سيادة الديمقراطية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

سيادة الديمقراطية

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

سيادة الديمقراطية
.
المفاهيم اللغوية المشتفة من الجذر (س و د) لينتج لنا عبارة (سيادة) لا يقود إلى التحقيق الفعلي لمفهوم السيادة مفهوماً نعيشه في حياتنا الديمقراطية اليومية؛ بل مفهوم السيادة يأتي من تاريخ تطور عمليات الديمقراطية عبر تجارب الشعوب. وهي التي تعني أن السيادة تجعل خطاب الأحزاب الديمقراطية متقارباً وليس متباعداً متنافراً؛ كأن يقول سلفي مصري مثلاً سنفرض الشريعة على الناس ومن لم تعجبه فليذهب إلى بلد آخر. هذا تباعد وتنافر غاية في السذاجة وهو يقال في جو ديقراطي أتى به عبر انتخاب أتت به الإرادة الشعبية وليس السلفيين. أول ما تقوم به السيادة هو انعدام فرض الضد؛ فالسيادة لا تعني الأغلبية. لأن هناك أشياء سيادية لا تصلح فيها إجراءات الأغلبية والأقلية؛ وهي الأشياء الأحادية التي لا تكون قاسماً مشتركاً بين شعوب المكان.
سأورد مثالاً يعمل على خرق سيادة الديمقراطية مورس في خلال فترة الديمقراطية الثالثة 85-89. هذا المثال بشقيه أ وب كان رد فعل لإنجاز معاهدة السلام بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان في نوفمبر 1988؛ وهو عمل سيادي بين حزب وحركة مسلحة تقود القتال منذ بداية الثمانينات. ولأنه عمل سيادي تم استقبال وفد الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني في مطار الخرطوم بالآلاف المؤلفة. فقد كانت تقف الحافلات واللواري والبصات التي تحمل المستقبلين من حلة كوكو حتى المطار، وفي جهة الخرطوم من المطار حتى سوبا. ولم تسع ساحات المطار أعداد الناس الهائلة. فماذا كان رد الفعل؟
أ‌- ولأنني كنت أحد المواطنين المستقبلين، توقعتُ أن تنقل هذا الخبر السيادي المهيب كل أجهزة الإعلام. ولكن غضت حكومة الصادق المهدي الطرف عن كل هذا العمل السيادي العظيم. وكنا نتوقع أن تتوسع دائرة أطراف اتفاقية السلام لتشمل كل الأحزاب لو نوقشت نقاشاً سيادياً؛ لكن هذا الطموح ذهب أدراج الرياح؛ حينما علمت بنفسي ألا صدى لإعلام الصادق المهدي لهذا المشهد. وحتى في نشرة الأخبار لم يورَد كخبر؛ ففي رد الفعل هذا يصبح الصادق المهدي وحزبه غير سياديين. الصادق المهدي يخرق سيادة الديمقراطية عملاً بصغائر الحزب الغريم للاتحادي الديمقراطي. الصادق المهدي ليس سيادياً يرتقي خطابه مصاف سيادة الديمقراطية. هذه الجملة الأخيرة ليست بجملة إطلاق، وإنما تزن السياسي كونه ملتزماً؛ ولأن الالتزام لا يتجزأ، فتلك الجملة لا تعكس إلا حقيقة الرجل.
ب‌- في ندوة عـُـقدتْ بدار جريدة الراية الناطقة باسم حزب الجبهة الإسلامية بتاريخ 15/4/1989 يقول الترابي رداً على معاهدة السلام التي عقدها محمد عثمان الميرغني مع جون قرنق: "لم أكن أظن أن العمر سيمتد بي لأرى هامات زعماء الدين تنحني أمام متمرد وكافر. لم أكن أظن أن العمر سيمتد بي لأرى زعيماً دينياً يطأطئ رأسه ويحني هامته ويسافر إلى بلد كافر ويلتقي متمرد كافر ويلغي شرع الله إرضاءً لمعسكر الكفر والنفاق". أ. ه.

الزعيم الذي يحني هامته هو محمد عثمان الميرغني إمام ديني لطائفة الختمية؛ والكافر هو جون قرن؛ والبلد الكافر هو أثيوبيا؛ ومعسكر الكفر والنفاق هو الحركة الشعبية بزعامة قرنق. فما الميزان الذي كان قاسماً مشتركاً أعظم في وصم كل هذا الكفر بالأفراد والبلاد والمعسكرات؟ إنه جملة "يلغي شرع الله". لم يكن الترابي خارقاً لسيادة الديمقراطية وسياسياً لا سيادياً فحسب، بل رجلاً يشيع الفتنة في التكفير. إنه الخرق الذي عتم هذا العمل السيادي تعتيماً شديداً عن وسائل الإعلام، وحمله محمل الفتنة هو الخرق نفسه الذي أصبح واقعاً فيما بعد إنقلاب الحركة الإسلامية العسكري. لذلك قلنا أعلاه إن الخطاب أصبح شيئاً من ضمن الأشياء المحيطة بنا التي تؤثر في حياتنا واصطدامه بعلاقات الواقع يشجب مستقبلنا. لاحظ جملة التهويل هذه وهي مكررة تقول "لم أكن أظن أن العمر سيمتد بي لأرى"؛ وهو تهويل يطلق عليه المنطق استئناف استدراراً للشفقة. هذا التهويل يحاول أن يجعل "الفتنة" التي أشاعها أن تكون "فتوى" صادرة من مفتي وليس رجلاً لا سيادياً فتاناً. كلمة "فتان" هنا لا تعني مطلق إساءة، بل هي واقع هذا الخطاب؛ فلو وضعنا علاقات المكان التي غض الخطاب الطرف عنها في خطابه كأن يقول " لم أكن أظن أن العمر سيمتد بي لأرى هامات زعماء الدين تنحني أمام متمرد ومسيحي. لم أكن أظن أن العمر سيمتد بي لأرى زعيماً دينياً يطأطئ رأسه ويحني هامته ويسافر إلى بلد مسيحي ويلتقي متمرد مسيحي ويلغي شرع الله إرضاءً لمعسكر المسيحية والنفاق"، فإن الميزان الذي قاس به كلمة "كافر" ميزان لا يعمل مع "ويلغي شرع الله". ومن ثم تبقى فتواه متضاربة لأن المقدمات تتناقض مع النتائج وهو ما يُسمى في المنطق الأغلوطة الشكلية. وهو ما جعله يركب الفتنة لأن علاقات المكان المنطقية لا تسمح له بتلك الفتوى وإنما الفتنة وحدها هي التي تسمح له بذلك. وهو ما يُسوِّغ أو يبرر لنا أن نطلق عليه خطاب الفتنة من خلال مخرجات تحليل خطابه؛ فهذا هو ماعون الرجل هذا هو جرابه الذي ظل يتبوأه، وسيظل.
يتخوَّف كثير من الناس نظراً للمثال في شقيه أ وب أعلاه قبيل قيام انتفاضة الإرادة الشعبية ويطلقون عباراتهم "البديل منو"، "تاني نكرر أخطاء الأحزاب"، "الفوضى"، وهي عبارات مهاجرة من خطاب البيان رقم 1 للانقلاب العسكري؛ ويظل أمن هذا الانقلاب العسكري يكرر هذه العبارات لملء تلك الإرادة الشعبية بالاستياء. إنه خطاب يائس ذلكم الذي يتصدّى للإرادة الشعبية. لأن هذه الإرادة هي إرادة الذات المكانية في استقرائها لعلاقات الواقع، وفيما نراه ونعيشه لا شيء أكبر من تلك الإرادة؛ إرادة الذات المكانية التي تجيب عن كل ذلك "البديل هو سيادة الديمقراطية، استمرارها وتطورها". وفي هذا الاستمرار وذلك التطور سوف لن تأتي سيادة الديمقراطية بالمثالين أ وب وهما مثالان أحاديان يفتقران حتى للمفهوم المبتذل للديمقراطية، فأين سيادة الديقراطية منهما؛ هيهات هيهات. من وظائف سيادة الديقراطية أنها تردم مثل هذا التباعد وتُصلحه لأن سيادة الديمقراطية لا ضد لها مثل الحداثة؛ لأنهما الاثنتان تستوعبان علاقات الواقع ولا تفرزان أية علاقات متأخرة عن علاقاتها، وتقفان ضدها. هذا هو منطق السيادة، إنها السيرورة التي لا تكل ولا تفتر. الواقع المكاني هو تلك العلاقات الكامنة التي لا يراها إلا من هو فطن بها، ويرى الواقع المستقبلي للأجيال وليس ما هو تحت قدميه. لأن الواقع ليس هو الظاهر، وإنما تلك العلاقات التي يرفدها إنتاج هذا المكان. فقد ثبت تماماً أن هذا العصر المتطور الآن ما هو إلاَّ زيادة في الوعي. وعي الذات بعلاقات المكان التي هي فيها؛ فهذه الذات المكانية تعيش قيد ما تعطيه تلك العلاقات من تطور يجعلها تمارس حقوقها في كونها هي التي تصنع القرار وليست بجمهور تـملى عليه القرارات. صنع هذه الدائرة التواصلية يجعل الخطاب السياسي خطاباً نوعياً في مستوى مصاف تلك الذات المكانية.
الدائرة التواصلية التي تصنعها السيادة الديمقراطية تعني مباشرة أن السيادة للديمقراطية وليس للأحزاب. لذلك فأنواع "التواصل" في تلك الدائرة هي ألا تكون جمهرة خطاب الأحزاب بعيدةً بعضها عن بعض، أو بصورة أكثر تحديداً أن موقع الخطاب في الدائرة التواصلية هو الماسك لخطاب الأحزاب وليس العكس. المقصود من ذلك أن خطابات الأحزاب لا يتناسق بعضها ببعض إلا بارتكاز خطاب كل حزب على السيادة الديمقراطية، وليس على حواصر الحزب الأحادية؛ هذا التناسق متوفر نوعاً ما في الأحزاب التونسية الآن؛ على سبيل المثال خطاب الشابي (أقصى اليسار) وخطاب الغنوشي (أقصى اليمين) يتجانسان في ارتكازهما على سيادة الديمقراطية، بينما هذا التناسق غير متوفر في ديمقراطية مصر الآن؛ فالحزب السلفي (أقصى اليمين) وحزب العدالة والتنمية الصادر من الإخوان المسلمين (أقصى اليمين) لا يتناسق خطابهما. ومع كل ذلك كانت تدعو حركة الشباب المصري إلى تكوين مبادئ تسيير الديمقراطية، ويدعو الإخوان المسلمون إلى الانتظار حتى البرلمان. والسبب في ذلك الاستعانة بالفاتوي الدينية التي هي ليست شيئاً سوى خرق كبير لسيادة الديمقراطية. فلماذا على الخطاب السياسي أن يرتكز على سيادة الديمقراطية؟ لأن الخطاب بمفهومه غير اللغوي قد أصبح شيئاً من ضمن الأشياء المحيطة بنا التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حياتنا. وليس مجرد كلام لا يوسم بأي أثر في الحياة اليومية. فالخطاب استجماع؛ استجماع لموقع التاريخ المحدد لعلاقات المكان، واستجماع لموقع إثنولوجي يرتبط بالعلاقات المكانية نفسها، واستجماع لموقع الوعي بعلاقات المكان نفسها؛ لنقل بعض أمثلة وليس حصراً. فالوعي بالخطاب هو وعي بسيادة الديمقراطية.

تعي الدائرة التواصلية بثلاثة أشياء هي الداعم لتطورها وصقل سيادة الديمقراطية. أولاً الوعي بانقطاع الخطاب، ثانياً الوعي بعدم انقطاع المكان، ثالثاً الهوية لا تقال. ولأن كل خطاب قابل للنفاد، فلكل مرحلة زمنية خطابها. فعلى سبيل المثال أن خطاب مؤتمر الخريجين قد نفد تماماً ولا يصلح للعلاقات المكانية الآن؛ هو في حقيقة أمره قد نفد منذ ولادته طالما أنه لم يرَ السودان شعوباً. انقطاع الخطاب هو بصورة أخرى تشغيل التفاسير الصحاح لعلاقات المكان المتطورة الآن؛ من خلال الخبراء في مختلف المجالات. إذا لم ينقطع الخطاب النافد، فإنه سيصطدم بالواقع؛ حتى لو كان هذا الواقع قيد تفسير هذا الخطاب النافد. هذا يعني أن رؤية أحادية هي التي تقصي كل المكونات لتملي رؤيتها الأحادية حصراً وتريد أن تحقق مظهراً تنخدع فيه في كونه هو الواقع، فإن هذه الرؤية نفسها ستصطدم بالواقع وعلاقاته الخفية التي ظهرت في شكل متناقضات. أما المكان فلا انقطاع له؛ ما يخلق تواصل المكان هو إلفته. لذلك فإن هذا الانقطاع هو انقطاع إلفته، في الشكل التاريخي للمكان، وفي الشكل الحاضر حيث هو ملئٌ بالعلامات التي تقود كل علامة فيه إلى تجانس المتعدد فيه. كل الحكومات ذات الرؤية الأحادية في حكمها هي حكومات دائماً تعمل العكس أي انقطاع المكان في تفريغه من علاماته وتاريخيته، ومن الضد تماما ً تعمل على تواصل الخطاب. فهي حينما تواصل الخطاب تربط نقاط الحاضر بنقاط ماضوية ساحقة في الماضوية؛ دون أن يكون الحاضر قريباً من مصدره الزماني. فإذا تم للدائرة التواصلية انقطاع الخطاب، وتواصل المكان في إلفته، فإن الهوية لا تقال، في هذه الحال. فمهما كان المكان محدوداً، فسوف تجد استثناء يجعلك ألا تتفوه بأي نوع من أنواع الهوية. في الهوية لا يقال الأغلبية والأقلية، أو المركز والهامش، لسبب أساسي هو أن الهوية هي الذات المكانية. والذات المكانية لا تصنيف لها. الذات المكانية في علاقاتها داخل المكان ليست هي الفرد، إنما الذات المكانية هي ارتياح تراكم علاقات المكان، وليس تنافره. فالذات المكانية هي التي تفهم علاقات المكان من خلال الدائرة التواصلية. في الذات المكانية لا يوجد "آخر"، في لغة الذات المكانية هذه الجملة "احترام الآخر" هي جملة خاطئة. لأن عبارة "آخر" تفترض في الذات المكانية طرفين طرف ليس بآخر (يعني ود بلد) وطرف هو آخر. فالذات المكانية ليس لها طرفان. العربي قبل وجود السوداني وحيد اللغة العربية الذي انصهر بعد سبع قرون من توقيع معاهدة البقط كان هو الآخر. أما بعد سبعة قرون حيث انصهر السوداني وحيد اللغة العربية هو الذي خلع فئة [آخر] خلعاً نهائياً ليدخل مصاف الذات المكانية. هذا هو التوسع الطبيعي للذات المكانية الذي استوعب حديثاً في حدود عام 1842 الزبيدية والرشايدة خارج أية عملية من عمليات الانصهار بوصفهما جزءاً من الذات المكانية الحديثة في السودان. أرجو ألا نفهم أن حركة التعريب هي العامل الأساسي في تكوين الذات المكانية، بل علاقات المكان التي تستقبل الوافد سواء استقبالاً مباشراً كالذي حصل لبعض قطاعات شعوب السودان أو استقبالاً غير مباشر دام لمدة سبعة قرون كالذي حدث للسوداني وحيد اللغة العربية.

صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

سلام كتير يا عبدالطيف
وشوق اكتر
علكم بخير

شكرا على الكتابة الجاذبة
اتوقعت تذيلها ب اواصل
لكن عموما خليتى اسألك كتبت : " أما المكان فلا انقطاع له؛ ما يخلق تواصل المكان هو إلفته. لذلك فإن هذا الانقطاع هو انقطاع إلفته، في الشكل التاريخي للمكان، وفي الشكل الحاضر حيث هو ملئٌ بالعلامات التي تقود كل علامة فيه إلى تجانس المتعدد فيه. كل الحكومات ذات الرؤية الأحادية في حكمها هي حكومات دائماً تعمل العكس أي انقطاع المكان في تفريغه من علاماته وتاريخيته، ومن الضد تماما ً تعمل على تواصل الخطاب"

قلت انقطاع الفة المكان هو انقطاع فى الشكل التاريخى للمكان ، هو ابطال فعل العلامات فى خلق التجانس
بين مكونات التعدد .
سؤالى هل للمكان محتوى ؟ هل هو " الذات المكانية " . اذا كان لا فماهى ؟ ما معنى "اردة الذات المكانية "

ويزيد فضلك
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »


عزيزي عصام كيف حالك فعلاً مـدَّة طويلة؛ نتمنى اللقاء العاجل؛ وكل عام وأنت بخير
أما بعد

المعالجة التفصيلية للمكان تجعلنا أن نحترز احترازاً شديداً من أن نقع في أحابيل التفكير الميتافيزيقي، بالرغم من أن الاحتراز من نوع هذا التفكير تصعب مغالبته. لذلك حين جئت بشاحذة "الذات المكانية"، إنما جئت بها اتقاء الوقوع في التفكير الميتافيزيقي.

نفهم الذات المكانية فهماً خارج الإحصاء السكاني، لأنها لا تخضع للإحصـاء؛ وإنما تتشكَّل كظاهرة تجعلنا أن نفهم المكان فهماً صحيحاً خارج متنافيات التفكير الميتافيزيقي. والمتنافيات هي - حسب ترتيبها التاريخي في المكان - أولاً متنافية ما هو منسوب للقبيلة كأن تقول فلان الجميعاب، فلان الرباطابي، إلخ التي تنفي (سودانية) هذا كان في عصر بابكر بدري. وسودانية هذه ليست بصيغة تأنيث ولا جمع ولا تذكير لها كأن تقول سوداني. هذه العبارة من مستولدات عمليات الرق الواسعة.

ثانياً متنافية شمال التي تنفي جنوب؛ وهي التي بدأت مع سياسات الاستعمار؛ ثم وجدت ثقافة هذه المتنافية طريقها إلى بعض مثقفي ذلك الوقت مَنْ أسسوا مؤتمر الخريجين؛ فتحولت إلى متنافية أخرى هي عربي تنافي أفريقي؛ فصاغ خضر حمد شعار المؤتمر في أمة للعرب ودينها خير دين. فتفشى الأمر وأصبح العامة فيما بعد الاستقلال يتساءلون، هل السودان عربي أم أفريقي؟ السؤال هل السودان عربي؟ سؤال ينحدر من غواية لغوية سكنت السوداني وحيد اللغة العربية نتيجة انصهاره سبعة قرون في أرض المعادن، تحت مملكة بني أمية. ونتيجة لتلك الغواية اللغوية أسقط نفسه بأنه هو العربي الذي صاغ معاهدة البقط، هو العربي الذي دخل السودان مرسلاً من عمرو بن العاص. تأمل معي يا عصام هذه الغواية: حين كوَّن السوداني وحيد اللغة العربية مملكته بعد تجمعه في جبل موية عند تحالف عمارة دو نـُقـْسْ وعبد الله جماع من عرب القواسمة؛ اعتبر ملوكهم أنهم من سلالة بني أمية قد يقول لك - كما هو واضح في كتاب الشونة - بادي أبودقن جدي السادس عبد الملك بن مروان دون أن يطرف له جفن! بينما الحساب الزمني لو اعتبرنا كما يقول المحقق كل جد مائة سنة لا توصله إلى ذلك المصدر. لماذا لم يقولوا أنهم أشراف كما حدث فيما بعد في فانتازيا نسب الجعليين؟ الثابت أن السوداني وحيد اللغة العربية قد انصهر في زمن ملوك بني أمية. أما وقد وجد نفسه ضمن ممالك غير عربية وهو يؤسس أول مملكة عربية مسلمة فعليه أن ينتقل من دور الرعية إلى دور الملك. من هنا نسب نفسه إلى ملوك بني أمية. فهو لا يحتاج أن ينسب نفسه إلى الأشراف لأنه وسط ممالك غير عربية. أما السبب الذي جعل الجعليين ينسبون أنفسهم إلى الأشراف؛ لأنهم قبيلة عربية وسط قبائل عربية أخر؛ فما عليهم إلا أن يرتقوا على هذه القبائل بانتمائهم للأشراق.

المتنافية الثالثة: هي الأنا تنفي الآخر؛ وهي متنافية جاءت من حيث يريد المثقفون الإحسان؛ والمخارجة من المتنافيات السابقة؛ فقالوا جملتهم "يجب علينا احترام الآخر". فوقعوا في أحابيل التفكير الميتافيزيقي دون أن يريدوا ذلك. لأن جملتهم تستولد ضمناً الأنا. عبارة "الآخر" عبارة غير محايدة لأنها تفترض "الأنا". عبارة الإضافة "احترام الآخر" تـُسْكِتْ جملة "أنا ود العرب المسلم ده علي أن أحترم الآخر". لقد رأى بعض المثقفين أن عبارة "احترام الآخر" حل لكل تلك المتنافيات لكنها عبارة تتوحـل في التفكير الميتافيزيقي.

الآن الآن يوجد هذا السؤال في استمارة تقديم طلب لجواز، [ما هي قبيلتك]؟ لماذا هذا السؤال؟ إنه لا لشيء سوى لمحو الذات المكانية.

الذات المكانية لا تتجزأ، ولا متنافية فيها، كما لا تستطيع أن تقول جمعاً الذوات المكانية. المثال الذي ضربة هيجل قد يوضح شيئاً لقد قال قد تجد في الرف موزاً
أو برتقالاً أو عنباً ولكنك لن تجد فاكهة. وبنفس الطريقة قد تجد في المكان شعوباً لكنك لا تجد الذات المكانية. لأن الذات المكانية جسمانية بالمفهوم
الظاهراتي الفينومنولوجي. وعبارة جسمانية لا تقود إلى جسم منفوخ بروح؛ ولا إلى جسم يضاد روح؛ ولا جسم يتحد بالروح. إنما تعني جسمانية لأجل
أن تفعل إمكانيةً ما في المكان. هنا يرد تعريف كانط: المكان هو حالة ضرورية لإمكانيةٍ ما.هذه الإمكانية لا تقوم إلا أن نفهم المكان عبر الذات المكانية
فيجعله قياماً متناسقاً داخل المكان. لذلك يطلق فلاسفة المكان على المكان الذي تجري فيه هذه الإمكانيات بهذه الطريقة عبارة "دوزنة المكان"؛ لينتج
هذا العمل مكاناً مدوزناً؛ خلاف ذلك يصبح المكان نشازاً غير متناغم وهو ما يحدث في مكان كالسودان ويصر على هذا النشاز في ظل قيادة النظام
الحاكم الآن. إنه يضع المكان على سرير بروكرست. تقول الأسطورة يستضيف بروكررست ضيفه على هذا السرير، وإن طالت سيقان الضيف
السرير، يقطعهما. هذا يشبه سرير النظام تماماً الذي يريد أن يضع المكان في سرير عربي إسلامي.

شكراً عصام على السؤال.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

دوزنت المنبر ياعبداللطيف بربط الفكر باليومي والواقع السودانى اللئيم.


ما تطول الغياب عشان تفيدنا..

تقول:
"لذلك يطلق فلاسفة المكان على المكان الذي تجري فيه هذه الإمكانيات بهذه الطريقة عبارة "دوزنة المكان"؛ لينتج هذا العمل مكاناً مدوزناً؛ خلاف ذلك يصبح المكان نشازاً غير متناغم وهو ما يحدث في مكان كالسودان ويصر على هذا النشاز في ظل قيادة النظام الحاكم الآن."

سؤالى هو ان الواقع الكندى أيضا نشاز وغير مدوزن كون سلطات الرجل الذكورى المهيمن اختارت برج بعيد ومنه توزع تعريفات الآخر لمحو الذات المكانية . مثلا أعلى ذاته فوق الجميع وتعالى وعرف نفسو خارج الاثنيات والاعراق. لذلك سمى الامكانيات كالآتى :
الانسان الاثنى والطعام الاثنى والفن الاثنى والملبس الاثنى كون أشياء الانسان غير الابيض وطعامه وفنه وملبسه توصف بالاثنية اما أشياء صاحب العرش متافيزيقية وخارج التعريف الاثنى - دا مثال واحد . دا مكان غير مدوزن برضو وسينسحب عليه نفس التحليل. بمعنى ان السيادة الديمقراطية متحركة وكذلك الدائرة التواصلية. نعمل شنو مع الهوية التى لاتقال فيما يخص منهج واستراتيجة المقاومة وكيف نتخارج من نشاز خطاب مفردة الآخر وحرجه على سبيل ترقية حساسيتنا الثقافية والسياسية نحو مواصلة تطورنا.

ولك كامن المودة وماظهر..

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عبد اللطيف،

شكرا على هذا الحضور النافذ، كما هو دأب حضورك.

سأعود.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

.
ظاهرة "الذات" – عزيزي عصام – في تراكمها الغائب الأصل، هي الذات التي تُضاف إلى

المكان، وتصبح الذات المكانية، وحين تضاف هذه الإضافة إلى الإرادة، تبقى العبارة كلها:

إرادة الذات المكانية؛ فهي الإرادة التي تدرك وتعرف وتعي ذلك التراكم الغائب الأصل.

فالذات هنا ليست بذاتية فردية تلك التي تقابل الأشياء الموضوعة المحيطة بنا.

هذا الإدراك والمعرفة والوعي يخلق نظاماً؛ وهو النظام الذي يرتب حياة الناس ويوفر لهم عاملين

أساسيين هما: الزمن والمال. بهذا الترتيب الحيوي ينتج المكان إلفته. لذلك يقال النظام هو

الذي يمسك الناس، وليس العكس الناس تمسك النظام. جملة العكس الأخيرة تجعل الحياة

ركاماً في اللانظام. مما يجعل المكان ينتج نفوره وشذوذه، حتى يصبح أيّ فعل مقلوباً رأساً على عقب.

التراكم الغائب الأصل يشير إلى شيئين: من جهة لا تستطيع أن تقلع المكان بأثر رجعي متناهٍ

في الماضي؛ كالذي يحصل في إسرائيل وآركيولوجيا إسرائيل. ومن جهة أخرى الذات المكانية لها

صفة الامتداد بحكم إنتاج تلك الإلفة.

صفة الامتداد التي تضفيها الذات المكانية أكبر عائق لها هو الوجود القبلي حيث يسود

الإقصاء لدرجة حروب الإبادة. لأن صفة الامتداد تنظر في الزمن من أربعة جهات رفع

الماضي، في استجلاء الحاضر، في استشراف المستقبل؛ أما الجهة الرابعة فهو المعطى من الرفع

والاستجلاء والاستشراف الذي يجلب للذات المكانية حاق حضور ذلك الـمُعطى. الحضور

الذي كلما امتلأ حضوره خطا خطوة جانبية ليزداد حضوراً. هذا الحضور نفسه هو الذي

يرتب حياة الناس ويوفر لهم كما أسلفت المال والزمن.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

شكراً صديقنا الفاضل على هذه الكلمات الطيبات،
نعم غبتُ كثيراً، لأنني انشغلت بإكمال كتابين جعلاني بعيداً عن الانترنت إلا لماماً. الكتاب الأول في طريقه إلى المطبعة؛ وقام بلوحة الغلاف صديقنا العزيز حسن موسى،

وهي بعنوان أدب الحب. وقام بالتنضيد الشاعر حافظ خير. الله يفتح عليهما. الثاني اكتمل تأليفاً، لكن الناحية الفنية والتنضيد لم يبدآ بعد. شكراً على السؤال يا سيدي.

نعم، يا الفاضل "الهـوية لا تقال"؛ هذه الجملة اهتديت لها مؤخراً بعد أن بحثت هذا الأمر منذ "الهوية والنسيان الأنطولوجي" المنشورة في مجلة احترام. لم تكن قبل هذا

المقال. فما إن قيلت الهوية، لحق الدمار المكان. لأن أي بلد هو جمع لاختلافات. فكيف نسارع وننطق بالهوية وتبقى المواد الأولى في الدستور. الهوية لا تقال تعني دين الدولة لا يقال، لغة الدولة لا تقال، عرق الدولة لا يقال؛ وهذا لا يعني أن الدولة أصبحت بلا هوية أو دين أو لغة. لقد سمعت ليبياً بعد انتصارهم يقول مباشرة – ليس من

موقع مسؤول، بل من موقع مواطن – إن ليبيا بلد عربي مسلم لذلك لن تكون هناك خلافات. الخلافات قد تبدأ لأن هذا المواطن قد نسي الطوارق، وصدَّق طاغوت القذافي الذي جعلها لا صوتَ لها وأقفل جميع أماكن عبادات الأديان الأخرى. هناك نقطة عمياء في كل خطاب. والنقطة العمياء أخذها بول دو مان من كتيب سيارة المرور

الأمريكي. يقول لك الكتيب إذا أردت أن تغير مسار سير السيارة يمنياً أو يساراً، فما عليك إلا أن تنظر إلى المرآة التي تعكس الخلف، ثم المرآة الجانبية، ثم عليك بالتفاتة سريعة فوق الكتف لترى بأم عينك ما إذا كانت هناك سيارة. لأن هذه الجهة تُسمى النقطة العمياء وهي النقطة التي لا تعكسها أية مرآة من مرايا سيارتك. إذا لم ترَ هذه

النقطة العمياء، سوف تصطدم بالسيارة التي تحتل هذه النقطة. خطاب هذا المواطن الليبي، وإعلان هوية الدولة، عملان مثقلان بالنقطة العمياء لذلك يصطدمان بالواقع. لأن الواقع لا يمكن أن تتعامل معه بالمخيلة. تقلعه من جذوره وتضع بدلاً منه واقعاً خيالياً.

الإمبريالية دائماً ما تتعمَّد ألا تجعل للشعوب غير الغربية بصورة عامة لهم "حيوات، وثقافات، متكاملة لا يستطيع الأمريكيون الإمبرياليون ومصلحو العالم أن يسيطروا

عليها سيطرةً كاملة" إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة كمال أبو ديب (بتعديل طفيف في الترجمة). إنهم يرون أنهم هم الذين يهندسون العالم حسب مصالحهم وليس حسب مصالح تلك الشعوب؛ وهذا ما يؤدي إلى التجاهل المتعمد لطبيعة تلك الشعوب. لهذا تجعل الإمبريالية أيضاً المكان نشازاً، في خارج دولة رأس المال. ولهث

الإمبريالية هذا للرأسماليين داخل دولة رأس المال يجعل المكان نشازاً للعمال والموظفين والمعوزين ومن تـــُقطـــَـــع وظيفته بلا مقدمات؛ لذلك كان شعار احتجاجات الشعب الأمريكي في وول ستريت 1% مقابل 99%.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

عادل

حين أكتب لك يكتبني صنو ماضٍ أريحيٍّ بهي.
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

العزيز عبداللطيف،

ذلك يعنى ان غيابك خير وعافية ونحن موعودون بذلك الخير يوم النشْر (نشْر الكتاب ، مش النشر الماورائى).

نسيت ان اذكر أعلاه ماذكرتنى له خديجة صفوت فى شجرة نسب المسيرية التى تشبه شجرة الجعليين كونهم حسب تعريفهم حوازمة من أولاد عطية بن راشد بن الجهيد وينتسبون الى جهينة ومعظمهم ينتسب الى جنيد بن احمد بن بابكر ابن العباس. أها.. لابد ان حكوة صنعة المسيرية تشبه احبولة الجعليين حسب حكوتك اعلاه عن الجعليين.

....

عجبتنى بلاغة "هناك نقطة عمياء في كل خطاب" وربطها بالمثال الذى نعيشه يومياً مثال The blind spot (وبالمناسبة هو من ابجديات تعلّم السواقة فى كل العالم) وهو مدهش فى توصيل الفكرة. الاهم من ذلك استيعاب فكرة "كعب أخيل" دى كوسيلة لنقد ذواتنا باستمرار ، مش نقد "بعض" وبس (هنا انا زى البتكلّم بصوت عالى لتجنّب المخارجة من كلمة "نقد الآخر" التى تعنى مركز الأنا، وحاولت اكتب "بعض" كان تسلس لى وتنطاق)

....

اما فى موضوعتك أعلاه لاحظت ايقاع منهج المدى الطويل فى التحليل ، المدى الذى تم فيه "الانصهار" (كلمة جافية بشكل!!) وفى سياق سبعة قرون!! حينئذٍ يخفت ازعاج الايدلوجيا ؛ وتحت جحيم مصهر "المعادن" طويل المدى بنى "وحيد اللغة العربية" (ساس) ملكوته وممالكه بشّيش بشّيش . لكين لو صحّت مقولة ان تاريخ المجتمع السوداني المكتوب يعود الى 200 الف عام قبل الميلاد وأن العرب ديل زاتم هاجروا من شرق افريقيا الى الجزيرة العربية ، يبقى اعادة الكتابة والبحث حتكون ضرورية جداً ومستحيلة اللهم الا بعد تضامن علم الجيولوجيا مع الطب (عبر الحمض النووى) والتاريخ وسلطات تسمح بذلك.

لابد ان أفريقيا (أصل ود امنآدم) وسوداننا ذات شأن طمره الغزاة من الشرق والغرب (او قل الشمال والجنوب الكونييْن) . أقول ذلك وفى الخاطر شهادة نزار قبانى قال عن السودانيين حين قال "اعرف ان صدروهم كعادتهم مفتوحة للامطار وللريح وللبرق والرعد والحرية. ومن يدري ربما اشعل لي السودان قناديل الامل وارجع الي حبي الضائع وحبيتي التى ليس لها ارض او عنوان" ، ثم شهادة ناظم حكمت عننا حين قال "‏السودانيون يتمتعون بجمال خارق انهم منقوشون فى ارقي انواع الاخشاب الابانوسية .. أعرف شاعرة سودانية، انها من ملكات جمال العالم"(الرسالة الثالثة) كما وثّقت الجميلة خديجة صفوت.


دا كلو فى شان نعيد كتابة المكتوب...

....

كنت قد سرحت فى كلماتك:
"أرجو ألا نفهم أن حركة التعريب هي العامل الأساسي في تكوين الذات المكانية، بل علاقات المكان التي تستقبل الوافد سواء استقبالاً مباشراً كالذي حصل لبعض قطاعات شعوب السودان أو استقبالاً غير مباشر دام لمدة سبعة قرون كالذي حدث للسوداني وحيد اللغة العربية"
خاصة فيما يتعلق "بالاستقبال غير المباشر" الذى من هبات دولة الامبريالية فى شمال امريكا بعد ان لفظتنا افريقيا، وعلاقات المكان الجديد الذى سنغيب عنه ضمن ديناميات الانصهار (طبعا فى امريكا سموهو الانصهار وفى كندا هو ذات الانصهار Melting pot لكن اسم الدلع فى كندا هو التعدد الثقافى Multiculturalism)غايتو كلمة الانصهار والمصهر متناغمة مع سياق ومتلازمة "وحيد اللغة العربية" الذى يصهر فى واحديته الحديد.

شكرا للطلّلة وداوم... لكين فعلاً كتابة الانترنت دى (تايم كونسيومنغ) وتاخد من الكتب التى نكتبها ، وعساى أتّعظ وأغيب شوية عشان أورّى صيدتى وادفع باول كتاب للمطبعة سريعاً.


دمت وعشت وعشعشتا (شايف كلام الحبوبات الصادر من مملكة الطيور دا؟)

مودتى

الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
صورة العضو الرمزية
عثمان حامد
مشاركات: 312
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:04 pm

مشاركة بواسطة عثمان حامد »

مرحب بصديقنا عبد اللطيف والمشاركين الأعزاء
وشكراً لعبد اللطيف على المزاوجة الحاذقة بين الخطاب السياسي والفلسفي.
أتشمم رائحة مارتن هايدجر، تتسرب إلي من هنا وهناك، وأنا في غمرة إستمتاعي بهذه الكتابة الرصينة!! أقول ذلك وفي خاطري طبيعة القضايا "المستشلكة" المتعلقة بالأنسان(الأنا والآخر، أو الغير بتعبير آخر-أو بتعبير سارتر، إن شئت:" الأنا الذي ليس أنا" في إشارته للآخر)، وهايدجر واحد من ضمن مفكرين كثر، بعد ناس هوسرل وغيره طبعاً، ظلت تشكل هذه التساؤلات قلقهم المعرفي والفلسفي المستمر. وعمنا التوحيدي قد قال قديماً –(أشكل الأنسان على الإنسان).
ماذا عن (خطاب عاشق)؟ والذي حسب معلوماتي، أنك كنت قد أسميته، سابقاً (خطاب العاشق) لرولان بارت! هل سيكون من ضمن مطبوعاتك الجاهزة، التي دفعت بها للمطبعة؟
مرحب بيك مرة أخرى ومرحب بعودتك الطازجة.
تحاياي الخالصة لك وللأسرة - علاوي أولهم طبعاً-
عثمان
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »


الفاضل كتب:
نسيت ان اذكر أعلاه ماذكرتنى له خديجة صفوت فى شجرة نسب المسيرية التى تشبه شجرة الجعليين كونهم حسب تعريفهم حوازمة من أولاد عطية بن راشد بن الجهيد وينتسبون الى جهينة ومعظمهم ينتسب الى جنيد بن احمد بن بابكر ابن العباس. أها.. لابد ان حكوة صنعة المسيرية تشبه احبولة الجعليين حسب حكوتك اعلاه عن الجعليين.



[b]الفاضـــل، اسمع هذا الصوت:

أنا "المهاجر بن مرامة بن مدين بن صبيحة بن دهاشر بن حذيفة بن مروان بن عبد الحكم بن معاوية بن اليزيد"

هذا صوت "المهاجر بن مرامة السلطان العاشر في البيت السناري". ورد تعليق بعد هذا النسب كالآتي: "ليس من المعقول أن يكون هناك ثمانية من الأجداد

لفترة من الزمن بلغت ثمانية قرون أي بمعدل قرن لكل جد". راجع كاتب الشونة. بتحقيق الشاطر البصيلي، ط. البابي الحلبي بالقاهرة ب.ت. ص. 131.

عندنا حقيقتان: حقيقة نسب صادرة من ملوك سنار تنتسب إلى ملوك بني أمية. صادر من مملكة عربية حديثة تحيط بها ممالك أفريقية قديمة.

الحقيقة الأخرى هي حقيقة نسب صادرة من قبيلة عربية تحيط بها قبائل عربية أخرى.

فما كُنــْه الحقيقتين؟

الحقيقة السابقة تريد أن تقول نحن الملوك أحفاد ملوك، ولسنا جزءاً من ذلك الشعب الذي انصهر نتيجة مزواجة سبعة قرون. إننا نحن العرب الذين هزمنا مملكة النوبة

ووقعنا معهم معاهدة البقط. نحن الذين بنينا ذلك الجامع في مدينة دمنقلة.

الحقيقة اللاحقة تقول: كلنا قبائل عربية لكن نحن أشرف القبائل العربية. لم نكن جزءاً من الممالك الأفريقية في هذا المكان، ثم تم تعريبنا يوماً بيوم. لا، نحن ننحدر مباشرة

من الجزيرة العربية، لذلك نحن ننتمي إلى الأشراف.

أما الحقيقة البنيوية الآن: هناك شعب عربي ينتمي واحداً من الشعوب السودانية في هذا المكان. خلاف ذلك سنهدر زمناً طويلاً وأخطاء فادحة نتخبط ذات اليمين

وذات الشمال، حتى نهتدي لهذه الحقيقة العضوية للمكان ليبدأ بلد اسمه السودان بداية بناء وطن ومواطن لهما سيادتهما.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »



عثمان سلامٌ وشوق كيفك والأسرة؛ وابننا مازن ويارا ومحيو.

ملاحظاتك كلها في محلها. أما صديقنا خطاب العاشق الذي تقادمت صحبته وصداقته حتى توكلنا على الله ودفعناه إلى نشر مركز عبد الكريم ميرغني، بعد أن كتبتُ مقدمة

هي دراسة قارنت بين ثلاثة علماء كتبوا في خطاب العاشق هم: ابن حزم، وابن الدباغ الصوفي وبارت. هو الآن بين أيدي

أحمد طيب عبد المكرم؛ ومصمم الغلاف والكتاب هو عبد الله أب سفة. فهو ليس من ضمن الكتابين. الكتابان هما (اللغة الخفية في السرد) و(علم النــَّظم) الذي خلصته

من علم اللغة، لأن كثيراً من الباحثين العرب يخلطون بينه وبين علم اللغة خصوصاً اللسانيات المعاصرة. أثبت ذلك في مقدمة الكتاب.

لك تحياتي ابعث لي ايميل لو سمحت

عبد اللطيف علي الفكي
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ
مشاركات: 267
اشترك في: الأحد مايو 22, 2005 9:57 am
مكان: كندا

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚËãÇä ÏÑíÌ »

الصديق عبد اللطيف
لقد تعسر التواصل منذ فترة طويلة و ما كان لينبغى..
آمل أن تكون و كل من هم/هن حولك بخير
و شكراً على الكتابة المسئولة التى تُحرض على الكتابة بغواية شديدة

الديموقراطية و بالاحرى "سيادة الديموقراطية" التى تحاول تصويرها و تبشر بمشروعها و مشروعيتها هنا تبدو لى و كأنها "بناء" فوقى أو نموذج مثالى متعالى على الرغم من تنبيهك المبكر بضرورة التمييز بين سيادة الديموقراطية "لغة/قول" و الديموقراطية كــ"ممارسة" فعلية. تقول:

"المفاهيم اللغوية المشتفة {sic} من الجذر (س و د) لينتج لنا عبارة (سيادة) لا يقود إلى التحقيق الفعلي لمفهوم السيادة مفهوماً نعيشه في حياتنا الديمقراطية اليومية؛ بل مفهوم السيادة يأتي من تاريخ تطور عمليات الديمقراطية عبر تجارب الشعوب".

بل يتبدى هذا المفهوم المثالى و المتعالى لـ"سيادة الديموقراطية" و بصورة فادحة فى سردك:

" من وظائف سيادة الديقراطية أنها تردم مثل هذا التباعد وتُصلحه لأن سيادة الديمقراطية لا ضد لها مثل الحداثة؛ لأنهما الاثنتان تستوعبان علاقات الواقع ولا تفرزان أية علاقات متأخرة عن علاقاتها، وتقفان ضدها".

و سيادة الديموقراطية‘ هكذا نفهم من قولك و نتفق معك إلى حد ما ‘ لا تحتمل إقصاء المخالف, لا بل لا ينبغى أن يوجد ضمن مشروعها "آخر"_ تفادياً بحسب قولك للسقوط فى "الميتافيزيقيا"_ و ذلك لأن القول بالآخر يستدعى الــ"انا". و لكن علينا ان نتساءل: هل مجرد "إلغاء" الآخر" بالضرورة يقود إلى إلغاء هذا الانا إ ذا ما أخذنا بعين الإعتبار "آخر" لاكان‘ على سبيل المثال‘ و الذى هو أيضا يتضمن "آخر" لـ "أنا "مزيف: صورة المرآة)؟. أنت هنا يا صديق تحاول إلغاء "الآخر" بذريعة تفادى "الميتافيزيقيا" و مع ذلك تقع فى شراك ميتافيزيقيا اخرى: هى الميتافيزيقيا التى تنهض على مُتوهم ثنائية "لغة/ممارسة"‘ على الاقل بحسب التفسير الدريدى (نسبة إلى المفكر "الفرنسى" الراحل جاك دريدرا").

نعم‘ سيادة الديموقراطية بهذا التصوير المثالى قد تحقق فى جانب منه فى الممارسات السياسية فى البلدان الغربية و أيضا فى الهند و لكن لان سيادة الديموقراطية تنهض كفعل ديناميكى و تستمد هذه الدينامية طاقتها من "عوز" أو"نقيصة" (بناء مشروخ و يبقى هكذا) ‘ و ربما لهذا السبب جاء فى قول جوديث باتلر/لاكلاو/ زيزك أن الديموقراطية كموضوعة‘ و التى تتحدد ليس فقط بتاريخها و لكن ايضا بما قبل تاريخها (تواريخ بنى العوالم الموجودة قبل إندلاف الذات إلى العالم)‘ مهجسة ب"الاقصاء" و لكن عودة "المقصى" هى التى تشكل الشرط الذى به تتوسع دائرتها (أى الديموقراطية)‘ و تعمل. لنضرب مثالا لذلك: فى السياقات التى تكون فيها وضعية المرأة مقصية من دوائر الممارسة السياسية يكون الفعل الديموقراطى ناقصا ولكنه فى ذات الوقت مهجسا بهذه النقيصة (تهميش المرأة) و لكن هذا التهميش/الهاجس يفتح إمكانية الديموقراطية فى التوسع بإستيعاب اوضاع المر أة و قس على ذلك صعود التجمعات و الفئات ذات المصالح المشتركة كالنقابات‘ المثليين‘ إ لخ‘ و تحقيق هذا يستدعى‘ اولاً و أخيرا‘ توافر "إرادة" فئوية/جهوية/مصلحية (agency) لا تكتفى بما تمليها البنية و لكن فى تحديها/محاورتها و بل إغتصاب البنية فى ذاتها. و كما ترى فإنه بهذه الطريقة‘ ولربما بهذه الطريقة فقط‘ ينهض الفعل الديموقراطى و يتطور. فالديموقراطية لا تعنى أبدا غياب الفعل "غير الديموقراطى" أو السيادى كما هو الحال فى مثالك حول إتفاقية السلام فى 1988 و لكن هذا الاخير و حده هو الذى يصبح شرط أساسى و القوة الدافعة للعملية الديموقراطية. و فى هذا السياق علينا أن نعيد طرح التساؤل المكرور و المجتر: لماذا نمت و تطورت "سيادة الديموقراطية" فى بلدان قليلة فى العالم بينما "فشلت" فى بلدان اخرى و من ضمن هذه البلدان السودان؟ هل يوصلنا الفهم المثالى لسيادة الديموقراطية فى منظورك هنا إلى إجابة/إجابات محتملة لهذا التساؤل؟

نقول لا يمكننا أن نتحدث عن "سيادة ديموقراطية" فى "ذات المكان" الكونى (universal) _السوداناوية_ دون الإلتفات إلى مجمل العوامل (القوى) التى تعيق تحقيق هذه السيادة. فهناك‘ على سبيل المثال لا الحصر‘ سيادة بُنى إجتماعية/ثقافية/سلطوية لا تزل اسيرة وبل تستلطف غواية إنتماءات/ولاءات ("أماكن"_ بحسب قولك) "قبلية"‘ "جهوية"‘ "دينية"‘ "عرقية"‘ إلخ‘ أغلبها‘ إن لم تكن كلها‘ لا تستأنس بالإحتفاء أو الإحتفال بواقع التعدد (الآخروية) و حسب و لكن دوماً تضع نفسها فى مكان الخصم (الخصم الدموى) لهذه الآخروية.إذن‘ كيف يتسنى لنا إنتاج/إخراج مكان متناغم (مدوزن) فى ظل هذه "الفنومنولوجيا" الإجتما/ثقاف/سياسية؟

مثالك عن "معاهدة السلام" 88 و الذى أتيت به لتوضيح الكيفية التى بها تم تقويض "السيادة"_سيادة الديموقراطية_ لا يمكن أخذها محمل الجد إذ أننا و حتى هذه اللحظة (8 يناير 2012) لا يمكننا التحقق من مدى مصداقية أو جدية الحزب الإتحادى الديموقراطى ممثلة أو قل "متحققة" بالكامل فى محمد عثمان الميرغنى فى "التوصل" إلى "سلام" أو ما إذا كانت تلك الخطوة لا تعدو كونها مجرد "تكتيك" حاول به الحزب الاتحادى الديموقراطى إحراز "نقاط" ضد خصومه السياسيين و بالاخص حزب الأمة متمثلة و متحققة فى الصادق المهدى. و مسيرة الحزب الإتحادى الديموقراطى منذ تلك اللحظة و حتى يومنا هذا لم تبدى ما يُؤكد حرص الحزب على "سيادة الديموقراطية" بل ان مجمل أفعاله و تحركاته تستدعى و بشكل حثيث الشكول تلو الشكوك حول جديته حول الفعل الديموقراطى السيادى. إذن خلاصتك أن "الصادق المهدى ليس سياديا.." ينسحب و ربما بنفس القدر على محمد عثمان الميرغنى و آخرين بما فى ذلك الشابى و الغنوشى فى تونس.

خطاب "الفتنة" إذا جاز لنا تسمية موقف الترابى من معاهدة السلام (1988) بذلك لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مواقف الكثيرين ممن يُوسمُون بـ"إلاسلاميين" الذين يبنون مواقفهم بوعى أو بغيره على هدى من المعاداة المطلقة للآخر غير المسلم إنطلاقاً من "مبدأ" تقسيم العالم إلى ثنائية متناحرة: "دار حرب" و "دار سلام".وتسيًد هذا الخطاب سيظل يشكل معضلة حقيقة و تحدى امام تطور الممارسة الديمموقراطية إلى "سيادة ديموقراطية". ما العمل؟

أما الحديث عن "الإرادة الشعبية" يا صديق فإنه يحتاج إلى تقعيد (qualification). فإطلاق "إرادة شعبية" على هذا النحو كـ"دالة" ضمن الحقل السياسى لا تنتج‘ بحسب رأينا‘ سوى بياضا. لماذا لا تنتمى "الإرادة" المنسوبة إلى "شعب" إلى خطاب "فتنة" من نوع آخر‘ هو هو خطاب يلغى الإختلاف الطبقى‘ المكانى‘ النوعى‘ الزمنى‘ المزاجى‘ إلخ‘ لينوجد و يسود فى هذا المكان "المُلغى": مكان الآيدلوجيا‘ و ليصبح بذلك "الشعب السودانى"‘ "جماهير الشعب السودانى"‘ "الأمة السودانية"‘ "نحن"‘ إلخ.

" الآخر" فى "إحترام الآخر"‘ ربما أنت محق فى أنه ربما يجنح البعض من "المثقفين" إلى تلك الحيلة للمخارجة من تعقيد الواقع او "المتنافيات"‘ و مع ذلك لا يمكن إطلاق مثل هذا التفسير إلى مجمل الخطابات التى تقول بذلك. ماذا عن إستخدامات "الآخر" غير "العروبى" غيرى " الإسلامى" للــ"الآخر"؟ بل و ماذا عن إستخدامات "الآخر" ضمن الذوات التى "تنتمى" إلى "ذات مكانية محددة"؟

ليس النظام الحالى هو وحده من يريد ان يضع "المكان" فى سرير العربى/الإسلامى‘ و لكن هذه الوضعية يمكن سحبها إلى مجمل الأنظمة السابقة و إن بدرجات متفاوتة.

و أخيرا و ليس آخرا أين الحدود بين "الذات المكانية" و "القومية"؟ هل هى هى؟

دريج يناير 2012
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

دريج ،سلام جاك ،

تقول/تسأل عبد اللطيف:

اقتباس:

"نقول لا يمكننا أن نتحدث عن "سيادة ديموقراطية" فى "ذات المكان" الكونى - (universal) - ‘السوداناوية_ دون الإلتفات إلى مجمل العوامل (القوى) التى تعيق تحقيق هذه السيادة. فهناك على سبيل المثال لا الحصر‘ سيادة بُنى إجتماعية/ثقافية/سلطوية لا تزل اسيرة وبل تستلطف غواية إنتماءات/ولاءات ("أماكن"_ بحسب قولك) "قبلية"‘ "جهوية"‘ "دينية"‘ "عرقية"‘ إلخ‘ أغلبها‘ إن لم تكن كلها‘ لا تستأنس بالإحتفاء أو الإحتفال بواقع التعدد (الآخروية) و حسب و لكن دوماً تضع نفسها فى مكان الخصم (الخصم الدموى) لهذه الآخروية.إذن‘ كيف يتسنى لنا إنتاج/إخراج مكان متناغم (مدوزن) فى ظل هذه "الفنومنولوجيا" الإجتما/ثقاف/سياسية؟"

نهاية الاقتباس

ثم تسأله عبدالطيف مرة أخرى فى اقتباس آخر:

اقتباس:

"أما الحديث عن "الإرادة الشعبية" يا صديق فإنه يحتاج إلى تقعيد (qualification) فإطلاق "إرادة شعبية" على هذا النحو كـ"دالة" ضمن الحقل السياسى لا تنتج‘ بحسب رأينا‘ سوى بياضا. لماذا لا تنتمى "الإرادة" المنسوبة إلى "شعب" إلى خطاب "فتنة" من نوع آخر‘ هو هو خطاب يلغى الإختلاف الطبقى‘ المكانى‘ النوعى‘ الزمنى‘ المزاجى‘ إلخ‘ لينوجد و يسود فى هذا المكان "المُلغى": مكان الآيدلوجيا‘ و ليصبح بذلك "الشعب السودانى"‘ "جماهير الشعب السودانى"‘ "الأمة السودانية"‘ "نحن"‘ إلخ.

نهاية الاقتباس

هذا التأهيل الذى توخّاه دريج لاطروحة عبداللطيف (خاصة فى الاقتباسين أعلاه) قمين يأن يرد على سؤال عصام على حسب فهمى لسؤآل عصام على وهو:
"سؤالى هل للمكان محتوى ؟ هل هو " الذات المكانية " . اذا كان لا فماهى ؟ ما معنى "اردة الذات المكانية" ؟ "

برضو تجدنى أقرب الى التأهيل الجديد الذى أتى به دريج ولكن عنّ لى ان أكوّن سؤال مركّب من هذا التأهيل (او التقعيد ، حسب دريج) مستعجلاً قبل تعليق عبداللطيف المتوقع كونى ظننت ان شرح عبداللطيف أعلاه على عصام والذى جاء كالآتى:
"إرادة الذات المكانية؛ فهي الإرادة التي تدرك وتعرف وتعي ذلك التراكم الغائب الأصل. فالذات هنا ليست بذاتية فردية تلك التي تقابل الأشياء الموضوعة المحيطة بنا. هذا الإدراك والمعرفة والوعي يخلق نظاماً؛ وهو النظام الذي يرتب حياة الناس ويوفر لهم عاملين أساسيين هما: الزمن والمال" (التخطيط من عندى)

شرح عبداللطيف هذا ربما أومأ الى تساؤل دريج (قل تأهيل الطرح) فى ظنى.

اذن هناك ثلاثة افادات/صياغات امامنا تبحث عن مكانها فى تحليل عبداللطيف وربما تجيب على سؤال عصام عن محتوى الذات المكانية حسب فهمى له:
أولاً (من دريج):
بُنى إجتماعية/ثقافية/سلطوية لا تزل اسيرة وبل تستلطف غواية إنتماءات/ولاءات ("أماكن"_ بحسب قولك) "قبلية"‘ "جهوية"‘ "دينية"‘ "عرقية"‘ إلخ
ثانياً: (من دريج)
لماذا لا تنتمى "الإرادة" المنسوبة إلى "شعب" إلى خطاب "فتنة" من نوع آخر‘ هو هو خطاب يلغى الإختلاف الطبقى‘ المكانى‘ النوعى‘ الزمنى‘ المزاجى؟
ثالثاً: (من عبداللطيف)
ارادة ذات مكانية ، جماعية تستخدم الادراك والمعرفة والوعى وتخلق بها نظاماً يوفر للجماعة (الزمن والمال)

أعيد ربط هذه الافادات (بروبوزيشن) propositions الثلاثة أعلاه معاً لأسأل عبداللطيف: ماالعلاقة (لو وُجدت!) بين الاجتماعى (أقرا الطبقى ان شئت) اوالاثنوثقافى-اجتماعى من جهة دريج/عصام (لو صحّت قراءتى سؤال عصام) ومفردتىْ (الزمن والمال) من وجهة نظر ردك يا عبداللطيف؟

مودة
الفاضل الهاشمى
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

عبد اللطيف،

تفتح مقالتك أكثر من أفق للأسئلة، للتساؤلات وللنقاشات الرصينة. وفي الواقع لا تكاد تخلو فقرة من هذه المقالة من فكرة تحث على ذلك. وما المساهمات المتمايزة لزائريك الا دليل على هذه الخصيصة. فشكرا على هذه الخصوبة.

أركز ملاحظاتي على مستوييين: الديموقراطية والسيادة.

أبدأ مما أراه بداهة: لا تصبح الديموقراطية سائدة الا بعد أن تتأسس.

ولدت، تأسست وسادت الديموقراطيات الغربية في – من – خلال نهضات أو عمليات أو حراكات نوعية اجتماعية، ثقافية، سياسية، فكرية، فلسفية، علمية وتقنية. طبعا يسهل على المرء، ويحق له، القول بأنه ليس بالضرورة، وربما ليس من الممكن، أن تقتفي ديموقراطية ك"ديموقراطيتنا" آثار الديموقراطيات الغربية حتى نبتكر "النسخة التي تناسبنا". بيد أن من الصعوبة أيضا تصوّر تحقيق أي نوع من "عقد سياسي خاص" يتسم بكفالة الحريات الأساسية والتداول السلمي للسلطة السياسية، سواء بالمعايير الغربية أو بمعايير أخرى مأمولة، أي أكثر انسانية وتطورا من النسخ الغربية للديموقراطية، دونما نهضات أو عمليات أو حراكات، متعالقة ومتوازية، تتميز بالتعدد والتركيب، في واقع كواقعنا.

أأمل، على المستوى الشخصي على الأقل، في ديمقراطية اكثر انسانية، رحابة، الهاما وتطورا لأن النسخ الغربية للديموقراطية تتسم بأبعاد أو التفافات "غير ديمقراطية" – تأكيدا لأشارة دريج الى أن "الديموقراطية لا تعني أبدا غياب الفعل غير الديموقراطي". بل انني أعتقد أن النسخ السائدة من الديموقراطية الغربية – دع عنك "نسختنا" – لم تستطع – ولا تريد – التخلّص من ارث ذي نزوع شمولي كامن في أو ناتج عن علاقات القوة الرأسمالية السائدة في المجتمعات الغربية. ذلك – هذا – الارث يمكن رصده في الآليات "الديموقراطية" السائدة في المجتمعات الغربية، وهي آليات مهمتها صياغة، والمحافظة على صياغة، انسان خاضع لكنه أقنع بعكس ذلك بمفهوم فوكّوي (من فوكّو). وبما أن مقالتك تتأسس، من بين ما تتأسس، على مفهوم هايدقري (من هايدقر)، فهذا النوع، السائد طبعا، من الانسان الغربي يتّسم بالخوف، الذي يحافظ عليه مخضعا، وليس بالقلق الذي يعينه على التفكير المختلف والبحث عن ماهيّته المحتجبة.

لقد تأسست الديموقراطيات الغربية وسادت. وأحد الدلائل البارزة على هذا هو سيادة هذا النوع من الانسان الموسوم ب"حرية الاختيار" بين مثيلين، أي، على سبيل المثال، بين "خياريّ" المحافظين أو العمال (في بريطانيا) أو بين الديمقراطيين أوالجمهوريين (في الولايات المتحدة)، وقس على ذلك "الفروع الأخرى" في بلدان مثل كندا، أستراليا ونيوزيلندا.

غير أن سيادة هذا النوع من الانسان لم تتم دون براعة – بل، بالأحرى، تمّت، وتتم، بسبب من البراعات التي لم تدع منجزا من منجزات الثورة الصناعية والتطورات العلمية والتقنية اللاحقة الا ووظّفته.

أمّا "نسختنا الديموقراطية السودانية"، التي مورست على ثلاث فترات سابقة، فهي تكاد تكون نقيضة أية نسخة من الديمقراطية الغربية المعاصرة، ليس بسبب من الوشائج العضوية، المفتقرة الى حذاقة التخفّي، التي تربطها بالديكتاورية فقط، وليس لأنه تعوزها "أصالة" تعقيدات وبراعات كتلك التي تمتّعت وتتمتّع بها الديموقراطيات الغربية فحسب، وانّما لافتقارها لخصيصة التأسيس ومن ثم السيادة.
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأحد يناير 15, 2012 8:59 am، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »



عزيزنا محمد عثمان؛ كيف أنتم وأشهر الشتاء قد بدأت؛ فبدأ الصقيع. أشكرك على إثارة هذه النقاط. فأنا يا صديقي أهتم جداً بتوطين المعرفة. لذلك دائماً ما أربط تحليلي

بذرائع واقعية تقودني إلى الكشف عن علاقات أكبر. هذا ما يُطلق عليه "الحدث". لذلك أبدأ باستنكارك لمجيئي لهذا الحدث. لقد قلت "مثالك

عن معاهدة السلام 88 لا يمكن أخذه محمل الجد. إذ إننا حتى هذه اللحظة لا يمكننا التحقق من مدى مصداقية الحزب الاتحادي الديمقراطي" أ.هـ.

أرى أنك هنا قد فرَّغت هذا المثال أو الحدث من عالم تحليل الخطاب. لقد أخذته كحدث والحدث - كما قلت لك - هو ذريعة واقعية. فكيف

نعتبر هذه الذريعة الواقعية حدثاً؟ حسناً، عند وقوع هذا الحدث خرجت آلاف مؤلفة تـُثبِتُ واقعية وشرعية هذا الحدث. لقد دعم هذا الخروج الهائل علاقات الواقع

آنذاك نحو اعتماده اعتماداً سيادياً. ففي الحدث حسب نظرية تحليل الخطاب أنا آخذ علاقات الحدث وليست عناصره. فعناصره هي الاتحادي الديمقراطي والحركة

الشعبية؛ فالعنصران اللذان أنجزا الحدث لم نشر إليهما كمنجزَيْن؛ بل أخذتهما كعلامة تقود إلى أن الديمقراطية التي نحن نمارسها من حين إلى حين منذ الاستقلال،

هي ديمقراطية لا سيادة فيها. هذه كانت مهمة المقال. لكي نحتفظ بالديمقراطية علينا فهم سيادة الديمقراطية.

ولكن المهم أنه حدث صنعته علاقات؛ وأهم علاقة قامت بصناعة هذا الحدث هي سيادة ديمقراطية. الحدث في حد ذاته سيادي لكنه تلكأ في غيابة أعمال

ديمقراطية مبتذلة. ماذا نفعل بعناصر هذا الابتذال الطائفي؟

يتبع / مناقشة نقاط أخر في رد صديقنا محمد عثمان. ودمتم
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »


سيادة الديمقراطية كقوة لا تعني ـ كما تقول -

"كأنها بناء فوقي أو نموذج مثالي متعالي" أ.هـ. ؛ بل يمكن أن نقارن سيادة الديمقراطية والأحزاب باللغة والكلام على التوالي. وذلك حتى تتضح وظيفة "سيادة"

في التركيب سيادة الديمقراطية. فسيادة الديمقراطية مثل اللغة، ونشاط الأحزاب اليومي مثل الكلام. غرضنا من هذا المثال أن المتكلم هو الذي ينتج كلامه كلاماً جديداً

في جمل لا متناهية بحكم قدرة التواصل، ولكن رغم هذه الجدة واللاتناهي لا يخرج من نظام اللغة كإنتاج جماعي. كذلك نشاط الأحزاب في نشاطها اليومي هو نشاط

- بفعل تحقيق تلك السيادة - يتجدد ويتفاعل ولكن رغم ذلك لا يخرج عن نظام سيادة الديمقراطية. هذا الارتباط العضوي ليس مثالياً وليس متعالياً. لأن سيادة الديمقراطية

هي قوة في متناول اليد والتحقيق. هي قوة تجريها هذه السيادة تراكماً فيما هو الوجود هناك. تنتج هذه القوة تهيـُّؤات. كالتهيـُّؤ الايجابي للمكان، والتهيـُّؤ الايجابي لزمان

هذا المكان، ولأفراد هذا المكان، ولمؤسسات هذا المكان، ولثقافته، حتى يصل الأمر إلى التهيـُّؤ لمدنيـَّـة المكان تطوره وقوته عبر دائرة تواصلية لا يقف فيها الفرد

متلقياً للأوامر ومواد الدستور؛ بل هو الذي يصنع تلك الأوامر ويجدد مواد الدستور. إنه ذلكم الكائن الأكثر حضارة.

نواصل مناقشة نقاط صديقنا محمد عثمان.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »



الآن أجيء إلى تساؤلك:

"لكن علينا أن نتساءل هل مجرد إلغاء الآخر بالضرورة يقود إلى إلغاء هذا الأنا إذا ما أخذنا آخر لاكان، على سبيل المثال، والذي هو أيضاً يتضمن آخر

لـِ’أنا‘ مزيف:صورة المرآة؟ أنت يا صديق تحاول إلغاء الآخر بذريعة تفادي الميتافيزيقا ومع ذلك تقع في شراك ميتافيزيقا أخرى؛ هي الميتافيزيقا التي تنهض

على متوهم ثنائية لغة/ممارسة على الأقل بحسب التفسير الدريدري". أ.هـ.

[b]
منذ البداية أن جملة [يجب احترام الآخر] هي جملة خطاب؛ أي جملة أنتجها خطاب وهو خطاب - كما قلت - يستولد سلفاً الأنا. لذلك هي لا تنتمي

إلى ثنائية أنا / الآخر؛ لأن الذات المكانية ليس فيها آخر عليها أن تحترمه. من هنا تم تسديد بؤس واقع هذا الخطاب. أما الآخر عند لاكان فتنتجه ’الذات‘

وليس منتوج خطاب جمعي، كما في جملة الخطاب أعلاه التي استولدت الأنا. وذلك لأن لاكان يجعل موضوع التحليل النفسي هو التأثير الرمزي للغة في العقل.

فموضوعه ليس الإنسان، وإنما ما فقده الإنسان. وأكثر شيء مفقود عند الإنسان هو ’الآخر‘. لجأ لاكان لتوضيح ذلك إلى أسطورة أرسطوفانيس وهي أسطورة

الإنسان الدائري التي ورد ذكرها عند أفلاطون في المأدبة. الإنسان الدائري شطره زيوس كبير الآلهة إلى نصفين: ذكر/ أنثى؛ ذكر / ذكر؛ أنثى / أنثى. ففي

كل ثنائية تبحث ’ذات‘ عن ’آخر‘. النصف إلى النصف الآخر. استلهم لاكان هذه الأسطورة ووازى بها آخره. لقد جاء لاكان بفكرة أسطورة النسيج الحي: أيْ

أن هناك نسيج حي منغرز كعضو في جسم الإنسان. هذا النسيج الحي هو أحد أعضاء الجسد. وهو هنا اللبيدو. يشير لاكان أن هذا العضو غير عضوي بصورة

فطرية كبقية الأعضاء؛ ولكن انعدام هذه الفطرية لا تجعله خيالياً. كيف؟ يقول لاكان هذا اللبيدو العضوي هو التاتو أو الوشم على جسد الذات من أجل

الآخر . إنه اللبيدو العضوي الذي يدخر الآخر.

لذلك أرى أن ’آخر‘ لاكان بعيد جداً من ’الآخر‘ الذي حدقت فيه الذات المكانية تحديقاً جعل من جملة الخطاب الثاقف الذي كان يريد التخلص من المتنافيات

- التي ذكرتها أعلاه - ولكنه وقع في أحابيل التفكير الميتافيزيقي.

يتبع؛ ولك كل تقديري في إثارة هذه النقاط
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

أشار الصديق محمد عثمان إلى ما أطلقت عليه الإرادة الشعبية وفقاً لمفهومها داخل علاقات المكان، ولم أطلقها كدالة سياسية. صحيح أن المقال لم يفصل في علاقات المكان التي جاءت بالعبارة، لكن مع ذلك تقع العبارة صحيحة في سياقها لتعني أنها آتية من علاقات مكان. هنا في هذا الرد سأوضح كيف هي في علاقات المكان.
يشير محمد عثمان دريج:

أما الحديث عن "الإرادة الشعبية" يا صديق فإنه يحتاج إلى تقعيد (qualification). فإطلاق "إرادة شعبية" على هذا النحو كـ"دالة" ضمن الحقل السياسى لا تنتج‘ بحسب رأينا‘ سوى بياضا. لماذا لا تنتمى "الإرادة" المنسوبة إلى "شعب" إلى خطاب "فتنة" من نوع آخر‘ هو هو خطاب يلغى الإختلاف الطبقى‘ المكانى‘ النوعى‘ الزمنى‘ المزاجى‘ إلخ‘ لينوجد و يسود فى هذا المكان "المُلغى": مكان الآيدلوجيا‘ و ليصبح بذلك "الشعب السودانى"‘ "جماهير الشعب السودانى"‘ "الأمة السودانية"‘ "نحن"‘ إلخ.

لقد جاءت عبارة ’الإرادة الشعبية‘ عابرةً في مقالي كالآتي (عابرة بمعنى لم نُشر إلى موقها في علاقات المكان؛ فكان تساؤلك مُـحِقـِّاً)
"السيادة تجعل خطاب الأحزاب الديمقراطية متقارباً وليس متباعداً متنافراً؛ كأن يقول سلفي مصري مثلاً سنفرض الشريعة على الناس ومن لم تعجبه فليذهب إلى بلد آخر. هذا تباعد وتنافر غاية في السذاجة وهو يقال في جو ديقراطي أتى به عبر انتخاب أتت به الإرادة الشعبية وليس السلفيين".

يتخوَّف كثير من الناس نظراً للمثال في شقيه أ وب أعلاه قبيل قيام انتفاضة الإرادة الشعبية ويطلقون عباراتهم "البديل منو"، "تاني نكرر أخطاء الأحزاب"، "الفوضى"، وهي عبارات مهاجرة من خطاب البيان رقم 1 للانقلاب العسكري؛ ويظل أمن هذا الانقلاب العسكري يكرر هذه العبارات لملء تلك الإرادة الشعبية بالاستياء. إنه خطاب يائس ذلكم الذي يتصدّى للإرادة الشعبية. لأن هذه الإرادة هي إرادة الذات المكانية في استقرائها لعلاقات الواقع، وفيما نراه ونعيشه لا شيء أكبر من تلك الإرادة؛ إرادة الذات المكانية التي تجيب عن كل ذلك "البديل هو سيادة الديمقراطية، استمرارها وتطورها

وهنا، الإرادة الشعبية تعني إرادة المكان؛ سأوضح ذلك بفهمنا للمكان ونقول أولاً هل المكان جسم أم حجم؟ هذا السؤال لا ينتمي إلى الفيزياء وإنما ينتمي لإنتاج الخطاب. هل نرى المكان جسماً أم حجماً؟ جسماً، بمعنى هل هو امتداد جسم؟ بالطبع لا. فماذا نعني بالحجم؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن يتبادر إلى ذهننا مثل هذه الجمل التي تشترك في حقل واحد هو حقل الحجم: /أنا ألبس قميصاً رقم 16/ هو يلبس بنطلوناً رقم 33 في 34 / هي تلبس حذاءً رقم 6/ وهكذا؛ فالمقياس هو الذي يؤدي إلى حجم الجسم. بهذا الاعتبار المكان حجم وليس امتداد جسم. هنا الخطاب هو الذي يؤدي إلى حجم المكان. فإذا كان إنتاج الخطاب منسوجاً من علاقات الغش، والتضليل، والمراوغة، والأكاذيب، فإن حجم المكان يقع فيما قبل فعل المكان، الحجم الأحادي الضيق للمكان. وما قبل فعل المكان لا يعني أنه ثابت ينتظر فعل المكان، بل يعني نكوسه وانتكاسه وتقهقره للوراء. وهذا ما يحصل الآن في السودان. فحجم المكان الأحادي هذا يشهد تخريباً واسعاً لعلاقات إنتاج المكان. وإذا كان إنتاج الخطاب في علاقات المعادل الفعلي، فإن حجم المكان يقع في فعل المكان. وإذا كان إنتاج الخطاب في علاقات المدرك في التاريخ والتاريخ المقدس، فإن حجم المكان يقع في إدراك المكان. أما إذا وصل إنتاج الخطاب – وهو أمر لم تصل له أية دولة حتى الآن - من علاقات مكتملة في مجملها الواقعي قيد علاقات التاريخ حيث يمتلئ المكان امتلاءً نوعياً ونعي به وعياً إحساسياً بصورة عملية، فإن حجم المكان في هذه الحال يحقق حدس المكان. الإرادة الشعبية، أو الإرادة المكانية صادرة وطالعة من هنا أي من حدس المكان. الإرادة الشعبية أو الإرادة المكانية القابعة في وول ستريت طالعة من حدس المكان، بينما أمريكا كدولة لم تصل إلى مستوى حدس المكان، إنها في مستواها الأقصى في إدراك المكان. لذلك حين أوردت هذه الجملة "انتخاب أتت به الإرادة الشعبية"، كان في بالي أن الإرادة الشعبية أو الإرادة المكانية التي كانت قابعة في ميدان التحرير وجابت الشوارع بالمظاهرات هي إرادة طالعة وصادرة من حدس المكان بينما دولة مبارك تقع فيما قبل فعل المكان.
أورد لك خطوات فعل المكان التي ضاعت عنا منذ الديمقراطية الأولى. هبها الديمقراطية الأولى بعد مغادرة الاستعمار البريطاني قد اعترفت من خلال اعتراف مؤتمر الخريجين بما قدمته الجمعية السودانية الفلسفية التي قامت تهتم بالإحصاء السكاني الأول عامي 55-1956 بشكل علمي دقيق بينت فيه الأعراق واللغات ونسبة الوفيات ونسبة الولادة والمشاريع التنموية والصناعية في المستقبل لهذه الدولة الوليدة. وهي المشاريع المرجوة لتقدم البلاد. فمن خلال هذا الإحصاء قدمت هذه الجمعية حقيقة السودان وواقعه في الحاضر والمستقبل. لنفترض أن دولة السودان الوليدة قد قامت بكل تلك التوصيات التي تحقق وجود دولة اسمها السودان؛ من ضمن تلك التوصيات نستجلي حقيقة واحدة وضعتها تلك الجمعية ألا وهي "في السودان 104 لغة محلية". تخيل معي [كان يمكن أن يكون واقعاً ذا فتح مبين، ولكن. فمن الذي لَكنها؟ هذا مقال آخر] أن وزارة التربية والتعليم أو وزارة المعارف آنذاك قد قررت لتجعل هذه الحقيقة "السودان فيه 104 لغة محلية" واقعاً متحققاً متوازناً، فأصدرت القرار التالي كل طالب وطالبة يكمل مرحلة من مراحل الدراسة من الابتدائية حتى الثانوية عليه أن يتعلم في كل مرحلة ثلاث لغات محلية ليس بينهن لغته وإلا تعذر تخرجه. هذا القرار يأتي بعد إكمال مشروع تعلم اللغات المحلية إكمالاً علمياً ناجحاً تام الإعداد من المدرسين والمناهج وأدوات التعليم. فعلى أيِّ شيءٍ كنا سنحصل. كنا سنحصل على دولة هي في فعل المكان.

سؤالك عن ما الفرق بين الذات المكانية والقومية؛ هو أن الذات المكانية لا تتجزأ ولا يمكن أن نقول الذوات المكانية، بينما القومية عدة قوميات في المكان الواحد،
لأننا لا نستطيع أن نضع شعوباً تحت مظلة قومية واحدة؛ هذا مستحيل. أضف لذلك قد تتحول القومية إلى تيار عصبي يعلو على القوميات الأخرى كاذي حدث في أوروبا
خلال القرن التاسع عشر. فالقومية هنا تعزل وتنفي، بينما الذات المكانية خالية من هذه النزعة التيارية تماماً.

انتهى.
آخر تعديل بواسطة Abdelatif Elfaki في الاثنين يناير 16, 2012 3:23 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
Abdelatif Elfaki
مشاركات: 90
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:49 pm

مشاركة بواسطة Abdelatif Elfaki »

[
أضف رد جديد