خلف الله الرشيد.. صمت دهرا.. وأخيرا نطق بالكثير..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

خلف الله الرشيد.. صمت دهرا.. وأخيرا نطق بالكثير..

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »


https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 53575&rn=2

لقاء صحفي مع السيد خلف الله الرشيد رئيس القضاء في عهد نميري حتى 1982 في جريدة البيان الإماراتية يوم الجمعة 10 يونيو 2005.. توجد فرصة لكتابة تعليق على اللقاء في هذه الصفحة من البيان..
https://www.albayan.ae/servlet/Satellite ... &c=Article
خلف الله الرشيد رئيس القضاء السوداني السابق:
إعدام طه خطأ ولا يستند إلى مادة في القانون




أكد خلف الله الرشيد رئيس القضاء السوداني أن إعدام المفكر محمود محمد طه الذي جرى إبان حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري كان خطأ، وقال إن القانون لا يتضمن حد الردة الذي تمت محاكمة طه بموجبه، وكشف رئيس القضاء أن قرارات «محاكم العدالة الناجزة» قد تم إعدامها وأن محكمة الاستئناف لم تعثر على قرار المحكمة التي قضت بإعدام طه.


واعتبر رئيس القضاء السابق أن بدر الدين سليمان كان مهندس تعديل دستور 1973 الذي منح النميري سلطات مطلقة، وحمل الرشيد الشيوعيين مسؤولية استحداث العنف في العمل السياسي، ودافع عن استقلالية القضاء، وقال إن اتهامه بغير ذلك يستند إلى أسس سياسية بحتة. وفيما يلي نص الحوار:


البدايات


خلف الله الرشيد محمد أحمد محمد نور من مواليد 15 فبراير 1930 تخرجت من جامعة الخرطوم عام 1955م من كلية القانون ثم حصلت على دبلوم عال من جامعة كمبردج ثم الماجستير من جامعة لندن، عملت بالسلك القضائي عام 1955 حتى عام 1956 ثم استقلت وفتحت مكتب محاماة في مدينة مدني وعند خروج الإنجليز من السودان عام 1956 تم الاتصال بي للعودة مرة أخرى للقضاء لوجود فراغ خلفه الإنجليز فوافقت وعملت حتى عام 1960 .


وتمت ترقيتي إلى قاض درجة أولى في العام 1932 ثم نقلي لوزارة العدل في وظيفة مستشار قانوني وكان ذلك عام 1963، بعد ذلك ابتعثتني الوزارة إلى لندن للدراسة وبعد عودتي عام 1967 تم تعييني في وظيفة المحامي العام وعندما شكل النظام القضائي الجديد عينت رئيساً للقضاء في نهاية عام 1967.


وكانت لي في تلك الفترة نشاطات خارج السودان حيث كنت عضواً في لجان كثيرة منها لجنة القانون الدولي المصرية وعضو في المعهد البريطاني للقانون الدولي ورئيساً للجنة التي وضعت ما بات يعرف بالعلامات التجارية .


وكنت عضواً في لجنة الحدود الداخلية ولجنة الاقتصاد والتشريع المصرية وشاركت في لجنة ترتيب القانون عام 1973 ورئيساً للجنة تعديل القوانين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية عام 1977 والآن أمارس التدريس في عدد من الجامعات وعضو في لجنة التحكيم الدولية وبعض اللجان الأخرى.


حنتوب وتشكيل الوعي


الحديث عن حنتوب طويل جداً ونحن لا نعتبرها مجرد مدرسة فقط وإنما كانت معهداً تربوياً لأن عدد الطلاب كان قليلاً والمدرسة عملت بنظام حديث من حيث أسلوب الدراسة لوجود نشاطات كثيرة بخلاف النشاط الأكاديمي مثل المسرح، وكان الطلاب يقومون بعرض مسرحيات عالمية لشكسبير وهمنغواي وكان اسلوب الدراسة المتبع يتيح للطالب التحصيل الأكاديمي ومتابعة النشاطات الأخرى وكنت أتذوق القراءات الأدبية .


وأعجبت بها جداً فوسعت آفاقي، ومن الأشياء المهمة التي كنا ندرسها في حنتوب مبادئ الاقتصاد والسياسة، ونجد أن المدرسة خرجت أغلب القيادات التي قادت السودان في الحقب المختلفة وعندما دخلت حنتوب عام 1947 وجدت من الطلاب محجوب محمد صالح شيخ الصحافة السودانية .


والصحافي والقيادي المفكر وعبدالخالق محجوب (سكرتير الحزب الشيوعي السوداني) لاحقاً والرئيس السابق جعفر نميري ود. حسن الترابي (الأمين العام للمؤتمر الشعبي) الذي جاء إلى حنتوب بعدنا بعام لكنه درس معنا القانون. كذلك هناك ميرغني النميري (عضو مجلس راس الدولة السابق) .


ودفع الله الدمني (رئيس قضاء سابق) ومحيي الدين عووضة (وزير سابق) وزكي الدين أحمد (من كبار الجراحين) وحداد عمر (طبيب كبير) ود. أحمد إبراهيم دريج (حاكم إقليم دارفور السابق ورئيس التحالف الفيدرالي المعارض).


وفي عام 1947 عندما دخلت حنتوب تم نقل الزعيم الأزهري (أول رئيس حكومة وطنية) من الخرطوم إلى حنتوب بقرار من الإنجليز وكان يعمل معلماً بسبب نشاطه السياسي وعند وصوله إلى المدرسة قال مقولته الشهيرة (لو نقلونا حنتوب ما حانتوب) أي بمعنى أن قرار نقله لن يؤثر عليه في مواصلة عمله السياسي المناهض للاستعمار.


سودانيون وعرب


كانت علاقات الطلاب بالمدرسة ممتازة جداً وكذلك العلاقة بين الأساتذة والطلاب مثلاً نجد أن الأستاذ هاشم ضيف الله كان يحب المسرح ويدرس مادة الجغرافيا وهو أول من أدخل الرحلات الجغرافية في المنهج التعليمي وزرنا الكثير من المواقع داخل السودان. كما أن أسلوب الدراسة في الفصول الذي كان يتبع نظام المجموعات قوى العلاقة بين الطلاب .


وهم كانوا من كل أنحاء السودان وكان اجتماع الصباح قبل السابعة صباحاً يخاطبه مدير المدرسة ويتحدث فيه مع الطلاب عن السلبيات ويحثهم على الدراسة. ولقد أسهم نظام المجموعات داخل الفصول في انصهار الطلاب من كل أقاليم السودان بكل أعراقهم في بوتقة واحدة ولم تكن هناك فوارق قبلية بين الطلاب.


وكنا أسرة واحدة وكان لي أصدقاء من غرب السودان على رأسهم أحمد إبراهيم دريج ومحمود بشير جماع وزيران سابقان وكان يدرس معنا أيضاً في ذلك الوقت الرئيس الصومالي عبد الرحمن شارماركي وبعض الطلاب من دولة اليمن.


الأحزاب في ذلك الوقت لم يكن لها وجود في أوساط الطلاب ولكن نحن كنا نتفاعل مع الأحداث السياسية التي تسود الساحة السودانية، ولقد خرجنا في تظاهرات عام 1948 ضد الجمعية التشريعية (البرلمان) الذي أسسه الإنجليز تضامناً مع التظاهرات التي شهدتها مدن الخرطوم وبورتسودان ومدني.


ـ لكن زملاء الدراسة منهم من ينتمي لأقصى اليمين والآخر لأقصى اليسار ألم تشهد المدرسة حالة استقطاب وسط الطلاب لأحد التيارين؟


ـ لقد بدأ الشيوعيون عام 1949 نشاطاً مكثفاً في المدرسة مما جعل بعض الطلاب (المتدينين) يتحركون وأسسوا، ما يعرف بالدعوة الإسلامية وكنت عضواً في هذه الجمعية وهي نشأت كعمل مضاد للنشاط الماركسي اليساري الإلحادي في المدرسة الذي رأينا أنه سيحدث خللاً في البناء الاجتماعي.


لعل من الغريب جداً أن داخلية أبوعنجة تعتبر من أهم الداخليات في المدرسة لأنها خرجت القيادات السياسية كافة التي أثرت على الساحة السودانية، فمن هذه الداخلية تخرج الرئيس السابق جعفر نميري والدكتور حسن الترابي الزعيم الإسلامي المعروف وشوقي ملاسي أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي.


وكان مؤسسو حركة الدعوة الإسلامية من الداخلية نفسها وأبرزهم بابكر كرار (القيادي الإسلامي الاشتراكي المعروف) وأحد الذين ساهموا في الكتاب الأخضر، وميرغني النميري.


وهو كلف بتكوين خلايا للاخوان المسلمين وفي المقابل كان الطالب محمود جاد كريم (من مؤسسي الحزب الشيوعي) يقود العمل اليساري في المدرسة وعلى الرغم من الخلاف الفكري الضيق بين التيارين إلا أن الخلاف لم يخرج يوماً عن الجدل الفكري


عضو في الحركة الإسلامية


انضممت للدعوة الإسلامية عام 1948 وخرجت منها عام 1953 بعد دخولي الجامعة مباشرة وفي ذلك الوقت برزت خلافات وطرح سؤال هل نحن أخوان مسلمون أم حركة إسلامية وحسم الخلاف بتحويل الدعوة الإسلامية إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي بقيادة بابكر كرار وأصبح هناك حزب الأخوان المسلمين بقيادة الرشيد الطاهر (أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في السودان) ورئيس الوزراء ووزير الخارجية في عهد نميري.


والكثيرون يحملون الأخوان المسلمين مسؤولية إدخال العنف في العمل السياسي لكن للحقيقة والتاريخ الشيوعيون هم الذين بدأوا العنف وأنا لا أريد هنا الدفاع عن الأخوان المسلمين وكانت نتيجة هذا العنف رد الفعل المعاكس من الأخوان المسلمين.


عندما كنا ندرس في المرحلة الابتدائية (الكتاب) في ذلك الوقت كنا ندرس خطب الزعماء السياسيين أمثال مصطفى كامل باشا ومحمد فريد وسعد زغلول وغيرهم من الزعماء العرب وكلهم كانوا ينتمون لمهنة القانون لذلك أحببت مهنة القانون لأنها تؤهلك لتكون زعيماً سياسياً وقائداً .


وعلى الرغم من حبي للأدب اتجهت للقانون لهذه الأسباب إضافة لذلك حب أهلنا الشايقية (من كبرى القبائل شمال السودان) للسلطة لأنهم يعطونها حقها لذلك لقيت تشجيعاً من الأسرة على اختيار المهنة.


اتجاهي كان إسلامياً ولم أواصل في التنظيم لأنني كنت لا أحب التقيد، وقبل أن أكمل العام الأول خرجت من التنظيم، لكن قناعاتي لم تتغير حتى تخرجت من الجامعة.


ـ كيف كان النشاط السياسي في الجامعة؟


ـ الطلاب كان أغلبهم مستقلين ولا ينتمون إلى الإسلاميين أو الشيوعيين ونشأت في عام 1951 حركة وسطية سُميت «الطلاب الاستقلاليين» وأطلق عليهم الشيوعيون في ذلك الوقت اسم «البيبسي كولا».


وفي عام 1951، اكتسح الشيوعيون انتخابات اتحاد الطلاب وحصلوا على 9 مقاعد مقابل مقعد واحد للطلاب الإسلاميين. وفي عام 1952 حدث العكس حين حصل الإسلاميون على 9 مقاعد مقابل مقعد واحد للحزب الشيوعي، بعد عام 1952 تجمع الطلاب وكان الاتجاه السائد أن معظم الطلاب لا ينتمون للإسلاميين أو الشيوعيين، لذلك قرروا تكوين هيئة الطلاب المستقلين وسيطروا على مفاصل الجامعة وكانت لهم الأغلبية حتى عام 1955.


الجامعة بلا أحزاب تقليدية


لم يكن وجود حزبي الأمة والاتحادي يشكل ظاهرة في ساحة الجامعة على مستوى كبير، لكن كان هناك القليلون من المنتمين لحزب الأمة منهم كمال الدين عباس وكان من الشخصيات العنيدة والصلبة وله صوت ظاهر جداً في الجامعة.


لأنه كلما تحدث في منبر تحدث باسم حزب الأمة، وهناك أيضاً بعض المنتمين لحزب الأشقاء (الحزب الاتحادي الديمقراطي الحالي) لكن على الرغم من ذلك لم يستطع الحزبان بناء كيان سياسي حزبي قوي على مستوى نهج الإسلاميين والشيوعيين.


وهناك حادثة لا تزال عالقة في ذهني عندما انشق حزب الأشقاء، قام الطلاب المستقلون بدعوة الزعيم اسماعيل الأزهري وعلي عبدالرحمن (من مؤسسي حزب الأشقاء) للقاء بينهما، ونجح المستقلون في إعادة مياه الأشقاء إلى مجاريها وإخراج الحزب من شبح الإنشقاق على الرغم من أنهم لا ينتمون للحزب، وهذا يؤكد على أن طلاب جامعة الخرطوم كان لهم دور كبير في لم الشمل الوطني وإعطاء النصح وحلحلة الخلافات.


الالتحاق بالعمل القضائي


في العام 1955 تم تعييني قاضياً بمدينة الأبيض، ولا أتذكر المحكمة التي دخلتها أولاً على وجه التحديد، لكن عندما عينت في ذلك الوقت كان يجب على القاضي أن يمر على كافة نشاطات المحكمة مثل سجلات القضايا والكتبة والتحري وأقسام الشرطة، وكان من عادة القاضي أن يبدأ بقضايا بسيطة مثل قضايا الشجار وحركة المرور ومن ثم تتصاعد وتيرة نوعية القضايا وفقاً لخبرة القاضي وتدرجه في السلك القضائي.


ـ قضية أصدرت فيها حكماً ندمت عليه فيما بعد؟


محاكمة محمود محمد طه خطأ


لقد كنت رئيساً لمحكمة سنار (وسط السودان) وكنت قاضياً مقيماً وحكمت في جريمة قتل بتبرئة المنتقم وتم استئناف الحكم وأيّد الاستئناف قرار البراءة بعد فترة من القضية وجدت أنه كان من الأفضل أن نغيِّر الحكم من البراءة.


وكنت في ذلك الوقت المحامي العام وفي العام نفسه (1967) هاجم الجيش منطقة في جنوب السودان وكانت تسيطر عليها قوات «الأنانيا» (أول حركة متمردة في الجنوب) وعند الهجوم على المدينة تم ضبط المرتزق شنايدر بداخلها وهو ألماني الجنسية وكان يعمل مع «الأنانيا» وقدم للمحاكمة وكنت ممثل الاتهام وحُكم عليه بالسجن ومن ثم تم ترحيله إلى بلاده.


ـ الرئيس السابق نميري حدثنا عن عملك في اللجنة؟


ـ كنت رئيس اللجنة التي شكلها الرئيس السابق جعفر محمد نميري لمراجعة القوانين للتوافق مع الشريعة الإسلامية وقانون عام 1983 كانت معظم بنوده من هذه اللجنة، ولكن طالته بعض التعديلات. فنحت في اللجنة ضمناً القانون 5 حدود وهي المتفق عليها في الشريعة الإسلامية، بينما استبعدنا حدي الردة والبغي لوجود خلاف بين الفقهاء حولهما.


إضافة على أنهما قد يتم استغلالهما سياسياً. أما القوانين المقيّدة للحريات، فلم أشارك في وضعها وهي ما عُرف بالقوانين المصاحبة مثل قانون الأمن ومحاكم العدالة الناجزة وهذه أعطت إشارات خاطئة بأن الإسلام دين قمعي ولقد أدت هذه القوانين لتعثر تطور القانون في السودان وتم استغلال هذه القوانين من ناحية سياسية مما أدى إلى إجهاض التجربة.


أنا لم أدخل حد الردّة في القانون، ولقد قام النظام بذلك وقلت وقتها إن محاكمة محمود محمد طه خطأ لأنه كانت لا توجد مادة في القانون تُعرف بالردّة، ولقد قالت المحكمة العليا إن قرار الإعدام غير صحيح.


وقلت إن التهمة لا أساس لها من القانون، وتم الرجوع وقتها إلى ما يُعرف بقانون تفسير القوانين وهو يعطي القاضي المجال ليفسِّر على ضوء المبادئ الشرعية وهو من أفتى بالردِّة وأعلنت حينها أن القاضي لا يُعتبر مشرِّعاً وإنما ينفذ القوانين.


وانتقدنا القرار واستأنفنا الحكم لمحكمة الاستئناف ولكن تمت المحاكمة من قِبل محاكم العدالة الناجزة وطالبت بإعطائنا صورة من قرار المحكمة ولكن لم يتم ذلك. والغريب أن قرارات محاكم العدالة الناجزة كلها أعدمت وكنّا نريد دراستها ولكن لم نجدها.


نميري لا يحب التحدي


لم يكن هناك سبب مباشر وراء إقالتي من رئاسة القضاء في عام 1982، ولكن يبدو أن الرئيس نميري كان يحب التغيير، ولقد سألني كثيرون حول تدخل نميري في عمل القضاء ولكن إحقاقاً للحق كان لا يتدخل وقد يستفسر عن بعض القضايا.


وعندما طلب مني المشاركة في التنظيم السياسي للحكومة (الاتحاد الاشتراكي) والمشاركة كعضو في مجلس الوزراء، وكنت رئيساً للقضاء وافقت على الرغم من وجود معارضة عنيفة من قضاة المحكمة العليا بحجة أن دخولي سيؤثر في استقلال القضاء.


وكانت رؤيتي أن القاضي يحكم بما لديه من بيِّنات لا يمكن أن يكون جزيرة معزولة من الدولة فهو جزء منها ووجودي في مجلس الوزراء ساهم في الدفاع عن حقوق الجهاز القضائي ومكتسباته، وأنا أتحدى أي قاض يقول انني أمرته بإصدار قرار معين في أية قضية إبان توليتي مهام رئيس القضاء.


نميري رجل ذكي ويحب الوضوح والبساطة وإذا أعطيته الحقيقة ووضحت له أسباب اتخاذ القرار لن يعارض، وهو يكره التحدي، فإذا تحديته فهو يتحداك، ولقد هاجمني مرات عدة، ولكن بعد أن أوضح له الحقائق يتم حل المشكلة بيني وبينه، ويكره نميري التعالي و«الفلسفة» وذلك باستخدام عبارات غريبة.


كانت هناك في نهاية السبعينات قضية فنان لا أذكر أسمه متهم في جريمة قتل وصدر حكم بإعدامه، وطالب أعضاء مجلس الثورة نميري بإلغاء الحكم، ولكنه رفض وأيد قرار الإعدام، لأنه كان يرى أن الأمر فيه تحد له.


مطلوب تفتيش قضائي


أنا أرى اتهام القضاء السوداني بعدم الاستقلالية مبني على أساس سياسي، فيجب ألا نطلق الحديث على عواهنه، مثلاً اللجنة الدولية التي تقصت الحقائق في دارفور تتهم القضاء السوداني بأنه تقاعس، ولكن هل القضاء هو الذي يذهب ويبحث عن القضايا، وما أعرفه أن القضاء لم تعرض عليه قضية حول دارفور ورفض النظر فيها أو قام بشطبها، والقضاء السوداني على مر التاريخ حافظ على استقلاليته، وأي طعن في استقلاليته يبنى على أساس سياسي.


كنا في الوقت السابق نصنف على أننا متأثرون بالثقافة الغربية، والآن المحاكم حدث فيها تغيير كبير، بإبعاد الثقافة الغربية، وأنا أرى ان القضاء الحالي يحتاج إلى تفتيش قضائي، لأنه في الفترات الأخيرة التدريب لم يكن كافياً، ويأخذ الكثير من طاقات قضاة المحكمة العليا الذين يقومون به، وفي الوقت نفسه تكون على طاولته الكثير من القضايا.


لذلك فإن التفتيش القضائي مهم، لأنه يصلح مسار القضاء ولابد أن تنظم كل المحاكم، ومما يؤخذ على النظام القضائي الآن أن القاضي هو الذي يكتب تقريراً عن نفسه والقضايا التي قام بحكمها وهو أيضاً يقوم بانتقائها، بينما في السابق كان المفتشون وهم أرفع من قضاة المحكمة العليا يراجعون القضايا كافة ويوجهون بمعالجة الأخطاء وأيضا كان تقرير المفتش القضائي هو من يدفع بالقاضي الى الترقي.


القضاء مازال بحاجة الى استقلالية والمجلة القضائية التي تصدرها الهيئة القضائية بها أحكام جيدة.


الدستور يتطلب الاحترام من الجميع


كنت رئيسا للجنة دستور عام 1988 وتعرضت المسودة عن خروجها للكثير من التغييرات، ولقد أصدرنا بيانا بهذا الصدد وضحنا فيه الخلافات بين النسختين وسلمنا نصها للبرلمان.


ومن أبرز الخلافات انه في قضية الحريات الأساسية فصلنا نحن فيها كثيرا وقلنا أنه يجب الا يقبض على أي شخص الا بتهمة ولا يبقى في الحبس أكثر من 72 ساعة كذلك الحكم الولائي فصلنا فيه وحددنا سلطات الوالي والمجالس التشريعية الولائية وكلها حذفت وصيغت على نحو جعلها من أسوأ الصياغات.


مشكلتنا في السودان ان كافة الدساتير التي صيغت في فترات سابقة فيها الكثير من النقاط المشتركة ولصياغة دستور دائم لابد من أن تسبقه توطئة إعلامية واستشارية لأن الدستور إذا لم يحترم لن يطبق.


أنا الآن غير مواكب للنشاط القضائي ولكني أرى أن هناك الكثير من النقد الجائر للقضاء كنت سأعمل على إيقاف هذا النقد والهجوم.


دستور 1977 لم يكن أفضل دستور ولكن السلطات التي منحت نميري بعد حركة انقلاب حسن حسين في 1975 كانت سلطات واسعة جداً اذ تم منحه الحق المطلق في الكثير من القضايا ومنها إعطاؤه الحق في التقدير بشأن الاتحاد الاشتراكي (التنظيم الحاكم) وكانت هذه السلطات تمثل نكسة لدستور 1973.


ومهندس ذلك التعديل هو بدر الدين سليمان. التعديلات التي طالت قوانين سبتمبر 1983 من المسؤول عنها وهل التعديلات أخلت بالقوانين الأصلية؟ وقوانين 1983 لم تخرج عن الشريعة الإسلامية ولكنها ألحقت بقوانين مقيدة للحريات وهذه القوانين هي السبب الأساسي في الهجوم على قوانين سبتمبر، والقوانين المقيدة للحريات وصفها النظام في ذلك الوقت.

ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »


هذه الشهادة تاريخية ووثيقة هامة بخصوص محاكمة الأستاذ محمود محمد طه كونها جاءت من رجل كان هو رئيس القضاء في عهد نميري حتى عام 1982..

وقد كتبت التعليق التالي على اللقاء في سودانيز أونلاين:

https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 53575&rn=5

هذا اللقاء الصحفي كشف الكثير عن السيد خلف الله الرشيد.. أولا اتضح ميله إلى الاتجاه الإسلامي على طريقة الأخوان المسلمين منذ مرحلة الدراسة الثانوية في حنتوب.. يتضح هذا في قوله التالي:

Quote: ـ لقد بدأ الشيوعيون عام 1949 نشاطاً مكثفاً في المدرسة مما جعل بعض الطلاب (المتدينين) يتحركون وأسسوا، ما يعرف بالدعوة الإسلامية وكنت عضواً في هذه الجمعية وهي نشأت كعمل مضاد للنشاط الماركسي اليساري الإلحادي في المدرسة الذي رأينا أنه سيحدث خللاً في البناء الاجتماعي.


المعروف أن فكر اليساريين كان يركز على مقاومة الاستعمار والدعوة إلى المساواة والاشتراكية، ولكن يبدو أن الاستعمار البريطاني نجح في عزل اليساريين في المدارس والجامعات وذلك باستعداء المسلمين عليهم بحجج مثل التي قرأناها هنا من السيد خلف الله الرشيد.. فلا غرو إذن أن ينضم شاب مثله إلى جمعية الدعوة الإسلامية كما قال هو بنفسه:


Quote: انضممت للدعوة الإسلامية عام 1948 وخرجت منها عام 1953 بعد دخولي الجامعة مباشرة وفي ذلك الوقت برزت خلافات وطرح سؤال هل نحن أخوان مسلمون أم حركة إسلامية وحسم الخلاف بتحويل الدعوة الإسلامية إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي بقيادة بابكر كرار وأصبح هناك حزب الأخوان المسلمين بقيادة الرشيد الطاهر (أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في السودان) ورئيس الوزراء ووزير الخارجية في عهد نميري.



Quote: والكثيرون يحملون الأخوان المسلمين مسؤولية إدخال العنف في العمل السياسي لكن للحقيقة والتاريخ الشيوعيون هم الذين بدأوا العنف وأنا لا أريد هنا الدفاع عن الأخوان المسلمين وكانت نتيجة هذا العنف رد الفعل المعاكس من الأخوان المسلمين.


وليت السيد خلف الله الرشيد أوضح للصحيفة كيف أن الشيوعيين هم الذين بدأوا العنف في السياسة السودانية.. ليته تحدث عن حادثة حل الحزب الشيوعي بدعوى محاربة الإلحاد، ومحاولة الهيمنة على الجنوبيين بدعوى مقاومة الانفصال، ومحاولة حل الحزب الجمهوري بدعوى الردة في عام 1968.. وليته تحدث عن أول هجوم استعمل فيه الأخوان المسلمين العنف في جامعة الخرطوم في حادثة "الرقصات الشعبية" المشهورة.. وهي أحداث يعترف بها الأخوان المسلمون أنفسهم، وقد كتبها بعضهم في كتاباتهم، وكمثال لذلك ما كتبه محجوب عروة في جريدة الرأي العام قبل عدة أعوام..
يعترف السيد خلف الله الرشيد بأنه كان إسلامي التوجه بالرغم من استقالته من العمل التنظيمي:

Quote: اتجاهي كان إسلامياً ولم أواصل في التنظيم لأنني كنت لا أحب التقيد، وقبل أن أكمل العام الأول خرجت من التنظيم، لكن قناعاتي لم تتغير حتى تخرجت من الجامعة.


ولعل هذه الخلفية "الأخوانية" هي التي شكلت طريقة تفكير السيد خلف الله الرشيد .. فلنقرأ هذه الفقرة من قوله:

Quote: ـ كنت رئيس اللجنة التي شكلها الرئيس السابق جعفر محمد نميري لمراجعة القوانين للتوافق مع الشريعة الإسلامية وقانون عام 1983 كانت معظم بنوده من هذه اللجنة، ولكن طالته بعض التعديلات. فنحت في اللجنة ضمناً القانون 5 حدود وهي المتفق عليها في الشريعة الإسلامية، بينما استبعدنا حدي الردة والبغي لوجود خلاف بين الفقهاء حولهما.



إذن، باعتراف السيد خلف الله الرشيد، يكشف مشاركته في تعديل القوانين السودانية، لتتمشى مع "الشريعة الإسلامية" مع أنه كقانوي يُفترض أن يعرف أن قوانين الشريعة الإسلامية قوانين غير دستورية لأنها تفرق بين المسلم وغير المسلم في الدولة الواحدة [والسودان به كثيرون غير مسلمين]، وتفرق بين الرجل والمرأة أيضا، ومجرد معاونة النميري على ذلك إنما هو إعانة على باطل، ولا يعفيه من ذلك نفيه أن يكون قد شارك في وضع القوانين المقيدة للحريات عندما قال:
أما القوانين المقيّدة للحريات، فلم أشارك في وضعها وهي ما عُرف بالقوانين المصاحبة مثل قانون الأمن ومحاكم العدالة الناجزة وهذه أعطت إشارات خاطئة بأن الإسلام دين قمعي ولقد أدت هذه القوانين لتعثر تطور القانون في السودان وتم استغلال هذه القوانين من ناحية سياسية مما أدى إلى إجهاض التجربة.
وهو لا بد يعرف ما كتبه الجمهوريون بشأن تعديل القوانين في العديد من كتبهم.. فما الذي منعه من الصدع بقول الحق؟؟ لعل ذلك هو خوفه من تحدي النميري!! ألم يقل هو بنفسه عن النميري:


Quote: نميري رجل ذكي ويحب الوضوح والبساطة وإذا أعطيته الحقيقة ووضحت له أسباب اتخاذ القرار لن يعارض، وهو يكره التحدي، فإذا تحديته فهو يتحداك، ولقد هاجمني مرات عدة، ولكن بعد أن أوضح له الحقائق يتم حل المشكلة بيني وبينه، ويكره نميري التعالي و«الفلسفة» وذلك باستخدام عبارات غريبة.

كانت هناك في نهاية السبعينات قضية فنان لا أذكر أسمه متهم في جريمة قتل وصدر حكم بإعدامه، وطالب أعضاء مجلس الثورة نميري بإلغاء الحكم، ولكنه رفض وأيد قرار الإعدام، لأنه كان يرى أن الأمر فيه تحد له.





والتعليق يتواصل..

ياسر
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

في هذه الوصلة
الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور
تكملة لتعليقي وسأعمل على إثباتها هنا فيما بعد..
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور..

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

جاء في كتاب "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور" 1977 ما يلي، وأرجو من المهتمين قراءة ما وضعته باللون الأحمر قراءة متمعنة.. الدستور العلماني الذي يكفل حقوق الإنسان الأساسية أفضل من تطبيق الشريعة.. وعلى كل حال فإن الواقع اليوم قد تجاوز حتى الفرصة التي كان الجمهوريون يعملون على تحقيقها، وقد ضاعت الفرصة، ولن ينفع الآن سوى العودة لدستور علماني مدني يكفل حقوق جميع السودانيين، وإلا فلن تكون هناك فرصة لأن يكون وطن إسمه السودان، وسيذهب كل أناس بإقليمهم.. ولن يسمح العالم بتكرار أفغانستان طالبان كما يظن الذين يقولون بأن النظام قد أبقى على "الشريعة" فهم لا يعرفون ما يقولون.. والآن إلى مقتطفات الكتاب التي أعتبرها وثيقة تاريخية عظيمة تبين كيف أن الجمهوريين أرادوا نصيحة النظام ولكنه لم ينتصح، بل بالعكس انساق بصورة عمياء وراء السلفيين من داخل وخارج السودان لإسكات صوت الأستاذ محمود والجمهوريين.. الواقع الآن يفرض على الجميع أمورا أخرى..


الدساتير العلمانية وأصول القرآن

ان الدساتير العلمانية التي تكفل حق المساواة والحرية هي حصيلة كدح الانسان الطويل في سبيل تحصيل حريته.. وهو كدح قاس، وطويل تم عبر العرق، والدموع، والدماء، وانتهي الى اقرار الحرية، والمساواة لكل الناس رجالا، ونساء .. وهذا مستوى متقدم بالنسبة لمستويات المجتمعات الماضية، ولكنه مستوى دون طموح انسان القرن العشرين، ودون المستوى الذي تكفل به الاسلام حيث تقدم بـ ((الدستور))، ذلك ((الدستور)) الذي ما الدساتير العلمانية الا اتجاه نحوه، والاّ خطوة في سبيله، تعلن الحاجة اليه، والطاقة به، وتمهد له، ولذلك فليس هناك ((دستور)) حقيقي الاّ في الاسلام، وذلك لأن ((الدستور)) انما هو القانون الاساسي، وهو انما سمي القانون الاساسي لأنه ينص على الحقوق الأساسية، والحقوق الاساسية انما سميت حقوقا أساسية لأنها لا تمنح، ولا تسلب، بغير حق، وهي حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع عليهما أساسا مما هو مكمل لهما، وحافظ لهما.. وجوهر الدستور هو رفع الوصاية عن الرجال، والنساء، فان فيه كل فرد بشري، من رجل أو امرأة، انما هو غاية في ذاته .. وهذه النظرة الاساسية تؤخذ من آصل أصول الاسلام وهو ((الفردية)) .. فان المسئولية، في أصل الاسلام، انما هي مسئولية فردية، يقول تعالي: ((ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة)) .. ويقول في مبدأ المسئولية الفردية: ((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)) .. والمسئولية الفردية تتبعها الحرية الفردية، ولذلك قدس الاسلام، في أصوله، الحقوق الاساسية، والحرية الفردية للدرجة التي نهي فيها نبيه الكريم، على كمال خلقه العظيم، وعلى بعده عن مواطن الاستعلاء، نهاه عن السيطرة على حريات المشركين، الجاهليين، عبدة الأوثان.. ولذلك فالحرية في أصول الاسلام مطلقة، وهي لا تحد الا بعجز الفرد عن حسن التصرف فيها.. وحتى حين يعجز، فان حريته لا تصادر الاّ بقانون دستوي يوفق، في كل اجراءاته، بين حق الفرد في الحرية الفردية، وحق الجماعة في العدالة.. ولكل ذلك قلنا أن ((الدستور)) لا يوجد الاّ في الاسلام ..

مراجعة القوانين الحاضرة على أساس آيات الأصول:

ان الدعوة للرجوع للشريعة المرحلية، وان كانت في مظهرها هي دعوة للدين، الاّ أنها في الواقع، والحقيقة، انما هي دعوة ضد الاسلام في معنى ما هي ضد آيات الأصول في القرآن.. وانما من هذه الضدية جاء النسخ، وهي أيضا ضد الدستور القائم الآن، والداعي الى المساواة.. وهي بذلك تظهر الاسلام بالتخلف حتى عن الحقوق التي كفلتها الدساتير العلمانية .. هي بايجاز دعوة ضد مكتسباتنا الانسانية، والشعبية الحاضرة.. وهي أيضا ضد بعث الاسلام، ذلك بأن الدعوة الراشدة للاسلام توجب أن نتخذ المكتسبات الحاضرة نقطة انطلاق الى رحاب السنة المطهرة بدل الرجوع من هذه المكتسبات وخير مثل لتوضيح ذلك هو حقوق المرأة.. فهل ستجلس اللجنة الموقرة لتسلب المرأة العصرية حقوقها السياسية، والمدنية، التي أعطاها اياها التطور، والعرف، والدستور، والقانون، بحجة أن هذه الحقوق لا تتفق مع الشريعة المرحلية التي انما جاءها القصور من كونها قد وجدت المرأة، حين شرعت، في حفرة الوأد، فجاءت، في حقها، قاصرة، ومتخلفة؟؟ فهل سنفعل ذلك في وقت يقدم الاسلام فيه للمرأة في أصوله حقوقا أكثر من حقوقها في أي دستور في الأرض، وفي أي قانون؟؟
من كل ما تقدم يظهر لكم أن مناهضتنا لهذا الاتجاه السلفي المضر بالدين، وبالشعب، انما هي مناهضة يمليها علينا واجبنا الديني والوطني.. واننا حين ندعو الوضع الحاضر الى تبصر، ومراجعة موقفه في هذا الاتجاه الخطير انما نراعي، فيما نراعي، انه قد كانت له فضيلة المراجعة، والرجوع، عما رآه خطأ في أمور هي أقل خطرا من هذا الأمر العظيم، كما أننا بذلك ننصح لله وللدين، وللسلطة، وللشعب، ونعتقد أننا في موقع يمكننا، ويلزمنا بهذا النصح .. ومع ذلك فانه – لا ضير، ولا خوف، قال تعالي ((انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)).. صدق الله العظيم

تطوير التشريع هو المطلوب
تم تكوين اللجنتين: اللجنة الفنية واللجنة العامة، حددت اختصاصاتهما بـ ((تعديل القوانين السارية لتتمشي مع أحكام الشريعة الاسلامية وقواعدها)) وتم افتتاح أعمالها رسميا ..
ونقدم في هذا الكتاب رأينا المتكامل حول اختصاصات هاتين اللجنتين، وهي تتعلق بأخطر وأدق المواضيع التي على حسمها يقوم مستقبل هذا الشعب في علاقته بأخص خصائصه وهو الدين ..
واننا انما نعالج هذا الموضوع الدقيق، الخطير، بوصفنا أصحاب الدعوة الواعية الجادة الي تطوير التشريع الاسلامي في اطار بعث الاسلام، واحياء السنة .. وقد ظللنا نضطلع بهذه الدعوة منذ ما يزيد على ربع القرن.. وهي الآن مبوبة، ومفصلة، في كثير من كتبنا .. ونحن نقيم حولها الحوار الموضوعي الواسع، وننشرها بين أفراد شعبنا في شتي ضروب نشاطنا التي تشهدونها اليوم، فصار لنا قطاع واسع من القراء والأصدقاء بين المواطنين، وأخذت دائرة الملتزمين بهذه الدعوة تتسع يوما بعد يوم، وذلك في نفس الوقت الذي لا تجد فيه دعوتنا التفهم الكافي من قطاعات أخري من المواطنين بفعل عوامل كثيرة، منها ما يقع على هذه الدعوة من معارضيها المتعصبين من تشويه منكر، نعمل، كل يوم، على تصحيحه، ونحقق في ذلك كل يوم نجاحا عظيما ..
ونحب باديء ذي بدء، أن نؤكد، توكيدا جازما، أننا، كنا ولا زلنا، داعين، بصدق، وبجد، الي التشريع الاسلامي .. بل أننا لنري أنه لا أمن، ولا رفاهية، لشعبنا الا تحت ظل بعث اسلامي جديد، يقوم عليه تشريع اسلامي جديد، ويقوم، في سبيل ذلك، فهم جديد للتشريع الاسلامي، عمدته تطوير الشريعة الاسلامية الموروثة على أساس أصول القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.. وهذا الفهم الجديد حقيق بأن يلقى اهتمام المهتمين بالمسائل العامة، لاسيما المشتغلين بالشئون القانونية، والتشريعية، وسيكون من أغراض هذا الكتيب اعطاء موجز كاف عما نعني بالشريعة الاسلامية المطورة ..

[....]

تطوير التشريع الاسلامي .. لماذا؟؟
لا يفرق ((الفقهاء)) بين الشريعة والدين، وانهم بذلك ليقعون في خلط ذريع، يشكل تعويقا أساسيا لبعث الاسلام، وأحياء السنة .. وما يقال في هذا الباب أن الشريعة ليست هي الدين، وانما هي المدخل على الدين – هي الطرف القريب من أرض الناس الذي تدلي من الدين لتنظيم حياتهم وفق طاقاتهم وحاجتهم، فالشريعة الاسلامية الموروثة ليست هي الكلمة الأخيرة في أمر التشريع في الاسلام.. اذ كان المجتمع الذي شرعت له ذا طاقات محدودة، وحاجات بسيطة، ومن ههنا، دعوتنا الي تطوير التشريع الاسلامي ليخدم الحاجات والطاقات الهائلة لمجتمع القرن العشرين ..
والحكمة في تطوير التشريع انما تلتمس، أول ما تلتمس، في التوحيد، ذلك بأن كل ما عدا الذات الالهية انما هو خاضع لسنة التطور.. والتشريع من باب أولى.. لأنه انما يجيء لتلبية، وتنظيم، حاجات، وطاقات، الانسان.. وتلك حاجات، وطاقات، متجددة تجدد الحياة نفسها في سيرها تحت قهر الارادة الالهية من الاستيحاش الى الاستئناس.. والتشريع انما يساير تقدم الانسان من قصوره الى نضجه، حيث يتمتع بالحرية الكاملة والمسئولية الكاملة..
والبعث الديني، حينما يجيء، انما يجيء فيجد المجتمع البشري وقد كون شتي الأعراف التي تقوم عليها حياته، والتي تقف الارادة الالهية الخفية خلف تكوينها .. ومن هذه الأعراف ما هو باطل، ومنها ما هو حق.. فيعمد البعث الديني الي محو ما هو باطل من هذه الأعراف، واثبات ما هو حق منها، ثم التسامي بالأعراف المحققة لغرض الدين الي قمة جديدة في التوحيد .. فليس هناك باطل مطلق في الوجود، والله تعالي انما يسيرنا، وفق ارادته، بثنائية الخير والشر حتي يبلغ بنا باحات الخير المطلق ..
ولقد قطعت البشرية شوطا بعيدا في التطور في مدى الأربعة عشر قرنا الماضية، وكونت شتى الأعراف التي تتمشي مع مراد الدين من تحقيق كرامة الانسان .. وفي قمة هذه الأعراف ما حققه الانسان عبر صراعه الطويل من أجل حريته وكرامته مثل الانجازات العظيمة التي تمخضت عن النص على حقوق الانسان في المواثيق الدولية، وفي الدساتير القومية.. هذه على سبيل المثال .. وحينما يجيء البعث الاسلامي اليوم بعد أن سارت الحياة العامة، بعيدا عن ظل الشريعة الاسلامية الموروثة، لعدة قرون، حققت أثناءها العديد من الانجازات، فانه لابد لذلك البعث الاسلامي أن يتخذ تلك المنجزات العظيمة التي تحققت في سبيل كرامة الانسان وحريته، بناء تحتيا له يقيم عليه بناءه الفوقي لتحقيق القدر الأكبر من كرامة الانسان وحريته .. فالدستور ((العلماني)) الذي ينص على الحقوق الأساسية انما يقترب خطوات من الدستور كما هو في أصول القرآن بينما تقصر الشريعة الموروثة عن الوفاء بتطلعات الانسان المعاصر والتي لم تعد وافية بها تماما الاّ أصول القرآن .. وكمال الشريعة ليس في بقائها جامدة على صورة واحدة، وانما في مقدرتها على التطور لاستيعاب قدرات الانسان وتطلعاته الجديدة .. وفوق ذلك فان الشريعة، مهما بلغت من السموق، والتسامي، انما هي، في نهاية المطاف، وسيلة لتحقيق كرامة الانسان .. بل ان انزال القرآن، وارسال الرسل، انما هو أيضا وسيلة الي هذه الغاية العظيمة .. والعيب ليس في الشريعة الموروثة التي خدمت مرحلتها التي شرعت لها أتم خدمة، وانما العيب هو عيب المحاولات القاصرة التي تريد أن تنقلها، بكل صورها، وهي في مستوي الوصاية، لتحل مشكلات مجتمع شبّ عن هذا المستوي، فاستأهل أن يشرع له في مستوي الحرية، والمسئولية..
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

هذه الفقرة من كتاب "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور" [الطبعة الثانية 1977]

والدستور المقصود هو دستور 1973 العلماني بطبيعة الحال.. وهي تكشف المزيد



خطورة الاتجاه الي تعديل القوانين لتتمشي مع الشريعة الاسلامية
[....]
والآن!! يلوح شبح الدستور الاسلامي المزيف من جديد!! وهذه المرة، على أيدي الذين، هم أنفسهم، كانوا قد درأوا خطره من قبل!! [يعني نظام مايو] فها هي لجنتكم تكوّن، اليوم لتعديل القوانين السارية لتتمشي مع أحكام "الشريعة الاسلامية" وقواعدها!! اننا كأصحاب دعوة الي تطوير التشريع الاسلامي، ناهضوا من قبل، وبشدة، الصور المزيفة للدين، ننبه الي خطر السير في الطريق المسدود الذي سارت فيه الأحزاب الطائفية من قبل .. ونؤكد أن العودة الآن الي الشريعة السلفية المرحلية دينيا خطأ وانسانيا خطأ وعمليا غير ممكنة ..
ان محاولة تعديل القوانين لتتمشي مع الشريعة الموروثة محاولة مقضي عليها بالفشل، من الوهلة الأولي، الاّ اذا وارت فشلها بالتزييف، والمرواغة، واتخاذ المظهر الديني السطحي، كدأب الأحزاب الطائفية، من قبل، الشيء الذي نرجو، مخلصين، الاّ يتورط فيه نظام "مايو"..
اذا كانت خطة لجنتكم قصاراها أن تعدل بعض القوانين لتتمشي مع بعض صور الشريعة الاسلامية الموروثة فهي انما تقع في تناقض ذريع مع روح الشريعة ومع نصها، وهما يقضيان بأن تقوم الشريعة بجميع أركانها، أو لا تقوم!! فهي كل لا يتجزأ، لأن بعضها انما يعتمد على بعض .. وهي، كلها، انما تقوم على الوصاية، وليس على الحقوق الأساسية .. أما اذا كانت خطة اللجنة هي أن تعدل طائفة من القوانين السارية على ضوء الشريعة الموروثة كخطوة مرحلية، تمهد لتعديل سائر القوانين، تدريجيا، لتتمشي مع سائر أحكام الشريعة الموروثة، وبكل صورها في المستقبل، فان هذا الاتجاه ينقصه التفطن الي أن هذه الشريعة غير صالحة للوفاء بحاجة الانسان المعاصر، وطاقته، الهائلتين، وأنه لا بد من تطويرها الي شريعة اسلامية جديدة مبنية على أصول القرآن والسنة .. هذا هو مراد الدين، وهو مراد الحياة المعاصرة أيضا، وقد سيرها الله الي هذه القامة العظيمة التي لا يمكن أن تقارن بقامة الحياة التي شرعت لها هذه الشريعة ..
ياسر الشريف المليح
مشاركات: 1745
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:24 pm
مكان: ألمانيا
اتصال:

مشاركة بواسطة ياسر الشريف المليح »

ياسر الشريف كتب:تعقيب على مداخلة الأستاذ عاطف عمر في سودانيز أونلاين حول مقابلة السيد خلف الله الرشيد..
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 3575&rn=16

الأخ العزيز الأستاذ عاطف عمر،

تحية المودة والتقدير

أشكرك على المرور والتعليق والتحليل الحصيف حول توقيت التصريح.. أما أنا فقد توقفت عند حادثة قال أنه ندم عليها، وهي تبرئته لقاتل ارتكب جريمة القتل بدافع الانتقام، فعرفت أنه قاض غير نزيه.. ولذلك لم أكن أتوقع منه غير هذا الموقف من الحكم على الأستاذ، وحتى بعد عشرين سنة يصف الحكم بأنه خطأ، تصور "مجرد خطأ"!!! بينما الحكم كما قال الأخ عمر علي هو ليس فقط خطأ وإنما جريمة، بل جريمة العصر..

وقد صدقت القول عن هتافات الشرفاء في سجن كوبر، وجلهم من اليساريين، فقد سمعت أيضا من الأخ الدكتور الشفيع خضر شهادته حول هذا الأمر ولا يزال يذكر لقاءه بالأستاذ محمود.. ليت الدكتور يكتب عن هذا الأمر في يوم من الأيام، ويا حبذا لو استطاع أحد بورداب القاهرة أن يسأله أن يكتب مذكراته عن تلك الأيام الرهيبة الحزينة..

طبعا خلف الله الرشيد بالذات يعرف أن الجمهوريين قد كتبوا عنه وعن القضاء في عهده كثيرا وسيجيء الوقت لقراءة وثائق كثيرة، فإن كل كتابات الجمهوريين وتقاريرهم محفوظة.. ويوم الحساب سوف يأتي بلا أدنى ريب، وكثيرون هم الذين يعملون لجعل مثل هذا الحساب ممكنا..

وربما يكون هذا البوست مناسبا لكي تكتب عن ذكرياتك ليوم التنفيذ بصورة مفصلة، ولتلك الأيام بصورة عامة، وأنا متشوق لقراءة هذه الذكريات.. في مداخلة قادمة سأنقل لك ما كتبته شاهدة على التنفيذ هي الصحفية المشهورة جوديث ميللر في كتاب لها، وقد نقل الأخ الدكتور النور محمد حمد هذه الشهادة في مقدمة كتبها هو والأستاذة أسماء محمود لكتاب "نحو مشروع مستقبلي للإسلام" يضم ثلاثة من كتب الأستاذ محمود الأصلية هي: الرسالة الثانية من الإسلام، رسالة الصلاة، تطوير شريعة الأحوال الشخصية.. يمكن الحصول عليه من هذه الوصلة:
https://alfikra.org/order/book01_order.htm
صورة
صورة

ولك شكري

ياسر

الأخ العزيز د. ياسر

تحياتي صافيات

لقد قرأت هذا الحوار في صحيفة البيان الإماراتية وتوقفت فيه كثيراً .لأسباب عدة سأحاول هنا إيجازها

من الناحية الموضوعية

لم نسمع من السيد خلف الله الرشيد ( رئيس القضاء) رأياً مناهضاً لما حكمت به محكمة المهلاوي وجعفر نميري حاكماً للسودان . خاصة وأن العقوبة لهذا الحكم ( الخطأ ) هو الإعدام . فمن الناحية الأخلاقية والمهنية لا عذر لقانوني يعرف القانون ومواده من السكوت على حكم خطأ فالساكت عن الحق شيطان أخرس . في هذا الإطار لا تزال ترن في أذني هتافات مساجين سجن كوبر ومعظمهم من الشيوعيين صبيحة 18/يناير 1985 و الأستاذ محمود محمد طه يسير نحو مقصلته ( المشانق للشرفاء ---- لن ترتاح يا سفاح ) فإذا كان هؤلاء المساجين وهم تحت قبضة النظام القمعي قد عبروا بهذا التحدي عن رأيهم فما بال أهل القانون الطلقاء ولماذا لم يقدموا هذه النصيحة القانونية الدينية للإمام الحاكم . ألا يعرف ( أهل القانون ) معنى أن تزهق نفس بريئة بدون وجه حق ؟؟

من الناحية الشكلية

يقول أهل الإعلام لا تنظر للخبر فحسب ، بل انظر أيضاً لتوقيت الخبر .
لماذا أدلى السيد خلف الله الرشيد بهذه الإفادة ( الآن ) و في هذا التوقيت بالذات ؟؟؟؟؟؟

السبب ببساطة أن السيد خلف الله الرشيد هو قريب للأستاذ محمد طه محمد أحمد ( عمه حسب رواية السيد محمد طه نفسه في إحدي كتاباته ) المتهم في قضية سب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وردت الأنباء أن محكمة الموضوع قد وجهت رسمياً للأستاذ محمد طه تهمة الردة فلعله أراد توجيه رسالة للمحكمة عن خطأ توجهها . وفي هذا السياق نفهم كلامه عن دوره في الحركة الإسلامية حتى لا تذهب بالناس الظنون في دفاعه هذا . كما أرجو الإنتباه أن إفادة السيد خلف الله لم تنف تهمة الردة عن الأستاذ محمود بل نفت وجود مادة في القانون تحاكم بموجبها هذه التهمة .

للجميع التحية
ÚÈÏ ÇáÑÍãä ÈÑßÇÊ
مشاركات: 37
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:04 pm

مشاركة بواسطة ÚÈÏ ÇáÑÍãä ÈÑßÇÊ »

العزيز ياسر الشريف
لم يستوقفني حمله على اليسار والشيوعيين
ولم تستوقفني كوزنته إلى قليلا
فلم إستغرب سكوته عن الحق في قضية أعدام محمود محمد طه كل هذا الوقت

لكني إستغربت جدآ
فرئيس القضاة الذي هو سلطة من السلطات الثلاث في الدولة { التشريعية + القضائية + التنفيذية } يقبل أن يكون عضو في السلطة التنفيذية { وزير} ويدافع ويبرر عن ذلك ويقبل رغم معارضة القضاة

كم سيمر من الوقت حتى نرى له نقد أخر وشهادة أخرى

أرجو أن تمهله الأيام
ÈåÇÁ ÇáÏíä ÈßÑí
مشاركات: 6
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:43 pm
مكان: الدوحة- قطر

مشاركة بواسطة ÈåÇÁ ÇáÏíä ÈßÑí »

دكتور ياسر وعبدالرحمن ........... سلام
رئيس القضاة هو من جعل من القضاة اعضاء في التنظيم الحاكم بغير ارادتهم .
"أشهدوا مني، وأنشروا عني، أني عشت حياتي كلها أنشر الاستنارة، وأحارب الخرافة، ولو تبقى من عمري يومان، أو ساعتان،أو دقيقتان، وأنا قادر، سأنشر فيهما الأستنارة."
الخاتم عدلان
أضف رد جديد