جنازة الخط..ميلاد الكتابة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الشوف

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا محمد و سلام يا أحمد
شكرا على حكايات جون بيرجر يا محمد و شكرا يا أحمد على حكاية الرسام الصيني " الخيّال"[ بتاع الحصين حسب المعجم ] و أظنني سمعت بمرور هذا الرسام "الحريف" في الكلية لكني كنت أجهل نهاية الحكاية الطريفة . زمان تعلّمنا [ و مازلنا ] أن نفرز بين الزول الرسّام الحريف ساكت و الزول " الشوّاف".و يمكن للزول الشوّاف أن يشتغل بالرسم أو لا يشتغل، فلا جناح عليه و لا حزن، كون مقدرته على الشوف تغنيه عن مكابدة الصناعة.لكن الرسام "الحريف ساكت" بدون قدرة على الشوف يبقى اسير قيد الحرفة و محدوديتها و هو غالبا يعمى عن رؤية ما يحدث خارج سجن الدائرة الحرفية التي رسمها حول نفسه. و يبدو لي أن فضل هنود " بيرو "، الذين لا يزاولون الرسم ، على رسام الخيول الصيني كبير، كون هؤلاء الهنود يمتازون على صاحبنا الحريف بملكة الشوف الفطري الحر.عندي تعليق على منهج الصينيين في تعلم الرسم و الكتابة سأبذله هنا بعد استكمال الشوف [ و هيهات ] في هذا الأمر العامر بالمزالق. في الإنتظار هاك يا أحمد بعض من " سكتشات" كونمينغ".
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

البص 125

مشاركة بواسطة حسن موسى »

البص رقم 125 حافلة متوسطة تدور في وسط المدينة حيث كل شيء,تركب و تدفع بالـ " كواي " الورقي داخل صندوق جوار السائق و لا بد لك ـ في الغالب ـ من شخص شاب يتعلم الإنجليزية يهش في وجهك بالـ " هالو !" المعهودة فترد التحية بأفضل منها و بعدها يعتبر الشخص أن درس اللغة قد بدأ.حدث لي هذا مرتين في البص 125. مرة مع شابة تدرس في معهد للعناية بكبار السن و مرة مع طالب جامعي يدرس ادارة الأعمال. الشباب يجتهدون في تعلم الإنجليزية.بعد عقدين من الزمان سيتعلم كل الصينيين الإنجليزية و سينتجون بها أدبا جديدا يعيد تخليق ملامحها اللغوية و البلاغية و يمسخ إنجليزية الإنجليز و الامريكان لمجرد تنويع تعبيري لبعض الأقليات اللغوية العرقية . هذا عالم جديد سيفقد الأوروأمريكيين فيه زمام المبادرة الحضارية الذي انفردوا به لقرون.

صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

بار الكسالى

مشاركة بواسطة حسن موسى »

" ليزي بار"

في واحدة من تسكعاتي الفوضوية في دروب المدينة فوجئت بهذه البناية التقليدية المصنوعة من الخشب تقف وسط نوع من ميدان صغير تحيط به ،أو تخفيه ، حلقة محكمة من العمارات الحديثة الطراز ." كراسي و مناضد خشبية عند المدخل و على الشرفة لافتة كبيرة مكتوب عليها بالصينية و الإنجليزية
Lazy Bar
كل اصناف الجعة الصينية و الأجنبية! و في الداخل بعض الصينيين و نفر من السياح الأوروبيين.
الصينيون يبنون و يهدمون بسرعة كبيرة كأنهم في سباق ضد..ضد ماذا؟ مندري! سنعود للمدينة بعد عام أو عامين و سنجدهم قد هدموا " بار الكسالى" ليشيدوا محله واحدة من تلك العمارات الشواهق المتطاولات بجاه الأسمنت المسلّح بالحديد و بقناعات الحداثة السوقية، و ربما أعادو تشييد " بار الكسالى" في نسخة صينية لحداثة رأس المال التي تمسك بخناق المجتمع الصيني و تفسد على القوم بهجة " ليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة " التي كان يحلم بها شاعرنا تاج السر الحسن [ تحية آسيا و إفريقيا ].

صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة
صورة العضو الرمزية
محسن الفكي
مشاركات: 1062
اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
مكان: ميدان الخرطوم

مركز الخطوط بالإسكندرية

مشاركة بواسطة محسن الفكي »

صورة
تحياتي خطاطنا الجميل ومعيته الكرام.
مكتبة الإسكندرية على مرمى البصر وليس حجر من ميدان الخرطوم.المكتبة التي تشهد إعتصاماً متصلا منذ الاربعاء قبل الماضى، [url=https://www.masrawy.com/news/egypt/politics/2011/october/30/4552165.aspx?ref=moreclip]التقاصيل من هنا
[/url] ،وهى التي بها مركز الخطوط.
على الرغم ذلك قابلت اليوم احد الباحثين بالمركز،وذكر لي ان لهم مؤتمرا سنويا في مايو من كل عام،وينتهي التقديم له في 31 يناير. اذن الفرصة متاحة لجميع المهتمين للتقدم بسيرتهم الذاتية واوراقهم البحثية .
لمزيد من التفاصيل أو الإستيضاح; سأكاتبك في بريدك الداخلي يا حسن موسى.
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

سلام ياحسن موسى

[size=18]لدى اسئلة فى هذا الخيط الجميل بتعلق فقط بالقيمة الحضارية لهذه الفنون ففى اوربا مثلاً أو حتى فى الشرق هنالك سمة او تسمية للفن المسيحى متعلق بالصور والاشكال الفنية المرتبطة بالفن والرسوم التى لها صلة وطيدة بالعقيدة المسيحية من بيت لحم وحتى كنائس روما وفرنسا وأمريكا..هذا فن..ولكنه ضمن وظيفة حضارية دينية ربما يكون قد أنفك من هذا الأسار لاحقاً وفى فضاءات أخرى لكن تبقى السمة التاريخية الحضارية والثقافية لفكرته موجودة ضمن ابتكارات وذائقة زمنها البصرية وفى أرتباطها بلحظة تكوين الشخصية الحضارية ثقافياً ومادياً ولنقل أيضاً فنياً...وحسب علمى لم تحاول هذه الأيقونات الفنية المسيحية ان تغادر فناء أروقة الكنائس لمادة جمالية عامة ...فلماذا تحاول أن تجرد فن الخط العربى من هويته الحضارية و(ترميه فى الصقيعة).. أعتقد ان ثمة ظلال نظرة أستشراقية هنا حسب فكرتى المتواضعة تحاول ان تجعله فقط أى الخط العربى ..كرمزية دينية عربية تحوم حول نص مركزى وهو القرآن وتجتهد فى تدبير ابداعيتها وجماليتها فى فلك ذلك النص...طيب هل يمكن الفصل بين الدينى والحضارى هنا...بمعنى أن تحتفظ كنائس اوروبا بفنها ذو الطابع المسيحى ويتخلى (الخط العربى عن هويته الحضارية الأسلامية العربية) لماذا تسعى لفك أرتباط حضارى هنا وتسكت عن الأخر..هل يتم نقدك عبر وسيط غربى بمعنى هل تحاول افراغ ذلك الفن من مضمونه الحضارى والتاريخى وماهو مضمونه الحضارى هو بالطبع هويته العربية الأسلامية التى أوجدته ضمن لحظة تاريخية ثقافية مادية للعالم فهل يحق لهذا العالم أن يمارس التجريب عليه والخلق والبداع حتى دون ذاكرة تاريخية....يبقى السؤال هل تقوم الفنون دون ذاكرة تاريخية لتصبح فى مشاع الحضارة والتبادل الثقافى والتداخل مجرد فنون من دون ذاكرة حضارية...أو بالدرب العديل (شخصيتها الثقافية والحضارية) التى صاغتها كمادة للأبداع

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 4

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 4


منسأة الفن العربسلامي
سلام للنذير و شكراعلى تضمين رابط يوصل لأعمال الخطاط القدير محمد مختار جعفر فقد زرناه في مقامه و تجمّلنا بآثاره المجوّدة التي تكشف عن خبرة طويلة في تقصي دروب تقليد الكتابة العربية[ و كان ما نخاف الكضب يالنذير فمحمد مختار يتمتع بعضوية منبر سودان للجميع منذ زمن طويل و هو بيننا في داره ]
سلام يا محسن الفكي و شكرا على المتابعة و على العناية الإلكترونية الكريمة. و بمناسبة" العناية" بالله اشرح لي كيف قدرت على تنزيل رسمة " بار الكسالى" عشان أنا قدر ما لكلكت فيها أبت تنزل كُّلو كُّلو ! و لله في خلقه الإلكتروني شؤون.
سلام يا حاتم
شكرا على اسئلتك العويصة التي ردّتني لأصل الإشكالية بتاعة نصي في صدد :" ماذا نصنع بفن الخط العربي الإسلامي؟ "و قيل : " ماذا نصنع بالفن الإسلامي؟"، و منها تفتح بابا للريح على : " ماذا نصنع بالفن في مشهد تناقض المصالح الذي يكابده المستضعفون من عيال المسلمين تحت شروط العولمة؟" و كما ترى فالإستطراد وارد في وجهة " ماذا نصنع بالإسلام ذاته؟"..
في منظور تاريخ الفنون خبرنا العهود التي كان الفن فيها بعض آليات سيطرة المؤسسة الدينية على المؤمنين ضمن منطق " الدين أفيون الشعوب " إياه.و اليوم، في زمن انمحاق الإيمان [ الديني و العلماني] ،صار الفن "أفيونا" معاصرا في يد سادة السوق القابضين على رقاب المستضعفين.و من هنا أسوّغ لنفسي التوجّس من الهدايا المسمومة المدسوسة في حلوى الفن على تباين التصانيف [ "إسلامي"،" نصراني" ،" ثوري" إلخ ].
أما سؤالك " فلماذا تحاول أن تجرد فن الخط العربي من هويته الحضارية [ و ترميه في الصقيعة ]؟ " فهو يضمر أن فن الخط وصل لحالة ميؤس منها و قيل مات عديل كدا و لم يعد يعتمد إلا على منسأة سليمان المشهورة في الآية :
"فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " [ سبأ] . و بعدين يا حاتم إنت الفن "الإسلامي" البقينا نشفق عليهو من التساؤل النقدي دا أحسن ليهو يترمي في " الصقيعة " بتاعة النقد عشان الناس يشوفوا البيهو و العليهو بدل ما يتدسدس في قصور السلطات و متاحفها و غيرها من قلاع الكذب الآيديولوجي المحظور دخولها على الأهالي.
يا حاتم زي ما شايف الموضوع دا طويل و ما بينتهي بأخوي و أخوك.لكن أنحنا وراهو و الزارعها الله في الحجر تقوم.
سأعود

جيوبوليتيك الحروفية العربية
حروب الشرق الاوسط بين العرب و اسرائيل [ 1948 و 1957 و 1967 و 1974 ] لعبت دورا كبيرا في تحفيز المجتمعات العربية التي خرجت من أنقاض الأمبراطورية العثمانية، على إستبطان وعي جمعي يتعامل مع موضوعة "العرب" ككيان رمزي [ أمّة؟] تلتئم عليه الأشتات العرقية و الثقافية التي تسكن المنطقة من الخليج إلى المحيط . و قد لعبت قضية فلسطين دورا مركزيا في صيانة و شحذ فعالية هذا الكيان الرمزي التحرري الذي تطوّر ، ضمن ملابسات "الحرب الباردة "، كقوّة معادية للمجتمع الغربي الأوروأمريكي الذي كان يؤيد إسرائيل و يعتبرها بمثابة حامية لمصالح دول حلف الأطلسي [ ناتو ]. على هذه الخلفية العروبوية تطوّرت في معظم البلدان العربية جملة من المنظمات و القوى السياسية ذات التوجه القومي العروبي . و في سنوات السبعينات هيمن الخطاب العروبي على فضاء حركة التحرر الوطني في اكثر من بلد عربي. داخل هذا الخطاب العروبي طرح آيديولوجيو الطبقة الوسطى التي ورثت السلطة السياسية من المستعمرين ، كما يرث الإبن حقه من أبيه، طرحوا موضوعة " الهوية الثقافية العربية" و استفادوا منها في المواجهة الآيديولوجية مع " الغرب" مثلما استفادوا منها في تعضيد سلطتهم في البلدان التي توصّلت فيها الفصائل العروبية لسدة السلطة [ البعثيون في العراق و سوريا و " الضباط الأحرار" الناصريون و القوميون العرب في مصر و الجزائر و ليبيا و السودان ]. و ضمن صعود الرؤية العروبية للتحرر من الهيمنة الإستعمارية، تمكنت أنظمة الطبقة الوسطى العربية من إتخاذ أهم القرارات الإستراتيجية في تاريخ المنطقة بسبيل التخلص من قيود الهيمنة الأجنبية، مثل إعادة النظر في أسس توزيع عوائد النفط مع الشركات الأجنبية [ السعودية و الكويت ..]، أو حتى القيام بتأميم شركات النفط بالمرة [ كما في العراق 1972 و الجزائر و ليبيا]..
ومع تنامي المد العروبي داخل المجتمع العربي في مطلع السبعينات يمكن القول بأنه حتى البلدان العربية الأكثر محافظة مثل بلدان النفط [ المملكة السعودية و الكويت و بلدان الخليج ] اضطرت، تحت ضغط الرأي العام العروبي ، أن تساير موجة العروبة بشكل أنتج واقعا سياسيا جديدا على مسرح الصراع في الشرق الأوسط . و أفضل مثال على هذا الواقع السياسي المستجد هو ما عرف بـ " أزمة النفط لعام 1973 " حين قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول [ بالإضافة لمصر و سوريا] بإعلان حظر نفطي غرضه ممارسة ضغط على الدول الأوروأمريكية المؤيدة لسياسة إسرائيل لدفع اسرائيل للإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967. و رد حقوق الفلسطينيين.[1]. و رغم تباين الآراء حول الدوافع الحقيقية التي حفزت هؤلاء و أولئك للإنخراط في " حرب البترول " إلا أن الحاصل النهائي لتلك الخطوة غير المسبوقة كان كبيرا على الصعيد الرمزي،كونه طرح فرصة عمل سياسي وحدوي حقيقي يزرع الثقة وسط الجماهير العربية في إمكانية تحقيق اليوتوبيا القومية.
ضمن هذا الأفق التاريخي ظهرت حركة الفنانين العروبيين المشغولين بتعريف نوع من نظرية جمالية للممارسة الفنية تؤطّر لعمل الفنانين العرب من المحيط إلى الخليج. و في حجر هذه الحركة ظهر" الحروفيون العرب" كتجلّي تشكيلي عروبي حمل عبئه فنانون عرب من مختلف أنحاء البلدان العربية.
و لتعريف الحروفية بإيجاز، فليس هناك من هو أقدر من الكاتب و الناقد اللبناني العروبي " شربل داغر " ، وهو من أهم كتاب الحروفية في العربية . فقد أصدر داغر عام 1990 كتابا عن الظاهرة الحروفية عنوانه " الحروفية العربية ، فن و هوية "[2] . وفي كتاب أحدث عنوانه " اللوحة العربية بين سياق و أفق " [ 3] ، تساءل داغر: " ماذا نعني بالحروفية؟ " و أجاب :" تعني تاريخيا، منذ العام 1945 تحديدا، قيام عدد من الفنانين التشكيليين كمديحة عمر و جميل حمودي، ثم غيرهما منذ مطالع الخمسينات،في غير بلد عربي،و في صورة مستقلة في الغالب عن بعضهم البعض،و مستقلة كذلك عن اي دعوة حزبية أو آيديولوجية معروفة ، بالتعامل مع الحرف العربي كمعطى أو كمادة للتشكيل، على غرار ما سبقهم إليه غير فنان غربي تجريدي.أي أنها تعني فنيا ، حسب عبارة مديحة عمر، في بيانها الفني المؤرّخ في العام 1949 ،ـ و هو أوّل بيان حروفي عربي ـ أن تجعل من الحروف العربية " قاعدة" لرسومها التجريدية، أو هي . حسب جميل حمودي، تبعا للشعار الذي أطلقه في 1971،" الفن يستلهم الحرف". أو هي ، حسب بيان " تجمّع البعد الواحد"، بلسان شاكر حسن آل سعيد، " [ 4] إتخاذ الحرف الكتابي نقطة انطلاق للوصول إلى معنى الخط كقيمة شكلية صرف "[5].
و في هذا السياق كان من الطبيعي ان يفتتح البعثيون العراقيون في السلطة الفصل الأول في كتاب الرعاية الآيديولوجية للفن القومي.و لا عجب فقد كانت المؤسسة السياسية البعثية الحاكمة في عراق السبعينات، تحلم بقيادة الأمّة العربية نحو آفاق التحرر و البعث الحضاري مستفيدة من الموارد المادية و الامكانات الثقافية المتقدمة للعراق . في هذا المشهد إلتقى طموح الساسة البعثيين بطموح نفر من الفنانين العروبيين الذين كانوا مشغولين بأسئلة الهوية الجمالية ، ضمن ملابسات اغترابهم، الإرادي أو/ و القسري ، عن ما يدور وسط حركة الفنانين الأوروبيين . ثم وجدت هذه الحركة لنفسها اسما و أخذت تنتج أدبا يؤطـّر موضوع النظر في آثار " الحروفيين " باعتبارها صادرة عن عن خصوصية الأصالة الحضارية العربية. و في البداية تمتـّع الحروفيون الرواد بحظوة كبيرة لدى مؤسسة الرعاية السياسية الرسمية التي احتضنتهم و حمتهم كجزء من الجهاز الآيديولوجي لنظام قومي يعتبر نفسه قيّما على فكرة العروبة ، بماضيها المجيد و بمستقبلها الواعد. و في حالة حزب البعث صار الفنانون جزءا لا يتجزأ من جهاز البروباغندا القومية. و هي وضعية لم ينج منها أحد بحكم أن الدولة و حزبها الواحد و مؤسساتها الرسمية كانوا في موقف الراعي الأوحد في مواجهة الفنانين. في إطار هذا التعاقد غير المتكافئ بين الفنان و مؤسسة الرعاية السياسية ينتظر الراعي من الفنان المساهمة في رسم صورة للواقع تنسجم مع المشروع الأيديولوجي الرسمي . و ضمن هذه المطالبة يخاطب الفنان الجماهير باسم مؤسسة السلطة، سيان في ذلك الفنان الذي يستبطن قناعات السلطة أو ذلك الذي ينتحلها نفاقا..و لقد فاقمت ظروف حروب العراق ضد إيران [ 1980 ـ 1988] من حالة التردي على صعيد شروط العلاقة مع مؤسسة الرعاية الرسمية كون السلطة الحاكمة ، التي كانت توجه إمكانات البلاد نحو أولويات المجهود الحربي، متمثلة في تمجيد الحزب و تكريس الرئيس القائد صدام حسين كبطل لأمّة العرب. و لقد ابتذلت بروباغندا صدّام حسين حلم الفنانين العروبيين و انحطّت بمعارفهم و خبراتهم و كرامتهم و مسختهم لمجرد مصفقين يكسبون رزقهم من صناعة المديح و التطبيل لسيادة الرئيس القائد.
مع حلول " حرب الخليج الثانية" بعدغزو العراق للكويت [ 1990ـ 1991] دفن العرب جنازة الحلم العروبي و دخل المجتمع العربي في فضاء حيرة سياسية و رمزية جعلته ينكفئ على الدين كآخر خط دفاع متاح قبل الإجتياح البربري الوشيك لثقافة العولمة الرأسمالية. و في مثل هذا السوق" الحربي" كسدت بضاعة التشكيليين العروبيين، و حلت مشاعر الخيبة و الإحباط محل التفاؤل و الحماس الذي شغل خواطر الفنانين الحروفيين الذين استكانوا لأكثر من عقد في حمى السلطات السياسية قبل أن تنفض هذه السلطات يدها من اليوتوبيا العروبية.
ضمن فوضى الزلزلة المتكاملة التي ألحقتها" حروب بترول الشرق الأوسط" بالمجتمع العربي صعد نجم الأسلمة و تبارى الجميع في رفع المصاحف على اسنة الرماح ، لا طلبا لهدنة أو حقنا لدماء المسلمين، و لكن لإستقطاب الجماهير المسلمة للمشروع السياسي لهذا التيار أو لغيره من الفرقاء المتناحرين. ترى هل يعني إنفضاض المحفل العروبي نهاية الظاهرة الحروفية في مشهد التشكيل؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه من خلال فحص الإجتهادات الساعية لتخليق فن تشكيلي إسلامي و معاصر لعناية مليار من المسلمين المقيمين في فضاء العولمة الواسع.
سأعود


///////////////////////////////////// /
[1] الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/1973_oil_crisis

[2]شربل داغر، الحروفية العربية فن و هوية. نشر شركة المطبوعات للتوزيع و النشر، بيروت، 1990.
[3]شربل داغر، اللوحة العربية بين سياق و أفق. صدر عام 2003، عن دائرة الثقافة و الإعلام، المركز العربي للفنون ، ضمن مطبوعات بينالي الشارقة الدولي للفنون. ص 124.
عن مديحة عمر انظر نص عادل كامل في الرابط
https://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=13174
و انظر مستنسخات من أعمالها في الرابط
https://www.iraqfineart.com/photo/22125554-798.jpg
عو جميل حمودي انظر الرابط
https://www.iraqfineart.com/baio.php?recordID=140
عن شاكر حسن آل سعيد انظر الرابط
https://universes-in-universe.org/ara/na ... aid/photos

[5]داغر ، نفسه.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ماذا تبقـّى من الحروفية ؟ 1

مشاركة بواسطة حسن موسى »

هذا النص جزء من دراسة في مآلات التجربة الحروفية العربية كنت قد انشغلت بها في التسعينات و نشرت منها بمساعدة الصديق أحمد المرضي في صحيفة " الرأي الآخر " التي كانت تصدر في الولايات في التسعينات ، ثم صرفتني أمور الدنيا عن الهم الحروفي حتى صعّدته تفاكير " جنازة الخط " الأخيرة فعنّ لي إثباته في هذا الخيط لمنفعة المتابعين.




جنازة الخط 5
ماذا تبقى من الحروفية العربية؟ [ 1]

ضوء نجم أفل:
أكثر من ربع قرن انقضى على انبثاق حركة التشكيليين الحروفيين بين أقاليم المحيط و الخليج،و اليوم حين يتأمّل المراقب الناقد مسار الحركة الحروفية العربية فهو يراها طرحت ملامحا تتشابه ـ عند الوهلة الأولى ـو تتباين ، و قيل تتناقض ، لدى النظر المتأني، بين هؤلاء و أولئك من المتحلقين حولها ، ضمن الفعاليات الثقافية لهذا البلد أو ذاك.فهي ظاهرة يتعذر الإحاطة بها بصيغة الإفراد حتى بين فناني البلد الواحد. ذلك أن الحروفية ، في نهاية تحليل ما ، ماهي سوى شكل مسلكي يتيح لمن ينتحله التعبير عن الموقف الذي يتبناه عند تقاطع الفن و السياسة.
و اليوم إذ ينحسر المد الحروفوي العروبي في رزانة تامة عن ساحة الخلق التشكيلي العربي ، يهلُّ في المشهد الفني جيل جديد من التشكيليين العرب الذين يعالجون التجربة الحروفية كمجرد إحتمال في الرسم و ليس كـ " كل " الرسم.وسط هذا الجيل مبدعون يستحقون الإهتمام و النظر المتأنـّي بحكم تميّز منظورهم الجمالي و إختلاف غاياتهم الإبداعية عن ابكارهم من جيل " المخضرمين " [ تقول العرب :" شاعر مخضرم " و هو من مضى شيئ من عمره في الجاهلية و شيئ في الإسلام.أو " بعير مخضرم " و هو ما قطع طرف أذنه، و بعض الحروفيين شاعر و فيهم البعير، و لذا لزم التنويه بمراعاة صيغة الإفراد في مقاربة مساهمات الحروفيين ].
أقول: إن التبصّر المتأنـّي في تجربة الجيل الثاني لا يكون ما لم يتم تمحيص التركة الحروفية الثقيلة التي اختلط فيها الغث و الثمين ضمن ملابسات تطفـّل السلطات في شئون التشكيل و تواطؤ بعض الحروفيين مع أنواع الغوغائيات ذات المردود السياسي العاجل.و مثلما يذهب الزبد جفاءا، فإن انحسار الموجة الحروفية في بحر التشكيل العربي المعاصر كشف وراءه عن بعض الأصوات الأصيلة المميزة التي بقيت مموّهة زمنا وسط ضجيج الزفـّة الثقافية الرسمية. بضعة عشرات من التشكيليين المشتتين بين حواضر العالم العربي و بعض المدن الأوروبية ، و الذين ، لسبب أو لآخر ، رهنوا تجاربهم بسعة الماعون الجمالي المتواضع للحركة الحروفية العربية ، قبل أن يمكنهم إنحسار الموجة من الكشف عن معدن المبدع الذي اضطرته ملابسات الواقع السياسي العربي لممارسة الخلق التشكيلي في فضاء الأقلام الستة .هؤلاء الفنانون المتفردون يستحقون مقاما بحثيا يليق بأصالة خلقهم.
و في هذا الأفق لا يهمنا كثيرا سؤال الموثـّق الذي لا ينجو منه مؤرخ حروفي: " من كان أول الحروفيين؟ فلانة العراقية؟ أم علان اللبناني؟ أم فلتكان السوداني؟ "، بقدر ما يهمنا سؤال الناقد :" من أعطى للحروفية العربية ثقلها الجمالي كمساهمة ابداعية ضمن المشروع التشكيلي المعاصر؟ ". السؤال الثاني سؤال جوهري، الإجابة عليه تفرض تفحّص الخلفية الإجتماعية للإجتهاد الجمالي المعاصر في العالم العربي ، بما يمكـّن من موضعة كل مساهمة في مكانها المناسب ضمن بنية الحركة التشكيلية في العالم كله، بما فيه "العالم العربي". ذلك أن حركة التشكيليين العرب إنما تنخرط ضمن حركة الثقافة المعاصرة كأحد تعبيرات دياليكتيك النفي و الإثبات بين " الشرق" و " الغرب"، بين المركز [ "مين ستريم" ] و الهامش ، و لو شئت قل: بين " الشمال" و " الجنوب"!. من هنا ندخل على تركة الحركة الحروفية العربية من خلال مساهمات بعض الحروفيين العرب المخضرمين ، و قد ننتفع ، عند الضرورة، بالإلتباس الواقع على معاني " الخضرمة " بين الشاعر و البعير و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
على أنقاض الغرب !
و رغم أن الحركة الحروفية كانت قد بدأت تعبّر عن نفسها كهم جماعي ذي نبرة قومية، على نحو غير منتظم، مع نهاية الخمسينات، و بالذات وسط بعض التشكيليين المشارقة، [ مديحة عمر و جميل حمودي و أدهم اسمعيل .. ] ، إلا أن ادب الحركة الحروفية دأب على إحالة المشروع التشكيلي للحروفيين إلى مباحث الهوية القومية العروبية بشكل تلقائي، بالذات بعد هزيمة 1967.و لم يخطر ببال أحد أن الخيار الحروفي للفنان العربي يمكن أن يعبر عن مجرد افتتان شكلي يالطبيعة الجمالية للكتابة العربية، دون أن يكون للأمر علاقة بمشروع "بعث" نهضوي يطال الأمة العربية جمعاء بوسيلة التشكيل. و أغلب الظن أن الهم الحروفي كشاغل جمعي انفرض على الفنانين من طبيعة المناخ التحرري العروبي السائد في سنوات النضال من أجل التحرر الوطني. و بعض الفنانين كانوا أسبق من الناشطين السياسيين على الإهتمام باستلهام التراث المحلي كمخرج من أزمة الهوية الثقافية بين التبعية و الأصالة.أو كما عبّر الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد في " بيان جماعة البعد الواحد ":
"بالنسبة لنا كمستلهمين للحرف في الفن فإن موقفنا سيعتمد على إدراك هوية التراث العربي الراهن الذي نضعه عبر اقتباس أهم عنصر من عناصرنا الحضارية و الفكرية ، ألا و هو الحرف العربي..". [1] في تلك اللحظة الحرجة من تاريخ مجتمع خارج من هزيمة عسكرية و سياسية كانت بمثابة التعبير الصارخ عن الهزيمة الحضارية المتواصلة التي ظل يكابدها المجتمع العربي منذ فجر الغزوة الإستعمارية، يعرّف شاكر آل سعيد الدور المناط بالفنانين العرب بأنه " هو وضع اللبنات الأولى لمدرسة معاصرة في الفن العربي تعتمد على استلهام الحرف " .
كانت العودة إلى التراث في أفق حروفيي مطلع السبعينات تعني هزيمة الهزيمة و بعث الأمة على أنقاض الحضارة الغربية الآيلة للسقوط .كانت تلك نسخة حديثة من حرب الشرق و الغرب، و كان ذلك وقت شهدت فيه الطبقة الوسطى المدينية ، و لأول مرة، إنسجاما نسبيا بين خطاب مثقفيها و خطاب حكامها !. و على صعيد التعبير الجمالي انخرط جل الحروفيين في مشروع تهجين" الأصالة العربية" بـ " المعاصرة الغربية" و ما ترتب عليه من محاولات استعادة " تجريد الفن الإسلامي" من سطوة الفن التجريدي الغربي، لغاية ظهور حمّى " الفولكلور" و ما صاحبها من أعراض" تطوير" "فن الشعب" برسم استهلاك صفوة الحواضر العربية التي تحلّ محل الشعب كما يحل نائب الفاعل محل الفاعل!

قيامة الغرب و .." غرابة القوم "!
كان وقتا استشرت فيه النبوءات الثورية الكاذبة حول الإنهيار الوشيك للحضارة الغربية و حتمية بعث الحضارة الشرقية على أنقاضها، و ذلك باب مشهود في نمط " الفكر القياموي" الذي لا يطيق الشرق إلا على أنقاض الغرب أو العكس! و أتباع " نوستراداموس"، الفلكي الفرنسي صاحب اشهر النبوءات القياموية في مطلع القرن السادس عشر ، ما زالوا ينشطون عند كل منعطف مهم للصيرورة الحضارية للمجتمع الإنساني و يجددون ادبيات الكارثة بحماس مشهود.
إن إلتفاتة الفنانين الأوروبيين نحو فنون الشرق العربي [ من دولاكروا لماتيس لبول كلي ] ألهمت القائمين على الشأن التشكيلي العربي استنتاجا غريبا فحواه أن في الأمر إرهاص بموت الحضارة الغربية، أو " إحتضارها" على الأقل.و ذلك ضمن أمل، و قيل ضمن " خطّة" ،بوراثتها ـ بالتي هي أحسن ـ و احتلال أرضها و بعث النهضة العربية على أنقاضها. و حين لا تؤدي نبوءات القيامويين الشرقيين بالغرب إلى الإنهيار المادي الفعلي، فالقوم غالبا ما يقنعون بشيئ من "الإنهيار الروحي" للحضارة الغربية ، و ذلك أضعف الإيمان.
إن قيامة الغرب الروحية المزعومة تلهم منظـّري التشكيل العربي المعاصر نوعا من الرضاء الذاتي فحواه أن الغرب بعود ـ في النهاية ـ إلى فضيلة الحق الثقافي العربي الإسلامي.[ هذا الحق العربي الذي ضاع مع الأندلس !]، و ذلك بقرينة الإستلهام الغربي من الفن العربي [ مختزلا إلى إحتماله الكتابي" الخطوطي " ]. و يشير الشاعر و الناقد " بلند الحيدري" في كتابه " زمن لكل الأزمنة" [ 2] ، المكرّس للتشكيل العربي المعاصر ، يشير إلى " ما كان يختمر في الغرب من نزوع إلى استلهام فنون الحضارات الشرقية القديمة و العربية و الزنجية لغناها التعبيري " ، و ذلك ضمن قناعة لا تتزحزح بقرب القيامة الروحية للغرب. اعتمادا على " حس من أدرك من فناني الغرب بأنهم مواجهون بضياع كبير بعد ان استنفذت حضارتهم كل ذخيرتها، و أن عليهم أن يبحثوا عن معين جديد، و أن يتجنوا بأنظارهم صوب الشرق " .و عودة التشكيليين الغربيين إلى حظيرة الشرق ، إقرأ: حظيرة الخط ، تضمر موقفا عربيا احتيازيا من تجرية التشكيل الحديث في أوروبا. و ذك من خلال إحالة التيار التجريدي الأوروبي إلى باب التجريد في الفن العربي الإسلامي، على زعم أن التجريد العربسلامي السابق بقرون إنما تخلـّق كنتيجة منطقية للحظر الديني للتصاوير [ و هو زعم متنازع عليه سنعالجه في مقامه ]. و بالتالي فإن التشكيلي الحروفي العربي المعاصر حين يستلهم الحرف العربي ، على نهج فناني الحداثة التجريدية في الغرب ، فهو في موقف من يستعيد حقا فقده ، أو كمن يدخل بيته بعد غياب طال في تلافيف تعاليم الرسم التمثيلي الأوروبي.و يكتب شربل داغر الشاعر و الناقد في كتابه " الحروفية العربية " أن " مارك توبي مثل هنري ميشو أو بيرنار كينتين أو براين جيزين، زاروا البلدان العربية المغاربية خصوصا لمعرفة مقرّبة من الخط العربي".." و قد اقتبس الفنان الأمريكي [ براين جيزين] الشكل الدائري للوحة من الشرائط الكتابية العربية الموجودة في العمائر الدينية خاصة ، حيث يضطر المشاهد/القارئ إلى الدوران لملاحقة عملية الرؤية/ القراءة." [ 3].
و يبدو أن واقع الإهتمام "الغربي" بالخط العربي يسوّغ لشربل داغر ، و لغيره ، التساؤل حول مشروعية سفر التشكيليين العرب للغرب اصلا ، بدافع طلب المعرفة. إذ كل شيء موجود هنا [و " زيتنا في بيتنا "]! :
" و لماذا الهجرة إلى ميونخ و باريس و فلورنسا من تونس و القاهرة و بغداد لتجديد فنهم ، خاصة و أن دوافع هذه الهجرة هي تعلّم أسباب هذا الفن "!.
و في حالة الحروفي التونسي " نجا المهداوي" [ من مواليد 1937]،فالموقف الإحتيازي من الفن الأوروبي المعاصر يشمل، بجانب الخط العربي ،[ المزعوم في اصل التجريدية الأوروبية]، الفن الزنجي [المزعوم في أصل التكعيبية ]. يقول المهداوي في الكتاب المكرّس لفنه، و الذي قدّم له الكاتب التونسي عز الدين المدني، و الكاتب الفرنسي إدوار جي مونيك ، يقول :
" أنا إفريقي و عربي و من الطبيعي أن رسمي يعكس بعضا من ذلك. و لكن من أين التقط " بيكاسو" و " براك " و " كلي" علاماتهم التشكيلية ليثوّروا فن التشكيل الغربي إن لم يكن من عندنا في إفريقيا ؟".[4] .
أما التشكيلي السوري " أدهم اسمعيل "[ 1923ـ1963] ، فهو يؤكّد أن منطق التجريد قد تحقق في تراثنا الفني العربي قبل ان يعرفه الغرب بمئات السنين " [ 5] بينما يصرّح مواطنه الفنان " محمود حماد" [ من مواليد 1925] منافحا عن التجريدية " المحلية" :
" أن الخط العربي عنصر تشكيلي و تجريدي يمكن الإعتماد عليه لإنجاز أعمال فنية تستند إلى عنصر من تراثنا ، بدل الإعتماد على الأشكال التجريدية المحضة المستخدمة في الفنون الغربية " [6]
إن مشكلة الحروفيين العرب تتلخص في كونهم يتنكبون مهمة تراجيدية ـ إفرأ " مستحيلة" ـ هي مهمة مصارعة طواحين العواء" الغربية" بغاية تأسيس قرائن هوية ثقافية قومية تصالح بين الماضي العربي " المجيد" و المضارع " الغربي" المريب ، ضمن طموحات الطبقة الوسطي و أحلامها بالقوامة التاريخية على أمّة العرب.ذلك أن المشروع الجمالي العربي عندهم لا يستقيم بغير استحضار مرجع الغرب الأوروبي : ضد الغرب أو ـ و ـ بالمقارنة معه في آن. ذلك الغرب الأوروبي الذي فجّر وجوده كـ " غرب الشرق" منذ اللحظة التي هيمن فيها الأوروبيون على الشرق قبل الرأسمالي و ألحقوه ، بشكل نهائي ، ببنى السوق الرأسمالي. من حينها فلا شرق و لا غرب إلاّ كنجمين أفلا لكن ضوء كل منهما يسافر مبذولا لمن يستطيع إليه سبيلا.
إن تجربة التشكيليين الحروفيين الأوروبيين تتميز بكون روادها تمكنوا من الإستهداء بضوء ذلك النجم الشرقي البعيد و انتفعوا به في دفع المشروع الجمالي الغربي خطوات في مضمار الصيرورة الحضارية.
فماذا فعل الحروفيون العرب بأضواء كل تلك النجوم المبذولة من غرب الشرق لشرق الغرب ؟
سأعود

:::::::::::::::::::::::::::::::::: /
[1] شاكر حسن آل سعيد، بغداد، 1971. أورده شربل داغر في " الحروفية فن و هوية "، بيروت ، 1990.

[2] بلند الحيدري، زمن لكل الأزمنة،نظرات و آراء في الفن. نشر المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت،1981
[3] داغر، الحروفية فن و هوية.
[4] نجا المهداوي، تقديم عز الدين المدني و إدوار جي مونيك.
دار سراس للنشر بتونس، 1983 , ص 6 من تقديم مونيك.
لمشاهدة آثار مهداوي أنظر رابط موقعه في
https://www.nja-mahdaoui.com/gb/ouvre_de ... 3&id_col=1

[5] داغر، الحروفية العربية.
[6] داغر ، نفسه.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط..6

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 6

ماذا تبقـّى ؟
تساءلت: ماذا تبقى من تجربة الحروفيين العرب الرواد اليوم، و قد انقضت عدة عقود على ميلادها في محافل الثقافة العربية المدينية؟
في نظري [ الضعيف ] أقول : لقد بقي منها الكثير الذي يستحق النظر النقـّاد . و رغم أن نفر من غلاة الحروفيين السابقين تنكروا لها بعد ان فقدت ألق الجدّة الأوّل ، فإن أهم ما يحسب للحركة الحروفية هو كونها طرحت مشروعية البحث في التشكيل بذريعة الكتابة العربية. و قبول ذريعة الكتابة العربية فتح الباب واسعا أمام الجيل اللاحق من التشكيليين العرب لمباشرة البحث التشكيلي بذرائع أخرى أبعد ما تكون عن الخط العربي . و هي ذرائع ربما وجد الجمهور العربي صعوبة في قبولها في ظروف التلقـّي السابقة للحروفية العربية التي لم يكن الوعي بمبدأ " البحث " واردا في منظورها للممارسة الجمالية . و المغامرة الحروفية في هذا المشهد تبدو كقطيعة مع جمالية الرسم الإيضاحي التي صانها تقليد الرسم المدرسي الأوروبي منذ القرن الرابع عشر. بيد أنها قطيعة لا تنجو من شبهة لبس أخلاقي غميس كونها قطيعة انزلق إليها قوم كان طموحهم صيانة تقليد الأسلاف من فوضى الحداثة و حماية "الحداثة " من وطأة "التقليد " . و أنا أضع عباراتى:" الحداثة" و "التقليد" بين الأهلّة عامدا حتى يتيسّر لي براح استطرد عليه بعضا من معاني الإلتواء المفهومي اللاحق بالمصطلح.
على هذا أقول بأن الجيل اللاحق لجيل تشكيليي الحروفية قد توصّل لتجديد التجارب التشكيلية المطروحة في التسعينات من درب التجربة الحروفية و إن غاب الحضور البصري للخط العربي بين مفردات لغتهم التشكيلية الجديدة .أقول قولي هذا و في الخاطر تجارب جسورة لم تكتف بمغادرة الأرض الحروفية وحدها بل غادرت اقليم اللوحة كله ، مثل تجارب " زين " المغربي في المزج بين التلوين و الفعل المشهدي " هابيننغ] حين استفاد من طقس رقص الجذب التقليدي عند " قناوة " المغرب كمسند لـ " عرض" التلوين الجسدي. أو تجارب حسن شريف الأماراتي الذي يوجّه بحثه وجهة استكناه الأسرار المودعة في متاع الحياة اليومية. تلك الأسرار التي يكشف عنها الشيء لمجرد كونه يبدّل من السياق الذي يؤطّر وجوده ضمن الواقع المألوف.و قد نبّه الباحث الدكتور عبد الكريم السيد للقرابة الجمالية التي تربط عمل حسن شريف بالفنان الفرنسي " مارسيل دوشان " في كتابه " مرايا و ظلال" حين كتب :
".. ليس عبثا ما يقدمه حسن شريف من أعمال فنية، بل تحطيما للوحة التقليدية و خروجا عن النمطية التشكيلية المدرسية ، و محاولة لإخراج ما في اللاوعي إلى الوجود بالإضافة إلى اللذة الذانية التي تتحقق من خلال القيام بالعمل نفسه " [1]
غير ذلك فإن ما يبقى من الحركة الحروفية هم الحروفيون " المخضرمون " أنفسهم . و ذلك على تباين خضرمة كل ، بين الكتاب الذين ضلوا السبيل لأرض الرسم و الرسامين الذين كتب عليهم أن يخوضوا في بحر الكتابة وصولا لبر الرسم .الكتاب قعدوا عند حدود النصوص الأدبية يحتفلون بالحرف العربي استنساخا و يجعلون منه غاية في حد ذاته. بينما انطلق الرسامون في ما وراء الكتابة النصوصية و اتخذوا من الحرف العربي مدخلا لملكوت الإختراع الغرافيكي و لهم في ذلك منفعة فريدة تغنيهم عن غيرها . و بين أهل الكتابة و أهل الرسم تمتد أرض الأمور المشتبهات التي تمور بالحيارى و السكارى و السحرة و الكَجـَرَة و سلالات الغيلان و السعالي المتحالفة مع الرعاة الآيديولوجيين .. و الله أعلم بما ينتفع به كل !

منافع الكتابة العربية
كانت العودة للتراث في أفق حروفيي السبعينات تعني الخروج من الأزمة الحضارية، فعادوا، لكن الأزمة ظلت جاثمة حيث هي!. لقد تنكّب الحروفيون مهمّة في جسامة الخروج بالمجتمع العربي المعاصر من أزمته الحضارية ، و غاب عن خيالهم الطبقي، خيال صفوة البورجوازية الصغيرة العربسلامية ، أن العودة للتراث لا تقتصر على تراث اسلاف العرق و العقيدة دون غيرهم. العودة للتراث لا تؤدي ما لم تشتمل على جملة تراث الإنسانية الذي يبذله التاريخ لمن يطيقه. و غاب عن فطنتهم الصفوية ـ أن القيام بأعباء تلك المهمة الجليلة يقتضي من الإمكانات ما يتجاوز الوسائل الفكرية و المادية المتواضعة التي في متناول الجماعة التشكيلية وحدها. و في مسد الأزمة انزلق أغلب الحروفيين في عُصاب الهويولوجيا و انكفأوا على مبحث المكونات الخصوصية لجمالية عربية غامضة يميزون عليها فنون العرب عن فنون الغير.و " الغير " تقرأ "الغرب الأوروبي" ، ذلك أن المقارنة ، مضمرة أو معلنة، إنما تفترض الغرب الأوروبي مرجعا أعلى ، سواء من موقف المضاهاة أو من موقف التضاد و الرفض. و لعله من الأمور التي تستحق التأمّل كون مشروع بناء الهوية الجمالية العربية إنما يتم انطلاقا من فرضية حضور النموذج الغربي الأوروبي ، ضربة لازب ، في اساس الفكرة القومية ، سواء اتصف هذا الحضور بصفة السلب أو بصفة الإيجاب.و أن مراجع النماذج الحضارية غير الأوروبية ، كالحضارات الهندية و الصينية و الهندوأمريكية ،غابت عن مباحث الهوية في مضمار التشكيل العربي. و إذا كان بعض الفنانين الأوروبيين قد تمكنوا من تخصيب تقليد الفن الحديث بما استجلبوا من تقنيات و مفاهيم طلبوها في تقاليد الفن الصيني و الياباني أو الإفريقي فهذه الوجهة ظلت زاوية عاطلة في منظور الإستلهاميين العرب الذي تميز بنظرة آحادية لا تسع ما هو خارج حقل الموضوعات الأوروبية.
ترى هل هي مصادفة بريئة كون معظم الحروفيين العرب يميلون لنسيان أو تجاهل الربط بين تجاربهم الحروفية و تجارب الحروفيين الأوروبيين الذين سعوا لإستقصاء القيم التشكيلية في الكتابة [ شرقية كانت أو غربية]؟ و هل هو موقف بريئ ذلك الموقف الذي دأب على استبعاد مساهمات الفنانين الأوروبيين في إثراء الإشكالية الحروفية عن مساحة البحث التشكيلي في الكتابة العربية لمجرد جهل الأوروبيين بالمعاني الأدبية للنصوص المكتوبة بالعربية أو جهلهم بالمحمول القدسي لعلامات الكتابة العربية المطروحة على المسند المادي بذريعة الإعتقاد الروحاني ؟
و حتى حين يعترف الإستلهاميون العرب بأفضال الحروفيين الأوروبيين ضمن المشهد العام للإشكالية الحروفية ، فهم يميزون استجابة الفنان العربي و يصعّدونها لمقام أعلى قدرا من مقام استجابة الفنان الأوروبي.
لقد جاء في بيان صدر بمناسبة انعقاد" المؤتمر الأول للفنانين التشكيليين العرب "، و المنعقد في بغداد بيت24 و 30 أبريل 1973، : " .. نؤكد نحن الفنانون الذين نعنى باستلهام الحرف في الفن على تحقيق الكشف عن كيان الحرف العربي و الكتابة " .." معتمدين على تطلّعاتنا الفنية المعاصرة".." و أن استلهام الحرف في الفن قد اكتشفت أهميته مجددا في مطللع القرن العشرين بحيث استلهمته بعض المدارس الفنية العالمية ، كالتكعيبية و المستقبلية و التجريدية التعبيرية و السوريالية ".." إلا أننا نعتقد أن الفنان العربي أقدر من سواه على استيحاء ابجديته، و ذلك لأن الرصيد الحقيقي للحرف هو خلفيته اللغوية ، و مناخه الإجتماعي و الإنساني و الروحي و العاطفي ، و باختصار فإن شروط وجوده هي شروط وجود الإنسان العربي، أي أن المتكلم و الكاتب باللغة العربية يظل أقرب إلى إدراك الحرف العربي من الذي يجهلها " [ 2].
هذا الإستحواذ الإحتكاري للكتابة العربية ، رغم مجانبته الغليظة للحس السليم و لأبسط بديهيات الفكر، حين يمسخ اللغة العربية من حال الكائن الثقافي الحي المنفتح على التبادل الحضاري، إلى حال الملكية العقارية لسلالة الناطقين بالضاد، إنما ينطوي، بالنسبة لغلاة الإستلهاميين الحروفيين، على منفعة الإنخراط في الإستقطاب العروبي الغوغائي للمؤسسة السياسية المهيمنة، و هي مؤسسة كوّنت رأسمالها السياسي في سوق القومية العربية الممتد بين الخليج و المحيط .
إن تحديد خامة الحروفي المعني بالبحث الجمالي في الكتابة العربية ، باعتبارها لغة فنية قاصرة على العرب دون غيرهم، إنما يطرح مخاطر عزل العرب عن تراث المعرفة الإنسانية المتحقق خارج حدود العربية، و ذلك لمجرد أن حفنة من الحروفيين العرقيين العرب يرغبون في قطع أواصر قرباهم مع رواد الحروفية الأوروبية ، و الإستفراد بلقيّات البحث الحروفي إرضاءا للغوغائية القومية و مداهنة لفساد أدب الراعي العربي الجاهل . ترى ما الذي يجعل ناقدا في فطنة الكاتب العراقي بلند الحيدري ينساق وراء الإستنتاج المستعجل محيلا الخصوصية الجمالية للحروفيين العرب إلى نوع من امتياز لغوي عربي غامض ، حين يكتب :
" الخط العربي في رحلته الثانية التي شملت كل أجزاء الوطن العربي ".." يسعى لأن يقوم في كل بقعة ".." بمغزى من خصائصه في الحرف المتنوع الأشكال، و في الكلمة العربية المتميزة بقدرتها على تغيير مضمونها ضمن تغيير مواقع حروفها ، و عبر تركيب اشتقاقي و في الجملة التي توسع للمحتوى الأدبي و الفكري أن يلج العمل التشكيلي و يعمّق من امكانيته التعبيرية ، و ذلك تأكيدا لخصوصية فنانينا في هذا المجال، فيكون لهم أن يتجاوزوا نزوع الفنانين الأوروبيين القائلين باعتماد الحروف في أعمالهم " [3] . و من كلام الحيدري يفهم القارئ العروبي أن الكتابة العربية تمتاز على الكتابات الأخرى بطاقتها التعبيرية الخاصة ، وأن اللغة العربية بفضل قابليتها لإستيعاب التراكيب الإشتقاقية على ألاعيب "الجناس التصحيفي" [ المعروف عند الاوربيين ب الـ " آناغرام " ] تتميز على غيرها باستيعاب التشكيل في مقام تعبيري مزدوج لغوي و بصري !
و بلند الحيدري، الناقد و الكاتب الواسع الإطلاع ، هو أول من يعرف أن لا مجال للمفاضلة بين اللغات ، مثلما لا مجال لتخصيص العربية بأمور موجودة بالتوازي في معظم اللغات الأخرى ،و لا عجب، فمثل هذا الهراء كان بضاعة رائجة في بروباغندا البعث العراقي في تلك السنوات ، و بلند الحيدري ليس " شي غيفارا" النقد العربي و "المعايش جبارة " كما تعبّر حكمة الأهالي.
كانت الكتابة العربية إذن خير مطيّة نحو الخصوصية الجمالية العربية، إنها علامة العروبة و وسمها و دليلها الدامغ ! نوع من قنطرة مأمونة للمراوحة بين الماضي و الحاضر، قل بين الماضي العربي المجيد و الحاضر المزري الواقع سجالا بين الشرق و الغرب، و لو شئت تفصيلا فقل: بين شرق ما قبل رأس المال و غرب رأس المال الحديث. كانت الكتابة العربية في لوحات الحروفيين العرب بمثابة مربط نهائي لأفراس الشرقيين و الغربيين المشغولين بتكريس الشرق شرقا عاطفيا و الغرب غربا عقلانيا فلا يلتقيا فيما زعم شعراء آيديولوجيا الإستبعاد العظام من شاكلة " كبلنغ" و " سنغور ".
كانت الكتابة العربية في أفق منظري الحروفية ، عربا و أوروبيين، مساحة مأمونة للتواطوء الفكري الرامي إلى تقييد نتاج التشكيليين العرب المعاصرين على وتد العرقية الثقافية البائس. فالناقد الحروفي الشاعر " بلند الحيدري" [ تاني!] لا يتورّع عن نصرة الحروفية العربية بشهادات النقاد " الغربيين" [ نتاج نفس الحضارة الغربية الآيلة للسقوط !]، و ذلك بغاية تكريس كتابة العرب كـ " ماركة مسجلة " للجمالية العربية حين يكتب :
" برحل الخط العربي اليوم عبر لوحات فنانينا بمعنى جديد في الرؤية " .." حتى كاد ان يقوم ظاهرة بيّنة تجمع فنانينا و تغذي طموحاتهم في العمل به ، و هو ما أشار إليه غير واحد من النقاد الأوروبيين.. فـ " سيجريد كاليه " تصف هذه الظاهرة غب حضورها معرض السنتين الذي أقيم في بغداد عام 1974 قائلة :[ من جميع ما شاهدته في البينالي العربي لم أجد إنتاجا يفصح عن مصدره العربي و ينطق به إلا ذلك الإنتاج الذي يتصل باللغة ، أي يتخذ من فنون الخط العربي و الحروف مادة له ]، و يمتد هذا القول عند " روبير فرنيا" إلى الدلالة المعنوية لتجربة فنانينا :[ حيث أصبحت الكتابة تخفق فيها الحياة ".." مما يمكن للخط الكوفي أن يتخذ ألف شكل و شكل و أن يعطي ولادات جديدة لأساليب عديدة للوصول إلى حيث تصبح القراءة في المستحيل و تصير الوظيفة الزخرفية عملية تأملية أو تربوية قريبة من الصلاة] " [ ص 146].
لقد انطلق الحروفيون وراء الكتابة العربية لا يساورهم أدنى شك في استوائهم على جادة "الخط "، خط البروباغندا القومية الرسمي الذي يؤدي بمن يتبعه من " القومي " إلى " العالمي" و بالعكس..! لكن المشكلة مع الحروفيين العرب هي أن أرض البحث الحروفي لم تكن أرضا بورا تنتظر بذار حروفيي السبعينات القادمين من ربع الخراب السياسي العربي الذي توجته هزيمة 1967 ! على العكس كانت حركة التشكيل في الشرق الآسيوي و في الغرب الأوروبي قد طرحت تركة حروفية عظيمة لا سبيل لتجاهلها، و هي تركة ، على اختلافاتها شرقا و غربا، تميزت بتموضعها ضمن دياليكتيك الكتابة و الرسم. الكتابة كرسم قوامه قوامه الدلالات الأدبية و الرسم ككتابة قوامها الدلالات التشكيلية [4].
فماذا فعل الحروفيون العرب بهذه التركة التي أورثنا اياها تاريخ حركات الرسم في مشارق الأرض و مغاربها؟ إنهم ببساطة تجاهلوها! لقد تجاهلوا حروفية الشرقيين مثلما تجاهلوا حروفية الغربيين، و استقلوا الطائرة في الدرجة السياحية ليكتشفوا الدنيا الجديدة بعد قرون من رحلة "كولومبوس" . بل أن بعضهم حين اكتشف أن " كولومبوس" قد وطأ ارض الدنيا الجديدة قبلهم لم يتورع ، ربما تحت تأثير حمى الفكر البوليسي العروبي ، من اتهام "كولومبوس" بسرقة اكتشاف الدنيا الجديدة بأثر رجعي! أو كما جرت عبارة الفنان التونسي " عبد الحميد عمّار" :
" الفنانون الغربيون سرقوا الكثير من تراثنا، و لقد أحسنوا السرقة و أحسنوا ايضا في استغلال هذا التراث العظيم في نهضة فنونهم، فالأساليب الغربية الجديدة الناجحة استنبطت من الزخرفة العربية الإسلامية .. و من فنون الخط العربي ". طبعا البون شاسع بين مستوى حديث فنان كعبد الحميد عمار و مستوى حديث فنان آخر من شاكلة شاكر حسن آل سعيد حين يتصدى كل منهما لمعالجة اشكالية التراث التشكيلي العربي. و كون كلاهما منخرط في الزفة الإستلهامية على متاع نقدي غير متساو فهذا الأمر يردنا إلى أن السؤال الحقيقي ليس في كون فلان منخرط أو غير منخرط في الزفة التراثية، و لكن السؤال الحقيقي يبقى بأي مكيدة نقدية ينخرط فلان أو علان في اشكالية التراث ؟و هذه الطريقة في مقاربة تجارب الحروفيين تردنا إلى ضرورة النظر في حصيلة المباحث الحروفية العملية و النظرية بصيغة الإفراد .و هذه هي الطريقة الوحيدة لفرز الحابل من النابل و صيانة حقوق الأفراد المبدعين الغارقين في لجة الغوغائية الإستلهامية و البروباغاندا السياسية.
سأعود

:::::::::::::::::::::::::::::: :

[1] عبد الكريم السيد، مرايا و ظلال، قراءات في الفنون التشكيلية في الأمارات ، نشر جمعية الأمارات للفنون التشكيلية ، 1993 .ص 35
[2] أنظر ش. الربيعي،" الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي، 1885 ـ 1985 " ، بغداد 1986 ، ص 113 .
[3] بلند الحيدري، زمن لكل الأزمنة، بيروت 1981.
[4] أنظر ميشيل بوتور، الكلمات في التصوير
Michel Butor, Les mots dans la peinture,Editions d’ Art Albert Skira ,1969.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



(1)

كتب حسن موسى ضمن مقالاته :

و اليوم إذ ينحسر المد الحروفوي العروبي في رزانة تامة عن ساحة الخلق التشكيلي العربي ، يهلُّ في المشهد الفني جيل جديد من التشكيليين العرب الذين يعالجون التجربة الحروفية كمجرد احتمال في الرسم و ليس كـ " كل " الرسم.وسط هذا الجيل مبدعون يستحقون الاهتمام و النظر المتأنـّي بحكم تميّز منظورهم الجمالي و اختلاف غاياتهم الإبداعية عن أبكارهم من جيل " المخضرمين "


أخي الفنان التشكيلي / حسن موسى
تحية طيبة لك ولأضيافك وضيفاتك الفضليات
*
شكراً لما تفضلت من إنزال " سِفر دراسي عن الخط " رغم أنك تتحدث عن أنك لست بدارس للخطوط العربية ، ولكنك " متفقه " في دراستها ، وتلك محاولة للتواضع لا أرى لها من ضرورة هنا . فالمادة التي بين ايدينا كتاب لا شك فيه ، ومادة تتطلب النشر مع النماذج والتشريح وهو أمر طلبنا من قبل خلال زيارة شخصكم الكريم لدُبي منتصف العام.

قرأت ما تيسر لي قراءته ، وليس لدي من الوقت للتفصيل حالياً ، ولكني أوجز .

1) أعتقد أن اللغة المكتوبة وأحرفها ذات دلالة في المعنى أولاً وفي الجمال ثانياً ، وفي تطور اللغات المكتوبة الكثير الذي يفصل العلاقة بين المعنى وبين مفردات اللغة ، ثم الأحرف .

2) إن تراث فن تجميل الخطوط ، له تاريخ ، ودخلته الصناعة في الطباعة وآلات النشر الرقمية ، وسيرة الخطوط وتطورها وازدهارها وسطوة التقنية الرقمية ، لم تدخل أمر فن الخط في مأذق بل وقد أدخلت التقنية الرقمية أيضاً فن " الرسم اليدوي " أيضا في مأذق . ولا يخرج التشكيل اليدوي من أمر التشكيل اللغوي من قبضة التطور الرقمي .

3) هنالك أمر له علاقة بالآثار وبالسياحة ، فتراث الخط العربي في القصور القديمة والمساجد ، ومنهاج تزيين القباب من الداخل والخارج قد امتدت فيه يد الصناعة ، واشترك اليدوي مع الصناعي في وضع قوالب لرسم الخطوط القرآنية في المساجد ، وتلك ذات منفعة ، بغض النظر عن ضعف أو قوة تلك العلاقة بين جمال الرسم ومحتوى الخط من المعاني .

4) حاولت في إحدى مُداخلاتي التي تجدها بدون الرسم في الملف الخاص بالخطاط محمد مختار في تعديل صورة إحدى رسومه وفق برنامج رقمي بإزالة وتعديل الصورة وفق رؤى جمالية ، تُحرر اللوحة التي قام بتنفيذها الأستاذ " محمد مختار، وقد أوضحت له بأنني سوف اقوم بإزالة الصورة المُعدلة بعد إجابته ، وقد فعلت . وقد كان موضوع الحوار symmetry & asymmetry ، وكنت أعتقد أنه ربما هو مدخل لحوار حول تدني الأعمال ورفعتها عند إعداد اللوحة بناء على مفردات الحرف العربي . لم يتطور النقاش وفق ما أحسب ....!

5) لربما يكون هنا مساحة أفضل إن تيسر لنا زمن لتوضيح رؤانا .

6) هنالك مسألة تقنية شائكة بشأن إنزال الصور الضوئية فهي تُعيب التشريح ، ولم أستطع إنزال أية صورة في سودان فور أول !!

ربما أجد وقتاً لاحقاً للتوضيح .
والشكر للجميع

آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الأحد نوفمبر 13, 2011 1:06 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 7

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام ياشقليني و شكرا على القراءة و على الشوف.
لا تظنن بي التواضع الكاذب فأنا فعلا لست من المتخصصين في مباحث الخط العربي،[ و هم كثر ] لكني أقيم على حدس بأن الأرض التي انبش فيها ليست مأمونة لمتخصصي الخط العربي [ لأسباب كثيرة]، و لا جناح عليهم. و هذه مسألة تحتاج لوقفة أخرى سأعود لها في وقتها .
حين زرت خيط الأخ الخطاط محمد مختار و وقعت على الموضع الذي اقترحت أنت فيه معالجة لعمل محمد مختار لكني وصلت بعد أن سحبت أنت معالجاتك[معليش لكن هذا لا يمنعك من طرح معالجاتك من خلال نماذج أخرى بخلاف نماذج محمد مختار و أنت من أهل الشوف.
سأعود و لي ملاحظات في شأن الحروفية و المعمار أنتظرك فيها
.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 7

مشاركة بواسطة حسن موسى »

معذرة للتكرار
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط [ السابعة]

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط7

و حـــــروفية الأدبــــاء


أطفال الحروفيين:
في رواية " طفل الرمل" للكاتب المغربي الطاهر بن جلّون ، فقرة شيقة يحكي فيها راو يافع تجربته في حمام النساء، بحساسية "حروفية " عالية أزاء الحضور التشكيلي لصورة اللغة في خاطر السامع الحالم:
" .. لم يكن يهمّهن ما يقلن ،كنّ يتكلمن كلهن في آن معا فكأنهن في صالون الكلام فيه ضروري للصحة. و كانت العبارات و الكلمات تنثال من كل مكان. و في الغرفة المغلقة المعتمة كان كلامهن يعلو و يعلق باليخار فوق رؤوسهن . كنت أرى الكلمات ترتفع ببطء و ترتطم بالسقف الرطب ثم تذوب مثل حفنة سحب جرّاء ارتطامها بالحجر قبل أن تنتثر على وجهي.كنت استسلم للكلمات تغطيني و تسيل على جسدي .".[1]
طبعا رؤية بن جلون لتحول اللغة من مقام السمع لمقام البصر و اللمس قمينة باثارة حماس فلول التشكيليين الحروفيين ليجدوا في تجربة الرجل تأكيدا متأخرا للهم الحروفي الذي سرى الفضاءات الثقافية العربية، لحوالي ثلاث عقود ، كما تسري النار في النبت الهشيم!.
و من يدري فربما كان بن جلون يخفي تحت قناع الكتابة الادبية رساما حروفيا ضل طريقه إلى الأدب.ذلك أن راوي بن جلون اليافع الذي تسيل الكلمات على جسده يبدو على قرابة جمالية بابن التشكيلي الحروفي التونسي " نجا مهداوي". ذلك الصبي الجالس القرفصاء تكسو جسده كتابة حروفية بديعة كطلاسم سحرية تحميه من كل الشرور. و لا أستبعد ان تكون صورة ابن نجا مهداوي ، و هي سابقة زمنيا على أثر بن جلون الادبي ،لا أستبعد أن تكون هي التي ألهمت بنجلون مشهد كلمات الحمّام.
و بصرف النظر عن اسبقية التشكيل على الادب [ او العكس] في المسألة الحروفية ، فأن ما يسوّغ حروفية بن جلون و حروفية مهداوي ، على أصعدة الأدب و التشكيل هو أن كل منهما خاطر بالخوض في ماء الحروفية المحفوف بفخاخ الغوغائية القومية و " الإكزوتية" السياحية دون ينسى أن الأديب يحاسب في أفق الخلق الأدبي و أن المشكّل يحاسب في أفق الخلق التشكيلي. أقول قولي هذا و أنا أحفظ هامشا للتحفـّظ حول جدوى هذا النوع من المخاطرات.

أبكار الحروفيين:
و إذا كنت أرى طفل مهداوي سباقا على طفل بن جلون في مضمار المجد الحروفي العروبي ، إلا أن الحضور التشكيلي البصري للكتابة في تقليد الأدب العربي قديم، و قد انتفع به نفر من الشعراء في بناء لقيّات بلاغية طريفة على مثال محمد بن يحيى الصولي[ في " ديوان المعاني"2/76] حيث يقول في وصف كتابة :
" إذا ما تجلّل قرطاسه و سـاوره القلم الأرقـش
تضمّن من خطـّه حلّة كنقش الدّنانير بل أنقـش
حروفا تعيد لعين الكليل نشاطا و يقرؤها الأخفش "
أو قول أحمد بن اسمعيل [" ديوان المعاني"، 2/57] :
" مستودع قرطاسه حكما كالروض زيّن نبته زهره
و كأن أحرف خطّه شجر والشكل في أضعافها ثمره "
و في ادبيات حروفيي ما قبل الحروفية/ و أعني بهم ثلة الأدباء الذين استوقفتهم المعاني البصرية في الكتابة العربية حيث يبدو القرطاس كما نافذة الإيطالي " ليون باتيستا ألبرتي" [2] المفتوحة على المنظر الطبيعي العامر بأحداث الماء و الخضرة و الوجه الحسن، أو كما قال العلوي الأصفهاني محمد ابن احمد بن ابراهيم طباطبا الذي استهدي من أحمد بن اسمعيل دفتر فيه حدود الفرّاء فأهداه و كتب على ظهره:
" خذه فقد سوّغت منه مشبها بالروض او بالبرد في تفـويفه
نظمت كما نظم السحاب سطوره و تأنـّق الفـرّاء في تأليفه
و شكلته و نقطته فأمنت من تصحيفه ونجوت من تحريفه
بستان خــط غير أن ثماره لا تجتنى إلاّ بشكل حروفـه " [3]
و موضوعة "القرطاس"، مسند الكتابة، كمشهد مسرحي في إطاره تتحرك عناصر الكتابة الخطية [ الغرافيكية] و الأدبية التي تتصارع على جماليات الدراما، استرعت انتباه كاتب معاصر مثل " جان بول سارتر" فتأنـّى عندها متأملا و كتب معلقا:
".. أستبعد مجرد فكرة كتابة مخطوطاتي على الآلة الكاتبة ففعل الكتابة، فعل رسم الحروف، و الأقواس و ضربات القلم العريضة و الرفيعة يمثل إنتاج شكل الفكرة نفسها. إن الكتابة كما أراها على مساحة الورقة تبدو لي مثل فعل مسرحي على مشهد ينفتح الستار فيه عن حوار أكتبه للشخصيات التي تسكنه.." [4].
حروفية المعمار:
و إذا كان سارتر مثل طفل رمل الطاهر بن جلون تهجسه الكتابة كتجسيد بصري للفكرة ، فإن تجربة الحروفية الأوروبية ، التي استقرت عقودا ضمن إطار" لوحة الحامل" في تجارب تشكيليين رواد، [ من نوع بول كليو مارك توبي و هنري ميرو و هانز هارتونغ إلخ]، بدأت ، مع نهاية السبعينات، تستقطب اهتمام معماريين معاصرين مجددين مثل السويسري " جاك هيرتزوغ" و زميله " بيير دوموروك" في المشروع المعماري الذي قدماه لمسرح مدينة " دوبلوا" الفرنسية في مطلع التسعينات. و رغم أن العمارة بخاماتها ذات الصلابة و الديمومة تطرح منطق الثبات إلاّ أن المشروع المعماري " الحروفي" الذي طرحاه اعتمد جمالية الحركة و التحوّل.
تصميم المبنى من الداخل وظيفي بحت لكن وجه الجدة في المشروع المعماري هو في واجهة المبنى. فمن الخارج يملك المبنى ذو الشرفات الأفقية، أن يغير من هيئة واجهته كل يوم، بل كل لحظة.و ذلك بفضل التحوّل في نصوص لوحات الكتابة الضوئية التي تغطي الشرفات الممتدة على طوابق المبنى الخمسة.و رغم أن الكتابة ذات الأحرف المضيئة ،في حد ذاتها،لا تعتبر تجديدا على الواجهات المعمارية التي تحمل الإعلانات التجارية المضيئة، المتحركة و الثابتة ، كما تحمل نصوص صحف الشارع المضيئة ، إلا أن مشروع مسرح "دوبلوا" يتميز باعتماد الكتابة المضيئة كأحد مقومات التصميم المعماري الأصيلة و التي يحسب لها المعمارى حسابها منذ البداية.
و المعماري يلعب على بُعد الكتابة البصري باعتبارها مجموعة أشكال و خطوط ملونة مضيئة تتبدل على خلفية الليل المديني، مثلما يلعب على بعد الكتابة الأدبي المبذول للعابرين و المارة في نصوص المقتطفات الأدبية المسرحية .و المارة على مبعدة، و حتى من الضفة الأخرى لنهر الـ " لوار" ، يستطيعون قراءة النصوص الشعرية و الإقتطافات المسرحية أو حتى الأخبار و التعليقات المعروضة بطريقة لا يمكن تجاهلها.
هذا المسرح المكتوب المتحول الذي يمسك بتلابيب الناس في الشارع لا يترك لأحد فرصة التباهي بتجاهل المسرح أو الشعر. فمجرد قراءة عبارة مسرحية محيرة أو نص شعري جميل تؤدي لخلق نوع من آصرة ثقافية جديدة بين العابرين هي في النهاية نصر صغير لقضية المسرح و..لقضية العمارة.
هذه الطريقة في تدبير علاقة الناس بالفضاء الحضري العام تكشف عن موقف حضاري لطيف بالمنتفعين بالفضاء المديني. و هو شيئ كان حاضرا في الثقافة المعمارية التي عرفها مجتمع عرب الإشراق الحضاري البائد.كل هذا يدعو للتأمل في المفارقة بين واقع عمارة الأبنية العامة في الدور و المساجد القديمة التي استثمرت الطاقة الجمالية للكتابة العربية على واجهات المباني ، بينما بقيت الحروفية العربية المعاصرة سجينة لوحات الرسامين [ عدا بعض الإستثناءات المتأخرة]. أما عن فوضى إعلانات النيون المترجمة الركيكة التي تعربد في صفو الليل المديني العربي فحدّث و لا حرج. لقد نسي الرعاة الآيديولوجيون، و "الغرض مرض " كما تعبر حكمة الشعب ، أم هم تناسوا، أن الحروفية العربية هي ايضا ،في تقليدنا المعماري ، بحث تشكيلي في المنطق البصري للعمارة .
وكما ترون، فهذه المناقشة في إشكالية الكتابة الجمالية العربية مازالت تتباعد كل مرة في الشعاب المتجددة للسياسة العربية ، و لا جناح و لا حزن، فنحن إنما نتباعد من الكتابة حتى نتمكن من رؤية أشمل لجبل التشكيل في الثقافة العربية المعاصرة ، وقدرنا أن نعود للتفاصيل و الجزئيات التي لا غنى عنها لتفهم الكل.



::::::::::::::::::::::: /
[1]
Editions du Seuil,Tahar Benjelloun, l’ enfantb de sable,1985
[2] انظر :
Michel Paoli,Leon Battista Alberti, 1404- 1472, Editions de l’ Imprimeur,2004
أنظر الرابط:
https://fr.wikipedia.org/wiki/Leon_Battista_Alberti
[3 ] انظر الرابط
https://www.shiaonlinelibrary.com/الكتب/2077_تصحيفات-المحدثين-العسكري-ج-١/الصفحة_27#top
[سارتر، العدد الخاص، في مجلة " أوبليك" 1979
Oblique, No.18-19,1979,Les Editions Borderie
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ولد الخط

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة


الصورة من "
Nja Mahdaoui
Ceres Productions, Tunis, 1983

نجا المهداوي حالة خاصة بين الحروفيين العرب، سأعود لمساره الفني بشكل يليق بتفرده.
و القلم ليهورافع!
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 8

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة 8

الحيــاة الثانيـــة للحــروفيــة


الحروفية " ميد إن إسلام "

لماذا لم تندثر التجربة الحروفية بعد إنفضاض مولد العروبة ؟
السؤال يكسب مشروعيته، لا من استمرارية الظاهرة الحروفية فحسب ، و إنما من مستوى الرواج المتزايد الذي تلاقيه الآثار التشكيلية الحروفية في بلدان العالم العربسلامي.و في اعتقادي أن الحروفية في نسختها الجديدة وجدت في خدمتها جملة من مؤسسات الرعاية الآيديولوجية القوية التي لم تكن في متناول حروفية السبعينات. ذلك لأن حروفية السبعينات كانت تعوّل على الأنظمة ذات التوجه العروبي القادرة و الراغبة في إنفاق المال على هذا الوليد الغريب على مشهد السياسة العربية.و قد لعبت قلة الرعاة الرسميين الجادين دورا رئيسيا في إنفراد سلطات البعث العراقية برعاية الحروفيين العرب .و لا يفوت على المتابع ان معظم الحروفيين النشطين خرجوا من رحم التجربة التشكيلية العراقية. لكن حروفية التسعينات سقطت من منصة العروبة لتتلقفها يد " الصحوة الإسلامية" الجديدة ، فما هي الآلية التي يسّرت هذا الإنمساخ الكبير في طبيعة التوجهات و الغايات التي انبنت عليها حركة الحروفيين العرب؟
أن عملية تخليق فن تشكيلي إسلامي و معاصر يتجاوز الجمهور القومي و يتوجه لعناية مليار من المسلمين المقيمين في فضاء العولمة الواسع ، مشروع بالغ التركيب لا يمكن تحقيقه بدون توفر جملة من الشروط المادية و الرمزية و بدون توفر نوع من الإرادة السياسية الواعية بالمنفعة الطبقية المنتظرة من مثل هذا التوجه.
في عهد " الحرب الباردة " حين كان التيار العروبي التحرري [ في مصر و العراق و سوريا و الجزائر و ليبيا و السودان و اليمن الجنوبي ] يلقى الدعم السياسي و الإقاصادي و العسكري من منظومة دول المعسكر الشرقي بينما كان التيار العربي المحافظ [ السعودية و الكويت والأمارات و الأردن والمغرب و اليمن الشمالي ] يجد دعما مقابلا من منظومة دول غرب أوروبا والولايات المتحدة. في تلك الفترة لم يكن الإسلام كقوة سياسية قد انمسخ بعد لصورة الفزّاعة الإرهابية المتشددة العنيفة التي يتمتع بها اليوم في محافل إعلام المجتمعات المصنعة الخاضعة لمنطق رأس المال المتعولم. كان اسلام الستينات و السبعينات يمثـُل، في مشهد الإعلام الأوروأمريكي ، كنوع من خط دفاع أول ضد التهديد الشيوعي.كان الإسلاميون المتحالفون مع دوائر رأس المال الغربي يمثلون المعارضة السياسية المحلية الأعلى صوتا للأنظمة العروبية المتحالفة مع المعسكر الإشتراكي.و ضمن هذا المنظور يمكن فهم التحالفات و التناقضات في منطقة الشرق الأوسط بين الأنظمة العروبية التي كانت تعتبر نفسها قيّمة على حركة التحرر و الأنظمة المحافظة التي كانت تتخذ من صيانة التقليد الديني ذريعة للوقوف ضد " الأخوة الأعداء ". و وسط هذا النزاع كانت قضية فلسطين تمثل كنوع من مقياس حرارة لجسد الأمة المريض على معطياته يزكي كل فريق ذاته و يصنف خصومه بين معايير البطولة و الخيانة.
لكن نزاع الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط كان يعبر عن نفسه من خلال جيوبوليتيك النفط الذي يتجاوز الجغرافيا العربية ليعانق واقعا جغرافيا أوسع هو واقع جغرافيا العالم الإسلامي في تداخلها مع العالم الصناعي. ففي مقابل السعودية و الكويت و الأمارات كان العراق بمواردة النفطية و البشرية يمثل قوة استقطاب سياسي لا يستهان بها و أحتمال تحالف موضوعي بديهي مع بلدان عروبية نفطية مثل الجزائر و ليبيا . و في مواجهة المجموعة العربية بشقيها المحافظ و التقدمي كانت هناك إيران الشاه المتحالفة مع الأورأمريكيين . و من وراء كل هؤلاء الفرقاء كان هناك فرقاء مسلمون أخر يراقبون الصراع الدائر و عينهم على مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة مثل تركيا و الباكستان.


العودة من العروبة إلى الإسلام
بعد أقل من عقدين من الزمان العربي الذي اعقب هزيمة 1967 تبين للجماهير العربية أن الأنظمة العروبية التي وعدت الشعوب العربية بيوتوبيا التحرر والتنمية و الديموقراطية هي أنظمة زاهدة تماما في التغيير و التحرر ، وأن كل ما يهم سدنتها هو صيانة امتياز السلطة بشتى الذرائع ،بما فيها ذريعة تحرير الارض المحتلة..و قد لعبت مساعي المصالحة و التطبيع و التكييف التي باشرتها و تباشرها الأنظمة العربية الإستبدادية مع رموز الهيمنة في معسكر قوى رأس المال المتعولم ، لعبت دورا كبيرا في ضعضعة رصيد الثقة العفوي القديم في الخطاب العروبي التحرري.[1] و شرعت الجماهير العربية المحبطة تبحث عن مخارج أخرى. و في مشهد التراجع العام للمد العروبي التحرري انزلقت قطاعات شعبية واسعة من الجماهير العربية في يسر نحو القناعات الدينية المطمئنة التي كانت تمثـُل في الأفق الإجتماعي و الحضاري كآخر خط دفاع للجماعة العربية المسلمة. و من جهة أخرى باركت معظم الأنظمة العربية المحافظة ـ طوعا أو/ و جبرا ـ عودة الشعوب الحائرة لحظيرة الإيمان، غالبا ، على أمل السيطرة على كل من يدخل " الحظيرة" ، و هو "أمل "يسوّغه ، في خيال سلطة الدولة " المؤمنة " ، تقليد طويل في هيمنة الدولة على المؤسسات و الأجهزة الدينية. [ وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية ،الأزهر ، الجامعة الإسلامية ،مجالس العلماء و دوائر الإفتاء و القضاء و التعليم] .
هذه التحولات التي ادركت المجتمع العربي تزامنت ، في نفس الفضاء السياسي العربي الإسلامي الذي تناور داخله قوى سياسية وراءها مصالح طبقية متناقضة ،تزامنت مع الجهود المادية التي تبذلها قوى رأس المال المتعولم لصيانة وإحكام سيطرتها على مقاليد الأمر في منطقة الشرق الأوسط .و ضمن هذا المنظور يمكن فهم الظهور و التطور المتسارع لمؤسسات سياسية أسلامية نشطة ، مثل" منظمة المؤتمر الإسلامي "،[ أو" منظمة التعاون الإسلامي "] التي تعمل على نطاق إقليمي و عالمي و تخاطب المسلمين فيما وراء الجغرافيا السياسية و الإنتماء العرقي مثلما تخاطب العالم غير المسلم بوصفها قيّمة على كل المسلمين. [2]

في نهاية الستينات طرحت الدوائر الإسلامية المحافظة في الشرق الأوسط مبادرة سياسية دولية بإنشاء" منظمة المؤتمر الإسلامي "، التي لم يكن احد يتوقع لها العواقب الجيوبوليتيكية الكبيرة التي ترتبت على ظهورها "المفاجئ". و يؤرّخ بعض المحللين لظهور" منظمة المؤتمر الإسلامي " أو " منظمة التعاون الإسلامي " كرد فعل لمحاولة إحراق المسجد الأقصي من قبل بعض الجماعات الإرهابية الصهيونية في اسرائيل. بل أن موقع المنظمة يقول :
"وقد أنشئت المنظمة بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عقدت في الرباط بالمملكة المغربية يوم 12 رجب 1398 هجرية (الموافق 25 سبتمبر 1969) ردا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة " [3]


"تعتبر منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها سبعا وخمسين (57) دولة عضوا موزعة على أربع قارات. وتعتبر المنظمة الصوت الجماعي للعالم الإسلامي "
و من التأمل في أدبيات المنظمة و لوائحها و مواثيقها لا يفوت على المراقب ذلك النزوع الصريح لأن تكون المنظمة الإسلامية بمثابة الوعاء لتخليق عالم إسلامي في مواجهة العالم غير المسلم . و " العالم غير المسلم "يمكن أن تقرأ" الغرب " فكأن الجماعة الإسلامية تستلهم النموذج العروبي البائد و تعيد صياغته بحيث تحل "الأمة الإسلامية " محل "الأمة العربية ". و إذا فحصنا الشكل التنظيمي العام للمنظمة فسنلاحظ مطابقته لنموذج "منظمة الأمم المتحدة "فكأنها "منظمة للأمم الإسلامية المتحدة" تتهيأ لإستقبال القرن الحادي و العشرين على هدي" الشريعة الإسلامية" :
" وتواجه الدول الأعضاء في المنظمة تحديات متعددة في القرن الحادي والعشرين. ومن أجل معالجة هذه التحديات، وضعت الدورة الاستثنائية الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامي التي عقدت في مكة المكرمة في ديسمبر 2005 خطة في شكل برنامج عمل عشري يرمي إلى تعزيز العمل المشترك بين الدول الأعضاء ودعم التسامح والاعتدال والحداثة إحداث إصلاحات كبرى في جميع مجالات النشاط، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا، والتعليم، وتحسين مستوى التجارة. كما يشدد البرنامج على أهمية الحكم الرشيد وتعزيز حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، ولاسيما فيما يتعلق بحقوق الطفل، والمرأة، وقيم الأسرة المتأصلة في الشريعة الإسلامية.
"

. و داخل هذه البنية الدولية، التي تنمو و تتطور بجاه البترودولار و بمباركة دوائر رأس المال المتعولم [و تحت حراسة قوات الناتو]، يلحظ المراقب النوعية السياسية للتراتب المبني على القوة الإقتصادية أو العسكرية للدول الأعضاء . و داخل هذا التراتب يمكن لدوائر رأس المال تعريف قنوات و سلاسل القرارات المصيرية من القمة للقاعدة [ من السعودية و إيران في قمة الهرم لموريتانيا و السنغال في قاعدته ].فكأننا بسبيل نسخة إسلامية من العالم يهيمن عليها الحلفاء المحليين بشكل مواز و متضامن مع نسخة العالم الآخر، العالم غير الإسلامي الذي يهيمن عليه سدنة رأس المال. العالم الإسلامي المقابل، و قيل المضاد، لـ " العالم الأخر " لا يرى " العالم الآخر "غير الإسلامي إلاّ ،وفق التصنيف الـ " الهنتينغتوني " لـ " صدام الحضارات " [4]، كعالم قائم على النموذج " الغربي" [ إقرأ: النموذج الأوروأمريكي المهيمن ]. و هي رؤية تبسيطية تلغي التنوع الثقافي داخل المجتمعات المسلمة ، من جهة، مثلما هي ، من الجهة الأخرى ، تستبعد من العالم الواقعي الذي يعيش فيه المسلمون كافة التكوينات الإجتماعية و الثقافية الأخرى التي تقيم خارج فضاء النموذج الأوروأمريكي. [ كمجتمعات الصينيين و الهنود و الأفارقة و الهندوأمريكيين ]. هذا الموقف يمسخ المسلمين ككيان معاكس و مكمّل في آن للمجتمع الأوروأمريكي، و يربط مصائر المسلمين بمصير الأورأمريكيين بشكل يقطع الطريق أمام المسلمين فيما لو عنّ لهم استكشاف دروب مغايرة في التحقق الحضاري.. داخل هذه النسخة الإسلامية الضيقة للعالم الأوروأمريكي يسهل عزل المجتمعات الإسلامية و مراقبتها و ضبط حركتها بغرض السيطرة عليها و دمجها ككلية بشكل حاسم في بُنى العولمة الرأسمالية. داخل هذا العالم الإسلامي الموعود بصفات " التسامح " و "الإعتدال" و " التحديث "، وفق النسخة الإسلامية الشرعية للديموقراطية، و انسجاما مع النسخة الإسلامية الشرعية لحقوق الإنسان، لن يكون هناك مكان للفوضى ، ففقهاء منظمة التجارة الدولية ، عبر نسختها "الإسلامية"، سيتكفلون بضبط كل شيء ،من حكم بيع السمك في البحر لحكم جريان الربا في معاملات البنوك الأسلامية، و لن يكون هناك مكان للتعصّب الديني، لأن فتاوى التسامح و الإعتدال ستسود بجرة قلم ،فخير الأمور أوسطها، " و جعلناكم أمّة وسطا " [ البقرة ]،عندها سينقضي زمن الإرهاب و الحرائق و الحروب فيرد الفقراء أسلحتهم للسلطات و " يسكن الذئب مع الخروف و يربض النمر مع الجدي" .." و الأسد كالبقر يأكل تبنا و يلعب الرضيع على سرب الصّل و يمد الفطيم يده على جحر الأفعوان .." [5]، باختصار سيصبح العالم الإسلامي جنة الله في ارضه .طبعا لا أحد يتساءل عن مصير الأقليات غير المسلمة في هذا العالم المسلم الخالص من الشوائب!
كل هذا ينأى بنا بعيدا عن الفن التشكيلي الإسلامي المعاصر لكن المثل الصيني يقول من المتعذر رؤية الجبل و أنت فيه. لكي ترى الجبل فلا بد أن تتباعد عنه. و رؤية جبل التشكيل الإسلامي المعاصر تفرض علينا هذه السياحة في جيوبوليتيك الإسلام المعاصر. ذلك أن منظمة المؤتمر الإسلامي هي الأساس الذي تفرعت منع جملة من مؤسسات الرعاية الآيديولوجية التي تتحرك وفق منطق الآلات الحربية في نوع من مواجهة مستديمة مع العالم غير الإسلامي. و هي مؤسسات انشطتها تتنوع بين النشاط الإقتصادي و الدبلوماسي و السياسي لغاية النشاط الثقافي و الفني.و في فضاء الثقافة الجمالية تتحرك جملة من المؤسسات الفارهة الشكل الفقيرة المحتوى بذريعة صيانة تقليد الفن الإسلامي و حماية المسلمين من التأثير السلبي للثقافات الأخرى. بينما دورها الحقيقي لا يتجاوز استمالة أو تحييد المثقفين و الفنانين المسلمين و استخدامهم في تجميل واجهة آلة الحرب الطبقية التي تتهيأ لها طبقة وسطى "اسلامانية" متحالفة مع دوائر رأس المال ، بسبيل قهر فقراء المجتمعات الإسلامية الذين تعلموا بالتجربة ضرورة حمل السلاح دفاعا عن خياراتهم الوجودية.
نعم، يمكن تصوّر أن كل هذا الإستطراد في جيوبوليتيك الإسلام المعاصر ، ينأى بنا بالفعل عن قضايا فن التشكيل في بلاد المسلمين ، و هذا إذا عرّفنا فن التشكيل كمجرد ممارسة زخرفية غايتها لا تتجاوز الترفيه الرخيص بوسم الأمكنة و الأزمنة التي يحيا ضمنها المسلمون بمياسم السلطان الجاثم على صدورهم. لكن الفن لم يعد تلك الممارسة التي تجمّل حضور السلطان الغاشم بأحابيل الصناعة التشكيلية. وفن التشكيل اليوم هو طرف أصيل في موضوعات المواجهة الطبقية المدمَّمَة التي فرضتها دوائر رأس المال المتعولم على فقراء المجتمعات الإسلامية في كل مكان.و جل الفنانين التشكيليين [ و غير التشكيليين] المعاصرين ، سواء كانوا مسلمين أو نصارى أو يهود أو لا دينيين، هم قوم يتحركون على قاعدة وعي جمالي يتغذى من التجربة السياسية و يغذيها في آن. مثلما يتحركون في فضاء السياسة بحساسية جمالية ترد للفعل السياسى جلاله الإبداعي الذي ابتذله، باسم العروبة سابقا و باسم الإسلام اليوم، نفر من رعاة الفن الأيديولوجيين المتحالفين مع دوائر رأس المال.
حين يجد الفنان العربي المعاصر،الذي يباشر خلقه على ذاكرة التجربة الحروفية العربية ،حين يجد نفسه في مواجهة هذا الراعي" المؤمن" الذي ورث رعاياه الفنانين كما يرث الإبن إماء والده فهو أمام واحد من اثنين: إما الإمتثال لمشيئة السيد الجديد و تكييف فنه مع مقتضيات التوجه الآيديولوجي الأسلامي، أو الخروج و مواجهة الإهمال و اللعنات كخائن لإتفاقات الجماعة المسلمة . قلة هم الفنانون العرب العصاة الذين اختاروا " التهلكة" و أخذوا حياتهم و فنهم "من فخاخ الناهشين و من يد السفاح "،[ كما جرت عبارة " شاعرنا" الضليل ] و قلتهم يفسرها الإهمال و التعتيم الإعلامي المنظّم الذي يعانونه من قبل أجهزة إعلامية لا مصلحة لها في السباحة عكس تيار الرضاء الرسمي. العدد الأكبر من هؤلاء الفنانين يهجر الممارسة او يهجر الوطن لمثابات المجتمع الأوروأمريكي على أمل الحصول على عون غير مشروط بشروط الآيديولوجيا المهيمنة [ و هيهات و ستين هيهات !] . أما " الجماعة الطيبين" الذين قبلوا الإمتثال أمام سلطات الرعاية الأيديولوجية فهم كثر و فيهم تصانيف و بطون و قبائل بدءا من أهل " المعايش"، و " المعايش جبارة" كما تعبر حكمة الأهالي ، و أنتهاءا بالدكاترة العلماء المنظرين البواسل الذين لا يتورعون عن إختراع فن إسلامي جديد ، و قيل: اختراع إسلام جديد ، عند مقتضى الحال ، و ذلك بسبيل إرضاء الرعاة "المؤمنين" الجدد.
في هذا المشهد تم تخليق" الحروفية الإسلامية" ، على أنقاض" الحروفية العربية"، كبناء ثقافي تابع للسلطات السياسية و طوع بنانها. و داخل هذا البناء تتكرر ملهاة الفن في زمن السياسة بشكل تراجيدي جديد.و سأحاول عرض أنمساخات الحروفية الثانية من خلال إضاءة نقدية لبعض المساهمات النظرية و العملية لمجموعة النساء و الرجال الذين كتبت عليهم مكابدة هذه التجربة السياسية بذريعة الحلق الفني.

:::::::::::::::::::::::::: :
[1] المسلسل طويل يبدأ مع الحرب اللبنانية[ من منتصف السبعينات لغاية 1989]، و يستمر مع معاهدة السلام بين مصر السادات و اسرائيل في 1979، التي أّدت لتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية و اغتيال السادات على يد المتطرفين الإسلاميين في 1981، ثم الشقاق بين البعثيين في سوريا و العراق في مطلع الثمانينات بسبب حياد سوريا في الحرب العراقية الإيرانية [1980ـ1988] ،و إخراج الفلسطينيين من لبنان 1982 . ومجزرة المعارضين الإسلاميين في حمأة على يد نظام حافظ الاسد في سوريا،و الغزو العراقي للكويت 1990 و ما ترتب عليه من تحالف الدول العربية مع امريكا و اسرائيل لإستعادة الكويت في ما عرف بـ " حرب العراق الثانية" و تواطؤ الدول العربية مع الأوروأمريكيين ضد العراق في "حرب العراق الثالثة" [2003]، لغاية قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002 ، حيث تم الإجماع العربي على" مبادرة السلام السعودية" التي تقترح إنهاء النزاع بإقامة "علاقات طبيعية " بين اسرائيل و الدول العربية .. .
[2] انظر الرابط

https://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=468935
و
https://www.oic-oci.org/index.asp
[3] أنظر الرابط
https://www.mbt.gov.qa/Arabic/Department ... IC-AR.aspx

و
https://www.mbt.gov.qa/Arabic/Department ... IC-AR.aspx
https://4flying.com/showthread.php?t=75424
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=179783

https://www.aljazeera.net/NR/exeres/106D ... DB992A.htm

[4]
Samuel Huntington,Le choc des Civilisation, Odil Jacob,2000.
[5] [ الكتاب المقدس، العهد القديم، إشعياء ، الإصحاح الحادي عشر، 6ـ 10]
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



(2)
الأكرم : حسن موسى ،
تحية طيبة لك
ولأضياف الملف وضيفاته الأفاضل
تحية طيبة ،
وبعد مشقة عثرت على طريقي لرفع ملفات الصور .

نعود للوحة الأستاذ الخطاط " محمد مختار " بشأن توضيح رؤانا في تعديل توازن " صورة اللوحة "
وفق ما نراه :
1) نرى أن الخطاط " محمد مختار " قد تقيد بالمستطيل ، وكانت لديه خطة نصيّة مُسبقة لصناعة العمل الذي بدأت صورته أمامنا ، وقد حجب الشكل الرئيس بزيادات نراها قد حجبت التوازن .

2) قمنا بتعديل أسفل الصورة من اليمين وأعلى الصورة من اليسار .وبدأ الشكل متحرراً من سِجن البرواز وتم تحرير التكوين من إضافات أظلمت الرؤى .

3) نأمل ألا نكون قد أجرمنا بشأن الحقوق الفنية لصورة الخطاط " محمد مختار " ، وقدمناها هنا بهذا الشكل ، رغم عدم دقة تنفيذنا للتعديل على الفوتو شوب ، وذلك بغرض الدراسة ، وهو امتداد لما رأيناه عند زيارتكم في دبي ، من ضرورة تشريح الأعمال ، كي لا يكون الحديث فضفاضاً .

ربما نواصل إن وجدنا الزمن



صورة
الصورة الأصل


صورة
الصورة المعدلة
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الأحد نوفمبر 13, 2011 1:05 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »




(3)

الأكرم : حسن موسى
تحياتي

تجد الصور أدناه وهي محاولة لصناعة اللوحة من مفردات في أوضاع ثلاثية الأبعاد ، ورغم ذلك تجد أن الحرف ( سين ) الذي يعلُو الشكل الدائري الأسفل ، تجده لم يتوافق مع انسجام اللوحة


صورة

صورة لوحة من لوحات الخطاط : طوسون
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الأحد نوفمبر 13, 2011 6:37 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

(4)


صورة


صورة لرسم آخر لطوسون (2)

الأكرم : حسن موسى
تحياتي

في هذا الأنموذج حاول الخطاط " طوسون " تطويع الحروف " وإخراجها من هيمنتها في الدلالة اللغوية ، وقد أراه قد نجح كثيراً في الإفادة من تطويع الحروف والنصوص في تشكيل اللوحة .

لقد كانت لنا تجارب في 1975 مع الأخ " صلاح حسن ( الجرّق ) وقد كانت بالأبيض والأسود ، وفيها حاولنا أن نُجرِّد الحروف من معانيها ، ونُطوع الحرف العربي كمادة تشكيل قابلة للتطويع ، وليس لها من قيود كما اعتدناه من أساتذة تُراث :
النسخ ، الثلث ، الكوفي الفاطمي ، الكوفي الأيوبي ، الكوفي المملوكي ، والمحقق ، والديواني بأنواعه ....

وقد كان المدخل ، هو الخروج من سلطة العبارة ، النص الشعري أو القرآني ، بل الخروج من شكل الحرف وفق المتعارف عليه من الأحرف ...

وأعتقد أنها كانت تجربة متقدمة في زمانها ، ولو استطعنا أن نُلحقها بالرصيد المنهجي ، لأمكن تحرير مدارس الخط العربي من العودة السلفية للخط القديم ، وهي ردة تشكيلية
حسب ما أرى

ولك وللجميع شكري
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

" الحسبرؤيتي"و " الحسبرؤيتك"

مشاركة بواسطة حسن موسى »

[size=24]سلام يا عبد الله بيكاسو الشقليني
شكرا على عنايتك الكريمة بهذه المناقشة و شكرا على بذل التصاوير التي بدونها ما كنا لنفهم وجهة نظرك في موضوع صورة الكتابة. و لا يغيب على فطنتك أن الكلام عن التصاوير البصرية بلغة الأدب أمر عسير لكن ما باليد حيلة.
في محاولتك لـ"تبديل" أو " تعديل " أو..[ حتى أجد كلمة مناسبة] تكوين محمد مختار [ سلام يا محمد مختار و نحن في انتظارك بي جاي] سعيت أنت لـ " تحرير" الشكل الرئيسي من الأشكال الجانبية التي تؤطره [ طبعا هذا إذا قبلنا بأن الشكل المائل المقوّس النازل ، حسب منطق القراءة، من أعلى اليمين، هو " شكل رئيسي"] و بدا لك أن التكوين الجديد " المحرر" أفضل حسب رؤيتك. أها المشكلة في مفهوم " حسب رؤيتك" دا. عشان أي زول ممكن يجي و يعدّل و يحوّر " حسب رؤيته" و مافي زول ممكن يعترض علي الصورة المقترحة المبذولة كصورة جديدة ليست لها سوى علاقة قرابة بعيدة بالعمل الأصلي. و هذا المسعى في نظري يشبه تصرّف الموسيقيين في الموسيقى حسب قراءة كل للنوتة الموسيقية المكتوبة على الورق. فهم بالضرورة يعدلون و يحورون كل" حسب سمعه".و لو نظرت في تاريخ حركة الرسم لوجدت أن الرسامين حوّروا و بدلوا ما شاء لهم التبديل في لوحات من سبقهم و لم يمنعهم ذلك من إعادة إختراع فن التصاوير في روايات بصريات متجددات.[ سأعود ببعض النماذج ]. و كون كل زول ممكن يبذل رؤيته الخاصة انطلاقا من أعمال الآخرين فهذا لا يعني أن كل الرؤى تتساوى لان كل محاولة تحمل في ثناياها خبرة و حساسية من يطرحها.
و لو سألتني عن " رؤيتي"[ قل: عن "حسبرؤيتي" و التصحيف مقصود] في صدد صورة أخونا محمد مختار لذهبت أبعد منك لأن صورة محمد مختار ، في نظري الضعيف ، مركبة من عشرات التصاوير التي تصلح كل منها لأن تقف كعمل مستقل بذاته. و في ظن آثم آخر أعتقد أن محمد مختار ، الخطاط الصانع الماهر، قصد بهذا العمل أن يبذل للناس كشف حساب بمهاراته الخطوطية المتنوعة.و لوحته هي نوع من " سي في" يحكي سيرة الخطاط. بل أن في خاطري رؤي إضافية من بينها حشد الصورة بأكبر عدد ممكن من التراكيب الخطية و" كان كترت جريمة و كان حصّلت غرامة"! على قول الطمباري.
عبد الله
كل هذا الكلام يحتاج لمزيد من الفرز. و سأعود ببعض الملاحظات في خصوص تصاوير الأستاذ طوسون. و القلم كما تعرف ليهو رافع
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[size=30]
(5)

الأكرم : حسن موسى
تحية لك ولضيافك وضيفاتك الفضليات

نعود لرؤانا حول العلاقة بين الخط العربي واللوحة

(1) نود أن نشير أن الشركاء الإستراتيجيين ومصالحهم هي التي أسهمت في تمويل تنفيذ الكثير من الأعمال الفنية ـ وكما التفاصيل التي ذكرت بشأن الإسلاميين ، فحالهم كحال غيرهم من الشركاء الإستراتيجيين الذين أسهموا في تجميل الكنائس والمعابد طوال التاريخ ، بل هم الممول الحقيقي للمبدعين ، وكانت الطبقات البرجوازية والحاكمة هي التي أسهمت في نهضة الموسيقى ، بل وأن أنموذج تطور أغنية العشرينات قد ساهمت فيها الطبقات البرجوازية التي أسهمت في تطور الغناء في منطقة العاصمة ، كما حدث في إحياء زواج التاجر الأم درماني ( بشير الشيخ ) عام 1920 حين أضرب الطنابرة عند بدء الحفل مع سرور ، وتم تقديم الحفل بدونهم ، وهي خطوة في تطوير الأغنية في ذاك الزمان وذاك المكان ، وحلّ " الشيالين " مكان الطنابرة .
(2)
إن الإشارة لرأيي أو حسبما أرى ، لم تكًن فكرة خارج قوانين العمل التشكيلي ، والعمل التشكيلي كما هو معلوم نتاج تراكمات تاريخ ، وكان الأمر في حاجة لتفصيل رغم أني أوضحت أنني قد قمت ببيان الرأي من خلال أن العمل الذي تمّ في الصورة هو لتوضيح وجهة النظر التي تم بناءها على إرث :
وقد أجملت أن التكوين الرئيس المترابط ، قد تم تحريره من الإضافات غير المترابطة الذي ذكرنا موضعها من اليمين الأسفل واليسار الأعلى ، بل ووحدنا لون الخلفية في معظم أجزاء اللوحة لإبراز التكون الرئيس . كما أوضحت أن ما تم حذفه من الصورة إضافات تمت في أركان المستطيل الذي تم فيه تنفيذ العمل . وأرى أن فكرة التصميم هي أوضح بعد إزالة الزيادات أو العناصر الثانوية ، التي ربما رأى الأستاذ الخطاط " محمد مختار " أن لها مرجعية تتعلق بالنصوص ، ولكنها تؤثر سلباً في ترابط التكوين .
رجاء مراجعة الاسكتش 0 A
(3)
إني أرى الأعمال الفنية ذات طبيعة " ذاتية " وكلنا يعرف تعقيد مولد الأعمال الفنية الإبداعية ، ولكنها أيضاً تقوم على إرث وتقاليد فنية راسخة ، تطورت مع تطور التاريخ ، فمثلاً ليس من السهل التقاضي عن أسس علم الجمال ، وعلاقة الألوان والأشكال بالتناقض وبالتناسق وبالوحدة ، وبالتوازن ، وبين الاستقامة والانحناء، وبين الأفقي والرأسي ، وبين الملمس الخشن والناعم الذي تقوم اللوحة بإيحائه ، وبين تقنيات الضوء والظل ، وموقع اللون من الشبكية في أن بعض الألوان تظهر أكبر حجماً من الأخرى ، وسيكلوجية الألوان ..... وهو أمر يتعين التقيد بمنهجه ليمكننا أن نقوم بتقييم العمل الفني على أسس فنية واضحة ليسهُل محاكمتها ونقدها .
(4)
من المفيد هنا أن نوضح أن لأعمال الخط وفنونه الكثير من التقنيات ، ونحن لم نتحدث عنها هنا ، ولكن في حالة أن يقوم الخطاط بصناعة " اللوحة " فليس له مفرّ من الخضوع لأسس تكوين اللوحة التشكيلية .
هذا بعض ما تسنى لنا في عُجالة من تناول الأمر الشائك الذي نحن بصدده




*
صورة
آخر تعديل بواسطة عبد الله الشقليني في الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 10:40 am، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
أضف رد جديد