أعظم قرار اتخذته في حياتي
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
أعظم قرار اتخذته في حياتي
كنت في الثانية عشر من العمر، الساعة السادسة مساء ، الشمس تتهادى للمغيب محمرة الوجنتين كفتاة تزف إلى زوجها. أذنت لي أمي بالذهاب إلى ( السينما )، حملت عصاي وانطلقت لا ألوي على شئ. كانت ( النهود ) نبع الحنان بأهلها الطيبين ، وهي مدينة صغيرة في غرب إقليم كردفان، حديثة عهد ب ( السينما )، ولعلها كانت ( سينما) متجولة، كان ذلك منذ قرابة نصف قرن من الزمان. لا أذكر الآن العرض الذي حضرته ، وعما كانت تدور أحداثه، لأن الرعب الذي عايشته من بعده كفيل أن يمحو من الذاكرة كل تسجيلاتها السابقة فتصبح بلا ( أرشيف ). يقول علماء طبقات الأرض ( الجلوجيون ) أن النهود كانت في سالف العصور بحيرة ، ثم جفت البحيرة، ثم غرقت تحت أكمة من الأشجار، لدرجة أنك حينما تقترب إلى النهود من جميع الاتجاهات لا تراها، فهي مغطاة تماماَ ب ( ستيان ) من الأشجار.
انتهى العرض حوالي التاسعة، وتفرق السمار، وكان علي أن أجد من استأنس برفقته إلى الحي الذي اقطنه. ذهب الجميع في كل الاتجاهات إلّا صوب حيّنا، صرت رهينة للوحشة والسكون، فانطلقت متوتراَ نحو منزلنا. لم تكن هناك سيارات أو كهرباء ، نذاكر دروسنا بمصباح الغاز ( الجاز ). الناس يصلون العشاء, فيتعشون وينامون مبكراَ، فتنطلق من أحلامهم كل الأرواح الشريرة من عفاريت وجان وغيلان لتعبث بالمدينة، والويل كل الويل لمن يخرق حظر التجوال. بعد معاناة قطعت خلالها قرابة كيلومترين متحسساَ طريقي في بحر ( الظلمات)، مستعيناَ بكل السور القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب، لم يقابلني إنس أو جان، كنت الكائن الوحيد. هاأنذا أقف أمام الزقاق الذي يؤدي إلى منزلنا، ظلام دامس وسكون مهيب، جميع الناس نيام ، حتى الآباء والأمهات فرغوا من غرس الأجيال القادمة واستغرقوا في سبات عميق. الأشجار الكثيفة تحيط بالزقاق الضيق من كل جانب، يخيل إليك أنك تدخل نفقاَ مظلماَ بلا قرار، على الرغم من أن المنزل كان على بعد أقل من 400 مترا. حينما قطعت ثلث النفق تبين لي أنني أرى شبحاَ ما على مسافة أربعين متراَ. تسمرت في مكاني ، شعرت بقشعريرة ، انتصبت كل شعرة في جسدي و صارت متأهبة للفرار، تمعنت النظر، فاستيقنت أنني أرى عفريتاَ ضخماَ يحمل حزمة ما على رأسه. صارت فرائصي ترتعد من الرعب، أعضائي تهرب مني وأتبعثر أشلاءَ في هذا الليل البهيم. ما زلت مسمراَ في مكاني أتصبب عرقاَ ، ولكنه لم يصل بعد إلى قدمي. فكرت أن أرجع وآخذ طريقاَ آخر، بيد أنه لا يوجد سوى طريق واحد، يمر خلف الحي موازيا الخلاء ( الغابة )، حيث لا يوجد سكان. و الأدهى أن الطريق يمر بمزبلة أو قمامة الحي، وبالطبع المشكلة ليست في القاذورات، بل في أن الكل يعتقد في أن المزبلة هي بيت العفاريت وموطن جبروتها وبأسها ومسقط رأسها. إذن لم يكن من خيار سوى التقدم، لم يخطر على بالي أن أوقظ الجيران واستعين بهم، كان عليّ أن أواجه قدري وحيداَ. قررت أن أتقدم، وكان هذا – كما سيتضح- أعظم قرار اتخذه في حياتي. تزودت بالمزيد من الجرعات الإيمانية القرآنية: آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وتحركت صوب العفريت ، صوب منزلنا، صوب الهدف، وأنا أرتعد من الخوف. أخذت أقصى يسار النفق حتى كدت احتك بالسور، لأن العفريت كان على اليمين . عيناي وجميع حواسي مركزة على العفريت ، حتى إذا جاء بأي حركة أطلقت ساقي إلى الريح. كنت مشهوراَ بين أقراني بالعدو ( وصرت بالفعل في المستقبل عداءَ)، وخيل لي عقلي الصغير أنني سوف أسبق العفريت، إنه الوهم. بيد أن مسرح الأحداث في جملته آنئذ كان نسيجاَ من الخرافة والأساطير والأوهام. هاأنذا أقترب رويداَ رويدا من العفريت ، تتشكل ملامحه، ترتسم إحداثياته، ويعاد إنتاجه في مخيلتي حيث يعتمل الصراع بين الخرافة والواقع وبين الخوف والشجاعة والإقدام. أنا الآن على بعد 10 أمتار يبدو أن ما أراه ليس كائنا محدد المعالم. ربما ليس عفريتاَ. شعرت بشيء من الارتياح وقل خفقان القلب. لكن لا بد من التأكد حتى لا أصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة للعفريت. وحين اقتربت أكثر تبين لي أن ما حسبته عفريتاَ كان قطعة من القماش ملقاة على قمة غصن جاف من شجرة سدر ( نبق ) بفعل فاعل أو فعل الريح. كانت أسوار المنازل تصنع من القصب مما يجعلها طعاماَ شهياَ للأغنام والأبقار والحمير، لذا درج المواطنون على تغطية السور بأغصان السدرة الشوكية حماية له.
لا أستطيع أن أصف كم كانت فرحتي، وكم كنت مزهواَ بنفسي، كانت أول مرة تتعرى فيها ذاتي فأتحسس تضاريسها، أتعرف عليها وانتشي بانتصارها على نفسها. اقتربت من قطعة القماش وضربتها بعصاي، وواصلت سيري صوب المنزل أتغنى بصوت مسموع. ربما يرى البعض أن ما حدث كان عادياَ، أما على صعيدي الشخصي فقد كان مفعول التجربة مذهلاَ. لقد شكلت الأساس لصياغة وعيي بالحياة وتطور شخصيتي :
أولاَ، لم أعد أعتقد في العفاريت والغيلان وما شابه ذلك من الخرافات والأساطير. وحينما كان يأتي أحدهم ليتحدث عن أنه رأى العفريت أو الشيطان، أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.
ثانياَ، تشكل وعيي بالنهج العلمي في التفكير في مرحلة مبكرة. يتطلب التفكير العلمي ألّا تفترض وتسلم بما افترضت، ينبغي التحقق من صحة الفرضية. لقد تهيأ لي أنني أرى عفريتاَ، وفي تلك اللحظة كان اعتقادي جازماَ وراسخاَ. ولو أنني تراجعت تلك الليلة لظللت بقية حياتي أحكي بفخر وثقة أنني رأيت عفريتاَ. لكن تجمعت أسباب ذاتية وموضوعية فرضت علي التقدم والتحقق من خطأ اعتقادي، أنها فرصة نادرة بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.
ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق.
انتهى العرض حوالي التاسعة، وتفرق السمار، وكان علي أن أجد من استأنس برفقته إلى الحي الذي اقطنه. ذهب الجميع في كل الاتجاهات إلّا صوب حيّنا، صرت رهينة للوحشة والسكون، فانطلقت متوتراَ نحو منزلنا. لم تكن هناك سيارات أو كهرباء ، نذاكر دروسنا بمصباح الغاز ( الجاز ). الناس يصلون العشاء, فيتعشون وينامون مبكراَ، فتنطلق من أحلامهم كل الأرواح الشريرة من عفاريت وجان وغيلان لتعبث بالمدينة، والويل كل الويل لمن يخرق حظر التجوال. بعد معاناة قطعت خلالها قرابة كيلومترين متحسساَ طريقي في بحر ( الظلمات)، مستعيناَ بكل السور القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب، لم يقابلني إنس أو جان، كنت الكائن الوحيد. هاأنذا أقف أمام الزقاق الذي يؤدي إلى منزلنا، ظلام دامس وسكون مهيب، جميع الناس نيام ، حتى الآباء والأمهات فرغوا من غرس الأجيال القادمة واستغرقوا في سبات عميق. الأشجار الكثيفة تحيط بالزقاق الضيق من كل جانب، يخيل إليك أنك تدخل نفقاَ مظلماَ بلا قرار، على الرغم من أن المنزل كان على بعد أقل من 400 مترا. حينما قطعت ثلث النفق تبين لي أنني أرى شبحاَ ما على مسافة أربعين متراَ. تسمرت في مكاني ، شعرت بقشعريرة ، انتصبت كل شعرة في جسدي و صارت متأهبة للفرار، تمعنت النظر، فاستيقنت أنني أرى عفريتاَ ضخماَ يحمل حزمة ما على رأسه. صارت فرائصي ترتعد من الرعب، أعضائي تهرب مني وأتبعثر أشلاءَ في هذا الليل البهيم. ما زلت مسمراَ في مكاني أتصبب عرقاَ ، ولكنه لم يصل بعد إلى قدمي. فكرت أن أرجع وآخذ طريقاَ آخر، بيد أنه لا يوجد سوى طريق واحد، يمر خلف الحي موازيا الخلاء ( الغابة )، حيث لا يوجد سكان. و الأدهى أن الطريق يمر بمزبلة أو قمامة الحي، وبالطبع المشكلة ليست في القاذورات، بل في أن الكل يعتقد في أن المزبلة هي بيت العفاريت وموطن جبروتها وبأسها ومسقط رأسها. إذن لم يكن من خيار سوى التقدم، لم يخطر على بالي أن أوقظ الجيران واستعين بهم، كان عليّ أن أواجه قدري وحيداَ. قررت أن أتقدم، وكان هذا – كما سيتضح- أعظم قرار اتخذه في حياتي. تزودت بالمزيد من الجرعات الإيمانية القرآنية: آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وتحركت صوب العفريت ، صوب منزلنا، صوب الهدف، وأنا أرتعد من الخوف. أخذت أقصى يسار النفق حتى كدت احتك بالسور، لأن العفريت كان على اليمين . عيناي وجميع حواسي مركزة على العفريت ، حتى إذا جاء بأي حركة أطلقت ساقي إلى الريح. كنت مشهوراَ بين أقراني بالعدو ( وصرت بالفعل في المستقبل عداءَ)، وخيل لي عقلي الصغير أنني سوف أسبق العفريت، إنه الوهم. بيد أن مسرح الأحداث في جملته آنئذ كان نسيجاَ من الخرافة والأساطير والأوهام. هاأنذا أقترب رويداَ رويدا من العفريت ، تتشكل ملامحه، ترتسم إحداثياته، ويعاد إنتاجه في مخيلتي حيث يعتمل الصراع بين الخرافة والواقع وبين الخوف والشجاعة والإقدام. أنا الآن على بعد 10 أمتار يبدو أن ما أراه ليس كائنا محدد المعالم. ربما ليس عفريتاَ. شعرت بشيء من الارتياح وقل خفقان القلب. لكن لا بد من التأكد حتى لا أصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة للعفريت. وحين اقتربت أكثر تبين لي أن ما حسبته عفريتاَ كان قطعة من القماش ملقاة على قمة غصن جاف من شجرة سدر ( نبق ) بفعل فاعل أو فعل الريح. كانت أسوار المنازل تصنع من القصب مما يجعلها طعاماَ شهياَ للأغنام والأبقار والحمير، لذا درج المواطنون على تغطية السور بأغصان السدرة الشوكية حماية له.
لا أستطيع أن أصف كم كانت فرحتي، وكم كنت مزهواَ بنفسي، كانت أول مرة تتعرى فيها ذاتي فأتحسس تضاريسها، أتعرف عليها وانتشي بانتصارها على نفسها. اقتربت من قطعة القماش وضربتها بعصاي، وواصلت سيري صوب المنزل أتغنى بصوت مسموع. ربما يرى البعض أن ما حدث كان عادياَ، أما على صعيدي الشخصي فقد كان مفعول التجربة مذهلاَ. لقد شكلت الأساس لصياغة وعيي بالحياة وتطور شخصيتي :
أولاَ، لم أعد أعتقد في العفاريت والغيلان وما شابه ذلك من الخرافات والأساطير. وحينما كان يأتي أحدهم ليتحدث عن أنه رأى العفريت أو الشيطان، أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.
ثانياَ، تشكل وعيي بالنهج العلمي في التفكير في مرحلة مبكرة. يتطلب التفكير العلمي ألّا تفترض وتسلم بما افترضت، ينبغي التحقق من صحة الفرضية. لقد تهيأ لي أنني أرى عفريتاَ، وفي تلك اللحظة كان اعتقادي جازماَ وراسخاَ. ولو أنني تراجعت تلك الليلة لظللت بقية حياتي أحكي بفخر وثقة أنني رأيت عفريتاَ. لكن تجمعت أسباب ذاتية وموضوعية فرضت علي التقدم والتحقق من خطأ اعتقادي، أنها فرصة نادرة بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.
ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق.
- محسن الفكي
- مشاركات: 1062
- اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
- مكان: ميدان الخرطوم
الخروج من (نفق) بحر الظلمات
سلام وتحية استاذ الشيخ محمد الشيخ.
يعني إستطعت مواجهة النفق(قرابة نص كيلو متر مشيا فوق أشواك الرهبة والخوف) ولا تواجه المتحدث برأيك فيما يقول..؟
ياترى كم ،كنت ستعبد من طرائق العقول التى "تكلست" بتلكم الاساطير التخويفيه المتوارثة.
صياغة صيرورة الحياة، وغيرها كثير من العبارات الاخرى راقتني جودة صنعتها، الادبية والوصفية. فلك تحية شكر وإمتنان.لاتقل عن انسان خرج لتوه من قاعة عرض سينمائي ممتع وشيق
الشيخ محمد الشيخ كتب: .أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.
يعني إستطعت مواجهة النفق(قرابة نص كيلو متر مشيا فوق أشواك الرهبة والخوف) ولا تواجه المتحدث برأيك فيما يقول..؟
ياترى كم ،كنت ستعبد من طرائق العقول التى "تكلست" بتلكم الاساطير التخويفيه المتوارثة.
الشيخ محمد الشيخ كتب: حتى الآباء والأمهات فرغوا من غرس الأجيال القادمة واستغرقوا في سبات عميق.
صياغة صيرورة الحياة، وغيرها كثير من العبارات الاخرى راقتني جودة صنعتها، الادبية والوصفية. فلك تحية شكر وإمتنان.لاتقل عن انسان خرج لتوه من قاعة عرض سينمائي ممتع وشيق
- محسن الفكي
- مشاركات: 1062
- اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
- مكان: ميدان الخرطوم
ما تجيب لينا حبه نايلو نضوقو!
هدية للطفل الشيخ محمد الشيخ - الهدية لاتسقط بالتقادم - ولزوار الخيط أيضا،طرفه من أول فلم روائي سوداني، إنتاج1970.
-
- مشاركات: 2281
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm
Quote
"الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام."
Unquote
Very deep statement
شكرا استاذي على الندي ... لكم تصوغ اشياء تحدث فى الصغر - كما يقول الباحثون - جل رؤانا وقيمنا وسائر قناعاتنا اللاحقة ... اتيحت لى من قبل (ضمن كورس تدريبي) فرصة تامّل بعض احداث الصغر واثرها على خبراتنا ومواقفنا الحالية. ذُهلت للصلة الوطيدة وشاركت طفليْ بالحكي عن الرابط العميق خاصة ما تجلي فى توقي للعدالة الاجتماعية. لابد ان فى جعبة علم النفس الكثير هنا. انك تعيد لي يا استاذي الشيخ اهمية ذلك التمرين..
Very thoughtful. Thank you for that again
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
-
- مشاركات: 774
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm
.
"ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق."
هذه العبارات ساعدتني لحظة قراءتها على أن أقوم بعمل لم أكن لأستطع القيام به لولا قراءتي لها.
شكرا دكتور الشيخ على الحكمة.
إيمان
"ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق."
هذه العبارات ساعدتني لحظة قراءتها على أن أقوم بعمل لم أكن لأستطع القيام به لولا قراءتي لها.
شكرا دكتور الشيخ على الحكمة.
إيمان
علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف.
العزيز الأستاذ الشيخ،
كما أشار بقية المشاركين، فهذه العبارة من جوامع الكلِم.. الخوف لا يُهزم إلا بمواجهته، ولا أحد منا يولد بلا خوف، فالخوف وراثة في جبلتنا البشرية.. لكنّه قد يُغلب ويُتجاوز بالتجربة (بدليل أنك لم تعد تخاف بعد تلك التجربة كما كنت قبلها).
وكذلك فإن القصة كلها مؤثرة، ولا أستبعد أبدا أن تكون بتلك الأهمية في تشكيل بقية مسار حياتك.. برغم أن عموم تجربتنا الحياتية تؤطرنا وتشكلنا، بجميع ما نفعله فيها، وما لا نفعله، إضافة للعوامل الخارجية، إلا أن هناك أحداثا معيّنة - صغيرة أو كبيرة بحساب الزمان والمكان - تكون هي "المحورية"، وهي "الذروة"، أو عنق الزجاجة، الذي يكاد يفصل بين مرحلتين مختلفتين جدا من حيواتنا (وأيضا شخصيتين مختلفتين في نفس الإهاب، قبل وبعد الحدث).
وبهذه المناسبة، أنا في شوق للتحصل على كتابك الذي صدر مؤخرا عن التحليل الفاعلي.
مودتي
Conventional is neither neutral nor convenient
النجاة في المخاطرة و خلافه
الشيخ
يا أخانا الذي في الفاعلية
قالوا
النجاة في المخاطرة "المحمية" [ شايف ] بالسبع المنجيات و آية الكرسي و الإخلاص.
و هو علاج ناجع للخوف الذي ينتظرنا في شعاب الظلام.
كان لنا في مدرسة الأبيض الشرقية الخامسة معلم نسيت اسمه من عتاة زبانية وزارة التربية و التعليم.
كانت حصة الدين يوم " التسميع " لحظة من الروع العظيم لان الجبار الزنيم المسلح بسوط عنج كان يختار ضحاياه بطريقة عشوائية بعد أن يتفرس في وجوه التلاميذ و هو يردد" الزول الخاين من وشه باين "! و ما أن يرى الروع في عينيك حتى يطلب منك ان تقرأ.. طبعا الأولاد الشطار معروفين بسيماهم و ما في زول سائل فيهم أما " الخونة " من طينتنا فهم عادة يتكبكبون و يخرج صوتهم ضعيفا متراجفا و عذابهم أليم. مرة قال لي صبّاغ محمد أحمد، زميل الخيانة و الضجر من مناهج التربية الدينية، أنه يمكن النفاد من المصير المريع الذي ينتظر الخونة بقراءة آية الكرسي و اتخاذ هيئة " أصحاب اليمين " الحافظين صم ، الذين يتبسمون و يتشاغلون عن الدراما الرهيبة بالنظر لما يجري في الشارع إلخ. صدقني لقد جنبتني آية الكرسي عواقب عدم العنايةبـ سورة المطففين كما نجّتني من أهوال أخرى كثيرة في ذلك الزمان البريء.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: " أفضل القرآن سورة البقرة، وأعظم آية فيه آية الكرسي، وإن الشيطان ليفرّ من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " .
-
- مشاركات: 2281
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm
ابو الحُسن
تقول/تكتب:
"يمكن النفاد من المصير المريع الذي ينتظر الخونة بقراءة آية الكرسي و اتخاذ هيئة " أصحاب اليمين " الحافظين صم ، الذين يتبسمون و يتشاغلون عن الدراما الرهيبة بالنظر لما يجري في الشارع إلخ."
ثم تقفل الحكاية ب: "فى ذلك الزمان البريء."
كيف يعنى؟ توّاً تقول "القارعة" وتوّاً تقول "ما القارعة"؟؟؟؟ كلامك دا أعدْلا (أي أعدله – شرح العنقريب دا لناس ام در ياربوع سوداننا البريئ)
هنا الفقرا اختلفوا : وين مزيكة الدراما الاولى يا صاح مع زمان البراءة الجميل؟؟
وسؤال جانبي: متي ستبرح الصين المصوّرة؟ (سؤال درامي بريئ او دون ذلك)
عزيزنا البروف الشيخ: اتحملنا شوية ، ترا الونسة جابت الونسة وانحنا جزيراب او كما قال مجنون الجزيرة ابا الشاعر المدعو "كرد المولود بلا غرض" : قيل انه كان بصدد شحدته المعروفة وسط اهل الجزيرة ابا الفقراء . شاهد امرأة تحمل ديكاً الى السوق فتابعها. وظل بطريقته الهامسة وغير العدائية يردد لها: أديني طرّادة ، أديني طرّادة ، أديني طرّادة طول الطريق المؤدّية الى السوق ، كونه تعشّم منها شوية قروش كعادته.
باعت الاخت الديك واشترت "ويكاب" (دى ما حاشرحها لعيال ام در ، سجن سجن ، غرامة غرامة) . غير انها لم تُعر كرد أي اعتبار .. ثم غفلت راجعة لبيتها.... اغتاظ كرد الممحوق وقال قولته المشهورة حتى يومنا هذا:
اقتباس:
"جزيراب اسكراب
تبيعون الجداد
وتشترون الويكاب
وما تدوني طرّادة"
ياله من شاعر مجنون غاوٍ فَكِهْ
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
عزيزي الأستاذ محسن أولاً أشكرك على الفلم الهدية. لعلها محاولة لإنعاش الذاكرة أو تعويض عن ذلك الفلم الذي أضاعه مني الخوف.كما أني سعيد لسعادتك بالنص أو بعض تعابيره. أما بخصوص:
أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.
من ثم تعقيبك:
"يعني إستطعت مواجهة النفق(قرابة نص كيلو متر مشيا فوق أشواك الرهبة والخوف) ولا تواجه المتحدث برأيك فيما يقول..؟"
أرى من الحكمة أن نعرف ماذا نقول؟ ومتى نقول؟ وأين نقول؟ وكيف نقول؟ بخلاف ذلك ربما استنفد الإنسان جهده ووقته في معارك جانبية تكون خصماً على قضاياه ومعاركه الأساسية.ثانياً يا محسن بعض الناس معتقلون في وعيهم و موثوقون بسياج من الخطوط الحمر. فإذا حاولت أن تقذف به خارج هذه السياج تكون كمن يقذف به إلى اليم موثوق القدمين واليدين. عندئذ تقتضي الحكمة أن تقبله خوفاً عليه وليس خوفاً منه. لعل قبولك له (وليس لأفكاره)يساعد ذات يوم أن يفتح كوة في السياج تسمح له برؤية النور. في العموم خير وسيلة للإقناع في نظري هي تقديم النموذج الذي يدفع الآخر طواعية لقبول الجديد.
أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.
من ثم تعقيبك:
"يعني إستطعت مواجهة النفق(قرابة نص كيلو متر مشيا فوق أشواك الرهبة والخوف) ولا تواجه المتحدث برأيك فيما يقول..؟"
أرى من الحكمة أن نعرف ماذا نقول؟ ومتى نقول؟ وأين نقول؟ وكيف نقول؟ بخلاف ذلك ربما استنفد الإنسان جهده ووقته في معارك جانبية تكون خصماً على قضاياه ومعاركه الأساسية.ثانياً يا محسن بعض الناس معتقلون في وعيهم و موثوقون بسياج من الخطوط الحمر. فإذا حاولت أن تقذف به خارج هذه السياج تكون كمن يقذف به إلى اليم موثوق القدمين واليدين. عندئذ تقتضي الحكمة أن تقبله خوفاً عليه وليس خوفاً منه. لعل قبولك له (وليس لأفكاره)يساعد ذات يوم أن يفتح كوة في السياج تسمح له برؤية النور. في العموم خير وسيلة للإقناع في نظري هي تقديم النموذج الذي يدفع الآخر طواعية لقبول الجديد.
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
الأستاذ الجليل الفاضل الهاشمي أشكر لك تواضعك الجم، واتفق معك حول أهمية التجارب والخبرات التي يتعرض لها المرء في سنوات الطفولة ولقد أمنت على ذلك العديد من المدارس النفسية والسوكية والاجتماعية، كما لا ننسى أهمية الوراثة.صغت هذه التجربة قبل ست سنوات وحين قررت انزلها في سودان للجميع خطر على بالي أن أجري عليها بعض التعديل، لكن عدلت عن الفكرة، رأيت من الأفضل أن تحتفظ بتاريخ ميلادها كنص.
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
اقتربت من قطعة القماش و ضربتها بعصاي
يا سلام
يا سلام على هذه الكتابة، هذا اللون، الإبداع، الإلهام، شكرا يا دكتور أن جعلت هذا ممكناً، لم أظن أن شخصاً من جهاتنا سيكتب مثل هذا الأدب من فرط القنوط الذي أدخنا أهلنا الكتاب في حرج وزّته، هذه الكتابة المفردة مؤهلة لفتح عصر جديد في شأن ما يمكن أن يفعله الأدب لتنويرنا، أعني نحن خراف الرب المسيّجة في زريبة السودان، ربّما لجهلي، لكنني أقول إنني لم أرَ ضوءا سودانيا بمثل هذا السطوع -طوال سنوات، و بمثل هذا الإيجاز -قط، و لولا أنني عملت بنصيحة أستاذي الدكتور حسن موسى بأن أنام على المكتوب ثم أنظر فيه ثاني يوم لما بتّ ليلتي الفائتة دون أن أشكرك هنا عشرات المرّات..
استنتاجك الأول من تلك التجربة يا دكتور بخصوص عدم وجود العفاريت لربّما انطوى على تعميم جزافي، أعني أن تلك التجربة لا تكفي –وحدها- لمثل هذا الاستنتاج، إلّا أن روعة تعبيرك عن التعميم ذاته تكاد تبلغ الكمال "أقول لنفسي أنّه دخل النفق ثمّ تراجع" ياللجمال (كقارئ ظننت أن العبارة كانت لتكون أقوى لو استبدلنا "أقول لنفسي" بـ "أقول في نفسي"، و هذا مجرّد اقتراح)، أعني أن استنتاجك هنا بدا لي شبيها بمحاججة البجع الشهيرة لدى كارل بوبر، رؤية بجعة بيضاء لا يجيز القول بأن "البجع أبيض اللون"، ربما بصورة ما نقول، انكشاف عفريت النهود (يا للعفريت) عن قطعة قماش لا يجيز القول إنّ كل العفاريت أقمشة (أو تهيؤات)..
أما في استنتاجك الثاني، فكأني بك تعادل التحقق من الفرضيّات بما يُعرف بالتجربة، هذا رغم أنني أقرأ عبارتك "ينبغي التحقق من صحة الفرضيّة" على أنها هنا في هذه التجربة بالذات تعني "ينبغي الاقتراب"، أو "ينبغي التدقيق في الملاحظات"، لا أعرف إلى أي مدى يجوز هذا التمييز أو الخط الفاصل الذي يجعل ملاحظة ما على أنها عابرة و أخرى على أنها مفحوصة بجدارة، أعني بين الملاحظة الأولى التي تم تفسيرها من جانبك على ضوء (خلينا نقول على ظلمات) ما رسخ في ذهنك –حينها- من تصوّرات، و بين إقدامك على الاقتراب و فحص الملاحظة لتستبين مفارقتها لواقع الأمر، أعني (أيضا) أين يستطيع المنهج العلمي أن يرسم الحد الأدنى المطلوب من التدقيق في الملاحظات و من الاستقلال عن الأفكار المسبقة، و هل نستطيع أبدا أن نطمئن إلى أننا اقتربنا ما يكفي للتحقق مما لدينا اليوم من معارف هنا أو هناك؟ في الذهن ما تتعرّض له اليوم الكثير من نظريات الفيزياء من تحديات، و في الذهن أيضا أنكم (أعني معشر العلماء)، تلاحظون و تفكرون في إطار ما أسماه الأخ توماس كوهن النماذج الإرشادية (أو المعيارية و الله نسيت)، أي أن ملاحظاتكم (مهما تعمّقت بشكل عام) هي موجّهة سلفا ضمن إطار عام لا ينفذ من العلم العادي إلا بسلطان..
و لعلني استقل (استغل كمان) هذه المناسبة، التي أطلقت عفريت يدي (لا أعرف متى ساستفز للكتابة ثانية)، لكي أقرِّع كتابنا و أدبائنا على ما يغرقوننا فيه من زبد الكلام و ما يبددونه من امتياز الكيبورد بممارستهم أنواعا من الأدب الكتابي الذي يدخل إجمالا في إطار أدب التنفيس (التنفيس عن الذات) أو لنقل أدب مقاومة الإمساك، ليتهم و الله يلهمهم مثل الإبداع فيراعون فينا حق الجار، تطلع حولك هنا في فور أول يصيبك الهلع من ركاكات حسن موسى منذ عودته من رحلة أمريكا (ليته لم يذهب ياخ، مرحلة حسن مابعد أمريكا أو بوست كولينياليزماتو دي يحلونا منها عفاريت النهود)، و مقالات حالم اليأس -الناطق الرسمي بلسان ممارضي النظام- عن إسرائيل و المرأة القايلنها حمار، و مقدمات مازن مصطفى لتاريخ الجماع (لا أنكر أنني وقعت للمرة الألف في فخ العنوان)، يا أخواننا ما ضروري تكتبوا باستمرار، أو اكتبوا لكن ما تنشروا ياخ، أدب الإمساك دا برضو أدب، أهو بولا ما قاعد يكتب و شرفه يزيد و لا ينقص، أهو الشيخ دا كتب هنا ما يفاخر به مقالات كانط، و هذا مجرّد رأي و الأعوج كما يُقال أعوج في عينو، المهم يا دكتور الشيخ، بعدت علينا الشقة و الله، و لن تعود الكتابة بعد مقالك هذا كما كانت قبله لدى كل من ألقى السمع و هو شهيد و الله المستعان على ما يضمره أدبائنا..
لقد اقتربنا كلنا، فيما أظن، من قطعة القماش، و إن طال السفر..
-
- مشاركات: 845
- اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
- مكان: المملكة المتحدة
- اتصال:
وانا اقرأ في هذه القطعة الممتعة كانت كلمات الشاعر محجوب شريف تتردد في عقلي من بعيد "مساكن كهربا وموية تحتنا الظلمة تتهاوى". لو كان شارع بيتكم يا دكتور الشيخ مضاءآ ما كنت شفت ما افزع خيالك الصبي المليان حكاوي شياطين وعفاريت وود امبعلو. وما كنت تعرضت لهذا الاختبار المصيري الذي اجتزته بنجاح لصالح العقل والعقلانية في مواجهة الخرافة والخزعبلات. إذن ثمة علاقة ديالكتيكية بين حدوث الوعي الطليعي وبين غياب التنمية. وثمة علاقة ايضآ بين قطع اشجار السدر لحماية جدران القصب من اعتداء البهائم، وبين تعرية الارض مما يحميها من زحف الصحراء وهيمنة الجفاف والعطش واضراب السماء عن السحاب والمطر.
ولولا عزيمتك واصرارك المفرد على حضور الفيلم رغم المسافة والليل، يسوقك الفضول الى رؤية السينما وكسر الروتين والضجر الذي يسم حياة الريف واشباه المدن، لما تسنى لنا ان نقرأ هذه القطعة الادبية الفلسفية الممتعة كما قلت سالفآ. ولكن لماذا كنت وحدك؟ في رحلة الذهاب والاياب؟ هل كنت الصبي الوحيد في حلتكم؟ ما كان لديك اقران يشاركونك الفضول والمغامرة؟ واوهام الكثرة والشجاعة؟
كما لايغيب عن فطنتك ان الكلام عن الخرافات والجن والبيوت المسكونة بالارواح الطيبة والشريرة والبعاعيت لا يقتصر على عالمنا الثالث. ففي العالم المتقدم تنمويآ وعلميآ لا تزال هذه الحكايات والخزعبلات تشغل حيزآ من تفكيره، ومن ابحاثه العلمية كما في الاطباق الطائرة والاشباح والتناسخ وغيرها.
النهود في 1950 كانت مسرحآ لهذا التحول التاريخي في مفاهيم وادراك الصبي. هل تغير الصبي وحده ولا تغيرت المدينة كذلك؟
ولولا عزيمتك واصرارك المفرد على حضور الفيلم رغم المسافة والليل، يسوقك الفضول الى رؤية السينما وكسر الروتين والضجر الذي يسم حياة الريف واشباه المدن، لما تسنى لنا ان نقرأ هذه القطعة الادبية الفلسفية الممتعة كما قلت سالفآ. ولكن لماذا كنت وحدك؟ في رحلة الذهاب والاياب؟ هل كنت الصبي الوحيد في حلتكم؟ ما كان لديك اقران يشاركونك الفضول والمغامرة؟ واوهام الكثرة والشجاعة؟
كما لايغيب عن فطنتك ان الكلام عن الخرافات والجن والبيوت المسكونة بالارواح الطيبة والشريرة والبعاعيت لا يقتصر على عالمنا الثالث. ففي العالم المتقدم تنمويآ وعلميآ لا تزال هذه الحكايات والخزعبلات تشغل حيزآ من تفكيره، ومن ابحاثه العلمية كما في الاطباق الطائرة والاشباح والتناسخ وغيرها.
النهود في 1950 كانت مسرحآ لهذا التحول التاريخي في مفاهيم وادراك الصبي. هل تغير الصبي وحده ولا تغيرت المدينة كذلك؟
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
Mark Twain
-
- مشاركات: 935
- اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 10:26 pm
- مكان: هاملتون-كندا
سلام وتحايا يا أستاذ الشيخ
قراءة ممتعة بحق نشكرك عليها!
رجعت بنا لأيام الخوف الليلي بلا انقضاء.
زمان كان صدّيق* يقول لي، وبعصبية، لما أسمع كشكشة كدا
في الحوش:
- تقوم تشوف دا شنو؟ أول ما تسمع! عشان ما تكبر الموضوع!
ياخي العفاريت دي أهون من الآلهة موش؟
والآلهة أقل من الخوف الوجودي!
فإنت حكيت لينا عن الأول فيهم!
ومحمد حسبو دا ما عندو حاسة شوف ذاتو للشي العايز يشوفو!
الخليج منطقة شدة ما على الأدب براهو!
---------------
* الشاعر صديق مدثر عندما أقضي معه اجازة الصيف في بيت الحكومة تبع مشروع
الجزيرة في الستينات في نواحي الجزيرة.
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
عزيزي قصي أتمنى أن تكون كما أنت دوماً متقداً وثاباً تجوب فيافي المعرفة.بالنسبة للكتاب جاهز، بس قول لي أعطيه لمن كي يصلك، وإذا تعسر هذا الخيار أعطني إيميل لأرسل لك النسخة الإلكرونية.
أما الرسالة التي تضمنتها هذه القصة الواقعية أو التجربة هي أنني وددت أن أقول لا يوجدد من حيث الإمكان ما يمنع الإنسان من التقدم والتجاوز والفاعلية، لا الغريزة ولا اليأس ولا الفشل ولا الوحدة ..، لا شيء يمكن أن يسلب الإنسان الفاعلية. وبلغة سارتر الوجودية "الوجود سابق الماهية". الناس لا تعلم أن كل شيء في الدماغ (كبرها تكبر صغرها تصغر). كثير من البشر لا تدرك قوة الوعي، الوعي أعظم قوة في الطبيعة لأنه أرقى تجسيد لمبدأ الفعل الأعظم، المبدأ الذي يحكم النمو التلقائي والتنظيم الذاتي لظاهرة الحياة. لكن الوعي كظاهرة حياة يخضع للنمو والتطور، لأجل أن يكتسب طاقته القصوى. نقطة البدء في تطور الوعي هي الوعي بأن ما ندعيه من وعي هو ناتج برمجة اجتماعية، تكون من البؤس، أحياناً، بحيث يصبح "ود الغلفة أو بنت الغلفة" أقذع شتيمة. بخلاف ذلك يظل الإنسان معتقلاً في وعيه‘ خائفاً، يائساً، تائهاً، عبثاً يحاول أن يتعرف على ذاته من خلال امتلاكه الأشياء، فيزداد تشيؤاً. ذلك أنه في الأصل لم يحقق وعيه وذاته.
أما الرسالة التي تضمنتها هذه القصة الواقعية أو التجربة هي أنني وددت أن أقول لا يوجدد من حيث الإمكان ما يمنع الإنسان من التقدم والتجاوز والفاعلية، لا الغريزة ولا اليأس ولا الفشل ولا الوحدة ..، لا شيء يمكن أن يسلب الإنسان الفاعلية. وبلغة سارتر الوجودية "الوجود سابق الماهية". الناس لا تعلم أن كل شيء في الدماغ (كبرها تكبر صغرها تصغر). كثير من البشر لا تدرك قوة الوعي، الوعي أعظم قوة في الطبيعة لأنه أرقى تجسيد لمبدأ الفعل الأعظم، المبدأ الذي يحكم النمو التلقائي والتنظيم الذاتي لظاهرة الحياة. لكن الوعي كظاهرة حياة يخضع للنمو والتطور، لأجل أن يكتسب طاقته القصوى. نقطة البدء في تطور الوعي هي الوعي بأن ما ندعيه من وعي هو ناتج برمجة اجتماعية، تكون من البؤس، أحياناً، بحيث يصبح "ود الغلفة أو بنت الغلفة" أقذع شتيمة. بخلاف ذلك يظل الإنسان معتقلاً في وعيه‘ خائفاً، يائساً، تائهاً، عبثاً يحاول أن يتعرف على ذاته من خلال امتلاكه الأشياء، فيزداد تشيؤاً. ذلك أنه في الأصل لم يحقق وعيه وذاته.
- الشيخ محمد الشيخ
- مشاركات: 153
- اشترك في: الأربعاء مارس 10, 2010 10:36 am
التعليم
عزيزي حسن بئس نظام التعليم الذي يتجلى من خلاله أمثالك:
طبعا الأولاد الشطار معروفين بسيماهم و ما في زول سائل فيهم أما " الخونة " من طينتنا فهم عادة يتكبكبون و يخرج صوتهم ضعيفا متراجفا و عذابهم أليم
مع ذلك صدقني أن ذلك النظام رغم سوءاته أفضل بما لا يقارن لما آل إليه أمر التعليم في الوقت الراهن. صحيح أن النظام السابق لم يكن يأبه للقدرات الإبداعية وتنميتها. لكن نسبة لتوفر الدافعية في ذلك الزمن (لا تنسى البنات في بيوت الأعراس كان بيغنن يقولن: عايزة عريس من هيئة التدريس، لما كان للمدرس من وضع إقتصادي مجزي ومكانة احتماعية متميزة، بوصفه رمزاً لقيمة المعرفة). علاوة على ذلك كان نظام التعليم عادلاً وديموقراطياً. لذا استطاع بعض المبدعين بجهودهم الذاتية أن يطوروا أنفسهم ويمطروا الساحة السودانية بدرر إبداعاتهم في كافة الميادين.أما الآن لا إبداع ولا دافعية انهار التعليم بالكامل. لأن نظام الحكم الحالي نظام برجوازية طفيلية بآليات وعي تناسلي، جاءت العبارة التالية في صدر كتاب "التحليل الفاعلي وتحديات النهضة" :
الوعي التناسلي يعتقل العقل والجسد والجنس في التناسل ويناهض الإبداع
طبعا الأولاد الشطار معروفين بسيماهم و ما في زول سائل فيهم أما " الخونة " من طينتنا فهم عادة يتكبكبون و يخرج صوتهم ضعيفا متراجفا و عذابهم أليم
مع ذلك صدقني أن ذلك النظام رغم سوءاته أفضل بما لا يقارن لما آل إليه أمر التعليم في الوقت الراهن. صحيح أن النظام السابق لم يكن يأبه للقدرات الإبداعية وتنميتها. لكن نسبة لتوفر الدافعية في ذلك الزمن (لا تنسى البنات في بيوت الأعراس كان بيغنن يقولن: عايزة عريس من هيئة التدريس، لما كان للمدرس من وضع إقتصادي مجزي ومكانة احتماعية متميزة، بوصفه رمزاً لقيمة المعرفة). علاوة على ذلك كان نظام التعليم عادلاً وديموقراطياً. لذا استطاع بعض المبدعين بجهودهم الذاتية أن يطوروا أنفسهم ويمطروا الساحة السودانية بدرر إبداعاتهم في كافة الميادين.أما الآن لا إبداع ولا دافعية انهار التعليم بالكامل. لأن نظام الحكم الحالي نظام برجوازية طفيلية بآليات وعي تناسلي، جاءت العبارة التالية في صدر كتاب "التحليل الفاعلي وتحديات النهضة" :
الوعي التناسلي يعتقل العقل والجسد والجنس في التناسل ويناهض الإبداع
الحضيض بلا الرفيق الفسل
تحياتي يا شركاء الحوار
شايف دكتور الشيخ تجاهل أو لم يرد ربما التعليق على مداخلتي، أيوا، بيكون عشان الفقرة الثالثة التي تناولت (بمناسبة الكديسة) كتابات أدبائنا و أدباء فورأول خاصة، المداخلة قبل ذلك أشادت و الحمد لله بمكتوب الدكتور حتى في ملاحظاتها عليه، طبعا لأني اتعامل دائما مع المكتوب، ذكراً كان أو أنثى، فلا أجد بي حاجة لود الكاتب، و الدكتور –و لا شك- يدرك كيف أن التقدم العلمي كله مدين لمثل هذه الروح، و لفضل الكتابة بالأساس، لذلك سيجد رأيي من كتابته أعلاه ثابتا، و ألمي و حزني كبيرين لأن مشاعره تأذت.
طيب الدكتور الشيخ غاية في الرقة و اللطف و الاحتشام نقول خدشنا حياءه، أخونا مصطفى (لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء) دا ليه ما فاهم أنو وضعو مختلف؟
يا مصطفى مدّثر إنت هوي، بما أنك لاحظت أنو الأخ الشيخ ما حب يرد على، و دي حاجة كويسة بتوري أنك بتلاحظ، و ربما تنفع دليل أنك بتحس عديل، طيب ياخ إنت ليه ما ملاحظ تجاهلي الأزلي ليك؟ يعني بالكتير بمضمض شفايفي بالكلام معاك؟ لأنو جنس لكلكتك و تقلباتك و دهنستك للناس بتعمل لي طوالي ضيق في الشرايين و قلبي بيابى الزيك ديل، طبعا أمثلتي قاعدة بداية من مواقفك من فورأول دي و من سودانيز، و أنا مقرر اتجاوز عنك –و آخرين- لأني عايز لما اشتغل شغلانة دق الصفايح دي اشتغلا مع زول يستحق أن تهبط في معيته إلى الحضيض، و لا أجدك كفؤا لذلك عملا بحكمة الأهالي الحضيض بلا الرفيق الفسل، فبالله خليك زول عادي و لك العتبى.
.