولية سياسية أو أخلاقية في البلاء الذي وقع على الصلحي تحت نظام سياسي سبق نظام الجبهة الاسلامية بأكثر من عشرة سنوات، الا أن اعتذار وزير الثقافة للصلحي ينطرح كحيلة سياسية ذكية و مركبة.و من ضمن و جوه التركيب في اعتذار الوزير الاضمار بكون النظام الاصولي الاسلامي هو في استمرارية سلطة الطبقة الوسطى العربسلامية كما جسدها نظام النميري و غيره من الانظمة العربسلامية التي تعاقبت على البلاد.و في مشهد صيانة الاستمرارية يسوّغ نظام الأصوليين الاسلاميين لنفسه شرعية الحق في تصريف أمور الثقافة و السياسة في السودان.و النظام الاسلامي يبدو قيّما على مهمة لم الشمل القومي و استيعاب كل ألوان الطيف السياسي و الثقافي تحت مظلته. وبعبارة أخرى، فالنظام يفتح صفحة جديدة في الاعتناء بالثقافة السودانية كثقافة تقبل بالتعدد، شريطة أن يتم ذلك التعدد في اطار الاسلام، و يعتذر عن التدمير الذي قام به في السابق و يفسح للصلحي براحا في موقع الصدارة كفنان مسلم يحمل راية الهجنة السودانوية.
ترى ماذا سيفعل الصلحي في هذه الوضعية الجديدة؟
لا أحد يدري بعد، و هذا واحد من الاسئلة الكبيرة ، التي لا بد أن الاجابة عليها ستتجاوز شخص الصلحي، لتلمس اشكالية جيوبوليتيك الفن في السودان، بالذات حين نتأمل فيها على ضوء تجربة الصلحي مع السلطة السياسية في السودان. و هي اشكالية بالغة التركيب سواء نظرنا اليها من وجهة" فن السلطة" ، في معنى نوع الفن الذي يوافق مصالح السلطة السياسية ، أومن وجهة" سلطة الفنان"، في معنى المشروع السياسي الذي يتخلل عمل الفنان الجمالي.



هوامش و مراجع
(1) شهدت صحف الخرطوم في يناير 1981 سجالا عنيفا حول المنع الاسلامي للتصوير بين الاسلامي الأصولي التيجاني سعيد و الاستاذ الجامعي د. سيد أحمد نقد الله.و هو سجال بدأ بتساؤل من د. نقد الله حول مصداقية الحديث المشهور الذي يقول :" لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة".( أنظر جريدة الايام ،23 ـ1 ـ 1981 ). لنصوص أحاديث الرسول التي تعالج المنع الاسلامي للتصوير أنظر " صحيح البخاري" الجزء السابع، الصفحات 214 و217 ، كتاب الشعب، دار احياء التراث العربي، القاهرة ، بلا تاريخ.
(2)أنظر المراسلات بين حسن موسى و الصلحي في " مكاتيب الصلحي" في " جهنم" رقم 22 ، مارس 2003،"جهنم" نشرة دورية مجانية غير رسمية، يصدرها الكاتب منذ 1995 و توزع بين عدد من الفنانين و المهتمين بمسائل الثقافة في السودان.
(3) راجع د. أحمد محمد علي الحاكم"الجذور التاريخية للقومية السودانيةمنذ أقدم العصور و حتى بداية الدعوة الاسلامية. ورقة بحث قدمت في " مؤتمر القومية السودانية و الوحدة الوطنية" تحت رعاية جامعة الخرطوم و مجلس دراسات الحكم الاقليمي، الخرطوم ، مايو 1984 .و ايضا د. محمد ابراهيم أبوسليم ، في الشخصية السودانية، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم 1979 ، ص 19 .
( 4) تلك رؤية لم ينج من غوايتها مفكر في حصافة " آرنولد توينبي" الذي رأى مشكلة السودان في صيغة الثنائية العربية الافريقية كانعكاس لمشكلة أفريقيا في ثنائيتها العربية الافريقية:" ان مشكلة السودانين تعكس بشكل مصغّر مشكلة الافريقيتين، و لهذا فالسودان يملك مفاتيح مصير أفريقيا بقدر ما يملك مفاتيح مصيره الخاص. و لو تمكن من مصالحة المعسكرين الذين يتقاسمان شعبه، يكون قد طرح مثالا يحتذى، و شق طريق الريادة لبناء القارة الافريقية بأكملها"
A.J.Toynbee,Afrique Arabe,Afrique Noire, Sindbad, Paris, 1979)
(5)
Didar Fawzi,La republique du Soudan,1955-1966M Echec d’ une expérience de décollage économique dans la voie capitaliste,SNED, Alger, 1975)

(6)
“Denis Williams, 1923-1998, for information about D.Williams see the article of Carl E. Hazlewood in Nka No. 9, 1998”

(7) للدكتور أحمد الزين صغيرون، رسالة جامعية موضوعها الفن المعاصر في السودان ، جامعة فارسوفيا ، بولندا، في منتصف الستينات، لم أطلع على نصها الانجليزي، وله مقالات أهمها مقالته المنشورة في مجلة الخرطوم، بعنوان" الفنون التشكيلية المعاصرة في السودان 1965، و للاستاذ أحمد الطيب زين العابدين مقالة تعالج موضوع الفن السوداني المعاصر نشرت في مجلة الخرطوم عدد أبريل 1966
و للصلحي حديث عن استلهام التراث في الفن السوداني المعاصر نشر في مجلة الخرطوم ، عدد أكتوبر 1968 .
(8)أنظر د. عبدالله علي ابراهيم " حول مسألة القوميات في الوطن العربي: الآفروعروبية أو تحالف الهاربين" نشرت في " المستقبل العربي" العدد 119 ـ يناير 1989 .

(9) أنظر المناقشات التي نشرت على صفحات الصحف اليومية في السبعينات بالذات في جريدة الايام بين جمعة جابر و العاقب محمد حسن و أنس العاقب و مكي سيدآحمد و آخرين ، و هي نصوص متفرقة و مقابلات صحفية منها: حوار أجريته مع الموسيقي مكي سيد أحمد أيام كنت أحرر صفحتها الثقافية، يقول فيه مكي سيد أحمد الذي كان رئيسا لقسم الموسيقى بمعهد الموسيقى و المسرح :" الخروج على السلم الخماسي خروج على الطابع الوطني" ، (الايام عدد 11 ـ 4 ـ 1975
و أعقبه حوار آخر أجريته مع الموسيقي جمعة جابر في جريدة الايام عدد 17 ـ 4 1975 , يدافع فيه جمعة جابر عن التنوع في الموسيقى السودانية مستشهدا بالطابع العربي السباعي في موسيقى بعض أعراق غرب السودان.
أنظر أيضا لـ جمعة جابر " تراثنا و مفهوم السلم الخماسي" نشر وزارة الثقافة ، فيراير 1979 .
(10)(Ibrahim El Salahi, conversation with Ulli Beier,
Iwalewa- Haus,Universitàt Bayreuth,September,1983,P 26)

(11)A.Ahmed Bechir (Bola ),Art et Identité culturelle au Soudan, Thèse de Doctorat, Université de Paris 1,Dec. 1984.
(12)Hassan Musa,Le Patronage de l’ Art Contemporain au Soudan,Mémoir de Maitrise en Histoire de l’Art, Université de Paris 1, 1981
(13)أنظر الحوار مع هاشم م محمد صالح " الصلحي في الميزان" في الايام يوم 23 ـ 11 ـ 1974
(14) راجع مكاتيب الصلحي في جهنم رقم 22
(15) أنظر كتاب صلاح حسن عبد الله الذي يقدم توثيقا جيدا لحوار السبعينات حول قضايا الفن التشكيلي في السودان: مساهمات في الادب التشكيلي، تحليل نقدي لأدبيات التشكيل في السودان خلال الفترة من 74 الى 1986 ، نشر دار أروقة للثقافة و العلوم الخرطوم 2004
(16)
(I. El Salahi/Beier, ibid, p. 34)
(17)
(ElSalahi/Beier ibid,P. 33)
(18) أنظر جهنم 22 ، مكاتيب الصلحي: "و أنت بالنسبة لي كالمرآة التي أستعين بجلائها و قدرتها على عكس انطباع صادق لما أراه، فأعمل في ضوئها على تصحيح مساري ما استطعت الى ذلك سبيلا". رسالة من الصلحي بتاريخ 17/11/2002 .
(19)
(El Salahi speaks of his work, in African Arts ,1967:27)
(20)
Painting in Shades :Ibrahim Elsalahi.Edition Boomerang Press Norbert Aas,ISBN 3-9802212-4-5, Bayreuth 1991)
(21)
African Arts magazine,1967:27
(22)
in African Arts, Ibid
(23)
Ibid p. 24
( 24)
Ibid P. 32
(25)
Ibid P.33
ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ
مشاركات: 27
اشترك في: الجمعة نوفمبر 14, 2008 8:29 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ »

سلام للكل
دكتور حسن موسى الحظ العاثر وحده الذي حال بيني وبين حظوة التتلمذ والمؤانسة بجدير مفاكراتك ، لكني كنت من المحظوظين في 2004 بحضور(شماعه) محاضره لك بمركز عبدالكريم ميرغني وفي ذلك بعض العزاء ، وقبل ذلك بكثير قرأت لك ما خرج من انياب غول (المشروع الحضاري).. جهنم ، دراسات سودانية ، أرشيف الملف الثقافي لجريدة الايام ، واخبار معارض هنا وهناك، وكتابتك المبذوله هنا في سودان الكل (ترجمه قاطعا من رويسي) ، المهم يازول نحن الاتربينا في كفاف المنع والمحل العريض ، نجرنا مباصرات أخرى للتتلمذ والمؤانسه لايضيرها كثيرا صعوبة جيتنا لبلاد الغال أو جياتك المَشَحْتفَه لبلاد السودان ، كما أن الخرطوم الغبت شاعرنا ود المكي (هــــذه لـيـســت إحــــدى مــــدن الــســـودان
مــــــن أيــــــن لـــهـــا هـــــــذه الألـــــــوان
مــــن أيــــن لــهــا هــــذا الــطــول الـتــيــاه
لا شــــك قــطــار الــغــرب الـشــائــخ تـــــاه
وســألــنـــا قــــيــــل لــــنــــا الــخـــرطـــوم
هــــــــــــذى عــــاصــــمــــة الــــقــــطـــــر
عــــلــــى ضــــفــــات الــنـــيـــل تــــقـــــوم
عــــــــــــــــــــــــــــربـــــــــــــــــــ ـــــــــات
أضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــواء
وعــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــ ـــــارات ) شأنها مربك. ونفس القطر الجابو جابنا( قطار الغرب) ومنذ بداية التسعينات من القرن المنصرم نكابد أغتراب غميس ومركب، في الاندماج بناس الخرطوم البتحبو ديل ومزاحمتهم في مغاني وملاعب وقيل قاعات درسهم ، مره نصيب ومرات نخيب ،يعني أسي بعد العميان جا شايل المكسر لخرتوم الجن دي ناس الخرتوم ديل بقوا خشم بيوت يعني في ناس الخرتوم وفي الناس القاعدا في الخرتوم ، أها ما نصيب الفئة التانية دي من عنوانك الفوق ده ؟.
المهم عموم أهل السودان اصابهم من معرفتك سهم، لذا شوف لينا نحن مباصره في جياتك الجايه ، أو يمكن ينفكا ساجورنا ونجيك في بلاد النور والثوره . عموما محل ما تكب سحابتك يأتينا خراجها شفت كيف(على قولك)..
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

بلد المحل العريض

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا محمد أحمد محمود و شكرا على المتابعة [أما عنواني " ناس الخرطوم" فقد كنت أظنني توصلت فيه لمخارجة نفسي بأقل الخسائر لكن خاب ظني، و أهو يلمّها النمل و يطاها الفيل و الحمد لله على كل شيء]. على كل حال مرحبا بك في بلاد النور الخافت و الثورة المسوّفة و الماعارف يقول عدس عشان " ثورة" أهلنا الفرنسيس الأنا شايفهم ديل ما عندها طريقة إلا حمار الوادي يكورك و حمار الوادي ما فاضي ليهم. يا زول الثورة و الحداثة الجد جد ياها حقتكم الإنتو شغالين فيها في بلد المحل العريض القلتو إنت فوق..تقول أنكم تربيتم " في كفاف المنع و المحل العريض" و لكن حقت عليكم القولة المشهودة " السم الذي لا يقتلك يقوّيك" و بالمناسبة ، هل تعرف سودانيا تربي في غير كفاف المنع و المحل العريض؟





و بمناسبة ثورات بلاد المحل العريض هاك رسالة الصديق الفنان و الشاعر[ و أشياء شيقة أخرى] النور أحمد علي في سيرة" الآتي" و قد جاء في الأثر أن أول الغيث قطرة فهنيئا لنا كلنا.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

في سيرة " الآتي"

مشاركة بواسطة حسن موسى »

في سيرة" الآتي"

النور أحمد علي


قال معمّر القذافي في احدي شطحاته الفاخرة ،عندما اقرأ القرآن لا اقول « قل هو الله احد» وانما اقول «الله احد»، كأنما يضع الله في فمه. وانا اقول « وإنك لعلي خلق عظيم » في ازاحة بلاغيّة من محمد الي حسن و "هذاكلّه حسنٌ في وجه الرب"
فرحت حين كتبت لك اوّلاً ،وفرحت اكثر بعدد من الرسئل « الإئئية » وهذه نسبة الي الـ
.« E »

وفرحت ايّضاً ، حين طلبت كتاباتٍ بعينها لتنشر في جهنم ، وسكت حين وصلني إيميل بأنك لا تدري ماذا تفعل ! وقلت في ظني المحتال ، هذا إيميل منحول،لانني اعرف ان حسن رجل يدري ، ويدري انه يدري ، ونحن تبُعُ هكذا رجل.

اخونا حسن انت ذكرتني بخير.

انّ الخير الدي ذكرتني به كونك تعرف، وامّا الحسن الذي اذكرك به، فهو ذلك الذي يتجاوز الترتيب البلاغي لصيغ التفضيل.

واما الأتيّ فيذكره اكبر نحال في التاريخ العربي، كما يصفه ابن خلدون، وآعني أبن هشام في سيرته، بأنه ــ قزمان ــ هكذا بلا أب ولا أم ولا قبيلة.
تصور يا حسن، رجل في مدخل القرن الأول الهجري، وفي جزيرة العرب، وبلا هوية، حيث القبيلة، هي الهوية التي تمنحك القبول الاجتماعي.
هذا الآتيّ يذكره أبن هشام في بضعة أسطر، تماماً كما فعل ود ضيف الله مع ود تكتوك.

يقول أبن هشام، كان الصحابة لا يذكرونه الاّ بالآتّي وهي الدرجة الخامسة من التوصيف البلاغي للفعل اتي،

حتى كانت غزوة آحد، فقاتل الاتّي قتالًا عنيفًا وقتل سبعة من قبيلة النبي « قريش»، وكان النبي حين يذكر الصحابة الصحابي الآتّي يقول انه في النار؟ وعندما اثخنته الجراح ، حمله الصحابة الى منزل في اطراف المدينة لمداواته، فقال له احد الصحابة: «أبشر."
قال: بماذا ابشر؟
قال الصحابي: والله لقد قاتلت قتالًا شجاعًا، فإن مت فآنت شهيد، وان عشت فأنت بطل".
عندها قال قولته الجبارة «والله ما قاتلت الا لنسبي
ومنها انداحت «حالة كون الرجل ينتسب الى فعله"
وأنت أيها العزيز حسن ،أفعالك كلها مصلى.

ولا يجري معها.
وهذا مديح في مقام المديح .
أما كيف هو في النار فهذا «شغل ابن هشام".

قال أبن هشام، حين أرخى الألم كلكله على الجسم الجريح، نزع الأتيُّ سهماً من كنانته وقتل نفسه.

من ناحية الشرعيّة الديّنية، فقاتل النفس في النار ، حتى لو كانت نفسه، ومن هنا مرق تبرير غير مريح لـ "انه في النار"
ما بالنسبة له، فقد أكمل رسالته ، ونسب نفسه الى البطولة مباشرة، في عرف ذلك الزمن.

وأنت تذكر أن محمود محمد طه كان يقول ان الانسان لا يموت الا اذا ماتت فعاليته وفي ظن محمود اذا اكمل "رسالته".

هل كان الآتيُّ جمهورياً؟

وهل انقذته من مقبرة ابن هشام الي فضاء اشعر،حيث يسبح هناك ككائن سرمدي؟ اما «السهو» فهو مقام في التأمل ،او قل « صلوٌة »تتجاوز مقامات الالهه،او هو مقام من مقامات « ما في الجبة إلا الله» ،وحيث يتسامي الخليفة ليصبح مخلوفاً.

واما «صلوة» هذه المشبوحة في وسط الجملة،وبهذا الرسم الإملائي البائن امامك، فقد إكتسبت حصانتها المقدسة،والتي تتجاوز كلّ ما انجزه الفراهيدي ،في مجال تقعيد اللغة العربية ،وفي ظننا المتواضع لهجة قريش،اقول اكتسبت هذه الحصانة من ان يداً كريمة لاعرابيّ من القرن الاول الهجري كتبتها،علي ذمّة ابن خلدون ،مع ملاحظة ان من كانوا يكتبون المسند،ستة عشر شخصاً في ذلك الزمن الغميس.«ادي لازماتك"

هل تقبل هذا التبرير الاعرج ام انت مع فريق الفراهيدي؟

صديقي حسن لدي الكثير الذي يمكن ان يقال، كما قال الدنقلاوي حين رأى التيس اول مرة، في الحكايةالمروية ،«لبن كتير لكن درب ما في.» ولأول مرة أو قل لثاني مرة اعرف «انني النور الآحمر» الأولى من خالتي مدينة بت فرح،بود الزاكي حين سألت « إتّو الجنى اللحمر دا ود منو؟"
والمرة الثانية، في ناس الخرطوم، بالرغم من انني وافد على الخرطوم، ولكني اقبلها على علة حسنة.
وأخشى أن تكون هي الحمرة اللّباها المهدي.

صديقي حسن
أنت لا شك تذكر حكاية ود البصير مع عراب الشعر الشعبي السوداني الحاردلو حين اجبره التعايشي بتاعكم ،على بيع الحطب للنسوان في سوق الموردة، وقال الحردلو قولته التي اصبح نصفها مثلا "حتى ود البصير يسوينا في طيز وزّة".
ففي جلسة غير بريئة ،مع صحبة غير بريئة، ألمح أحدهم الى ان وجودي معهم يسويهم في طيز وزّة .
فكتبت « في مديح في طيز الوزّة » واليكها
ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ
مشاركات: 27
اشترك في: الجمعة نوفمبر 14, 2008 8:29 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ »

سلام ياحسن موسى اظنها كده حاف اقرب تقوى ، لا شكر على واجب . وانا اعتبر المتابعه فعل كسول وعندي أي المتابعه هي خفيفه في الميزان ، ما أزعمه في فعل قراءة مثقفينا العضويين (مولانا قرامشي طبعا) -وانت منهم بإيدك وشديدك- هو التدبر وهذا امر ثقيل في الميزان ويتطلب بأس حديد وصبر ودربه ودباره واسعه(أهلنا بقولوا الفقري رايو واسع) .وياليتنا يوم البعث المعرفي نحشر في زمرة المتدبرين وحسن اولائك رفيقا ،أها بالله ده ما واجب؟، المهم يازول جواب الفنان و الشاعر[ و أشياء شيقة أخرى] النور أحمد علي في سيرة" الآتي" جاني مفتوح شارع زي مابقول حميد الشاعر وفتّح شوارع كتيره ووقع لي في جرح وما أكثرها.....، ونصب شِراك وقلوبيات تنذر بالآتي والذي أوله قطره. دحين النور احمد علي الشاعر والفنان (وأشياء شيقه أخرى) لديه حساب (إتفرج في جنس الكلمه دي) هنا في سودان فور اوول؟ عموما شكرا على العطيه والتي ليست عطية مزين ونردها ليك في الافراح .
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حساب النور

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد أحمد محمود
المتابع المتدبر و شكرا على التعقيب المضيء.و أنا جد سعيد أن كلام النور أحمد علي الفنان و الشاعر[ و أشياء شيقة أخرى] قد وقع لك في واحد من الجراح الكثيرة.النور هو واحد من هؤلاء الصحاب " المتدبرين" القدامى ـ و هم كثر ـ الذين نكتشف من وقت لآخر أنهم بلا حساب في مصرف سودان الجميع هذا.فنسارع بتعيينهم بأمر جمهوري و نفتح لهم حساب سيك سيك معلق فيك "و كان حصلت جريمة و كان كترت غرامة".
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

[ع] عبد الله

مشاركة بواسطة حسن موسى »


[ ع ] عبد الله علي إبراهيم
يوم السبت 26 الساعة الواحدة ظهرا واعدت عبد الله أمام "كشك الجرائد" في تقاطع سوق "الخرطوم إتنين".و حقيقة لم أكن متأكدا من وجود كشك الجرائد المزعوم في تقاطع سوق نمرة اتنين لكني رجّحت وجوده من باب أن الموضع ، بحكم مركزيته، لا بد و أن يحتوي على كشك جرائد قديم منذ الأزل [ تقرأ منذ" الزمن الجميل"]. وصلت لموضع الموعد قبل عبد الله و اكتشفت أن كشك الجرائد القديم الذي صنته في ذاكرتي قد غير موضعه فاحترت و قلبت النظر في هيئة التقاطع حتى عثرت على كشك جرائد صغير منزوي جانبا.إنتظرت هناك و أنا على حسرة من كوني لم أهتم بسعاية" تلفان" موبايل أداوي به مخاطر المواعيد الخرطومية.خطرت ذكريات مواعيد السبعينات مع عبد الله الكادر الشيوعي المختفي من أجهزة أمن النميري،كانت تلك المواعيد المسائية معجونة بإحتمالات الحضور و الغياب حسب شروط التأمين. و لا عجب فقد كانت تلك أيام" التأمين"، و " التأمين" عقيدة تنظيمية مكنت جسم حزب الشيوعيين من البقاء على قيد الحياة في أصعب الظروف لكن ضريبتها بقيت مخصومة على حساب نوعية الحياة الفكرية بين صفوف اعضاء و أصدقاء الحزب[ سأعود لهذا لاحقا].كان عبد الله في السبعينات يعمل ككادر متفرغ لـ " جبهة الإبداع" . و عبارة " جبهة الإبداع" لقية آيديولوجية و تنظيمية بارعة، كونها تنطوي على المعنى الحربي لجبهة القتال الفكري، مثلما تنطوي على المعنى التنظيمي لمفهوم العمل العام الذي يتم بين حلفاء سياسيين مستقلين و متفقين على برنامج حد أدنى لعمل " جبهوي" محدد.قلت أن عبد الله كان يعمل ككادر متفرغ لـ "جبهة الإبداع"، و لا أبالغ كثيرا إن قلت أن عبد الله كان هو بلحمه و دمه "جبهة الإبداع" كلها في تلك الأيام فكأنه تلك الألهة الهندوسية المتعددة الأذرع، يكتب في أولويات التنظيم السياسي للمبدعين بيد و يواصل إنتاجه الأدبي كشاعر و كقاص بيد ثانية ثم يعالج النقد بيد الأديب بينما يد الباحث في التاريخ و سوسيولوجيا الثقافة تسعى في تأصيل الفكر المادي على تربة الواقع السوداني. رأيت عبد الله أول مرة في عام 1970 في ندوة حضرناها بولا و هاشم محمد صالح و النور حمد و آدم الصافي و آخرين من طلبة كلية الفنون بـ "دار الثقافة" ،قال لي بولا :داك عبد الله علي ابراهيم بتاع " الصراع بين المهدي و العلماء".كانت الندوة منعقدة حول الموسيقار اليوناني اليساري، ميكس ثيودوراكس، الذي كتب موسيقى فيلم السينمائي " كوستا غافراس": " زد"،.كنا قد شاهدنا، في نادي السينما، هذا الفيلم الذي يعالج نضال الديموقراطيين اليونانيين ضد ديكتاتورية الكولونيلات في اليونان،و كانت المشاهدة و الندوة و حضور ثيودوراكس في الخرطوم حاصلة على خلفية التوتر السياسي المتخلق آنذاك بين الشيوعيين وسلطة النظام المايوي .و ندوة " دار الثقافة" كانت واحدة من ثمار الحراك الثقافي السياسي العام الذي ابتدره نفر من المبدعين اليساريين في حركة " أبادماك" في سودان نهاية الستينات.و هي حركة كان عبد الله هو قوميسيرها السياسي و عرّابها الجمالي في آن.أظن ان تلك الحقبة العامرة بالتفاؤل الثوري تمثل في تاريخ الحركة الديموقراطية كنوع من "آليغوريا" لما يسميه شعراء اليسار اليوم بـ " الزمن الجميل"، نوع من فردوس سياسي و ابداعي مفقود قوامه التضامن على وعد الحرية و العدالة و الوحدة الوطنية و الديموقراطية و السلام و التنمية و الرفاه و..باختصار: السعادة الأبدية .
بعد أحداث "حركة 19 يوليو التصحيحية" إنتهى حلم " الزمن الجميل"و اختفى عبد الله من الحياة العامة لسنوات لكن ادبه السياسي و ابداعه الشخصي ظل يجد طريقه سرا للتداول بين الشيوعيين و الديموقراطيين المعارضين لنظام نميري.و أظن ان عبد الله، في خاطر حركة اليساريين الناشطين في جبهة الإبداع قد إنمسخ من حينها لأيقونة بطولية غميسة لهذا " الزمن الجميل"،و هو بالتحديد زمن الصعود الرمزي الكبير للحزب الشيوعي في خاطر الجماهير بين أكتوبر 1964 ومايو 1969 . و وجه الغماسة في وضعية عبد الله إنما يتأتى من كون تطور الأحداث،[ مغادرته للحزب في نهاية السبعينات و مصانعته لـ "الإنقاذ" في عهدها الأول ] الذي دفع به لمغادرة إطار الأيقونة اليسارية السعيدة،أفسد صورة البسالة البسيطة التي كان عبد الله يتمتع بها وسط جماهير اليسار الملتف حول الحزب الشيوعي السوداني..و ربما كانت تلك هي خطيئة عبد الله التي لا تغتفر في الخاطر اللينيني المشغول بترميم و " تأمين" جسد يسار سوداني مهزوم و مثخن بالجراح، و هي مهمة تعوّل كثيرا على ثبات الأيقونات و حضورها كصور نهائية تلهم من ينظر إليها الأمان و تمنحه الطمأنينة.كل هذه الملابسات تتضامن في النهاية لتجعل من عبدالله أفضل ضحايا خرافة "الزمن الجميل" و أشدها وطأة على قبائل اليسار المتعاطف مع حزب الشيوعيين السودانيين.ذلك لأن عبد الله، متلقي الحجج، لم يشأ الإنتحار السياسي بمعاداة اليساريين السودانيين و الإنخراط في صفوف أعداء الديموقراطية، على طريقة الجماعة الطيبين[ ناس " خالد الشوش"] الذين غنموا الفتات على موائد اللئام، لكنه استمر يتلقى حجج السياسة و الثقافة و يقول رأيه في البعجبو و المابعجبوا من تصاريف السياسة و الثقافة في السودان. و ربما كانت اكبر الصعوبات السياسية و الرمزية التي يواجهها عبد الله اليوم هي صعوبة تصفية تركة " الزمن الجميل" التي ورثها من عمله كناشط شيوعي في " جبهة الإبداع"، و ربما لم تكن عبارة " تصفية" هي الأكثر مناسبة في هذا المقام البالغ التركيب إالا أن عبد الله كمثقف سوداني صاحب فعالية فكرية في مجال العمل العام يحتاج لمكيدة وجودية كبيرة لإعادة رسم أيقونة جديدة على مقاس دوره الجديد.[ سأعود لهذا لاحقا].
في السبعينات تعرفت على عبد الله المختفي من خلال اللقاءات المتفرقة التي كانت تنظم هنا و هناك في نواحي الخرطوم، و هي لقاءات كانت عامرة بالمناقشات الثرية في قضايا الإبداع و السياسة في السودان.أذكر ان عبد الله ، في تلك الفترة أبدى اهتماما و متابعة لما كان يدور في صفحة " ألوان الفن و الأدب " التي كنت أشرف عليها في جريدة الأيام[ بين 1975 و 1978] و كان يبرّ الصفحة من وقت لآخر بمداخلات متنوعة في قضايا الأدب و الفن..
لم أر عبد الله منذ منتصف الثمانينات، رغم أننا داومنا على المواصلة الهاتفية و الكتابية من على البعد.و وقفت في الإنتظار حتى قال لي الصديق صلاح حسن، الذي جاء على نفس الموعد: أهو داك عبد الله.فنظرت ناحية الكشك وتوجهنا نحوه و هو مشغول يسحب الجرائد الواحدة تلو الأخرى.هذه حركة طالما ادهشتني، أعني طريقة ناس الخرطوم في شراء الصحف،فالناس عادة ـ أعني في عادة أهلي الفرنسيس على الأقل ـ يقصدون كشك الصحف و يشتري الواحد منهم صحيفته المعتادة، لكنك قلما ترى شخصا يشتري كل يوم دستة من الصحف المتنوعة بضربة واحدة.من يدفع مصاريف كل هذا الورق و الحبر و الكتاب الراتبين و المحررين و المصححين و المصممين و المصورين و الطابعين و الموزعين و الباعة؟ و أين يجد القارئ الوقت اللازم لقراءة كل هذا الأدب المكتوب؟قال لي صديق من " السكان الأصليين"لقارة الصحافة السودانية :" القصة ونسة ساكت،و الناس بشتروا الجرايد الفيها المشاكل و الشكلات، و ناس الجرايد فاهمين دا عشان كدة ممكن تشتري أي جريدة و إنت ضامن ونستك بتراب القروش".لكني أعرف أن عبد الله آخر من يقرأ الجريدة بحثا عن الونسة،فهو يأخذ كل الجرائد " من طرف" كما يأخذ الفنان التشكيلي خاماته و يأتي عليها بعين " سكانر" الباحث المدقق و يستخرج منها ما يقيم أود مبحث جيوبوليتيك الثقافة في السودان .أو قل هذه هي صورة عبد الله التي صانتها ذاكرتي بنفس المنطق الذي صانت عليه كشك الجرائد الخيالي عند تقاطع سوق نمرة إتنين عبر السنين. هذا هو عبد الله المكنون في حرز ذاكرة " الزمن الجميل"، أيقونة أخرى لا يطالها التحول على مر السنين .لكن عبد الله الذي أمامي رجل يأكل الطعام و يمشي في الأسواق ـ و قد عزمنا عبد الله على وجبة دجاج مشوي طيب عند طهاة أثيوبيين في أحد مطاعم "نمرة إتنين" التي يكسو طاولاتها بلاستيك أزرق مدهن تزينه عصافير بين زهور إقحوان وارد الصين أشك في أن عبد الله انتبه لها [ هذه الفولة، فولة التصاوير في شوف عبد الله تحتاج لمكيال من جنسها فلنتركها لحينها] ـ ..أقول أن عبد الله شخص ضالع بكليته في صيرورة العالم. و هو ـ و إن أهمل التصاويرـ يبقى وفيا لضرورة التحول و منتبها لعواقب الإنمساخات الوجودية المتواترة. و لا بد أنه سيكشف يوما عن أسبابه لمواصلة هذه الحرب الغريبة التي إنخرط فيها "على حين غرّة" ، كما بدا لي من مسافتي الزمانية والمكانية المستبعدة.و" الغِرّة"، في لسان العربان، هي الغفلة، و قد أخذنا عبد الله ،الباحث المؤرّخ و الناقد و الأديب، على غِرّة حين بذل نفسه مرشحا لرئاسة الجمهورية ينافس أهل البأس السياسي و المالي و العرقي و هو بينهم عرير الوجه و اليد و اللسان.ياله من موقف مستوحش عجيب. قلت لعبد الله: في البداية فهمت مسألة ترشيحك لنفسك لإنتخابات رئاسة الجمهورية كحيلة تعليمية غايتها إستخدام الإمكانية الإعلامية الجبارة لمسند" الإنتخابات" لتوعية الجماهير من خلال نقد و تقويم الأداء السياسي للأشخاص و المنظمات السياسية التي تخاطب المواطنين من واقع إنخراطها في العملية الإنتخابية.و من إجابته الضاحكة المقتضبة فهمت أن إنخراط عبدالله في الحملة الإنتخابية أمر على قدر كبير من الجدية و أنه ماض على هذا الدرب حتى النهاية. و خطر لي أن الحيلة التعليمية لعبد الله ربما اقتضت منه المضي حتى نهاية الشوط وعسى أن تكرهوا شيئا.
قلت أن عبد الله يقف بين أهل البأس السياسي و المالي و العرقي موقف الغريب، غريب الوجه و اليد و اللسان. لكن غربته المشاترة التي تظهر ضعفه تملك أن تتكشـّف عن جوانب قوّة مزلزلة في مشهد المنافسة مع الخصوم الإنتخابيين الأقوياء بما سرقوا من مال الشعب و بما انتحلوا من أخلاق الشعب و بما دالسوا و بما والسوا في حق الشعب.و قوة عبد الله تبدأ من موضع ضعفه المالي.و مجرد ضيق ذات يده يمكن أن يضيئ ، بنور النقد الأخلاقي ،تلك السعة المالية المريبة التي يدبر عليها بعض خصومه منصرفات حركتهم الإنتخابية.و مجرد وضعيته كمعلم [كاد المعلم أن يكون رسولا] يمكن أن تطعن في المشروعية الفكرية لبعض خصومه الذين يبذلون ذواتهم لرئاسة البلاد و هم لا يدرون شيئا من أمر الواو الضكر.و ترشيح عبد الله المثقف الضعيف الأعزل، إلا من سلاح الحكمة، ينطوي على دعوة واضحة لتحكيم المثقف.قال، في حوار مع عيسى الحلو، في "الرأي العام":
".. عشنا فترة ما بعد الإستقلال في ظل إنقلابات عسكرية أرادت المسارعة إلى إسعادنا عن طريق السيف أو فوهة البندقية، و أنا لا أفسر و أنت لا تقصّر.و يبدو أن الذي لم نجربه حقا هو الشوكة الأخرى.و هي بيض الصحائف، و أعني بها الثقافة، فكثيرا ما ظن الإنقلابيون و صحبهم أن بوسعهم حرق مرحلة الفكر و التربية و الوعي، التي هي مصابرة و مثابرة، و قال عنها أنطونيو غرامشي، الفيلسوف الماركسي الإيطالي المعروف، أنها،" الثقافة"،مما يعمل على المدى الطويل. و الثقافة ليست "ورجقة" و قيل و قال، إنها مما يعدل " الرأس". و هي شوكة مؤكدة أو قوة مؤكدة بالمحصلة النهائية"..
قال: " تفاءلوا بالوطن تجدوه" [ إنتو الشعر دا إلاّ يكتبوا عليهو " هذا شعر"؟] . يا زول الوطن [ و ما الوطن؟] قضيتو بايظة أنحنا متفائلين بيك إنت و بي الناس الزيك و ما عندنا شك في كوننا نجدك بعد أن ينفض هذا المولد الذي نعرف أن لا حمص و لا فول و لا زيت لنا فيه. سنعمل، " على المدى الطويل"، من أجل المولد القادم و أهلنا قالوا : "الفولة بتنملي و بقارة بجوا"، و شرحها في لغة أولاد أمدرمان:" وي شال أوفركوم"، و يوتوبيا "الزمن الجميل" ما زالت مشروعة و ضرورية و " سنهزم الفقر بأي وسيلة"[ الطيب صالح كمان]. و " ندق الصخر"لمّن دينو يطلع "قمحا و وعدا و تمني" إلى آخر كلام الشعراء و الأدباء و الفنانين التقدميين.و أعمل حسابك من " آخر كلام الشعراء" دي عشان أنحنا في أمة الشعراء دي حاجاتنا كلها تبدأ من الشعر..شايف؟
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

شيخ حسن؟

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »

.
بين المئات من الناشطين الشيوعيين الذين جمعتني معهم ملابسات العمل العام في العقود الأربعة الأخيرة لم أتعرف إلا على شخصين فقط يواظبان على أداء الصلوات.أما البقية فهم لا يصلون مثلهم مثل بقية أولاد و بنات المسلمين .وكون أغلب الشيوعيين السودانيين الذين عرفتهم لا يقيمون الصلاة [ و قد يصومون أو لا يصومون وفيهم من يعاقر أم الكبائر عند اللزوم مثلما فيهم من يتجنبها ] فذلك لأنهم جزء من واقع إجتماعي ثقافي علاقة الناس بالدين ضمنه تتأسس بشكل عفوي دون تفكير و تأمل مسبّق في الإشكاليات الفلسفية لأسئلة الإيمان و الإلحاد،و قد تصح فيهم مقولة " الناس على دين آبائهم" .هذا الواقع لا يعني غياب نموذج الشيوعي الذي يتوصل ، بعد التأمل الفلسفي النقدي ، إلى تأسيس موقف فلسفي معقلن من قضايا الإيمان و الإلحاد.هذا النموذج المستبصر في أسئلة الإعتقاد الديني هو الآخر نادر في الحزب، مثله مثل نموذج الشيوعي المواظب على أداء الصلوات.و كل هذا يوصلنا لحقيقة أن أسئلة الإيمان و الإلحاد هي ـ حتى إشعار آخر ـ أسئلة ثانوية في مشهد العمل العام الذي إنخرط فيه الشيوعيون السودانيون منذ أربعينات القرن العشرين.و هو عمل عام سياسي لحمته و سداه من صميم قضايا الواقع العملي [ قضايا الحريات، الديموقراطية و أسئلة التنمية و العدالة الإجتماعية ]و أظن أن إهتمام الشيوعيين السودانيين بالكدح الفكري في إشكاليات الإعتقاد الديني لا يتجاوز إهتمامهم بالكدح الفكري في إشكاليات علم الجمال أو إشكاليات علم الفلك حتى. و ذلك لسبب بسيط يمكن تلخيصه في أن القوم ، ضمن إنخراطهم التام في أولوية الأسئلة السياسية، لم يجدوا يوما براحا يتيح لهم الإنشغال باسئلة الفلسفة. و حتى حين أنفرضت أسئلة الإعتقاد الديني على الحزب من مدخل السياسة [ قوانين سبتمبر مثلا] ظل الشيوعيون يسوفون و يؤجلون فتح مناقشة سياسية/ دينية لم يكونوا مهيـّئين لخوضها



يا سلام، أهو الاقتباس الفوق دا فيهو شطارتك يا د. حسن، يا أب كفّتين. أمّا الاقتباس التحت فدا فيهو شي جديد خلاف طلاشتك السياسيّة المعهودة، فيهو و أعوذ بالله من كلمة فيهو، شيء من شغل فقهاء السلطان و إن كان سلطان قلوب بلا صولجان، فالسلطان كما تعلم أخي حسن مختلفٌ ألوانه لذّة للشاربين..


و في هذا السياق السياسي،أفهم العبارة المنسوبة لسكرتير الحزب الشيوعي حين قال في حديث صحفي : مافي ملحدين في الحزب الشيوعي. كمحاولة يائسة لردع الشيوعيين السودانيين عن التمسك بتهمة الإلحاد التي ألصقت بهم إفتراءا فقبلوها كتهمة مرموقة نكرانها يوقعهم في الحرج الرمزي و قبولها لا يخفف من غلواء البروباغاندا المعادية.طبعا هذا لا يعني أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد ينكر وجود نوع الشيوعيين الملحدين إلحادا مؤسسا على المستوى الفلسفي، لكن الأستاذ نقد يعرف أن تعميم نموذج الشيوعي صاحب الرؤية الفلسفية النقديةعلى جملة المتحركين داخل الحزب الشيوعي السوداني ينطوي على مخاطر سياسية عديدة أولها إهتزاز الصورة التي يحملها المناضل الشيوعي عن نفسه كناشط سياسي مشغول بأولويات الواقع الإجتماعي السوداني.




يا زول بي صحّك؟ أنا مما شفت صورك في ندوة الميدان و جنبك الشيخ السلطان قلت "ربّنا" يستر من ردّ الجميل.

و الله يا حسن موسى بقيت دايرليك دليل فالح إنت ذاتك...

.
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáäÕÑ ãÍí ÇáÏíä
مشاركات: 150
اشترك في: الأربعاء مايو 27, 2009 3:20 am

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáäÕÑ ãÍí ÇáÏíä »

قال: " تفاءلوا بالوطن تجدوه" [ إنتو الشعر دا إلاّ يكتبوا عليهو " هذا شعر"؟] . يا زول الوطن [ و ما الوطن؟] قضيتو بايظة أنحنا متفائلين بيك إنت و بي الناس الزيك و ما عندنا شك في كوننا نجدك بعد أن ينفض هذا المولد الذي نعرف أن لا حمص و لا فول و لا زيت لنا فيه. سنعمل، " على المدى الطويل"، من أجل المولد القادم و أهلنا قالوا : "الفولة بتنملي و بقارة بجوا"، و شرحها في لغة أولاد أمدرمان:" وي شال أوفركوم"، و يوتوبيا "الزمن الجميل" ما زالت مشروعة و ضرورية و " سنهزم الفقر بأي وسيلة"[ الطيب صالح كمان]. و " ندق الصخر"لمّن دينو يطلع "قمحا و وعدا و تمني" إلى آخر كلام الشعراء و الأدباء و الفنانين التقدميين.و أعمل حسابك من " آخر كلام الشعراء" دي عشان أنحنا في أمة الشعراء دي حاجاتنا كلها تبدأ من الشعر..شايف؟

كلامك ده يا دكتور من شدة شاعريتو الثورية و للا ثوريتو الشاعرية ما عارف خلاني افكر بجدية انو ادي صوتي لعبد الله على ابراهيم.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سلام و كلام

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد حسبو ابو تلاتة كفات
و أنا جد سعيد بدخولك في خيط" ناس الخرطوم" و هو يحتاج لقراء ظنـّانين متحاملين من طينتك حتى يستوي على جادة الفكر و هيهات.
فعودا حميدا.و صبرا جميلا حتى نستكمل التفكّر في حديثك ،أما بخصوص شملنا بـ " دليل فالح" فهذه و الله حظوة عظيمة نتمنى تعميمها على جميع أفراد الشعب السوداني بما فيهم شخصك الكريم و عسى أن تكرهوا شيئا...

سلام ياسيف النصر
شكرا على كلمتك الكريمة
يا زول أنحنا صوتنا مع صوت عبد الله عشان الإنتخابات الحقيقية مستمرة تحت مسرحية الإنتخابات سيئة الإخراج التي يهرج على خشبتها " هؤلاء الناس".و الشعب السوداني يرى و يسمع و يفهم كل شيئ.
سأعود
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

أبو الحُسن سلام

تقول:

و قد لاقت المدارس الحديثة التي كانت تمثل رأس الرمح في توغل ثقافة رأس المال الكولونيالي ، لاقت مقاومة كبيرة من قبل السودانيين . فقد "كان النوع الجديد للمدرسة أمراً أجنبياً مفروضاً على المواطنين بواسطة حاكم أجنبي ، ومن ثم نظر إليه بعين الريبة والحذر


ثم

ومفهوم التربية كوسيلة قهر ثقافي في يد سلطة الطبقة المهيمنة



صُعقت حين قال لى الفاضل عمر عبد المجيد ناظر المدرسة الابتدائية فى مدرسة الجبارى (آى يا مصطفى آدم مدرسة عمّك الجبارى) انّو ابوى كان أول الدفعة بتاعتم فى الابتدائية . صُعقت لأن والدى لم يحك لى أبداً عن علاقته بالمدرسة. حملت ذلك التعليق الغليظ فخوراً بوالدى وقلت له ان الناظر الفاضل قال انك كنت اول الدفعة كل سنة. قال لى والدى بجفاء ان الفاضل دا ماكان شاطر!!!!
استنكرت على الوالد وقلت له بلباقة تتضمّن احترام الوالد والخوف منه فى آن ، أى بدون قلة أدب .. انو الفاضل دا ناظر مدرسة لكن انت... وبلعت باقى عبارتى
كنت على شوف العلاقة الطبقية بينهما والتى تلظيت بنيرانها وتطهّرت على لظاها !! شوف ليك جنس ميتا فيزيقيا!!

كان فى ناظرىّ ان بيت الناظر جميل مقارنة مع بيتنا بتاع الجالوص التافه وكنت استبطن الفارق الطبقى الجبّار (سبلوقات بيتنا ماكبّن ، سباليق جارنا سون chو)
استنكرت تلك الانفه غير الواقعية من والدى ، هذا العامل الموسمى المتمرد الذى ادخلنى الى عالم السياسة دون قصد حتى اصبحت شيوعياً والتى قبلها على مضض بعد دواس دام دهراً. استنكرتها وقلت له لكين يا ابوى انت لما كنت اول الفصل لماذا لم تواصل وتصبح ناظر زى استاذ الفاضل؟ وليه ماواصلت ...الخ
قال لى الوالد بهدوء مؤمن:
نتيجتى بدخّلنى الوسطى بامتياز لكن انا فى الوكت داك كنت ماداير أخش الوسطى لأنى كنت بفتكر انو المدرسة بتاعة الانقليز دى بتبقى الناس لوايطة (بنفس التعبير)

تصوّر الشقاوة التى تبذلها لنا المؤسسة المدرسية ،كمؤسسة قمع ثقافى (قال ثقافى قال) وتبعد أبى الشاطر من تلك الحظوة التى كنت على الاقل اشيل بيها قرش الفطور بدل شحدة سندوتشات الفول التى يشتريها اولاد الدفعة من حاجة مريم فى ضهر المدرسة!!! شفت الحقد الطبقى دا كيف؟

دا كلو من وحى الاقتباس اعلاه. أها ! متابعين ومنتجين للنص كمان!؟

سنعود الى أشياء بدت لنا وسرتنا فى سفرتك الميمونة .

مودتى

الفاضل ود مريم المدنى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مدرسة كتشنر

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الفاضل الفاضل
سلام
يا زول رأي أبوك في "مدرسة كتشنر" الـ "بتبقي الناس لوايطة" صحيح و الدليل كل "هؤلاء الناس" الذين تخرجوا فيها و الذين اجتهدوا و ما زالوا يجتهدون في دفع السودانيين داخل ذلك الموضع الحرج من الوزة.قطعا نحتاج مدرسة جديدة مغايرة.مدرسة لا تنكفئ على نفسها و ترفض العالم و لا تكتفي بطرح نفسها كـ " ضد" مدرسة كتشنر فقط، و إنما مدرسة مصممة بالأصالة على مقاس إحتياج أهل السودان. و هذه مناقشة تحتاج لخيط مستقل، و قيل : خيوط بحالها.
مأمون التلب
مشاركات: 866
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:48 pm
مكان: السودان/ الخرطوم

مشاركة بواسطة مأمون التلب »

قطعا نحتاج مدرسة جديدة مغايرة.مدرسة لا تنكفئ على نفسها و ترفض العالم و لا تكتفي بطرح نفسها كـ " ضد" مدرسة كتشنر فقط، و إنما مدرسة مصممة بالأصالة على مقاس إحتياج أهل السودان. و هذه مناقشة تحتاج لخيط مستقل، و قيل : خيوط بحالها.

أها ده هو الكلام الأنا منتظرك تكتبو من زمان، عشان شايفك بتهبّش فيهو من خلال خيوطك كلّها المتشابكة، خيوطك الحامل بالخيط الغليظ ده؛ وهو خيطٌ مُخَوِّفٌ ومزالقه كثيرة وأنت العالم، إلا أن زمان الخوض فيه هو (الآن)، ونرجو أن نساهم معك جميعاً في إثراء دودته التي (ستطرشق) من شدّة الطّلق.

سلام عليك وعلى ناس الخرطوم الولدتهم في بوستك ده بي طريقة جديدة.
عندما صرخت
لم أشأ أن أزعج الموتى
ولكن السياج عليَّ ضاق
ولم أجد أحداً يسميني سياجا
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:34 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
مأمون التلب
مشاركات: 866
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:48 pm
مكان: السودان/ الخرطوم

مشاركة بواسطة مأمون التلب »

ينصر دينك يا مازن مصطفى
عندما صرخت
لم أشأ أن أزعج الموتى
ولكن السياج عليَّ ضاق
ولم أجد أحداً يسميني سياجا
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الشعر : حيلة العاجز

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا مأمون
سلام يا مازن
و شكرا على القراءة المؤازرة التي جعلتك تؤطر هذا المقطع بإطار الشعر[ و ما الشعر؟ مندري؟] و أظنني كتبته و أنا في حيرة من أمري من جراء تورّطي في نوع الأسئلة العويصة التي لا أعرف لها إجابة فكان ان استعنت على الامر بإغراق الحوت في ماء السؤال.و ربما كان الخلق الشعري في بعض وجوهه هو نوع من إغراق الحوت في لجة الأسئلة العويصة. ربما كان الشعر هو ـ حتى إشعار آخر ـ مجرد وجه من وجوه " حيلة العاجز" ، و ربما كان هذا هو سر شعبية الشعراء .و الله أعلم
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

" نضمي" العربي

مشاركة بواسطة حسن موسى »

ميزة شعر التشكيليين الرئيسية إنما تكمن في مجانيته االكاملة،فمعظم شعراء التشكيليين هم قوم يقرضون الشعر بدون طموح أدبي لأنهم ـ منذ عهد الطلب في الكلية ـ صاغوا طموحهم الفني و المهني داخل فضاء الخلق التشكيلي و أصبح الشعر في مشهدهم هامش جانبي يتمتعون فيه بكامل حرية المبدع و ربما بأكثر من الحرية التي يحيونها داخل فضاء التشكيل نفسه. ذلك أنهم في مجال التشكيل ينوؤون تحت ثقل المطالبات النقدية و التاريخية و المهنية و السياسية حتى.و حقيقة لا أحد يطالبهم بالخوض في مقام الشعر أو مقام الموسيقى أو الفنون المشهدية لكنهم يفعلون ما لا يقولون و لا يقولون ما يفعلون.
اسمعوا " نضمي" أحمد العربي هنا:
1
إني
بَعزك
بعشق لونك
سلطان شمسك
فرحة كونك
ريحة نفسك
مسك الروح
الرايحه بدونك
لمحة عينك
برق الوهج
البان في جبينك
انا
تلميذك
من دَن
بحرك
ارشف حب
جمال
ونضار
بي لون فرحك
اقرا
اساهر
امكن انجح
في المستقبل
ابقى غريمك
ياك النبع
المنو بشيل
كلامي اجيلك
شان احكيلك
قصة عطشي
المنك بروى
القى حنانك
زي بركان
يتوهج يهدر
حالة القلب
المالى حنانك
برضو بعزك
2
لما
لما الشروق
يفصح
تتبسم ألأزهار
متيقنه ويانعه
بي حب
فسيح وندي
كل الوجوه تصبح
الدنيا تبقى نهار
بين القلوب
والحب
تتفجر الانهار
شمس الوطن باكر
تمرق تصافحنا
نسمع عصافيرك
احلى العزف مزمار
كل الجروف تخضر
تتحلى بالنوار
اتوسد احلامك
بعد الضهر
بي شوي
شمس المقيل الحار
اتنفسك سدره
اتوقى بيك من نار
جمر النهار
الهاج













طوريه من فهمك
البذره من نغمك
أنا قلبي ارض الشوق
طوريه
طوريه
تزرع خواطرنا
نحصد جميل الفال
تنبت مشاعرنا
من تربة انفاسك
حُب الأرض
أطفال
تتحقق أحلامك
بي دنيا
حلوة وطن
نزرع خواطرنا
لما الشروق
يفصح
تتعانق الأزهار
الدنيا تبقى نهار
















3

كدي
مفتونك
ومنسوج بيك
منديل عاشقين
اتورد لونم
من شفتيك
سارحه
خيوط الاصل
مشاعرك
حاضنه
نسيج العرض
مشاعري تطولك
عطر الريده
يهدهد جوه
نسيجنا
لمسة كف
العاشقه اليافعه
مراسم فوح
الورده
اريج الدعوه
والدعوه!!!
رحيقك
وبوح
حلاوة الميسم
ياني فراشك
ومفتون بيك










4

خلي السحاب في حالو..
وابقي الشعاع للدنيا..
غطي الظلام بالضو...
تتحقق أجمل منية...
خليكي زي يوم عيد...
كل الخلوق دي تعيد....
وتردد أجمل غنية....
خلي السحاب لحالو



5


اشتكيتك
لي وطن
فاقد خطاه
من جمال اثرك
ملامحو تكون
سلام
اشتيكتك
وسر جمالك
لي المطر
قصد الرشاش
قبل ينزل
من رحابة ارضو
اسكرنا الدعش
اشتكيتك
من جمالك
حسن فالك
اشتكيتك







6

الحان عبد الوهاب (هيبا)

انت يا سمح السجايا
اهدي ليك اجمل تحايا
الشراعات الترفرف
في سماك وفي سمايا
وابقي عشره علي
الحكايا
قصة البلد المعذب
من دواخلو
شايل الآم الغلابه
ودمعة البيت الخرابه
وجعة الارض اليبابة
فجعة الناس الفريده
الديمه ليكم
فاتحه بابه











7

الحان واداء إلهام عبد الخالق

مرسال فراش
يحمل رحيق
ريحة الوطن
والزهره تتفتح طرب
وجنس طرب
مزيقه تتحدى
الانين
وجنس طرب
تفرح دواخلنا
وتزيد
وجنس طرب
تزدان عواطفنا
وتزغرد بالحنين
ونكون وطن










8
اتنفست
زاد عطري
في وسط الفريق
جوني الحبائب
والصحاب
يتبركو
بس بالسلام
كل البسلم يتعطن
بي ده العطر
واتنفست اتعطرت
حتى الزهور
تركت عبيره
ومن مسامي اتعطرت
اتبسمت
واتكلمت
كل الوجود فرحان
طرب
واتمايلت كل القصور
كل الطيور
فرحت تصفق بالجناح
اتعطرت
واتبسمت
واتكلمت


9


شهقتك......

شهقتك نسمه تملاني
زفرت اسى السنين
عنوان تربع
جوه وجداني
واتصاعدت آهات فرح
واتجمع ..........

واتجمع سحاب
شايل الم صوتك
وريحة ثغرك الملثوم
بذاتي انا
الم خصرك
مخضب بي صهيل
نظم المطر
الم صدرك
واحه جميله تتعطر
مسك نفسك وعطرك
في دواخلي سكن
اطفال فرحتك
اجمل عقد
منظوم
من اشواقي
وهواك
سرحت فيك
سرحت في وجودك كتير
سرحت في معنى الوجود
وسرحت فيك
شايلك سند
شايلك نهد
صدر المنى
شايلك غنى
كل المنى
عصفور يغرد
في سما الآمال
وتمطر من عيوني
حروف تبحر
في عيون نظمك
وتتمازج حروفنا نغم
تهيج امواج سواحلنا
وتتمازج
تتمازج
تولد فرحه ابديه
شهقتك لي دواخلي فرح
مليتيني وملكتي سماي




10

قلت القمر
قالت لي
لا
قلت الصبح
قالت لي
لا
حتى الشمس
والامنيات
الحلوه
لا
والهمسه
في اذن الورد
لون الفراش
والذكريات
ما بتحملا
والهمس في شاطي البحر
والضحكه عاكساها
النجوم
احلام كتيره
متلتله
والقبله طعم الامنيات
القبله كانت
فاصله
يا الله لا
ما بنحملا


11

الحان واداء إلهام عبد الخالق

حبوبه اتعدلت
وقالت
حجيتكم ما بجيتكم
بالبت السمحه
الغابه
البت الشايله مزارب
من عشقا يتهنابا
البت كان طلعت قمره
كان قعدت ياها الغابه
البت الشايله
سحابا
تسقيبو الشجر الجَفه
الشايله قساوة الدنيا
شايلاها وما هامابا
عيونا النوره بيبرق
ويضوي طريق اصحابا
دي البنت الحلوه وغابه
يا الله تضوي طريقا
والدنيا دي تتهنابا





12

عصفوره تلًت
في الغصن
واتنفضت
طارت ودارت في الغصن
واتمايلت
عزفت
قصايد الانشراح
وافاها بالإفصاح
صباح
واتمددت
فردت جناح
امل الربيع
وباليسار
فردت جناح كل الامل
واتمددت
واتلفتت
يمين شمال
وافاها في لمحة بصر
اتمايلت
وافاها بالحب والامل
اتباركت
همسات
فرح


واتمايل الغصن السلام
واتمايلو الاتنين
نغم
واتوسدت همساتم
الفرح الجميل
اتذايدت واتمددت
عصفوره تلَت في الغصن
واتمددت


13


يالصباح حدُث عصافيرك
الفجر جهز مزاميرك
النجوم خايفاهو نورك
يلا اطلع من ضمورك
جمل الكون بي ظهورك
ثبت الجبل البيرجف
من مرورك
يفرح البرق البيلمع
يعكس النور من عيونك
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ناس أوستراليا

مشاركة بواسطة حسن موسى »



و ناس أوستراليا

[م] محمد عثماني [ عثماننا سابقا]:
شكرا يا محمد عثماني الذي في أوستراليا على مقالك العامر بالتفاكير في خصوص ما أسميته بـ" المصالحة الثقافية" ، و الذي نشر في " الرأي العام" في يوم 31 ديسمبر. و كنت قد قرأته على عجل وسط ضجيج الحافلة التي كانت تقلني عبر فضاءات الخرطوم في آخر يوم لي.ثم وجدت المقال في بريدي الخاص بعد عودتي، وأضفته لغنائم الخرطوم و رأيت أن أدمجه في سطور " ناس الخرطوم".
أولا بالتبادي، أضجرني أنك حملت علي ، بآيات التشريف الطنانة و أهلت عليّ جملة من ألقاب الوجاهة الرنانة حتى كدت تدفنني بالمرة ،فمسختني لهذا النوع المموّه وسط الألقاب من عجائب مخلوقات العمل العام و المعرّف بـ " التشكيلي الكببير" و " الفنان و الكاتب و المفكر البارز.."إلخ ، و قد سبق لي أن دعوتك للترفق و ترك التنابذ بالألقاب وتقعيد المناقشة على مقعد البساطة و تأجيل اللولوة لمنطقة المفاهيم . تانيا كلامك في مفهوم" المصالحة الثقافية" بين مثقفي السودان دا محتاج لوقفة فقل لي :
من هم المثقفون ؟
و هل هم متخاصمون بالفعل؟
و على أي شيئ يقوم خصامهم؟
ولماذا يتصالحون ؟
و بمناسبة تعريف المثقفين، أذكر ان أحد المتداخلين، و هو صحفي إسمه محمد غلام الله في " الندوة/ الونسة" التي تمت في دار إتحاد الكتاب قدم نفسه قائلا:" أنا صحفي و ما مثقف".ثم تكرم و سألني سؤالا من أسئلة المثقفين إياها " هل ترسم اللوحة الفنان أم يرسم الفنان اللوحة؟" ..
قال مولانا جان بول سارتر مرة في تعريف المثقف بأنه الشخص الذي ينشغل بما لا يعنيه و في هذا المقام أظن أن المثقف هو كل من يصف نفسه بصفة المثقف مثلما هو كل من ينفي عن نفسه صفة المثقف. ذلك أن من ينفي عن نفسه صفة المثقف يعرف بالضرورة معنى موقف المثقف، و هذه المعرفة لا تتيسر إلا للمثقفين.
أما دعوتك للمصالحة الثقافية فهي تضمر مصالحة بين جمعين من المثقفين ، جمع يقف جهة اليسار في معسكر المعارضة، و الجمع الآخر يقف جهة اليمين في معسكر السلطة و بينهما سجال فكري لا ينقطع. و أظن ـ آثما ـ أن حركة المثقفين السودانيين مبدئيا،و بطبيعة نشأتها الفكرية تحت شروط التحرر من الإستعمار، إنما تتموضع يسارا في المعارضة ضد أي سلطة إستبدادية أجنبية كانت أو محلية.وذلك لسبب بسيط هو أن الإستبداد لا يطيق التفاكير.[ قالوا ـ ونحن نذكر محاسن موتانا ـ أن جعفر نميري في لحظات تجليه كان يرفع يده على وزراءه و مستشاريه و قد يضربهم بالشلوت لمجرد أنهم أدلوا بتفاكير مغايرة لما في رأسه ]و لو جيت لواقع حركة المثقفين السودانيين القدامنا ديل فهم، بحكم أنهم تخرجوا في " مدرسة كتشنر" ـ بما فيهم الجماعة الطيبين المسمين نفسهم" مفكرين إسلاميين"، و القاعدين ياكلوا و يشربوا، وفيها يفكروا، تحت مكيفات تدفع فواتيرها دولة الإستبداد ـ كلهم يفكرون ضمن تقليد الفكر المادي الحداثي الذي يعلي الإقتصاد المادي على إقتصاد الروح و يختزل العقيدة لمجرد واحدة من آليات السوق، و في هذ االسياق يشتغل المفكرون السودانيون المبطـّقون كإسلاميين، على نسختهم الخاصة من تقليد التفاكير اليسارية السودانيةغصبا عنهم و غصبا عن تقليد التفاكير اليسارية نفسه و الحمد لله على كل شيئ.
و التأمل في تقليد التفاكير اليسارية[في قيم التحرر و المساواة و الديموقراطية و الجمهورية و حقوق الإنسان وأسئلة العلمنة و تربية الجسد]، و عواقبه على مواقف أولاد المسلمين في السودان فولة كبيرة كيلها يتم في غير هذا المقام الضيق، لكننا لو تأملنا في اللغة التي يستخدمها المفكرون الذين يسمون أنفسهم بالإسلاميين ، و بالذات في العقود الثلاثة الأخيرة، لتعجبنا من تواتر حالات الإنتحال البلاغي اليساري التي تطبع الأدب السياسي للكتاب الإسلاميين. أقول " الإنتحال البلاغي اليساري" بتحفظ كوني لا أجد عبارة أكثر دقة لتوصيف البلاغة السياسية المعاصرة للمثقفين" الإسلاميين" في السودان.و الراجح أن " هؤلاء الناس" الذين تربوا سياسيا داخل مرجعية بلاغية مصنوعة من أدب حركة التحرر بتأثيراتها الممركسة الـمـُلنيـَنة ، و تخرجوا في مدرسة الجدال السياسي التي هندس منطقها الشيوعيون ، لم يكن في وسعهم إستخدام أية بلاغة أخرى بخلاف هذه البلاغة الماركسية التي صانها الشيوعيون في المحافل السياسية السودانية. و حظوة الشيوعيين السودانيين في مقام البلاغة السياسية يمكن فهمها من زاوية أن بلاغتهم السياسية ، المترجمة، تفتن القارئ بجدتها و بغرابتها المفهومية و بكفاءتها في الإحاطة بالوضعية التاريخية الجديدة البالغة الإلتواء لثقافة الحداثة الرأسمالية التي إنتكست بقيم التنوير الأوروبي و حقوق الإنسان لدرك الهيمنة الإستعمارية .البلاغة اليسارية الماركسية بدت في المشهد السياسي ،المتخلـّق محليا على قاعدة النضال من أجل التحرر من الإستعمار، كما الوسيلة الأكثر كفاءة في تفهم شرور حداثة رأس المال الإستعماري.و في هذا المشهد، مشهد إفتتان ضحايا الإستعمار بهذه البلاغة اليسارية انصرف الناس، في السودان و في غيره من بلدان الشرق العربي، عن جزء كبير من التراث الأدبي السياسي العربي الذي تم تصنيفه في فئة " الكتب الصفراء" و صارت عبارة " الكتب الصفراء" التي تدل بشكل عام على نقيض المنهجية العلمية نوعا من تلخيص سلبي لجملة الأدبيات التي جادت بها عبقرية التقليد الثقافي المحلي في الشرق العربي الإسلامي.[ كان صديقنا محمد شداد أيام المناقشة" الكريستالية " في كلية الفنون، يناكف الزملاء الماركسيين االلينينيين في كلية الفنون و يعيرهم بكونهم سجناء فكر "الكتب الصفرا بتاعة دار التقدم" بموسكو فتأمل.. ].
يا محمد عثماني الذي في اوستراليا، كما ترى فحديث المثقفين " المسلمين " و " الإسلامانيين" الناطقين في اللسان التحرري اليساري المعادي للإستعمار و للإمبريالية، ينطوي على شجون كثيرة لا بد من التأني عندها و سأحاول العودة لمواصلة تفاكيرنا هذه في اول سانحة.
ãÍãÏ ÚËãÇä ÅÈÑÇåíã
مشاركات: 129
اشترك في: الخميس فبراير 12, 2009 2:42 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚËãÇä ÅÈÑÇåíã »

يا حسن موسى، بدون ألقاب هنا وبحزمة منتقاة من الألقاب إن عدنا إلى هناك
شكراً لعودتك الى هذا البوست وسأكون بانتظارك حتى تكمل فكرتك أو تضع نقطة ما على نهاية سطر تعقيبك. فقط أردت ان أشير الى قصة الألقاب التي قلت إنها أضجرتك وأنا أقدر ذلك كشخص يتعامل في مجتمع (كاجوال) لا يهتم بالألقاب على الإطلاق، وتثير فكرة التنادي بها سأمه.
القصة وما فيها أن المقال لم يكن موجهاً بشكل مباشر إليك، وإن كان في تحيتك، بل كان موجهاً للقاريء والكتابة بهذا الشكل الإحتفالي أمر معتاد في مقالاتنا الصحفية. استخدامي لبعض الألقاب كعادتي حين أشير إلى أفراد بعينهم أكثر من مرة ناتج عن سببين أولهما إنني تعلمت أن تكرار الإشارة إلى الشخص بصورة واحدة في المقال الصحفي (وفي التقرير الإذاعي والتلفزيوني كذلك) يجلب الملل. هكذا يتوخى الكتاب والمحررون البراعة فيشيرون إلى اللغة العربية مثلاً بلغة القرآن ولغة الضاد وبنت عدنان إلخ... ، وفي الأخبار يقولون بيرنارد كوشنير، ووزير الخارجية ، ورئيس الدبلوماسية وهم يعنون شخصاً واحداً. ليس في هذا مديح وإنما تقرير لواقع فقط لا غير. إذن لم أكن أمدحك لئلا أضجرك أو أخجلن تواضعك!
وثانيهما إنني لم اسبغ عليك صفات مما ليس فيك كمجدد الفكر، أو رسام القرن، أو مفكر الأمة، أو محرر الشعب مثلاً وإنما أشرت إليك بصفات أعتقد أنك تستحقها، وأقول هذا الكلام وأريدك ان تعرف إنني (لا أخاف منك ولا أريد حِنّك) وفق بلاغة الأطفال المبهرة.
بمراجعتي للمقال المعني لاحظت إنني منحتك الألقاب المذكورة كلها دفعة واحدة في مرة واحدة فقط لم أكررها.
كنت أخاطبك في بداية مشاركاتي في هذا المنبر بلقب (الدكتور) حفظاً للمسافات وإقراراً بانه لا ينبغي للبساط أن يكون أحمدياً من طرف واحد، وحين رفعت عني هذا التكلّف بإرادتك، صرت أخاطبك باسمك دون حرج من شبهة التقرب منك.
________________
أشرت أكثر من مرة إلى ما أسميته "حديث المثقفين " المسلمين " و " الإسلامانيين" الناطقين في اللسان التحرري اليساري" بناء على ملاحظتك في العقود الثلاثة الأخيرة وليتك لو قدمت بعض النماذج سواء من الأسماء أو الكتابات لإضاءة هذه النقطة. ثانياً أتمنى أن توضح ما تقصده بمصطلح الإسلامانيين.
واصل وسأعود

أضف رد جديد