نـضـــَّــر اللهُ وجه ذاك السـاقي، إنـّه:

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]



في البحث عن معيار *


هذه الأيام كل الطرُق تؤدي إلى قبقبة. الظلامُ مُحيطٌ بالطريق قبل الرفيق! هوامٌ هناك، قد طالت إقامتهم في الأرض اليباب. تحشّرتْ أعينهم في مآقيها، تُنقِّبُ في داخل الذّات المنسية. لا مشاحة أنَّ المآقي، وقد أضحت في طاقة إبصار الحشرات، تخترق الظلام المُريب دون القريب. مظاهرُ أبدانهم هيَ أيضاً، قد لحقت بمفهوم التَّحَشُّر التنظيري. أجرامٌ صغيرة مُتَرَّبة مُغَرَّبة، تجهد أنظارها في غيرِ مَرْئيٍّ بالأفُقِ البعيد. كم بعيدٍ قد أمسى في متناوَل اليد؛ ولا قبض، هُنا، إلاّ للرِّيح. زمان الغُربة والتجريح ألقى بكلكله. يتراكم الغبار على العيون والآذان والأعناق، تنغلق المسامُّ بتُراب المعدن النفيس. أتربةٌ معدونة تتطاير على الأجساد من المساحيل والغرابيل. غسيلٌ فَنَشْرٌ ثُمَّ طيٌّ. لأجلِ التلقيط من قبل التنميط. حُبيبات سحرية شاحبة. تتبادلها الأكُف في ذَهابٍ عمّا يدور بوجه الحقيقة من تغبيش وتهويش! الإعياءُ بادٍ والشَّرَه قد مَدَّ بأعناقِه. يطلُّ من بين الجفون المُتَرَّبة بغُبار الضّهَبْ المُستَدام. من واق الواق إلى مضمار السِّباق الزَّهَّاق. شُقَّتِ الدروبُ الى حيث الأملِ الخلوب بأرضِ النُّوبْ؛ وكثيراً ما تجبهك هذه النبوءة الذهبية، ما إنْ تحادِث أيّام قليدورث عظيم النوبة. مسجد دنقلا العجوز والبقط، ووادي العلاقي يشقُّه الفارس القُمِّي يُطارد آل بابا.

لن ترتوِ حتى تجهَدْ نفسَك راتعاً في حَملة ود الباشا. يفركُ كعوب جُندِه في ساحة المليون قنطار ذهب مربّع؛ كانت تُعرَف! تُلاحِقه الصيحات: يا الباشا الغشيم قول لي جدادَك كَرْ. من كورتي إلى الرّجاف فبني شنقول. عائداً لصحراء النفوذ تَهِدُّ حمولُه جِمال الشِّيْل في سفرٍ بالعتامير ليل. لم يُخبرنا مُخبِرٌ كم من القناطير شوَّلها الغازون..!

- أقناطيرٌ أيّهذا اللاّئمي؟
ياللثراء المُفْتَرَض إذن.؛ بل أقلُّ من ذلك كافٍ وواف. وحدُها الحُبيبات تعود بالكثير على اللُّقاط إن تجاوزت مرحلة التطفيف الحسابي. المعمول به هاهنا وهناك.

جاؤوها من مختلف المنابت والبُلدان. ها نحنُ نسعى سعيَهُم وفي آخِر العُصُر. التاريخُ يعيدُ نفسَه، وقد أشبهتِ الليلةُ البارحة، فانداحت المأساة. أتُراهم كانوا يأرقون إلى آخر الليالي صنيع ما نفعل آننا..؟ هل كانت تسكنهم ذكريات الحنين لمن تركوا خلف ظهورِهم وما رجعوا خبر. وتَفغَمُني تلك الرياح تأتيني بذيّاك العَشَم التليد: ألا ليتَ الرياحُ لنا رسول، إليهم إن جنوباً أو شمالا. والمقدور إذا ما حَلّ، فلن ينفع "الجقليب"؛ والصَّقْر إن وقعْ "فكَترة البتابتْ عيب".

ذاك هو الباب الوسيط، والذي ما تماوَج أمام ناظِرَيِّ في دهبِ الظُّلمات السّرمدي، إلا وشرعتُ في تجليد الليلة الليلاء بما كان في الأمس القريب. ها أنذا الآن تفصلني المسافات الأسيفة عن دكان "ود عشا البايتات" على فوهة واحد من "مطابِق" قريتنا المنتفخة أوداج ساكنيها بمَن سيربح الذَّهَبون؟ كأني بالوهم يتمدد صفحات في ربوع القرية. تلك التي ما يزال ليلُها طفلاً يحبو، مع أنَّه قد جاوز المنتصَف أو كاد. طُرقات القرية لا تخلو من حركة تتهادى مع نسائم الليل، وقد عادَنْ. خلف الحُجرات والنوافذ تتماوج حيواتٌ زاخرة بالمتناقضات. بيوت هنيَّة وأخرى لم تذُقْ لمأمولٍ طعم. افترش الشظف طُرقات الحي، وحامت بين بطون أمسياتنا الغريقة أشباحُ المسغبة.

أمام الحوانيت الناعسة، يظلّ التسامُر يسخو. التناذر والتلاوم يتخللّان الأحاديث. إنهم يتجمّعون لأجل الكلمة وردِّ غطاها. يملأون صالات المتاجر خفيضة السقوف و "نائصة" الإضاءة. يبحثون حلولاً لمشاكلهم. يستعدون بعضهم بعضاً على الحكومة، فساد السلطة وسوء الزمان. يطرقون ابواب المواضيع طرقاً واهناً في البدايات، يتقوّى مع استمرار التناذر.

ينزلق مع الإضاءة الخافتة صوت عَمَّنا محجوب، مثل نمرٍ هَرِم:

- يا "اخوانَّا ولدنا سيف الدين، تطاولت شهور غييته فأينكم منه؟

تأتي الإجابة مُحَجّلة من جَوَّاب المدارات محيميد:
- ربما طوى البيداء في واحدة من سفراته للصعيد؛ "ولاّ باقيلك الزول ده" يمكن خشَّ مع الجماعة ديل وقام الجهاد.
يعود الصوت العتيق مُفَسِّراً:
- جهاد في سبيل الجواهر! ؛ "هوو باقيلك هو فضَلْ فيها تِني ولا بِكري"؟ الأشباح فقط، هي مَنْ تسكُن البيوت؛ الأمور وصلت حدّها وما "ظنَّيتو" سيف الدين من عَيْنة هؤلاء.

ينبري صوتٌ اتّفاق:
- صَدقتَ والله يا محجوب، ولا من أؤلئك ,,,
يأخذ ود عشا البايتات فرصته في الحديث. بعد أن قرطّس لي ولد "ود" جبر الدار، رُبع البُن المعهود؛ قائلاً:

- سيف الدين "ده زول بيضا ساي "زيَّنا ومِنَّنا"؛ وجنو وجن "يشيلــــّو شيتاً ما هو هيلو".

يمرق من بين العبارات المتضاربة صوتٌ من بعيد، ينضح أسىً والتياعا:

- هل الكلام "ده" صُح ياجماعة..؟ معقول تهجّر و"ودار" متل ده ونحنا ما جايبين خبر..؟ يا اخوانا "ده كلام شنو ده"...؟

وقبل أن أتبين أيّ كلامٍ هوَ، وفي أيِّ شِنٍّ أخذ تجويفته، تدهمُني بَغتةً صياحات الماحي وعبدالشكور:

- سيف سيف آ سيف الدَّين "... آزول إتْ ما نُمتَ لي "هَسّع" أها قوم آخوي " دهبتكم "مَرَقتْ تَبْ آزول". كُجرة كبيرة "خلاس" آزول ألحَق حَقَّك في الخلا ولا الرّفيق الفَسِل.

فانطلقتُ أتعثّر بين الصخور، متلافياً أن تبتلعني هوّة في هذه الظُلمة التي تكاد أن تشرِق على خير. أتُراني قطعتُ المانش ربما ..!





















-----
الخرطوم،، مارس 2010
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

---

كل التحايا الطيبة لإدارة الموقع


وحبّذا - لو مَـــرّ - من الإدارة عضو منهم (عند الأصيل) أن يقيني شَــرَّ الفاصلة في اسمي! بجعله في "البروفايل":

محمد أبوجودة instead of محمد أبو جودة


(حتى تنصلح الـ قـَعدة الكتابية وكِدا)

وكما قيل: No separation for ONE Notion


----


---
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

الأعزاء والعزيزات في إدارة الموقع

كل التحايا الطيبة لكم


و .. رجاءاً تعديل اسمي في البروفايل

محمد أبوجودة instead of محمد أبو جودة

























-----
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

رجاءاً تعديل اسمي في البروفايل

محمد أبوجودة instead of محمد أبو جودة
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

شكراً إدارة الموقع، على الإفادة بمعالجة رسم الاسم، آملاً أن يتم في أقرب سانحة.


مع وافر الود


---
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[font=Verdana]

التحايا للجميع

وقد قال لسان وجداننا القومي:

يا حليل زمن الجَهَل!
بين تلال الرُّبا في السـَّــهَــل

من ســـروفنا بنشرب نَـهَـــل
يا زمان..! هل من عودة ..! هَــل؟



...
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[font=Verdana]

سوق الكتابات القديمة، رائجٌ بمنبرنا هذا، ورغبة في التماهي مع الأقلام الكاتبة والهمم الرافدة بشَيّاتِها، سأملأ فضاءات هذا البوست - ما استطعتُ- ببعض كتابات لي قديمة..

من طَرَفٍ قريب..!

استقالة من عضوية حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) ..





----

to be continued
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[font=Verdana][align=justify]




وخلوِّ الطَّرَفْ مطلوب؛ لئلا ينبلُ علينا فاجِعٌ أو مُتفجِّعة متسامجين كغير العارفين وقد قيل: دع الماضي للماضي يُمِضَّه مُضيّا واخرُج. اخرُج مُخلِياً طَرَفك أن يتلطَّخ ثوبَك رقبة جمل أو مدارة حَمَلْ؛ ولعلّه من شِدّة مضائه، تفجّر يوماً سِفرَ خروجٍ له مُستقبَلاتٌ مونقة صادقة.
يا رفاقي،
وبعض إخواني،
أل.. سلاما..
ويا حمامة، مع السلامة
ظللّت ثوبك القتامة!
والبهامة وقِلّة الكِفاية والشّهامة.
ولئن كان يومُ أوّل الأمس آخر ثمالات الممالأة الرفاقية وقد بلغَ السَّيلُ الزُّبى، شُحِنَ السوق العربي بالعسس يحملون غِلاظ عُلَب البمبان والطلقات البلاستيكية فضلاً عن العِصي والشُّوَم! خرجتُ فيه آملاً مُتمالئاً كالعادة، يداً واحدة..!
فأينَ الشبابَ ...؟ وأيَّةً سَلَكا ..
اللهُ أعلمُ أنِّي لم أقُلْ فَنَدا..!
وَ إنِّي لأفتَحُ عيني، حين أفتحُها.. على كثيرٍ،
ولكن لا أرى أحدا...!
وكالعادة يداً واحدة! داعماً بكل الصدق في قَدْحِ الشرارة لانتفاضة ثلاثين يناير؛ صنو ما شاركتُ فيه في اثنينات ديسمبر تسعة وألفين! وما قبله في مارس أبريل خمسة وثمانين؛ وتلك شرارات يتزاحم الكثير من الخيِّرين وغير الخيِّرين من المناضلين والمناضلات المُتاجِرات! في تجيير كسب قادحها يدُكّ قلاع السُّحْتِ والمطلِ العصيب! ليتروَّسوا بجوبا و خور فلوس جوار دار الشعوعيين! ولئن كان يومُ أوّل أمس قد مضى بغير محصولٍ عام، مثله في ذلك مثل أيّامٍ كثيرات مضتْ بنَحْسٍ! فقد كان يومٌ مَـا، أوان أصيل العام أربعة وألفين، اعتقادٌ شخصي مُسْعِد بضرورة الانتماء الرسمي لحركة حق..! وذلك بعد أن تمادت السنوات العِجاف في الارتباط بالحركة ارتباط مشروط بتهيئة الذاتي أن يكون مفيداً في محصول العام، والأخير ربما لا يحدث بأخوي وأخوك! ألا تدرون؟ وللتواريخ تاريخيّتها، كان الأمجد الدكتور، ومن قبله الخاتم "الحادي" ذي الاستقامة والفهم العميق، هو المدخل لحركتكم المُسمّاة: حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) عبر مطالعات فيما يكتُب عبر المنتديات ذاكراً أفضال حق وخاتمها الذكي. ومرّتِ الأيام والسّنون، تنطفيءُ الفَسيلات! ولا تنمو إلا شُجيرات الظل البلاستيكية الفهم! وإن لم يزد التقائي بالخاتم عدلان عن مَرّةٍ أو اثنتين، إلا أنني كثيراً ما تحدّثتُ إليه عبر الهاتف، وراسلته وداخلتُه انتدائياً، وكم كنتُ سعيداً بذلك كُلّة ونادماً على ما مضى من تفريض في الالتقاء بمثل الخاتم حادياً في دُهُمِ الظُّلمات! أيّام توفّره بالخرطوم، وكُنَّ القليلات بسببٍ من السياسوي الفَرَّاق! والنزعة الشوفينية عند وُلاة أمرنا الممرورين بالضِّعة. العزاء أنه قد كتبَ مُخلِصاً وبادَر جريئاً، ثُمّ ذهبَ مبكيّاً عليه حتى من نُقُد والحاج ورّاق وغير قليلٍ من المتباكين!
يا خاتم يا عدلان،
قد تهونُ الأرضُ إلا موضعا،
ويهون الزمان إلا ساعة،
فلينعم الزمان بساعتك،
ولتسخى الارضُ بموضعك الثورة..
فـــ ... الثورة الحمراء شمسٌ لا تغيب..!
يدُكُّ زاحِفها، قِلاع الكبتِ والظلم الرّهيب
الثورة الحرية الإيمان قادَ الشعبَ في اليوم العصيب... وشكراً لهاشم..
وَ .. إنّي أنا السودان رمز السؤدد هذي يدي!
ملأى بألوان الورود قطفتُها من معبدي
من أرضِ إفريقيا التي داست حصون المعتدي
أمضتْ بعزم شعوبها ما لاحَ فجرٌ أو غدي
فأنا بها .. وأنا لها .. سأكون أوّل مُفتدي .. يا إخوتي غنّوا لنا
اليومَ نرفعُ راية استقلالنا .. وشكراً لعبدالواحد..
وهكذا سأستقِلُّ برأيِّ مُستَبِداً..! فإنّما العاجزُ مَنْ لا يستَبِدْ! على قول ابن أبي ربيعة؛ فاعلموا جميعاً بأنني مُستقيل ممّا تدعونه "حركة حق" بَقيّةً لما لِي من "حَق" في الحِفاظ بناصية رأيِّ، ولم أجنِه بالسّاهِل الماهِل، ولا بالمُتمالئ الجاهِل! ولستُ من الذين قاموا من نومهم، لِقو كومم! وإنِّي إذن لَسَعيدُ، ويا هو ده السودان؛ وكم كم، وددتُ أن كانت "حق" كائنة بضُبّانتها..! لأتقدّم لها باستقالتي! وَ هيهات!! فقد فَضَلتْ جِتَّةً مع ما فَضـَل من المفضولات الكثيرة ومُعَافَة! وهاهي، أشهَدُها، راحتْ شماراً في مَرَقَةِ زمان الفواجع والجهالات والبذاءات! ولولا أنها "قوالب صياغة مفهومية في لامنطقيّتها استشهاداً" لقلتُ: ما لدُنيا قد عَمِلنا..
نحنُ للدَّيْن فِداء..!
والدَّيْن، قاتَلَ الله الدَّيْن، كثيرٌ هذه الأيام، نقدي وغيرُ نقدي، دولاري وبوباري، محلِّي وأجنبي، قديمٌ ومتجدِّد! وهو بذلك يمِضٌّ الكثيرين من السودانويين في تبعات وفائه.

لكم التحايا، رفاقي ورفيقاتي، وبعض إخواني..
ومن هذا الأول من فبراير، صنو الأوّل من ينايرٍ مَـا؛ فإنني ناشطٌ سياسي مُستَقِل، بخشم الرأي! ومشروعي أن أكتب وأكتب، وبالأحرى أن أُعَبِّر عمّا قرأته، شاركتَ فيه، ألممتُ ببعض تفاصيله أو بكُليّاته من طَرفٍ قَريب. غضّ النظر عن قُربى ذلك الطرف أو ريبَتِه! سيكون ذاك مشروعي الإضافي بعد مشروعي العادي؛ كأمثل ما يكون بأيِّ زولٍ يموضِع أولوياته "على كيفو". مشروعي الأساسي هو مشروعية أحَقَّيّة أن تحيا لتحيا فيك ومعك وبقربك الفضائل: المسؤولية الإنسانية، الحرية، المعرفة، الحق والخير والجمال؛ وتلك فضائلٌ مُستهدَفٌ وَجَدَانِها.

سأستقبل أي ردود ممَن كاتبتُهم، ملء اختياري، عبر هذه القائمة ببريدي في الياهوو؛ وذلك حتى مُنتَهى فبراير الجاري، لأحرق بعدها البريد وما حَمَل الى مزبلة التاريخ الشهيرة في أدبياتنا الماضية! وسأُجازيهم كفاءاً بما سيرسلون! قولاً على قول، أو ربما قولاً على غير قول! فهل أقول كمحجوب:
بلاء وانجلى!
أما مَنْ أراد أن يُعدَّني في زُمرة مَن "يستبشرون"، لسببٍ من مثل هذا الفِراق، فذاكَ حقّه، مالمْ يطقع سكوتِه أو وسوستِه/ـها بإشارةٍ لي؛ وسأُفهمه ساعتها لماذا هوَ بلاء وكيفية انجلاؤه؛ بل ونصيبه فيه! غير منقوص. جديرٌ بالذِّكر، أنني مَدينٌ لخمسة إخوان بهذا التنظيم الذي تشلَّع فتخلَّع! أو في سبيلِه الى التشليع ومزيد التفجيع! بمبالغٍ مالية استلفتُها منهم في ما مضى، لهُم شكري عليها، وسأبذل قُصاراي أنْ أردّ لهم حقوقهم في القريب؛ ولهم بالطبع، حَقّ التقاضي مكفولا إن لم ينتظروا القريب المُفْتَرَض قبولُه؛ وقد قيل: الدّيْن في الكتوف و"الأصل الأخلاقي" معروف! أقلّه عند مَن تناظمنا فتآخَيْنا معهم لبُرَهٍ من عُمرنا؛ واقتطعنا معهم من قليلِ اجتنائنا بناءاً للتنظيم الذي كان!! أمّا الزمالية التي جمعتني بالقليلين منكم والقليلات، سأجهد نفسي ألاّ ألتفُّ بطَرَفِها الاستبعادي قدر الإمكان؛ ولكني اليومَ، لستُ مُنظَّماً مع حزبكم "المُتهافِتْ" وتنظيمكم المنقوض أنكاثاً بفعل فاعلة! وهذا بمثابة خلو طرف. أستخلصه لنفسي من أيِّ رابط بحركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) ظاهراً وباطناً؛ وربما نشرتُ فحواه على الملأ، ليكون له نفاذه وإشهارُه ما اضطُّررتُ إلى ذلك. فأرجو اعتماده من لحظة قراءاتكم لهذه الرسالة؛ كذلك، فسأتقدّم باستقالتي من الجمعية العمومية لمركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية(وبالنفس شيءٌ حتى!)، متى ما انجلتْ عقابيل أزمة المركز التي تسبَّبتْ فيها قيادات "مكعشبة" من حركتكم حق. فألقتْ بظلالٍ من القتامة والبهامة وقِلّة الكفاية والشهامة في أيِّ رغبةٍ قد تبوح باستمرارية، لذِي عَيْنَيْن، في أيٍّ من التنظيمين الشَّهِيرَيْن بأزماتهما وكدماتهما؛ والمِشتهِي الحنيطير، قالوا: يطير ما يرِكْ. علاوة على ذلك، فربما تساوَق شعورٌ شخصيٌّ مع تلك الظلال! فحواه أنّ طرائقي في التناول، ليس مُرحَّباً بها..! أكاد أتسمّعهما يقولان: من أين! وكيف يستقي أبوجودة آرائه..! لله درّهما من كاتِبي شونة! وقد قيل: مِن الحُبِّ ما قتلْ..! والحُبُّ أعمى في اتجاهه.. ولكنني أزعُم بأنِّي ممَّن لا يقتلهم حُب الآخرين ولا خِبَّهم..وأزيده، زعمي بزعم بازرعة:
لم يكُن حُبي متاعا
لا ولا كان التياعا .. حُبِّي نابع من بلادي من جمالا وانطلاقا
من صفاء الكلمة الرقيقة والصداقة
كل خفقة حَرفِ فيها ترجمتْ سِرَّ العلاقة
يا عواذل كيف تكون الدُّنيا لو عزَّ الغرام .. وبنفسي لو أضع بدلاً للغرام "الطِّغام"!! والمحصِّلة أنّ حركة حق، لم تعُد حركةً لي! ولا أنا منها. ليست حركتي بأيِّ حال بعد الآن: قد تركتَ الحركات والبركات يا أباجودة، فَصُن استقلالك الرؤيوي، حتى وإن كان إلى حين؛ وقد قال الأوّل:
إذا انصرفتْ نفسي عن الأمرِ لم تكُنْ .. إليه بوجْهٍ آخر الدَّهْرِ تُقبِلُ
سأستشهدُ به نكايةً في بليدات الحِسِّ وبُلدائِه، القابعين على بُنَيّاتٍ من طُرِقِ المعروف بلا معروف ولا الله قال!
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً ...
كنقصِ القادرينَ على التّمامِ ..
وأيُّ تمام، مع هذا النَّقصِ البديع! في رونق آآ الصُّبح "اللّكيع!"
وأكتبها اليوم، هذه الرسالة ثقيلة الوطأة، والسودان قد انقسم ولم يستقلّ الجنوب! أكتبها والرؤية العامة مُعتَمة ودولة الهَوَس تطرُق على الأبواب بكلتا انتباهتها وبُلهاءِ علمائها! الأحوال المجاورة صدئة المُنعَطَفات، والحركات، في كُل الأرض، باركات ساكنات خامدات هاجسات ببطَرٍ مزعوم! وجوه الإدارة الأمريكاني الفهلواني، تُعَربد في كل سوح ولا تخشى البيات! وقد قايضتنا قروناً من رماد..! تكأكأت علينا الأزمات وأطلّتِ الأطماع الشخصية بأعناقِها تَسُدُّ علينا أفواه السُّبُل. قتيلانا السودان القديم والجديد معاً، وانماع التداعي الكذوب، ما زالت دماءٌ مسفوكةً شمالاً وجنوباً شرقاً وغربا، وآخرون في الصِّف تتلمَّظ شفاههم للدّور في مَصِّ الدِّماء..! لم يُقَد من سافِكي دمانا، فكيف ننتظر عدلاً من سافكي خفقات قلوبنا وعُصارات معرفتنا؟ وَ ها أنتم، تخوضون بحار الغِش! يا رفاقي، فاقعدوا فإنّكم الطاعمين الكاسيين.. دعوا المكارم لا ترحلوا لبُغيَتِها.. أو يا للنذارات البِشارات؛ فلا سُكْرُ اليوم، بل صَحو غَدٍ. لا مُمالأة بعد اليوم، فقد انزوى زمان المجاملات والمُشايلات والمعانفات البيئسة غير المُنتِجة..! وأخيراً، أخيراً جداً، فشهادة شُكري إليكم أنْ كنتُ وسطكم يوماً من الأيام -وقد درجَ بعضُكم على التشكير نكايةً، كما حدَث في اجتماعكم الأُسَري في الثالث عشر من نوفمبر للقيادي المُتهادِي- لن تعدوَ، شهادة شُكري، كثيراً عن قليل امنياتي لكم بِـ: دمتم في حالٍ أرقى وأرفق ممّا أنتم عليه من عصلجة وافتئاتات، فلربما تستحقّون ذلك!
محمد أحمد أبوجودة
الخرطوم، الأول من فبراير سنة إحدى عشر وألفين، السوق العربي!
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]



أمسية الخميس الخامس من ديسمبر الجاري، اتّصلتُ هاتفياً بالفنان، والمثقف السوداني الضليع، الأستاذ/ عبدالكريم الكابلي، اطمئناناً على حالته الصحية، ومدى التقدّم في رحلته العلاجية لأمريكا، فضلاً عن الاستفسار المستوحِش بـــشائعة "بقاء كابلي" بمهجَرِه دون أملٍ بالعودة لوطنه السودان وتلك فاجعة...! فكابلي بفنِّه من مركوزات الثقافة السودانية، وأن يكون الكابلي بالسودان أحبّ لأهل السودان، من أن يكون بخارج السودان؛ فمشروع كابلي الثقافي الاجتماعي ال ال ال، يمضي أفضل في وجود شخصه الكريم بداخل حوزة الوطن المتعطّش أهله لسماع كابلي أخذاً وعَطاء.. أجابني كابلي بذات الروح الوِجداني المُهدهِد بآلاء تُراثنا السوداني؛ كان يقطُر عافيةً يبدو، ويصطلي شوقاً وتحناناً للعودة السريعة لربوع السودان ومرابعه وروائعه. حيث أفاد الكابلي، بأنه يسير بتقدّم ملموس، في إجراء العلاج الطبيعي (Natural-therapy ) تحت العناية الطبية العادية، مؤمِّلاً أن يشرع في إجراءات عودته للوطن بأعجل ما يتيسّر، وتلك بالنسبة لنا في السودان، بُشرى تقترب من بُشرى التغيير السائر تلكُّكا..! وأن تسير مُتلكِّكاً، خيرٌ من أنْ تقِف لرُبع قَرنٍ في ذات المنحنى والمخاضات العَــوَجــات! .. إلى ذلك فقد بدا الأستاذ كابلي، لحوحاً في السؤال عن السودان وأهل السودان وأحوال السودان، مُتدفّقاً دعاءاً وأملاً وتمنٍّ بالخير لكلّ السودان والسودانيين. وفي معرض إجابة الأستاذ عن سؤالي: يا عزيزَ قومِه الكابلي، أشــاءَ لكَ الهــوى..؟ ردّ ضاحكاً ومُعرِباً عن "هوى" خاص له بوطنه السودان: أنا هواي الســـودان .. أنا هواي الســـودان .. أنا هواي الســـودان .. ثم أضاف غَرِداً: لقد اتصل بي الزملاء والزميلات بإذاعة أم درمان، خلال الشهر الماضي، وسألوني قريباً من هذه السؤال، فأجبتُهم بأنّ هواي هو السودان، وأنني قد عبّرتُّ عن هواي هذا بقصيدي:
أدور حولك بإحساسي ..
ربيع بيغازل النوار ..
واشيلك جوّة أنفاسي عشان أطفي اشتياقي الحار ... إلى نهاية القصيد...
بالطبع، سعيدٌ هوَ من يستمع لشجو الكابلي، عبر أثير "الألياف البصرية" ذاك الذي يختتم قصيدَه المُشبَّع حنيناً للوطن (Nostalgia) بــــ:
عـــــليك الخالق المأمول .. منو الزّيْ ريدي بيك مكتول ..
منو الشالك شرا وقندول .. وسيف بتّار سنين مصقول .. يبشِّر بيكا في كل زول...
---
أفلا يحِقّ لنا أن نُبشِّر ونتباشر بعودة هذا الأخ الكريم عبدالكريم؟
له التحايا وافرات سامقات آهلات دّعاء بسلامة العودة .. وهو بكل الصحة والعافية والأمل اللحوح بتقدم وطني الســـودان ...
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]
من طـَرَفٍ قـريب ..
================


عــزيزَ قــومِـه الكابلي .. أشــاءَ لكَ الــهــوى ..؟


الكابلي، علَمٌ على رأسِه نارٌ. مُطربٌ فنّان، باحثٌ متعمِّق، مثقف سوداني ضليع، وفوق ذلك، له الكثيرُ من الصفات والمهام والاهتمامات المتعددة، إنسانٌ سودانيٌّ أصيل الإبداع، مـُتفانٍ في حُبِّ وطنه، بجميل الروح وآسِرِ التعبير. بالكلمة الموشّاة، وهل في البدء إلاّ كانت الكلمة؟ ثم إنّ الكابلي هو الأستاذ/ عبدالكريم عبدالعزيز الكابلي، سليل الطبقة الوسطى السودانية، في قديمها الذي لم يتُه بعد..! وخليلُ التراث السودانوي اللمّاح، بل وواحد من روّاد الحـَداثة التي ترى وتسمع ثم تقرأ لتتكلّم، ولعلها تُغرِّد بالمموسق والمُنمّق وحَماسي في آنِه وأوانِه. وفي تقديري، أنّ هناك حداثة قد تُصمي بالمُفارِق، وتُنذرُ بالتطوير الغصب، وقد تُؤتي أُكُلُها حَشَفاً وسوء كَيْلة، أو تكون نتائجها بالمعكوس.

تفرّد الكابلي، باللُّقيات الترنيمية الغوالي. تلك التي لا يعترض طريقها إلى الأفهامِ مُعتَرِض. تستجيشُ بالنفوس الطيبة، لتستقرّ بالوجدان. بذرة نماء لها ثمار، ثم ازدهاءٌ وازدهار. ترنّم الكابلي بلآلئ السودان، ومدّد اهتمامه لأفريقيا وآسيا، فالشرق الأوسط، والمغرب العربي. غابات كينيا والملايو، وأرض سوكارنو؛ وَ مصرَ يا أخت بلادي يا شقيقة، يا رياضاً عَذبة النّبع وريقة، يا حديقة. كلماتٌ ليست كالكلمات، صاغها الشاعر الحداثي السوداني تاج السر الحسن، إكراماً لانعقاد مؤتمر عدم الانحياز. تجاوب كابلي مع نشيد أكتوبر السودانية، بحماسية للشاعر السوداني عبد المجيد حاج الأمين، هبّت الخرطوم في جُنحِ الدُّجى.. ضمّدت بالعزم هاتيك الجراح .. وقفتْ للفجر حتى طَلَع، مُشرِق الهامة مجدول الجناح .. والتقينا في طريق الجامعة.. مشهداً يا موطني ما أروَعه.

تدفّق الكابلي، شعراً مُتحدِّثاً وداعياً مُرَغِّباً، بالحيا والفضيلة، والوعي المُبكِّر والعاطفة النبيلة، وأمانٍ عذارى، تتجمّع في ليلة، فيها زغاريد وحِنَّة وفيها بخور وشَيْلة .. والحالم في ملكُه زي راس القبيلة؛ مُتنزِّلاً إليها بــ: مِنْ قلبي وعُقبالك يا راسي يا زين. وكثيراً ما تودّد الكابلي، أصالةً عن نفسِه الشاعرة ونيابةً عن كُل شجيٍّ أو خَليِّ بِـــ: تاني ريدة وكمان جديدة.. يا قلبي مالك في دروب دلالك تحكُم علي، بعيون سعيدة. ثم استشفّ عبقريُّ الكابلي قصيداً، بما يُشبه "انعدام المَلالة" في لحنِه التَّتيُّمي: كُل يوم معانا ,, وما قادرين نقول ليك.. إنّك في قلوبنا وكم نشتاق لي عينيك .. حنانك يا حالم.

عَمّر الكابلي، آفاق العديدين بلُقياتِه الحميمة، ثم استطرد يغرفُ من التُّراث غَرفاتٍ من القاع، ليست بذات عناء. فالكابلي يعرف، وبالتالي حُقّ له، أن يغرِف، ماهراً، تنأى غَرفاتِه أن تقعْ فيما وقع لبعض بني إسرائيل! عند ذيّاك النهر المقدّس؛ ليشدو بالحَسَن صاقعة النّجِم .. هو البـ حَمي الشهادة والنَّضِم .. هو الليلة .. من الموت ما بي يَهِم. كذلك شدا مُنداحاً حماسا: إتْ بي نيّة ما بتقوم .. وظاهر اسمك كالنجوم .. ومابيخاف في المحاصَة دموم. ذاك الذي هو، الجنزير في النجوم.. زيَّ الهيكل المنضوم ما بيخاف. ثم أبدع الكابلي، في تناوله للتراث، وقد شدا بِــ: جيتك بامتثال صاحبي المِتمِّم كَيْفي .. إبراهيم ثَبات عقلي.. ودرقتي وسيفي.. مطمورة غلاي مونة خريفي وصَيْفي .. سُترة حالي في جاري، ونِسايا وضَيْفي. وتلك معانٍ تزدهي وتزدحم بمكارم الأخلاق، وفق ما تعارفتها الأمم الصالحة. عَبّر كابلي عن زمان السماح والإكثار من التحدِّي والتحدُّث بالنِّعمة؛ وذاك هو الزمنُ الجميل، والغائب! في عُرف مَخضْرَمي زماننا الماثل؛ إنّه لزمنُ سماحة الشيخ سيَّرو .. والذي هوَ: النَّصيح حديدو .. تلاتة قدور محلبية .. وتلاتة قدور ريحة نَـيّة .. نسيبتو قالت: شــوية، وحَرمان ما بدخلَنْ عليّا..! ولعلّ السّامع قد لا يستكْنِه، أنّ مقصود النَّسيبة لا ينطَبِق على حَرفيّة النَّص، بقدرما يُحيل إلى كون الشيخ سَيَّرو، مُمَجّدٌ بأكثر من أن يُعادِل فَضْلَه - فقط - حِسبة ثلاثة قدور محلبية.

جابَ الفنّان المُبدِع كابلي الآفاق، وتصفّح مجدولات الحِكمة ومجبولاتها، فسَبَح في بحور الشعر العربي، وتضرّع في عروضِ الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم اقتبس من شاعر العربية الكبير، أبو الطيِّب المتنبي، تقدمات لها أوائل وأواخر. حيثُ أخذ من أبي الطيب: ما لنا كُلّنا جـَوٍ يا رسول .. أنا أهوى وقلبُكَ المتبول؛ وازدان من شِعر الفتوة للمتنبي، في رميات شهيرات للكابلي: كم قتيلٍ كما قُتلتُ شهيدِ ,, لبياض الطُّلى وورد الخدود .. وذاك قريضٌ شبابي فوّار بالثورة والاحتجاج، كمثل قول المتنبي: فَــ عِش عَزيزًا أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ ,, بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ .. فَرُؤوسُ الرِماحِ أَذهَبُ لِلغَيـظِ ,, وَأَشفى لِغِلِّ صَدرِ الحَقودِ .. لا كَما قد حييّتَ غَيرَ حَميدِ وإذا ,, مِتَّ مِتَّ غَيرَ فَقيدِ .. فَاطلُبِ العِزَّ في لَظىً وَدَعِ الذُلَّ .. وَلَو كانَ في جِنانِ الخُلودِ.

تفجّر الكابلي ينبوعاً من جزيلِ الشعر السوداني، كما عند الشاعر العبّاسي، في قصيدته عهد جيرون: يقول لي وهو يحكي البرقَ مُبتسِماً ..يا أنتْ يا ذا وعَمداً لا يُسمِّيني. أنشأتُ أُسمعُه الشكوى ويُسمعني ..أُدنيه من كَبدي الحَرَّى ويُدنيني. ومُفتتح قصيدة العبّاسي، والتي كثيراً ما ترنّم بها عبدالكريم الكابلي: أرِقتُ من طولِ هَمِّ باتَ يعروني .. يثيرُ من لاعج الذكرى ويشجيني .. مَنَّيْتُ نفسي آمالاً يُماطلني فيها زمانيا من حين إلى حين .. ألقى بصدري جِسام الحادثات ولي .. عزمٌ أصُدُّ به ما قد يُلاقيني.. ولستُ أرضى من الدُّنيا - وإن عَظُمتْ - إلاّ الذي بجميل الذِّكر يُرضيني.

ولأبي فِراس الحمداني، شفيفُ قولٍ وبديعُ إلهامٍ حماسي، طَوَّفَ إليه عزيزنا الكابلي، بــ" أراكَ عَصيَّ الدّمعِ .. شيمتك الصبرُ .. أما للهوى .. نهيٌ عليكَ ولا أمرُ .." و فيها: مـُعَلّلتي بالوصل والموت دونه .. إذا مِتُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ .. تكاد تضيء النار بين جوانحي .. إذا هي أذكتها الصبابة والفكرُ .. وقلتُ كما شاءت .. وشاء لها الهوى: قَـتيلُكِ قالت: أيّهم؟ فهمُ كُثْرُ ..! .. وقالت: لقد أزرى بك الدهـر بعدنـا فقلت: معاذَ اللهِ .. بل أنـتِ لا الدهـرُ .. وما كان للأحـزان لـولاك، مسلـكٌ إلى القلب، لكنّ الهوى للبلى جسـرُ.

كُل ما مضى، لا يعدو بنظري، عن كونِه مُجرّد إلماحَة؛ لما يتفرّد به الكابلي من فَنِّ ولُغةٍ ووجدانٍ سليم؛ بل هو أقرب لأنموذجٍ، ممّا أفاء به المثقف والفنان كابلي، على بني وطنِه وبناتِه. ها هنا، وقبل أن نرفع التحايا وادعات آملات، في أنْ تتسخّر الأمور لعودة كابلي، إلى غُرّة وطنه، وإلى مُتْرَع حُبِّ أهلِه له، فلا مناص من استئناسٍ برويِّ عَذب، يُعرِب فيه الكابلي عن حُبّه للوطن، شِعراً يقول:
أدور حولك بإحساسي .. ربيع بيغازل النوار ..
واشيلك جوّا أنفاسي .. عشان أطفي اشتياقي الحار ..
وبين طاريني لأ..! ناسي .. لقيت الحيرة فيك تحتار ..
كأني حِداك ضُل مشتول .. على دروب الزمن بتـــطول ..
أشوف معناك فى كل زول.. شرب من طعمك المعسول ..
ودا الخلاّني فيك أقول .. قَدُرما يرجى عمرى الحول ..
كلاما بالغزل مغزول .. ولحنـاً في البعاد موصول ..
وكيف ما أشيل هواك فصول .. وقلبى برؤيتك مأهول ..
مسارح صيد.. مهاوي سيول .. شديرات حِنّة فوقا حجول ..
بَرِق عَبـّادي سوّا الهول .. بصدق أفعالو ما بالقول ..
روى اليابس على المبلول .. قـَلَب فرح الحرازة ذهول ..
بعيد بين الوفاهو مطول.. وبين حَفيان يتِبْ معجول ..
عليك الخالق المأمول .. منو الزّيْ ريدي بيك مكتول ..
منو الشالك شرا وقندول .. وسيف بتّار سنين مصقول ..
يبشِّر بيكا في كل زول.







........
محمد جمال الدين
مشاركات: 1839
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:52 pm

مشاركة بواسطة محمد جمال الدين »

أقساط أدبية رصينة تأتي متحينة المناسبات فتعلن عن ميلادها.. لا شيء يقال في معية الأشعار فهي فوق مقامات الرأي كأن الكائن يتلمظ فاكهة شهية.. تحيات يا أبو "جودة"
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

أهلاً ومرحبا بالأخ محمد جمال الدين،

سعيدٌ عامَكم القادم، وإنني بتعليقكم إذن، لــَــسعيدُ ..

وتلك سعادةٌ سريعاً ما أخذتني في حمدٍ لذكرى جمال ودين، وجمال الدين "الماطالباني" و جمال الدين "ابن هشام النحوي" و جمال عبدالناصر، و عامر جمال الدين وجماليِّين كُثر، تواردوا على الخاطر عنباً وقَضبا، وزيتوناً ونخلا وفاكهة وأبّا؛ حتى لكدتُّ من شعور لسكون الخاطر على هدأة، أن أترنّم بقول أبي الطيب "جمالُ الدين واللغة" المتنبي:


تـَـملـّك الحمدَ حتى ما لـِمُفتَـخر ,,, في الحمدِ حاءٌ ولا ميمٌ ولا " DAL u"


مع وافر المُنى
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

------
مقالٌ لي، نشرتُه في صحيفتي التي أعمل فيها محرراً ...( الرأي العام) ..خلال ديسمبر 2013، وكذلك نشرتُه أيّاميها في "ســودانايل الغـَــرّاء، ولم أبخل به على سودانيزأون لاين" بيد أنّي أشعر بضرورة نشره هاهنا، لا سيما وقد عدّلتُ فيه بعض العبارات التماساً لتوضيح المفهوم ربما!..

فـــ ـــإليكموه:
(لا ضَرّكم كثيرا؛ ومن الضُّرِّ نَفعُ!)

-------
[align=justify][font=Verdana]
مِنْ طَرِفٍ قريب ..

جدلُ التغيير بين عَسكَر ومَـلَـكيـّة .. دخول المرحوم خير وخروج المحامي طه

التغيير السياسي الذي جرى بإحلالٍ وإحلاج، لعددٍ من القيادات السياسية في دَستِ الحُكم وصحن الوزارة؛ ما تزال تفاسيره قبل عقابيله تعتلج في صدور الكثيرين. تارةً يكتنفه الفتور لحالة كونه غير تام، باردٍ، لم يُدَقُّ فيه للحريّة بابٌ ولا للعدالة نافذة. كأنّما هو تغيير "دَخَل القَش ما قال كَش"، وذلك برغم ما سبقه من تحضيرات وإعلانات وبهرجات. وفي أخرى يتلبّسه الغموض، باعتباره قد جاء، أشبه ما يكون لقولة الفاروق "رض" يوم السَّقيفة، وما أدراك ما يوم سقيفةِ بني ساعدة : "فـَلتَةً وقّى اللهُ شَــرّها". وبينما يبدو التغيير كأمرٍ مدروس، ومعمولٍ له متعوبٍ لأجله؛ إلاّ أنّ أرجح التحليلات التي تمحض النُّصح، تصفُ التغيير بأنه قد جاء ضَربةُ لازبٍ! متأخراً بعض الشيء، أو فات عليه الأوان. أشبه ما يكون بعودة الابن الضّال، بل أكثر قُرباه تمِتُّ بِصِلةٍ بارزة إلى "حِيلة ودّ الرَّيِّس"؛ وود الرَّيِّس، واحد من أبطال أديبنا العالمي الطيب الصالح، في موسمه للهجرة إلى الشمال؛ وقد زعموا أنّه بزواجِه من شابّة تصغره بما يزيد عن خمسين عام، وهو المزواج طيلة عُمره الذي مضى، كأنما كان يرشو بزيجته مَلَكَ الموت كي يؤجّله. وهو الثمانيني يعتِبُ نحو قبرِه بإصرار، كطريق اتجاه واحد، وليس من رجوع.

إن كانت "فولة" التغيير الكُبرى، تمثّلت في خروج النائب الأول، الأخ علي عثمان محمد طه "المحامي". ففي تغيير سياسي سودانيٍّ سابق، فُجـِــعَ الشعب السوداني بفولةٍ أشدّ مراسا. تمثّلتْ في دخول المرحوم/ أحمد خير "المحامي" لدستّ الحُكم الانقلابي الأوّل (17نوفمبر1958). وزيراً للخارجية، وهو المدنيُّ، الرائدُ في فكرة مؤتمر الخرِّيجين، ثلاثينات القرن العشرين بمدينة ود مدني. تلك الفكرة التي نتجتْ من بذرة الجمعية الأدبية بودمدني السُّنِّي، فتلقّفها الساسة السودانيون الشباب، والأمدرمانيّون من بعد، ليُنشئوا علي رَسِــَنها مؤتمر الخرِّيجين العام. بِستِّينيّة مركزيّته، ولجنته التنفيذية، بـ"فيـليـِّيه " و " شـوقيِّيه" ومذكِّرتِه الشهيرة العام 1942 للسكرتير الإداري. بمطالبٍ للأمّة السودانية؛ لا تقلّ كثيراً عن مطالبٍ تضمنّها مقالٌ، للضابط الوطني المرحوم علي عبداللطيف، رئيس جمعية اللواء الأبيض، كان قد سعى لنشرِه في جريدة "الحضارة"، بحر سنوات العشرينات من القرن الماضي، فعاقبه المُستعمِرون بسنة سجن، ولم يُنشَر المقال حتى.

صالَ مؤتمر الخرِّيجين العام، وأسدى للوطن عديداً من النضالات والأعمال ولكن، تمدّدتْ عليه رعاية الطّائفية، فأضحى المؤتمرون يُغرِقون حاضرَ تلك الأيام ومستقبلَ البلاد، رَهناً بالسَّيـِّدَين، ومصالح بيتَيهما مع المُحتَلـَّـين حينها للسودان، بريطانيا ومصر. وهُما السيِّدان عبدالرحمن المهدي، و علي الميرغني، وقد التصق بأوّلهما شعار السودان للسودانيين، وكان شعاراً يُسعِد الإنجليز، بينما رفع الثاني شعار " الاتحاد مع مصر" فأفرح المصريين. ثم تحزّب للثاني: حزب الاتحاديين، وللأول، حزب الأمة. ولمّا احتدّ التنافس السياسي بين البيتَين، تخاصما سياسياً لبُرهةٍ من الوقت، ثم التقيا؛ وكان التقاؤهما شـَرَّا أُريد بمَنْ في السودان، وضدّ مطامح أهله في الحرية والعدالة والمساواة، على رأي السياسي السوداني الأريب، الأديب ورئيس الوزراء الأسبق، وأول وزير خارجية، ورافع عَلَم الاستقلال، باعتباره زعيم المعارضة في أول برلمان سوداني، مع رئيس الوزراء الأزهري، فوق سارية القصر الجمهوري (نفس القَصْر) في الأول من يناير1956: محمد أحمد المحجوب؛ وِفقَ ما جاء بكتابه "الديمقراطية في الميزان".

مرحى بالتغيير الآن وغداً، وكيف ما جاء، يزيلُ البَلَم الحاصل أو حتى يزيد الطِّين بِلـَّة. كذلك مَـرحى بالإصلاح الآن، بشرط أن يجيئ وسيماً، لا يتردّد، لا يُمالئ، لا يُداهِن؛ والأهم، ألاّ يسعى لجمع أشتات الفشل القديم في قيادته. من أهل الكورة وأرباب القِباب، وميسور الصِّحاب من فَلّ الوزارات، الفارغة إلا من عويل، ولا أهل المنافرة والتصايح بقتل الإنسان لأخيه الإنسان، بكلِّ الصّهيل؛ وقد قيل: تقطيع أوصالِه زيادةً في البَّيعة. معلوم بأنه قد جاء في الأثر: أنّ هذا الأمر لا يصلُح إلآ بما صلُحَ به أوّله، قوّة في غير عسفٍ، ولِينْ في غير ضَعفٍ. وواضح أنّ الأمر المَعني، ليسه بالشَّبيه لما بدأ بجُمعة الثلاثين من يونيو، ولا ذاك اليوم الشّهير، الذي شَهِدَ استشهاداً منابريّاً للدكتور الترابي، مُحْتَفياً بقوانين النميري الإسلامية: "إنّ الله تعالى، يُقيِّض لهذه الأمة رجلاً يُحيي موات الدين كل مئة عامٍ مَرّة" أو كما جاءت الخُطبة البلقاء للدكتور والمُستشار الرئاسي، القانوني الدستوري الإسلامي الديمقراطي الشُّوَري الشعبي، والسياسي، الذي لايثبُت على سرجِه ما تغيَّرت لفّات الأحصنة ..! بل يوغل في التحوّل ذاهباً مع الرِّيح أنّى اتّجهت مساراتها.

لقد حدث التغيير، أو بالأحرى، لقد بدأ التغيير السياسي الذي سيأتي ما بعده، لا محالة. فماذا يكون وراؤه يا تُرى؟ أيكون استقراراً سياسياً، وتعديلاً للموازين، المجالس، الهيئات، البرلمانات، الولايات، المحلِّيّات واللِّجان الشعبيات إلخ,,,؟ أيمكن أن تبدأ مسيرة الإصلاح بذات العَقليّات الجمعية الخاصّة، توسَم بأنها قيادية على طول الدّوام..! ولا نتاج لتلك القيادات المزعومة إلاّ الرّكام...؟ بل قيل ربما تؤثم، كونها كَدَّرَتْ المشرَب، وصعّبتْ الحَركة، وغلّتْ المأكل قبل الأيدي، ثم عسّرت التواصل الإنساني بالداخل والخارج. أم أنّ التغيير الحقيقي ما يزال يرمحُ في رَحِم الغيوب؟ ليس من وراءٍ له، ولا قُـدّام، إلاّ عزائمُ الشعارات البرّاقة، وزعومات الحلول التَّوّاقة رغائبياً، وفوقهما، كَدحُ الأيدي التي اخشوشنت بالغلاءِ والنُّدرة. في مملكة الجدب والاقتتال المُنهال بلا انتهاء.
لقد كان تشبيب الوزارة، هو التقليد الإصلاحي (الآيديولوجي يكاد)، الذي قام عليه التغيير الجاري. اندلق على أثره مدادٌ كثير بالصحف، وثرثرات كُثر على الميديا. كما لم يخلُ التشبيب من "نواحٍ" على أطلالِ بعض الوزارات البكّايات. تطاولت الاجتماعات القيادية لتأسيس شبابية الوزارات، ثم تتالت ذات القيادية مُتسرمِدة. في اجتماعات مطوّلة بعد التشبيب، وبين هذا وذاك، زاد الوحيح على ما مضى من توزير، وأشرقت وجوه بتسنُّم أهل الودّ، ورؤوس الميَّات الجُدد، والمقّدَّمَين في عشائرهم. للوزارات والمناصب الشبابية الجديدة. هكذا إذن يكون التغيير، ولا جُناح عليه، في كونه ربما يزيد الحيرة؛ فإنّما بالتغيير غير الغرير تتلاشى الحَيْرات رويداً رويدا. هل نقول ما أشبه الليلة بالبارحة..؟ ذلك أنّ جِدالنا السياسي تتكرّر تاريخيّاته التغييرية بشكلٍ مـُريب. ليس على رأس "كُلّ مئة" عامٍ فحسب، وإنّما أحياناً عند كل عشر سنين (عاشهم الوّدّ السّلطاني). إذن فها هو ذات المشهد يتكرّر؛ ونحنُ، على بُعدِ يومَيْن، نستقبل ذكرى إعلان استقلال وطننا السودان، من الاحتلال الثنائي الانجليزي المصري، ومن داخل البرلمان "القديم" ، في عيدِه السنوي الثامن والخمسين. فهل تشابه علينا البَطَر السياسي؟
لا مناص إذن من استجاشة، تُبرِّر احتفاءاً بالجدل السياسي الجائل بالتغيير واجب وطني (هتف الشعبُ من معداتِه!)؛ حتى وإن كان وقفاً على الشبابية الموضَّبة بالتوازنات. إذ يكفي تغييرنا الحالي شَرَفاً تاريخيّاً مؤثّلاً..! أنه يسير على ذات النهج الشبابي المطلوب، ومن قديم الزمان؛ ها هنا إذن، رَويٌّ عَذب يُثني على تقليد الشباب، مهام الوطن، لشاعر مؤتمر الخرِّيجين العام، المرحوم علي نور، في قصيدِه:

هذي يدي لسماء المجدِ أرفعها ,,, رمزٌ يشيرُ إلى المُستقبلِ الحَسَنِ..
دُقَّوا البشائر للدُّنيا بأجمعها ,,, وللعروبة من شامٍ إلى اليمن ..

في قصيدةٍ حماسية طويلة، يختتمها بالبَيتَيْن التاليين:

مَرحى لنا بأمانينا مـُحقـَّـقةٍ ,,, ومرحباً بالشِّباب العامِلِ الفَطِنِ ..
ما خابَ، أو ضَـلَّ أسبابَ الهُدى بلدٌ ,, ألقى وأسلَــم للشُّبّانِ بالرَّسَنِ ...

على الشباب الوزاري، إذن، التّمسُّك جيّداً بالشَّفرة، يقطعون بها المَهام الجِسام، وعلى الشيب الذي في سبيله للمُضيِّ للمزابل المُنتَظَرة، الانتباه لمصير "ودّ الرَّيِّس" حِذار أن يقع عليه ..! وقد نُسِب لإمام العادلين علي بن أبي طالب "رض" قوله: ما طار طيرٌ وارتفَعْ .. إلاّ كما طارَ وَقـَعْ.






-----
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

العزيز محمد أبوجودة
تحية مترفة المحبة

لكم نحن سُعداء بالجلوس إلى كتابك ، فمداده ليس له ما يشبه ، ولا الحروف ولا الكلمات ولا الجُمل تشبه الذين عرفنا وشهدنا كتابتهم . فوق هذا وذاك حواف اللغة وحواشيها ، الوشي والرونق والجزالة . تلك منزلة في الصفاء لا يصلها المرء إلا بعد صمتٍ وخلوة ومِران . قرأت ما كتبته في ماضيك ، وعلى اتساق ينمو حاضرك ، بخلاف أحوالنا التي كان فيها الماضي أكثر جمالاً قبل مجيء " الهمج " ونشر أحماضهم القاتلة لمن يتجرعها .

أراك قد تجولت في حاضر " الهمج " ، والرّجة التي هزت جزع نخلهم الذي لا يلد إلا الحصى يحصُب بعضه بعضاً . لنلتمس قراءة في وثائقهم كتبناها قبل زمان ليس بالبعيد :

من وثائقهم {1}

ربما كتب كثيرون عن سِفر قيادي الحركة الإسلامية " المحبوب عبد السلام " المسمى ( الحركة الإسلامية السودانية - دائرة الضوء وخيوط الظلام - تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ – طبعة 2009 م) . ولكننا اليوم نقف عند بعض ما أشار إليه السِفر من جرائم نظام " الجماعة " ، التي وردت وعليها غبار كثيف وتمويه لا يسهل القبض على تفاصيله ، رغم أن المعلومة متيسرة للجميع الآن بسعة ورحابة الرصد في السجلات المدونة، ولكن لكتابتها في وثائقهم طعم آخر. وما الخلاف الذي أظهر ما يسمى " خلاف العرّاب وتلامذته " إلى العلن ، والمحاولة المستميتة لكشف أسوأ قصص الجرائم المتعددة والمتنوعة في البلاد التي لحقت بتاريخ " الجماعة " منقسمة ومنفصلة ، فاعلة أو بعيدة عن الفعل المباشر ، صامتة أو متكلمة ، من الذين كانوا أعضاء في مجلس شورى الجماعة ، تنفيذيين أو مخططين ، مشاركين لقصة الجرائم المركبة للجماعة في حق الشعب السوداني وأفراده ،من التعذيب والتصفية الجسدية ، والطرد من الخدمة بلا جريرة وإحراق القرى والقتل الجماعي، ملوثة بكم هائل من الجرائم السياسية ، وجرائم متنوعة فيما يسمى بإعادة تشكيل الشعوب السودانية وفق رؤى " الجماعة ". وشملت العديد من القضايا التي يصعب تفصيلها في المال والعقار والتعليم والصحة والقوات المسلحة والشرطة والخدمة المدنية والقطاع الخاص والرأسمالية الوطنية وما يسمى بالخدمة الإلزامية وانفراط الأمن الموكل لحماية المواطنين والمواطنات في بيوتهم وفي الطرقات العامة ونهب المال العام والفساد الذي صار يحيا طبيعياً في البيئة كأنه الثلج والبرد ، يغسل أصحاب الخطايا .
فصلوا الجنوب بوضع المتفجرات في بطن لُحمة الوطن وفرقوا أبناءه وبناته ، فصار الطريق مفتوحاً للطامحين ليكوّنوا دولة جديدة جاءت على طبق من ذهب ، وسعي" الجماعة " الحثيث لتقسيم وهدم الدولة السودانية في خاتمة المطاف ، وهو الإنجاز الحقيقي للجماعة التي لا تؤمن في تاريخها بدولة المواطنة .
لسنا بصدد تلخيص السِفر الذي اجتهد فيه صاحبه ، ومن ورائه " عراب الجماعة " بلغته المميزة وبصمات أصابعه التي هي بادية الملامح والقسمات، تكاد تضبط نصوص اللغة وتنثر بُهار السِحر حين حاولت النصوص أخفاء مسئولية الشيخ الكبير " عراب الجماعة " كأن لا علم له ، مع أنه العالم بكل صغيرة وكبيرة عندما كان سيداً في مقره بشارع البلدية في الخرطوم . ومن جملة أهداف السِفر الخروج الآمن للفصيل الذي تم طرده من سدة الحكم عام 1999م ، وحاولوا بأيديهم وأظافرهم أن يقنعونا بأنهم صاروا معارضين لنظام "الجماعة" ، ويستحقون صك البراءة من جرائمه ، بالنسيان والتقادم ، أو بكتابة مثل هذا السِفر الذي أشرنا إليه ، ومجموعة هائلة من المقالات الرصينة التي يحاول أصحابها كشف بعض أسوأ القصص في تاريخ السياسة السودانية ودركها الأسفل بقيادة " الجماعة "، وبأقلامهم وهم يحاولون جهدهم للخروج الآمن من المحاسبة اللاحقة التي سوف تطاردهم إن كانوا ساعتها أحياء . فالدماء الحارة والضحايا والظلم المبين والفواجع الأسرية ، لن تغسله مقالات الذين يفرون من تاريخهم ، بالمشاركة أو بالصمت على الجرائم والتغريد خارج السرب .

{2}

لماذا الكذب الممنهج ؟
(كلنا يعرف الإسلام الذي يدَّعونه وهو يحذر من الكذب مُطلقاً، ويعدّه من خصال الكفر أو النفاق .. ففي القرآن نقرأ : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } .
منذ أول يوم تحدث كبيرهم ، أن قوات البلاد المسلحة قد تحركت للإنقلاب عام 1989 م ، ولم تكن هناك إلا " جماعتهم " ، منها بعض العسكريين وبعض من المدنيين . استلموا السلطة بالمكر الكذوب وملكوا الدولة حوزةً لأبنائهم ولبنات التنظيم . ورغم الكذبة الكبرى وهدم الدستور والديمقراطية وسيادة الشمولية ، والتعذيب والقتل اللاحق ،فهم يقولون إنهم ربانيون ،متدِّينون وما جاءوا إلا ليقيموا الدِّين في الناس طريقاً ونهجاً ومسلكاً !؟
ونقطف من البيان الأول للانقلاب :
(..وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين ما طمعاً في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب والوطن بايقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية من الفتنة السياسية وتأمين الوطن من انهيار كيانه وتمزق أرضه ...)

{3}

ونقطف من دستورهم الذي مهروه بخاتمهم عام 2005 م مفاتيح التقييم :
الحياة والكرامة الإنسانية
28ـ لكل إنسان حق أصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية, ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً.
الحُرمة من التعذيب
33ـ لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو معاملته على نحوٍ قاسٍ أو لا إنساني أو مُهين.
(3) يكون لأي شخص, تُتخذ ضده إجراءات مدنية أو جنائية, الحق في سماع عادل وعلني أمام محكمة عادية مختصة وفقاً للإجراءات التي يحددها القانون.
قسم رئيس الجمهورية
56ـ يؤدي رئيس الجمهورية المنتخب, لتولي منصبه, اليمين التالية أمام الهيئة التشريعية القومية:ـ
(أنا ................... أقسم بالله العظيم بوصفي رئيساً لجمهورية السودان أن أكون مخلصاً وصادقاً في ولائي لجمهورية السودان، وأن أؤدي واجباتي ومسئولياتي بجد وأمانة وبطريقة شورية لترقية ورفاهية وتقدم الأمة، وأن التزم بالدستور وأحميه وأحافظ عليه وأن أراعي قوانين جمهورية السودان وأن أدافع عن سيادة البلاد، وأن أعمل لوحدتها وأوطد دعائم نظام الحكم الديمقراطي اللامركزي، وأن أصون كرامة شعب السودان وعزته، والله على ما أقول شهيد).

{4}

أسرار يعرفها معظم الناس وبعضها مدوّن في دفاترهم عليها غيم وضباب مع الحيطة اللازمة :
ورد في كتاب أحد قيادات الحركة الإسلامية " المحبوب عبد السلام " ( الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء – خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ ) مجموعة من محاقن الجريمة مدونة بإتقان نورد بعض قطف منها:
(أ‌) ص 96
(كان تفويض مجلس شورى الحركة الإسلامية قد انتهى إلى الأمين العام ، الذي اختار ستة من كبار قادة الحركة وأعلامها المعروفين بسابقتهم وكسبهم القيادي المتصل ، مثَّل "سبعتهم "القيادة الشرعية ذات التفويض لاتخاذ القرار السياسي الذي ينقذ البلاد ويُمكّن للحركة الإسلامية . وبموجب ذلك التفويض ، الذي استصحب شورى الأجهزة الرسمية والشورى غير الرسمية التي تولاها الأمين العام كقرار الانقلاب لاستلام السُلطة .)
حاشية :
(أدى القسم ستة من قادة الصف الأول للحركة الإسلامية أمام الأمين العام بكتمان سر التغيير وأداء أماناتهم ورعاية عهد الحركة الإسلامية مهما اشتد عليهم في الابتلاء ، وهم : علي عثمان محمد طه ، علي الحاج محمد ، ياسين عمر الإمام ،عوض أحمد الجاز ، عبد الله حسن أحمد ، إبراهيم محمد السنوسي .)
(ب‌) ص 99
(اختار المكتب القائد رئيس الثورة ، ورتَّب حضوره ، واختار مجلس الثورة الذي زاوج فيه بين العناصر الملتزمة والعناصر القريبة للإلتزام بنهج الإسلام وأخلاقه ، وراعى أن يمثل أجيال ضباط القوات المسلحة ، وأن يمثّل كذلك السودان بأطرافه ووسطه ، جنوبه وشماله وغربه وشرقه ، ثم اتفق على الأفكار الأساسية للبيان الأول الذي أعده نائب الأمين العام ، ليطرق القضايا التي درج على إثارتها القادمون من العساكر الوطنيين في سنن الانقلابات المتوالية في العالم العربي وأفريقيا .)
(ت) ص 107
(في صباح 30 يونيو (حزيران) 1989م ، بدأ السودان عهداً جديداً بإذاعة البيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني وأخذت الحركة الإسلامية شكلاً جديداً . بضع مئات من الضباط الملتزمين يعملون من وراء الانقلاب ، والمئات الأخرى من عضوية الحركة الإسلامية الملتزمين أدوا أداورهم العسكرية والمدنية في عملية إستلام السلطة وانسحبوا إلى الظل يواصلون عملهم في تأمين الثورة ، بينما بقيت مئات أخرى في سجلات الطوارئ إذا استدعى الأمر مدنياً أو عسكرياً ضمن المهن الحاسمة ، كالطب والهندسة أو القضاء والتدريس )
( انقسم مجلس قيادة الثورة إلى بضع لجان ، لجنة الأمن والعمليات العليا التي استترت في مباني المجلس الوطني ليلاً ، يرأسها نائب رئيس الثورة ويفرّغ لها أشد الأعضاء حماسةً ونشاطاً في أمر القوات المسلحة والأصغر سناً ، ثم اللجنة السياسية التي تجهر بنشاطها في ذات المبنى نهاراً ، يرأسها أكبر أعضاء المجلس رتبة وقدماً ورسوخاً في تنظيم الحركة الإسلامية فلجنة السلام والجنوب ولجنة الاقتصاد والخدمات ولجنة الإعلام .)
(لكن مهما تكن حركة الأعضاء الملتزمين أو عمل لجان مجلس قيادة الثورة ، فإن قلب الانقلاب الذي يفترض له سلطة نَظم العمل في وجوهه المتكاثرة وتوجيهها وضبطها وتنسيقها يكمن هنالك في مقر غير بعيد من وسط الخرطوم ، ولكنه محاط بأقصى إحراءات السرِّية والكتمان حيث يجلس نائب الأمين العام للحركة الإسلامية بعد أن ضمّ المعتقل الكوبري " سجن كوبر " الأمين العام وأكبر مسئول سابق عن العمل العسكري الخاص ، وسافر ثالث إلى خارج السودان ينتظر إشارة العودة ، وبقي إثنان في الظل يرقبان الأحداث ، وانحصرت إدارة الأمور الفعلية الموصولة بالوجوه الظاهرة لمهام الثورة في اثنين أثبت الزمان أنهما وجهان لعملة واحدة .)
(ث‌) ص 110
( فالمقر الذي أقام فيه نائب الأمين العام يغشاه ليلاً قادة أجهزة التأمين من الرسميين الجدد والشعبيين القدامى ، وتصدر عنه نهاراً القرارات الموصولة بقنوات مؤمّنة إلى الجهات الرسمية الملتزمة التي تتولى إصدارها الرسمي وإعلانها إن كانت تقتضي الإذاعة والإشهار.)
(ج‌) ص 111
(أحاط كذلك عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة ، وتولى أعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسئولين كافة في الأجهزة المركزية والأجهزة الولائية ( الإقليمية آنذاك ) ، وأصبحت وظيفة ( مدير المكتب ) حِكراً لعناصر الأجهزة الخاصة بلا منازع ، فهم فضلاً عن طمأنة القيادة بأن كل شيء يجري أمام سمعها وبصرها ، يؤمنون قنوات الإتصال الفاعل السريع الذي يوافي شرط السرية والكتمان الذي كان مطلب المرحلة الأقصى ، لكنه اتصل في الزمان مُرسخاً أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة الحركة الإسلامية السودانية المتحررة الشورية .)
( وإذ تولى مكتب الفئات المختص والذي ظل ضمن الأجهزة المستترة لاسيما شقه الأمني المعلوماتي الذي كان يستقصي أحوال العاملين في الأجهزة الرسمية بين يدي كل الانتخابات النقابية وانتخابات العمل والمهن منذ أول الحركة ، ثم انتظم واتصل بكفاءة وفعالية مع مراحل التخطيط الاستراتيجي بعد المصالحة الوطنية ، بدأ في عهد الثورة مرحلة جديدة أشد حساسية وخطراً عن مجرد الفوز بكسب المقاعد في نقابة أو اتحاد ، إلى المساس بجوهرعملية تأمين الثورة الإسلامية ، فوجدت عناصر الفئات ذات النزع الأمني والمعلوماتي في قوائم الصالح العام سانحة لحسم تاريخ طويل من الصراع المهني والنقابي )
(ح‌) ص 112
(ورغم أن نائب الأمين العام من مقره الحصين ، طفق يوضح في اجتماعاته حول تقارير الخدمة المدنية حرص الحركة الإسلامية أن تعمل من خلال أجهزة الدولة القائمة ، وليس خلق أجهزة موازية ، أو تعطيل صلاحيات العناصر غير الملتزمة ، فإن واقع الأمر قد مضى في محاولة إعادة تركيب دولة السودان بما يوافي أهداف الحركة الإسلامية ، وبما يجافي أصول فلسفة تنظيم الحركة نفسها أن تذوب في المجتمع ، فحاولت الحركة أن تمد ذراعيها لتحيط بجدار الدولة .)
(خ‌) ص 119
(فتولى شأن الأمن في الإنقاذ أولاً أحد قادة الجهاز قبل الإنقلاب ، وقد أصبح عضواً بمجلس قيادة الثورة ، ثم استبدلته ( بؤرة القيادة الخفية ) سريعاً بضابط إسلامي كبير من ذات دفعة رئيس الثورة ، ثم عين أستاذ جامعي من قلب أجهزة الحركة الإسلامية نائباً له ، لتبدأ قصة الحركة الإسلامية مع جهاز الأمن .)
الحاشية :
(تولى مسئولية الأمن لأول الثورة العميد إبراهيم نايل إيدام ، ليخلفه الفريق محمد السنوسي ، ثم عُين دكتور نافع علي نافع نائباً له .)
(د‌) ص 287
( ورغم أن الكثيرين جلبوا أبناءهم طائعين فرحين ، يبغون بناء لشخصياتهم بين يدي مرحلة تحول فاصلة في تاريخ الشاب نحو الجامعة ، ثم المهرجانات السياسية التي انتظمت كل الساحات لدى التخريج ، فقد أعقب كل ذلك حشد المتخرجين بالقوة إلى مطار الخرطوم ، ثم إلى جبهات القتال في مناطق العمليات ، مُخادعة لم تصدمهم في المقصد الذي سيؤخذون إليه ، فشهدت شوارع العاصمة أرتالاً من اليافعين مُطاردين ، وقد هربوا من الطائرات التي اُعدت لتحملهم كرهاً إلى الحرب ، قبل تَبَلّغ السمعة السيئة لتجربة الخدمة الوطنية كل انحاء السودان ، ليحيط المكر السيء بأهله في مأساة معسكر ( العليفون ) بين يدي عيد الفطر المبارك في مذبحة أخرى جددت ثانية ذكرى الدم المهراق في الأعياد من قِبَل قادة ثورة الإنقاذ الوطني .لكن المُخادعة أفضت إلى سمعة سيئة لجهاز الخدمة الوطنية وأسدت ضربةَ ثانية لقطاع الطلاب في الحركة الإسلامية ، كما لم تثمر نصراً في الحرب إذ لم يقاتل اليُفَّع المقهورون بما يصدّ غوائل الهجوم المجتمِع ، الذي أخذ يتبلور من كل الحدود ، كما أضيرت ذات سمعة المشروع الحضاري ، إذ لم يعقب الحادثة السؤال والتحقيق والعقاب بل رُعت الأقلام وجفّت الصحُف .)
حاشية :
(في 21/4/1998 م غرق في النيل نحو (70) طالباً من بين (1162) حُشدوا في معسكر السليت بمنطقة العليفون وهم يحاولون الهرب بالمراكب على الضفة الشرقية للنيل ، بعد أن تأكد لديهم مخادعة الأخذ بالقوة لمناطق العمليات . وفيما صرَّح "عبد الرحيم محمد حسين "وزير الداخلية لصحيفة الشرق الأوسط من القاهرة " يبدو أن سبب الهروب هو كرههم للقتال وخوفهم منه فضلاً عن أنهم أُجبروا على دخول المعسكر " )
(ذ‌) ص 121
(زاول التعذيب في بيوت الأشباح عناصر من الاستخبارات العسكرية ، شاركتهم عناصر من أبناء الحركة الإسلامية وعضويتها ، وجرت بعض مشاهده أمام عيون الكبار من العسكريين الملتزمين وقادة أجهزة الحركة الخاصة . واستنكرته كذلك فئة من أبناء الحركة ، واعترضت بالصوت العالي عليه داخل أجهزة الحركة ، ولكنها لم ترفع صوتها للخارج بالاعتراف أو الاعتذار في تلك الحقبة للذين وقع عليهم الظلم العظيم ، من كبار قادة المعارضة وصغارهم .)
(وإلى تلك العقيدة التي ما لبثت أن استشرت روحاً سائدة في أروقة الأجهزة الأمنية ، يمكن أن تُفهم الجرأة البالغة لاتخاذ بعض قراراتها والحماس الشديد لإعدام كبار الأطباء الذين شرعوا في محاولة للإضراب ، أو تورطوا فيها ، أو ما وقع بالفعل من إعدام لبعض المتاجرين في النقد الأجنبي بمن فيهم الذي أخطر المحكمة الميدانية الإيجازية المستعجلة أنه يحفظ المال ورثاً لا تصرفاً وبيعاً ، وفيهم كذلك أبناء لرموز في الديانة المسيحية كانت الثورة تحتاج أن تحفظ معهم عهداً ووداً ينفعها في عمرها الوليد وفي المستقبل ومما حرصت الحركة الإسلامية في سالف تجربتها أن تحسن رعايته . وإلى تلك الجماعة وتلك الروح تُعزى المجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الثورة وقيادة الحركة ممثلة في نائب الأمين العام في (28) من ضباط القوات المسلحة – رحمهم الله – وأضعاف العدد من ضباط الصف ، بعد محاولة انقلابية فاشلة حاول المسؤولون عن تأمين الثورة أن يبرروا استيلاء الانقلابيين فيها على مواقع بالغة الخطر ، بأنها تركتهم يعملون أمام بصرها حتى يتورطوا بالكامل ويُقبض عليهم مُجرمين . وسوى مجافاة ذلك الزعم للقانون والأخلاق ، فإن مجافاته للحقيقة بدت غالبة ، إذ أن الأمور قد انفلتت بالفعل من أيديهم فجر التنفيذ ، وعوضاً عن إعمال آلية الدقة في المراقبة أعملت آلة العنف في الانتقام ، ما زعم أنه رسالة للقوات المسلحة لتكف عن الانقلابات لكنها لم تفعل وبقيت المسؤولية في عُنق الإنقاذ إلى اليوم ، أن تُخطر ذوي الشهداء كيف تمت المحاكمة ، وبأي قانون ، وأين دُفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات شخصية .)

{5}

هذا بعض ما ورد في مستندات وثائقهم . لا يعدو أن يكون قمة جبل الجليد ، فلم تزل الأُسر تسأل عن أبنائها الذين افتقدتهم منذ الأيام الأولى لسلطة " الجماعة " وسلسلة من الجرائم طوال أكثر من عقدين من الزمان . هناك جرائم مركبة ومتقاطعة بالحرص والخوف من الانتقام ، مع العلم بأن الشعب السوداني طيب ولم تقتل الديمقراطية السودانية مجرماً ، ولكن الساكتين على تلك الجرائم شياطين خُرس ، كانوا يؤدون أدوارهم في قصة الشمولية وكانوا يعرفون تفاصيل التفاصيل .
ضد كل مؤسسات الخذلان ، بأئمتها و كتاتيبها ومدارسها وما اصطُلِح على تسميتهم هيئة العلماء وخلايا أمنها التي تقف دون نزع أسنان الشر . ضد هذه الصمدية المفرطة التي أباحوا بها لأنفسهم أن يُمسكوا دفة الحكم وهم الذين أتوا بليل وخرقوا الدستور . لم يختارهم أحد . وظفوا هم كل سبل (الاقتلاع من الجذور ) لتدمير الآخرين الذين يختلفون معهم وضد مشروعهم الذي يحكمون به وقد خربوا الأرض والموارد وشردوا البشر وقسّموا البلاد. اقتلعوا شجرات مؤسساتٍ راسخة من جذورها ، بدلاً من تطويرها . جردوا مؤسسات الدولة من الحيادية والنُظم وحولوها مُتعة لأربابهم وأبنائهم وبنات التنظيم وسدنتهم ومورداً لأموال السحت . استباحوا الأرض ووقّعوا المواثيق التي أفضت إلى المؤامرة الكبرى لتقسيم السودان إلى دويلات ، دون وعي منهم بالحروب المفتوحة في أرض الرعاة الذين حملوا عبء اقتصاد الدولة طوال قرنين من الزمان . كانت " الجماعة " أحرص الجميع على تلبية متطلبات الدولة العظمى الأولى في هذا العالم ، بتطبيق أحلام " الفوضى الخلاقة " في أرض الواقع . وقدمت لها خبرات التدمير بلا ثمن ، إلا أن يبقوا مستمتعين بأن يكون الوطن غنيمة وموارد أهله والأرض فيئاً يتوزعونه بينهم.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 . صدق الله العظيم .

6/4/2013
عبدالله الشقليني
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

يا هلا ومرحبا عزيزي الشقليني

وسعيدٌ والله بإطلالتك، توثِّق لهؤلاء ال هؤلاء، ومن "وثائقهم تعرفونهم"


وكما لخّصتَ: ( جردوا مؤسسات الدولة من الحيادية والنُظم وحولوها مُتعة لأربابهم وأبنائهم وبنات التنظيم وسدنتهم ومورداً لأموال السحت . استباحوا الأرض ووقّعوا المواثيق التي أفضت إلى المؤامرة الكبرى لتقسيم السودان إلى دويلات ، دون وعي منهم بالحروب المفتوحة في أرض الرعاة الذين حملوا عبء اقتصاد الدولة طوال قرنين من الزمان . كانت " الجماعة " أحرص الجميع على تلبية متطلبات الدولة العظمى الأولى في هذا العالم ، بتطبيق أحلام " الفوضى الخلاقة " في أرض الواقع . وقدمت لها خبرات التدمير بلا ثمن ، إلا أن يبقوا مستمتعين بأن يكون الوطن غنيمة وموارد أهله والأرض فيئاً يتوزعونه بينهم.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 . صدق الله العظيم . )


فبالفعل، لقد جرّدوا وحوّلوا واستباحوا ووقّعوا بالتآمر و .. و.. ثم كانوا الأحرص على تلبية متطلبات الغادرين ال عارفين بمصالحهم التي تضر "أسياد الرايحة" ..


ما هو العزاء، إذن، في ما جرى ...؟ وبمعنىً أقرب: أين ال هؤلاء؟ بل أين نجوم ال هؤلاء، كأؤلئك الخمسة أو الستة..؟

لقد طوت بيداء "الوهم" مَنْ كانوا يحسبون أنهم الدُّرر! فأضحوا - في بُرهة الذين ظُلِمـــوا - كما البَــعَــر.




....
سؤالي، عزيزي بيكاسو، ألا تستشعر بعضَ مللٍ (كما أستشعِــرْ) من مكوثنا استرداداً وترداداً لِــ فِعال الظَّلَمَة فينا دونما ضييء أُفُق
يُحيل "مكرور" توصيفاتنا الحقيقة للخطل بأنه خطل! إلى أيّ Process يجيء منها ...؟


.....


مع وافر تقديري لحُسنِ تأتِّيك الهُمام










عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


عزيزي محمد أبوجودة
تحية لك

مثلك مللت ، ولكن السبب عدم فرز الإسلاميين من غيرهم : أنصار السنة والمعتدلين والشعبي والمؤتمر الوطني والإخوان المسلمين والأنصار والختمية :
كلهم اصحاب الإسلام الذي يريد جمع السلطة والدنيا .
يجب نزع الجميع من المعارضة ، وبناء معارضة بدونهم جميعاً ، ولو تأخر الزمان .
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

لك التحايا
عزيزي الشــقليني،
كأنما تنظر من وراء بلور شفّاف! ما أسرع ما حان التمايز بين الصفوف! ولو بتوريد الخدود بالكفوف ...! تقول:
مثلك مللت، ولكن السبب عدم فرز الإسلاميين من غيرهم، أنصار السنة والمعتدلين والشعبي والمؤتمر الوطني والإخوان المسلمين والأنصار والختمية؛ كلهم أصحاب الإسلام الذي يريد جمع السلطة والدنيا . يجب نزع الجميع من المعارضة ، وبناء معارضة بدونهم جميعاً ، ولو تأخر الزمان .



وإليك مقالٍ لي في الاسبوع الأول من ديسمبر الماضي لعام 2013 إبّان "هوشة" التغيير.


الحكومة في كَبَد .. ومَخاض التغيير عسير ..!




[align=justify]تظلِّلنا هذه الأيام، إرهاصات التغيير الحكومي. الذي يطرق على الأبواب وبشدّة. فالاتفاق العمومي بضرورة إجراء التغيير، شاع وانماع " في الأربع قِبِلْ أغبر طويل الباع "، منذ انطواء تلك الصفحة الأليمة، من تظاهرات سبتمبر الأخير. احتجاجاً على تطبيق الإجراءات الاقتصادية. التي كانت في مقدّماتها ونتائجها، إجراءات قاسية على أغلب الناس. تمخّضتْ بدورها عن تفاقم أزمة الاقتصاد واقتصاد الأزمة. ثم تمحوَرت إلى أزمة وراء أزمة وبينهما ثالثة واقعة. على ذلك، فقد كانت الخسائر كبيرة في كِلا الجانِبَيْن؛ المحكوم فيهما والحاكم. ففي جانب المحكومين، تمدّد غول الغلاء في الشوارع المزدحمة بالفقر، وقَعَد بالبيوت المُغلَقة إلا على الشظف العفيف. اعتلتْ وجوه الناس القـتـَرات، وتأكّد الشعور العام، وقد تَبدّى بما يشبه ضياع الأحلام، بسوء ما تُنذِر به الأيّامُ القادمة من شرور.


على الجانب الحكومي، فالخسائر لم تنقص كثيراً؛ فقد انحطّتْ قيمة العُملة الوطنية مُقابل العُملات الأجنبية، تعسّر الإنتاج، وكسدتْ الأسواق، واضمحلّ الوجود الحكومي المُنظِّم لشؤون الإدارة وتفعيل طاقات الناس. فوق ذلك، فقد ارتفعتْ حِدّة الضغوط الخارجية على الحكومة، ازداد التكالب القُطبي على السودان بوتائر متسارعة. بجانب ذلك، فقد بدأ انفضاض سامر الحزب الكبير. الماسك بأعنّة الحُكم في استماتة لأكثر من عَقْدَيْن. تزلزل قوامه البنيوي، وأصبح أنصاره يتخارجون تحت دعاوى الإصلاح عبر المُذكِّرات، وأحياناً لدواعي السَّوْح على بيادر مُغايرة؛ ليفقد الحِزب الحاكم أرتالاً من مناصريه. للدرجة التي افتقرتْ فيها الحكومة إلى مَنْ يدعم رأيها الحِزبي، أو يُصدِّق تطميناتها الرسمية؛ ناهيك عن المثول لتوقّعاتِها أو الاستماع لمنطوقاتها المتكاثرة لبالبا. واقع الأمر، فقد انكمشتْ أعداد المُشفِقين على الحكومة، وجفّت أقلام المُناصرين لها؛ وذلك من بعد أن تحوّل أكثرُ تلك المنابر. إلى ترياق مُضاد لديمومة النظام كما هو عليه..! أو حتى بما سيكون عليه الحال في مُقبِل الأيام؛ زُهداً في الارتباط بحكومةٍ عصيّة على التغيير الحقيق. مع أنّ هاتيك المنابر الأعلام، كانت قد انتظمتْ في سِلكِ الحكومة منذ التأسيس، وصالتْ ثمّ جالتْ في فجرِها وضُحاها وعصرها. تزدهي بكونها تحمل شهادة المنشأ الخاصة بالحكومة، وأنها جاءت في ورقها وصناديقها، وقد قيل: دوام الحال من المُحال، يروح حال ويأتي حال.


يحدث كل هذا النزيف، البلاء الابتلاء، والحكومة ما تزال عامرة بالأعداد الكبيرة من الدستوريين، الوزراء ووزراء الدولة، المفوّضين، المديرين العامّين، والآخرين التنفيذيين، رؤساء الهيئات، والقطاعات والجماعات والبيوتات إلخ,,, كما أنها ذات الحكومة، تظلّ معمورة ومغمورة! بالعديدين من وُلاة ومُستشارين للولاة، مُعتَمَدين ومستشاري رئاسة مُعتَمَدين، وزراء ولائيِّين، وهلمّجرّا. وفي واقع الأمر، فهذا الجيش العرمرم، وجُلّه يزعم أنه من أرباب السيف والقلم والقرطاس والفَهَم، لم يزد حال البلد إلاّ خَبالا، ولم تكافئ كَثَرته ما رشّح من إقلال وإملال..! وهنا تظهر الحاجة للتغيير، وبأعجَل ما يتيسّر. بل تُلِحّ الضرورات أن يكون التغيير المُنجَز، وفقاً لشرائطه المعلومات. ومن ضمنها أن يتمّ تغيير النفوس أوّلاً، حتى يتغيّر ما بالقوم من إقلال وإملال.


إجراء التغيير، بلا شكٍّ، مُهِمّة شاقّة. خصوصاً في ظلّ اعتدادٍ بالنفوسِ عظيم. يتقوّل كثيرٌ من أفراده بــــــِـــــ "يا دُنيا ما فيكِ إلاّ أنا ". لا مناص إذن من إعمالٍ لبعض المعايير الترجيحية المُجرّبة، كشعار حكومة 17 نوفمـــــــــــــــــــــبر1958 (احكموا علينا بأعمالنا )؛ ولا يكون الحُكم إلا بالبراهين ووفقاً للأدلّة المادّية، ولله المَثَلُ الأعلى: " قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". التغيير في حدِّ ذاتِه، أمرٌ مطلوب، ولا عَيْب فيه سوى أنه يُبدِل الطّالحين بآخرين صالحين. التغيير مطلوبٌ حتى في حالات الاستمرارية العادية؛ وبطبيعة الحال، فالتغيير يكون أكثر نُشداناً حينما تدلهمّ بالناس الخطوب، وتعمّهم الطوارئ وتعظُم البَلوى. تلك التي لا تُدفَع إلاّ بإنجاز التغيير، نزولاً على حُكم الوقت وسياق الرّاهن. بشرط أن يؤخَذ الناسُ بجرائرهم التي اقترفوها؛ وإلاّ بطُلُتْ آلاء القِصاص.


الشدّة والمشاق(الكَبَد) الذي تُعانيه الحكومة، من الممكن تلمّسه عبر مؤشرات جلية. فبقدرما سعت الحكومة لحلول القضايا الحيوية لمجتمعها، بقدرما اضطرُّت لتوظيف جيشٍ عرمرمٍ من الوزراء والمُستشارين والسفراء والمُديرين، وغيرهم أرتالاً من الموظّفين العامّين، حتى لتكاد خزينة الدولة تعجز عن دفع أجورهم وامتيازاتهم وحوافزهم، أو تقِف عليها فقط..! في نفس الآن، فقد بدا عجزُ الأداء واضحاً على كُلِّ المناحي. إذ ليس هناك من مُنجزات، لهذا الجيش العرمرم من الوزراء التنفيذيين. مع العلم أنّ بعضهم قد ظل قابعاً لفترة طويلة، دون أن يؤثر عن بقائه الطويل نجاح ملحوظ.




راهن اليوم السوداني، في حاجّة ماسّة للتغيير، وإلاّ فالواضح جداً، أنّ القادم سيكون أسوأ. ولعل في البُشريات التي تترى، تنثرها القيادات الحكومية العُليا بأنّ التغيير قاب قوسين أو أدنى، انعاشٌ لحيوات المواطنين. بأنّ الهَمَّ إلى رحيل، والغمُّ إلى انقشاع، القول مسموع والزّعل مرفوع؛ والحرص على التغيير حاسمٌ حازم مُتكامِل. يسعى بين الناسِ إصلاحاً للحال وتجويداً للأعمال؛ ولعل البداية الحقّة لمسيرة التغيير إلى الأفضل، تكونُ بترتيب الأولويات، فيتمّ اشتراع النُّظُم الإدارية الناجعة في طرد الفشل وتعديل التقصيرات في كل الجوانب التشريعية والتنفيذية. لأجل أن يتقوّى الحِراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛ وما إلى ذلك من مطموحات. لا مناص إذن، من الصحو الصّاحي، ومغادرة حالة النوم على القَذى، وقد قال بعضهم: لا تَنَمْ، واغتنم لذّة النومِ ... فإنّ تحت التّرابِ نوماً طويلا .. وقال آخر: (لا تَنَم بينما غيرك يتكلم، ولا تجلس وغيرك واقف، ولا تتكلم في موقف يستدعي الصمت)..

صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]




-------
ما بعد انتخابات أبريل 2010:
طريق التحوّل الديمقراطي مُغلق للصيانة..! **

(إنّ النعمةَ والقدرة إذا عدِمتا عقلاً سائساً وحزماً حارساً ودِيناً متيناً وطريقاً قويماً، أوردتا ولم تُصدِرا وخذلتا ولم تنصُرا، ونعوذ بالله من نعمةٍ تحور بلاء ومرحباً ببلاءٍ يورِثُ يقظة ويكون تمحيصاً لما نقَصَ من التقصير ولكن! مَنْ ذا الذي يشربُ فلا يثمل؟ ومن هذا الذي إذا سكِرَ عَقِل؟ ومَن ذا الذي إذا صحا لايعتقبُ من شرابِه خُماراً يصدِّع الرأس ويمكِّن الوسواس. من كتاب " الإمتاع والمؤانسة " لأبي حيّان التوحيدي).


ها قد انفضّ مولد الانتخابات السودانية العامة عن دُوار سياسي لا يُبشِّر بخيرٍ في تحوّل ديمقراطي موعود بعدما تكشـَّف عن واقعٍ بئيس باكتساح الشريكين الحاكمَين لمقاعد البرلمان كلٌ في ملعبه الخاص! وهذا اكتساحٌ لم يُسعِد متغلِّـباً ولم ينتزع اعترافاً من مغلوب وبالتالي لن يؤدِّي الى تحوّل ديمقراطي منشود. هذه حالٌ لم تورِث اليقظة المطلوبة عند أيِّ من الفِرَق المتنافسة فلم تجد غير أن تتكيء على حائط مبكى المكابرة كلٌ بما لديه محزون! والحال أنّ راهن السودان السياسي المأزوم بسوء الأحوال وتتالي المصائب المنهمر، لايتيح مجالاً لهذه المظاهر الزائفة بالفرح والشماتة عند المتغلِّبين فضلاً عن استنكافه استطالة ليالي العزاء والتجوال الهروبي لدى المغلوبين، والمغلوبون على أمرهم في سودان اليوم كُثر! تزيد أعدادهم ولا ينقصون.
***

لقد أجهد المؤتمر الوطني ،حزب الإنقاذ الحكومي القابض لما يزيد عن عشرين عاماً على مقاليد السلطة والثروة ودعوى قِسمتهما عدلاً بين آل السـودان، نفسـَه واقتصاد الدولة المنهوكة بسلسلة اجراءات تنظيمية وتعبوية في غير طائلٍ لأجل أن يفي بما التزم به كشريك غالب في إقامة انتخابات عامة تكون المعبر الحقيقي للتحول الديمقراطي وفق ما نصّت عليه اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا لعام 2005م ؛ وعلى نفس نهج الالتفاف الذي أدمنه حزب المؤتمر الوطني في إنفاذ مطلوبات الاتفاقية بما يرضي طموحه الفريد في الاستمساك بالسلطة مهما كلّف الأمر! فقد تمّ له ما أراد بعدما حشد للأمر من بين صفوفه الحكومية المتراصّة أفراداً يوصفون بأنهم أصلب العناصر لأصلب المواقف! وتحققّ لهم الفوز الكاسح بجميع الدوائر الانتخابية القومية والولائية في الشمال بما يقترب حثيثاً من مئة بالمئة باستثناء ما تمّ تجميده من دوائر، متوّجين ذلك باكتساح آخر في المناصب التنفيذية لرئاسة الجمهورية وولاة الولايات حيث لم يتركوا للآخرين شيئاً يذكر ولسان حالهم : الآخرون هم الجحيم! كذلك فعلت الحركة الشعبية لتحرير السودان بجنوب السودان حتى دون أن تجهد نفسها بسلسلة اجراءات تنظيمية أو تعبوية بعد أن اكتفت بنفوذ جيشها الشعبي وسماحة شريكها الشمالي الذي لا يجرؤ أن ينهَ عن تزييفٍ ويأتِ مثله! والقرينُ بالمقارن مقتدي. هكذا إذن، تؤتي نيفاشا الثنائية أُكلَها الماسخ ممثلا في شرعية مزيّفة يتقلـّدها الشريكان على حَردٍ ظاهر؛ ويا دارسـودان كم دخلك من شـر. وعلى الرغم من القول السائر بأنّ الهزيمة يتيمة وللنجاح ألف أب، إلا أنّ نجاح الشريكين في اكتساح الانتخابات العامة اكتسى مظاهر اليُتم وارتدى لبوس الهزيمة فانتهبت الظنون آباء نجاحه فتشاحنوا ثم طفِقوا يخصفون بهتافيـّتهم المعهودة عن ضرورة توسيع قاعدة المشاركة كأنما كانت غائبة عنهم! وذلك باستعدادهم لإشراك الأحزاب المُكتَسَحة في الحكومة، وتلك أحزاب قد رفضها الناخب السوداني بزعمهم. وبأنهم وحدويّون وأنّهم قادرون على حماية ثُغرة السودان من كيد الأعداء. من المُلاحظ أنّ الشريكين لم يتبادلا التهاني بالفوز الانتخابي الكبير ولا احتفلا بما احتملا من اكتساحٍ أشبه بالكُساح السياسي. بل سرعان ما انخرطوا في تشاكسهم المقيت؛ فهل من بقيّة في الشريكين تنهض بالأمر من بين رماد التهافت؟ أم أن الوطن موعود بحقبة أخرى من التشاكس السطلوي الذي يفضي الى إهدار طاقات البلد وأهله وقد زادت وتائر التدحرج نحو الهاوية.
***

مغبونٌ في فهمه السياسي ،إذن، مَن يظنّ أنّ حكومة ائتلاف للشريكين في مُقبل دورتهما البرلمانية الآتية بنوّاب الاكتساح المُبير للعملية الانتخابية، أقدرُ من غيرها في تصريف الأمور على الوجه الأمثل؛ أو بأفضل ممـّا كان عليه الحال بالأمس القريب وهم مطعّمين ببعض وجوهٍ معارضة لا تُسمن ولا تغني من جوع، فيما سُمـِّي بحكومة الوحدة الوطنية في الدورة البرلمانية التعيينية المنقضية بمرور خمس سنوات. تلك في جملتها كانت سنيناً عجافاً على البلد وأهله وطموحاتهم في النهوض وانصلاح الحال . كذلك فإن القضايا المصيرية لا تزال عالقة وأشدّ مِراساً وأكثر كَلَفة ممّا كانت عليه فيما مضى.
***

إنّ الإنجازات المزعومة للفترة الانتقالية الأولى لحكومة الوحدة الوطنية لا تسعف بأيّ تفسير إيجابي عمّا أسفرت عنه انتخاباتنا العامة في أبريل 2010م من تكريس لتسلط الشريكين على رقاب الناس، رغم مّا بذل الناس من رضا باتفاقية السلام الشامل لنجاحها في وقف الحرب الأهلية، فضلاً عمّا تمخّض عنها من واقع دستوري أكثر ملائمة لإجراء الحوار الوطني المنتج في مسائل الحقوق والواجبات والحريات العامة، لولا أنه واقعٌ مأزوم بفشل الشريكين المزمن. تجلّد الناس بالصبر المُر على انسداد الأفق السلطوي، كيما ينفتح على رؤية الواقع السوداني الأليم بما يعيشه الوطن من مآسي في دارفور، قبل وبعد مأكمة سوق المواسير! وما يُعانيه المواطن من عنف الدولة "غير المرشّد" في جميع مناحي القطر الشاسع وهيَ سادرة بهتافياتها وشعاراتها التي لاتستصوب النصح وقد تقتُل عليه! بل وفي انصراف التنفيذيين عن أوجب واجباتهم في التعرف ،ومن ثَم التعاطي الجاد، في ما يعتور حيوات الناس من ضنكٍ في العيش وموتٍ لأحلام البسطاء في حياةٍ كريمة واستقرارٍ معقول! وغنيٌّ عن القول أن قُدرة الأداء الحكومي وحُسن التعاطي في ادارة الشأن العام، كانت أوسع فرصاً في المرحلة الانتقالية الأولى بطول سنواتها الخمسـة منها عمـّا تبقّى من وقت قصير من عمر الفترة الانتقالية في ظل ما يجري من مماحكات الشريكين الحاكمَيْن. وإلى حين زلزلة الاستفتاء لشعب جنوب السودان في تقرير مصيره مع وحدة السودان أو انقسامه مستقلا بأرضِه وشعبه بإحسانٍ أو بغيره؛ وبالتالي ما يتبع ذلك من تداعيات ثقيلة الوطأة . بالمنتهى فإنّ المحصّلة النهائية الموضوعية ، وحتى بلسان المتحدّثين باسم كلا الشريكين، تفيد بأنّ اخفاقات حكومة الوحدة الوطنية في فترتها الأولى والطويلة، ترجح بإنجازاتها فمالعمل؟ أم ليس في الجانبَيْن نفرٌ رشيد؟
***

إن الهبّة التنظيمية والتعبوية الكبرى. من جانب حزب المؤتمر الوطني الحاكم لإجراء الانتخابات العامة. قد أخطأت وجهتها منذ أن احتقبت أهدافاً حزبية ضيّقة لا تتطابق والمفهوم الموضوعي لمسألة التحول الديمقراطي، تلك المنصوص عليها في اتفاقية السلام، كما أنه لم تتوثق أيّ بادرة قبول موضوعي من جانب تنفيذيي حزب المؤتمر الوطني، بما ستسفر عنه انتخابات التحول الديمقراطي إن لم تؤمّن على أغلبيتهم النيابية والتنفيذية التي اخترطوها في نيفاشا (52%) بعون الوسطاء الأجانب ثم عضّوا عليها بالنواجذ- كّسّرها القهّار- وهاهم الآن قد أكملوا الناقصة، بل وأغرقوا اليابسة التي كانت تتسع لهم وبقية المشاركين في استدامة صبر الناس، بل حُسن تطلّعهم الى انبلاج عصر التحول الديمقراطي وهيهات.
***

بالنتائج الماثلة للانتخابات العامة، والتي أفرزت واقعاً شمولياً يستبدّ بسلطة اتخاذ الأمر فيه حزبان متشاكسان يتقوقع كل منهما في شِقٍّ من السودان متحيـِّزاً بما في يده، فليس من كبير أملٍ في حُسن تحريك دولاب العمل الوطني بالطريقة المُثلى ؛ وبالتالي، لا أمل في إيجاد موطئ قدم لوحدة جاذبة تقيه شرّ التمزّق. لا توقُّعات عظيمة حول ما يرشح من مساعٍ متعثرة لحل قضية دارفور. كما أنّه لا مجال البتّة لانصلاح حال المواطنين المتأزم. ما استمرّت هذه السلطوية العمية عمّا يُخَيـِّم من بؤس وما يتطاير من وميض حروب قادمات، لا تُبقي ولا تَذر . لاسيما وأن كلاً من الشريكين حريص على المسارعة بالخروج بملفات القضايا السودانية للتدويل المواكب قبل أن تُقتـَل بحثاً بداخل الحوزة الوطنية. المشرئبة الى استقرارٍ موزون ولا تجد سبيلا . لقد استبدّ بأمر الحزبَيْن نفَـرٌ قليل العدد في مركزية طاحنة إن لم نقل أبوية متسلّطة! تقوم بمتون الأمر جميعاً ولا تترك لبقية متحزّبيها وهيئاتهم غير حواشي المجالسة والمواكلة فيما يشبه إيكال الأمر لخبـّازه ولا شبهٌ قريب. و بوصولنا الآن لمرحلة نشر الدعوات التي أطلقها الرسميون لانعقاد الهيئات التشريعية المنتخبة كِفاحاً سواء للمركز أو الولايات، فالناس موعودون بعجائب من الأمور. ستترى عليهم من فوقهم ومن تحتهم ومن بين أيديهم فأين المَفَرْ ؟
***

الأحوال الاستثنائية تستدعي تفكيراً استثنائياً، ومهما يكتنف مثل هذا التفكير الاستثنائي من صعوبات. تتعلق بموضعة مرئياته داخل منظومة دولة كائنة لها دستورها. المبني على اتفاقات وعهود وقواعد تنظيمية محددة، إلاّ أننا قد دخلنا مرحلة هذا التفكير في ما أرى، بمناداة رئيس البلاد المنتخب إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة لا تستثني حتى المقاطعين للانتخابات. عليه فإنْ استجابت المعارضة الى دعوة الشريكين بالانضمام الى ركب الحكومة حصرياً في السلطة التنفيذية اتحادياً، وولائياً في ما تبقى من فترة انتقالية؛ فالأوفق ألا تقوم مثل هذه الشراكة الانتقالية على نهج الترضيات ولا تنهض على أمنيات الحزب الغالب في شراء الوقت ريثما تـتــقشــّع سماواته الملَبـّدة بالغيوم. بل لابد أن تتحدد المهام في حكومة برنامج يكون للمعارضة فيها السهم الأغلب في نسبة المشاركة التنفيذية مجلسياً. بينما يتم الاعتراف للشريكين بمقاعد الرئاسة التنفيذية في المركز الاتحادي والولايات فضلاً عن أغلبيّـتهما في السلطة التشريعية في مختلف مستوياتها الاتحادية والولائية .
***

إن توسيع قاعدة المشاركة السياسية بمختلف ألوان الطيف السياسي السوداني ستثري بلاشك، مرحلة التحوّل الديمقراطي في ما تبقى من فترة انتقالية. تساعد في الآن نفسه على تجاوز حال الاحتقان السياسي. بسببٍ من نتائج الانتخابات العامة وما ارتبط بها من عدم اعتراف. بل وستكون الأقمن بوصف حكومة وحدة وطنية محدّدة المهام، وقابلة للمحاسبة أمام الرأي العام العريض للشعب السوداني الذي سيكون حارساً وشاهداً على اتفاقاتها وبرنامجها. بحسب الموجّهات الهادية بين الشركاء، وعلى نسق قول القائل :

إنّ نصف الناس أعــداءٌ لـِـ ... ــمَنْ وليَ الأحكام! هذا إن عَدَلْ..!

***






-----




** مقال نشرتُه بصحيفة "الأحداث" قبل أن تنتهي سَمبلة! في 13مايو2010 عُقيب خروجي من معمعة الانتخابات كمرشح مُستقِل للبرلمان، سمبلة برضو! .. والمتأمِّل لما يجري هذه الأيام، يرى أنّ الــ"سمبلة" ما زالت تسدّ الآفاق.
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]


سيرة التحول الديمقراطي والمصائب التي لا تأتي فرادى ..! (*)

تمرّ بلادنا بأزمات متطاولة تأخذ في رقابها أزمات متجددة فيندغم حابل المزمن بنابل المتجدد وتضيع أولويات البحث والنظر في حلول لهذه الأزمات ! لاسيما وأنّ الناظر والباحث والمسئول الأول والأخير عن ايجاد الحلول الموضوعية لهذه السلسلة الطويلة من الأزمات المعاصرة ، والتي تكاد أن تفتك بالناس، هو حكومتنا الديمقراطية المنتظرة . وتلك حكومة تركض في رَحِم الغيب حتى بعد الاكتساح المبير للانتخابات العامة! ولكنّ الأزمات لاتنتظر فالمصائب لاتأتي فُرادى!

أكبر مصائبنا في سودان الألفية الثالثة والتي تعترض سُبل الحلول المُعتَبَرة لبقية الأزمات المتراكمة، تتمثل صراحةً ،لكل ذي عينين، في استدامة تنافر الشريكين الحاكمين وتضاد وجهتيهما في الإقبال على أمور الحُكم بالنظر الصواب . بالمقابل فلكل شريك صحيفة اتهامه عن تقصيرات شريكه الآخر، بل كل من الشريكين بصير برؤية القشة في عين شريكه وعاجز ،كل العجز، أن يتلمّس عوجة رقبتو ،ذات نفسه، برؤية العود المتعارض قُبالة عينيه . مع كل هذا التنافر، والذي يورث التباغض، ففي اعتقادي أنّ التشابه بين الشريكين في سلطتيهما الحكوميّتين يخلق من الشبه أربعين ! فقد تنافرت المشارب ، أي نعم! ولكنّ أقدار الفشل السلطوي قد تساوت بقدر الأنصبة المتفق عليها لمزاولة هذا العكّ الذريع ! ولا عزاء للشعب السوداني المكلوم في ساسته وثوّاره أبناء ملوك الزمان ..! بل لا عزاء لتلك المفاوضات المضنية للتوصل لاتفاقية سلام شامل ، كانت ابنة بجدتها أوّل مـا تمّ التوقيع عليها ، فتزاحمت عليها أكفّ التهنئات والتغزلات وتمددت الطموحات وثاّبة لتتعثـر في بدء مشيتها نحو وزاراتٍ لها نصيبٌ في الثروة وأخرى للسلطة فيها صولجان !

تشقّق الروح الداخلي ،إذن، للاتفاقية منذ بدء التطبيق المجانف! لتضحى غاياتها مثار نزاع سلطوي لحوح، ومن نافلة القول ، أنّ أولى مناقب نيفاشا والتي تمثلت في إيقافها أطول الحروب الأهلية في أفريقيا، قد تبددت سراعاً بسببٍ من اندلاع حرب دارفور ولماّ تلتئم جراحات حرب الجنوب بعد! ومما زاد طين السودان الدمويّ بِلّة، أن حكومة الوحدة الوطنية للفترة الانتقالية الأولى قد فشلتْ فشلاً ذريعاً في استنطاق آليّات نيفاشا لتوطين السلام بما جوبهت به في دارفور ! وأنّى لها ذلك وهيَ حكومة متشاكسة تتجادل في تعريف المعرّف بالضرورة؟ وتتخالف ،قصداً، رؤى نافذيها حول الحلول المرجوّة .

لانقدح ،بالطبع، في أهمية وضرورة اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا 2005 ونؤمّن تماماً على وصف الزعيم الراحل الدكتور جون قرنق دي مابيور، بأنّها مولد للجمهورية السودانية الثانية؛ كذلك قد وصفها الرئيس البشير بأنها استقلال ثانٍ للسـودان، فضلاً عن كثير من التوصيف الإيجابي من أهل الجلد والرأس في كبش الاتفاقية وكذلك المتأملين خيراً فيها من قطاعات الشعب السوداني . بطبيعة الحال، فتلك أوصاف على جانب كبير من الاستحقاق لولا أنّ شيطان التفاصيل قد حلّ مع اجتراح تنفيذ الاتفاقية ليصبح أكبر الناقمين على سيرورة تنفيذها هما أهل الجلد والرأس " الشريكين المتعاقدَين المُنَـفِّذَيْن " وتلك الداهية الدهياء! والتي راكمت الخطايا ليأخذ بعضها برقاب بعض ليدخل السودان في نفقٍ مظلم جديد .

لقد أصبحت الوحدة الجاذبة في خبر كان ! منصوبة على حرّ الانتظار ليوم حاقّة الاستفتاء، وربما قبله ! كذلك تتصاعد التوترات العنيفة في دارفور بعد أن أوشك أمرها على انتهاءٍ ظلّ يتراءى ولا يظهر، بل يقوم ليتعثّر ! إلى ذلك فإنّ قضايا المناطق الثلاث في أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان ببروتوكولاتها ومشورتها الشعبية ، لاتهدأ ثائراتها إلا كهدوء سابق للعواصف ! فتتزاحم المناورات والتسكينات . بين كل هذه الخُلل من الرماد السلطوي الوغواغ، فإن حال الإدارة العامة في القطر بأجمعه مُثير للرثاءِ إن لم يكن الغثيان ! فشؤون الموارد الاقتصادية متروكة للزمن يفعل فيها فعله وحفنة من المتشاطرين الذين يطلّون كل يومٍ بتطمينٍ انتاجيٍّ كذوب ! لاتسنده الوقائع المُرّة؛ فها هو ذا مشروع الجزيرة يشكو الفشل الإداري ويلوك تصبّرات العدم، مثله مثل كل المشاريع الزراعية العتيقة في سوداننا الموكوء بالخطط المُلتبسة والتمويلات المتعسِّرة بالإضافة للتنفيذ المفارق للخطط ،وبالتالي، الإهدار المزمن للفرص والطاقات .

إنّ النتائج السلبية الماثلة في سودان اليوم يتحمّل وزرها حكاّمه الحاليين في حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، أؤلئك الذين شنّفوا آذان الناس بتنظيراتهم الكثيرة وإطلالاتهم الكثيفة من على ذُرى المنابر العامّة ، يتحدّثون كثيراً ولا يقولون شيئاً ولكنهم، من بعد، فقد أشــقوا أنفسهم قبل الناس بهذا الحصاد الهشيم تذروه الرياح ! إن لم تتيسّر الأمور لتحوّلٍ ديمقراطي حقيقي.

إن كان من وقفة مع النفس، فلابد من جردة لحساب حكومة الوحدة الوطنية التي انقضتْ بقليل خيرها وكثير شرورها التي تتبتّق حالياً ! كما أنه لابد من التسليم بأن منهج الحُكم الذي كان، لايمكن أن يعوّل عليه في ما تبقّى من فترة انتقالية تترصدها كثير من المفاصلات المؤدية الى انمحاق دولة السودان إن لم تتغير طرائق الحُكم؛ وباعتقادي، لابد من التواضع الجمعي أوّلاً بأنّ ما نحن بصدده الآن ليسه التحول الديمقراطي المقصود! طالما أنه تحوّل يهبّ حصرياً على نفس الاشرعة الممزّعة في ابحارها الأول.








-----
مقال نشرتُه بصحيفة "الأحداث" في الاسبوع التالت من مايو 2010م ..
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]



حكومة ديمقراطية بلا معارَضة برلمانية فاعلة..! (*)



لئن صدقت الأخبار الواردة هذا الاسبوع بأنّ تشكيل الحكومة الجديدة سيتم الإعلان عنه بنهاية الشهر الجاري، فإنّ البلاد موعودة خلال ثلاثة أيام بحكومةٍ ستكون الأولى من نوعها في السودان ؛ وذلك بما تتميّز به من غلبة تشريعية كاسحة بلا مُعارضة برلمانية تذكَر! وهذا ضد طبائع الأشياء في بلدٍ يتلمّس طريقه نحو التحول الديمقراطي الحقيقي وليس المزيف، كآلية ناجزة في التداول السّلمي للسلطة بين قواه السياسية، بل وقناعة متفق عليها ، بوجه العموم، حسبما ورد في اتفاقية السلام الشامل يناير 2005 وما تضمنته من كرائم الأهداف والوسائل بضرورة التقاسم العادل للسلطة والثروة بين أقوام السودان في تنوّعه الفريد ، وتحقيق التحول الديمقراطي والمصالحة الوطنية والحكم اللامركزي ومنح الفرصة السياسية لأهل جنوب السودان لتقرير مصيرهم في وحدة طوعية أو انفصال ميسور التداعيات ! كل ذلك تلافياً لعودة الصراعات الداخلية التي كلفت البلاد غالياً بما أزهقت من أرواح عزيزة وما بددت من موارد غزيرة .
***

إنّ القوى السياسية السودانية وبحسب مرحلة التطور السياسي التي تمرّ بها البلاد حالياً، تتعدد رؤاها وتشكيلاتها وطبيعة أنساقها طبقاً لخاصية التنوع الإثني في السودان ، وذلك فضلاً عن انقساماتها وتعاركها أكثر الأحيان في غير معترك، اللهمّ إلا مُعتَرك السُلطة من أجل الخروج من خانة المعارضة والتمتّع بمزايا الخصم والحكَم! كأنما الجميع يضع نصب عينيه المثل الشعبي : مَنْ بيده القلم لايكتب نفسه شقياً ؛ وبالأحرى : مَن بيده السلاح فإنه لن يتورّع من أن يخترط انجازاته عبر فوهة البندقية كيفما اتفق . على المؤتمر الوطني ،إذن، كحزبٍ مكتسح لمنافسيه السياسيين في الانتخابات الأخيرة فيما هو أشبه بانقلابه العسكري نهايات الثمانينات في القرن الماضي! أن يعي تماماً ما استفرد به من مسؤوليات جسيمة تتعمّق وتتضاعف كل صبح جديد . وتلك قضايا مصيرية تنتظر حلولاً نهائية ولن ينفع فيها بلاؤه السياسي ،مشهود الإخفاق، في حكومته الانتقالية الأولى للوحدة الوطنية والمنتهية بعد مضي خمس سنوات دون التوصل لحلول موضوعية لأمهات القضايا كأزمة دارفور، أو تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، أو الضائقة الاقتصادية والتي تأخذ بتلابيب أغلبية المواطنين . بمعنىً جلي، فقد تشعبت الأزمات وتضخّمت لتصبح ذات ارتباط اقليمي متقلّب وبُعدٍ تدويلي يحصي الخطوات ويعدُّ الأنفاس ليقرِّر ما يقرره .
***

إنّ أظهر ما يستبين لنا من خلال تجربة حكومة الوحدة الوطنية الأولى المنتهية فترتها هذا الشهر، هو اختلاف معايير التقييم حول انجازاتها واخفاقاتها بين الفرقاء السـودانيين، وبالتالي تتخالف معايير التقويم والإصلاح! فعين الرضا بالمؤتمر الوطني كليلة عن كل عيوبه الظاهرة ، وعينُ منافسيه الساخطين لا تخفى عليها أصغر مساوئ حكومة المؤتمر الوطني في جُل ما فعلتْ وما زالت تفعل! وحسبُك من تخالُف في التقييم ، نتائج الانتخابات الأخيرة والتي لم تخرج من عباءة الشريكين الوسيعة التنفّذ! فهيَ لدى الرأي المعارض في أغلبه، مفارقة للمعايير المحلية والدولية وموثقة التزوير! بينما يتضاد تقييم هذه النتائج لدى الطرف الآخر والذي يرى فيها اكتساح مستحَق! فهاهو حزب المؤتمر الحكومي يفخر، من خلال بعض منسوبيه، بهذا الانتصار الكاسح لنتائج الانتخابات العامة مفسِّرين ذلك بفناء الأحزاب وانتهاء عهدها ، ملوّحين بتسطير انجازاتهم في لوح التاريخ السوداني بما حققوا من نجاحٍ لا يفسد بهجتهم به إلاّ إنكارٌ موثّق من جانب القوى السياسية المعارِضة ممثلاً في تقييمها السالب لتلك النجاحات المزعومة للشريك المتغلب، وبأنها لا تعدو عن كونها موبقات مُهلِكة تستدعي المثول أمام محكمة الشعب لتحكم بفضيلة الرجوع الى الحق لجبر ما أحدثته من مخاطر سياسية بالغة التعقيد .
***

على الرغم مما ورد بأعلاه من سلبيات تعترض سُبل الاستقرار والتنمية ، إلا أنّه في خروج الانتخابات من نفق العنف المتوقع ، وكذلك تسارع خُطى الشريكين نحو تشكيل حكومة الفترة الانتقالية الأخيرة على ضوء برنامج يستصحب تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وإجراء تقرير مصير الجنوب في ميعاده المنصوب ؛ فإنه من المؤمل ان تستقيم خُطى الحكومة الانتقالية الجديدة إنْ توفّرت لها الإرادة السياسية الدافعة لإيجاد حلول للأزمات المتطاولة ؛ وتلك أزماتٌ إن بدت في يومٍ مَـا بأنها أكبر من طاقات الشريكين الحاكمَيْن ،على الرغم من مرحلة التسوية السياسية الجارية، فإنها لم تكُن كذلك عند التوقيع على اتفاقية نيفاشا والتي سدّت كثيراً من أبواب الشرور التي ألهبتْ الحروب بين بني الوطن الواحد كنتاج طبيعي لعدم الاستقرار وفقر التنمية منذ الاستقلال المجيد عام 1956. إلى ذلك، فإنّ في نزوع القوى السياسية المعارِضة ،في أغلبها، الى الزهد في مشاركة حكومية لن تكسبها جديداً ولا تتيح لها الفرص في الإسهام ايجاباً في حل قضايا البلاد الشائكة؛ ملمحٌ إيجابيٌّ آخر ربما زاد من فرص استقامة الخطى الحكومية في التعاطي الإيجابي للقضايا الشائكة وترتيب أولوياتها في هذا الشأن.

***
فيما يبدو للعيان، أن أحزاب المعارضة ، في أغلبها، ربما التزمت بإباءٍ وتعفّف عن المشاركة في السلطة التنفيذية بعد أن قاطع الانتخابات مَن قاطع منها، وشارك في الانتخابات العامة مَن شارك دون تحقيق ما ابتغى ! لا سيما وأن بعض منسوبي الحزب الحاكم قد بدّروا بأن الحكومة الجديدة لن تكون حكومة محاصصة، بقدرما هي حكومة لبرنامج الرئيس المنتخب ، وهو برنامج حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي لايقبل القِسمة على أكثر من واحد . إذن فقد تبددت الدعوة لتشكيل حكومة وسيعة القاعدة التشاركية شذر مذر! وبطبيعة الحال، فلن تعدم المعارضة السُبل لممارسة انشطتها السياسية، بقدر ما تتوفّر عليه من مهارة، لأجل تغيير الواقع الى الأحسن حتى دون أن يكون لها نواباً في البرلمان . كذلك فإنّ المعارضة السياسية التي سلّمتْ بحكومة الأمر الواقع بالأمس وسعتْ بشتى السّبُل أن تُدلي بدلوها في ترقية أحوال البلاد، لن يصعب عليها اليوم أن تلتزم جانب العزلة السياسية المؤقتة عن البرلمان الجديد! بعد أن فُرضت عليها من جانب القابضين على أمر السلطة . والمعارضة، في هذه الحال، ربما راهنتْ بقدرتها على فرض الرؤية الصحيحة " من منازلها!" على أهل السُلطة دون أن تضطر لمنح صك مبدئي بالقبول بأيِّ نوعٍ من التعاطي السياسي الشبيه بما مضى .
***
تفعل الحكومة المتوقع إعلانها خيراً بالناس إن التزمت جادّة الحق في تنفيذ البنود الكلية لاتفاقية السلام الشامل ، وأوّلها الالتزام التام بموجّهات الدستور الانتقالي لعام2005 واجتراح نوع من المؤسّسية المؤدية لتفعيل السُلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية لأقصى ما تستطيعه طاقاتها ،فما عاد الحال يحتمل، ولن تسلم الجرّة في كلّ مَرّة ! كذلك، على الحكومة الجديدة أن تجنّب الناس اعادة تجريب المُجرَّبين من كوادرها الذين ما أفلحوا قط! إلا في استدامة الفشل فيما يتعاورون من مهامٍ أكبر من طاقاتهم وأكثر سعة من اوفضة تجاريبهم الخاثرة ، تلك التي زهّدت الناس من أيِّ انصلاح قد يأتي قريباً .. وكل حكومة منتخبة والسودان بخير .







---------
(*) مقال قديم! نشرتُه في "الأحداث" في الاسبوع الأول من يونيو2010م ..
أضف رد جديد