انتحار "شيبون" 00 التاريخ غير الرسمي لمأساة الوعي

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

انتحار "شيبون" 00 التاريخ غير الرسمي لمأساة الوعي

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

قد يتفق الناس أو يختلفون على د0 عبد الله علي ابراهيم0 قد يثمنون مواقفه السياسية أو يخفضونها0 ولكن ما هو جدير بالتأكيد أن للرجل مقدرة فذة في التأكيد على وجوده على أرض الواقع الثقافي والفكري تجعل من الجميع الاهتمام بما يكتب أيا كان موقعهم من أطروحاته.
انطلاقا من هذه الأرضية التي تتباين فيها مواقفي اتجاه ما يطرح الرجل، تجدني رغم ذلك أكثر حرصا واهتمام بكل ما ينشره ، وليس استثناءاً إذا اهتمامي الحالي بسلسلة مقالاته الممتعة والبالغة الأهمية – في آن- عن انتحار عضو الحزب الشيوعي السابق محمد عبد الرحمن "شيبون" في مطلع ستينات القرن الماضي في ظروف غامضة وبالغة المأساوية0

إن مجرد المحاولة للخروج بمفهوم الانتحار عن التصور النمطي الاجتماعي والديني بوصفه "فضيحة" تلحق بسمعة الأهل أو "كفراً" يستوجب الستر والمغفرة يمثل انتصارا كبيرا في حد ذاته، لأن تبعات مثل هذا النوع من الركون للتبسيطات المخلة لدوافع النفس الإنسانية المعقدة والاشكالات الحياتية في صورها الاجتماعية- الثقافية بالغة التعقيد والكامنة حتماً وراء هذا النوع من النهايات الفجائعية، ساهم إلى حد بعيد في ابتذال تجاربنا الحياتية وأفضى بنا إلى حالة موات اجتماعي فشلت معه كل التضحيات الثمينة لدفعه نحو الأمام0 هذا دون أن نغفل مسئوليته المباشرة في تعزيز ثقافة الإجحاف واللامبالاة – في أحسن الأحوال- نحو كل من نذروا حيواتهم قرابين للشأن العام، بصرف النظر عن المآلات ، فذلك شأن آخر0

في رأي، تكمن المتعة الحقيقية في تتبع هذه السلسلة من المقالات التوثيقية في كونها مهدت لنا طريقاً سالكاً لتتبع التاريخ غير الرسمي هذه المرة، والمجهولة في الغالب تفاصيله أما بثقل إشعاع التاريخ الرسمي بزخم شخصياته وأحداثه وسطوة أيدلوجياته من جهة، أو بفعل الصمت الفادح التواطوء والمنساق طوعاً أو كرهاً لرغبة السائد والمألوف من القيم من جهة أخرى0

إن حادثة شيبون لا يمكن في وقتنا الحاضر التعامل معها بذات التواطوء الذي دمغت به في وقتها ولاسباب معلومة لا تخرج مهما تباينت عن عنت واقع ذلك الزمان، بقدر ما يجب التعامل معها – هذه المرة- كانعكاس حقيقي لاشكالات وصراعات وجودية معقدة يغذيها تناقض الواقع الاجتماعي وما زالت تمارس سطوتها حتى راهن اللحظة0 هذه الصراعات الوجودية التي تبتدئ من تناقضات الذات أو كما رمز لها دكتور عبد الله بصراع "الافندي والافندي المضاد" ، لا تلبث أن تنداح إلى واقع إشكالي أكثر تعقيدا يتمثل في صراع "الذات المتصارعة" والوجود الخارجي المتمثل في جملة المعايير والقيم الاجتماعية المتصادمة حتما مع رؤى الوعي الخلاق المتوثب لهدم هذه المنظومة القيمية واحلال مفاهيم أكثر "عدلاً" واتساقا مع التطور الاجتماعي المنظور!!0
إذن، كان ذلك قدر شيبون وصحبه ممن دفعتهم الرغبة القوية في مقارعة الواقع الاجتماعي- السياسي في ذلك الزمان0 ومن المؤكد أن الرؤية رغم كونها تنم عن عبقرية ووعي خلاق وبصيرة نافذة ميزتهم دون سواهم، إلا أنها كانت تنطوي على غير قليل من الرومانسية الخليقة بشرخ الشباب ، وإلا ما كانت مآلات الصراع بمثل هذه الفداحة (انتحار، اكتئاب).

وإذا كنا بعد قرابة النصف قرن من هذا الحادث المأساوي نكاد نعيش ذات النكوص والانكسارات المتعددة على كافة الأصعدة الحياتية، إذن من الواجب أن نعيد قراءة تفاصيل تلك المغامرة بكثير من التأني وعظيم الاحترام والتقدير، لأنها وبكل المقاييس كانت جد عظيمة ولا يجروء عليها إلا شخص استثنائي مجبولة نفسه على التضحية ونكران الذات ، ومتى؟ في أزمان لم تنضج فيها بعد وبشكل ملموس مفاهيم العمل العام الذي يستوجب قدر من التضحية يضيع معها قدر من الخصوصية الباعثة على الطمأنينة ورضاء الذات المستمدان من الضمير العام الممثل الشرعي لقيم القبيلة0
من المؤكد أن شيبون قد مات مرتين قبل انتحاره الصاخب، مرة حين سلم بهزيمة مشروعه النهضوي أمام قوة الواقع المعاش وعنف جدليته المدمرة "الركون للإدمان" ، ومرة ثانية حين عمق "الرفاق" من إحساس الهزيمة بكيلهم له من الشماتة والسخرية ما يفوق طاقته المرهفة "الورقة التي وجدت بجيبه". إلا أن الموت الأكبر لشيبون يتجلى في ذلك الصمت الذي لف انتحاره لما يقارب النصف قرن في مؤامرة واضحة وتواطوء عظيم مع منظومة القيم الاجتماعية المتخلفة0 وان كنا قد تعودنا بحكم التربية والمزاج أن ننفعل بالتاريخ الرسمي، فما لم نعطيه حقه أبدا هو الالتفات الواعي إلى التاريخ غير الرسمي والذي يحمل في طياته حقائق باهرة تتيح واقعا نموذجيا لقراءة التاريخ بشكل أشمل وأعمق، بحيث تكون نتائجه أكثر صدقاً وإنصافا للمغامرات الحياتية المتصلة ذات البعد الاجتماعي- الثقافي والسياسي الأعمق في حياتنا0
وإذا كنا نحن الذين أتينا إلى الوجود بعد عدة سنوات من حادثة شيبون قد قيض لنا أن نرى "الأفندي المضاد" قد أصبح قيمة اجتماعية يعتد بها وزهوا يتقمص صاحبه في حله وترحاله حد النرجسية البغيضة، فمن أقل الواجب إذن أن نثمن تلك التضحيات الفادحة التي رصفت هذا الطريق المفضي – في زماننا هذا- إلى الصيت والنخبوية و"الدون جوانية" كما يحدث في الجامعات والأحزاب السياسية!!!0
إن شيبون وأمثاله يستحقون الخلود والعرفان والتوغل عميقا في ذاكرة الأجيال بقدر ما أخلصوا النية والسعي حثيثا لدفع المجتمع خطوات مقدرة نحو الارتقاء، دافعهم في ذلك وعي خلاق وحبا عظيما لوطنهم أورثهم شقاءً ومأساوية وسمت حياتهم القصيرة في ظل واقع اجتماعي معقد وباهظ التكاليف0
عبد الخالق السر/ ملبورن
16/8/2005م

عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

[b][size=18][color=brown]الأستاذ عبدالخالق السر

أنا سعيد بفتحك هذا البوست فلك الشكر

فتح الأساتذ د. عبدالله علي ابراهيم بابا مغلقا لم يستطع الأستاذ الشاعر الراحل صلاح محمد ابراهيم فتحه جيدا ولم يستطع هو بدوره أن فتحه بدرجة تمكن من النفاذ إلى ما ورائه:
وكلاهما احسن صنعا فوفق صلاح في رسم صورة المأساة ووفق د. عبدالله في بعث رسالة لجهة ما (ولعلها بعيدة كل البعد عن الظاهر منها وهو تبرئة أستاذه).
صوّره صلاح كالغرير وأبكى وصوّره د. عبدالله كحالة إكلينيكية تمخضت عن اصصدامات ثقافية او اجتماعية كالفقر و القروية وما شابه. (وربما كان لذلك أثر من طرف ولكن ليس الأثر الكامل) وأبكى أيضا.

ما أقوله هو انطباعات شهود الحالة من أهل الديم ومنهم مثقفون مؤسسون اساتذة اكبر من شيبون ولكنهم منسيون أحياء وأمواتا!(يحتاج أمرهم لبحث داخلي؟ لست أنا)
وبما اني لم اكن في دائرة حالة محمد عبدالرحمن شيبون بحكم فارق السن وبحكم انني لم اكن في دائرة انتمائه لا ذلك اليوم ولا الآن، فليس باستطاعتى إلا التعبير عن وصف احاسيس انتقلت بالمعايشة في مسقط رأسينا ولكن من رجال ثقاة استطاع شيبون أن يحدث فيهم تغييرات فكرية (تنويرية تقدمية الخ) أميل لأن شيبون ربما لم يتنحر أصلا وربما انتهى به الأمر للمآل الذي رسمه آخرون
ومن وصف العقلاء هؤلاء واخبارهم الموثوق به والتصاقهم بجميع افراد اسرته مؤاكلة ومشاربة ومشاركات سراء وضراء واهتمام عظيم بالرجل أكاد أتيقن بأن خصوم شيبون (الحية الرقطاء والخسيس الخ مما عرفوا به) كان لهم أياد ملطخة في دفعه للتوتر والقلق وعد الانفاس (معروفون ) ولا نتجنى فنقول انهم مدفوعون او مدفوع لهم فلربما كان أمرا شخصيا وربما كان حسدا لأن شيبون ما كان ممن يترك ثغرة لخصم (وليس فيه ثغرة وحتى قصة الادمان هذه ففيها شك شديد فما عرف بذلك وما عرف به إخوته ولا أحد في القرية كلها كان ليجرؤ أن يشرب على مقربة من بيت عبدالرحمن شيبون وديوانه الواسع ذي الكراسي الوثيرة ناهيك عن الشرب فيه) وما كان اخاه الأكبر بكثير إبراهيم ليسمح به أيضا ولكان دهس باللوري المرابط أمام الباب).
أسرة ما كانت تعاني من فقر أم جهل أو عدم استقامة (نساؤهم على درجة من التعليم في زمن كان التعليم امتيازا للرجال فقط)
ولم يشر أحد للأستاذ الشهيد عبدالخالق محجوب باصبع اتهام مطلقا (ولكن صلاحا استخدم شيبون على عبدالخالق ود. عبدالله ى استخدمهما معا لتبرئة المؤسسة فس شخص أستاذه، وربما استخدم ثلاثتهم لغرض ما من مجريات اليوم.) وكان من أنسباء شيبون من تتلمذوا عليه وتزوجوا بإخواته يساريون ظلوا أوفياء لحزبهم ولعبدالخالق ومنهم من ذاق السجن والتعذيب دفاعا عن مبدأ، ولو طال شكهم القيادة لانفضوا ولثأروا (أعرف معادنهم جيدا).

لا أتجنى. ولكن أنقل بالضبط ما يهمس به أبناء القرية البندر : أبوزبد. ومن أهدافي ان ينبرى آخرون لهذا الأمر لاستيفائه ذلك أن د. عبدالله لم يستوف البحث حقه وكان كثير مما ورد فيه من معلومات بخصوص الخلفية الاجتماعية ليس مضبوضا وبعض كان متخيلا في ما يبدو( وساعد على ذلك صب المعلومات في قالب الحكاية مما اعطاها بعدا نفسيا (الوداع الأخير في المحطة وعلبة الطحنية ...كله لإحداث أثر نفسي فقط)
ومما يؤسف له أن الدكتور لم يعثر إلا على نص واحد مهم وهو نص ما قبل الموت. ولا أعتقد أن الديوان كله ضاع.وقد بذل الدكتور حهده وحصل على شيئ ولكن لا بد من أن نوقع جهة ما في خطأ أو غفلة: كيف تغفل جمهرة مثقفة عن تدوين أثر ركيزة من ركائزها بشر بأفكارها ونشرها في فج بعيد!؟ اعتقد أن الديوان سيظهر كاملا قريبا وسيكون مهما في تقصي نشوء مثل هذه الحالة

وإذا جاز لي أن اعمم وأضع مصطلحا لظاهرة تتكرر في المؤسسات جميعها وعلى أختلاف أهدافها ورؤاها فسأنادي بـ :[/color]

[color=darkblue]تتبع الظاهرة الشيبونية في كل المؤسسات لأنها مسمة ومصادرة لأهم الرساميل ولأنها لا تستشري إلا لما تصير القمم حواكير كما في الخنادق التي اعرفها[/color]

عبدالماجد محمد عبدالماجد[/b]
آخر تعديل بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد في الثلاثاء أغسطس 16, 2005 5:54 pm، تم التعديل 6 مرات في المجمل.
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي عبد الخالق،
أصدق وأحر تحياتي ومودتي،
قرأتُ لتوي موضوع بوستك أعلاه، فملأني سعادة وأملاً ورغبةً في الكتابة. ولعل أكثر ما أسعدني فيه (وقد أسعدني كل ما فيه)، هو هذه الفقرة التي تقول يها:


"لأن تبعات مثل هذا النوع من الركون للتبسيطات المخلة لدوافع النفس الإنسانية المعقدة والإشكالات الحياتية في صورها الاجتماعية ـ الثقافية بالغة التعقيد والكامنة حتماً وراء هذا النوع من النهايات الفجائعية، ساهم إلى حد بعيد في ابتذال تجاربنا الحياتية وأفضى بنا إلى حالة موات اجتماعي فشلت معه كل التضحيات الثمينة لدفعه نحو الأمام هذا دون أن نغفل مسئوليته المباشرة في تعزيز ثقافة الإجحاف واللامبالاة ـ في أحسن الأحوال ـ نحو كل من نذروا حيواتهم قرابين للشأن العام، بصرف النظر عن المآلات ، فذلك شأن آخر."


ومع انني قد لا أوافق على ما اتسم به منحى هذه الفقرة من تعميم حالة "الموات الاجتماعي"، وثقافة الإجحاف" إلخ، إلا أن حديثك في مفاصله الأساسية، قد زاد قلبي ونفسي اطمئناناً إلى أن تأسيسنا لهذا الموقع والمنبر والجمعية، الذي هو فوق طاقتنا بما لا يقاس، من حيث تكلفته الجسدية والمادية والذهنية والنفسية، لم يكن بلا طائل.
وإن إصرارنا على أن نرتقي بموضوعات الحوار فيه عن "الركون إلى التبسيطات المخلة"، والشتائم والإساءات، والابتذال، والإجحاف، كان قراراً حكيماً. ولتسمح لي أن "أنتهز" هذه المناسبة الممتازة لأعبر عن شكري وامتناني العظيمين لكل الشابات والشبان والكهول و"الكهلات" والشيخات والشيوخ، الذين واللاتي شرفننا وشرفونا، وشدوا وشددن من أزرنا، باختيارهن واختيارهم الانضمام إلى منبرنا، وتشريفه بمساهماتهن ومساهماتهم العالية والشيقة والمستنيرة والمنصفة.
ويسعدني أن أخبرك وأخبرهم وأخبرهن بأن الصديق البروفيسور عبد الله على ابراهيم قد بعث إلينا بسلسلة مقالاته العشر عن شيبون، وإذن لنا بنشر ما قد يضيفه إليها، أو يتصل بها مستقبلاً.
وأرجو أن تسمح لي بالمغامرة بخدش تواضعك وحيائك اللذين عرفتهما فيك حق المعرفة، فأعبر أيضاً عن احتفائي بهذه الفقرات من موضوع بوستك الافتتاحي بعرضهما على القراء في صورة اقتباسات:


"في رأيي، تكمن المتعة الحقيقية في تتبع هذه السلسلة من المقالات التوثيقية في كونها مهدت لنا طريقاً سالكاً لتتبع التاريخ غير الرسمي هذه المرة، والمجهولة في الغالب تفاصيله أما بثقل إشعاع التاريخ الرسمي بزخم شخصياته وأحداثه وسطوة أيدلوجياته من جهة، أو بفعل الصمت الفادح التواطؤ والمنساق طوعاً أو كرهاً لرغبة السائد والمألوف من القيم من جهة أخرى."


وأنت بهذا تضع إصبعك على واحدةٍ من أخص خصائص مساهمات عبد الله في الحركة الثقافية والمعرفية في بلادنا، في جوانبها المتصلة بالمنهجية وزوايا الرؤية: تتبعه ل"التاريخ غير الرسمي (...)، والمجهولة في الغالب تفاصيله". وقد كانت هذه الخاصية الخصبة الفريدة، للأسف الشديد قرينة ل"نقدٍ" جارح لعبد الله من بعض مثقفينا العلاة البواسل، فيما عدا ذلك. الذين أخذوا عليه حفره عن الوثاق القديمة النادرة وغير المعروفة. فطوبى لك ولنا بهذه الرؤية الفاحصة المميزة.
ودعني في ذات السياق والمعنى، أمتدح فقرتك التالية، والفت أنظار القارئات والقراء إلى محمولاتها المنهجية والمعرفية الغنية بعناصر النظر الإشكالي المركب:


"إن حادثة شيبون لا يمكن في وقتنا الحاضر التعامل معها بذات التواطؤ الذي دمغت به في وقتها ولأسباب معلومة لا تخرج مهما تباينت عن عنت واقع ذلك الزمان، بقدر ما يجب التعامل معها ـ هذه المرة ـ كانعكاس حقيقي لإشكالات وصراعات وجودية معقدة يغذيها تناقض الواقع الاجتماعي وما زالت تمارس سطوتها حتى راهن اللحظة. هذه الصراعات الوجودية التي تبتدئ من تناقضات الذات أو كما رمز لها دكتور عبد الله بصراع "الأفندي والأفندي المضاد"، لا تلبث أن تنداح إلى واقع إشكالي أكثر تعقيدا يتمثل في صراع "الذات المتصارعة" والوجود الخارجي المتمثل في جملة المعايير والقيم الاجتماعية المتصادمة حتما مع رؤى الوعي الخلاق المتوثب لهدم هذه المنظومة القيمية واحلال مفاهيم أكثر "عدلاً" واتساقا مع التطور الاجتماعي المنظور".


فما أقل النظر في مثل هذه التعقيدات والاستشكالات، في "واقعنا الكتابي الراهن"، الذي تسيطر عليه، وتمرح فيه تيارات التبسيط والابتذال المستغنية تماماً، وبالأحرى الغافلة، و"بأحرى من الأحرى"، الجاهلة بهذا الاستشكال والتركيب في سياقات الواقع وسياقات الخطاب. والتي درجت على أن تقفز فوراً من "الوقائع" الخام، إلى التجريم والإدانة، وتخلو أجندتها من أي مجال للخطأ العادي، أو سوء التقدير، أو مجانبة التوفيق. فطوبى لك ولقرائك وقارئاتك بهذه المنهجية الدقيقة المنصفة.
ومن ذلك أيضاً قولك:


"إذن، كان ذلك قدر شيبون وصحبه ممن دفعتهم الرغبة القوية في مقارعة الواقع الاجتماعي السياسي في ذلك الزمان. ومن المؤكد أن الرؤية رغم كونها تنم عن عبقرية ووعي خلاق وبصيرة نافذة ميزتهم دون سواهم، إلا أنها كانت تنطوي على غير قليل من الرومانسية الخليقة بشرخ الشباب، وإلا ما كانت مآلات الصراع بمثل هذه الفداحة (انتحار، اكتئاب)".

ما أنبل هذا النظر والنهج في نسبة ونسب بعض "أخطاء"، و"تقصير"، بعض الرئدات والرواد الأوائل في حركة اليسار (وغيره بالطبع)، في هذا الجانب أو ذاك من جواني "علم التغيير الاجتماعي"، إلى "رومانسية شرخ الشباب"، بين احتمالات أخرى لقراءة أسباب الخطأ المشروع في سياق مسعى نضالهم/هن التاريخي المستلهم لقيم التحرر والعدالة والتضامن والهادف لترسيخها وتنميتها في بلادنا. فليس من المعتاد في نقد اليسار على أيامنا هذه، الحرص على إنصافه. وعلى وجه الخصوص إنصاف الرواد والرائدات الأوائل، الذي جرت العادة إلى اختصار أسبابه إلى جذرٍ بسيط هو "الانتهازية، والخيانة، واليمينية" وكفى.

إلا أنني قد لا أوافقك على حسن ظنك النبيل هذا بسياقنا الزماني المنهجي المعرفي والأخلاقي الراهن. فهو أبعد ما يكون، في تقديري، عن تحصين الرائي المجدد المخالف والرائية المجددة المبدعة، الخرجين على المألوف من مآلات "الإكتئاب والانتحار".

وأنت تُطمئنني في الواقع على ملاحظتي أعلاه في فقرتك التالية حيث تقول:


"وإذا كنا بعد قرابة النصف قرن من هذا الحادث المأساوي نكاد نعيش ذات النكوص والانكسارات المتعددة على كافة الأصعدة الحياتية، إذن من الواجب أن نعيد قراءة تفاصيل تلك المغامرة بكثير من التأني وعظيم الاحترام والتقدير، لأنها وبكل المقاييس كانت جد عظيمة ولا يجروء عليها إلا شخص استثنائي مجبولة نفسه على التضحية ونكران الذات"


وحديثي يتعلق هنا بالجملتين الأولى والثانية من فقرتك المستشهد بها، التين تلاحظ فيها أننا مازلنا "بعد قرابة النصف قرن من هذا الحادث المأساوي نكاد نعيش ذات النكوص والانكسارات المتعددة على كافة الأصعدة الحياتية". وتبين ضرورة قراءة تفاصيل المغامرة بكثير من التأني وعظيم الاحترام والتقدير، لأنها وبكل المقاييس كانت جد عظيمة (...)"
وعلى الرغم من أنني قد لا أوافقك على المنحى الإطلاقي "للنكوص والانكسارات" في مسيرتنا (وأنا أرجع بنون الجماعة إلى اليسار، والقوى المناصرة للديمقراطية التعددية القائمة على العدلة الاجتماعية وحقوق الإنسان)، إلا أنني أجدك محقاً في جملة ملاحظتك، من أننا على المستويات المؤسسية نعاني نكوصاً وانكساراً، عن المضي إلى "نهاية الشوط" في دروب مغامرات التجديد والإبداع الفكري، والقيمي إلخ، الضرسة الوعرة.
ولأن متن موضوعك كله يخلو تماماً، في تقديري من جملةٍ زائدة يمكن حذفها أو إغفالها، فإنني سأستميحك، وأستميح القارئات والقراء، العذر والإذن، في أن اقفز إلى الفقرة التالية، التي بدا لي أنها في بعض عناصرها وأدواتها التحليلية قد فارقت الدلالات، والمعاني والسياق العام، لنصك المتين، حيث تقول:


وإذا كنا نحن الذين أتينا إلى الوجود بعد عدة سنوات من حادثة شيبون قد قيض لنا أن نرى "الأفندي المضاد" قد أصبح قيمة اجتماعية يعتد بها وزهوا يتقمص صاحبه في حله وترحاله حد النرجسية البغيضة، فمن أقل الواجب إذن أن نثمن تلك التضحيات الفادحة التي رصفت هذا الطريق المفضي – في زماننا هذا- إلى الصيت والنخبوية و"الدون جوانية" كما يحدث في الجامعات والأحزاب السياسية!!!


فهذا الذي رأيتموه أنتم وأنتن "الذين[واللاتي] أتيتم وأتيتن" إلى الوجود بعد عدة سنوات من حادثة شيبون"، ليس "الأفندي المضاد"، بل هو "الأفندي العضوي"، إذا جاز التعبير، أفندي النظام السائد والمؤسسات السائدة والقيم السائدة، قيم الفئات والطبقات والتكوينات السياسية والاجتماعية السائدة، الظالمة، المستعلية، حسيرة النظر، شحيحة النفس، ضيقة "الأوعية". على الرغم من أنني لا أوافق عبد الله تماماً على قدرة مصطلح "الأفندي المضاد" على الإيفاء بالمعنى الذي يرمي إليه من وراء هذا المجاز. وليس هذا بالطبع مجال الخوض في ذلك.
شكراً عبد الخالق،
وتقبل عامر مودتي وامتناني
وقد أعود.

بـــولا



آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الخميس أغسطس 18, 2005 3:11 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

عبد الخالق وعبد الماجد وبولا
الأعزاء
لكم التحية
أولا أشكركم واشكر كذلك عبركم الدكتور عبد الله علي أبراهيم . بالفعل التاريخ غير الرسمي ظل مجهولا وانا واحد من نفر عنيت دهرا بأمر اليسار والميسرين أجهل الكثير جدا عن التاريخ الذي لم يسمح لمثلي بالأضطلاع عليه أو بالأصح ألوم نفسي وركنت إلي استسهال القراءة في ذلك النمط حتى فوجئت بمقال الدكتور عبد الله علي إبراهيم والذي لم أتابع حلقاته إذ لم يتح لي الحصول عليه كاملا. وأشكر إدارة منبر السودان للجميع إذ وعدت بنشر تلك المقالات كاملة. ولكن عشمي أن يمتد المشروع ليشمل جوانب ومواقف وأشخاص أخر اهملت أو أهملناها.
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

الاستاذ عبد الماجد
سلامات
شكرا على المداخلة0 حقيقة أنني تناولت الموضوع من رؤيا مختلفة تنبع من انفعالي دوما بالتاريخ غير الرسمي للاحداث، وافتتاني اللا محدود بهؤلاء الذين يمشون بيننا ويتركون أثرا واضحا في تكون ملامحنا ، دون أن يصحب ذلك ضجيجا أو صخب0 أنهم كالشهب في عمق أثرهم وسرعة زوالهم0 ان تعميق ذكراهم في ذاكرة الاجيال هو المشروع الحقيقي لتراكم التجارب الخلاقة المفضية دوما الى حراك اجتماعي مثمر0 من المؤكد ان وجهة نظرك التي سقتها متسقة تماما مع معرفتك بخبايا ما يدور داخل "الكار"، ولكن هذا لم يكن شاغلي فيما وددت التصدي له بقدر ما انني ثمنت من تجربة د0 عبد الله في التصدي لهكذا نوع من المغامرات الحياتية التي لا يوليها التاريخ الرسمي عنايته0
لك الود
عبد الخالق
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

استاذي العزيز بولا
كثيرا ما ارتبك أمام الاطراء، وتتعثر حروفي وأقف "بليدا" في مثل هذه المواقف، خصوصا عندما تأتي من شخص في قامة استاذي "بولا" وانا ذلك التلميذ الذي يكن له مودة وحميمية تجعلني زاهدا في اضافة الالقاب العلمية أو حتى كتابة الاسم كاملاً0 فلك مني عظيم المودة والتقدير0

فيما يخص هذه الفقرة:
فهذا الذي رأيتموه أنتم وأنتن "الذين[واللاتي] أتيتم وأتيتن" إلى الوجود بعد عدة سنوات من حادثة شيبون"، ليس "الأفندي المضاد"، بل هو "الأفندي العضوي"، إذا جاز التعبير، أفندي النظام السائد والمؤسسات السائدة والقيم السائدة، قيم الفئات والطبقات والتكوينات السياسية والاجتماعية السائدة، الظالمة، المستعلية، حسيرة النظر شحيحة النفس ضيقة "الأوعية". على الرغم من أنني لا أوافق عبد الله تماماً على قدرة مصطلح "الأفندي المضاد" على الإيفاء بالمعنى الذي يرمي إليه من وراء هذا المجاز.

فقد عنيت في ذلك القبول الاجتماعي الذي صادفه "الكادر السياسي المتفرغ" أو "الافندي المضاد" على حد تعبير د0 عبد الله، ولم يعد سبه أو حرجا يلازم صاحبه كما كان الحال أيام شيبون ورفاقه0 وان كنت اشرت الى النكوص المفاهيمي الذي لازم المصطلح في ايامنا هذه، فهو ناتج كما تفضلت أنت وابنت في فقرتك أعلاه، بتحوله الى "افندي عضوي" متماهي تماما مع المؤسسات السائدة والقيم السائدة0

ومبلغ مرادي من هذه الفقرة هو الاشارة الى التضحيات الجسيمة التي دفع ثمنها شيبون ورفاقه حتى أصبح "للأفندي المضاد" شرعيته الاجتماعية، بغض النظر عما حاق بالفكرة نفسها لاحقا0

خالص تقديري ومحبتي
عبد الخالق
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

[size=18]الأستاذ عبدالخالق

أشكرك على اللباقة

صدقت. يحركني دافع غير دافعك وانفعال شخصي بالشخص وهمّك أكبر وأهم وهو الظاهرة نفسها والاحتفاء بمن هم شهب حقا كما تكرمت.
ولكن قصدت أيضا أن أوجه النظر للتدقيق في الأحداث الزمانية والمكانية المصاحبة للحدث لتكون الرؤية أكثر وضوحا والاستنتاج أكثر موضوعية وأشمل تشخيصا.
ولا يعني هذا أن الظاهرة لا تعنيني: فمثيلاتها كثر مما ذكرت واطمع أن يسهم النقاش في هذا المنبر عن كيفية تردي العظماء وارتطام الشهب وانطفاء بريقها المفاجىء (ولست متفائلا بحسب تجربتي في دوائر أخرى).

على العموم: ساتابع هذا الموضوع باهتمام وربما أعود فقط لازود باية معلومة محضة إذا تيسر ذلك علها تسهم في اثراء الناتج.
أسجل امتنانا وشكرا لدكتور على ولك ولهذا الموقع محل الاهتمام بالغبش وطلائع أنوارهم.
القرية كلها ستقف (على فرد رجل) وكلها ستنتفض وتتجه للأمام, بعدما ظن كثير من البسطاء فيها أن محمدا مات (فطيسا) وسيستقظ أبناؤهم على مفخرة هي وحدها كفيلة بأن تولد فيهما إشعاعا.[/
size]
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

الاستاذ عمر التجاني
شكرا على المداخلة0
لك الود

الاستاذ عبد الماجد
سلامات
ولكن قصدت أيضا أن أوجه النظر للتدقيق في الأحداث الزمانية والمكانية المصاحبة للحدث لتكون الرؤية أكثر وضوحا والاستنتاج أكثر موضوعية وأشمل تشخيصا.


بالطبع من حقك كمهتم بالحدث وما تمخض عنه من تاريخ ما زال مكان جدل ومعارك لم يجف مدادها بعد، أن تواصل تنقيبك بما يجلي الحقيقة0 فربما كانت الاجيال الحالية والقادمة هي الاكثر حوجة لتأرخة أكثر انصافا للمغامرات الحياتية التي تم تجاهلها من قبل التاريخ الرسمي المؤسس على التزوير في مجتمعاتنا المجبولة على الشفاهة والذاكرة الخربة0
لك الود
عبد الخالق
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

.
الأستاذ عبد الخالق السر
والجميع

عاطر التحايا

كما اشار بولا في مداخلته، تجدون بقسم المقالات بالموقع سلسلة مقالات الدكتور عبد الله علي إبراهيم، "شيبون":

http://www.sudan-for-all.org/mgalat_home.html

خالص الود والتقدير للجميع

نجاة


.
صورة العضو الرمزية
عبد الخالق السر
مشاركات: 202
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:39 pm

مشاركة بواسطة عبد الخالق السر »

العزيزة دكتورة نجاة
سلامات
شكرا لجهودكم - انت وبولا- الحثيثة في في الحصول على هذه المقالات، حتى يتم الربط بشكل جيد من ما بين المقالات والتعليق 0
لك المودة
عبد الخالق
صورة العضو الرمزية
مصطفى آدم
مشاركات: 1691
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:47 pm

مشاركة بواسطة مصطفى آدم »

الشكرالجزيل للأخ عبد الخالق على طرح هذه القضية بهذا الأفق الرحب ، المتّسق مع شرط الحرية في الأخذ بأمر المعرفة،
العزيزة نجاة الرابط يقود إلى المقالات والتى ليس من بينها مقالات عبدالله ع إبراهيم ؟ وهي ضرورية لقراءة طرح عبد الخالق.
كيف الدبارة؟
مع الود الصافي
أضف رد جديد