جنازة الخط..ميلاد الكتابة

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


لم أستطع تقديم الإسكتش أعلاه بصورة مناسبة ، نرجو تكرم الإدارة بالتصحيح
مع شكري والتقدير
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

فن الرعاة و فن الفنانين

مشاركة بواسطة حسن موسى »

عبدالله بيكاسو الشقليني سلام جاك و قعد معك..
شكرا على تأملاتك و تساؤلاتك النقدية و كل طرف منها ينبئ عن اشتباكات مفهومية تنتظر في عتمة الخاطر، و لا بد لنا ، في نهاية المطاف ، من معانقتها و تفحصها واحدة واحدة. لكن ما استرعى انتباهي هنا هو طرفها الذي يمس موضوعة الرعاية.فالرعاة، ملوك او رؤساء اوأثرياء او أحزاب و منظمات سياسية ، ضروريون لإستمرارية الإنتاج الفني.و الرعاة ، أو "الشركاء الإستراتيجيون" حسب عبارتك ، هم اصحاب الكلمة الأخيرة في تشكيل توجهات و غايات الآثار الفنية التي تنتج تحت رعايتهم. و نحن كفنانين إنما نحيا، في نهاية تحليل ما،على توتر أزلي بين نوع الفن الذي نحلم بتحقيقه و نوع الفن الذي يسقطه علينا رعاتنا الذين يدفعون لنا نفقة ابداعنا. هذا التناقض ليس لازبا لكل فنان. فهناك فنانون متوائمون و متحالفون مع رعاتهم و هناك غيرهم، و لا جناح فالحرب سجال،و ساحة الخلق الفني هي طرف من ساحة المواجهة [ الطبقية ] المتنوعة المستويات التي كتبت علينا ضمن ما نكابد من عيش عصي تحت شروط المجتمع التناحري و الشكر و العرفان موصولان لسيدنا كارل ماركس على تفاكيره السديدة.هذا الفن الذي يموله الشركاء الإستراتيجيون هو فنهم ، و قدر الفنان المعارض هو أن يسعى لتحويل وجهة فن الرعاة الأقوياء ليجعل منه فنا نافعا للمستضعفين. و هذا لا يكون إلا بوسيلة الكيد الإبداعي الكبير.وفي ذلك المنظور فـ" الحسّاس يملا شبكتو" كما تعبر حكمة الشعب.و في مداخلتي أدناه ستلمس بعضا من رأيي هذا فتأمل فيه و نوّرني بنور نقدك ينوبك ثواب.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط9

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 9


"الحـــــــرف جــــــــــرف" !

بين الإمتثال و الإنتحار:
لعل اكثر ملامح الحروفية العربية حضورا في ذاكرة الحركة الثقافية المعاصرة هو قابليتها للإستجابة لغوايات الفكر الغوغائي يسهولة محيّرة. و ربما أمكن فهم الميل الغوغائي للحروفية العربية بكونها حركة نمت تضامنا بين الجهد الذاتي للفنان العروبي المهموم بمبحث الخصوصية الثقافية في فنه ، و الجهد الآيديولوجيي للمؤسسة السياسية المهمومة بصيانة مصالح طبقة وسطى حضرية انتحلت لنفسها حق القوامة على الأمّة العربية كلها و تذرّعت بذلك الإنتحال الغليظ لفرض سلطتها على كافة الفرقاء الإجتماعيين . و من الطبيعي أن الفنان، الذي يمثل الشريك الأضعف داخل هذه العلاقة غير المتكافئة مع المؤسسة السياسية ، يجد نفسه ، في لحظة ما، أمام السؤال الصعب حين تتعارض أولوياته مع اولويات المؤسسة السياسية: هل يواصل بحثه الجمالي الحر أم يستجيب لأولويات البروباغندا التي تتوقعها منه المؤسسة السياسية؟
هذه العلاقة التي لا تطيق مبدأ الكفاءة بين الفنان و الراعي ليست جديدة في مشهد تاريخ الفن. فالفنان عبد السلطان ،من أول لحظة تحتاج فيها السلطة لوسيلة الفن لتدعيم هيمنتها الرمزية التي هي ضمانة اساسية لصيانة الهيمنة المادية. و الفنان الذي لا يقبل بعبودية السلطان صعلوك خارج و ملعون و مخلوع و مطارد و مقتول لا محالة.و في بلاد سلاطين العربان تقليد عريق راسخ في ملاحقة المبدعين العصاة على اثر " الغلام القتيل " طرفة بن العبد الذي سخر من عمرو بن هند و قابوس أخاة بكلمة كلفته حياته. قال طرفة :
فليت لنا مكان الملكِ عمرو رَغُوثا حول قبّتنا تخورُ
[ الرغوث هي البهيمة العاكفة على معلفها]، م كأن الشاعر الشاب لم يكفه هجاء الملك فتمادى و هجا قابوس أخاه بقوله:
لعمرك أن قابوس بن هند ليخلط ملكه نـُوك كثير
و النوك الحماقة و يقال : رجل أنوك و مستنوِك أي أحمق.
و من يتأمل سيرة طرفة يملك ان يرى فيها تراجيديا الوجود الشاعر بين الإمتثال او الإنتحار. هذا "الغلام القتيل" المعتد بنفسه عاش حياته القصيرة،[ 543 ـ 569] ، متعاليا بالشعر على مشقات الحياة و الموت معا و متأففا من صحبة الملوك . في مشهد طرفة أرى وحشة جليلة لتلك القلة المرموقة من المبدعين المعاصرين الذين رفضوا و قاوموا الإمتثال لمشيئة السلطات .[1] من الشاعر العراقي الكبير الجواهري صاحب القولة المشهودة :
" أنا حتفهم ألج البيوت عليهم أغري الوليد بشتمهم و الحاجبا "
و الذي كلفته مواقفه المعارضة للسلطات أسقاط الجنسية العراقية عنه مرتين مع النفي،[2] للفلسطيتي ناجي العلي رسام الكاريكاتير السياسي الذي دفع حياته ثمنا لرأيه [3]، لمحجوب شريفنا الذي مازال واقفا بسيف الكلمة الحرة في وجه السلطان الغاشم، لغاية رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات الذي كسروا يده التي ترسم بسبب تطاوله على نظام الطاغية المستأسد على الشعب و هو في الحروب[ على اسرائيل] نعام و أزرط [4] ..

العودة لحظيرة الدين
عند هذا المفترق، مفترق إختلال الكفاءة بين الفنان و السلطان، بدأ فســاد المسوّغ الأخلاقي للحروفية العربية و انمسخت المــبادرات الجمــالية الـبريئة لما ســـمّاه شــربل داغــر لــنوع مــن " فن تلفيقي تحويري يقوم مبدأه على استعادة الشراكة و الجماعة ،و تحويرهما إلى مبدأ "الخصوصية" الذي تنهض عليه الحروفية.".." فالحروفية خصّت الشيء ـ و هو العربية نفسها ـ لنفسها ، أي اختارته و انفردت به، كما " اختصّت" به، إذ جعلته دالا مميزا لها عن سواها. فهي حين تجعل العربية مادة " مخصوصة" بالتصوير من دون غيرها ، تخص هذه اللغة بقيمة اعتبارية ، لا تبلغها و لا تدانيها المواد الأخرى أبدا . هــكذا نرى ان الحـروفية العربية اســتعادت فــكرة " اللغة المقدسة" [ التي يقوم عليها فن الخط القرآني] و حوّرتها إلى لغة "مخصوصة" . و مرجعية الحروف في الحروفية لم تعد دينية ، إلاّ أنها باتت مدعاة للتسامي ، أي مجيرة إلى قيمة معتبرة على أنها قبلة جماعية و علامة تميزها عن غيرها. " 21] [5].
هذه" الخصوصية " الإعتباطية التي تضامن الحروفيون مع رعاتهم العروبيين على انتحالها و اسقاطها على الفن العربي المعاصر ، ما كان لها ان تتجذّر في المشهد الثقافي العربي إلا على منطق الإعتقاد الديني الذي يستغني بوسيلة الإيمان عن وسائل التفكير العقلاني. و في مقام الإيمان يملك انصار الحروفية ان يبذلوا للجمهور أنواع الخطرفات الصوفية التي ما أنزل الله بها من سلطان و أن يمسخوا الفن دينا حنيفا دون ان يطالبهم أحد بعقلنة ما يقولون بمنهج موضوعي . و من يتأمل في سير الحروفيين العرب يلمس بسهولة أن معظمهم قد تلقى تربية " علمانية" حداثية عامل الدين فيها يمثل بوصفه أحد مكونات الذاكرة الثقافية أكثر منه نهجا وجوديا. و أن الرجوع ـ "لحظيرة " الدين إنما يعبّر ، في اغلب الأحوال ، عن موقف براغماتي انتهازي أكثر منه إنخراطا اصيلا في الإلتزام الديني. لكن " الشريعة عليها بالظاهر " كما تعبر حكمة الأهالي. وما " الظاهر " ـ بالنسبة للتشكيلي ـ إن لم يكن أعمق أبعاد التدبير الجمالي الذي يلعب بلغة المرئيات؟!.. لقد تدرّب هؤلاء الفنانون على الإمتثال ـ ظاهريا على الأقل ـ لمشيئة الرعاة الآيديولوجيين على عهد الحروفية العروبوية.و حين استشعروا بداية عهد" الصحوة الإسلامية" في بلدان النفط [ السعودية و الخليج ] لم يجدوا غضاضة في الإستجابة للراعي" المؤمن" سيّما و هذا الراعي الجديد، الذي لا يخفي اجندته السياسية ، يبدو ـ ظاهريا على الأقل ـ أثرى و أكرم و أقل لؤما من كاريكاتير الراعي الفظ الذي ورثه ناشط حزب البعث العراقي من القومسير الستاليني في الإتحاد السوفييتي. بل أن الراعي المؤمن يبدو أوسع افقا من الراعي العروبي كون أريحيته تسع التشكيليين المسلمين من خارج دائرة الناطقين بالعربية مثل الحروفيين الإيرانيين و الأتراك و الباكستانيين و الصينيين إلخ.
و يمكن القول أن مطلع الثمانينات قد شهد بداية " إشهار" عدد كبير من الحروفيين لإسلامهم بأساليب شتى فيها الفج المباشر و فيها الماكر اللطيف البالغ الإلتواء و " على قدر أهل العزم تأتي العزائم " .
و مع مطلع الثمانينات، بدأ التأكيد على البعد الديني للحروفية، بذريعة الكتابة العربية، شأن حفنة أدباء يتكسّبون من إنتحال التأويل للفنان الذي "يعمل في صمت" و من اسقاط المبررات الدينية على عمله إلخ... وقد نطق بعض الحروفيين ،الذين صمتوا دهرا، لينخرطوا ،مع حرّاس الحروفية، في غي الرجوع الديني ، طالما اثبت التكسّب باسم الدين نفعه في مجالات أخرى موازية لمجال الفن:
لاحظ بلند الحيدري أن الفنان[ و الناقد ؟] فيصل سلطان " يداخل ما بين حركات الرقص الصوفي المولوي المتميز باستداراته السريعة و بين إيقاعات كلمة" الله " ".." تأكيدا للدلالة الموصلة ما بين الموضوع و الخط المتلاشي فيه"، كما لاحظ عند حسين ماضي، الذي يطرح عبر معرضه في بيروت 1980، " جهدا متفاضلا في استخدام الخط لا كحرف مختزل،".." بل اختزال الكلمة و تأكيد معناها عبر الأشكال التي تنطلق منها و تدور حولها ضمن عناصر زخرفية اسلامية تدنو بك من دلالة كلماته في " الله" و " مالك الملك" و " الحي" إلخ. و هناك محاولات أخرى لإيثيل عدنان و سيمون فتال تدور ضمن رغبة استثارة ذاكرة المتفرج للغور عميقا في مشاعره الدينية و الصوفية من خلال إيقاعات عربية ". انتهى كلام بلند الحيدري في " زمن لكل الأزمنة"، من أزمنة فن العروبة لأزمنة فن الإسلام. و لا يتورّع مثقف عروبي من مقام بلند الحيدري من الإحتجاج بنوع الحديث المنسوب لابن عباس " أنه قال: أن رجلا كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فأحسن تمطيطه ، غفر الله له " [6]. و قد سمعت نفس الحديث من الحروفي " المخضرم" سامي برهان في واحدة من ندوات الملتقى الفكري لبينالي الشارقة [1993]، و ذلك مع إضافة " غفر الله له ما تقدّم و ما تأخر من ذنبه" !.[ و لمن يجهلون سامي برهان ، فهو تشكيلي حروفي سوري من مواليد 1929، درس الفن في سوريا و إيطاليا.في عام 1980 فاز بجائزة لجنة التحكيم عن مجسمه الجمالي الخطوطي المبني على الآية " قل هو الله أحد " الذي تم تنفيذه بحجم نصبي، و استخدم فيه قرابة المئة طن من الرخام، كي يزين مدخل جامعة الملك سعود في الرياض.] في تلك الجلسة التي كان يديرها الفنان السوداني إبراهيم الصلحي، عقبت على كلام سامي برهان تعقيبا اثار غضبه حتى طالب بمحو تعقيبي من مضابط الجلسة.و خلاصة كلامي كانت في أن ما من أحد بين الحضور قادر على إثبات صحة هذا الحديث من ضعفه، و أظن أن الاستاذ برهان قصد من إيراده في هذا المقام مداهنة عواطف الجمهور الدينية من خلال الإيحاء بأن البحث التشكيلي باب في الممارسة الدينية. و هي مناورة تنطوي على إلتواء فكري مركب كونها تهرّب مشروعية البحث التشكيلي العربي المعاصر خلسة إلى مقام الجمهور العربي المتوجس دينيا من الرسم ، في نفس الوقت الذي تهرّب فيه البحث التشكيلي المتسربل بسرابيل الدين إلى مقام النقد الفني الحديث[ إقرأ الأوروبي] الذي يحرسه نقاد "غربيون" قمينون بتزكية هذا الفن الـ "نيوإسلامي " على خلفية حوار حضارات سادت ثم باخت.و هي تزكية تطمئن الجمهور العربي الخارج من متاهات العرق لمتاهات العقيدة على أصالة اختياره الجمالي. في العام 1993 منح بينالي الشارقة سامي برهان لقب " رائد الفن العربي" .[7]

"فرائض الصلاة " في فضاء التشكيل :
أما الباحث الأفريقاني ، النمساوي " أولي باير"، و الذي يدين له الحروفيان السودانيان [ ابراهيم الصلحي و أحمد شبرين]بفضل تقديمهم في محفل الفن المعاصر في العالم الأوروأمريكي، فهو يفترض أن التأمل في بعض انواع الخطوط التي تنبتي على اسم " الله" يمكن المشاهد من الإنطلاق على درب البحث الروحي بنفس مفعول رسومات" التنترا" الهندية.و يؤمّن الصلحي على افتراض "باير" زاعما أن " النظر إلى الإسم مخطوطا هو نوع من الصلاة" [8]. و فكرة " الصلاة" بذريعة الخلق الحروفي تضعي على الحروفيين العرب ، مسلمين أو نصارى، نوعا من هالة دينية تمكنهم من تمويه الممارسة التشكيلية ضمن مباحث التصوّف. ففي كتابه عن "الحروفية العربية" يكتب شربل داغر عن " إيثيل عدنان، الشاعرة و الفنانة اللبنانية المولد، السورية الأب اليونانية الأم : " تغسل إيثيل يديها قبل الرسم تماما مثل المتعبد قبل أداء فروضه الدينية ".." تقبل صوب طاولة الرسم نظيفة، نقية و مستغرقة لأن أي خطأ او دنس [ كذا!] أو اعتذار مستقبح تماما في هذا الطقس ".
أما الحروفي السوداني عثمان وقيع الله فهو يطرح ، خلال أعماله الحروفية التي عرضها في" المركز الثقافي الإسلامي " بلندن [ بين 2 و 13 يونيو 1987] ، معالجة البعد التأملي للكتابة العربية في النص الفرآني. و ذلك في ما أسماه بـ " نظرية البعد الرابع".و الذي ـ حسب تعبيره ـ في المطبوعة الصادرة على شرف هذا المعرض [ دار نبتة للنشر] " ينبثق من التكوين الحروفي للنصوص القرآنية ، فلغة القرآن نسيجها الحرف و الكلمة و الجملة ، و هذا هو قوام اللوحة العربية الإسلامية . فإذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة المذكورة، متمتعة بحريتها الإيقاعية ، مشبّعة غنية بلونها الذاتي ، انبثق بالتحام العناصر التشكيلي ذلك البعد الرابع ".
لا جناح على عثمان وقيع الله [ أو على غيره] من إجتراح خيار البحث التشكيلي في منطقة الكتابة ، قرآنية كانت أم دنيوية. لكن الإحتجاج المفهومي بالمحتوي القدسي للنص كمادة تشكيلية لا يؤدي بنا ابعد من الهلوسة الذاتية التي لا تلزم غير قائلها، و هيهات!
و إذا كان عثمان وقيع الله يركز على معالجة " الحروف المفردة الواردة في القرآن الكريم و المعرّفة بالحروف النورانية " [9]ضمن منطق جمالي يسافر في شعاب التشكيل على مطيّة الدين، فالحروفي الإيراني " حسين زندرودي" ينخرط بكليته في الممارسة الدينية ، مسافرا في شعاب التصوّف الإسلامي على مطية التشكيل .. أو كما قال في الورقة التي قدمها إلى " مؤتمر الفن العربي الإسلامي و آسيا" المنعقد باسطنبول بين 7 و 12 سبتمبر 1982 :
" في صلاة المسلمين تتكرر السورة الواحدة عدة مرات. و لهذا التكرار أثر روحاني، أما أنا فقد كنت استخدمه لإقامة علاقة صوفية . كنت أكتب، مثلا ،كلمة " الله" بصورة متكررة إلى أن تمتلئ اللوحة بها. كنت استعمل لهذا الغرض تلوينات مختلفة لتوليد الأثر الجمالي، إلا أنني كنت ارسم شيئا اشبه بالصلاة ".." أبحث في نتاجي، على اختلاف النصوص التي اعو دبها و معالجاتها المختلفة ، عن الوصول إلى حالة الإنقلاب الشخصي التي تتيح الإتصال بالله و التعبير عن الغبطة الروحانية، و تمكين كل فرد من مخاطبة خالقه . البحث الروحاني هو غرضي الأول كفنان " [10] .

الريس الذي غرّق مركب نوح :
قلت أن عودة الحروفيين إلى حظيرة الدين في الثمانينات تزامنت مع تراجع الراعي القومي العروبي و ظهور الراعي" المؤمن" في المشهد الثقافي العربي. لكن هذا" الراعي المؤمن" لم يعد يقصر رعايته على الفنانين العرب فحسب بل هو منفتح على الفنانين عموما بصرف النظر عن انتماء الفنان الثقافي أو الديني او العرقي .و أفضل مثال على هذا "الإنفتاح" يتجلّى في سياسة مدينة جدّة السعودية التي كلّفت فنانين من كافة انحاء العالم بطلبيات لعمل " أشكال جمالية" و " مجسّمات" ، حسب التعبير السعودي ، مقصود منها تجميل شوارع و ساحات المدينة. فعلى كورنيش جدة الممتد لحوالي 100كيلومتر ينتثر 478 مجسما لفنانين بعضهم يتمتع بشهرة عالمية مثل " هنري مور" و " الكسندر كالدر " و " فازاريللي" جنبا لجنب مع فنانين لم يسمع بهم أحد في أعمال ضعيفة القيمة..هذا الراعي الجديد الثري الذي يشتري "أي شيئ" بدون تحرّز ، مدفوعا بالرغبة الملحة في تأثيث فضاء المدينة بعلامات الحداثة و تمييزها عن غيرها من حواضر البلاد ، هو الذي يغري بعض التشكيليين العرب بالعودة لحظيرة الإيمان والتنافس على مداهنة المشاعر الدينية للمسؤول/الراعي المنقسم بين علو صلاحياته الإدارية و تواضع ذائقته النقدية.و لتجنب اللبس المحتمل في هذا الأمر فمفهومي لـ " الذائقة النقدية " يتجاوز مقام " المزاج" الذاتي لشخص الراعي لينطرح في مقام الموقف النقدي المؤسس على تراكم الخبرات و المعارف التي تؤهله و تشرعن خياره الجمالي كموقف تربوي. ذلك أن اختيار عمل ما و وضعه في الفضاء الجمعي هو عمل تربوي غايته الإرتقاء بالذوق العام من خلال التعليم الجمالي المتصل المنظم.و في هذا المنظور تتعاظم مسؤولية راعي الفنون بقدر ما ينجح[ أو يفشل ] في توجيه الذوق العام للجمهور. و من يتأمل في الطريقة التي يؤثث عليها رعاة الفنون المؤمنين الجدد فضاء المدينة بآثار الفن وفق نموذج مدينة جدة ، فهو لا يملك إلا أن يتعاطف مع الكاتب السعودي محمد العباس الذي يحمل حملة شعواء على هذا الواقع بقوله:
" هذا المتحف المتمدد ببذخ لافت في الهواء الطلق الذي يكتظ بروائع الفن العالمي لا يخلو من كاريكاتير ثقافي، فهو على قدر غير يسير من الفوضى الفنية، لدرجة أنه يربك الحواس و يولد الإحساس بالتشويش البصري، و الإغتراب الروحي احيانا، خصوصا عند محاولة استيعاب تلك البعثرة الشكلية كمنظومة ، حيث تحولت الساحات العامة إلى وسائل تعليمية و إيضاحية تلقينية . كما تم التمثيل عن ذلك المنحى بفجاجة تعبيرية مباشرة من خلال متوالية من النصب المضخـّمة التي تحيل إلى التراث بمعناه الإنبساطي الساذج كالمباخر و جرار الفول و دلال القهوة و قوارب الصيد و الفوانيس. كما تم تعريف الميادين بمجسمات استعراضية للخيول و الجمال و الصقور و الدراجات و الطائرات و أدوات الهندسة بدعوى التنوّع و التماس مع المعنى اليومي و التاريخي الذي تؤديه مدينة جدة. أي المواءمة بين الشعور الشعبي و تعاليات الأحاسيس الثقافوية." [ 11]
و قد لاحظ شربل داغر أن " مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية [ في جدة] تقوم على تشكيلات من الخطوط العربية حتى أن البادئ الأول في هذا السعي كان الفنان الإيطالي " لافوينتي" ، في أحجام كبيرة قل نظيرها في العالم. إن وزن البرونز الذي يشكـّل الآية الكريمة " رب ادخلني مدخل صدق و اخرجني مخرج صدق" عند مدخل الصالة الملكية لمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، يصل إلى عشرين طنا، كما أن مسطح الكرة الأرضية العملاقة ذات الزجاج الملوّن، يبلغ ستمائة متر مربع.ضخامة في الأشكال و فخامة في المواد أحيانا " [12]
كل هذه " الضخامة" و " الفخامة" و البذخ و فرص الكسب السهل هي أمور لا قبل للفنان العربي الفقير اليتيم بمقاومتها.و هكذا كان من الطبيعي ان يتنافس المتنافسون على نيل رضاء الراعي المؤمن و لو أدى بهم الأمر لإتخاذ مواقف لا تليق بتجاربهم و معارفهم و مواقعهم من خارطة الثقافة العربية المعاصرة. و في هذا المشهد يقف الفنان اللبناني الحروفي " المخضرم" عارف الريس [ 1928 ـ 2005] كمثال بليغ على تهافت الحروفيين العروبيين أمام سلطة الراعي المؤمن. و عارف الريس لمن يجهلونه شخصية مفتاحية في تاريخ حركة الحداثة التشكيلية في لبنان.و مساهماته الفنية و النظرية و مواقفه السياسية التقدمية تتجاوز حدود لبنان لتثري حركة التشكيل المعاصر في العالم العربي. [13].و عارف الريس ليس نسيج وحده في هذا الموقف لكني توقفت عند تجربته من باب الحسرة على مآل هذا الشيخ الجليل، تلميذ" فيرنان ليجيه" و" زادكين" في الخمسينات ، الذي اضطرته ملابسات جيوبوليتيك الفن في العالم العربي إلى تلبية نداء الراعي المؤمن و العودة لـ "حظيرة الإيمان " السعودية. ففي منتصف الثمانينات غادر الريس لبنان إلى السعودية و أمضى عدة سنوات انجز فيها منحوتات مستمدّة من الحروفية العربية على نصوص دينية مثل " الله" و " الله أكبر" و" يارب" و " كنتم خير أمّة أخرجت للناس" و " الله نور السموات و الأرض" و " سيوف الإسلام" . معظم هذه المنحوتات النصبية تزين فضاءات مدن سعودية كالرياض و جدة و الطائف و تبوك .و في مقابلة مع محر الملحق الثقافي لصحيفة الخليج، يعلق عارف الريس على هذا الإنجاز بوصفه للمنحوتات بكونها " مستمدة من علاقتي بتراثي. الحروفية العربية هذه المرة أخذت شكل الحجر المتحرك في الفضاء، و المنحوتات جميعا ارتكزت على قواعد هندسية أكدتها صيغة الحرف العربي نفسه .. فأنا من الذين يعتقدون ان الحرف العربي يمتلك القياس الدقيق و المتناغم. لقد تحولت المنحوتة إلى كلمة حجرية تقرأ بذاتها كدلالة فنية و روحية معا. أي أن عملية الصوغ استمدت قوتها من قوّة الموقف الذي أعبّر عنه. فمنحوتة مثل " الله أكبر
" أو " يا رب" أو الله نور السموات و الأرض" كلها بنائيات جمالية لا تتجه إلى تجريد مهوّم، بل تذكر بوعي صوفي يؤكد ارتباطه بروح المكان و زمانه" [14]. و في حمى الراعي السعودي لا يكتفي الريس بتجنّب " التجريد المهوّم " فحسب ، لكنه ينفض يده من مجمل التركة النقدية التي تحققت داخل النسخة العربية التحررية لحركة الحداثة و التقدم ، ثم لا يتورّع عن سب المثقفين العرب المهمومين بـ "التنظيرات و التحليلات " [ كذا!]. يقول : " في أجواء منطقة مكة المكرّمة شعرت بارتياح عميق و بانتماء حضاري اصيل تحصّنت فيه من كل متاهات الجدليات المعاصرة و التنظيرات و التحليلات الفلسفية و الإجتماعية و السياسية الني تطغى عادة على عقول المثقفين العرب فتسلبها إرادتها و نسقها الحر المستقل ."..في مثل هذا السياق المفجع تستغيث أمّي عادة بـ " النبي نوح "، لكن هذا" الريّس " الملاّح الذي يجدّف في حق حركة التقدم العربية قمين بإغراق سفينة نوح بحالها " في شبر موية " و الأجر على الله !
سأعود

.................................... .
[1]قالوا أن طرفة كان في صباه معجبا بنفسه يتخلّج في مشيته. فمشى تلك المشية مرة بين يدي الملك عمرو بن هند، وكان قد هجاه من قبل، فنظر إليه الملك نظرة كادت تبتلعه. و كان خاله المتلمّس [ جرير بن عبد المسيح ] حاضرا، فلما قاما من المجلس قال له المتلمس:" يا طرفة إني اخاف عليك من نظرته إليك " فلم يأبه طرفة و حمل رسالة الملك لعامله في البحرين و عمان ، و فيها أمر بقتل طرفة. كان طرفة عارفا بمحتوى الرسالة و لم يثنه ذلك عن بلوغ المكعبر عامل الملك.بل أن المكعبر الذي كانت له صله نسب بطرفة لم يقبل قتله فبعث ملك الحيرة رجلا من تغلب و جيئ بطرفة إليه فقال له:" إني قاتلك لا محالة فاختر لنفسك ميته تهواها" ، فقال :" إن كان و لا بد فاسقني الخمر و افصدني ".
أنظر الرابط
https://www.khayma.com/sohel/tareekh/tareekh18.htm
أنظر، شرح المعلقات السبع للزوزني، دار الجيل، بيروت ، 1979.ص 61,
[2] يمكن الإستماع لقصيدة الجواهري " أنا حتفهم " في الرابط
https://www.iraqhurr.org/content/article/1956893.html

[3] أنظر موقع ناجي العلي في الرابط
https://www.najialali.msrmsr.com/
[4]
شاهد و اسمع فرزات على الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=FKkg8Fz6Iyw

[5] شربل داغر ، اللوحة العربية بين سياق و أفق، 130.
[6] بلند الحيدري، زمن لكل الأزمنة.
[ 7].للمزيد عن سامي برهان أنظر الرابط
https://www.justsyrian.com/vb/t2590.html
[8] أولي باير، حوار مع الصلحي، بايرويت ، 1983.
Ibrahim El-Salahi: Conversation with Ulli beier, Iwalewa-Haus , Universitat Bayreuth,, September, 1983
[9] ش .داغر، الحروفية.
[10] ش. داغر، الحروفية ، ص 152,
[11]أنظر مقالة محمد العباس عن نصب جدة في جريدة الرياض، عدد الخميس 1 يوليو 2010، و هي متوفرة ايضا على الرابط
https://m-alabbas.com/ara/contact/p2_articleid/272
[12]ش. داغر. اللوحة العربية بين سياق و أفق.102.
[13] عن سيرة عارف الريس أنظر الرابط
https://www.jehat.com/Jehaat/ar/Tashkeel ... 3aaref.htm
[14] عارف الريس، مقابلة منشورة في صحيفة الخليج، الملحق الثقافي ، العدد 2731،رقم 284، الإثنين 13/19/1986.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

Re: فن الرعاة و فن الفنانين

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

حسن موسى كتب:[size=24]عبدالله بيكاسو الشقليني سلام جاك و قعد معك..
شكرا على تأملاتك و تساؤلاتك النقدية و كل طرف منها ينبئ عن اشتباكات مفهومية تنتظر في عتمة الخاطر، و لا بد لنا ، في نهاية المطاف ، من معانقتها و تفحصها واحدة واحدة. لكن ما استرعى انتباهي هنا هو طرفها الذي يمس موضوعة الرعاية.فالرعاة، ملوك او رؤساء اوأثرياء او أحزاب و منظمات سياسية ، ضروريون لإستمرارية الإنتاج الفني.و الرعاة ، أو "الشركاء الإستراتيجيون" حسب عبارتك ، هم اصحاب الكلمة الأخيرة في تشكيل توجهات و غايات الآثار الفنية التي تنتج تحت رعايتهم. و نحن كفنانين إنما نحيا، في نهاية تحليل ما،على توتر أزلي بين نوع الفن الذي نحلم بتحقيقه و نوع الفن الذي يسقطه علينا رعاتنا الذين يدفعون لنا نفقة ابداعنا. هذا التناقض ليس لازبا لكل فنان. فهناك فنانون متوائمون و متحالفون مع رعاتهم و هناك غيرهم، و لا جناح فالحرب سجال،و ساحة الخلق الفني هي طرف من ساحة المواجهة [ الطبقية ] المتنوعة المستويات التي كتبت علينا ضمن ما نكابد من عيش عصي تحت شروط المجتمع التناحري و الشكر و العرفان موصولان لسيدنا كارل ماركس على تفاكيره السديدة.هذا الفن الذي يموله الشركاء الإستراتيجيون هو فنهم ، و قدر الفنان المعارض هو أن يسعى لتحويل وجهة فن الرعاة الأقوياء ليجعل منه فنا نافعا للمستضعفين. و هذا لا يكون إلا بوسيلة الكيد الإبداعي الكبير.وفي ذلك المنظور فـ" الحسّاس يملا شبكتو" كما تعبر حكمة الشعب.و في مداخلتي أدناه ستلمس بعضا من رأيي هذا فتأمل فيه و نوّرني بنور نقدك ينوبك ثواب.

[color=blue]
(6)
العزيز حسن محمد موسى ،
هذا الذي تفضلت بكتابته ، أتفق فيه معك

وهذه هي النقطة التي ربما كثير من المعارضين لمسلك الرعاة الإستراتيجيين ، حسبما كتبنا ، ربما يتوقف نضالهم على التضحية المثالية التي هي محصلة فنانين ماتوا فقراء ، فموتزارت مات فقيراً ودُفن في مقبرة غير معروفة ، وفنانين في بطونهم جذوة إبداع ، مثل صديقنا حسن موسى وعبد الله بشير بولا ، فرا بجلودهما من قسوة أمن نميري في السبعينان ، وكانت فرصهم للمقاومة في بلد تعرف قيمة الفن أفضل كفرنسا رغم هيمنة راس المال المتعولم ، لا المؤسسات التي هبت علينا برياح ما قبل التاريخ ، تقول في فلسفة التبرير أن " الفن الإسلامي " قد سبق النهوض في مدرسة ( التجريد ) قبل ثلاثة عشر قرناً ، ما بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن السادس !!!!!!
والحكمة أين :

في حديث الكلب والصورة :
لا يدخل الملائكة بيت فيه صورة أو كلب

سيداتي سادتي : هل في ورقة الشجرة روح ؟
ياه .....



[/color]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط10

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 10

إمتهان المصورين:

" لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب " !
سلام يا عبد الله[ بيكاسو] الشقليني. تعرف في عبارة هذا الحديث شيئ مشاتر كونه يجمع في فئة واحدة بين مصنـّفين متنافرين هما " الصورة " و " الكلب" و يجعل منهما موضوعا لإدانة واحدة ، بينما بقية الأمتعة و الحيوانات المنزلية الأخرى من ابل و بقر و خيل و حمير و غنم و قطط و دواجن و ثعابين و عقارب و خنافس و نمل تنعم بقبول الملائكة. بالنسبة للمصنف الأول : " الصورة " ، أعتقد أنني اكتشفت هذا الحديث في وقت متأخر ، أي بعد فوات الأوان، و حينها لم يعد في وسعي الإستغناء عن التصاوير لإستقبال الملائكة.[ و على كل حال لو في ملايكة مصرة تشوفني بلاقيهم في الشارع ] ! ، و بالنسبة للمصنف الثاني: " الكلب "، فقد عرفت في يفاعتي الباكرة أن العالم ينقسم لنوعين من البشر: الذين يقبلون الكلاب و الذين لا يقبلون الكلاب . أظنني كنت في السادسة من عمري حين أهدانا بعض الجيران جروا لطيفا، ففرحنا به أيّما فرح و حملناه للدار وقضينا يومنا نعتني به و نلعب معه.لكن فرحتنا لم تدم ، إذ ما أن رأي الوالد الجرو حتى أمرنا بحزم ظاهر ان نرد الجرو لأصحابه بحجة أن "الكلب ينبح في الضيفان ". من حينها عرفت بأننا ولدنا في غير معسكر محبي الكلاب ، فكان أن قنعنا برعاية القطط التي كانت تتمتع بحظوة خاصة[ لدي أمي التي لم تكن تتحرّج من محاورتها كما لو كانت تنطق ،" قالوا الكديسة اكلت مع النبي في قدح واحد"! ] و الدواجن و أنواع من الحيوانات النادرة التي صارت جزءا لا يتجزأ من ميراث الأساطير الشفهية العائلية [ بقرات و غزالة و سلحفاة و قرد و ببغاء و نعامة و حماران واحد لنقل أبي من و إلى السوق و آخر لجلب الماء من الدونكي]. مرة ، في مطلع الخمسينات ، جلب أحد الأقارب فرخ نعام بزغبه فتركته أمي في معية دجاجاتها. في البداية لم يتنبه أحد لأن معدل نمو النعامة لا علاقة له بنمو الدواجن المنزلية. فكان تعملقت النعامة وتحولت بسرعة لنوع من حيوان عجائبي يجتذب الصغار و الكبار من أهل الحي، قبل أن تتحول لمشكلة حقيقية حين بدأت تنطلق في الشارع و يتبعها جمهور من الأطفال الهائجين من الفرحة. تعودت نعامتنا أن تسوح في شوارع الحي المتربة ثم تعود مع المغيب لتبيت في ركنها بين دجاجات أمي اللواتي كن قد قبلن بها على زعم أنها مجرد دجاجة كبيرة رعناء أخرى، حتى جاء يوم خرجت فيه نعامتنا و لم تعد ابدا.من حين لآخر اتذكر إختفاء نعامتنا و أتأمل في الفراغ الكبير الذي تركته بين أهل الحي و بين سكان حوش الدواجن.
...
قالوا أن سليمان عليه السلام لمّا غضب على الهدهد قال:
سأعذبه العذاب الأشدّ هولا من القتل!
قالوا: و ما أشد هولا من القتل؟
قال سأضعه بين قوم لا يعرفون قدره.
قلنا : يا ويلنا! لا تدخل الملائكة بيوتنا و لا يزور معارضنا جمهور عيال المسلمين ، الذي يجهل قدرنا ، إلا ليلعننا أو يذكرنا بحراجة موقفنا في مواجهة قياس أقرن حدّه الأوّل " حار" و حدّه الثاني " لا يُنـْكَوى به " فما العمل؟!
لا عمل غير النظر النقـّاد في مجمل منعطفات المسار الذي اوصلنا لغاية جنازة هذا الشيء الذي يسمّي نفسه " الفن الإسلامي المعاصر "، هذا الفن "الرسمي" الذي ينتحل صفة الإسلام في فضاء الثقافة المعاصرة و الذي يبني له الرعاة المؤمنون أغلى الاضرحة في أعظم المتاحف " التي لم يخلق مثلها في البلاد"[ الفجر]، . ما هو إلا آلة حربية أخرى بين عشرات الآلات التي تدفع نفقتها دوائر رأس المال المتعولم كجزء من " المجهود الحربي" في هذه الحرب الشاملة المعلنة على المسلمين المعاصرين.. هذا الفن الإسلامي المعاصر يضع لنفسه أولوية قصوى غايتها تحييد أو تجنيد الفنانين المسلمين المعاصرين في أجهزة البروباغندا السياسية العايرة في ساحة الثقافة المعاصرة بذريعة "حرب/حوار" الإلتباسات المفهومية بين الشرق و الغرب [إقرأ: بين الإسلام و المسيحية ]!و المداخل كثيرة لعقلنة الطريقة التي يتخلـّق عليها جدل القطع و التواصل بين مكونات هذه الظاهرة المتحققة عند تقاطع الفن و السياسة
فمن أين نبدأ؟

أدخل من مدخل حديث ابن عباس أن النبي [ص] قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا تصاوير "، أو " من صوّر صورة في الدنيا كُلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح و ليس بنافخ " ، أو في ما روي عن مسلم أنه قال:" كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صُفـّته تماثيل ، فقال : سمعت عبد الله قال: سمعت النبي [ص] يقول: أشد الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون "، أو فيما روي عن عائشة أنها " اشترت نـُمرُقة فيها تصاوير فقام النبي[ص] بالباب فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله مما أذنبتُ . فقال ما هذه النمرقة؟ قلت لتجلس عليها و تتوسدها.قال:ان أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : احيوا ما خلقتم، و أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة".[1]

لكن الناظر في أدب الفتاوي المستشري على الأسافير يقرأ أكثر من تفصيل مثير للتأمل على صورة تخريج الخطابي الذي يصنف الصور لصور ممتهنة و صور غيرها و يحلل اتخاذ " الصور التي تمتهن في البساط و الوسادة و فيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه"..
"..
قال النووي في شرح مسلم:"قال الخطابي: إنّما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية، والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه" وقال ابن حجر في تعليقه على حديث جبريل: "وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة، فأما لو كانت ممتهنة، أو قطعت من نصفها أو رأسها فلا امتناع" . [2]

في حديث " امتهان" الصور إضمار بأن التصرف في الصورة يبطل مفعولها السحري، سواء بطريقة عرضها على الأرض فتطأها الأقدام ، كما في حالة صورة جورج بوش الأب التي رسمتها الفنانة العراقية ليلى العطار عند مدخل فندق الرشيد ببغداد [3] ،أو بتحويرها أو بإتلافها كما في حالات الإعتداء باسم الدين على تصاوير المخطوطات الأثرية أو التماثيل الموجودة في الأماكن العامة. لكن المشكلة الحقيقية تبقى في أن إتلاف الصورة لا يلغي مفعولها و إنما ينتج صورة جديدة تذكّر بالأصل السابق على فعل التحوير او الإتلاف و تنضاف لمسلسل التصاوير اللانهائي.و ديمومة التصاوير إنما تنهض على مبدأ أن إدراك الناس للوجود لا يستغني عن وسيلة التصاوير بأية حال.و قد طرحت مركزية حضور التصاوير في حياة الجماعة، طرحت على السلطات، ومنذ أقدم العصور، موضوعة ضبط التصاوير و السيطرة على مفعولها و استخدامها لدعم قبضة السلطة على مقدرات الجماعة.والأدب المبذول بين ايدينا منذ قرون في موضوع شقاق التصاوير إنما يمثـُل كسجل للشقاق الإجتماعي الناتج من تناقض المصالح بين الفرقاء التاريخيين. و ضبط السلطات للتصاوير لا يقتصر على ضبط الصورة وحدها بالتصرّف في طريقة عرضها أو بتحريفها أو إتلافها أو حظرها و إنما يتعداه لمحاولة ضبط النظر و تأطيره بجملة من الموجهات و المحاذير و اللوائح و المغريات. و فوق هذا و ذاك فليس هناك وسيلة أكثر كفاءة من السعي لضبط المصورين باستمالتهم لجانب السلطات أو بتحييدهم أو بإرهابهم أو حتى بتصفيتهم عند مقتضى الحال.و تاريخ علاقات السلطان و الفنان في المجتمع الإسلامي جعل من "امتهان المصورين" تقليدا مرعيا في ممارسة السلطة.

سأعود

............................. .
[1] أنظر صحيح البخاري، الجزء السابع، دار إحياء التراث العربي، القاهرة[ بلا تاريخ]، صص 214 لـ 217.
أنظر الرابط
https://www.9alam.com/forums/archive/ind ... -6512.html

[2] أنظر الرابط
https://www.islamweb.net/newlibrary/disp ... 56&ID=1769

[3] انظر صورة جورج بوش في فندق الرشيد على الرابط:
https://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?p=884036

أو
https://www.youtube.com/watch?v=c__ypMS8imE
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

ليس لنا إلا أن نشيد بما كتبت ..
تحية لك أخي حسن موسى

أذكر في ثورة تونس أن من الشعارات التي كان يرددها الثوار في الساحات ،
ولها أيضاً علاقة بالخط واللغة وشعر الشابي :
( إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بُدّ أن يستجيب القَدَر ...)

وإذا لم يستجب القدر .. يا تُرى ما الذي سوف يحدث !؟

وجاء الإخوان بثوب الخفاء أنهم رُحماء بغيرهم ، حتى يتيسر امتلاكهم السلطة ،
ومن بعده امتهان البشرية قولاً وفعلاً

......
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 11

مشاركة بواسطة حسن موسى »

جنازة الخط 11
سلام يا الشقليني و شكرا على المتابعة لكن أمر فن عيال المسلمين طويل سلبة وما لم نتضامن على فلفلته و نقده فهو سينتهي بنا إلى مقام "امتهان البشرية قولا و فعلا" حسب عبارتك.و ما نشهده اليوم من امتهان للفنانين ما هو إلا البداية في هذا المسار المظلم الطويل العامر بالشقاء.!




صورة " سالم موسى"

" ليس بالخبز وحده .."،" لا إله إلا الله!"،" يا عمال العالم اتحدوا..!"،"إفتح يا سمسم !"،" الثورة تنطلق من فوهة البندقية "،" قد أختلف معك في الرأي لكني مستعد للموت من أجل حقك في التعبير ..!"،" الحرية لنا و لسوانا"، " إذا الشعب يوما أراد الحياة.." و غيرها من العبارات السحريات ممن فجّرن البراكين الدفينة في أفئدة الجموع البشرية المتحمسة، كل هذا الادب يردنا لكفاءة الكلام الإجتماعية حين تقع الكلمة المناسبة حيث تنتظرها الأسماع المتحرقة للفعل.و العبارة السحرية مثل الكائن الحي تولد[ من العدم ؟] ثم تحيا و تعمّر وتبني عزّها قبل أن تضمحل و تتفتـّت ، و قد تموت و تقبر في ارشيف التاريخ. لكن موت الأدب قابل للنقض حين تقيـّض العناية للعبارة الميتة نوع الملابسات التاريخية التي تؤهلها للإنبعاث من قبرها فتحيا من جديد.
هذا الصباح خطرت لي عبارة سالم موسى الملهمة:
" الحقيقة تبدو و لا تكون " التي أخرجها لنا بولا مرة في منتصف السبعينات فتنبّهنا لسر سالم موسى .
هذه العبارة، الملغومة بالتفاكير على إيجازها، " تبدو" كما الطلسم الذي أورثنا إياه هذا الشاب الغريب قبل أن يختفي في لجّة الماء، فكأنه موسى فلق البحر بعبارته و غاب في النيل زاهدا في النجاة من الحياة ومن الموت معا . من حينها و نحن نتضامن على صيانة سيرة هذا الغريق الفتـّان بحكايات و أحابيل تنتهي كلها عند تلك القولة السحرية في حقيقة الحقيقة.
فمن هو سالم موسى ؟ و من أين له كل هذا البأس الفلسفي الخفي ؟و ما طبيعة هذا الفن الذي كان يشغل خاطره في تلك الستينات التي تمخضت عن " ثورة شعب" أعزل إلا من سلاح الحماس الديني؟
كل هذا علمه عند ربي [ و بعض منه عند بولا و آخرين من أصدقاء سالم موسى الصامتين]. لكن كلمة سالم موسى فرضت نفسها علينا كلنا و نحن نتأمل في مفهوم الصورة كـ " حقيقة" وجودية و إجتماعية تنظم الفضاء الذي تتخلق فيه إشكاليات الفن ضمن جدل العام و الخاص. فالصورة التي تساورنا تفيض عن مجرد الحضور البصري أو الحجمي أو الصوتي و غير ذلك من موضوعات جوارح الإدراك. الصورة موضوع الرؤيا هي ما يمكن أن نطلق عليه " صورة الوجود" التي تتفرّع منها، و تتفرع إليها في نفس الوقت، جملة الصور الأخريات المتتابعات و المتشابكات و المتكاملات و المتعارضات و المتساندات في آن معا. صورة الوجود المتوترة بين ما كان و ما هو كائن و ما ينبغي له أن يكون ، و لو شئت شططا فقل هي صورة "الحقيقة "[ و سجن سجن غرامة غرامة!].
القشيرة؟! ذلك الشيئ المتحوّل الممسوخ المخاتل الذي اخترعه المؤمنون[ والإنسان حيوان مؤمن] خوفا من الموت الأناني الذي يكشف اجندته منذ بداية المضمار. " الحقيقة"! هذا "الشيئ" العجيب الذي لا يستغني عن "الزيف " ، حتى "يبدو" لبصيرة " ود ابن آدم الغلّب الهدّاي" ، هو، في نهاية التحليل، بمثابة أُسّ الإلتباس الوجودي و مبتدأه و منتهاه في آن. الحقيقة لا تكون إلا كما تبدو" كــ .. " كائنة في مقام الحقيقة. و على كاف التشبيه أسوّغ لنفسي القول بأن الحقيقة تبدو لوهلة حين تكون، مثلما تكون، لوهلة أخرى، حين تبدو. و " الوهلة" في لسان العربان هي مبتدأ كل شيئ.و في مشهد الوهلة فالحقيقة [ كما الزيف] لا تبدو و لا تكون إلا في مبتدأ أمرها قبل أن يدركها قدر الإنمساخ الذي يتربص بها عند عتبة كل إستهلال . الحقيقة تبدو ككائنة رهينة بـ " وقف التأويل" ، على وزن " وقف التنفيذ" في رطانة الحقوقيين و الله أعلم. [ شايف " الله أعلم" دي؟]. عبارة سالم موسى تزعزع صورة الحقيقة الكائنة النهائية لتثبتها في صورة الحقيقة البادية المتحولة.و مشكلة الحقيقة" البادية" إنما تكون في شبهة " دوغما" ثباتها على مبدأ التحوّل الأزلي.ذلك ان تثبيت الحقيقة لأي صورة كانت هو ، في نهاية تحليل ما ، مناورة " دينية" مقصود منها تطمين العباد ضد واقع التحوّل المتأصّل في فعل الحياة ، و الذي يؤدّي بالأحياء إلى الموت.
و صورة الله ؟!
" يا زول الله شافوه بالعين و لاّ عرفوه بالعقل؟ !"..
هذا التعبير الشعبي الذي يجسد المنطق الشكلي ينتفع به الأهالي في إرهاب المحاور و إغلاقه في إجابة واحدة لا تحتمل غيرها:" طبعا الله عرفوه بالعقل! ".و فوق منفعة فرض الإجابة على المحاور فالسائل يفرض على المحاور مسـلـّمة زائفة فحواها أن هناك قاعدة للمناقشة في شكل قناعة إيمانية مشتركة مصيرها ان تؤدي بالطرفين للإتفاق و في النهاية فكل شيئ من عند الله و إنا لله و إنا إليه راجعون . لكن موضوعة " الشوف" في هذه العبارة كانت تغريني في سنوات إيماني اليافع بالإجابة الممنوعة:" طبعا الله شافوه بالعين !" ، عين البصر المحسوسة القريبة ناهيك عن عين البصيرة التي ترى في ظلمة الخاطر و عين الخيال الجامح الناهل من تصاوير الفن و الأدب التي لا تستغني عن الصور. مرة قال لنا معلم التربية الدينية في" مدرسة الأبيض الأميرية الوسطى" أن من المستحيل على اي مخلوق ان يتصوّر صوره الخالق و أن الله في النهاية هو بخلاف كل تصوّر قد نتوصل إليه، و أنه من الأنفع لنا أن نتفكر في صفات الله و لا نتفكر في ذاته فنهلك .. و اظننا فهمنا ذلك المنع المصحوب بوعيد الهلاك كدعوة مفتوحة لمتابعة خيالنا الجامح في شعاب تصاوير الله الأدبية و الأيقونية. كنا في طفولتنا نتخيل الله في صورة رجل عملاق أشيب طيّب المحيّا تغطي نصف وجهه لحية بيضاء و عليه ملابس بيضاء واسعة، يحيط به جمع من الملائكة بينما هو مشغول بتصريف أمور الخلق يحيي من يشاء و يميت من يشاء ، يفصل في قضايا الإنس و الجن و يولج الليل في النهار بيد و ينظم الفصول و حركة الأفلاك بيد أخرى و لا يستنكف عن أن يضع سره في اضعف خلقه ، إلى آخر تلك الصور الرائعة التي يبذلها النص الديني لخيال المؤمنين المعاصرين، و التي تستقر على مرجعها الآيقوني في رصيد التصاوير التي بذلها لنا ، عبر مستنسخاته المطبوعة و المبثوثة في السينما و التلفزة ، إعلام حداثة السوق.. و هذه التصاوير تصدر، في أفضل احوالها ، عن صورة الله في التقليد الأيقوني النصراني السائد . كما جسدتها مراجع الرسم النصراني منذ القرن الرابع عشر ، بالذات في تصاوير فناني "عصر النهضة" الإيطالية، و التي بدورها تستلهم ايقونات التقليد الإغريقي. [1]

كل هذه الثروة الأيقونية الغامرة ، انتهت بي إلى تكييف مخيلتي الطفلة لقبول فرصة أن " الله شافوه بالعين ". و حتى حجة أن صورة الله تقيم في ما وراء مقام التصاوير، المعتمدة على ذلك الحيّز المستحيل، حيث " ما لا عين رأت"، و الذي يطرح نفسه كحيّز لا يدركه بصر و لا بصيرة و " ليس كمثله شيئ ". فهي تنتهي بخلق صورة لما لا تطاله الصورة، و هكذا فلا شيء يفلت من طائلة التصوّر.
و العبارة التي تعارض بين" شوف العين" و" شوف العقل" تنطوي على إضمار ظاهر لتسويغ " الشوف" كوسيلة مشروعة لعقلنة وجود الظواهر. و قيل كمكمّل لشوف العقل. لكن شوف العين " البصر" معطوب بحكم خضوعه لأهواء" النفس" الأمّارة بالطيب و الخبيث معا . شوف العين يملك ان يختلق ما لا يمثل في حيز الواقع مثلما يملك أن يحوّر ،أو حتى يلغي بالمرة ، ما هو واقع أمام الحواس. و موضوعة قصور شوف البصر أمام شوف البصيرة تضمر أن شوف العين يتحقق في مستوى فعل حسي يكتفي من الموضوع بظاهره دون ان يتحرّي اسباب وجوده الأخري [ اين؟ و كيف ؟ و كم؟ و متى ؟ و لماذا؟إلخ.].على هذا الإضمار
مال المفكرون المسلمون المنقسمون في المناقشة القديمة حول إشكالية رؤية الله ، مالوا لذلك الطريق الثالث ، طريق العين الثالثة، فيما نسب لابن حزم من " أن الرؤية السعيدة ليست بالقوة الموضوعة بالعين بل بقوة أخرى موهوبة من عند الله" أو كما جرت عبارة الإمام الأشعري : " أن الله لا يُرى بالأبصار و لكن يخلق الله لنا يوم القيامة حاسة سادسة فندركه بها ". [2]


هذه الحقيقة المتوترة بين شوف العين و شوف العقل لا ترتاح إلاّ في ثبات اليقين الديني. لكن اليقين الديني المتصوّر و المتوثـّن صورة معرّض بالضرورة ـ ضرورة حياة الصورة [ و لا بد من العودة لـموضوعة " حياة الصورة " في مقامها ] ـ لمخاطر التحوّل التي يبتلي بها الناظر كل صورة يطالها نظره .كمثل انمساخات الوهم البصري في صورة "الأرنب /البطة" عند "جوزيف جاسترو" و " إرنست غومبريتش" و " فيتغنشتاين" التي تفضح آحادية الرؤية و تفسد شوف العين و شوف العقل معا.[3]. فالناظر للرسم الذي يمثل أرنبا و بطة في نفس الوقت، يعرف أنه يملك أن يقرأ أرنبا أو بطة على التوالي لكنه لا يستطيع ان يرى الأرنب و البطة في نفس الوقت. ذلك ان الشوف يطرح نفسه كخيار ثقافي و كتأويل معقلن محكوم بطبيعة العواقب المترتبة على موضوع النظر. و ليس هناك نظر خام بريئ من حساب المصالح المادية و الرمزية التي يجنيها الناظر من فعل الشوف. و التقابل الذي يقيمه تصنيف فيتغنشتاين بين الشوف الخامل و الشوف المعقلن في العبارة
Seeing / seeing as
Voir/ voir comme
يزكي الشوف المعقلن على حساب شوف خامل لا محل له من الإعراب ، بنفس المنطق الذي يزكي به المشرّع الديني النظرة الثانية الزانية المعقلنة [ و العين تزنى!] [4] على النظرة الأولى " نظرة الفجاءة " العفوية المجانية التي لا تقتل غزال [5]. ذلك ان النظرة الثانية هي النظرة التي تؤوّل موضوعها و تكسب لفعل الشوف فداحته الإجتماعية.
و كلهذا الشقاء اللصيق بإقتصاد الشوف عند الذكور المسلمين هو الذي يجعل من كفاح التصاوير مسارا من الأسئلة المتناسلة بلا نهاية بين صورة الحقيقة و حقيقة الصورة.

سأعود


صورة
.............................................. .

[1] انظر صورة " خلق آدم" لمايكل آنجلو بوناروتي على الرابط
https://ar.wikipedia.org/w/index.php?tit ... 0729181315

[ 2] أنظر جعفر سبحاني " رؤية الله في ضوء الكتاب و السنة و العقل" على الرابط
https://www.shiaweb.org/books/roaya/index.html


[3] انظر الرابط:
https://www.newworldencyclopedia.org/ent ... w_illusion
و حول صور الوهم البصري أنظر الرابط
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_optical_illusions

[4] عن ابي هريرة أن النبي ص قال " كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزنى و زناها النظر و اليد تزنى و زناها اللمس و اللسان يزنى و زناه المنطق و الفم يزنى و زناه القبل و النفس تتمنى و تشتهي و الفرج يصدق ذلك أو يكذبه " أنظر الرابط
https://www.islamweb.net/hadith/display_ ... pid=335407

[5] " قال رسول الله ص:" يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى و ليست لك الآخرة". رواه الترمذي 2701 و هو في صحيح الجامع 7953
الرابط
https://www.islamqa.com/ar/ref/1774
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:46 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:46 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



(6)
فن الخط و صراعه ليكون وحدة تشكيلية متماسكة


أولاً نعتذر للأكرم : حسن موسى عن أن مداخلتنا الأخيرة لم تحفر في عمق الدراسة التي يستحقها الملف ،
وليتنا نعود لأصول العلاقة بين الخط العربي وعلاقته باللوحة التشكيلية وأزمته .
لقد أسس الفنان التشكيلي الراحل " الدكتور أحمد عبد العال " مدرسة الواحد " ، وبناء على هذا التأسيس قام بتصميم شعار" تلفزيون السودان" وهو في قمة جرّ المجتمع وإعادة تشكيله " دينياً " ، وهذا الشعار وهو المُشار إليه وفق المرفق (أ) ، والذي تم بناء الشعار من ( لا إله إلا الله ) .
وقمنا بتفكيك التركيب للشعار تبين لنا أن الجملة " المقدسة " التي تم تشكيل عناصر الشِعار منها ، قد أصابتها كما يقول الدكتور" بشرى الفاضل " في قصصه القصيرة " هاء السَكتْ ". فقد لاحظنا عند التشريح أن حرف الـ ( هـ ) قد سقط عن قصد عن كلمة " الله " ، لأن تدوين الهاء بأية صورة قد تُعكِّر صفو القُرص الدائري للشعار.



(أ)صورة
المرفق (أ) تفكيك شعار "تلفزيون السودان" الذي صممه الدكتور أحمد عبد العال



*
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


(7)

فن الخط و صراعه ليكون وحدة تشكيلية متماسكة


صورة
صورة شعار " تلفزيون السودان " كما صممه " أحمد عبد العال "
*
نال الماجستير عام 1981 عن أطروحته " الخط العربي وخلفياته الروحية والجمالية " في جامعة بوردو في فرنسا .
إذن أحمد عبد العال من المؤسسين ، ويستحق ملفاً حول الموضوع .


https://vb.buriallamab.net/showthread.php?t=91
*
*
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 2:47 pm، تم التعديل مرة واحدة.
iam only responsible for what i say, not for what you understood.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


(8)
Visual Phenomena & Optical Illusions


https://www.michaelbach.de/ot/

فيما يختص بظاهرة الخداع البصري ، أنواعها وطرائقها ،
وهي ظاهرة لها علاقة بظاهرة النظر ، وكيف يمكن تنفيذ الخداع ،
وأعتقد أن ما تفضل به الأكرم : مازن مصطفى ، يحتاج لملف منفصل .

*
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جنازة الخط 12

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سياسة الشــوف

شكرا يا مازن على الشوف الحديد، و ملاحظتك حول قدرة " صريح العبارة" بتاعة القديس أوغستين[هذا لو قبلنا بوجود عبارة صريحة!] على توصيل التفاكير الفلسفية المركّبة، وقعت لي في جرح كونها تتيح لنا التأمل في فرص إدراك الموضوعات الفلسفية بغير وسيلة الأدب .وعلى كل حال، فإذا قبلنا بتأسيس مقولات الفلسفة [ بل و جملة الميتافيزيقيا]، و التي لا تستغني عن لغة الأدب، على أنظمة معرفية لا أدبية مثل الرياضيات و الفيزياء أو علم الفلك ،[" قل انظروا ما في السموات و الارض " يونس،101]، فلا شيئ يحظر علينا تأسيس مقولاتنا الفلسفية على معطيات التجربة التشكيلية. و ربما [ أقول : " ربما" ] كان سالم موسى من ذلك النفر الفنان الذي يبني مقولاته الفلسفية على خبرة الرسام المستبصر في كفاح الأدوات و الخامات ، مثلما يستنبط الفلاح البسيط ،[شايف " البسيط" دي؟]، حكمة فلسفية عميقة من مجرد التأمل في الشرط المادي لعمل الفلاحة.و في نهاية التحليل فالشريعة عليها بالظاهر [أين يبدأ و أين ينتهي هذا" الظاهر"؟ و ماذا تحت " الظاهر" ؟ أهو ذلك الشيئ المعرّف بـ" الباطن "؟ و ما الباطن إن لم يكن ظاهرا جديدا لباطن آخر؟ مندري!] و الظاهر موضوع ازلي لأوهام البصر، و هذا أمر شرحه يطول كما نوّه الشقليني بأن الامر " يحتاج لملف منفصل"، و في ظني ان سؤال الوهم البصري يحتاج لحياة بأكملها و لجيش من البحّاث المتمرسين المتعددي المهارات و هيهات! حتى يتمكن الأهالي من فرز مويات التصاوير ، لا في منطقة الصور التشكيلية فحسب و إنما في منطقة الصور الحياتية الأخرى ، و في مقدمتها تلك الصور التي تجود بها الحياة السياسية في السودان [و في غيره]. ليعقلن الناس طرائق الشوف في أمر "هؤلاء الناس" الملتبسين بوهم الدين اليوم و الذين لن يتورعوا غدا عن إنتهاز الأوهام المغايرة، حسب مقتضى الحال، ليتعلم أطفالنا في المدارس نقد التصاوير حتى يتسنى لهم أن يهتفوا أمام الشعب المقهور :" أنظروا إلى مليكنا العريان ! ".
[ يا شقليني أنا جاييك في موضوع أحمد عبد العال الذي أحفظ له ـ و لغيره ـ هامشا ضمن تفحصي للحالة السودانية في شقاق التصاوير الإسلامية فاصبر علي]..

مرة في التسعينات،في جنوب فرنسا، كنت اقدّم "ورشة خط" لمجموعة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة و الثانية عشر.و هي " صنعة" كنت ثابرت [ و صابرت] عليها منذ الثمانينات كونها كانت تدر علي بعض المال، حسب طلب السوق،في الدور الثقافية كالمكتبات العامة و المراكز الثقافية و المدارس و منتديات و أسواق الكتب . و قد اتخذت ورشتي، التي كانت محاور العمل فيها تتركب من الكتابة القوطية والعربية مرورا بالكتابة الصينية لغاية الكتابة الشخصية[ الغرافولوجية ]، اتخذت شكل منتدى مهني موضوعه الادوات و الخامات و الحركة و طرائق الشوف، و هو منتدى مفتوح للناس من كل الأعمار و لا يشترط في المتقدمين له أية معرفة مسبقة باللغة العربية و لا بالكتابة العربية أو الصينية . حذرتني المعلمة التي رافقت التلاميذ من أنهم لم يسمعوا ابدا بالخط ، فطمأنتها بأن الأمر إنما يتعلق بمقاربة الكتابة في بعدها الغرافيكي كممارسة للرسم بأدوات و خامات و طرائق الخطاطين.و أظن ان فضول التلاميذ قد ومض حين عرضت عليهم بعض تصاويري الخطوطية المطبوعة في بعض كتبي و مجموعة أدواتي المتنوعة التي تتراوح بين أقلام الخط التقليدية و أقلام أخري غريبة الأشكال لا تشبه أدوات الكتابة المعروفة [ فرش صينية و فرش اسنان و فرش نظافة و قطع من الإسفنج الصناعي و مكانس صغيرة و أقلام من القصب و من الورق الملفوف المبطّط أو من الخشب أو البلاستيك و أمشاط من الورق المقوى و شوك و سكاكين و ليفة و عيدان خشبية متنوعة إلخ ].و شرحت لهم أن تصاويري مصنوعة بمجموعة الأدوات التي أمامهم.
كنت قد تعلمت بالتجربة أن اعوّل على التناقض بين أناقة الرسومات الخطوطية المطبوعة و تواضع الأدوات المستخدمة في إثارة فضول المشاركين .ذلك ان أدواتي، مثل كل الأدوات ، كانت تخفي برامجها السرية تحت بساطة شكلها البدائي الذي يحصّنها من الوقوع في الخيلاء الإكزوتية اللصيقة بأدوات الخط التقليدية .و أناقة أدوات الخط التقليدية فصل شيق في كتاب اللبس المفهومي اللاحق بممارسة الخط اليوم. ذلك أن الإفتتان بأدوات الخطاط ألهم أهل الحوانيت المتخصصة في بيع الهدايا تأطير مجموعات ريش الخط المعدنية الصقيلة وراء زجاج و عرضها للهواة و الجامعين الذين يعلقونها على حوائط الدور من فرط اعجابهم بها.و فيما وراء الإفتتان الإكزوتي بأدوات الخطاط و الذي يُحال عادة لفضاء الشرق الألفليلوي أو لتقاليد لقرون الوسطى [ قدر القصبة الخضراء موزع بين قلم الخط و ناي الموسيقي و سهم الصياد !]، فهناك إفتتان قديم أصيل و مشروع بالأداة، مطلق أداة ، قـَلـَما كانت أو رمحا او حاسوبا، كونها تمدّد من جسد الإنسان و تزيد من قوته و ترفع من قدراته على تملّك محيطه المادي و تحويله. المشكلة مع الأدوات [ لو جاز لي استخدام عبارة"المشكلة "] هي في كون الاداة مصنـّف مادي و مفهومي يقف خارج دائرة التعبير الادبي. و النصوص التي تعالج موضوعة الأداة قليلة في فضاء أدب الممارسة التشكيلية ـ باستثناء ما كتبه الخطاطون الصينيون عن ادواتهم ـ ربما لأن الكلام عن الاداة مستحيل بحكم ان الاداة تبرّر وجودها في الفعل المادي الذي تنخرط فيه ضمن علاقة الجسد. الفعل الجسدي الذي تكون الاداة فيه امتدادا ليد مستخدمها.و مقام الفعل هو مقام حركي صامت لا يطيق الثرثرة و لا يبالي بالكلمات . و أظن أن ندرة النصوص التي تعالج علاقة الأداة بالجسد هي من جنس ندرة النصوص التي تعالج الممارسات الجسدية الموازية كالرقص و الرياضة و الأداء الموسيقي.و لعل امتناع الممارسة الجسدية على التعبير الأدبي يتجلى في الفقر التعبيري الظاهر في ذلك الادب الشفهي للعاشقين الذين تشغلهم سورة الجسد عن شاغل الأدب فيقنعون من غنيمة التعبير الأدبي بالصمت أو بالعبارة العملية ، و ربما بالعبارات البدائية المنمّطة المتاحة لكل من هب .
المهم يا زول. فرغت من توزيع الأدوات و المحابر و الورق و انقضت لحظة الفضول الأولي بعد ان صنع كل واحد قلما بسيطا من الورق المطوي [ سأعود لصناعة قلم الورق]. كنت بصدد شرح منهج الشوف في علاقتنا بحضور و غياب الصور فقلت أن الصور في الاصل غائبة و محجوبة عن البصر بحكم وقوعها الطبيعي داخل دائرة التنكير التي تمور بتصاوير لا تحصى تنتظر النظرة التي تنتشلها من ظلام التنكير[ "الناظر هو الذي يصنع الصورة" كما جرت عبارة مولانا مارسيل دوشان]. و لكي نستطيع رؤية صورة ما فلا بد من تعريفها و الإعلان عن حضورها أولا. و فعل التعريف يملك ان يتحقق إما بفعل فاعل [ فاعل خير! ] أو بفعل الحاجة الذاتية للصورة المعينة التي تموضعها ملابسات الشوف داخل تلك المنطقة التي يتحقق فيها فعل الشوف و لنسمها : " مجال الشوف "،[ لا بد من عودة متأنية عند موضوعة " مجال الشوف" بالمقارنة مع موضوعات أخرى موازية كمجال السمع و مجال الذوق إلخ]، و منطقة مجال الشوف لا تطيق الصور العاطلة عن التعريف. و تعريف الصورة إنما يكون بتأهيل ملكة الشوف عن طريق تنبيه جارحة البصر لوجود الصورة .وحدهُ النظر المؤهّل يملك رؤية الصور المعرّفة ضمن مجال الشوف كما يملك توريثها لغيره.و في نهاية تحليل ما، فنحن ميالون لأن نقصر رؤيتنا لصورة الوجود على ذلك الطرف الذي اجتهد أسلافنا في تأهيلنا لرؤيته.و هذا الواقع يردنا للطبيعة الجزئية لمجال الشوف بوصفه موضوعة تاريخية متأثرة بتناقضات المصالح بين الفرقاء الإجتماعيين.فمجال الشوف طبقي ولا شوف يفلت من صراع الطبقات .طبعا هذا لا ينفي وجود موضوعات للشوف خارج مجال الشوف المتاح لفئة إجتماعية بعينها. لكن بما أن الناس يهيئون مجال الشوف و ينتقون موضوعات الشوف بما يتوافق مع مصالحهم فهم يخلصون بالضرورة للتعامي عن الموضوعات " الأجنبية" الموجودة خارج دائرة مصالحهم ، و أمام التعامي الطبقي فلا فائدة من تذكير المتعامي بوجود هذه الموضوعات " الأجنبية" و لا أحد يعد ايام شهر لا نفقة له فيه.
و هكذا أخذت قلم الورق و رسمت به حرف " كيو" [ كابيتال] على الطراز الروماني الكلاسيكي
Q
و قلت للتلاميذ أنني كلما نظرت لحرف "كيو" الكبير الماثل في لوغو مطاعم الساندويتشات المعروف بـ " كويك بيرغر"
Quick Burger
لم أقاوم رؤية صورة حلزون يزحف على الورقة. و قبل أن يسألني أحد " كيف؟" أضفت قرني الإستشعار عند موضع الرأس من العلامة التي تمثل جسد الحلزون. ضحك التلاميذ عند رؤية الحرف ينمسخ حلزونا و ساعدني ضحكهم على إشاعة روح من الفكاهة وسط جماعة الورشة. و الضحك كسب عظيم في مقام التعلّم كونه يهيئ التلاميذ لمقاربة العمل بشقيه الغرافيكي و المفهومي كوجه من وجوه اللعب الحر و ينأى بنا عن روح الإنقباض الذي يلبّك ذاكرة تعلّم الكتابة المدرسية. ذلك أن تعلّم الكتابة المدرسية ينطوي على مضمون قمعي يقبله الجميع كشر لا بد منه بسبيل توحيد المواصفات الغرافيكية للكتابة على نموذج فرد، و ذلك حتى يمكن للكتابة أن تؤدي وظيفتها كوسيلة إتصال بدون لبس. و معظم الأطفال الذين يتعلمون الكتابة المدرسية يقيمون على نوع من الإحباط شبه المستديم من واقع كون كتابتهم الطفولية المترددة الخرقاء تقصيهم عن النموذج الرسمي بطريقة أو بأخري. و وراء هذا النوع من الإحباط "المحتمل" فهناك حالات من الإذلال الصريح الذي يمارسه بعض المعلمين الزبانية في حق الأطفال الذين يعجزون عن مجاراة النموذج الغرافيكي للكتابة المدرسية. [ سأعود في مقام منفصل لحكاية تعلـّم الكتابة كتجربة سلبية في خاطر الطفل].
على قاعدة الإنفراج الضاحك قلت للتلاميذ بافتخار:
ـ الآن بعد ان نبّهتكم لحضور صورة الحلزون في رسم حرف الـ " كيو" فلن يكون بوسعكم تجاهل حلزوني إذا مررتم أمام لوغو الـ " كويك بيرغر"!
و خرج صوت متردد من عمق الصالة :
ـ لكن يا أستاذ ممكن نشوف في الـ "كيو " صورة تانية غير الحلزون!
ـ أي صورة؟
ـ أنا مثلا شايف فيه " إسكيمو".
ضجت الصالة بالضحك ، فـالـ "إسكيمو" ماركة لآيس كريم مشهورة في فرنسا منذ ثلاثينات القرن العشرين، و يمثلها رسم وجه طفل من الإسكيمو يعتمر قلنسوة تؤطر الوجه الباسم. مددت له القلم و دعوته أن يتقدم و يشرح كيف يرى الإسكيمو.
بثقة و تؤدة تقدم نحو الورقة التي رسمت عليها حلزوني ، و بضربتين داخل دائرة الحرف رسم العينين ثم اكمل الفم بضربة ثالتة. عندها اختفى الحلزون و وجدنا انفسنا أمام وجه الإسكيمو و قد انمسخ جسم الحلزون و قرنا استشعاره لشكل "شال" في مهب الريح.
هذه الحجوة البصرية اتاحت لنا أن نتفق على اربعة نقاط :
1ـ شوف الصورة يرتهن بتنبيه الناظر و تأهيل نظره .
2ـ الصورة الواحدة تملك ان تخفي وراءها صورا عديدة أخرى.
3ـ الصور تتعدّد بتعدد طرائق الشوف.
4ـ الشوف ضالع في صراع تناقض المصالح الإجتماعية، و هذه الصفة تجعل من الشوف مسألة سلطة لأن من تقتضي مصلحته شوف صورة الحلزون يملك ان يعارض من يجدون مصلحتهم في رؤية صورة الإسكيمو أو أي صورة أخرى.


سأعود


صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

وشة "جينياك" 2007

مشاركة بواسطة حسن موسى »

ورشة مكتبة " جينياك " 2007

صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ورشة مكتبة جينياك 07

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة
ايمان شقاق
مشاركات: 1027
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:09 pm

خيط الخط الممتع

مشاركة بواسطة ايمان شقاق »

سلام يا حسن وللجميع،
فارقت شغل الخط العربي من ايام كلية الفنون بعد أن تدربنا على انواع الخط في السنة الاولى على يد الاستاذ أبو القاسم نورين، لكن كلما اتذكر اول محاضرات الخط العربي بكلية الفنون اتذكر المدرسة الابتدائية .. وقد درجت مدرسات اللغة العربية بمدرسة سانت فرانسيس بالخرطوم على تدريب التلاميذ والتلميذات على وضع كل حرف ونقاطه ثم وضع الحرف الذي يليه وهكذا، وذلك بسبب حالة نسيان النقاط التي كانت متفشية خصوصاً في حصة الاملاء العربي. لكن هذا الاسلوب يجعل من الخط (مكعبر وشين عديل كده) بحيث لا تتناسب فيه الحروف فكل حرف يكتب بروح مختلفة ويتم اكماله على حده وليس ككل متكامل في كلمة او جملة واحدة .. وقد كنت اتابع في تلك الفترة واقارن بين خطي المكعبر وخط والدي اثناء الكتابة او بعد ان ينجزها.. بحيث يكتب ثم يضيف النقاط واتعجب في سلاسة الخط لديه وتعثره عندي. بعد سنوات في كلية الفنون تعلمت ان افكر فيه كرسم .. لكن كان الخط الشين حتل وسرح والمخارجة منو بقت صعبة!
وعلى سيرة تعليم الكتابة للأطفال، ولدي منير اتعلم الكتابة عن طريق الرسم ، لما كان عمره اقل من سنة كان بحب الاقلام في الأول بدا يتعرف عليها بالضواقة (كما هو الحال عند كل الاطفال) لكن بعد ما وريتو ممكن يستخدمها كيف، اكتشف متعة الرسم (والشخبتة) بقيت اقعدو في ورق كبير الحجم وبيقعد في نص الورقة لفترات طويلة يرسم .. ولما كبر شوية بقيت اكتب ليهو الحروف عشان يحاكيها .. لما تم سنتين كان بيعرف يكتب الحروف واسمه الاول.



عزيزي الشقليني ،
عن ملاحظتك
"فقد لاحظنا عند التشريح أن حرف الـ ( هـ ) قد سقط عن قصد عن كلمة " الله " ، لأن تدوين الهاء بأية صورة قد تُعكِّر صفو القُرص الدائري للشعار."


يمكن مراجعة الصورة، حسب شوفي لم تسقط الهاء
صورة
تحياتي للجميع

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سيسموغرافيا الروح

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا إيمان
موضوع الكتابة " العادية " المكعبرة زي ماقلتي[ و أنا اضع الصفة " العادية" بين الأهلـّة لأن لي مآخذ عليها سأعالجها في وقتها] هو موضوع محوري في مبحث الكتابة كشهادة عن الحالة الوجودية للكاتب لحظة الكتابة.و في شهادتك عن تجربة "الكعبرة" التي لحقت بكتابتك إشارة بليغة لطبيعة الكتابة كتعبير سيسموغرافي عن أحوال النفس. و الكتابة لو قاربناها من وجهة نظر التعبير الحر فهي ستفلت من إطارمواصفات "الجميل" و "القبيح " المدرسوية لتستوي في مقام التعبير الغرافيكي عن فرادة الكاتب.في هذا المقام يمكن قبول مطلق كتابة " عادية" كعلامة لفرادة كاتبها و كهوية و كمشروع جمالي شخصي لا يبالي بقواعد الكتابات الأخرى التي تؤازرها السلطات كنماذج عليا.
تجربة البدر المنير مع أدوات الكتابة تستحق التوقف لأنها تؤكد العلاقة الحسية الفيزيائية بين جسد الكاتب و جسد الأداة. مرة في الصين توقفنا في مقهى صغير تديره صينية أم لطفلة صغيرة في حوالي الثالثة. لتتمكن من الثرثرة معنا بإنجليزيتها السليمة اعطت طفلتها ورقة و قلم حبر جاف و طابت منها أن ترسم شيئا على بوستر ابيض ملصق على باب المقهى. طبعا قلم الحبر الجاف لا يعطي أثرا لمن يستخدمه على مسند رأسي فعادت الطفلة نحو أمها تشكو القلم.سألناها عن اسمها فقالت " إسمها الصيني "لن لن" لكننا مسلمين ونناديها " لاتيفا".[ ترجمي " لطيفة" ]قالت لها باتريسيا " زوجي مسلم من السودان" فانطلقت أساريرها و منحتني نظرة تضامن من نوع نادر و سألتني إن كنت أتكلم العربية فقلت لها " زوجتي تقرأ و تكتب العربية" فتبنتنا في لحظة و تحسرت على أن لا أحد في مسجد بلدتها يستطيع تعليم الأطفال العربية .كنا نثرثر و أمامنا اقداح الشاي الأخضر بينما " لطيفة" تحاول بلا فائدة الرسم على البوستر . أخرجت دفتر الرسم و علبة من الأقلام الملونة و رسمت صورة عصفور و أعطيتها لها ثم وضعت أمامها علبة الأقلام الملونة و دعوتها لترسم و شجعتها أمها. كانت تأخذ القلم و تكتفي برسم نقطة واحدة ثم ترد لي القلم و تختار غيره حتى مرة على الأقلام الملونة كلها. رغم اصرارنا عليها أن ترسم شيئا بخلاف النقاط الملونة لكنها اكتفت بالنقاط. كانت تلك تجربة فريدة في إستكشاف الكتابة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

لطيفة و فاطمة في " دالي"

مشاركة بواسطة حسن موسى »

لطيفة و فاطمة

صورة
ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ
مشاركات: 27
اشترك في: الجمعة نوفمبر 14, 2008 8:29 am

سيد اللسم

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÃÍãÏ ãÍãæÏ »

وصورة الله
ياحسن وسالم موسى جاكم موسى النبي ذاتو...
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
الاعراف: الأيه 143
أضف رد جديد