سيكولوجية "الزول" السوداني!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

سيكولوجية "الزول" السوداني!

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

سيكولوجية "الزول" السوداني!

في بوست "الإنسان والمجتمع والدولة في السودان - نحو أفق جديد" تحدثت عند الصفحة الثامنة في محور جانبي أسميته " سيكولوجية "الزول". الآن وبعد مرور بعض الوقت على حديثي ذاك رأيت أن هذا الشيء "الكائن المدعو زول" قمين بإفراد بوست خاص به لما ينطوي عليه من دهشة ومفاجئات ومفارقات وتمايزات... وكارثة!. هناك عقدت مقارنات بين الزول والزول الآخر كما بين الزول واللا زول بشكل مجمل و هنا عندما أتقدم في الحكي قليلآ سأعمل على عقد مقارنة هذه المرة بين سيكولوجية "الزول" و سيكولوجية "الخواجة" على وجه التحديد ولربما حصلنا من واقع المفارقة المحتملة على إحداثيات جديدة ومختلفة عما فعلنا عند بوست المجتمع المدني والدولة في السودان. وذاك هو سر فتح هذا البوست.

وأراه حسنآ أن أنقل إلى هنا كلامي المعنى من البوست الآخر ولكن ببعض التصرف.

متمنيآ لي ولكم الصبر على مكاره القراءة والكتابة والنصر على شرور سيكلوجياتنا وسيئات آيدولوجياتنا... و"الزول" من وراء القصد.

تحياتي،

محمد جمال


---التعديل---
لمحاولة إصلاح عنوان البوست


آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الاثنين أغسطس 06, 2012 12:11 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

سؤال مهم جدآ ربما ردده العديد منا سرآ أو جهرآ وهو:

هل "الزول" مختلف عن بقية البشر في الدنيا؟.

الإجابة من عندي "طااااخ" نعم!.

بعد شوية حا نعرف "الزول" ذاتو منو وشنو؟. وحا نعرف مختلف كيف؟!. وليه؟.


محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

تحذير وتنبيه!


منظومات القيم في السودان؟

حا أتحدث من جديد عن المنظومات القيمية في السودان وهي الميكانزمات التحتية التي تشكل سيكولوجية "الزول" وتجعل منه زولآ مميزآ ومتمايزآ عن الآخرين.

لكن قبل أن أبدأ أرجو أن تأذنو لي بإطلاق تحذير هام كما تنبيه صغير.

تحذير:
المنظومات القيمية المعنية كما جاءت في بوست المجتمع المدني والدولة هي من إختراعي الخاص إذ ليست بشيء مجمع عليه ولا يوجد ما يطابقها في العلوم الإجتماعية القائمة والمعلومة أبدآ لا، لا بتصنفيها الذي فعلت ولا لغتها. ولإن بحث أحدكم مثلآ في محرك البحث قوقل وكتب أيآ من المنظومات القمية الثلاثة بلغتي 1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" فلن يحصل على شيء غير كتابتي هذه والأمر سيان إن فعل البحث باللغة الإنجليزية
1- Value system of corporality, “Knighthood”.
2- Value system of spirituality, “Metaphysical”.
3- Value system of rationality, “Objectivity”.

الخلاصات التي توصلت إليها حتى الآن حول المجتمع المدني والدولة موضوعة أيضآ باللغة الإنجليزية ومنشورة في عدة مواقع وهي في مجملها أرائي الخاصة التي أحاول فرضها على العقول. وليست منظومات القيم فحسب بل كل شيء تقريبآ فيما يتعلق بالخلاصات المعنية حول المجتمع المدني والدولة.
ليه التحذير دا؟. عشان دا عمل تجريبي ينطوي على مغامرة خطيرة فإما هو حدث جديد "نظرية إجتماعية جديدة" أو هو تزييف ليس إلا. دا عشان الأمانة وعشان عايز أشعل روح العقول الناقدة. وعندي ظن إن كدا أنا شخصيآ بستفيد.

تنبيه صغير:
ناس الحتمية التاريخية والجدلية المادية ما يستعجلوا عند بداية حديثي هذا!. أظنكم أنتم عارفين أنا بقصد شنو؟. وحدث أن قلت معرفآ ماهية "القيمة":

منظومة القيم = حزمة متجانسة من المسلمات الإجتماعية "المثالية" الراسخة في العقل الجمعي. "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إالتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء أو/والمعاش أو/والأمن أو/والرفاهية) وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال

محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


المنظومات القيمية ... (لطفآ، راجع للأهمية خلاصة الإنسان و المجتمع والدولة في السودان كاملة لدى المداخلة المقبلة):

نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي:
1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان واقعية إختلاط وإمتزاج وتشابك القيم).

أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم".
ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف". وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء" كما "اللاإنسانية".

ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإيمان والإتكال على قوة ما ورائية. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما وراء الطبيعة المادية". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".

ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".

د- القيم في تنزلها كفعل يصبغ حياة "الإنسان" تستطيع أن تشتغل مفردة أو متشابكة "ممتزجة". فالإنسان يمكنه أن يكون فارسآ محضآ أو زاهد محضآ أو متمدنآ محضآ. كما أن الإنسان يستطيع أن يكون "فارسآ زاهدآ" أو "فارسآ متمدنآ" او "زاهدآ متمدنآ". ليس ذاك فحسب بل الإنسان يستطيع أن يكون "فارسآ وزاهدآ ومتمدنآ" في ذات الأوان!.

الفارس هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا تعني بالضرورة ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائيآ" في الريف لا المدينة كما أن العكس صحيح بنفس القدر من الصحة فكثيرآ ما يكون سكان المدن أكثر ريفية من أهل الريف وأهل الريف أكثر أصالة في المدنية كزمان من أهل المدينة كمكان.

-الفارس في نسخته المثالية هو الإنسان "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.

-الزاهد في نسخته المثالية هو الإنسان المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".

-المتمدن في نسخته المثالية هو الإنسان المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.

مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم "المفردة في نوعها" والمشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى بكثير مما حصرناه لدى هذه النقطة.


ه- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إلتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية). وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال

آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة يناير 18, 2013 7:41 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

الإنسان والمجتمع المدني والدولة في السودان - نحو أفق جديد


خلاصة



تعريف المجتمع المدني (مفهوميآ وعمليآ) وفي مقابل الدولة "السودان مثالا"




1- "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" تعني لا "رسمي"، لا غير.

كلمة "مدني" في عبارة: المجتمع المدني تقوم ضد الرسمي "الدولة" على وجه الإطلاق.

المدني هو المجتمع اللا رسمي والدولة هي المجتمع اللا مدني.

مدني في مقابل رسمي.*

وبهذا النحو فإن "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" لا تحيل إلى أي معنى آخر من معاني التميز والإمتياز من قبيل مدنية بمعنى حضر أو حضارة أو حداثة أو علمانية. كما ان الكلمة "مدني" لا تحيل الى أي معنى من معاني الإلتزام الأخلاقي أو الأدبي أو الآيدولوجي. وإنما تعني فقط لا غير: غير رسمي (كل شيء أو فعل أو شخص خارج إطار منظومة الدولة). فالمجتمع المدني بهذا المعنى يكون هو محصلة حراك الناس "الهيكلي واللا هيكلي" خارج منظومة الرسمي "الدولة". وبغض النظر عن مغزى وشكل ذاك الحراك. ولا يهم ان وصف بأنه حديث أو تقليدي، تقدمي أو رجعي. كما لا يهم مكان حدوثه في الريف أو المدينة. وبغض النظر عن زمان حدوثه. فهو في كل الأحوال والأماكن والأزمان فعل "مدني": مجتمع مدني.


2- جوهر "المجتمع المدني" في مظهره، إذ لا ذات قائمة بذاتها للمجتمع المدني .. كما ان المجتمع المدني يتمظهر هيكليآ في ذات الوقت الذي يتمظهر فيه لا هيكليآ ودائمآ بطرق منوعة ومتمايزة.

فإن جاز تشبيه المجتمع المدني بالبحر فان موج البحر هو تمظهره. وإذا تحقق أن نرى البحر في سكونه بأعيننا ونسبح فيه بأجسادنا، فالمجتمع المدني عكس ذلك تماما فهو لا يرى ولا يحس الا حينما يتمظهر. لأن لا ذات للمجتمع المدني قائمة بذاتها. لا يوجد جوهر للمجتمع المدني. فجوهر "المجتمع المدني" هو مظهره هو "تمظهراته" ليس إلا. المجتمع المدني مجرد خط بياني متصور الغرض منه قياس الحالة، ليس إلا. ولهذا لا تتحدث الناس عن المجتمع المدني والا تطابق حديثهم مع تمظهراته أي هياكله وأحداثه. كما لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتمظهر بنفس النسق والمنوال. كل تمظهر مدني عنده خصائصه المتفردة وفقآ للأسباب الواقفة خلف كل تمظهر من التمظهرات. التمظهر المدني مثل بصمات الأصابع لا يتكرر مرتين في نفس الآن والمكان، فعلى سبيل المثال النقابة المحددة لا تتطابق مع نقابة أخرى في كل شيء كما الأمر نفسه يكون لدي الطائفة والعشيرة وإلخ... تلك التمايزات "متفاوتة الحجم" تجد خلفيتها في جدلية "الهدف والقيم واللائحة".

3- تمظهرات المجتمع المدني الأفقية والرأسية:
يتمظهر المجتمع المدني أفقيآ كما رأسيا. أفقيآ في صورة أحداث وهياكل (هيكليآ ولا هيكليآ). كما يتمظهر رأسيآ (في نسخته الهيكلية) في صورتين 1- "أصيلة" = "تحتية" و2- فوقية (مولدة عن الأصيلة). النسخة المدنية الأصلية تستند على منظومة قيم إجتماعية تنقسم الى ثلاثة أنماط: 1- جسدانية "فروسية" 2- روحانية "غيبية" و 3- عقلانية "موضوعية". بينما يستند التمظهر الفوقي "المولد" إلى منظومة آيدولوجية "رؤيوية".

أ- أحداث "لا هياكل" المجتمع المدني:
يتمظهر المجتمع المدني لا هيكليآ في شكل أحداث متكررة وراتبة من خلفها قيم وعندها أهداف وأعراف وسوابق راسخة في العقل الجمعي. مثال ذلك التظاهرات الجماهيرية والألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".

ب- منظمات "هياكل" المجتمع المدني:
يتمظهر المجتمع المدني هيكليآ في شكل تجمعات مجتمعية طويلة الأمد، وتسمى بأسماء مختلفة غير أن أكثر إسم شائع في الوقت الراهن هو: منظمة، وتجمع منظمات. والمنظمة هنا تشمل في الأساس القبيلة والعشيرة والطائفة الدينية (التمظهرات الطبيعية والوراثية و التقليدية وهي في الأساس تمظهرات المجتمع المدني "الريفي") يقابلها في الجانب الآخر تمظهرات المجتمع المدني "المديني" كالنقابات والإتحادات والنوادي والمنظمات الحقوقية والبيئية والإبداعية والعلمية والروابط الفئوية المختلفة ومصانع القطاع الخاص. فالمجتمع المدني بمثل ما يتمظهر "لا هيكليآ" في شكل أحداث فإنه أيضآ يتمظهر "هيكليآ" في شكل منظمات عندها أعضاء مسجلون أو غير مسجلين على الورق بغرض انجاز أهداف محدده وفق نظم وقيم ولوائح محددة مكتوبة أو غير مكتوبة على الورق.

ج- شروط تمظهرات المجتمع المدني:
لا يستطيع المجتمع المدني أن يتمظهر هيكليآ أو لا هيكليآ "على مستوى بنياته الأصيلة" إلا في حالة تحقق ثلاثة شروط في نفس الآن ودون نقصان: 1- هدف 2- منظومة قيم و 3- لائحة .. وقد تكون تلك الشروط اللازمة موضوعة على الورق "مكتوبة" في حالة النقابة مثلآ أو مرسومة في العقل الجمعي للجماعة المحددة "غير مكتوبة" في حالة "العشيرة" أو "شعائر الجنازة" مثلآ.

د- كل حراك جمعي هيكلي أو لا هيكلي هو مجتمع مدني وعلى وجه الإطلاق:
كل حراك مدني هيكلي هو منظمة مجتمع مدني بغض النظر عن أهدافه وشكل عضويته ومكان وزمان وقوعه وبغض النظر عن إعتراف الرسمي به أو لا، يكون منظمة مجتمع مدني حتى لو كانت عصابة إجرامية. كما أنه بنفس القدر كل حدث جمعي غير هيكلي يقوم على أساس هدف محدد وقيم محددة وأعراف وسوابق متعارف عليها هو حدث مدني أي مجتمع مدني، مثال ذلك التظاهرات الجماهيرية والألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".

ه- التمظهرات المدنية الهيكلية واللا هيكلية تمثل التمظهرات الأصيلة للمجتمع المدني والتي بدورها قد تتمظهر في أشكال أخرى "فوقية" بهدف الجدل مع الدولة = تمظهر مولد عن الأصيل ( جماعات وأحزاب سياسية "رؤيوية موضوعية" أي آيدولوجية).

و- الأحزاب السياسية لا تكون ذات فاعلية وديمومة إلا إذا جاءت كتمظهر فوقي لتمظهر مدني أصيل.

ز- البنية المدنية الفوقية هي مكان الرؤى الشتيتة = "آيدولوجيات متصارعة" في سبيل الفوز بأكبر قد من التاُثير في عملية بناء وسيرورة رؤية موحدة للعيش المشترك، بينما تكون الدولة هي مكان الرؤية الموحدة للعيش المشترك = "عقد إجتماعي".

4- المنظومات القيمية:

نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي:
1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان إختلاط وتشابك القيم).

أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم".
ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف". وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء" كما "اللاإنسانية".

ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإيمان والإتكال على قوة ما ورائية. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما وراء الطبيعة المادية". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".

ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".

د- القيم في تنزلها كفعل يصبغ حياة "الإنسان" تستطيع أن تشتغل مفردة أو متشابكة "ممتزجة". فالإنسان يمكنه أن يكون فارسآ محضآ أو زاهد محضآ أو متمدنآ محضآ. كما أن الإنسان يستطيع أن يكون "فارسآ زاهدآ" أو "فارسآ متمدنآ" او "زاهدآ متمدنآ". ليس ذاك فحسب بل الإنسان يستطيع أن يكون "فارسآ وزاهدآ ومتمدنآ" في ذات الأوان!.

الفارس هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا تعني بالضرورة ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائيآ" في الريف لا المدينة كما أن العكس صحيح بنفس القدر من الصحة فكثيرآ ما يكون سكان المدن أكثر ريفية من أهل الريف وأهل الريف أكثر أصالة في المدنية كزمان من أهل المدينة كمكان.

-الفارس في نسخته المثالية هو الإنسان "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.

-الزاهد في نسخته المثالية هو الإنسان المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".

-المتمدن في نسخته المثالية هو الإنسان المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.

مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم "المفردة في نوعها" والمشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى بكثير مما حصرناه لدى هذه النقطة.


ه- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إلتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية). وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".

5- وظائف وأدوار البنيات المدنية الأصيلة و الفوقية:
وظيفة البنية المدنية الأصيلة في الأساس تنحصر حول إنجاز هدف الجماعة الكلى أو الجزئي من (البقاء أو/و المعاش أو/و الأمن أو/و الرفاهية) للجماعة المدنية المحددة في مواجهة الطبيعة والآخر على وجه الإطلاق كما تشهد عليه الحياة العملية. إذ ليس من أهداف البنيات المدنية الأصيلة الجدل المباشر مع الدولة إلا في الحالات غير الطبيعية. تلك مهمة البنيات المولدة " الفوقية" لا الأصيلة "التحتية".

مرة ثانية ليس من وظائف أو أدوار البنيات المدنية "الأصيلة" الجدل المباشر مع الدولة. كما ليس من مصلحة الدولة في شيء الجدل المباشر مع تلك البنيات المدنية الأصيلة. بل ذاك إن حدث من البنيات المدنية الأصيلة أو من الدولة سيؤدي على المستوى البعيد إلى التـأثير السالب من حيث المبدأ على وجودهما المادي على حد سواء، كون إذن منظومات القيم المثالية "المدني" ستصطدم بمبدأ المصلحة "المنفعة" المجردة = "الدولة". وهما حقلان وجبا أن يكونا متوازيان على الدوام لا يتقاطعان أبدآ وتقوم في الفضاء الفاصل بينهما البنيات الفوقية = الآيدولوجيات. وإلا هناك مشكلة دائمآ ما تتجسد في فساد الرؤية الموحدة للعيش المشترك.

6- السمة الغالبة للمجتمع المدني هي التضحية بجهد الجماعة لمصلحة الفرد (كشف الفراش = دفتر تبرعات المأتم) مثالآ. بينما تكون السمة الغالبة للدولة هي التضحية بجهد الفرد لمصلحة الجماعة (الضرائب) مثالآ.


7- المجتمع المدني كمصطلح تقني:
المجتمع المدني يجوز أن ننظر إليه كمصطلح تقني بحت (لا قيمي و لا أخلاقي) لا يتعرف في جوهره بالخير ولا الشر ولا الحداثة أو التقليدية ولا التقدم أو التخلف ولا العلمانية أو الدينية. تلك الفاظ قيمة تتعرف وفق منظوماتها القيمية المحددة ولا يجب أن تحيل بحال من الأحوال الى "المدني". فالمجتمع المدني يكون بمثابة الميدان المادي للصراع القيمي والآيدولوجي لكنه هو ليس ذاته الصراع. إنه الفضاء فحسب. فضاء التجليات!. الفضاء الذي تحلق فيه العصافير الملونة "الجميلة" والبريئة والصقور الجارحة والبعوض والحشرات العديدة. هو الفضاء فحسب، هو ليس العصافير الجميلة البريئة ولا الصقور الجارحة. إنه الفضاء الشاسع القابع في سلبيته. فضاء للخير بقدر ما هو فضاء للشر، فضاء للباطل والحق وللقبح والجمال. هو الرمز ليس إلا بينما تكون تجلياته هي الحقيقة!.


8- جدلية الخير والشر "أ":
يتعرف المجتمع المدني بخيره من شره القائم أو المحتمل لا ببنياته قديمة أو حديثة وإنما بحسب أفعاله الصالحة أو الطالحة من مجالات الفعل الموجب والتي يمكن رؤيتها في: 1- التنمية 2- السلام 3- الحكم الرشيد 4- الحقوق )حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة(Human, Animal and Nature Rights "HAN"
5- الإبداع و6- المجال المفتوح (الثقافي-الإجتماعي- الترفيهي). وذلك بقياس المسافة بين الصفة الخيرة ونقيضها، من مثل: التنمية مقابل الدمار والسلام مقابل الحرب والرشد مقابل الطغيان والحق مقابل الباطل والإبداع مقابل التحجر و المفتوح مقابل المغلق.


9- جدلية الخير والشر "ب":
في جميع الاحوال وفي كل الأوقات فإن الفعل في سياق المجتمع المدني هيكليآ أو لا هيكليآ يقود الى منفعة محددة تجد تعبيرها في مساهمة مادية نقدية أو عينية كما بذل الجهد المجاني أو مدفوع الأجر بهدف جلب الخير او درء الاذى، في فضاء خارج الرسمي "الدولة" وفق منظومة قيمية أو رؤيوية محددة ربما يكون نتاجها شرآ في نظر الآخر.



10- جدلية المدني و الرسمي:
لا يكون "المدني" الا في مقابل "الرسمي" والعكس صحيح، وبإنتفاء أيآ منهما ينتفي الآخر بالضرورة، فلا مجتمع مدني بلا دولة ولا دولة بلا مجتمع مدني. فعلى سبيل المثال فإن أي منظمة تقوم خارج السودان "بحدوده كدولة" لا تمثل "مجتمع مدني" لأنها ببساطة لا تقوم في مقابل الدولة. والأصح (أي ربما يجوز) أنها تمثل مجتمع مدني فقط بالنسبة للدولة التي نشأت بها. وبالتالي فإن تسمية "منظمات مجتمع مدني" بالنسبة للمنظمات "الموصوفة بالمدنية" التي ينشأها السودانيون بالخارج لا تصح إلا كمجاز. إلا إذا حتم واقعها الموضوعي أن تكون فروعآ مرحلية لكيانات مدنية أصيلة أو فوقية تقوم بداخل البلاد وإستنادآ عليه تكون أهدافها ورؤيتها ورسالتها، وهو ما نلمسه في الواقع المعاش في حالة كثير من الأحزاب السياسية السودانية.


11- التمظهرات الهيكلية "العملية" للمجتمع المدني:
يتمظهر "المجتمع المدني" في السودان عمليآ ويبدو للعيان بشكل "هيكلي" في أربع أنماط رئيسية:
1- تمظهرات عقلانية موضوعية "الشكل الحديث" ورمزها النقابة 2- تمظهرات جسدانية إثنية "القبيلة والعشيرة" 3- تمظهرات روحانية غيبية (الطرق الصوفية والمسيد والمسجد والكجور والكنائس) وأخيرآ 4- تمظهرات القطاع الخاص (بدورها عقلانية).

12- التمظهرات الهيكلية للدولة:
تتمظهر الدولة على وجه العموم "هيكليآ" في ستة أشكال رئيسية هي: 1-الجهاز التنفيذي (الحكومة) 2-الجهاز التشريعي "البرلمان" 3-الجهاز القضائي 4-المؤسسة العسكرية (الجيش والبوليس وأجهزة الأمن) 5-الخدمية المدنية و6- القطاع العام. (كما أن الدولة بدورها تستطيع أن تتمظهر في أشكال غير هيكلية من قبيل مرموزات قيمية ومفاهيم آيدولوجية وهنا يكمن معزي تأثير الدولة على أحداث وهياكل "المجتمع المدني" سلبآ وإيجابا. وهنا تكون جدلية "المجتمع المدني والدولة" في أسطع صورها).


13- صراع الريف والمدينة و نزاع الذات:
من خلال الملاحظة نستطيع ان نتحسس أن المجتمع المدني في السودان ينقسم في مستوى بنيته الأصيلة على وجه الإجمال في كتلتين هما كتلة الريف وكتلة المدينة. هذان الكتلتان تتوازيان مرة وتتقاطعان في بعض المرات، تختصمان في لحظة ما وتتصالاحان في لحظة اخرى، في نفس الوقت الذي يعتمل في داخل كل منهما مجموعة من التناقضات الذاتية بفعل اختلاف واختلال منظومة القيم الواقفة وراء تمظهرهما ( أي ان كل كتلة في ذاتها تتراكب من جزيئات تتشابه حينآ و تتمايز تراكيبها بعضا عن بعض أحيانآ أخرى). هذان المجتمعان يتمثلان بشكل مجمل في المجتمع المدني "المديني" والمجتمع المدني " الريفي". ولكل منهما تمظهراته المختلفة إختلافآ جذريآ عن الآخر كون تلك التمظهرات المعنية تقوم على سند من منظومات قيمية متمايزة "جذريآ". وهذا التمايز والإختلاف لدى البنية المدنية التحتية يسقط على التجلى الفوقي "الآيدولوجي" لكل منهما (مثال لذلك الصراع السياسي الذي وسم تاريخ السودان الحديث بين الطائفيين والأفندية). كما أن في الجانب الآخر كل كتلة من الكتلتين الأصيلتين موسومة بإختلال قيمي "ذاتي" يجعلها في نوعها متمايزة في تراكيبها وهذا التمايز في إطار النوع الواحد يسقط بدوره على البنية الفوقية (مثال لذلك الصراع السياسي بين العلمانيين والغيبيين "يسار يمين" على مدى تاريخ سودان ما بعد الإستقلال).


-14البنيات المدنية التحتية تبقى على الدوام ممثلة في مستوى الدولة عبر الآيدولوجيا (البنيات الفوقية) في ثلاثة مستويات متباينة: أ- تمثيل بالأصالة (هو التمثيل المثالي) ب- تمثيل بالإنابة (يعتمل ضمان الحقوق المادية والمعنوية) و ج- تمثيل بالإحالة (يحتمل القهر المادي والمعنوي).


15- سايكولوجيا الإنسان "الفرد" تتخلق وتعيش وتموت وتولد من جديد وفق القيم المشكلة للبنيات المدنية التحتية. كما أن تلك البنيات التحتية تقوم في و "على" جدل مستمر مع الرؤى "الآيدولوجيا" كما الزمكان "الدولة" . و تكون البنية المدنية التحتية كما الفوقية والدولة مكان هويات الفرد "القيمية والرؤيوية والزمكانية" على التوالي. كما أن للفرد هويته "الفردانية" أي سايكلوجيته الخاصة. (سايكلوجيا الفرد تعني تجربته الذهنية والنفسية والجمالية وذوقه الحسي. هناك أربعة مستويات للهوية: هوية "قيمية"، هوية "رؤيوية"، هوية "زمكانية" وهوية "فردانية". ولكل كائن بشري بالضرورة شعور بهوية "فردانية" وهوية "قيمية" وليس بالضرورة أن يشعر الفرد على الدوام بهوية رؤيوية أو/و هوية زمكانية).



16- فرضية أخيرة: المجتمع المدني هو الاصل كما هو سديم الدولة:

الأصل في الإجتماع البشري هو "المجتمع المدني" ببنياته الأصيلة ثم تأتي البنى الفوقية ومن ثمة تتشكل الدولة. فالمجتمع المدني هو بذرة الدولة. الدولة بكل بساطة هي: نقطة تلاقي المصالح/تعارضها. أي نقطة تلاقي/تعارض مصالح البنيات المدنية الأصيلة في حيز زماني وجغرافي محدد "زمكان" وما يقتضي ذلك بالضرورة من نظام لا مفر منه يسمى في شموله: الدولة. وإذ يقوم المجتمع المدني على "القيمي" في تمظهره الأصيل وعلى "الآيدولوجي" في تمظهره الفوقي تقوم الدولة على نظام "المنفعة = المصلحة" مجردة بلا قيم ولا آيدولوجيا في نسختها المثالية. وإلا ستتعارض الدولة وتتصادم بإستمرار مع كثير من البنيات الإجتماعية الأصيلة مما يؤدي في نهاية المطاف (في الغالب الأعم) إلى واحد من إحتمالين: موت "فناء" الدولة السائدة بشكل نهائي وبالتالي موت المجتمع المدني "موت القيم السائدة" أو إعادة تشكل الدولة في صيغة جديدة وبالتالي تمظهر المجتمع المدني في لباس جديد "قيم جديدة". مرة ثانية الصورة المعتادة هي أن تتشكل القيم أولآ تتشكل الرؤى تبعآ للقيم تتشكل الدولة وفقآ للرؤى. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية "القيمية والرؤيوية والزمكانية" في نسق ما. تموت القيم السائدة تموت الرؤى السائدة تموت الدولة السائدة. تتشكل القيم من جديد تتشكل الرؤى من جديد تتشكل الدولة من جديد. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية في نسق جديد. وهكذا تكون على سبيل المثال مروي ثم المقرة وعلوة فسنار. وتكون بالطبع تلك التموجات "الزمكانية" مشحونة بملايين الهويات القيمية والرؤيوية "أي تتصارع الكتلة الواحدة في ذاتها حتى الفناء". قيم فرؤى فدولة.

غير أنه في مرة من المرات تتعقد تلك المعادلة إذ يحدث في لحظة ما إستثنائية العكس تمامآ بحيث تتشكل الدولة "الزمكان" أولآ ثم تتشكل من بعدها الرؤى فلقيم (حدث في واقع السودان بصورة حادة مرتين عام 1821 "ما عرف بالغزو التركي المصري" وحصل مرة ثانية عام 1899 " ما عرف بالغزو الإنجليزي المصري"). ليس ذاك فحسب بل أن الزمكان على الدوام يخرق الرؤى والرؤى تخرق القيم وتلك هي جدلية المجتمع المدني والدولة "المعنية".


• التكرار مقصود عند نقطة رقم "1"

محمد جمال الدين حامد، لاهاي/هولندا 10 يونيو 2011
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة يناير 18, 2013 7:49 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

بعد المقدمة الصغيرة دي ممكن نبدأ الكلام... خليكم معاي... لطفآ.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!


محمد جمال


------------التعديل------
لا شيء مهم!.
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة سبتمبر 16, 2011 3:10 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

سيكولوجية "الزول"

قلنا أننا سنحاول تقصى سيكولوجية "الزول" أي الإنسان السوداني!. هذا المحور ستهيمن عليه "منظومة القيم" كما هو معلن!. وسأبقى أصيلآ في إعتمادي على ملاحظتي الذاتية كما هو الحال "إشارة إلى البوست الآخر".

نبدأ بالإنسان "الفرد" = " الزول". أ- الزول من حيث هو زول .. ب- الزول في نظر الزول الآخر .. ج- الزول في نظر الآخر المطلق "اللازول"!.

أ‌- الزول

(إذا ما شب حريق بشكل مباغت ... ماذا يفعل الزول؟) مثال.

أولآ دعوني أعرفكم على ثلاثة شبان سودانيين كل "زول" منهم من جهة ما مختلفة. الأول يدعى أحمد سمير من حي الصافية بالخرطوم موظف صغير ببنك الخرطوم والثاني عدلان أب شرا مزارع "صاحب حواشة" من طيبة الشيخ عبد الباقي والثالث آدم بحر الدين راعي أبقار قبالة كفيا كنجي. ولو أن عدلان وآدم تركا مهنتيهما ونزحا بعيدآ فعاشا في مناطق مختلفة في إحدى أحياء أمبدة بإمدرمان منذ عامين.

جمعت هولاء الثلاثة مصادفة غير عادية في دار مغلقة بإحكام شديد تشبه إلى حد كبير صوامع الغلال. وكان هناك ثلاثة أطفال نائمون في سرداب بالداخل. وفجأة حدث أمر غير متوقع. بدأ "أنبوب" غاز ما يشتعل نارآ دون إدراكهم. لكنهم أخذوا على حين غرة بصوت فتاة صغيرة جملية وهي تصيح في منتهى الهلع: النار النار النار.. حريق حريق حريق. (الأطفال الثلاثة كانوا إخوان وأخوات تلك الفتاة).

فماذا فعل كل من أحمد وعدلان وآدم في النصف الأول من الثانية الأولى من الوقت إلى إكتمال الثانية الثالثة؟.

-قفز أحمد قبالة الباب المغلق ويده تتحسس الموبايل في جيبه.
-نهض عدلان متجهآ قبالة الفتاة.
-نظر آدم ناحية إشارة الفتاة إلى مكان الحريق.

(كل تصرف من تلقاء نفسه ودون أن يشعر أو يعير إنتباهآ لما يفعل الآخر)

بين الثانية الثالثة والعاشرة، كان الوضع كالتالي:

-أحمد إستطاع بقدرة خارقة كسر الباب والولوج إلى الخارج في الوقت الذي يحاول فيه إبلاغ شرطة المطافيء بالحدث.
-عدلان كان يهز كتفي الفتاة "التي كانت في منتهي الهلع" ويقول لها: "قولي: يا الشيخ اب شرا".
-آدم كان يقف قبالة الحريق ويبحث عن وسيلة لإطفائه.

ماذا حدث بين نهاية الثانية العاشرة وإلى إكتمال الدقيقة الأولى؟.

قبل أن أخبركم بكل ما جرى في الدقيقة الأولى هناك أمر مهم جدآ وهو: بعد إكتمال تحريات "البوليس" ثبت أن مواقف الشبان الثلاثة وإنفعالاتهم التلقائية مع الحدث في العشرة ثواني الأولى كانت صحيحة وصحيحة بنفس القدر من الصحة، على حد سواء!. لقد كان حكمآ مدهشآ جدآ لكثير من الناس!.

وبإكتمال الدقيقة الأولى:

-آدم شرع في إطفاء الحريق وحده وبكل السبل الممكنة ... كان أمرآ صعبآ... لكنه على كل حال إستطاع حجب بعض ألسنة اللهب من أن تصل إلى مدى الإنفجار قبل الخمسة دقائق الأولى.

-عدلان إستطاع تهدئة روع الفتاة بحيث عملت على قيادته إلى مكان الأطفال الثلاثة.

-أحمد إستطاع إبلاغ شرطة المطافي بالحدث وظل يراقب بتمعن من الخارج.

بعد سبع دقائق وصلت شرطة المطافي. فوجدت عدلان وآدم وأحمد والفتاة والأطفال الثلاثة بالخارج وبحالة ليست سيئة جدا. ولو أن أحمد جرح جرحآ صغيرآ لكنه مؤلمآ في يده اليمنى أثناء محاولة خروجه من الدار وعدلان أصيب بألم حاد في السلسله الفقرية من جراء حمله للأطفال الثلاثة على عجل إلى الخارج وآدم أصابته النار في قدمه اليسرى. الفتاة لا تزال مرتعبة والأطفال الثلاثة بدأ عليهم الخوف والإرتباك.

في خلال عشر دقائق إحترق المكان عن بكرة أبيه كونه كان يحتوي بداخله عدد من أنابيب الغاز الطبيعي. غير أن المتحدث الرسمي بإسم شرطة المطافي بولاية الخرطوم صرح في اليوم التالي بأن نجاح العملية يكمن في أن النار لم تصل إلى مناطق الجوار كما أنه لا يوجد أذى جسيم .. وقدر أن لولا -شجاعة و-حكمة و-عقلانية الشبان الثلاثة لكانت كارثة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. وبعد عدة أيام أقام تلفزيون السودان إستطلاعآ خاصآ حول الحدث أشاد فيه بالطريقة العقلانية التي تعامل بها أحمد وأشاد بذات القدر بحكمة عدلان وشجاعة آدم الفائقتين... (-عقلانية، -حكمة و-شجاعة). إنتهى. (لا أحد منهم ذكر أو تحدث عن أي دور موجب للفتاة) هكذا علق بعد عدة أيام أحد محرري صحيفة الصباح الحر "متعجبآ"!.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


أهم ما في المشهد "المتخيل" إعلاه هو معقوليته. أي أن "الزول" عندما يقرأ أو يسمع تلك الحكاية لا يجد مفارقة لما قد يحدث في الواقع المادي. تلك تكون قمة نجاح المثال في مقاربته للحقيقة. بمعنى آخر فان المواقف المختلفة التي تبناها الرجال الثلاثة تكون معقولة ومنسجمة مع خلفياتهم القيمية. فبالإحالة إلى منظومات القيم التي خلصنا إليها من خلال هذا السرد يكون أحمد "أفندي" وعدلان " زاهد" وآدم "فارس". أي أن المواقف التلقائية التي تبناها الرجال الثلاثة حيال حدث مباغت يهدد حياة الكائن البشري ماديآ لم تأتي من فراغ بل تنبني على المحمول القيمي الجمعي للزول. وذاك طبعآ السبب الذي يقف خلف تباين المواقف الثلاثة للرجال الثلاثة في مشهد النار أعلاه.

فأحمد أول ما فكر فيه هو "أحمد" أي الذات "أنا" . وكان الفعل هو النفاد بالجسد أمام مشهد "النار" المرتبطة في المخيلة بالموت والبشاعة.
غير أن الشيئين الأوليين الذين فكرا فيهما علان وآدم كانا مختلفين جذريآ. فكرا في الآخر. فعدلان همه المباشر تركز حول الفتاة. بينما فكر آدم في النار. أي أن فكرتهما الأولى لم يكن محورها المباشر الذات ال"أنا" بل ال"نحن". فالفتاة تمثل جزءآ لا يتجزأ من الجماعة كونها وجدت في الحيز المكاني والزماني بينما إطفاء النار يعتمل خلاص الجميع.

غير أن القصة لا تنتهي هنا.


فيبدو أن أحمد بخلاصه لنفسه "أولآ" يعتقد خلاص الآخرين عبر إستخدام فكرته المجردة أي عقله.
وعدلان في مسعاه لخلاص الآخرين إعتمد على قوة ما ورائية "غائبة" كلية هي "الشيخ أب شرا". بينما نجد أن آدم واجه "النار" مباشرة بكل ما ينطوي عليه الفعل من مغامرة بالجسد أي "الآذي الجسماني" أي أنه كان مؤهلآ للتضحية بالجسد أو بعضه في سبيل خلاص الجماعة دون الركون إلى فكرة مجردة أو قوة أخرى "غائبة".

وبغض النظر عن ما هو رأي الناقد المحايد عند مقارنة صحة المواقف التلقائية الثلاثة ببعضها البعض يكون ذاك هو ما جرى في ميدان الواقع، وعنده ما يبرره!.

ومن هنا ربما أجد مدخلآ إلى القول بأن آدم كان في مقام الفارس the knight
وعدلان في مقام الزاهد "المؤمن على طريقة التصوف"
وأحمد في مقام الأفندي "الموضوعي". وبالأفندي أؤشر على وجه الأجمال إلى سكان المدن الأصيلين والملتزمين بقيم المدينة الخالصة وهي قيم ال "أنا"، بمنأ عن معنى الكلمة التقليدي "موظف حكومي". وقد أفضل في المستقبل إستخدام كلمة "أنوي وأنوية" إشتقاق من "أنا" بدلآ عن أفندي وأفندوية.

وعندي أن القيم التي تقف خلف جل تمظهرات المجتمع المدني في السودان "ثلاثة" منظومات قيمية لا غير.
هي قيم الجسدانية "الفروسية" وقيم الروحانية "الغيب" وقيم العقلانية " الموضوعية" (فروسية، غيب وموضوعية). وأشعر أنه توجب علي في لحظة ما أن أشرح ماذا أعني بكلمة جسدانية كوني أعتقد أن الروحانية والعقلانية كلمتان واضحتان في السياق. تلك القيم تسقط على فعل الزول أي تتجسد في أفعال.

وتلك المنظومات القيمية تفعل فعلها الأصيل كل بمفردها أو تنمزج "تتداخل وتتشابك" مع بعضها البعض لتشكل في نهاية المطاف "الزول" الذي نراه الآن يمشى في الأسواق ويعمل ويتكلم ويكتب ويشعر ويغني ويرسم ويحكم ويعارض ويسافر. وتجعل الزول مميزآ أو متمايزآ في سلوكه عن الزول الآخر كما في ذات الأوان هي السبب المباشر في تنميط الزول لدى الآخرين كما نرى لاحقآ (عبر أخذ عينات من الواقع) كيف يكون "الزول" في مخيلة البشر الآخرين في بعض بلدان أفريقيا والعرب وربما بلدان أخر.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال




محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

فرسان لا إنسانيون!!!


قيم "الجسدانية"

قلت في مكان آخر أنني أشعر بأنه توجب علي أن أوضح بعض الشيء عن ماذا أقصد بالجسدانية في عبارة "قيم الجسدانية". إذ أن منظومات القيم الرئيسية عندي في السودان يمكن حصرها في ثلاثة مجموعات كبيرة هي 1- قيم العقلانية "الموضوعية" 2- قيم الروحانية "الغيب" و 3- قيم الجسدانية "الفروسية".

ورأيت أن كلمتي العقلانية والروحانية ربما تكونا واضحتين في سياقهما ولكن "جسدانية" قد تكون غريبة في السياق الذي وضعتها فيه أو كما شعرت من بعض نقاشات الصحاب.

ماذا تكون تلك القيم؟. ولماذا هي جسدانية؟.

هنا حزمة متجانسة من قيم الجسدانية (كما هي مضمنة في الخلاصة): الرجولة، الشجاعة، الأمانة، الكرامة، الشرف، المروءة، الشهامة والكرم. و يجوز عندي تكنيتها بقيم الفروسية.
وهي عندي في الأساس قيم الأسرة الممتدة كما العشيرة والقبيلة. وهي قيم "ذكورية بحتة لدرجة أن صفة النوع "المذكر" تكون قيمة في حد ذاتها فيصبح الرجل الهمام "ضكران" ولا تكون الأنثي "المرأة" بشيء سوى بت رجال وإن ووصفت بالعفة والشرف فهي بت رجال أشراف، أصحاب مروءة وكرم ولا تكون المرأة ولا يجوز أن تكون شريفة وعفيفة أو كريمة ككائن قائم بذاته ما لم تكن تلك هي صفات الرجال من خلفها "ضكرانين تب" وإلا لن تكون بشئ سوى إمرأة "مكسورة جناح". ذلك هو المجرى العام مع إستثناءات لا يعتد بها. ولا تكون صفة النوع "نتاية" مقابل "ضكر" إلا ذمآ في مواجهة قيم الفروسية كون محور تلك القيم ورأس سنامها "الضكرنة" لدرجة أنه لا يوجد في اللغة السودانية "العربية" الدارجة ضد للإسم "ضكرنة" من ضكر مقابل نتاية أو إنتاية إذ أن "نتوية أو إنتاوية" كإسم من الصفة نتاية لا يوجد بمعنى معطل الإستخدام. لا حوجة له!. وهو الأمر نفسه بالنسبة لكلمة "رجولة" من رجل مقابل إمرأة. وبهكذا "قيم" فإن الغالبية الساحقة للتمظهرات المدنية الإثنية يقودها رجال "ضكور" في جميع أرجاء السودان بلا إستثناء يستحق الذكر وما أوضحها عند مكوك الجعليين وسلاطين الدينكا وشراتي الفور وعمد السلامات والتعايشة والبني هلبة وكذلك الأمر لدى النوبة والنوبيين والبجا والفونج وإلخ. وهو أمر يبدو في غاية الوضوح لدرجة البدهية. وخلاصة الأمر فالمجتمعات السودانية المستندة في تمظهرها كليآ أو جزئيآ على منظومة قيم الجسدانية هي تمظهرات ذكورية تشكلت منذ مئات السنين وظلت بنسب متفاوتة تحافظ على ذات القيم المتوارثة والتي تقف خلف تجلياتها وإستمراريتها في الوجود المادي.

ولماذا هي جسدانية؟.

تكون قيم "جسدانية" لعدة أسباب تحدثنا عن بعضها في أوقات سابقة. لكن أهمها عندي:

1- هي قيم وشائج الدم (من جسد قديم إلى جسد جديد).

2- هي قيم الفروسية وبما ينطوي عليه المعني من إستخدام للجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. إنها قيم صاخبة. هي من أشد القيم المشكلة للمجتمع المدني السوداني بأسآ وصيتآ وقوة (راجع ص 3 من هذا الخيط "نظرة في مرثية بنونة بت المك"). كما أن هناك إشارة متعلقة في مشهد "النار" أعلاه.

3- هي قيم القبيلة وبنية القبيلة في الأساس علمانية لا دينية وبذات القدر فهي لا عقلانية (راجع علمانية بنية القبيلة ص 3 اربع مداخلات) ... وإن صح ذاك الزعم تكون قيم القبيلة هي قيم الدنيا وبما ينطوي عليه المعنى من علاقة مباشرة بالعالم المحسوس، مرة ثانية "الجسد".

وأظنه من نافل القول أن القبيلة كما العشيرة والأسرة الممتدة يشكل الجسد "الدم" مركزها الحتمي. وبهذا يكون للجسد عند القبيلة قداسة لا حدود لها. فمن الجسد تخرج القبيلة وبالجسد تعيش وبفتوة الجسد تبقى وتحقق أمنها ورفاهيتها وعزتها وسط القبائل. ففي الجسد السر كله.... هو الدم!. الجسد مكان محرم "تابو" عظيم... هو مكان الشرف. ولهذا يكون غسل العار. أي غسل جسد القبيلة كلها بدم الضحية "إمرأة ما نامت على فراش رجل غريب". كما للثأر "التار" أيضآ علاقة مباشرة بالجسد. الجسد لا شيء غيره هو الحياة كلها منه تخرج إلى الوجود وبه تغيب في العدم.

ربما نلاحظ عند الخطوات المقبلة كيف أن قيم الجسدانية "الفروسية" تكاد لا تفارق مخيلتنا جميعآ مهما أدعينا البعد عنها!. إنها تشكل لا وعينا وتسيطر على قدر كبير من سلوكياتنا وتصرفاتنا.


يتواصل... سيكولوجيا الزول والمجتمع المدني والدولة في السودان!.



يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


خصائص المنظومات القيمية "الثلاثة"

أستطيع أن اقول بشكل مبدئي أن الخصائص الجوهرية للمنظومات القيمية الثلاثة تكون على الوجه التالي:
محور منظومة قيم الفروسية يكون في الجوهر "المضمون" مع التقليل من أهمية الشكل "المبنى"
ومحور منظومة قيم الغيب يكون في الجوهر مع إحتقار الشكل
ومحور منظومة قيم الموضوعية يكون في الشكل والجوهر على حد سواء
منظومتي الفروسية والغيب هما في الأساس سمة الريف
بينما تكون منظومة الموضوعية هي في الاساس سمة المدينة
كما أن منظومتي الفروسية والغيب هما منظومتا "نحن" بينما تكون منظومة الموضوعية هي منظومة "أنا".

وإذا ما ثبت لنا أن منظومتي الفروسية والغيب هما في الأساس سمة الريف فهذا لا يمنع أن يكون الريف في قلب المدينة والعكس صحيح فكثيرآ ما نجد ريفيين يمتثلون بالكامل إلى قيم الموضوعية أي "الفردانية". والأمثلة هنا لا حصر لها ونستطيع بسهولة أن ننظر إلى سلوك الأمدرمانيين الأصيلين لنجد أن قيم الفروسية ما تزال تشكل لا وعي معظمهم ويظهر ذلك جليآ في فخرهم بمدينتهم أو أحيائهم العريقة بدلآ عن قبائلهم كما هم أولاد بلد عوضآ عن أولاد قبائل. وسبق أن عقدنا في بداية هذا الخيط مقارنة عاجلة بين بعض أحياء الخرطوم ورد في نهايتها ملاحظة صغيرة حول أمدرمان تقول: ( نجد في واقع الحياة اليومية أن كثير من الأمدرمانيين يحيلون ذواتهم الى مدينتهم، ويجدون فخرا وعزا وكرامة في انتمائهم الى امدرمان (احساس عالى بروح الجماعة) و"نحن" تطغى على "الأنا". فالأمدرماني شهم وكريم وصاحب مروءة وعزيز وأصيل ونبيل وأخو أخوات أو كما يحاول أن يرسم ذاته في مخيلة الآخرين. وتلك كلها قيم "نحن" إذ يكون بعضها في نزاع مع قيم المدينة الخالصة مثل الكرم سمة الريف مقابل الإدخار سمة المدينة. وسأفرد في وقت لاحق مساحة خاصة للقيمة "إنسانية" كأحد ابرز قيم الموضوعية لما لها من علاقة تعارضية وصدامية واضحة مع قيم الفروسية.

وعندي إعتقاد أن منظومة الفروسية هي المنظومة الأكثر سيادة على واقع الحياة في السودان تليها منظومة الغيب. وإن صح هذا الزعم فإن العجينة الإساسية لنفسيات "الزول" تشكلها منظومتي الفروسة والغيب وتأتي منظومة الموضوعية في المرتبة الأخيرة في الريف وفي المدينة على حد سواء. فالمدينة في السودان لم تأخذ بعد هيئتها الأخيرة كمدينة مكتملة الشروط.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

ب- الزول في نظر الزول الآخر

نبدأ بتقصي إفتراض ما كثيرآ ما عن لي حول ما يمكن تسميته بالزول الإنسان والزول الفارس.

وإفتراضي هو أن : الفارس زول غير " إنساني" والإنساني زول غير "فارس" . ذلك قد يكون أمرآ أقرب إلى الحقيقة الواقعية في كثير من المرات.

كيف؟.

القيمة "إنسانية" قيمة مطلقة المفعول. فالرجل أو المرأة الإنسان بالإحالة إلى القيمة إنسانية يفعل وينفعل في المبدأ مع الجميع ولمصلحة الجميع غير أن الفارس في المبدأ يفعل وينفعل مع جماعته فقط ولمصلحة جماعته فقط "العشيرة" مثالآ. ولهذا فإن القيمة "إنسانية" ليست من قيم القبيلة (لا تكون جزءآ من حزمة قيم الفروسية). لأن ببساطة القبيلة تتمايز عن القبائل الأخرى بسماتها المتفردة وتتعرف في مواجهة الآخرين بما تحوزه من شرف وعز وجاه. ذلك الشرف "المقام الرفيع" يتأتى عبر إلتصاق أعضاء العشيرة أو القبيلة المحددة بقيم الفروسية في مواجهة الآخر وعلى وجه الإطلاق. عندما نقول على سبيل المثال فلان "جعلي" فسرعان ما تخطر على بالنا صفات ومواصفات محددة مخزونة سلفآ في العقل الجمعي "إنه فارس" وهو يتعرف بكرمه وشهامته وشجاعته في مواجهة الآخر "الشايقي مثلآ" ذلك الوضيع الشرف كونه بخيل "فسل" وجبان... وتلك صفات تقف في الضد من قيم الفروسية. وهذا طبعآ إنبناءآ على المحمول الجمعي المحدد للجماعة المحددة وهم الجعليون هذه المرة. فمن مقام جماعة "الشايقية" يكون المنظور بالطبع آخر، فما الجعلي سوى زول أحمق متهور وعوير. (وذاك مجرد مثال توضيحي). لا توجد إنسانية عند الفروسية. هي في الأساس قيم الجسد "الجسدانية" وما ينطوى عليه الأمر من نقاء "الدم" في مواجهة الدماء الأخرى الأقل شرفآ ونقاءآ حتى لو كان ذاك الآخر ينحدر من ذات العرق الحقيقي أو المتوهم.

إن أعظم مثال يجسد قيم الفروسية يكون في أبيات الشعر الشعبي واسعة الإنتشار ، القائلة:

(1- نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا 2- في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا 3- نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. 4- و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا).

لاحظ معي كيف تترجم قيم "الفروسية" الى افعال بتتبع مبسط لأبيات الشعر " الشعبي" تلك مع مراعاة الترقيم الذي وضعته من عندي:
بقليل من اعمال التفكير سنجد ان القيم السامية الدافعة لتلك الافعال كانت كالتالي:
1- العزة
2- المروءة
3- الكرم، و
4- الشجاعة

تلك القيم "الفروسية" تقوم في الأساس وتفعل فعلها في مواجهة الآخر.. ذلك الآخر قد يكون في لحظة من اللحظات مكانآ للتجربة. تجربة السيف على رقبته والخلاصة إثبات جبنه وخنوعه وذلته في مواجهة
جماعة من الفرسان لا قبل له بها.

وفي كل الاحوال فان كل تلك القيم تصنعها الجماعة وفق عملية تاريخية طويلة ومعقدة تتمدد عبر اجيال بهدف تحقيق مصلحة الجماعة المحددة وضمان معاشها وبقائها وأمنها ورفاهيتها في مواجهة الطبيعة والآخر.

وكم هو واضح عندي أن "القيمة الإجتماعية" لا تشتغل إلا في سياقها المكاني والزماني (في إطار مجتمعها المدني المحدد، العشيرة مثالا). وأي خلع لها من سياقها المكاني والزماني سيحولها الى مسخ، أي سيلحقها تشويه وتزييف يتجسدان إما في سوء فهما أو سوء ممارستها. وفي أفضل الظروف يتم الحكم عليها من منطلق انساني كلي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثالآ). وعندها تكون لا شيء سوى فكرة مجردة. فلقيم لا تقوم في الفضاء الحر بلا هدف أو أطر أو مبررات بل عندها على الدوام هدفها وأطرها ومبرراتها في حيز زمانها ومكانها. فالكرم على سبيل المثال كقيمة يختلف في طبيعة وطريقة ممارسته من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان ... غير أن ممارسة الكرم كقيمة إجتماعية في إطلاقها تقوم في مقابل هدف واحد محدد على الدوام.

فللقيم الإجتماعية أطرها المحددة "تمظهرات إجتماعية محددة"، لا يمكن أن تستقيم بالكامل خارجها. فمثلآ لا أظن أن الكثير من الناس لا في السودان ولا بقية أرجاء الدنيا يتفقون مع "بنونة" بت المك نمر في رؤيتها "الجعلية" لماهية أفضل طريقة للموت. فبنونة ترى أجمل الموت هوالموصوف ب( دايراك يوم لقا بى دميك تتوشح ... الميت مسولب والعجاج يكتح). والرجل الذي تحب بنونة "أي فارس أحلامها" غالبآ ما يكون هو الموصوف ب: (الخيل عركسن ماقال عدادن كم... فرتاك حافلن ملاي سروجن دم). ومثل ذلك الرجل بالطبع لا يكون إلا جعليآ لدى بنونة. ولو أنني لا أستبعد تمامآ أن نعثر في الوقت الراهن على عدة نساء في سودان اليوم يمتلكن بجدارة ذائقة بنونة النفسية والجمالية.

(( "مرثية بنونة":

دا إن أداك وكتر ما بيقـول اديت
أب درق الموشح كلو بالسوميت
أب رسوة البكر حجر شراب سيتيت
كاتال في الخلا وعقبن كريم في البيت

***
ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص
ود المك عريس خيلا بيجن عركوس
أحي على سيفوا البحد الروس

***

ما دايرالك الميتة ام رمادا شح
دايراك يوم لقى بدميك تتوشح
الميت مسولب والعـجاج يكتح
أحي على سيفوا البسوى التح

***
إن وردن بجيك في أول الوردات
مرنن مو نشيط إن قبلن شاردات
أسد بيشة المكرمد قمزاتو مطـبقات
وبرضع في ضرايع العونز الفاردات

***
كوفيتك الخودة ام عصـا بولاد
درعك في ام لهيب زي الشمس وقاد
سيفك من سقايتو استعجب الحداد
قارحك غير شكال ما بيقربو الشداد

****

يا بقت عقود السم
يا مقنع بنات جعل العزاز منجم
الخيل عركسن ماقال عدادن كم
فرتاك حافلن ملاي سروجن دم

****
وماهو الفافنوس ماهو الغليد القوص
ود المك عريس خيلا بـــجن عركوس
احي على سيفوا البجز الروس
)).


مرة أخيرة فإن قيمة " الإنسانية" تقوم في صدام وتضاد مع قيم الفروسية. كونها قيمة "الفردانية" .. فالإنسانية قيمة لا تورث ولا تتأتى كمعطى جاهز. كما أن الإنسان "الإنساني" لا يضيف بالضرورة إلى جعبة الجماعة سهمآ بممارسته الفردية لقيمة الإنسانية. عكس ما يحدث لدي ممارسي قيمة من قيم الفروسية. أنظر من جديد أحد المقاطع المتعلقة من قراءتي لمرثية بنونة بت المك:

(وضعت بنونة مرثيتها باللغة العربية. لغة الدين الإسلامي. في تاريخ ليس ببعيد هو بداية القرن التاسع عشر. منذ قرنين سابقين على القرن التاسع عشر أو يزيد كثيرآ ما درس بعض السودانيين التوحيد وعلوم الدين الإسلامي في الأزهر بمصر (رواق السنارية مثالآ). كما حفلت الساحة قبل قرون عديدة خلت بأعداد لا حصر لها من المتصوفة القادمين من بلدان أخرى. كان الدين حاضرآ في حياة الناس. كما أن بنونة نفسها من قبيلة الجعليين المتصور انها متحدرة من العباس عم النبي محمد.

بل بنونة من قمة أسر النبلاء في القبيلة، أسرة الملك نمر، هي بنت المك نمر، زعيم القبيلة أي فارسها الأول بلا منازع، وقبل ذلك حفيد "العباس". برغم كل هذا. لا توجد أي إشارة في مرثية بنونة تؤمن بالقدر أو ترجو في "آخرة" كما لا يوجد تهليل أو تكبير أو جهاد بالمعنى الديني للكلمة. ففي مرثية بنونة هناك فروسية لا غير. خلاصة قيم دنيوية سامية.

فبنونة ترى الحياة في الفروسية، الحياة التى لا موت فيها. لهذا عندما مات أخوها موتآ طبيعيآ بفعل المرض لا السيف، رأته يموت. وما كانت ترجو له الموت!. كانت توده حيآ في قيمة الفروسية. فالفرسان الميتون في ميدان القتال لا يحسبون موتى. انهم أحياء يرزقون لكن ليس بالمعنى الديني بل بالدنيوي. انهم يعشون في قيمة الفروسية. كيف؟.

القيمة تورث للإبن أو الأخ وهكذا. وهو نفسه السر في تحدر بنونة من أسرة نبيلة، من أسرة فارس بن فارس أبآ عن جد. بنونة بنت المك نمر بن الفرسان "وارثين الشطارة". إن مرثية بنونة ليست مجرد حزن على عزيز، بل أكثر من ذلك. وليست مجرد فخر بفروسية أخيها الراحل بل أكبر من ذلك. فعندى أن مرثية بنونة تعادل "الإستئناف" في لغة اليوم أى مراجعة الحكم الصادر من محكمة .

أرادت بنونة بكل بساطة أن تقول: نعم لقد مات أخي "عمارة" الفارس خارج ميدان القتال، ولكن نسبة لتميزه وتفرده في القتال في حياته السابقة من قبيل (الخيل عركسن ماقال عدادن كم.. فرتاك حافلن ملاي سروجن دم) و (إن وردن بجيك في أول الوردات.. مرنآ مو نشيط إن قبلن شاردات ).

بالتالي ترجو من الناس "القضاة" إعتباره حيآ أي ضمه الى قائمة الأحياء في قيمة "الفروسية". وعندها فقط يستطيع أخوها "عمارة" أن يضيف سهمه في مسيرة نبل الأسرة كما بالتالى "العشيرة". ولقد فعلتها بنونة. معظمنا يعرف الآن أنه كان هناك فارسآ مغوارآ إسمه عمارة وهو ود المك نمر وأخو بنونة وأنه جعلي "حر").



يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الثلاثاء يونيو 28, 2011 3:41 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

حرب القيم Stereotypes


كثيرأ ما نسمع بعبارات مثل: عريبي، وراعي غنم، وروسي، ودرويش، وحلبي وعب. وهي بالقطع ألفاظ شتيمة هدفها تحقير وتقليل شأن من يرمي بها ونبذ سلوكه أو/و مظهره أو/و ملامحه الجسمانية. إنها ألفاظ قيمية تجد خلفيتها في قيم إجتماعية محددة تفرتض في ذاتها النقاء والكمال.

هل نحاول أن نتقصى منطلقات تلك الألفاظ القيمية؟.

من يقول لمن أنت "عريبي"؟. إذا علمنا أن المقصود بالعريبي إنسان ما ربما كان يلبس ملابس تقليدية من شاكلة عراقي وسروال أب تكة ومركوب ويتحدث بصوت جهور "عالي" ويتلفظ بكلمات صريحة "خشنة" ويتحرك بلا أجندة "تلقائي" عندها سنعلم بصورة جلية أن ذاك الحكم صادر من شخص آخر متمدن "من مدينة" أي صادر من خلفية قيمية عقلانية. والأمر ذاته يكون بالنسبة للفظ الذم "راعي" ويقولون سلوك رعوي. كما أن كلمة "روسي" كانت مستخدمة في جامعة الخرطوم لتؤشر إلى الطلاب المنحدرين من الأرياف البعيدة متضمرة الشك في صحة مظهرهم ومخبرهم با يعني بعدهم عن منظومة قيم العقلانية. وللفارس أحكامه الذامة بشدة للمتمدن من قبيل: الرجل: فسل، ما عندو نخوة عديم مروة، جبان، ما راجل، ما عندي كرامة، فارغ، بتاع قشور و مظاهر " والرجال ما تقيسها بتيبانها ما يغرك لباسهم والعروض عريانة" إلخ. والمرأة المتمدنة يتم التشكيك أيضآ في مخبرها كما مظهرها من قبيل ما "بت قبائل" صايعة متقرضمة وتشبه الأولاد إلخ. إنها حرب منظومتي المدينة و الريف... قيم الموضوعية "العقلانية" و الجسدانية "الفروسية" في مواجهة بعضهما البعض.

غير أن لفظي "حلبي" و "عب" يقفان في النقيض. إنهما لفظان يذمان الملامح الجسدية. اي ذم "الدم". ويبقى من الواضح أن قاعدة إنطلاقهما تبقى منظومة قيم الفروسية "الريف" لا الموضوعية "المدينة". وذم الدم يقتضي بالضرورة ذم جميع الصفات والسمات البشرية .. من قبيل "لا تبول في شق لا تخاوي العب الشق حساي و العب نساي". (وتلك هي سدرة منتهى العنصرية الجوفاء والبليدة ومن الأدلة المادية الواضحة على الشقوق المجتمعية الضاربة في الأصالة والتي وجب علينا الآن ردعها كل ما سنحت الفرصة وبلا هوادة).

و لفظ "درويش" حكم ذم مشترك تتقاسمه منظومتي قيم الفروسية والعقلانية. فالحكم بدروشة شخص ما من باب الذم يمكن أن يصدر من راعي أغنام من فيافي كردفان أو موظف بنك عتيق من سكان حي بيت المال بأمدرمان. والمقصود به الإشارة السالبة إلى مظهر أو سلوك غير منظم من المعتقد أن تكون مرجعيته من حيث الحقيقة أو المجاز منظومة قيم الغيب.

كما أن لمنظومة قيم الغيب بدورها أحكامها الذامة للآخرين لكن دون أن يكون المظهر أحد مواضيعها بل السلوك وحده كالإسراف في الأكل والشرب أو النوم أو الكلام ... (هنا الحديث عن جزئية التصوف من منظومة الغيب) إذ أن المنظومة القيمية الواحدة في ذاتها ليست بالضرورة كتلة صماء ومتجانسة على الدوام. فالقيم الواقفة خلف تمظهرات الكجور تختلف بعض الشيء عن تمظهرات "المسيد" كما الكنيسة تخلف بقدر محدد عن قيم المسجد مع أنها في نهاية المطاف كلها تمظهرات إجتماعية يستند وجودها في الأساس على قيم الغيب.


وبالقطع هناك عدد من الأحكام المسبقة Stereotypes
لا حصر لها تجد خلفيتها في واحدة من المنظومات القيمية في مواجهة الأخرى أو الأخريات من منظومات القيم. وما الأمثلة التي سقتها أعلاه سوى محاولة مقتضبة لتصوير ما أسميته بحرب القيم.

لدى الرابط أدناه قصيدة شعرية (صوت وصورة) يترافع عبرها أحد الشعراء عن أهل الريف في مواجهة هجوم أهل المدينة وتهكمهم على سلوك ومظهر أهل بادية البطانة (فيها أيضآ تعديد وتصوير وتجسيد لقيم الفروسية):

https://www.youtube.com/watch?v=ApxYyyObB9Q


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال




آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة يوليو 15, 2011 6:21 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

ج- الزول في نظر اللازول!


تحدثنا بشكل مقتضب عن أ- الزول من حيث هو زول ثم ب- الزول في نظر الزول الآخر كيف يكون. وتبقى لنا أن نتعرف على ج- الزول في نظر اللازول أي الإنسان السوداني في نظر الآخر غير السوداني. وذاك وفق تصنيفي الموضوع بداية هذه الجزئية من السرد.

هل ينظر الآخرون إلينا كما ننظر نحن إلى أنفسنا أو كما نحب؟.

لا أعتقد، بل لا يجوز، غير ممكن!.

هل نحن كرماء و أمناء وصادقون صديقون وطيبون "أنقياء السريرة" وأصحاب مروءة وشهامة وكرامة وشرف؟.

ذاك من ناحية ومن الناحية الأخرى هل نحن طيبون "سذج" وحمقى وعنيفون و "وسخانين" وكسالى وقطيعيون "من قطيع" ومتخلفون؟.

هكذا قد ينظر إلينا الآخرون في بلدان مختلفة من زوايا مختلفة لأسباب مختلفة حقيقية أو متوهمة. وهذا أمر قد يكون طبيعيآ بل حتميآ مادام للآخرين بدورهم منظوماتهم القيمية المختلفة جذريآ عما عندنا وعندهم معاييرهم للحياة وللأشياء وذائقتهم النفسية والجمالية التي شكلتها وقائع مختلفة عما جرى عندنا.

غير أنه بعد يبقى عندي حسنآ أن نعمل التفكير في الكيفية التي ينظر لنا بها الآخرون ( الأسباب والمبررات التي تجعل الآخرين ينظرون لنا من زوايا محددة بطريقة محددة) وما قد يصحب تلك النظرة من نتائج نفسية وعملية على بعض مجريات حياتنا في داخل و خارج السودان.

والتركيز هنا حصريآ على النظرة القيمية تجاه الفرد "الزول" لا الشعب كدولة من أفراد آخرين لا شعوب "دول" أي لا مواقف رسمية. ولو أن تلك النظرة القيمية المعنية غالبآ ما تتحول في نهاية المطاف إلى حكم أو نظرية شعبية عامة تشمل الجميع بغير إستثناء من قبيل "السوادنة أمناء" أو "رياييل نشامى" أو "كسلانين" في السعودية أو إبن النيل طيب في مصر أو السوداني خطية وأمين في عراق صدام وهكذا.

كما لا ننسى أن بنفس القدر تكون للزول نظرته القيمية للآخر سلبآ وإيجابآ. وذاك شأن آخر.



يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

نحن عند الآخرين دائمآ "سودانيين"!

لكل جماعة بشرية صفاتها وسماتها المحددة التي تميزها عن الجماعات الأخرى في حيز الشعب الواحد أو الدولة الواحدة و في الإطار العريض لكل شعب قسماته وملامحه المحددة التي تميزه عن الشعوب الأخرى. ذلك أمر يبدو بدهيآ جدآ. وهذا بالضبط ما يحدث في حالة السودان . كما أن كل جماعة كما كل شعب لديه إحساس محدد بكيانه. ذلك الإحساس غالبآ ما يقود أفراده إلى إعتزاز ما معلن أو مضمر بالذات الكلية. فالجماعات المدنية المختلفة المقيمة فوق الرقعة الجغرافية المسماة السودان لديها كل بطريقته أحاسيس عالية بذواتها المفردة في نفس الوقت الذي تتنامى فيه أو تتضاءل الأحاسيس "الشعوبية" الوطنية في كل مرحلة من المراحل. فالشعور بالإنتماء للوطن "الوطنية" قد يتأتي تامآ أو ناقصآ أو منعدمآ بحسب الفاعلية الموجبة أو السالبة للدولة على هوية/هويات الفرد الذاتية ( إنتماءات الفرد لبنيات مدنية مختلفة "العشيرة أو الوعاء السياسي مثالآ") في مقابل إنتماء تام أو ناقص أو منعدم للدولة "الوطن". ولإعتبارات سياسية وإقتصادية وتاريخية محددة (تحدثنا عنها بإستفاضة عبر هذا الخيط) فإن إنتماء الزول السوداني للسودان كدولة وشعب ربما جاء غير مكتمل يتبع ذلك في كثير من المرات سلبية واضحة تجاه ما يدعى "الوطن" ولا يتم الشعور به إلا بشكل عملي وغالبآ كحالة سياسية متردية.

وسبق أن ضربت في وقت سابق مثالآ صغيرآ بمجريات محفل ثقافي أقيم بهولندا نهاية العام المنصرم (تحت شعار: السودان الآخر) قلت فيه: (أن الناس في غربتها عن الدولة "الوطن" لا تود لها أن تبقى قوية كون قوة الدولة تبقى خصمآ على عيشهم وأمنهم وسلامتهم لدرجة أن الكثير من الناس يحزنه أن يسمع خبرآ جيدآ عن السودان "الوطن" كون الدولة عندهم ليست بشيء غير آلة متخصصة في تهديد مصالهم وعدو يتربص بحياتهم ومستقبلهم كل السبل. ولدي هنا مثال صغير تتجلى عنده تلك المفارقة المؤلمة في أسطع صورها وذاك أن هذه الأيام تجرى فعاليات ثقافية في عدة مدن من هولندا إبتدءآ من نهاية شهر سبتمبر المنصرم وستستمر كما يقول منظموها حتى منتصف نوفمبر المقبل. هذه الفعاليات الثقافية تجي تحت عنوان "السودان الآخر" بمعنى الوجه الآخر الجميل وغير المرئي بالكامل للناس والمقصود بالناس هنا "الغرب" . السودان كخبر بلا حرب ولا مجاعة. السودان كفن وثقافة وأدب وعلم وحضارة. وهي في الأساس فكرة ناشطة هولندية تدعى "ميكا كولك" لديها علائق جيدة بالسودانيين بكل أطيافهم بما فيهم السفارة السودانية بلاهاي. فماذا حدث؟. لقد قاطع القدر الأعظم من السودانيين المقيمين بهولندا معظم فعاليات ذلك المهرجان الثقافي المهيب كونه عندهم يعطى فكرة زائفة عن السودان، السودان القبيح الدميم "الواقع" وإلى حين إشعار آخر. وذاك عندي أمر تتكشف عنده الأزمة في أوضح تجلياتها "أزمة غربة الإنسان عن دولته". الدولة بما هي رؤية موحدة للعيش المشترك "وطن" أو كما يجب). وتلك ليست حالة تجلي سياسي "آيدولوجي" عابر فحسب كما قد يظن البعض بل هي أشمل وأعمق وما "السياسي" العابر إلا الظاهر من الأزمة!.

بعد هذا كله فالسوداني إنسان مميز لدى كثير من الشعوب ويستطيعون التعرف عليه بكل بساطة عبر قسماته الفيزيائية ومظهره وسلوكه.

ماذا يجمعنا إذآ إن كان ما يفرقنا هو "الوطن"!؟. أو بالأحرى ما هو الشيء الذي يجعلنا برغم كل شيء "سودانيين" في عيون الآخرين ؟.

نحن "السودانيون" كثيرآ ما نكون كائنات مدهشة لدى الآخرين . والسبب الأول بكل بساطة هو قيم الفروسية سودانية الأصل مع قدر من قيم الغيب بدورها سودانية الأصل. وأقول سودانية الأصل لأن القيمة كما قلنا سابقآ هي بنت بيئتها بنت مكانها وزمانها وأي خلع لها من سياقها الزمكاني سيحولها الى مسخ، أي سيلحقها تشويه وتزييف يتجسدان إما في سوء فهما أو سوء ممارستها. إضافة إلى ذلك فإن قيم الفروسية في إطلاقها إنقرضت في كثير من مجتمعات الكرة الأرضية أو أضحت في كثير من المرات مجرد حالة فلكلورية أو ممارسة فردانية بحتة لا توجد تمظهرات إجتماعية حية تقوم عليها. والشيء ذاته بالنسب لقيم الغيب. ولو تراءى لنا أن قيم الغيب قائمة عند جميع المجتمعات البشرية بدرجات متفاوتة في الوضوح فإن قيم الغيب السودانية متفردة ولا مثيل لها إلا في أرجاء محددة ومحدودة كالهند مثلآ.

لهذا كثيرآ ما يكون السوداني كائن مدهش للكثيرين وكأنه قادم من كوكب آخر.

كيف؟.

أنظر معي كيف تشتغل قيم الفروسية خارج سياقها الزماني والمكاني لتدهش الآخرين، ولنأخذ ثلاثة قيم محددة من قيم هذة المنظومة الصاخبة (المروءة والكرم والشرف) ثم نمتحن بعدها عمل حزمة من منظومة قيم الغيب خارج سياقها الزمكاني.

المروءة والكرم والشرف (قيم سودانية في أوروبا):

سأحاول الإستعانة بأمثلة حية من الواقع المعاش.

كثير ما يسعى الواحد منا إلى مساعدة الآخرين "الأغراب" طوعآ وبطريقة تلقائية في لحظات محددة وبالذات الكبار من النساء والرجال والأطفال أو المعاقين جسديآ وأحيانآ يساعد الرجل المرأة حتى لو كانت شابة في مقتبل العمر بوصفها "ضعيفة" في وعيه أو لا وعيه، تلك هي المروءة. كأن يحمل أحدنا حملآ ثقيلآ عن كاهل أحد النساء أو ينهض من كرسيه في القطار أو البص "بطريقة تلقائية" لمصلحة إمرأة أو رجل مسن أو أحد المعاقين.

والكرم طبعآ معروف كأن تعطي قدرآ من المال "طوعآ" لأحدهم حسبته في حوجة ماسة. والشرف من أمثلته حماية ونهي وردع "البنت" وبالذات العذراوات بواسطة الرجال من أوليائهن عن ممارسة الجنس مع الآخرين دون الأزواج.

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال




محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

هل تقبل لنفسك أن تسير في طريق للمارة بجانب بنت الجيران أو صديقة أختك على سبيل المثال وهي تحمل على كاهلها حقيبة كبيرة نسبيآ زنة 15 كيلوجرام بينما تتسكع أنت بجانبها خالي الوفاض وتثرثر في حميمية وفي منتهى الإتساق مع النفس؟.

في الغالب ما تكون الإجابة بالنفي!. لا تستطيع أن تكون مرتاحآ لهكذا حالة، معظمنا ربما هم بأخذ الحقيبة عن كاهل الفتاة. مثل تلك الحالة قد تكرر في حياتنا اليومية عدة مرات وفي أشكال مختلفة.

قبل عدة سنوات خلت و تحديدآ عند السنين الأولى من قدومي إلى هولندا "مكان إقامتي الحالي" كنت أتصرف بوعيي السوداني الخالص مثل الكثير من أقراني من السودانيين. ولكني لاحظت بمرور الوقت أنني أفعل أشياء ما كان ينبغي علي فعلها، وتحديدآ عندما إستطعت أن أتعرف على قدر من الأصدقاء "هولنديون وجنسيات أخرى" وأخذت في المقارنة بين سلوكي الشخصي مع الناس في الشارع والمناسبات الإجتماعية و "الرومانسية" المختلفة وسلوكهم وطريقة حياتهم. كانت هناك أشياء كثيرة تبدو صغيرة لكنها مفارقة بقدر ملحوظ للمعتاد. وهو بالضبط ما يمر به أقراني من السودانيين في هولندا وفي بلدان غربية أخرى.

فمثلآ حمل حقيبة عن كاهل إمرأة ما "تصادفك في الشارع" لا يبدو أمرآ عاديآ كما هو في مخيلتنا الجمعية.. وكثيرآ ما كان الفعل يفسر بطريقة لا عادية فإما أن تشعر تلك المرأة بذلك الحدث الصغير شعورآ جميلآ جدآ بحيث تسعد بطريقة فائقة وتتبسم وتكون في منتهى الإمتنان و العرفان بالجميل أو يحدث العكس إذ تفسر المحاولة بطريقة ما قبيحة لا تمت لمخيلة الفاعل بصلة.

ففي الحالتين لا يفسر ذاك الفعل من تلك المرأة الهولندية بكونه "مروءة" وغالبآ ما يعتبر "لطف" في الحالة الأولى وربما تطفل أو "شوبار" في الحالة الثانية. لأن هذا "الفعل" غير متعارف عليه إجتماعيآ. إذ أن للمروءة عند هؤلاء القوم معنى آخر وطريقة ممارسة مختلفة أو هي غير موجود البتة بالمعنى الذي هو عندنا.

كما أن بعضنا يقدم بعض "السنتات" بكل ود وكرم كلما لاحت الفرصة إلى بعض المتسولين عند محطات القطار أو الحانات المختلفة في لاهاي وأمستردام. الهولنديون لا يفعلون ذلك كثيرآ وبتك السهولة التي نفعلها نحن برقم أن دخل الهولندي صاحب البلاد الأصيل أكبر من مداخيلنا بلا شك كما أن بعض المتسولين الهولنديين يمتلكون فرص للحياة أفضل منا بكثير. والدولة تجهز لهم المأوة وتجهد في البحث عنهم. وفي خاتمة المطاف فإن القدر الأكبر من "تلك السنتات" يذهب إلى باعة المخدرات. تلك تكون ممارسة لقيمة "الكرم" خارج مكانها وزمانها. ويبقى أمر مدهش بعض الشيء لأهل البلد المضيف قد يفسر سلبآ أو إيجابآ لكنه في جميع الحالات يكون شيئآ لا طبيعيا.

وبعضنا يضرب بنته أو أخته أو يزجرها زجرآ عنيفآ وربما يصل الأمر إلى حد قتلها (نادرآ) إذا ما تبادر شك غليظ إلى مخيلته بأنها قد تكون إرتكبت أو في طريقها إلى إرتكاب "جريمة" النوم مع رجل غريب "ممارسة الجنس". هذا يحدث بشكل مستمر. وفي كل مرة يتسرب فيها الخبر إلى البوليس أو الناس في إطار المجتمع الهولندي المضيف تكون دهشة فائقة مرتسمة على وجوه الجميع. إنه أمر لا يمكن فهمة بسهولة. تقوم الدنيا ولا تقعد. إنها جريمة كبيرة تستحق السجن سنوات عديدة بل هما جريمتان في حق المرأة "الراشد" الأولى منعها عن ممارسة حق مشروع وفق القانون والأعراف والثانية الإعتداء عليها بدنيآ وهو أمر ممنوع وفق القانون والأعراف. وتلك ممارسة لقيمتي "الشرف" و "الضكرنة" في غير مكانهما ولا زمانهما، وتكون ممارسة خاطئة ولا يمكن فهمها أبدآ. ويبقى أمر مدهش لأهل البلد المضيف.

والسوداني لا يدهش الناس في "الغرب" وحده بل عنده مقدرة و إستطاعة فائقة على إدهاش العرب في الخليج ومصر كما بلدان أخرى مثل أثيوبيا وأرتيريا. ودائمآ بطرق مختلفة وفي مناسبات منوعة .


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال




محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

لحظة "كرم" من جديد ودهشة جديدة


تصور معي سودانيان في أيام عملها الأولى بمصنع للشموع فى أحد ضواحي أمستردام.
في نهاية يوم ما خرجا وفق إتفاق جماعي مسبق للعشاء في أحد مطاعم المدينة مع بعض زملاء وزميلات العمل وتصادف أن كانو أربعة رجال (سودانيات وهولنديان) وست نساء هولنديات.

بعد أن أكلوا وشربوا وتوجب عليهم مغادرة المكان جاء النادل بالفاتورة. فما كان من السودانيين وإلا أن دخلا في لحظة عراك حامية وتعالت أصواتهم كل يقسم برأس أبوه!. إذ كان كل واحد منهم يود أن يسدد الحساب "هو" نيابة عن الآخرين. بل وعندما انتصر الأعلى صوتآ والأشد بأسآ وسدد الفاتورة كاملة شعر الآخر ببعض المهانة!. تلك كانت قصة حقيقية. حدثت ويحدث مثلها كلما حانت الفرصة.

نلاحظ أن الآخرين غائبين عند بداية هذا المشهد. لم يدخلا في العراك الصغير الحميم حول من يسدد الحساب. ودفع عنهم الحساب كائن سوداني جميل هو زميلهم في العمل يتعاطى نفس دخلهم الشهرى وليس له مصدر دخل آخر. كلما فعلوه بعدها أن تقاسموا المبلغ فيما بينهم بطريقة هادئة ومدوه للرجل الذي دفع عنهم من قبل، إلا أنه رفض بشدة أن يأخذ أي مليم وقال لهم في بعض الحدة أن الأمر قد قضي.

ذاك سلوك مدهش من السوداني. الناس هنا لا تفعل ذلك أبدآ. إنهم يأكلون ويشربون مع بعضهم البعض كأصدقاء لكنهم يتحاسبون كتجار كما يقول المثل ولا يشعرون بأي غضاضة، المرأة والرجل سيان. إن ما فعله السوداني لا يمكن فهمه أبدآ بكونه كرم أو شهامة أو ضكرنة. أستطيع أن أخمن بأنهم قد يظنون أن ذلك الإجراء ربما أشعره هو شخصيآ بالسعادة والرضاء لأسباب تخصه هو وحده. إذ أن تلك القيم (الكرم والشهامة والضكرنة) غير موجودة البتة في مخيلة الجماعة التي ينتمون إليها. هناك قيمة مختلفة تتضمن مفهوم الكرم وتتجاوزه وهي " الإنسانية". إنهم إنسانيون وليسو فرسانا. قد يكون الكثير منهم يساهم شهريآ بمبلغ صغير لمصلحة ضحايا الحروب والمجاعات في دول العالم الثالث ومن ضمنها السودان عبر منظمات تنمية وإغاثة عالمية لكنهم لا يدفعون فاتورة عشاء أصدقائهم في المطاعم نيابة عنهم. ويبقى سلوك السوداني مدهشآ وقد يفسر في منتهى الجمال كما الفرصة متاحة دائمآ لتأويله بطريقة قبيحة.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال




محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


قيم الفروسية في ذاتها متباينة ومتمايزة عن بعضها البعض في حزمتها الواحدة في النوع والمقدار ومختلفة بذات القدر من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان. فقيم فروسية قبيلة الشكرية على سبيل الثال فهي ليست بالضرورة متطابقة مع قبيلة الجعليين أو أحد عشائر الدينكا أو الزغاوة أو النوبة. ذاك الإختلاف في نوع القيمة المحددة "الشجاعة" مثالآ كما عدد ومقدار القيم الحية المشكلة للتمظهر المدني المحدد هو العامل الأساس في أختلاف وتميز وتمايز القبائل والعشائر عن بعضها بالبعض كما أن ذاك الإختلاف في السمات المدنية يسقط على سلوك الفرد "الزول" فيكون له مزاجه الخاص ويجعل له سمات وصفات محددة يتعرف بها "بوعي أو بلا وعي" في عيون الآخرين.

لنتمتحن خمس قيم محورية من قيم الفروسية: (الشجاعة، الكرم، المروءة الأمانة والشرف)

فإذا جاز ترتيب قيم الفروسية من حيث الأهمية والممارسة لدى عشائر وقبائل بعينها سنجد أن هناك تأرجحآ واضحآ للقيمة المحددة من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان. فعند قبيلة الجعليين تكون القيمة "شجاعة" رقم "1" في ترتيب حزمة القيم من حيث الأهمية في نظر أفراد القبيلة. فالجعلى لا يخاف (الشجاعة تكون القيمة المحورية لدى الجعليين) دونها لا يكون الجعلي "جعلي". والقيمة "2" هي الكرم فالجعلى شجاع ثم كريم والقيمة "3" هي المروءة. فالجعلى زول شجاع وكريم "جواد" وصاحب مروءة "أبو مروة". ولا تكون الأمانة قيمة أساسية لدى الجعليين. والبطاحين يخدعون للترتيب القيمي الجعلى.
عند الشكرية القيمة المحورية هي الكرم تليه الشجاعة ثم الأمانة مع قدر أقل من المروءة مقارنة بالجعليين والبطاحين.

وعند الشاقية القيمة رقم واحد هي المروءة ثم الأمانة مع قدر أقل من الكرم والشجاعة مقارنة بالجعليين والبطاحين والشكرية.

والقيمة "شرف" تتقاسمها جميع القبائل في المثال أعلاه ما عدا قبيلة الشايقية. فالقيمة "شرف" عند الشاقية تمارس بقدر أقل حدة مما عند هؤلئك وعندي يكون ذاك هو السر من وراء تحرر المرأة الشايقية مقارنة بالأخريات من نساء القبائل لدرجة أصبح فيها مثال "icon" المرأة السودانية المتحررة هو مهيرة بت عبود "الشايقية".

كما أن ترتيب القيم ودرجة أهميتها تختلف كما هو الحال في المثال أعلاه لدى الدينكا والنوير والمحس والدناقلة والفور والمساليت والهدندوة إلخ. بل هناك تعقيد أكبر وهو إختلاف القيمة الواحدة المفردة "الشجاعة" مثالآ في النوع من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان. فقد نجد أن الشجاعة عن الجعليين مختلفة في النوع لا المقدار وحده "أي درجو ممارستها" بل في طبيعة ممارستها عما هو عند الآخرين. وهذا هو السر في أن السوداني الفارس يستطيع أن يدهش قدر من الخليجيين الفرسان بدورهم، السعوديون مثالآ، لأن الشجاعة عند السعودي هي ليست ذاتها شجاعة السوداني كما قد يكون الأمر ذاته لبقية حزمة منظومة قيم الفروسية. والأمر ينطبق على قيم الغيب كما بعض الشيء على قيم الموضوعية (الشيء الذي سأحاول معالجته في المرة القادمة).


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


نظرة عامة في سيكولوجية "الزول"!

الفارس الزاهد المتمدن

سبق أن قلنا أن القيم في تنزلها كفعل يسبغ حياة "الزول" تستطيع أن تشتغل مفردة أو ممتزجة. فالزول يمكن أن يكون "فارس" محض أو "زاهد" محض أو "متمدن" محض. كما أن الزول يستطيع أن يكون "فارس زاهد" أو "فارس متمدن" او "زاهد متمدن". ليس ذاك فحسب بل الزول يستطيع أن يكون "فارس وزاهد ومتمدن" في ذات الأوان.

الفارس طبعآ هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا أعنى بها ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائآ" في الريف لا المدينة.

-الفارس في نسخته المثالية هو الزول "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.

-الزاهد في نسخته المثالية هو الزول المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".

-المتمدن في نسخته المثالية هو الزول المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.

مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم المفردة المشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى مما حصرناه بعاليه.

لنذهب خطوة عملية إلى الأمام.

أنظر كيف يكون مثل هذا "الزول" غنيآ بالقيم. أعني ذلك ال "الفارس الزاهد المتمدن". ذلك الذي يحمل كل القيم في كنانته!. تلك تكون حقيقة. إنه إنسان عظيم. غير أن الوضع قد يأتي معكوسآ بذات القدر من العظمة. إذ أن لكل منظومة قيمية مثالبها. إذن من المتوقع أن يحمل ذلك الإنسان ثلاثي الأضلاع "ثلاثي القيم" جميع المثالب الملازمة للمنظومات القيمية الثلاثة. فمن مثالب الفارس المحتملة الإنحيازية العمياء وال"لا إنسانية". ومن مثالب الزاهد المحتملة العبثية والإتكالية المفرطة. ومن مثالب المتمدن المحتملة الأنانية والإستغلالية.

هل نحيل إلى المشهد الواقعي في السودان (الحاضر والماضي) فننتقي أمثلة لشخصيات تجسد القيم مفردة ثم منمزجة بغرض التوضيح؟.

القيم مفردة:
الفارس المحض = ود الضرير
الزاهد المحض = فرح ود تكتوك
المتمدن المحض = أحمد خير المحامي

القيم ممتزجة "ثنائية":

الفارس الزاهد = د. عمر نور الدائم
الفارس المتمدن= د. جون قرانق كما فاطمة أحمد إبراهيم
الزاهد المتمدن = محمد إسماعيل الأزهري "الرئيس"

القيم ممتزجة "ثلاثية":

الفارس الزاهد المتمدن = د. حسن عبد الله الترابي كما الصادق المهدي كما أزرق طيبة

تلك مجرد أمثلة. نستطيع أن نقشط بشكل مستمر ونملآ الفراغ بشخصيات أخرى نراها أكثر ملاءمة للصورة.

وعندما يأتى الحديث عن سايكولوجي المجتمع المدني والدولة سنرى "عمليآ" أن السياسي "الآيدولوجي" ما هو سوى تجلى فوقي للقيمي. كما أن الدولة تكون على الدوام تجلى فوقي للآيدولوجي. غير أن هذه المستويات الثلاثة (القيم والآيدولوجيا والدولة) تعيش مع بعضها البعض في جدلية دائمة مما يجعل الوضع في كثير من المرات في صورة معكوسة عما افترضناه أولآ.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

هناك ثلاث عجائن مختلفة ومتفردة تشكل الزول السوداني، تشكله مفردة أو مختلطة ومنمزجة.
1- الجسدانية 2- الروحانية 3- العقلانية.
سنتحدث عن خصائص كل عجينة وسنضرب أمثلة حية تشكف سلوك الزول وذوقه وتجربته النفسية والجمالية ورود أفعاله تجاه الأحداث في أمكنة وأزمنة مختلفة.

وكنا قد تحدثنا "أعلاه" في المستوى الأول "الجسدانية" وعندي إعتقاد قلت به في السابق أن العجينة الأساس المسيطرة على سيكلوجية الزول هي "الجسدانية" وإسمها الآخر "الفروسية" أي منظومة قيم الفروسية. وبمثل هكذا زعم أنتوي المواصلة في الجسدانية "الفروسية" وبقدر من الإستفاضة ثم نتحدث لاحقآ عن الروحانية والعقلانية. وقد أضطر لعقد مقارنات بشكل مستمر بين المستويات الثلاثة.

نقف "أدناه" على قصيدة الشاعر محمد بادي "أنا أخو البت اللكعت قرن الخمرة النازة"
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الثلاثاء يونيو 28, 2011 1:53 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

أنا اخو البت اللكعت قرن الخمرة النازة, د.محمد بادى، لدى اللنك التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=UR4s6DqoWLs
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الاثنين يونيو 27, 2011 7:53 pm، تم التعديل مرة واحدة.
أضف رد جديد