السودان تحلل الدولة والانفلات

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ÑÈíÚ ÇáÓãÇäí
مشاركات: 13
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:35 pm
مكان: Australia
اتصال:

السودان تحلل الدولة والانفلات

مشاركة بواسطة ÑÈíÚ ÇáÓãÇäí »

1


أحاول هنا ما استطعت تناول قضية اعتقد انها من القضايا ذات الاهمية القصوي في تحليل تأثيرات نظام 30 يونيو علي الحياة في السودان وهي حالة التحلل التي اعترت جهاز الدولة عقب الانقلاب المشؤوم ، بغرض تأسيس دراسة نقدية تعني بتناول حالة الاغتراب التي شابت علاقة المواطن السوداني بجهاز الدولة وحالة عدم الثقة التي اكتنفت تلك العلاقة خلال فترة حكم الإسلاميين ذات الأثر الملحوظ في التحولات السالبة في علاقة الفرد بالمجتمع والتي تمثل فيه الدولة حجر الزاوية في كونها المعنية بتنظيم تلك العلاقة .
ولا شك أن التداخل القسري والمقصود الذي تم ابتداعه وتمت ممارسته في ظل فترة حكم الجبهة الإسلامية للبلاد بين صلاحيات جهاز الدولة وصلاحيات المواليين السياسيين الممثلين لجهاز الدولة في المرافق العامة التي تعني بقضايا الأفراد ومصالحهم قد شكل المرتكز الذي بنيت عليه حالة الاغتراب تلك .
وأعتقد أن الدولة وكونها المرجعية في الاحتكام ، وحفظ الحقوق، والدفاع عن الفرد داخل المجتمع ، هي احدي المواقع التي عمدت حكومة الجبهة الاسلامية في تخريبها حتي يتثني لها ممارسة فوضي غياب القانون وغياب الاحتكام لتطلق لنفسها عنان الحركة بلا رقيب أو عتيد
وقد ابتدعت لذلك أشكال هي جديرة بالملاحظة مثل تغييب صلاحيات المؤسسات التابعة للدولة وحصرها في أفراد يمتلكون القرار بصورة مطلقة بغض النظر عن موقعهم في تراتب الهيكل الوظيفي لتختفي في أجهزة إدارة الدولة والخدمة العامة متلازمة رئيس ومرؤوس في الاتجاه الذي يقلب الأمور رأسا علي عقب مخلفا فوضي إدارية يصعب معها اتخاذ القرار وفقا للشكل المنهجي و وفقا لسياسات المؤسسات ونظريات التخطيط
ومس ذلك كل الهياكل التي تعتبر العمود الفقري في الدولة ، سيادة القانون ، سيادة الدولة ، حفظ الأمن ، مقابلة احتياجات الفرد الواقع تحت سقف مظلة الدولة (القطاع الخدمي) ، وفي كل تم تخريب عميق أدي الي نتائج يصبح من الواجب مواجهتها لاستعادة حالة الثقة بين الدولة والفرد في المجتمع السوداني .
ولا يخفي علي كل المهتمين ، أن سيادة الدولة بغض النظر عن طبيعة الدولة نفسها وبسط يدها بشكل ما يوفر حالة من الاستقرار ، تسمح في الحد الأدني بمعرفة الحقوق والواجبات ،وأشكال التقاضي و آليات فض النزاعات ،و حق المواطن في تلقي الرعاية الصحية والتعليم ،وحتى الإجراءات العادية والبسيطة مثل استخراج المستندات الحكومية من أوراق ثبوتية وغيرها .
ولكن التخريب المؤسسي والذي كان أكثر وضوحا للعيان و في صوره الأكثر سطوعا كان في المؤسسة العسكرية التي اختلط فيها الحابل بالنابل ولأنها - أعني المؤسسة العسكرية- كانت علي الدوام معنية بالسيادة وتطبيق اللوائح والنظم ،فقد كانت في قائمة أولويات الجبهة فعملت علي تفكيكها منذ الوهلة الأولي وابتداء التخريب منها لتتيح لنفسها خلق جو من الفوضى يسمح للمنتمين لها التحكم بشأن تلك المؤسسة وتحويلها لمنبر من منابر الجبهة وتفتيتها بتكوين كيان مواز لها فيما عرف بالدفاع الشعبي لترهيبها وتغييب صلاحيتها ودورها في حفظ السيادة الوطنية وسلامة أراضي البلاد والاستغناء عن خدمات معظم ضباطها ليفسحوا المجال للموالين لها و العمل علي تعميق الارتباط بين مؤسسة الجيش والعمل السياسي لتأمين بقاء الجبهة بدلا عن فك ذلك الارتباط الفج الذي تخلصت منه معظم بلدان العالم التي تحترم الديمقراطية وسيادة القانون .

فانعكس ذلك في صورة تداخل مربك بين صلاحيات الجيش وقوات الدفاع الشعبي كما ساهم تواجد المسلحين في الأحياء في خلق نوع من الشك العميق بين أفراد المجتمع في هوية بعضهم البعض وحقيقة انتماؤهم ومدي صلاحياتهم وصفتهم القانونية ومدي قدرتهم علي الزج ببعضهم البعض في متاهات بطش السلطة الباطشة الأمر الذي خلف نوع من الارتياب العام والتغاضي عن الحقوق رهبة من البطش المحدق بالجميع وكانت تلك بداية السكوت عن جرائم الدولة وتناسي الناس عن واجباتها تجاهم و التزاماها بالدفاع عنهم كمؤسسة معنية بحقوق المواطن وحافظة لأمنه واستقراره لتبدأ فصول طويلة من القطيعة بين الدولة والمجتمع لا بين السلطة والمجتمع ، واعتقد أن تلك القطيعة معنية بها الدولة أكثر من أي حكومة ستقوم علي أمر البلاد بعد انتهاء كابوس الجبهة الإسلامية وحكمها .
تعمق لدي المواطن السوداني خلال السنوات الخمسة وعشرين الأخيرة إحساس عميق بوجود متلازمات بعدت الشقة وعمقت الهوة بين الدولة والمواطن واهم تلك المتلازمات البطش/ الدولة ،الجباية/الدولة ، المماطلة/الدولة ،المحآبة/الدولة ، عدم الشفاء /المستشفي الحكومي ،عدم النجاح /المؤسسة التعليمية الحكومية ،العمل الغير مجدي /العمل في جهاز الدولة ..... الخ وفي كل أمثلة لا يمكن سوقها في هذا المتسع المتاح - حيث أنني هنا لا أركز علي الإتيان بالبينات فهي في عداد المسلمات بالنسبة لكل من هو علي علاقة وثيقة بواقع الحال في السودان - فقط أشير وللأمانة انه لا يمكن القول بإطلاق أن الجبهة هي التي خلقت تلك المتلازمات ولكنها بالفعل حولتها الي واقع معاش في كل مناحي الحياة بما اغترفت من جرائم متعمدة لتأتي بحالة القطيعة الي الحافة ولتحول بين المعالجة وامكانية استعادة الثقة لتؤسس لفوضي مدروسة تستطيع من خلالها تحقيق اهدافها ومراميها البعيدة والقريبة .
ولأن الإسلاميين مازالوا بصدد تأسيس نظرية في الدولة تخصهم ما كان منهم إلا آن عزوا فوضاهم تلك إلى حسن القصد في إقامة الدولة القاصدة لله والمتناسية لخلقه المعنيين بأمر الدولة اكثر منه ،
ومدركين في خطوهم القاصد ذاك وغير غافلين عن إعمال الفوضى ما استطاعوا بالحد الذي حدا بكبار منظري الجبهة بتقديم دراسات نظرية تهدف إلي تغييب الوجود المادي والموضوعي للدولة وربطه بعوالم غيبية غريبة كالدراسة التي قدمها الطيب زين العابدين حول إمكانية الاستفادة من الجن المسلم في إدارة شؤون الحكم في البلاد
لقد أشرت في صدر هذا المقال إلى بعض ما حدث في المؤسسة العسكرية وكانت الاشارة اليها باعتبار انها المؤسسة التي استطاعت منذ تأسيسها خلق اعراف وقيم راسخة في المؤسسية من حيث الهيكل والادارة ولكن ما لحق بالمؤسسة العسكرية لا يساوي عشر ما تم في مؤسسات الخدمة المدنية فذلك أمر يدركه كل من له علاقة بالخدمة المدنية في السودان ولكن ما يهمني هنا هو تداعيات كل ذلك كنتائج سالبة أفقدت الدولة مقدرتها علي إدارة شئون المواطنين
وحولت المواطن لشخص غير عابئ بما تفعله الدولة وذلك هو يسمي بحالة الإحباط واللامبالاة .
وأن اهتزاز صورة الدولة قد أفرخ نتائج كانت بالفعل قاصمة في تطور السودان وذلك ليس تهويلا فانسحاب الدولة وتراجعها عن أداء مهامها قد نتج عنه الاستعاضة بآليات أخري للأحتكام وآليات أخري لتوفير العيش تحت سيادة القانون وتلك ألآليات هي مكمن المأساة فعقب اكثر من تسعة و اربعين عام من الاستقلال يرجع السودان إلي عهد القبلية والاعتداد العرقي الذي يفتح الجحيم علي كل مناحي الحياة لنري وطن تتناوشه النزاعات والنزعات الطائفية من كل صوب حدب ، بصدد إيجاد مواعين تكفي الناس شر الظلم الاجتماعي الذي تكرسه الدولة .
نعم من حق الكل أن يطالب بحياة كريمة تحت سيادة القانون وذلك طبيعي ولكن ان نتراجع الي هاوية التمييز القبلي فذلك ما يجعل مناقشة سيادة الدولة تأخذ اهتمامها كموضوع جدير بالنقاش .
إن اخطر ما أفرزته حكومة الجبهة الإسلامية في حقبة حكمها للسودان وهذا حسب ما أري أنها استطاعت أن تنقل الدولة المؤسسية إلى حالة هلامية يصعب معها معرفة مصادر القرار لأنها عملت وبشكل متقن علي منح سلطات لأفراد لتنفيذ توجيهات تنظيمية تخص الجبهة ( وحسب ثقتها في ولاء الأفراد) . دون الاهتمام بكتابة دستور للبلاد أي كان ذلك الدستور ، فمازجت بين ما هو قانوني وما هو شخصي في تناغم لا يمكن أن يتوافر في أي دولة تحترم القانون ، مما منح شخوصها القائمين علي أمر الحكم التصرف اللامحدود في شؤون الناس والذي أفضي إلي الكارثة في كل ولايات السودان .
إننا علي كل حال كشعب لم نتجاوز مرحلة الدولة بعد إن لم اقل إننا لم نتجاوز مرحلة الإقطاع بعد ولذلك علينا ان ندرك ان استعادة الثقة بين الدولة والمواطن هي من اهم مهام التحول الديمقراطي وتحت أي شروط فليحكم من يحكم ولكن وليكن للدولة مساحتها في حكم الناس وقفا لكل هذه الفوضى .



















كل ما اتسعت الفكرة
ضاقت العبارة
أضف رد جديد