الزول الكبير

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

الزول الكبير

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

الزول الكبير


الملائة المهترئة المخططة بألوان حمار الوحش والملتفة بجسده العاري، تعطي الناظر انطباعا واحساسا بالبرد أكثر منه بالدفء. لم يكن يدري كم من الزمن سوف يظل على ذلك الوضع ، فالشمس في هذه البلاد كما تقول جدة أحد أصدقائه – حينما أتت لزيارته ذات مرة – مثل "لمبة" الثلاجة تسطع طوال الوقت ولكن بلا حرارة تبثها. من حسن طالعه أن أحدا لن يكون متواجدا في الشقة طوال ساعات ذلك النهار واٍلا ان وضعه سيكون غاية في الحرج. ابتسم بارتياح وقناعة فاللقاء المنتظر يستحق كل ذلك العناء. عليه أن يكون في أوج هندامه فهو لا يريد أن يعطي انطباعا سلبيا عن شخصه. منذ الصباح الباكر وعند خروج كل ساكني الشقة الى عملهم قام بغسل كل ملابسه والتي لم تكن تفارق جسده ، قميص لا يعرف له لونا، بنطلون "جينز" يتشبث باصرار لافت بالحياة وقطعتي ملابسه الداخلية. حرك جسده ثم انكمش كثعبان في بيات شتوي طمعا في مزيد من الدفء. لاستهلاك الوقت الذي بدا بلا نهاية قرر استرجاع حكاية الوالد التي يحفظها عن ظهر قلب والتي يستمتع كثيرا بتكرارها واجترار تفاصيلها. يقول والده بصوت عميق مفعم بالجيوية والزهو (السماء اليوم داك كانت فاتحة كلو مواسيرا ، كل زول كان قاعد جوه بيته يدعو ربنا أن تمر الليلة بخير وما يقع جزء من منزله. فجأة سمعت الباب يدق بشدة.)
عندما قام بفتح الباب كان الزول الكبير يقف هنالك بطلعته البهية شامخا وعاليا كأحد ملوك نبتة وبالقرب منه صديقه زكريا. طلب منهما منزعجا التفضل بالدخول. بعد مجاملات الضيافة وأحاديث تهيئة الجو طلب منه زكريا راجيا بأن يمكث "الزول" فترة من الوقت في ضيافتهم . شارحا وموضحا الظروف واهمية الشخص وأن يكون بعيدا عن أيدي السلطة. وأضاف أن الحكومة وقواتها يبحثون عنه في كل الأمكنة وموضحا أيضا خطورة قبول الطلب. دون تردد قبل والده استضافة الشخص. زكريا صديق الوالد منذ الطفولة وهو يعلم ارتباطاته السياسية ورغم أن الوالد لا يحفل كثيرا بالسياسة بل يبغضها في أغلب الأحوال اٍلا أن كل ذلك لم يكن له تأثير على علاقته بزكريا وصداقتهم الوطيدة التي امتدت لسنوات طويلة من العمر. كما كان والدي يحمل احتراما خاصا تجاهه لشجاعته وصدقه وتعامله مع الحياة.
لم يكن مشيدا في المنزل سوى غرفة ومخزن متهالك والمنافع. وبالطبع كنا وأمك نسكن تلك الغرفة وقد تركناها للضيف وانتقلنا اٍلى المخزن. استمر ذلك الوضع زهاء العام. يقول والدي تقاسمنا معه كل شئ المسكن والمأكل والملبس. كنا ووالدتك نقوم على خدمته طوال الوقت ولم نتركه يحتاج أحدا أو شيئا. كنا نشعر ونؤمن بأننا نقوم بعمل عظيم وأن زكريا لن يخذل في صديق أتاه ساعة ضيق. بعد انقضاء ذلك العام أتى زكريا وشخصان في منتصف ليلة تشابه الليلة التي حضر فيها مع الضيف وأخبر والدي ان رحيل الضيف قد آن وخرجوا كما أتوا دون مقدمات. لم يقابل والدي ذلك الشخص منذ رحيله المفاجئ وكان يتابع أخباره من مصادر متفرقة اٍضافة اٍلى أخبار زكريا الذي يأتي لأيام ويختفي لأعوام ويفرح لنجاحاته وفتوحاته. رحل الوالد في ليلة ممطرة وهو يحمل حكاويه وأشواقه عن ذلك الضيف. انقضت مواسم كثيرة ودارت فصول وهاهو تسنح له الفرصة لمقابلة الضيف المهم. سيعبر له في تلك المقابلة عن كل أشواق وتقدير والده التي لم يبح بها. سيوضح له أنهم من طينة خلقت لتحمل المهام الجسام والتضحية ونكران الذات، وأنه أيضا مستعدا لتقبل كل ما يطلب منه مهما كانت النتائج. يجب أن تكون كلماته منتقاة ومحددة وواضحة المعاني فهو كما علم فأن الزول الكبير يكره الحذلقة وكثرة الحديث ولا يطيقه. أتى المساء وقد راجع هندامه بعد أن تأكد من ذلك أمام المرآة عشرات المرات. خرج مع مرافقه الذي تفضل باٍيصاله وتقديمه. كان عليهما أن يمتطيا أنواع مختلفة من المواصلات. طرقا الباب وحضر اليهما شخص قام بادخالهما وأمرهما بالانتظار حتى ينتهي "الزول" من مقابلة أحد الأشخاص . بعد ساعة أتاهما و أدخلهما بعد أن أوصى أن المقابلة لن تستغرق أكثر من خمس دقائق وذلك لزحمة البرنامج الموضوع مسبقا. عندما ولجا ذلك الصالون الفخم، عرف كم كان والده مفتقرا للبلاغة ودقة الوصف "فالزول الكبير" وهو جالس في ذلك المقعد الفخم كان أشبه بآلهة "الأولمب" بل كان في أبهة ملك ملوك النيل كما تقول الأغنية.عندما قاما باٍلقاء التحية سمعا همهمة تصدر من فمه ونظرة متسائلة تنوي انهاء المقابلة في أقصر مدة. قال صديقه بصوت متلجلج ومضطرب أنني أريد أن أطلب منه شيئا. تدخلت مصححا المعلومة ذاكرا له أنني أبن "آدم" وقد حدثني والدي كثيرا عنه وأنني أريد أن أتعرف به وأن أوصل له ما كان يحمل والدي تجاهه من تقدير. سأل بضيق من يكون آدم هذا؟ وبدأت في سرد حكايتي التي تدربت ساعات طوال على كيفية اٍلقاءها والتي أحفظها وتشربت بها كل خلايا جسدي وكنت كلما توغلت في تفاصيل القصة اكتسى وجه الزول بالضيق والملل. لم تكن الخمس دقائق كافية لاتمام الحكاية ولعلني استغرقت خمس دقائق أخرى . عندما أنهيت قصتي كان نفسي يصدر عاليا لم بذلت من جهد ولما ألم بي من انفعال. نظر اٍليَ ببرود وأخبرني بأنه لم يتشرف بمعرفة شخص بذلك الاٍسم طيلة حياته المديدة المكتنزة بالمآثر. تطلعت اليه مندهشا وغير مصدقا ما تفوه به، وانقضت لحظات ليست قصيرة محاولا استيعاب ما حدث وكيفية نسيان شخص مثل والدي وتصورت فقط أن أعماله المهمة والجليلة جعلت شخص مثل آدم يسقط من ذاكرته، ولكي أساعد في انعاش تلك الذاكرة قمت متجرئا بذكر اسم والدته – المكافحة في الدنيا- والتي أعرف أدق تفاصيل حياتها من والدي. عند ذلك الحد لم يستطع "الزول" السيطرة على تصرفاته ووجدت نفسي وصديقي خارج المنزل.
كنت أسير مشدوها ومتثاقلا في الطريق العام ، تتواثر في ذهني في ومضات متتابعة ، بعض من تفاصيل حياتي ، وتبدو الي وكأنها تخص شخصا آخرا سواي. والدي المزهو وهو يروي حكايته منتفخا كبالون ، والدتي القنوعة وهي تحمل صينية العشاء البسيط، المخزن المتهالك الذي تحول بقدرة قادر الى غرفة للسكن ، وأخيرا صورتي وأنا أقبع عاريا في السرير بعد أن قمت بغسل كل ملابسي لأبدو شخصا معقولا ومحترما أمام الزول الكبير.

عدنان زاهر
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

عدنان زاهر
لك مني خالص التحايا
الإنطباع الأول أعطاني شحنة قوية من (اللندهاشة) كما يقولوا ناس بربر
ساعود ولكن عشمي أن تواصل
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

رد

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

الأخ عمر التجاني
تحياتي

الشكر على المداخلة.

عدنان
صورة العضو الرمزية
íæÓÝ ÚÒøÊ ÇáãÇåÑí
مشاركات: 326
اشترك في: الاثنين يونيو 06, 2005 9:50 am
مكان: كندا =Winnipeg -MB

Re: الزول الكبير

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÚÒøÊ ÇáãÇåÑí »

فالشمس في هذه البلاد كما تقول جدة أحد أصدقائه – حينما أتت لزيارته ذات مرة – مثل "لمبة" الثلاجة تسطع طوال الوقت ولكن بلا حرارة تبثها.


الصديق عدنان زاهر
عندما قرأت هذا المقطع ضحكت الضحكة ذاتها عندما حكى لي ذلك الصديق حكاية توصيف قريبته لشمسنا .. لك الدفء يا صديق .. فهذا سرد ممتع وارجوا أن تواصل فيبدوا إنك مع زحمة الاشياء التي أعرفها كانت الكتابة ملاذك
عزت
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

رد

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

الأخ العزيز والقاص الجميل عزت

الصاحب المشترك نقتبس كثيرا من قفشاته الساخرة. لم تبر بوعدك وتنزل كل ما عندك أو شاغلك أكل العيش. مع تحياتي.

عدنان
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

الأخ عدنان
لك التحية
عدنان. حزنت لنفسي كثيرا وأنا اقرأ فصلا من قصتي. كأنك تعرفني جيدا متى كتبت عني تلك الحكاية بلسانك أنت؟.
هل ستكتب بقية قصصي وقصص الكثير من بني جلدتي.,اذكرك بقول شاعرنا الفذ حميد .
طيره تاكل في جناها
وحيطة تتمطى وتفلق في قفا الزول البناها.
وقول أحدهم
عندما رأوْنا أنكرونا.
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

رد

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

الأخ عمر التجاني

شكرا على المداخلة ورأيك الاٍيجابي. مع تحياتي.
شكرا

عدنان زاهر
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

.

الأستاذ عدنان زاهر،

نموذج "الزول الكبير" موجود، بدرجات متفاوتة، ولكنه للأسف موجود.
لك تحياتي وللبنيات.


نجاة

.
صورة العضو الرمزية
عدنان زاهر
مشاركات: 287
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:52 pm

رد

مشاركة بواسطة عدنان زاهر »

الأستاذة نجاة
تحياتي

رغم قناعتي بامكانية تبرير وجود بعض النماذج لكن مع كل ذلك تظل مدهشة. البنات بخير وشكرا على السؤال. مع تحياتي.

عدنان
أضف رد جديد