سيكولوجية "الزول" السوداني!

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

قصيدة بادي تقوم في مستوى البنية التحتية للمجتمع المدني. وقلنا أن لا تمظهر مدني تحتي يكون ممكنآ إلا في حالة توفر ثلاث عوامل في ذات الأوان ودون نقصان: 1- قيم 2-هدف و 3-لائحة (اللائحة تعني الإطار النظري للهيكل ويمكن أن تكون مبتدعة أو مكتسبة أو موروثة "مكتوبة أو غير مكتوبة").

القيم تحدثنا عنها هنا كثيرآ وقلنا أن الهدف يكون واحد على الدوام مركب في الصيغة التالية: (البقاء، المعاش، الأمن والرفاهية). واللائحة من أمثلتها الصغير إقوم للكبير.

شوف معاي كيف تتمرحل ملحمة "البت اللكعت قرن الخمرة النازة" كونها تتحدث عن جماعة مدنية تحتية محددة؟. قبيلة/عشيرة.

1- هناك هدف من قبيل: (الجنيات الحزمو الجبه
وعرق الشتوي عليهم نايا و صبا
قول ما دله ..
رجالا حصدوا الحبه
عيشون هادو انكال واتعبا
ومنو كتير في الواطا انكبا
وباقي مصوبر واقف قبه
الحمد آلاف .. الشكر آلاف
الحمد آلاف الشكر آلاف
العيش الرقد أصناف أصناف
الولد الكان.. عزام .. حلاف...ضياف
الرزق الجانا مدلا.. الحلق الجاف اتبلا
بالحيل آ جني إيي والله
********
الوادي الجانا مترقن
مدد جناحو الطايل شرقا وغربا
القبلي بروقو على القلعات اضربن
الدكن البعدن قربن
فوق صنقور الحله الطالت كبن
قول للحله بيوتك خربن
قول ما دله.. الحلق الجاف اتبلا
بالحيل آ جني إيي والله
**********
مرحاتنا شرابهن يوت ماغبن
شبعانات في الشقل أب شوك ما شبن
الحومل ولدن وربن
حلماتن تقلن.. جرن.. فوق سيقانن كبن
اللبن العاتم في ضرعاتن جبن
المغصة إن كان ضرعاتن خربن
القرعة آ وليد .. السعن آ بنيه
القربة كمان... كبوها المية
المغصة إن كان ضرعاتن خربن
شوفو النعمة السالت فوق قيزان الرمله
ناس البندر لبن الشاي بالعمله

سمح الخمج الفوق أسيادو
سمح العز المن أجدادو
الجنيات المشو ما عادو
كان بالرد أكان اتنادو
غرب حامد وشرق بلة
كانوا بحلبو الضرع الدلا
كانوا بحضرو الخير القدحو معلا
الجنيات ما كفرت بنعمة الله
بالحيل آ جني إي والله
*****
والغيمة تهتف مطرا نقع
فوق نوار الطلح الفقع
ريحة البرد إن جاتك
عطرا فايت خمر الفوق أردافا مجدع
شفنا الوادي يقشقش في دمعات الليل
والتعل الشايل بدا يتفقع )..... واضح أن هناك رفاهية إجتماعية عالية. أمن كبير ومعاش رغد يحرسه حامد حطب الطندب نار القصب في مواجهة الزبيدية أي الآخر. حامد الفارس.

2- هناك قيم من قبيل: (أنا أخو البت اللكعت قرن الخمره النازه ..على وردان الصبوه الراكزه .. الجنيات الهازه صدورن لازه ورقا النص زي خيت الشلا ) و (ديل يوم عادوا اتلافو الجاهل بحقوق الله .. ديل كم لحقو البشهق ضايق وداوو العله ..الولد الجايب حقايب سفرو تقال تقال من جنس كتاب ومجله .. الحكمة النضم إياهو الكان.. الحكمة الولد اتوضا وصلى .. عادة البلد الدخلت فيهم سكنت سكنت ما ب تتخلا ) و (الولد الكان.. عزام .. حلاف.. ضياف) وحكاية حامد كلها قيم من قبيل الشجاعة إلى آخر الإلتصاق بقيم الفروسية. و
3- هناك لائحة من قبيل: (بعد الليل ما يهود ونحن نهود.. عاد أماتن ينادن ليهن) والمقصود البنات (اي الجكس بلغة الشارع) الحاجات ما سايبة ساي هناك لوائح محددة عند لحظة ما، البنات لازم إمشو على بيوتهم والا هناك مشكلة. أعني أن هناك لوائح محددة تقوم في المخيال الجمعي تحدد للفرد أفعاله وأقواله في إطار الجماعة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

حامد "نار القصب الهبلت" في قصيدة محمد بادي مثال في غاية السطوع لقيم الجسدانية (فارس) "رابع مخ الترك البزبز من ضرب أهلو نهار الركزو تمام وإتعدلو" و " حامد عوج الطندب". أي أن الفخر هنا يقوم على أن "ود القبائل" الجد "الضكر" لازم إكون "مخو مقفل" تمامآ في مواجهة الآخر!. ففي مشهد حامد عند لقائه مصادفة لآخر ممثل رمزيآ في قبيلة الزبيدية لم يكن في الأفق أي طريقة للحوار أو التفاوض على حلول وسطية. لا توجد. لأن ببساطة لا توجد رؤية ذاتية للعيش المشترك لدى حامد كممثل لجماعة عشائرية محددة ولا لدى الزبيدية كممثلين مباشرة لقبيلتهم بالإسم. وفي تلك الحالة هناك حل واحد لا غيره. وهو فناء الآخر وبلغة علمية genocide . ولقد فعلها حامد!.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »



مأساة الفارس على ود حامد

رويت في بوست الدولة والمجتمع المدني عند الحديث عن منظومات القيم حكاية واقعية حكتها لي "أمي" بطلها أحد أعمامها : على ود حامد (فارس من الجعليين). حكاية صغيرة لكنها في غاية الشطط.

في حوالي العام 1944 رفض على ود حامد هذا رفضآ قاطعآ خطة حكومية لإنشاء مدرسة إبتدائية هي الأولى من نوعها بمنطقة الجعليين في جبل أولياء. بحجة أن المدرسة "عنده" ما هي بشيء سوى دعوة صريحة للمثلية Homosexuality !.

إذ قيل أنه نهض متسائلآ ومتعجبآ وغاضبآ مخاطبآ المبعوث الحكومي، قائلآ : يعني عايز تسوي أولادنا "مايلين"*!.

وبناءآ عليه فقد تم بناء المدرسة في مكان آخر يبعد عدة كيلومترات من المكان الأول الذي خطط لها. وعلى النقيض من ذلك فإن جدي هذا لم يكن يرفض الدراسة في الخلوة برغم أنني لم أسمع بأنه كان متدينآ. بل على النقيض كان فارسآ مغوارآ ويشرب المريسة كل يوم. وأعتقد أن السبب هو أن دراسة الخلوة لا تشكل تعارضآ مع مرموزات القبيلة وقيمها.

بعد مرور كل هذه السنوات أستطيع الآن أن أخمن لماذا فعل جدي ذاك ما فعل؟. إن الأمر لا يستقيم أن يكون بتلك البساطة التي حكتها لي أمي وما يزال البعض يرويها بتهكم!.

في الغالب ما كان جدي متشككآ في أن المدرسة قد تشكل تهديدآ حتميآ لقيم القبيلة و ما المثلية Homosexuality التي قال بها إلا الترميز في حدة، كون المثلية تمثل النقيض ل"الضكرنة" أي الرجولة وهي من أسطع قيم القبيلة. والإحتمال الأكبر عندي أن جدي كان عنده قناعة ذاتية فطرية بأن المدرسة قد تؤدي بالأولاد الى مكانة يعصون فيها أباءهم وجدودهم بحكم حصولهم على معلومات ومعارف ورموز وافدة من المدينة. الشيء الذي قد يمثل تهديدآ مباشرآ لقيم "الفروسية" ما قد يقود الى هدم الهيكل فتختفي المنظومة الإجتماعية التحتية أي العشيرة في هذه الحالة. أي فإن جدي كان يرى في المدرسة "مؤامرة" متضمنة فعلآ رادكاليآ مدمرآ لبنية العشيرة وإستمراريتها .وقد كان جدي ذو حدس ثاقب ومحقآ جدآ في سياق "نظرية معرفته" الشيء الذي أكدته الوقائع اللاحقة كون المدرسة مقدمة حتمية لفرع محتمل من فروع مؤتمر الخريجين ( قيم جديدة مضادة للقبيلة) والتي يعمل أحمد خير المحامي على إنشاءها في الأقاليم وهي بالقطع تكون تلك ال Homosexuality عند "جدي" تمشي على قدمين!. وأحمد خير رجل معروف بعدائه الحاد للقبيلة والطائفة الدينية. فهو كان عدو جدي بلا منازع.

قلت أن جدي كان محقآ في رفضه للمدرسة الحكومية وفق نظرية معرفته. لقد أكدت الأحداث المقبلة صدق حدسه. فقد درس بتلك المدرسة ثلة من أبنائه وأحفاده بالمعنى العريض للكلمة. فحدث ان كانوا هم أول من أدخل "البنطال" في بلدتنا بدلآ من الجلابية والعمة والسروال البلدي وما تبع ذلك من تخليهم عن لبس "السكين" في الضراع وحمل "العكاز" فوق الكتف إضافة الى إهتمامهم الفائف بالنظافة مما يجعل منظرهم في عين جدي أقرب ما يكون الى البنات منه الى الرجال. وكانوا أول من دخن السجائر متخلين عن "الحقة" السعوط. وأصبحوا يستاكون بالفرشاة والمعجون بدلآ عن مسواك الأراك. و لبسوا ساعة اليد مرة بالشمال وتارة باليمين. كما أنهم تخلو عن "البطان". وعندما يأخذ الغضب بهم مأخذآ شططآ لا يقول أحدهم للآخر "ببعجك" (إشارة للطعن بالسكين) وإنما يقول له بديك "بنية" box. وأصبحوا بدلا عن "العرضة" في الأفراح "يسكسكون" (يرقصون بالطريقة الأفرنجية). كما أصبحوا يبغضون أكل العصيدة مع السمن أو "الروب" والكسرة (من دقيق الذرة) مع الويكة وحبذوا أكل الرغيف (من دقيق القمح) مع الفول المصري والبيض والكبدة وما إلى ذلك. والأسوأ من كل هذا لقد أصبح رأيهم في جدي سالب جدآ. إذ أنهم يكنون له بالغ الإحترام كأب وجد ولكن مع ذلك كثيرآ ما ينظرون إليه كشخص أمي ومتخلف out-of-date.
وأصبحو لا يفخرون كثيرأ بأصولهم الجعلية ولا يتحدثون كثيرآ عن نسبهم وأصولهم النبيلة بالقدر الذي كان يحدث في السابق. وعندما يقسمون "يحلفون" لا يقولون كالسابق "وحات رأس أبوي" أو "وحات تربة أمي" أو "علي بالطلاق" أو "طلق" أو "علي بالحرام" وإنما يقولون "وحيات ديني وإيماني" أو والله العظيم. كل هذه الإنقلابات المفاجئة جعلت جدي في حالة من الحزن والأسي وأرق الخاطر من مصير مجهول يتهدد نسله. كون بالإضافة الى كل تلك المآسي فإن هؤلاء الرجال الجدد أخذوا يمتهنون مهنآ هامشية وضيعة في نظر جدي مثل الأعمال المكتبية والحدادة والنجارة الخ. وتركوا مصدر الرزق الشريف والمشرف وهو الرعي في المكان الأول ثم الزراعة (الإقتصاديات التي عرفها جدي من الجدود وجربت في ضمان عيشهم وحفظ كرامتهم).

وأخيرآ جرى أمر بالغ الخطورة: "آيديولوجي"!. لقد تعاون هؤلاء الرجال الجدد مع حزب الأزهري "الوطني الإتحادي" حزب الأفندية. وكان من نتائج ذاك التعاون أن الرجل الذي فاز في الإنتخابات البرلمانية لعام 1953 بأعلى نسبة من الأصوات في دوائر الخريجين "دوائر الأفندية" فاز في الإنتخابات البرلمانية اللاحقة بتفوق ساحق في دائرة جغرافية هذه المرة هي دائرة جبل أولياء (مسقط رأس جدي) وهو الأفندي مبارك زروق مع انه ليس من أبناء المنطقة. لكنه المحامي "المديني" الأفندي المثقف، خريج كلية غردون التذكارية، أول وزير خارجية للسودان المستقل، الرجل "القيافة" ذو ربطة العنق "الفراشة" والذي غنت له بنات الخرطوم "عيون زروق جننونا".

الحياة لم تصبح أفضل في بلدتنا بعدما تم تبني قيم المدينة بل أصبحت أسوأ. إذ أن غزو المدينة لبلدتنا بمرموزاتها "المدينية" المنوعة شكل ضربة قاصمة لا لقيم العشيرة وحدها بل لهدف وجود العشيرة من الأساس ولبنيتها الهيكلية. دون أن يكون هناك بديلآ واضحآ يضمن بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الناس. لقد تحدثنا أعلاه عن تجسد التحول في منظومة القيم عند المظهر الخارجي للرجال الجدد في بلدتنا. غير أن ذاك الشكل الخارجي للأشياء كان تحته القدر يغلى. إذ حدث تحول لا مثيل له في تاريخ بلدتنا فيما يتعلق بالانشطة المعيشية (الإقتصادية) وثقافتها. فتحول الإقتصاد من الرعي والزراعة الى الخدمات والتجارة بشكل أساس في كل منطقة جنوب الخرطوم ومن ضمنها جبل أولياء حاضنة بلدة الجعليين هذه. ولما لم يكن جعلي جبل أولياء أولي خبرة راسخة في الشكل الإقتصادي الجديد الوافد (كونهم في الأصل هم رعاة ومزارعون) فكانت النتيجة أن تحولوا من أهل عز ورغد عيش بفعل قطعانهم ومزارعهم في الماضي إلى حالة أشبه بالإملاق بنهاية الستينات من القرن الماضي.

وجاء قوم آخرون غالبآ ما كانوا مهاجرون من أرجاء السودان الأخرى أكثر رسوخآ في "الأفندوية" والتجارة فأكلوا على حين غرة الكتف. وتدحرج أهل بلدة جدي إلى الأدنى معيشيآ ثم الأدنى. ستجد ما قاله جدي محسوسآ هذه الأيام إذ أن منطقة الجعليين كانت قبل سبعينات القرن الماضي هي أغنى منطقة في جبل أولياء على الإطلاق من الناحية الإقتصادية والأرغد عيشآ والأكثر أمنآ والأغني قيمآ. أي كانوا أهل العز وبلا منازع!. وكانو ينظرون إلى سكان حجر جبل أولياء مجرد ضيوف وافدين لا حولة لهم ولا قوة. ويمدون لهم يد العون كل ما دعت الضرورة. إذ كانت ظروفهم المعيشية في غاية السوء مقارنة بمنطقة الجعليين. لكن إنقلابآ مفاجئآ في الأمور قد حدث كما قلنا أعلاه. إنقلاب عنده مبرراته الموضوعية. هل تتخيل معي أن بعض ناس الحلة الجديدة وحي التجار وديم البساطاب يسمون منطقة الجعليين في الوقت الراهن "الحلال" أو ناس البحر أوناس الشجر وكل ذلك يتضمن تصور مبسط للأمور أنهم أقل شأنآ من الناحية الإقتصادية وربما المزيد!. وهو أمر قاومه جدي على ود حامد بكل ما يملك كي لا يحدث. لكنه حدث!.

كانت تلك نتيجة المدرسة "وفق نظرية جدي". وقد تكون!. كونه لم تكن هناك خطة واضحة لماذا مدرسة؟..

كان الأفضل أن لا تقوم مدرسة في بلدتنا وإلا وان تحتم ان تقوم وجب ان تكون مدرسة تدرس الرعي والزراعة (مصدر معاش العشيرة آنذاك) لا غير. حينها فقط أتصور أن جدي كان سيقبلها . وعلى كل حال فقد أثبتت الوقائع العملية أن فكرة جدي ليست مجنونة تمامآ. وإنما مغزى حديثه هو أن "المدرسة" لا تشكل بديلآ للحياة الواقعية بل هي تزييفآ للواقع ما دامت لم تكن جدلية حقيقية مع الواقع .. ولم تكن في حينها!.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال

--------------------
* مايلين = Homos مع أن جدي قالها عارية وبالدارجة... أوردتها كما هي عند البوست المعني، تحريآ للدقة!.

آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الاثنين فبراير 27, 2012 10:49 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

كلمة "فارس أو فارسة" لا هي بمدح ولا بذم وإنما أشر بها إلى كل من ينتمي إلى منظومة قيم الجسدانية أي الفروسية أي قيم القبيلة/العشيرة في مقابل كلمة "زاهد" لمن ينتمي إلى منظومة قيم الغيب و "متمدن" لمن ينتمي إلى منظومة قيم الموضوعية. ولكل منظومة قيمية محاسنها ومثالبها. مع الوضع في الإعتبار تشابك وإختلاط القيم المشكلة لمخيلة الفرد الواحد. وهي توصيفة من إختراعي الخاص كما قلت سابقآ لا وجود لها من قبل بهذا النسق وغير مثبتة علميآ بعد، وإنما تقوم بحسب المنطق الذي رأيته لها. وهذا للعلم.

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


نظرة جديدة في منظومات القيم*

من الملاحظ ان في كل من شكلي التمظهر الهيكلي واللا هيكلي للمجتمع المدني لا بد من وجود قيمة اجتماعية او منظومة قيم (راجع الخلاصة "أعلاه").

لنأخد أمثلة من الواقع المعاش.

شبشة الشيخ برير (قرية سودانية تقع على الضفة الغربية للنيل الابيض بالقرب من مدينة الدويم)
كيف تكون الحياة هناك؟. قد يكون لاحدكم فكرة احسن مني، وبالطبع لاهل شبشة الشيخ برير فكرة عن حياتهم احسن منا جميعا. لكنني أستطيع ان اتصور بالاحالة الى الصورة النمطية للقرية السودانية في الوسط النيلي كيف تكون الخطوط العامة لحياة الناس اليومية. وفي نهاية المطاف سأحاول عقد مقارنة بين شبشة الشيخ برير وحي العمارات المعروف في العاصمة الخرطوم. كيف يتمظهر المجتمع المدني هيكليا ولا هيكليا في شبشبة الشيخ برير؟.

في احد ايام الاسبوع جرت في شبشبة الشيخ برير الاحداث التالية:

رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى القرية ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ القرية فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان القرية بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات القرية بناءه تطوعا، شب حريق كبير في مدرسة القرية الابتدائية فهرع جمع من الناس لإطفاءه تطوعا، لعب فتيان القرية كرة القدم، ، اجتمع رجال عشيرة بني دويح في دار شيخهم للتفاكر حول نزاع نشب على قطعة ارض بين اثنين من رجال العشيرة ، نظمت نساء القرية "ختة" (ادخار لبعض المال)، ذهب البعض للصلاة في المسجد، وحلقة مديح نبوي في "المسيد" ، لعب بعض الشبان الورق " كتشينة"، بعض الفتيات عملن على تدريب احد العروسات على الرقص "رقصة العروس"، اقام بعض الشبان حفلة "حنة" لاحد فتيان القرية، كانت هناك مناسبة زواج، لعب الاطفال شليل، وكان هناك مجموعة من الشبان يتعاطون الخمر (قعدة) ، تعقب بعض الشبان سارق فاوسعوه طربا حتى الموت تطوعا، داهم احدهم مرض عضال فسارع بعض الناس الى حمله الى المستشفي التخصصي في اقرب المدن (تطوعا) لكنه مات فتجمع كثير من الناس لدفن الجنازة (تطوعا) واقاموا له مأتما للعزاء (تطوعا).

هل تجري نفس الاحداث بذات النسق والمنوال في حي العمارات في مدينة الخرطوم (العاصمة)، فنقول كما قلنا اعلاه: في احد ايام الاسبوع جرت في حي العمارات الاحداث التالية:
رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي العمارات ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ الحي فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان حي العمارات بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات الحي بناءه تطوعا، شب حريق... الى آخر الاحداث المتصورة (اعلاه) والتي جرت في شبشة الشيخ برير. هل نتصور انها جرت بالكامل في يوم من الايام في حي العمارات؟.

تلك احداث طبيعية في قرية ما (مثل شبشة الشيخ برير وغيرها من القرى النائية البعيدة). لكن ربما شعر المرء ان الوقائع المتصورة اعلاه لا يمكن ان تجري جميعها في شبشة الشيخ برير وحي العمارات بنفس النسق والمنوال. كونها جرت جميعا في شبشة الشيخ برير قد يبدو منطقيا، لكن بعضها لا يمكن ان يحدث في حي العمارات، بمعنى ان حدوثها جميعا في حي العمارات ليس منطقيا. شي طبيعي جدا ان يقول قائل رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى القرية ثم اجتمعوا في دار احد شيوخ القرية فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، لكن ليس من المتوقع ان يقول رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي العمارات في قلب العاصمة السودانية الخرطوم. الاكثر منطقية هو ان يقول القائل رجع التجار والصناع والافندية الي منازلهم في حي العمارات نهاية اليوم ثم ذهب بعضهم الى نواديهم (دورهم) المتخصصة فتحدثوا عن تجارتهم وصناعتهم وخدماتهم ويكون الانتماء الى احد هذه الدور قرارا فرديا وطوعيا. كما انه اذا سرق السارق في حي العمارات ففي الغالب الاعم ان صاحب الشي المسروق وحده يتصل ببوليس النجدة وليس من المحتمل في الاحوال العادية ان يجد من يطارد له السارق ويقتله، والمريض يتصل هو او اهله بعربة الاسعاف واذا شب حريق يتم استدعاء المطافيء. واذا سقط جدار بيت باي طريقة فان صاحبه وحده هو الذي يعيد بناءه او شركة التأمين ففي عداد المستحيل ان يتجمع شبان الحي لمساعدته تطوعا، نساء الحي مثل رجاله يدخرن (او يستثمرن) ما فاض من اموالهمن في البنوك، وغالبا ما يلعب الشبان الورق في النادي الرياضي الثقافي وهو من المتوقع ان يكون نفس النادي الذي ينظم تمارين كرة القدم في الحي ويكون الانتماء الى هذا النادي قرارا فرديا وطوعيا، كما انه من في حساب المستحيل ان يجتمع رجال عشيرة بني دويح او جعل في دار شيخهم في حي العمارات اذ ان سكان العمارات لا يتقسمون في شكل كتل عشائرية واضحة كما هو حادث في شبشة الشيخ برير واذا حدث نزاع ما بين شخصين حول قطعة ارض فالغالب ان تكون تلك مهمة المساح الشرعي ثم القضاء (البوليس و المحكمة)، وليس من المتوقع ان يلعب اطفال حي العمارات لعبة شليل التي تحتاج الى ضوء القمر (لا لمبات النيون) بالاضافة الى فسحة مكانية بواصفات محددة قد لا تتيحها طبيعة حي العمارات مسفلت الطرقات كما ان لاطفال حي العمارات العاب اخرى تعودوا عليها.

قد تكون هناك احداث تجري بنفس النسق والمنوال، لكنها قليلة، وهناك احداث تجري بذات النسق لكن ليس بذات المنوال والعكس صحيح. لماذا؟. سنجاوب على هذا السؤال لاحقا. لا اود ان ادخل في مقارنات الان. لنؤجل هذا السؤال برغم الحاحه مؤقتا، فالنغيب حي العمارات كلية من ذاكرتنا الان، ونركز اولا في شبشة الشيخ برير ثم نرجع الى حي العمارات لاحقا. كيف تنتظم هذه الاحداث القرية "هنا المثال قرية شبشة الشيخ برير". ما هي القوة الدافعة والاسباب. لنأخد سبع امثلة بشكل انتقائي، او قل لنعمل التفكير والخيال في سبعة احداث، جرت على الوجه التالي: بناء الجدار طوعا، اجتماع عشيرة بني دويح، كرة القدم، "الختة"، الحنة، شليل ومراسم الجنازة. ولنأخذ من هذه الامثلة حدث واحد لتحليله ما امكن، وليكن في هذه العجالة " مراسم الجنازة". عندما تحدث وفاة احد البالغين في شبشة الشيخ برير، صغيرا كان او كبيرا، وبغض النظر عن موقعه الاجتماعي ونشاطه الاقتصادي، تحدث نفس الاشياء على الدوام. يجتمع الرجال حول الجثة يمارسون الشعائر المجمع عليها و يغسلون الميت ويكفنونه وفق الاعتقاد المسلم به، وبالجانب الاخر يبكين النسوة بحرقة على اثر الوداع. ثم يحمل الرجال الجسد على سرير من اربع ارجل وعلى كل رجل من ارجل السرير رجل من الرجال يتبادل مع الاخرين المهمة في طريقهم الى المقبرة فيحفرون حفرة عميقة تسمى القبر يوضع فيها الجسد ثم يدفن، ثم يرجع الناس الى بيت المتوفي فيضربون خيمة للعزاء "صيوان" لمدة ثلاث ايام او يزيد، يمارسون الشعائر المتعارف عليها ويواسون افراد اسرة المتوفي، ومن اهم الاشياء يتبرعون بالاموال حسب الاستطاعة. وذلك مجرد حدث واحد من كل تلك الوقائع العديدة والمتكررة بنفس النسق والمنوال. ففي رقصة العروس مثلا لا بد ان تكون هناك آلة موسيقية "غالبا دلوكة"، الدلوكة مفترض ان تكون محفوظة في مكان محدد، مسئولية بنت او امراة محددة (طوعا) تخرجها فقط عن اللزوم والحوجة، تأتي المبادرة من احداهن والعمل جماعي (والمقصود هو العروس) التضامن مع العروس من اجل تدريبها على فعل محبذ عند الجماعة (رقصة العروس) ثم سعادتها واشاعة البهجة والفرحة في نفسها. نفس الشي مع اختلاف طفيف في الشكل الخارجي يحدث في حالة الجنازة. أدوات الحفر غالبا ما تكون مسئولية شخص محدد (طوعا) والكفن وغسل الميت (مبادرات فردية) لكن في النهاية العملية كلها تتم بشكل جماعي (حيث يتوافد الناس من كل الفجاج بشكل يبدو تلقائيا جدا) يفعلون كل تلك الاشياء بانسجام تام ويدفعون مساهمات مادية " كشف الفراش". والمقصود هم ابن المتوفى او بنته (على سبيل المثال) والحي ابقى من الميت في المثل الشائع. وكذا واقعة الحنة تختتم بمساهمات مادية والمقصود هو العريس المرتقب (امنه وسعادته ورفاهيته). و في كل الاحوال هناك شكل تنظيمي ما (سلس ومحكم)، كما ان هناك قواعد جماعية متفق عليها (مسلمات غير قابلة للنقاش) نجدها عند النظر (الملاحظة) بتمعن في جميع الاحداث والوقائع التي حدثت وتحدث وستحدث في شبشة الشيخ برير.

الملاحظة الاولى ان كل هذه الاحداث من وراءها جماعة لا فرد. قد يكون من خلفها مبادرات فردية لكن كل هذه الاحداث صغيرها وكبيرها تقيمها في نهاية المطاف جماعة من الناس كما هو واضح وفق نسق محدد.

الملاحظة الثانية ان كل هذه الافعال الجماعية الهدف الاساس (الغاية) منها هو الفرد المفرد (عيشه، امنه ورفاهيته) عبر وسيلة محددة هي التضامن (توحيد الجهود).

الملاحظة الثالثة ان كل او معظم هذه الاحداث تجرى بشكل تلقائي وفق قواعد مسلم بها في معظم الاحوال.

الملاحظة الرابعة ان كل هذه الاحداث تجري في فضاء طوعي، غير الزامي (بلا سلطة مادية ملزمة تستطيع ان توقع العقاب " العذاب" بادوات مادية أو تجزل الثواب) ولو ان هناك منظمومة قيم ومعتقدات ومسلمات تدفع الفرد دفعا الى الفعل (طوعا) في اطار نسق محدد مرسوم سلفا في المخيلة الجمعية.

والملاحظة الخامسة والاخيرة ان هذه الاحداث تحدث في حل عن الدولة. كما نلاحظ بوضوح غياب كلي او جزئي لعربة النجدة، عربة الاسعاف، عربة المطافيء، البنك، شركة التأمين، القضاء، والبوليس. فالجماعة تقوم بكل الواجبات.

في حي العمارات الصورة مختلفه جدا. اول ملاحظة تظهر بحدة تتمثل في أن الفرد (الانسان الواحد) هو الذي يطغى على المشهد. الفعل الجماعي (بصورته الشبشية) شبه غائب. دور الجماعة وواجبها تم استبداله بدور عربة النجدة، عربة الاسعاف ، عربة المطافيء، البنك، شركة التأمين، القضاء، والبوليس، نادي الفتنس، نادي المهندس، نادي الكذا ودار الكذا. لا حوجة لدور الجماعة، لا توجد ثقافة الجماعة. الفرد لا يغضب من الجماعة، لا يرجو شيئا من الجماعة كما انه لا يفخر ابدا بالجماعة اذ ان الجماعة غائبة من ذاكرته كليا. انه هو لا غيره، هو هو وهو كل شيء، انه الفرد الصمد. وبالتالى عندما يتحدث ذلك الانسان "الانا" لا يبدأ حديثه الا ب "أنا".

في شبشة الشيخ برير، عندما يتحدث احدهم عن نفسه ففي الغالب لا يتحدث عن نفسه مستخدما الكلمة "أنا"، بل يقول نحن (نحنا او احنا)!. نحن اولاد رجال، اولاد قبائل، اولاد بلد، اولاد عز، انا ود ناس فلان (مش ود فلان). وعندما ينشد الواحد منهم الاشعار ربما انشد: ( نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا). وهذا شي منطقي. اذ ان الجماعة في شبشة الشيخ برير في خدمة الفرد (منذ لحظه ميلاده، طفولته، صباه، شبابه، كهولته، الى لحظة مماته)، بالمقابل فان الفرد يقدس الجماعة وهو بدوره يستطيع التضحية من اجلها ما دعت الضرورة كأن يذبح الرجل بنته العزيزة بالسكين جراء خطأ أقترفته سهوآ غسلا للعار الذي قد يلحق بالجماعة. في شبشة الشيخ برير "الانا" تأخذ عظمتها من عظمة الجماعة، فهي "أنا" ضخمة ضخامة الجماعة لكنها غائبة في رمزيتها، غائبة في ال "نحن".

في شبشة الشيخ برير احساس الفرد بالفرد الاخر عالي جدا، فعلى سبيل المثال فان الناس يتبادلون التحيايا بحرارة وصدق فائق، ويبكون بحرقة عندما يسافر احدهم بعيدا ويبكون من جديد فرحا بعوده. فالفرد عنصرا مقدسا لا لذاته بل لكونه ينتمي الى الجماعة المقدسة، هو جزءا لا يتجزء من الجماعة، تلك الجماعة النازعة في كل لحظة للتضحية من اجل الفرد. وفي حي العمارات لا أحد يحي الاخر في الشوارع الا لماما وحسب مقتضيات الضرورة فيقول له ما يشبه "هالو" الانجليزية وهو ماض في حال سبيله. فالاخر في العمارات شي قائم بذاته ولذاته. فالفرد كائن متحرر كلية عن قبضة الجماعة. فان فعل فعلا مع الجماعة يفعله طوعا وبوعي موضوعي ومن اجل هدف واضح وآني. كأن ينضم مثلا الى عضوية نادي المهندس او اتحاد التنس، يتصرف وفق لوائح مكتوبة، يدفع اشتراك شهري او سنوي او لا يدفع حسب النظم واللوائح ويستطيع في اي لحظة ان يوقف عضويته والعكس صحيح فالنادي او الاتحاد المحدد يستطيع حسب النظم واللوائح ان يلغي عضوية الفرد من سجله في اي لحظة. لكن ليس من المنظور ان يحدث نفس الشي بالنسبة لعشيرة بني دويح في شبشة الشيخ برير. اذ ان العضوية بالميلاد والدم، قدرية لا فكاك منها الا بالدم. وكذا اشكال التنظيم (الاخرى) الطبيعية (كالقبيلة) والتقليدية (كالطائفة الدينية) مع اختلافات طفيفة في حدة المواجهة مع الجماعة في حالة نشوذ الفرد. ف "الأنا" في شبشة الشيخ برير "أنا" سالبة، وخاضعة ل "نحن" و "الأنا" في حي العمارات "أنا" موجبة وفاعلة لا تكترث بال "نحن".

تلك الاحداث التي جرت وتجري في شبشة الشيخ برير تحدث بنفس النسق والمنوال في جميع القرى الاخرى المشابهة في الارياف القريبة والبعيدة. وما ننقله من صورة هنا ما هو الا محاولة تقريبية للصورة النمطية للقرية او توقعنا لها. مع علمنا التام ان التفاصيل قد تختلف بشكل او اخر من قرية الى قرية في ارياف السودان النيلي، ناهيك اذا ما ذهبنا بخواطرنا ابعد من ذلك وتحدثنا عن الريف في جنوب السودان وفي شرقه وفي غربه البعيد، في تلك اللحظه ربما نواجه باقدار واحداث اخرى مختلفة جدا. بمعنى ان المجتمع المدني في تلك الارجاء يتمظهر هيكليا ولا هيكليا بطرق قد تكون مختلفة جدا عن تمظهره في شبشبة الشيخ برير. كما ان المجتمع المدني قد يتمظهر بطريقة مختلفة من مدينة الى مدينة (مثلا الخرطوم، امدرمان، كوستي، مدني، الابيض، جوبا، ونيالا)، بل فان المجتمع المدني قد يتمظهر هيكليا ولا هيكليا بطرق مختلفة من حي الى حي في المدينة الواحدة. وربما اسعى الى شحذ خواطركم في هذه اللحظة لتتمعنو معي في امكانية تمظهر المجتمع المدني في حي الديوم الواقع على مرمى حجر من حي العمارات الذي تحدثنا عنه هنا، لاجل عقد مقارنه عاجلة بين المجتمع المدني في الديوم والعمارات كحيين متجاورين في نفس المدينة. فالاحتمال وارد ان نجد اختلاف بائن في شكل تمظهر المجتمع المدني في الحيين. ناهيك عن تمظهرات المجتمع المدني في افاق اخرى بعيدة مثل انغولا، الفلبين، الهند، البرازيل، البرتغال والمانيا.
كما حاولت ان اشرح في اللحظات الفائتة كيف ولماذا تكون "الأنا = الفردانية" أعلى من ال "نحن = الجماعة" في العمارات والعكس صحيح بالنسبة لشبشة الشيخ برير نسبة للعوامل المحددة التي حاولت استبيانها في سياق المقارنة سالفة الذكر وسأقوم بالقاء مزيد من الضوء عليها في ختام هذا المقال. ساقوم هنا ايضا بذكر "قفشة" منتشرة على نطاق واسع. تقول القفشة "الشعبية": ان اولاد حي العمارات عندما يحدث وان يزورا حي الديوم وبعد انتهاء زيارتهم تقوم بنات الديوم بمهمة وداعهم (تقديمهم) اي الذهاب معهم في طريق عودتهم الى منازلهم بحي العمارات خوفا عليهم من عارض الطريق ولطفا بهم. انتهت المقولة. هذه المقولة التي انتجها عقل "ديامي بحت" وجدت صدى واسع واصبح يرددها كثير من الناس من باب التندر والخ. اذا نظرت الى فحوى هذه المقولة ستجد انها تنطوي على عدة مفاجئات واسرار ولا تخلوا من المآزق.

وهذا نفسه السر من وراء انتشارها برغم ما يبدو عليها من بساطة وتبسيط. للوهلة الاولى تتبدأ هذه المقولة بشكل زائف كمظهر من مظاهر الصراع الطبقي في عرف الماركسيين، خصوصا انها صادرة من اضابير الديوم وما اشتهروا به من مؤازرة الحزب الشيوعي السوداني. غير ان الامر عندي ليس كذلك. خصوصا اذا اتفق حدسي وكان الهدف من وراء المقولة الطعن في رجولة اولاد حي العمارات كونهم منعمين (نعومة ودعة) من قبل سهولة العيش في مقابل رجولة اولاد الديوم من قبل شظف العيش الذي يقتضي بالضروري "الخشونة" بحسب المضمر من المقولة. ولو ان حتى هذه اللحظة هناك شبهة صراع طبقي، غير انه بقليل من الخطوات للامام ستنبهم حقيقة الصراع الطبقي وتتعرى حقيقة جديدة تكمن في ثقافة القرية ونستطيع ان نقول القبيلة. ولا يمكن للمرء ان يتصور بسهولة ان في الادب الماركسي مجالا لوصف البرجوازي بالنعومة فهو في كل الاحوال مصور كوحش في الروح وفي الجسد.
اول الملاحظات في اتجاه هذه المقولة هي غياب "الانا" فيها مع حضور طاغي لل "نحن". نحن اولاد الديوم، نحن بنات الديوم. تلك ال "نحن" من صناعة شبشة الشيخ برير. فالديوم بحسب المقولة كتلة صماء غير قابلة للتقسيم (جماعة ذات قيم وعزة وكرامة وكمان ماركسية) لدرجة ان اولادها يستقبلون اولاد العمارات لكنهم يتأففون من وداعهم لعلة فيهم هي النعومة بحسب المقولة، مما يخرجهم من مصاف الرجال كاملي الرجولة وفق الفهم الديامي للرجولة، فمن صفات الرجال "الخشونة" كما تفترض الاسطورة الريفية "الضكرنة"، ولهذا السبب فان بنات الديوم يقمن بالمهة نيابة عن رجال الديوم باعتبار ان رجال العمارات لا فرق بينهم والنساء، فاولاد الديوم على سبيل المثال يستقبلون ويودعون في نفس الوقت اولاد حي الامتداد، لكن اولا العمارات "لا. هناك وخز ما!.

وبالطبع ليس المقصود المعنى الحرفي للعبارة بان اولا العمارات غير اسوياء ولكن المقصود هو الحرب النفسية من ناحية ومحاولة تعلية قيمة الذات من ناحية أخرى باضافة وزن قيمي جديد متخيل للجماعة (من قبيل اولادنا رجال يأكلوا النار بمعنى انهم "ضكور"). هذه الثقافة لا تقوم بدون سند محدد، هذا السند هو الجماعة ( الاحساس العالى بروح الجامعة ال "نحن")، منظمومة قيم قديمة شديدة الرسوخ جيء بها من القرية فعاشت في ضمير الجماعة كل الوقت وظلت تتحكم في سلوك الفرد المفترض فيه المدينية كونه ولد ويعيش في المدينة. فبالاحالة الى الاحداث التي جرت في شبشة الشيخ برير نجد ان كثير من تلك الاحداث تستطيع ان تجد مكانها بسلاسة في الديوم، ولن يصيب الكثيرون الاستغراب اذا ما قال احدهم: رجع المزارعون والرعاة والصيادون الى حي الديوم ثم اجتمع بعضهم في دار احد شيوخ الحي فتحدثوا عن زرعهم ورعيهم وصيدهم، سقط جدار احد بيوت سكان الديوم بفعل السيول والفيضانات فقرر بعض فتيان وفتيات الحي بناءه تطوعا، شب حريق... الى آخر الاحداث المتصورة (اعلاه) والتي جرت في شبشة الشيخ برير. فالنتصور انها جرت بالكامل في يوم من الايام في الديوم.

قد تكون هناك اشياء قليلة لا تبدو ممكنة او منطقية، لكن معظم تلك الاحداث تحدث في الديوم بشكل يومي. وبأي حال من الاحوال لن تكون دهشة المرء كبيرة بذاك القدر الذي يحدث عند عقد المقارنة بين شبشة الشيخ برير وحي العمارات. كل ما اود ان اقوله ان الديوم ترقد في الخرطوم وقلبها في شبشة. اذ ان تمظهرات المجتمع المدني في حي الديوم الذي يبعد بضع امتار عن حي العمارات مختلفة جذريا عن الاخير. كما بالطبع فان تمظهرات المجتمع المدني في حي الديوم ليس بالضرورة مشابهة تماما لتلك التي لشبشة الشيخ برير. وهذا هو سر المفارقة بين العمارات والديوم لا الصراع الطبقي (او قل لا الفوارق الطبقية وحدها). هذه المقارنة ايضا صالحة لاحياء كثيرة في امدرمان ولهذا السبب تجد كثير من الامدرمانيين يحيلون ذواتهم الى مدينتهم، ويجدون فخرا وعزا وكرامة في انتماءهم الى امدرمان (احساس عالى بالجماعة) و"نحن" تطغى على "الأنا".


من اين تأتي هذه القيم؟. وهل تكون لذات المغزى وبنفس القدر في الريف والمدينة؟. وبين الريف والريف الآخر والمدينة والمدينة الأخرى ؟. وكيف تعمل هذه القيم على دفع الظاهرة الاجتماعية المحددة الى العيان؟. ثم كيف تشكل سلوك الزول وطريقة تفكيره؟.

سابدأ هنا من جديد بضرب مثال متخيل. لك ان تتصور معى ان رجلين تبرعا لمعسكر للنازحين بخروفين كل على حدا. احد هذين الرجلين مهندس معماري من حي الصافية بالخرطوم بحري، والآخر راعي اغنام "بطحاني" من منطقة الشوك في شرق السودان. رجع الرجلان الى دارهما في الصافية وفي الشوك بعد أداء هذا العمل النبيل. ماذا سيقول الناس في حي الصافية اذا علموا بالامر؟. الاحتمال الاكبر انهم سيقولون انه رجل "انساني" او "انسان نبيل". بينما اتوقع ان يقول الناس في الشوك عن الرجل الاخر انه رجل كريم. وبنفس القدر فانه اذا حدث وان تبرع ذات الرجلين بمبلغ من المال لمصلحة اطفال المايقوما فان الرجل من الصافية سيبقى انساني، بينما الاحتمال الاكبر ان يوصف الرجل الاخر (في داره بالشوك) بانه رجل شهم وكريم.

الرجل الذي ساهم في بناء الجدار الذي اسقطته السيول والفيضانات بشبشة الشيخ برير هو رجل شهم وصاحب مروءة. والآخر الذي شارك في اطفاء الحريق فهو رجل "ضكران" و شجاع لكونه واجه الخطر، وذاك الذي دفع مبلغا من المال ل "كشف الفراش" فهو "زول واجب" بمعنى انه صاحب مروءة. وهكذا دواليك فان كل الافعال الجماعية في شبشة الشيخ برير تجعل الفرد موصوفا بواحد او اكثر من القيم الدافعة التالية: الرجولة، الشهامة، الكرامة، الشرف ، الشجاعة، الكرم، المروءة و العزة. كما ان العكس صحيح فقد يوصف الاخر المتقاعس بصفات سالبة ومناقضة من قبيل خائب وجبان. بينما الرجل من حي العمارات او حي الصافية اذا ساهم في اي عمل جماعي (نقابة المهندسين مثلا) فليس من المتوقع ان تسبغ عليه تلك الصفات بنفس القدر الذي يحدث لذاك الذي في شبشبة الشيخ برير، وغالبا ما يوصف بانه رجل انساني وملتزم ومتحضر، ومن المستبعد جدا ان تصفه احد الفتيات من حي الصافية بانه "ضكران" بمعنى انه رجل ولا كل الرجال!. وذا جلس بعيدا من الجماعة لا يفعل شي فانه لا يوصف بانه رجل خائب او جبان ولكنه ربما يوصف بانه انسان سلبي، لا غير.

كيف تشتغل منظومة القيم:

انظر معي في ثلاث امثلة من الواقع. المثال الاول من مدينة هيا في شرق السودان. قيل ان رجلا يقطن قرية حول مدينة هيا في شرق السودان، اثناء ما كان مسترخيا يشرب القهوة في حضور آخرين حدثت فجأة مشادة كلامية صغيرة بينه وآخر من الجماعة، فسبه الاخير قائلا يا إبن القحبة ( قالها باللغة الدارجة!) فما كان من الاول الا ان استل خنجره وغرزه في صدر الثاني فقتله ثائرا لكرامته وكرامة امه. وحكم عليه بالسجن 25 عاما، لكنه طوال هذه المدة لم يندم ولا لحظة، كما ان كثيرا من الناس حوله نظرو ا اليه كبطل. بالنسبة له هو فقد أدى عملا مقدسا، والا ستكون مكانته في الحضيض امام أقرانه ووسط عشيرته كونه سكت على تلويث شرفه!. المثل الثاني شائع جدا وهو غسل العار. حدث ان رجلا من احد القرى حول المتمة و ان حملت بنته الصغيرة سفاحا، فما كان منه غير ان ذبحها بالسكين غسلا للعار، وخرج صائحا وسكينه تقطر دما: "هو نحنا عندنا شنو غير سمعتنا" ويعني شرفنا وكرامتنا. المثل الثالث، يقال ان في احد القرى النائية الواقعة على مقربة من مدينة الدمازين، كان هناك رجل فقير في مقتبل العمر له ابن واحد عمره خمس سنوات، عمل في ليلة دامسة على تخليص فتاة من فم تمساح ذهب بها الى عرض النهر، فاستطاع تخليصها بعد عراك دامي مع الوحش النهري المخيف ودفعها الى البر بحيث رجعت سالمة الى اهلها، الا ان الرجل لاسباب غير معروفة على وجه الدقة ضاع في النهر وحمل تيار الماء جثته بعيدا الى جهة غير معلومة. فاسبغ عليه الناس في غيابه الابدى كل الصفات الحميدة واسمو ابنه ود "الكلس" اسم يدل على منتهى الرجولة و الشجاعة والمروءة والشهامة. وجاء احفاده فكانو "اولاد الكلس" واحفاد احفاده "اولاد الكلس". هذه القصة حكاها احد احفاده وهو شيخ القرية في الوقت الراهن وقال انها حدثت قبل مائة وخمسون عاما خلت.

في المثالين الاولين نلاحظ ان الفرد ضحى تضحية جسيمة خوفا على تضعضع مكانته وسط الجماعة بفعل الخوف الرهيب من إلتصاق صفة سالبة به "عار" قد يطول نسله وافراد عشيرته ويقلل من فرصه وفرصهم في الحياة وسط الجماعة. وفي المثال الثالث فان الجماعة تكافيء الفرد ذا الولاء الطوعي المطلق للقيم السامية بالاحتفاء به عبر السنين غائبا كجسد وحاضرا في "احفاده" لدرجة انهم اصبحوا زعماء القرية او القبيلة فيما بعد.

ذاك بالضبط ما يحدث في شبشة الشيخ برير، هناك منظومة قيم دافعة متمثلة في الرجولة، الشهامة، الكرامة، الشرف، الشجاعة، الكرم، المروءة و العزة. هذه المنظومة القيمية تقف خلف تمظهر المجتمع المدني وتبقى مسئولة على الدوام على استمرارية وديمومة تلك التمظهرات سواءا كانت هيكلية او لا هيكلية وهي قيم ال "نحن". بينما في حي العمارات او حي الصافية هناك منظمومة قيم جاذبة نجدها في الايمان بالهدف النبيل والتضامن من اجل تحقيق مصلحة مستركة، وهي قيم "الأنا".
لاحظ مرة اخيرة كيف تترجم قيم ال "نحن" الى افعال بتتبع مبسط لابيات الشعر " الشعبي" التي ضربنا بها المثل في مكان آخر (اعلاه). هذه هي الابيات والترقيم من عندي : (1- نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا 2- في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا 3- نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. 4- و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا)... بقليل من اعمال التفكير سنجد ان القيم السامية الدافعة لتلك الافعال كالتالي:
1- العزة
2- المروءة
3- الكرم، و
4- الشجاعة .

وفي كل الاحوال فان كل تلك القيم تصنعها الجماعة وفق عملية تاريخية طويلة ومعقدة تتمدد عبر اجيال بهدف تحقيق مصلحة الجماعة المحددة وضمان معاشها وبقاءها وامنها ورفاهيتها. وتخضع هذه القيم للتبديل والتعديل والتحوير على الدوام بما ينسجم والتغييرات التي تطرى على وسائل تحقيق الهدف بين زمان وآخر ومكان وآخر. لدرجة ان منظومة القيم التي تبدو صارمة ومبدئية ودونها المهج في مكان محدد ولحظة تاريخية محددة (الكرم مثلا) قد تنهار كلية وتختفي بشكل شبه كامل في العمارات والصافية بالخرطوم العاصمة وتحل محلها قيم جديدة اكثر انسجاما مع اجندة الهدف في ثوبه الجديد، فتصبح على سبيل المثال خصلة ذميمة مثل البخل (سالب الكرم) محمدة فيكون ذلك الانسان البخيل في عرف القرية "اقتصادي" في فهم المدينة. كما قد يحدث تحوير للقيمة فيصبح الكرم ذاته (التبرع للنازحين او اطفال المايقوما بالاموال) يسمى انسانية ولا احد يسميه كرما او شهامة في حي الصافية او العمارات بينما في منطقة الشوك هذه الكلمة: ال "انسانية"، قد تبدو غريبة على السامع.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


* مقاطع من مقدمة "الانسان والمجتمع والدولة في السودان - نحو أفق جديد" أحد بوستاتي بهذا المنبر "سودانفوروول"
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الثلاثاء يونيو 28, 2011 1:59 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

علمانية بنية القبيلة (1)


مرثية بنونة بت المك نمر مرة ثانية...


لكن قبل الحديث من جديد حول مرثية بنونة. أحب أن أقدم لكم ثلاثة رجال عرفهم تاريخ السودان القريب "كل واحد منهم بعظمته المتفردة" على أمل أن يبقوا معنا في هذا البوست بأرواحهم النيرة. وهم:

1- الشيخ العبيد ود بدر (الطريقة القادرية) 2- الناظر عبد الله ود جاد الله (ناظر قبيلة الكواهلة) و 3- الاستاذ أحمد خير المحامي (مؤسس مؤتمر الخريجين).

كيف يجوز لي تعريف هؤلاء الثلاثة، كل على حدى؟. قد تكون هناك طرق كثيرة لتقديمهم الى شخص لا يعرفهم، لكني أرى أن الطريقة التالية قد تكون بدورها مناسبة:

1- ود بدر: هو الشيخ الورع، الزاهد، العارف بالله الفقير الى ربه المتوكل عليه، سيدنا العبيد ود بدر، شيخ الطريقة القادرية (اشتهر بزهده وتواضعه وتوكله على الله).

2- جاد الله: هو الدود النتر، بحر المالح طمح، ضرغام الرجال، الفارس الجحجاح، كسار قلم "مكميك"، المك عبد الله ود جاد الله ناظر قبيلة الكواهلة. (اشتهر بكسره لقلم أحد الحكام الإنجليز بكردفان ويدعى ماكمايل).

3- أحمد خير: هو الأستاذ الكبير ( خريج كلية غردون التذكارية) المحامي أحمد خير، مؤسس مؤتمر الخريجين (اشتهر بثقافته العالية ووطنيته وبغضه للطائفية والقبلية).

دعوني أصالة عن نفسي ونيابة عنكم أن أرحب بهم جميعآ (بدون فرز) ليكونوا بصحبتنا في هذا البوست "المنور" بهم. والآن لنذهب هنيهة الى بنونة ثم نعود الى ضيوفنا الأماجد.

بنونة:

سبق أن قلنا أن منتهى "هدف" مرثية بنونة هو "إستئناف" قرار "طريقة" موت أخيها، بحيث يحال من كونه ميتآ ساكنآ على الفراش الى حي في قيمة "الفروسية" أي ميتآ فاعلا. كونها قالت بأنها تملك أدلة تؤكد جدارة أخيها بمثل هذا الإستثناء الخارق للعادة. وقد فعلتها بنونة.
جميعنا يعلم الآن بعد مضى حوالى مئاتي عام على موت "عمارة" انه كان فارسآ. وعليه فقد ظل فارسآ بالفعل، فاعلآ وملهمآ وحاضرآ في خواطر الكثير منا.
إنه مثالآ للفروسية: للرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. كما النبل والعزة. وكلها قيم القبيلة. قيم صاخبة. سنامها وخلاصتها "الفروسية": مكانها المادي هو "السرج" وأدات فعلها هي "السيف" وصوتها هو ال"تح" (أحي على سيفه البسوي التح).

وهذا ما قد يقودنا الى تحية ضيوفنا هنا من جديد والسؤال عن أحوالهم وأخبارهم.

ممن ضيوفنا هنا يشبه "عمارة" أخو بنونة؟.

هل يكون هو ود بدر؟. لا، لا أعتقد.

إنه رجل زاهد في الدنيا، متواضع أمام الكل ومتوكل على الله.

هل هو أحمد خير؟. أيضآ لا.

أحمد مثقف حداثي ويتحلى بوعي موضوعي كبير. على أقل تقدير لا يصلح لمهمة (الخيل عركسن ما قال عدادن كم). أعتقد أن أول شيء سيفعله الأستاذ أحمد إذا حدث وأن الخيل "عركسن" هو "عدادن"، عكس ما يفعل عمارة تماما.

أتصور أنه سيكون الناظر عبد الله ود جاد الله، كسار قلم "مكميك". نعم، انه هو. الناظر عبد الله يمتلك مقدرات "عمارة" أخو بنونة تماما. لقد كسر قلم الإنجليزي المسلح بالنار "ماكمايل" دون أن يطرف له جفن. قالت عنه الشاعرة الجامعية: (شدّولو وركب على أم ما ربيكْ.. يا جرو الأسود أب قرناً يخرخر زيتْ..عبد الله ود جاد الله كسار قلم مكميك.. شدولو وركب على أُمات رشامتن بوق.. ما ازحزح دَني وما هاود اللايوق..يا السيف البكسر الفقرة مع الطايوق..رايو مكيفو).
وهذه هي صورة الفارس عبد الله ود جاد الله في الخيال الجمعي "الأغنية" عند اللنك أدناه بصوت الفنانة إنصاف مدني... والأغنية مشحونة بمرموزات منظومة قيم الفروسية.

https://www.youtube.com/watch?v=ePlSA-0l ... E855C0A76A

يبدو واضحآ أن هناك أمر ما يجعل هؤلاء الرجال الثلاثة مختلفين جدآ في طريقة نظرتهم للحياة والأشياء ثم بالتالي يسقط ذلك على واقع أفعالهم ويجعل الناس ينظرون إليهم بطرق مختلفة ويتوقعون منهم مسبقآ تصرفات وسلوكيات وأدوار بعينها!. ماذا يا ترى يكون ذلك الأمر؟.

أعتقد أنها "منظومة القيم". كل منهم ينتمي الى منظومة قيمية مختلفة.

هل نستطيع محاولة تأمل المنظومات القيمية المختلفة لهؤلاء الرجال؟.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في السبت يناير 19, 2013 8:38 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

علمانية بنية القبيلة (2)

نظرة عملية في منظومة القيم


نلاحظ في الحياة الواقعية عبر الزمان أن شيخ القبيلة بمسمياته المختلفة (مك، ناظر، عمدة الخ.) لا يجمع أبدآ السلطة الدنيوية مع الأخروية (اي الدينية) فسلطة الناظر هي سلطة الدنيا لا غير. إلا في حالات نادرة تكون من شواذ القاعدة. كما أن مسمى "شيخ" الذي ظل مؤخرآ يشتركا فيه معآ زعيم الطريقة و ناظر القبيلة مختلف جذريآ في سياقه المعنوي هذا عن ذاك. فعندما نقول الشيخ العبيد ود بدر نعني "شيخ" بمرجعيتها الدينية ولكن عندما نقول الشيخ عبد الله جاد الله شيخ قبيلة الكواهلة يكون فارس فرسان قبيلة الكواهلة (كسار قلم مكيمك) أي خبير الفروسية، وهو مرموز مختلف عن ذاك.

لماذا جاءت القبيلة علمانية؟.

أعتقد لأنها أصل البنية الإجتماعية في الأساس والبدء "فهي سابقة للطائفة وللدين بمعناهما المعروف" كتنظيم إجتماعي. جوهرها الأسرة التي تنبني على عماد الأبوة والبنوة وسلمها العشيرة التي تنبني على عماد العمومة والخؤولة. وتلك وشائج قربى "دم" لا يستقيم معها إعمال أي شكل من أشكال التمييز على أساس أي إعتقادات خارجة عن الإعتقاد في تقديس الأسرة والعشيرة كهدف في حد ذاته والا كالحوت يأكل بعضه (سينقرض). ولهذا دائمآ ما يحبذ أن يكون زعيم العشيرة أو ناظر القبيلة محايدين تجاه الدين "الآخرة" وتجاه جميع صنوف الإعتقاد الأخرى ما خلا فروسية الجدود. ولهذا تظل القبيلة في كل الأزمان والاحوال متلاحمة (وحدة واحدة) بغض النظر عن التنوع النسبي لإعتقادات أعضاءها. قوامها الفروسية وهي الآلية الناجعة لتحقيق الأهداف المبديئة وهي: معاش وبقاء وأمن ورفاهية الجماعة.

وبالتالي تكون الفروسية هي قيم "الدنيا" والأصح قيم "الجسدانية" (أي إعمال طاقة الجسد) في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان (أولى القربى).
ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف".

بينما تكون قيم الصوفية "الطائفة أو الطريقة" في "الروحانية" (أي إعمال طاقة الروح) في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف في المرتين واحد: (معاش وبقاء وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإتكال. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الدراويش (الحيران والمريدين). ورمز مكانها المادي هو "السجادة" ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة.

هنا يبدو أننا تحدثنا عن قيم ضيفينا العزيزين الشيخ العبيد ود بدر والناظر عبد الله جاد الله (وأعني منظمتيهما). لا يجب أن ننسى ضيفنا الثالث: الأستاذ أحمد خير المحامي (مؤسس مؤتمرالخريجين أي الأفندية). أعتقد أن قيم أحمد خير (وأعني منظمته) هي قيم "العقلانية" (أي إعمال طاقة العقل) في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (معاش وبقاء وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الموضوعية والإستنارة، والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو القلم.

ذاك طبعآ بشكل "نظري" مقتضب. ربما نعود الى تلك النقاط بالتفصيل لاحقآ، ما لزم.

وأرى أنه تبقى سؤال آخر مهم في هذا المنحى لم يتم التطرق إليه بعد، وهو: كيف تعايشت الطائفة الدينية مع القبيلة العلمانية "في سلام" كل هذه القرون؟.
ربما نحاول معالجة مثل هذا السؤال لاحقآ وسنعرف عندها حقيقة قد لا تروق الكثيرين منا إذ أن لدي إعتقاد أن الطرق الصوفية في السودان كانت ولعدة قرون لبلاب حميد يعتاش معظم الوقت على عصير القبيلة في معادلة ذات مصلحة متبادلة ينفصم عندها الغيب "الدين" كلية عن السلطة الدنيوية في علمانية صارخة!.

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

علمانية بنية القبيلة (3)

مواصلة في النظر الى منظومة القيم
_


العباس هو جد الجعليين الأول (لا أحد غيره)

العباس بن "عبد المطلب" هو جد الجعليين وليس النبي محمد بن عبد الله بن "عبد المطلب" ؟.

لماذا لا يكون إذن "عبد المطلب" ذاته، وهو أبو العباس وهو أيضآ جد النبي؟.

السبب عندي هو "الفروسية" ضمن أسباب أخرى بدورها مهمة.

إن الإنتماء للعباس لا يجعل قيم القبيلة في نزاع مع ذاتها ولا يجعل قيادتها وبنيتها العلمانية في حرج بالقدر الذي سيحدث لو قال الجعليون بإنتماءهم للنبي محمد مباشرة. ولو قالوا بإنتماءهم للنبي سيصبحون "أشرافآ" لكن ليس بالضرورة فرسانآ. والفروسية هي معنى قبيلة الجعليين وهي بالطبع معنى القبيلة مطلقآ. ثم أن أي إنتماء للبيت النبوي لا يتحقق إلا عبر إحدى بنات النبي محمد لأن لا ذرية للنبي من ولد. وكلنا يعلم أن القبيلة بنية أبوية في المكان الأول. لكل هذه التعقيدات وأخرى كان جد الجعليين هو العباس لا أحد غيره... ولا حتى أبيه "عبد المطلب" وهو رجل معروف في تاريخ ما قبل الإسلام بالفروسية أي النبل والعزة. وقد يكون الإنتماء المباشر لعبد المطلب تجاوزآ للعباس لم يكن من اللياقة في شيء كون في العباس تتحقق كل قيم الفروسية كما يتم الإحتفاظ بالخيط الضروري مع قيم الدين لإعتبارات عندها علاقة بجدلية الآخر. وهذا بالضبط ما حدث. فجاء العباس (الفارس المسلم) هو جد الجعليين الأول، لا أحد غيره. أي أن الجعليين جعلوا نسبهم وقفآ على "العباس" لا على رجل آخر من آباءه ولا على أحد من أبناءه أو أحفاده كما بالطبع ليس على إبن أخيه النبي محمد، مع أن ذلك كان خيارآ متاحآ من الناحية النظرية وقد فعله غيرهم. فكان "العباس" . قال النبي محمد (ص) : ( العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفآ، وأوصلها، وهو بقية آبائي). وقد أسس أحفاده أعظم دولة في إطار الحضارة العربية الإسلامية هي الدولة التي حملت إسمه: الدولة العباسية. والنسبة إلى جعل يتم تجاوزها بشكل مستمر إلى العباس مباشرة لا إلى إبنه الحقيقي أو المتصور "جعل".

ووفق هذه المعادلة الحاذقة حقق الجعليون إنتصارات حاسمة في مسيرة تاريخهم عبر القرون الخمسة الماضية. ونالوا صيتآ كقبيلة من "الفرسان" لا مثيل له في تاريخ السودان المشهود. مع إحتفاظهم التام وعلى الدوام بعلمانية بنيات عشائرهم القبلية، وهو عندي، سر بقاءهم على مر الأيام وإنتصارهم على مر العصور ومن ضمنها تحالفم مع الفونج والذي إستمر زهاء الثلاث قرون وجدلهم مع الأتراك والمهدية والإنجليز.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

نقف مع لمحة صغيرة من مفارقة منظومة قيم الغيب "سلوك الزول الزاهد" خارج سياقه المكاني والزماني "خارج الزمكان" ثم نواصل في محاولة تقصي سيكلوجية الزول الفارس.


قيم الغيب خارج سياقها "الزمكاني":

قيم الغيب تشكل بدورها قدرآ كبيرآ من سايكولوجية "الزول" وتأتي عندي في المرتبة الثانية بعد قيم الفروسية.

منذ فترة من الزمن هناك فلم صغير واسع الإنتشار في أنحاء المملكة العربية السعودية يصور حجاج سودانيين يرقصون في منتهى النشوة على إيقاعات الدفوف ويبدءون للناظر غير العالم أنهم "يهججون ويسكسكون ويكشفون" بلغة الشارع وهم في لباس احرامهم الأبيض وفي المناطق المحرمة والمقدسة. هذا الفلم سبب صدمة كبيرة لكثير من السعوديين وجعلهم في منتهى الدهشة!. وما يزال بعض السعوديين وآخرين يتبادلون هذا الفلم عبر كل الوسائط الإعلامية المتاحة مع كثير من عبارات التهكم والتعجب والدهشة.

أدناه رابط للفلم المعني the party كما أسماه صاحبه "مندهشآ" من يوتوب تحت عنوان "مفاجأة الموسم":*

https://www.youtube.com/watch?v=pHExiFPXp9U


وهو ليس بشيء غير حلقة ذكر "مديح نبوي سوداني". وهو أمر غير متعارف عليه في المجتمعات السعودية منذ العام 1934 عام سيطرة آل سعود على السلطة السياسية في منطقة الحجاز متحالفين مع الوهابية بعد أن أقصوا غرمائهم الهاشميين من السلطة والمشهد الإجتماعي أجمعه.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

القبيلة والطريقة الصوفية "1"

قلنا أن الخلفية القيمية "فروسية" تشكل في الأساس نفسية "الزول" تليها منظومة "الغيب" ثم بقدر ضئيل منظومة "الموضوعية".
وإن جاز لي أن أخمن نسبة مئوية سأفعل التالي:
60% إلى 70 من نفسيات الزول فروسية = منظومة قيم الجسدانية
20% إلى 30 غيب = منظومة قيم الروحانية
0% إلى 10 موضوعية = منظومة قيم العقلانية

وبالإضافة إلى ما ذكرت آنفآ من أدلة قد نعثر بعد على شواهد لا حصر لها تؤكد مزاعمي هذي.

وقد أتصور أن المتابع بتمعن لما أقول هنا سيلاحظ ضعف النسبة المئوية لمنظومة "الغيب" لدي تخميني هذا وقد لا يتفق مع مزاعمي القائلة بضعف تأثير بنية الغيب على مخيلة "الزول" كونه أمر يتصادم مع المقولات والمفاهيم السائدة. لا بأس. سأحاول لاحقآ المجيء ببعض الأدلة تؤكد قلة حيلة الطرق الصوفية "أحد أهم بنيات الغيب" في كثير من أرجاء السودان النيلي وبشكل أكثر حدة في غرب السودان (دارفور وكردفان) أمام سطوة قيم الجسدانية. بل وإعتماد "التصوف" على القبيلة في معاشه وبقائه في معظم المرات فالمشاريع الصوفية من مسائد وخلاوي غالبآ ما تمولها القبيلة من حر مالها وحتى لو جاء عبر الهمبتة والسرقة. فالقبيلة والعشيرة هما في مقام المانحين الكبار للطريقة الصوفية في مقابل خدمات معنوية وطبية وترفيهية والمساعدة في حفط السلم الإجتماعي مع إعتراف الطريقة الصوفية وموافقتها علنآ وضمنآ على علمانية البنية الإجتماعية "علمانية القبيلة" وذاك عندي هو سر الحلف التاريخي الصلد بين القبيلة والطريقة الصوفية عبر القرون.

لاحظ معي مبدءآ أن الشيخ الصوفي "الزاهد" عندما يتم تمجيده في الغناء الشعبي والفلكلور كثيرآ ما يتم تصويره في صيغة "الفارس" لا "الزاهد" عند اللنك أدناه (تمعن كلمات الأغنية ومرموزاتها):

الشيخ سيرو (إنصاف مدني):

https://www.youtube.com/watch?v=doCMXxm6jzg

والحكي لا ينتهي هنا... الآن تبدأ صفحة جديدة "2" بعد ما انتهت الصفحة الأولى ... تستطيع أن أردت أن تمضي معنا إلى الأمام.
go to page 2


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الخميس يونيو 30, 2011 10:39 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

القبيلة والطريقة الصوفية "2"

السلطة الزمانية "الفعلية" كانت على الدوام في يد القبيلة. للقبيلة جيش من الفرسان فهي مؤسسة حاكمة في حيزها الزمكاني بالمعنى الحرفي للكلمة. الطريقة الصوفية كل الوقت تكون في رعاية وحماية القبيلة. الأرض وجميع أدوات الإنتاج ملك يد القبيلة ما خلا ما تجود به في حدود المسموح به للطائفة "الطريقة" وغالبآ ما يمنح شيخ الطريقة قطعة أرض في حرم القبيلة ويكون أتباع الشيخ همو في الأساس فرسان يأتمرون أولآ بأمر العمدة أو الناظر أو المك وقل ما شئت من مسميات زعيم القبيلة غير أنهم بفطرة ثاقبة لا يخلطون أبدآ بين إنتمائهم القبلي/العشائري وإنتمائهم الصوفي. كما أنه لكل الناس إنتماء قبلي/ عشائري غير أن ليس لكل الناس إنتماء صوفي "غيبي" لطريقة بعينها ليس بالضرورة لكنه حتميآ أن يكون للفرد "الحر" إنتماء قبلي/ عشائري.

كان الأمر كذلك حتى لوقت قريب وما يزال ذاك المشهد حاضرآ بشدة في المخيلة الجماعية.

لهذا بدهيآ أن يكون الفارس أعلى شأنآ من الزاهد في سلم التراتبية الإجتماعية عمليآ. فالفارس هو الحاكم وصانع أحداث الحياة الحقيقية بل في بعض المرات يكون الزاهد مذمومآ "نادرآ لكنه يحدث" على طريقة الشاعرة شغبة:

( ياحسين أنا أمك وأنت ماك ولدي
بطنك كرشت غي البنات ناسي
ودقنك حمست جلدك خرش مافي
لاك مضروب بحد السيف نكمد في
ولا مضروب بلسان الطير نفصد في
متين ياحسين اشوف لوحك معلق
لا حسين كتل لا حسين مفلق
لا حسين ركب للفي شايتو غلق
قاعد للزكاة ولقيط المحلق ).

كما أن النشاط اليومي للزول الفارس مشحون بالمرموزات التي تذم الزول الدرويش "العضوء الأصيل للطريقة الصوفية" بل حتى الزول المتمدن يذم الزول الدرويش أكثر من ذمه للزول الفارس. طبعآ لا أقول هنا أن القبيلة والطريقة شهدتا حربآ أو صراعآ حقيقيآ ومستمرآ... لا... بل كانتا في معظم الأوقات على ما يرام كما يشهد الواقع المعاش حتى ظهيرة اليوم أنهما كانتا في أعلى درجات الإنسجام وتناسق الأدوار. لكني أقول أن الفارس أعلى مرتبة من الزاهد في واقع الحياة العملية ومعتركها الفعلي.

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الجمعة يوليو 29, 2011 9:13 pm، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

قيم "نحن"!!!

قيم الفروسية (القيم سيدة الموقف وحتى إشعار آخر) هي كما قلنا مرارآ وتكرارآ: قيم ال "نحن" وهي قيم صاخبة وداوية وذكورية بالكامل ولو أنها تشمل مكانيزمات عديدة تعمل بعض المرات ك check and balance في حتة المرأة دي!.
سأحكي لقدام بالتفصيل عن الحتة دي. وكيف تكون ال "نحن" ساهرة الليالي في حراسة ال "أنا". ومن ضمنه سأعرج على معاناة البنت أو المرأة السودانية خارج السودان من ال "نحن" كون قيم الفروسية تعتبر المرأة حكرآ مطلقآ لل "نحن" وما تفعل المرأة من خير وشر (مع ترجيح كفة الشر) يصيب ال "نحن" في مقتل!. وسأحكي قصة ثلاثة من الشبان السودانيين الذين جاءوني في مكتبي يستعينون بي وقد جمعوا سلفآ توقيعات بغرض إرسالها إلى وزارة العدل الهولندية في مواجهة شابة (يقولون أنها من غرب أفريقيا تدعي بأنها سودانية الأصل) وتعمل رسميآ في فترينات لاهاي (الرد لايت) يخبرون وزارة العدل الهولندية بالكارثة (من وجهة نظرهم) وهو أن الفتاة (الداعرة) ليست سودانية وإنما "محفرة" بمعنى أنها قدمت طلب لجوء سياسي في وقت سابق بإسم فتاة سودانية من وحي قصة خيالية. إنها قصة شرف شعب "قبائل" شعب من الفرسان!... أي أن النساء منا "مطلقآ" لا يفعلن ذاك ... وإلا نحن كنا حا نتصرف وفق قيمنا!. نحن في مأساة أمام إمرأة من غرب أفريقيا مدعية... وربما كانت مؤامرة!.

""""نحن"""" كرامتنا و شرفنا؟؟؟!!!.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

إستراحة موسيقية صغيرة عند هذا اللنك ( "شدولو وركب")

https://www.youtube.com/watch?v=EgrpbRJgg7w

(شدولو ركب فوق مهرك الجماح... ضرغام الرجال الفارس الجحجاح ... السم النقوق الفي البدن نتاح ... تمساح الدميرة الما بكتلو سلاح ...إعصار المفازة ال للعيون كتاح ... المال ما بهم لو كتر لو راح ...أبواتك قبيل بحلو للعوجات ... مطمورتك تكيل للخالة والعمات ... في الجود والكرم إيديك دوام بارزات ... يا أب قلبآ حديد في الحوبه ما بتنفات ... البطن الجابتك والله ما بتندم... يارعد الخريف ال في سماك دمدم ... بابك مانقفل نارك تجيب اللم ... مابتعزم تقول غير استريح حرم).

-----------------

خلفية الإستراحة الغنائية "لاحظ العبارات الملونة بالأحمر" (نأسف مقدمآ للتكرار، هناك ضرورات فنية!):

نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي:
1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان إختلاط وتشابك القيم).

أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم".
ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف".
وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء" كما "اللاإنسانية".

ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإيمان والإتكال على قوة ما ورائية. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما وراء الطبيعة المادية". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".

ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".

د- القيم في تنزلها كفعل يسبغ حياة "الإنسان" تستطيع أن تشتغل مفردة أو ممتزجة. فالإنسان يمكن أن يكون "فارس" محض أو "زاهد" محض أو "متمدن" محض. كما أن الإنسان يستطيع أن يكون "فارس زاهد" أو "فارس متمدن" او "زاهد متمدن". ليس ذاك فحسب بل الإنسان يستطيع أن يكون "فارس وزاهد ومتمدن" في ذات الأوان!.

الفارس هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا تعني بالضرورة ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائيآ" في الريف لا المدينة كما أن العكس صحيح بنفس القدر من الصحة فكثيرآ ما يكون سكان المدن أكثر ريفية من أهل الريف وأهل الريف أكثر مدنية من أهل المدينة.

-الفارس في نسخته المثالية هو الإنسان "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.

-الزاهد في نسخته المثالية هو الإنسان المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".

-المتمدن في نسخته المثالية هو الإنسان المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.

مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم "المفردة في نوعها" والمشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى بكثير مما حصرناه لدى هذه النقطة.


ه- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إلتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية). وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

ملاحظة هامة عندي:
وهي أن المستويات الثلاثة "المنظومات القيمية" تقوم على أساسها البنيات الإجتماعية المدنية التحتية طرآ في السودان كما أنها تشكل الهويات القيمية للزول وعلى وجه الإطلاق وهي بالطبع تشكل سيكولوجية الزول السوسيولوجية وأكثر من ذلك فإنها تتحكم بقدر كبير في سيكولوجية الزول الفردانية "النفسية والحسية". كيف يكون كل ذاك ممكنآ؟. قلنا مرارآ وتكرارآ أن القيم المعنية لا تقوم في الفراغ وإنما تقوم في مقابل هدف حتمي عملي ومادي وهو (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). ذاك الهدف دائمآ واحد (جوهر ثابت) لكن القيم تتغير أو تتبدل مع الوقت وتتحور أو تتبادل المواقع إنبناءآ على وسائل تحقيق هدف الحياة ذاك.

والأمر أكثر تعقيدآ من هذا!. فعلى أساس القيم وهي البنى التحتية للمجتمع المدني تتأسس الرؤى أي الآيدولوجيات وعلى خلفية الرؤى تتأسس الدولة "الزمكان". راجع جدلية المجتمع المدني والدولة عند الخلاصة مقدمة هذا البوست.

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الخميس يونيو 30, 2011 2:36 am، تم التعديل مرة واحدة.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

أنا هنا ما أزال أتحدث عن المستوى الأول للبنيات المشكلة لمخيلة الزول وهي بنية "الفروسية" وحدها (الحكاية دايرة صبر كتير شكلها!) ولو أنني كثيرآ ما أعقد مقارنات مع المستويات الأخرى بحكم الضرورة وتلمسآ للبيان. في وقت لاحق سأتحدث عن البنيتين الأخريين حصريآ، وهما طبعآ بنيتي "الغيب" و "الموضوعية".
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »


نظرة عجلى في منظومتي الغيب والموضوعية

من هو الزول الزاهد ومن هو الزول المتمدن؟. مقارنة... (نحن ما نزال نتحدث عن الزول الفارس).

توطئة من مشاهد "مقروءة ومرئية ومسموعة" في طريق تلمس منظومتي "الغيب" و "الموضوعية" في آن معآ أي خلفيتي الزول الزاهد والزول المتمدن على التوالي.

مشهد "1"

lign=center][img][img]https://www12.0zz0.com/2011/06/30/15/133737124.jpg[/img][/img]

هل الرجل في الصورة أعلاه يستطيع أن يكون سوداني بالمقاييس المعيارية من حيث الملامح الجسدانية؟.
الإجابة من عندي: نعم.
غير أن هناك شيء غريب وهو "الطاقية" القبعة!. شيء ربما غير متعارف عليه عندنا في السودان الذي نعرف.

البدلة "الفل سوت" وربطة العنق ربما هي شيء طبيعي. أليس كذلك؟. نعم، الآن فقط أصبحت شيء طبيعي!. قبل عدة عقود صغيرة من الزمن الأمر ليس كذلك.
وعندما نعلم أن صاحب هذه الصورة ولد في القرن التاسع عشر حوالي 1890 ورحل حوالي العام 1930 ربما تزداد دهشتنا لوهلة ثم سرعان ما تنقشع تلك الدهشة العابرة ونستطيع أن نعلم جميعنا دون كثير إعمال للتفكير أن تلك الثياب أجنبية: القبعة والبدلة وكل شيء ونستطيع أن نخمن إنها تركية/إنجليزية ... (القبعة ربما كانت تركية والبدلة من المؤكد أنها إنجليزية).

ولو أن هناك مفارقة تبدو لأول وهلة غريبة أن هذا الرجل "صاحب هذا المشهد الأجنبي" هو أول من كتب قصيدة وطنية "سودانية" خالصة سارت بذكرها الركبان في جميع الأزمان التالية وقد لحنها وغناها هو بنفسه وهي "عزة أو عازة في هواك".

إنه خليل فرح... خليل أفندي فرح أو خليل فرح أفندي... "أفندي"!.

هنا نستطيع أن نستمع لعزة في هواك بصوت خليل فرح نفسه من اليوتوب:

https://www.youtube.com/watch?v=Li6jqAP_prM

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال


...التعديل...
إصلاح رابط الأغنية "عازة في هواك" ... أرجو أن تكون مسموعة
آخر تعديل بواسطة محمد جمال الدين في الأحد سبتمبر 18, 2011 6:40 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مشهد "2"
الفنان صلاح محمد عيسى - كل البينا بقى حكاية "أغنية عاطفية!": منتقاة من يوتوب:

https://www.youtube.com/watch?v=rp-OWLbn-YU

لاحظ أن الفنان الكبير صلاح محمد عيسى أيضآ مثل سلفه خليل فرح يلبس "بدلة" وهناك أيضآ "كرفتة"! (أنظر أعلاه مشهد رقم "1") المداخلة السابقة مباشرة. حدث هذا في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.


وهنا الفنان الراحل صلاح محمد عيسى - برنامج توثيقي ... (حياة الإنسان ونشاطاته وفنه )!:

https://www.youtube.com/watch?v=sSCrnds1 ... re=related

لاحظ الخطوط العريضة لحيثيات حياته!.


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مشهد "3"
أحمد خير المحامي... سياسي مرموق ووزير خارجية عهد عبود كل الوقت... وهو طبعآ مؤسس مؤتمر الخريجين... يلبس بدلة... طبعآ شيء متوقع... "بدلة"... ولا أظننا نحتاج لصورة فوتغرافية لنتأكد من هكذا أمر بدهي. لن أفعل. وهكذا كان رفاقه من قبيل عبد الله خليل بك ومبارك زروق.

بس ليه أنا مهتم بقصة "البدلة" دي؟. حا أقول بفهمي لقدام!.

الآن أبحث عن صور فوتغرافية للآتية أسماءهم بثيابهم المعتادة:
1- الأستاذ محمود محمد طه
2- الشيخ أزرق طيبة

و:
3- الصادق المهدي
4- محمد عثمان الميرغني
5- حسن عبد الله الترابي

وربما لا نحتاج لصور فوتغرافية لأننا نعلم سلفآ أن هؤلاء يظهرون بالجلابية السودانية معظم الوقت الذي نراهم عنده في وسائل الإعلام.

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مشهد "4" ثلاثة مشاهد من طيبة الشيخ عبد الباقي "الطريقة القادرية":
إنها مشاهد صريحة لمنظومة قيم الغيب في أحد أسطع تجلياتها "سودانية" الأصل!.


[img][img]https://www14.0zz0.com/2011/06/30/17/494040011.jpg[/img][/img]


[img][img]https://www14.0zz0.com/2011/06/30/17/287510561.jpg[/img][/img]




[img][img]https://www14.0zz0.com/2011/06/30/17/709273001.jpg[/img][/img]

وهنا يظهر الشيخ أزرق طيبة يتوسط الجموع متوكئآ على عصاه


-------------------

تلك مشاهد تكون في غاية الدهشة للآخرين وربما أيضآ للبعض منا!.... الناس دي منو؟.
وبتعمل في شنو؟. وليه؟........ دا شنو دا؟.

-------------------


يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

مشهد "5" (هنا جو مختلف عن مشهد 4 "أعلاه")... هنا سرج وحصان وسيف ورجالة وضكرنة وحرب وأيضآ سلام وحب "هنا نحن في الدنيا"!.

إنها الفروسية في أعظم تجلياتها... إسطورة طه البطحاني وريا البطحانية وود دكين الشكري والمك نمر الجعلي في أربع أجزاء ( من يوتوب):
1-
https://www.youtube.com/watch?v=cGglfSgk ... re=related
2-

https://www.youtube.com/watch?v=oNPW9DsY ... re=related

3-
https://www.youtube.com/watch?v=sdT6ma_r ... re=related

4-
https://www.youtube.com/watch?v=HhRpd5fp ... re=related

يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!

محمد جمال
أضف رد جديد