جيوبوليتيك الجسد العربسلامي في السودان

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

سلام الهاشمي وطول بالك
وايه رايك فى هذا التعليق تجده بين تعليقات المعلقين تحت المقال

د.محمّد جلال أحمد هاشم
فى نظري ان من حسن حظك تم نشر هذا الموضوع هنا ليلقى هذا السيل من الاعتراضات والشتائم..
تضمن الهامش انتقادات كثيرة تحمل قدرا عاليا من الوجاهة.
وارى ان من مصلحة اسمك ان تراجع مكتوبك كله.
فاسمك من ذهب, كنت موضوعيا مرجعا فيما يتعلق بقضية السدود مثلا
هنا لم تكن علميا فى عديد من النقاط, اتى بها النقاد ادناه. والخص:

-فى نظرى انا, دخلت انت للموضوع بمبدا التشنيع بالممارسة. وهذا يناقض المنهج العلمي فى اساسه, فهو منهج لا يقبل الابتداء بمسلمات, وانت ادرى بهذا منى.
كباحث مؤهل ومؤهل جدا فى نظرى, لك ان تتقصى تاريخ الممارسة وانتشارها دون ان تنحى منحى يوظفها للتشويه. لا تشويه الممارسة ولا تشويه الممارسين.
-نسبة السلوك لعرب الاسلاميين بعد دخولهم السودان تحتاج المزيد المزيد من البراهين. او ان تحذف.
وهناك المزيد فهامش المقال جدير بالاعتبار.

وطبعا هناك من التعليقات السمج الضحل والغبي.
ان الاداة التى تخارجك من هذا المقال الذى يبدو كورطة هي الالتزام بالمنهج العلمى فى صياغة كل جملة فيه.
وانت تملك تلكم الاداة عن جدارة واقتدار.

نهاية التعليق
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الأولويات

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الفاضل الهاشمي كتب:
لم اكن انوي الخوض فى ذلك حين بذلت مقاله ، أصلو جُراب الاولويات ما فاضي بل مسروف ومُدفّق .





سلام يا الفاضل الفاضل
أنا مقدّر الأولويات و شايفها من واقع كون جراب أولوياتي نفسه قضيتو بايظة ، لكني محتار في الضرورة التي جعلت محمد جلال يسارع بنشر هذا النص العامر بالمآخذ الأكاديمية و السياسية و الأخلاقية من كتاب لم ينشر بعد؟هل هي أولوية سياسية هي التي ألهمت محمد جلال إهمال الأولويات الأكاديمية؟ مندري؟ على كل محمد جلال عضو في منبرنا دا و لو شاء أن يشرح لنا خوافي هذا الأمر فمرحبا به.
سلام للفاضل البشير و شكرا على المناولة الحصيفة
صافيناز حاج الطاهر
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة أغسطس 24, 2012 2:46 am

مشاركة بواسطة صافيناز حاج الطاهر »

Salam Ya Hashimi!

You said:
وكنت اطمح سماع وجهة نظرك ووجهة نظر الصديقة صافي (كونى لمست حساسية ونباهة حول حقوق تلك الشرائح فى الاقتباس أعلاه) حول علاقة (او لاعلاقة) كتابته بأطروحات جيوبولتكس الجسد هنا فى الخيط

Thanks for commending my sensitivity towards the same sex cause! Sensitivity is required if one is to deal with issues concerning the life of other fellow human beings. This is required across all issues and causes, including, but not limited to, the same sex cause. On that note of sensitivity, here is my one, and not two, cent on Mohamed Jalal’s article

All through his article, the writer kept using pedophilia and same sex practices interchangeably as if they are one and the same thing. His main subtitle is التحرّش الجنسي بالأطفال وظاهرة المثليّة الذّكوريّة and at no point in the article did he made the effort to differentiate between pedophilia and same sex, which make one conclude that each and every GAY man is by definition a pedophile.

This is not just insensitive but it is rather dangerous and WRONG.

A sea of difference exists between pedophilic and same sex practices-while pedophilia is a criminal act same sex practice isn’t and it SHOULD NOT be treated the same. I know things are different in Sudan but again such generalization is by far NOT RIGHT

safinaz
صافيناز حاج الطاهر
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة أغسطس 24, 2012 2:46 am

مشاركة بواسطة صافيناز حاج الطاهر »

Salam Ya Hashimi!

You said:
وكنت اطمح سماع وجهة نظرك ووجهة نظر الصديقة صافي (كونى لمست حساسية ونباهة حول حقوق تلك الشرائح فى الاقتباس أعلاه) حول علاقة (او لاعلاقة) كتابته بأطروحات جيوبولتكس الجسد هنا فى الخيط

Thanks for commending my sensitivity towards the same sex cause! Sensitivity is required if one is to deal with issues concerning the life of other fellow human beings. This is required across all issues and causes, including, but not limited to, the same sex cause. On that note of sensitivity, here is my one, and not two, cent on Mohamed Jalal’s article

All through his article, the writer kept using pedophilia and same sex practices interchangeably as if they are one and the same thing. His main subtitle is التحرّش الجنسي بالأطفال وظاهرة المثليّة الذّكوريّة and at no point in the article did he made the effort to differentiate between pedophilia and same sex, which make one conclude that each and every GAY man is by definition a pedophile.

This is not just insensitive but it is rather dangerous and WRONG.

A sea of difference exists between pedophilic and same sex practices-while pedophilia is a criminal act same sex practice isn’t and it SHOULD NOT be treated the same. I know things are different in Sudan but again such generalization is by far NOT RIGHT

safinaz
صافيناز حاج الطاهر
مشاركات: 29
اشترك في: الجمعة أغسطس 24, 2012 2:46 am

مشاركة بواسطة صافيناز حاج الطاهر »

Apologies for the confusion! Please disregard the two other responses because the one here below is the only right one (I don’t know how to delete the other two)

Salam Ya Hashimi!
You said:
وكنت اطمح سماع وجهة نظرك ووجهة نظر الصديقة صافي (كونى لمست حساسية ونباهة حول حقوق تلك الشرائح فى الاقتباس أعلاه) حول علاقة (او لاعلاقة) كتابته بأطروحات جيوبولتكس الجسد هنا فى الخيط
Thanks for commending my sensitivity towards the same sex cause! Sensitivity is required if one is to deal with issues concerning the life of other fellow human beings. This is required across all issues and causes, including, but not limited to, the same sex cause. On that note of sensitivity, here is my one, and not two, cent on Mohamed Jalal’s article
All through his article, the writer kept using pedophilia and same sex practices interchangeably as if they are one and the same thing. His main subtitle is
التحرّش الجنسي بالأطفال وظاهرة المثليّة الذّكوريّة
and at no point in the article did he made the effort to differentiate between pedophilia and same sex, which make one conclude that each and every GAY man is by definition a pedophile.
This is not just insensitive but it is rather dangerous and WRONG.
A sea of difference exists between pedophilic and same sex practices-while pedophilia is a criminal act same sex practice isn’t and it SHOULD NOT be treated the same. I know things are different in Sudan but again such generalization is by far NOT RIGHT
safinaz
إيمان أحمد
مشاركات: 774
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:27 pm

مشاركة بواسطة إيمان أحمد »

سلام يا حسن وصافي

أعتذر يا صافيناز لو حسيتي بأني حملت كلامك ما لم تقصديه. وأشكرك على التوضيح بخصوص شعور البعض تجاه عبارات هيتيرو وهومو سيكشوال. يعني الفتوى مرقت في ديل، وبالتأكيد عليّ الإنتباه.

لقد افتتحت حديثي بعبارة: "في حين لا تفوت علينا الصيغة الدرامية الأخدتها في التعبير عن المشهد"، وذلك للتأكيد على فهمي للتعبير الوارد في الرسالة كتركيز درامي، لكني شعرت بأن ذلك لا يعفينا من أن نساءل روحنا (كان أنا في هيتيرو سيكشوال كان انتي في حديثك الذي تفضلتِ بإخطارنا بأنك كاتبته، ولم يكن لي علم قبل ذلك بالتأكيد).

في الجزء اللاحق، أنا قلت: "أحيانا بستخدم gay or lesbian لأنه لحد يوم الليلة مافي زول طلع فيهم فتوى بتاعت تحريم يازول. وكان طلعت انا لسه ماسمعت بيها، وطبعا ده ماعذر لي."

أي، حديثي عن الفتوى راجع لعبارات (قيي ولسبيان) التي حسب فهمي المحدود لم يتم إدراجها تحت طائلة العبارات أو التوصيفات الغير مقبولة، دائما تستخدم اختصارات LGBT للدلالة علي GAY, LESBIAN, BI-SEXUAL AND TRANS-GENDER - ولا أدعي التبحر في القضية. وقد تفضلتِ يا صافي بتأكيد استساغة العبارتين (قيي ولسبيان) واستعمالها المنتشر. بالجد بشعر بأنها عبارات تعكس هوية ويستخدمها الأشخاص لتوصيف نفسهم، يعني مافيها مشكلة. بس ده كله يمكن يكون لحد ما يجي زول ويقول رأي مختلف وتبدأ دائرة تفحيص وتمحيص لعبارات مقبولة اليوم ربما تصبح غير مقبولة غداً.

بعدين أنا الPride Parade ما بفوته كل سنة في تورنتو، وبمشي بحتفل مع الناس واستمتع بالألوان الزاهية والكرنفال (شعار المهرجان بيكون ألوان طيف للدلالة علي التنوع). إذن من واجبي أرفع من حساسيتي تجاه ما يليق وما لا يليق.

Indeed I agree with you that sensitivity is required in dealing with issues relating to ourselves and to fellow human beings on equal footing, and would like to add that

we keep educating ourselves every day

مع تحياتي الخالصة، وسعادتي يا صافي باستقطاعك بعض الوقت لرمي بعض الإضاءات في المنبر.


شكرا يا هاشمي على وضع الرابط لموضوع محمد جلال هاشم، ويا حسن وصافيناز والفاضل البشير على التعليقات حول الموضوع. بقرا واجيكم صادة كان الوقت اتلقى.

إيمان

صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

كتبت كلام كتير لكن راح ساى ..فى انقطاع مفاجئ للنت لم اقوم معه باجراء الحفظ المُسبق للكتابة


عموماً..شايف الناس كلها واقفة فى جهة الحقوق بأعتبارها طبيعية ومسلم بها...من غير سؤال عن (الجذور الليبرالية التى شكلت نظام هذه الحقوق)..نحن نبدأ من منصة الحق وكانه أمر بديهى مسلم به ولانعر انتباهاً للسياق الذى تشكل فيه هذا الحق..
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

[[align=left]font=Times New Roman]
Thanks Safi for your critical eye

Good for you.

What you wrote is what I aimed for

Now Mohamed Jalal has a couple of critical argumentations to entertain


I hope he will show up here,as Hassan said, to rest his case
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

جسد الغناء الميل..والسبب عمة حمراء

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

جسد الغناء الميل..والسبب عمة حمراء

صورة
الفنان الشاب معتز صباحي

الدنيا قايمة وما قاعدة، في الفيس بوك ،التويتر وكل مواقع التواصل الإجتماعي و الديسكشن بوردس. المنتشرة في سماوات السايبر الألكترونية. تلوك في سيرة الفنان السوداني الشاب ( معتز صباحي ) من خلال مشاركته بالغناء في البرنامج الموسيقي الغنائي الشهير (أغاني وأغاني) من تقديم الإعلامي المخضرم السر قدور وأخراج مجدي عوض صديق. يتم فيه تقديم عرض غنائي إستعادي للأغاني السودانية المسجلة في الإذاعة والتلفزيون والمحفوطة في الذاكرة السماعية، يؤديها عدد من المواهب الغنائية الشابة من البنات والبنين، مصاحب بمعلومات موجزة عن ظروف تخلق تلك الأغاني وأيراد نبذة تأريخية لمبدعيها من الشعراء والملحنين والمغنين. ويحظي البرنامج بدرجات مشاهدة عالية لدى اوساط السودانيين في شهر رمضان وبعده .

الدنيا قايمة وما قاعدة ليه بقى؟ قال شنو؟ ما عاجباهم طريقة لبس الفنان معتز صباحي وزينته اوالطريقة التي ظهر بها في شاشات التلفاز عبر (قناة النيل الأزرق) الفضائية، التي بدأ فيها متزيئاً بعمائم ذات طابع خاص تعلو رأسه او بناطلين ملونة بالوان زاهية، تارة حمراء وأخري زرقاء ثم خضراء وهكذا. فصب بعض المشاهدين جام غضبهم فبلغوا من الإستفزاز مبلغاً،كيف لهذا الفتى أن يتجاوز الخطوط الحمراء وكسر حواجز المألوف في اللباس " الإعتيادي" البيرضي الحميع!! ويغير بإختيار آخر يناسبه، لكنه للأسف لا يليق بذوق حضراتهم وذواتهم المحترمة المحافظة. وشيئاً فشيئا تحول الأمر الي حملة في كافة الاسافير تترقب البرنامج الشهير وتنتظر بغيظ شديد ما سيرتديه المغني الشاب من أزياء في الحلقة وبعدها ينصرفون الي المواقع اياها وهاك ياشتم وأساءة وتبخيس في حق شخص الفنان الشاب. طال حتى موهبتة الغنائية التي لا تخفى على أحد ولا تخطئها أذآن الذائقة من جميع الأجيال,مستخدمين في تلك الحملة كل اسلحة الجهل والإنطباعية المدمرة وثقافة الونسات وثرثرات السايبرالعابرة للقارات وبالتأكيد قلة الموهبة والحسد الخفي ضد الموهوبين الحقيقن من قبل عديمي المواهب . في نفس الوقت لا تخفي هذه الحملة إهتماماً ولو بدأ سلبياً بالصوت الظاهرة والموهبة الفذة لديه وعدم أمكانية تجاوزها ولكنهم يريدون بفرض سلطة التكرار والضرب المتواصل مع شئ من التحيز العصبي تبع مشجعي كرة القدم السير في إتجاه محاولة تفضيل غير متكافئة بين المشاركين والمشاركات في برنامج أغاني وأغاني. فبدلاً من أن يكون التنافس في معترك الغناء داخل البرنامج والحشاش يملاء شبكتو؟ يقوموا يدوها دفرة غير أخلاقية لتزكية او تفضيل مشارك على مشارك آخر وفق ذهنية مشجعي كرة القدم برضو.والغريبة كمان اللغة المستخدمة في هذه الحرب وما بها من ركاكة وبذاءة وأوصاف اقل ما توصف به ،بالمقرفة.بس نفسي أعرف الأجندة الخفية وراء كل هذا الهراء؟ وما أنسى كمان بين المشاركين في هذه الحملة الشعواء بلغتها المبتذلة أسماء كبيرة من الفنانين التشكيليين والمسرحيين بل حتى الموسيقيين!!!.

وليد يوسف
السايقه واصله
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

تحية يا وليد. سعدت بإهتمامك ومتابعتك لهذا الأمر، لأنك من أهلها وأدرى بالشعاب وبرضو الصعاب.!

لست من متابعى الفيس بوك ، ولم تتح لى فرصة الإطلاع على الآراء الأخرى التى أشرت إليها ، ولم أشاهد البرنامج.
ولكنى شاهدت و إستمعت من قبل لهذا الشاب.

توقفت فى محطة " التروِى " والمهلة قبل أن أكون رأيا ليس من أدواته غير حاسة
التذوق العفوية.!

وأنا فى تلك المحطة أتاحت لي الصدف الإستماع للفنان محمود عبدالعزيز
يجيب على سؤال وجه إليه عن أي الفنانين الشباب يجد منه التقدير؟ فأجاب :
" معتصم صباحى " وأشاد به. توقفت عند ذلك الرأي و فى تلك المحطة.


وها أنا الآن أقف فى محطة وليد. فهلا سهلت علينا السفر بتكملة جميلك ببذل بعض من
تلك " اللنكات " التى تعرضت للموضوع. وأخيرا بذل رأيك فى مسألة غنائه وأدائه وفنه.


** بالمناسبة، أو " كسْرة " !
بعد يوم من بوستك عن الراحل محمود عبدالعزيز، كانت جمعيتنا الثقافية قد عقدت
جلسة صغيرة للتفاكر حول محمود. كتبت بعدها مادة كنت أنوى المشاركة بها فى بوستك.
فقدت تلك المادة ولكنى واثق من وجودها فى أحد الملفات. قد أجدها، وربما يكون الزمن قد فات على أمر ذاك البوست.
زيد فى تنويرك وبلا زعل, الدرب طويل.
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

ومعذرة يا وليد والمشاركات والمشاركين إذا كانت مداخلتى قد خرجت عن مدار البوست.

بعد إعادة قراءة مداخلتك يا وليد لاحظت التركيز على مسألة الزي وربما الجسد مما هو
اقرب لموضوع البوست. وأيضا بعد مراجعة سريعة " بإنزلاق العين " للبوست نفسه.

فى حين أنى إنشغلت أكثر بطلب منك وأسئلة قد يصلح لها بوست منفصل. حتى لو كان
إمتدادا لبوست " محمود عبد العزيز ".

عليه سأقوم بسحب المداخلة ولا عليك بالتعقيب هنا. على أمل المنفعة برأيك وآخرين
فى سانحة أخرى.
صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

احمد سيد احمد مداخلتك منسجمة كامل الإنسجام مع الموضوع الاساسي لخيط بوليتيك الجسد، حيث أن الصوت جزء لا يتجزاء من الجسد بدليل أنهم يقولون أن" صوت المراة" عورة كما عورة الجسد؟ واهو الكلام جاب الكلام في سيرة زي المغني من أهل التصاويت على قول مفترع الخيط حسن موسى.وفي رأي الخاص ما تقوم بسحب مداخلتك ولا حاجة، صحيح ممكن تناول بقية التفاصيل الموسيقية في خيط منفصل لكن هذا لا يعني أن مداخلتك لا علاقة لها بجوهر الموضوع.

وليد
السايقه واصله
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و ماذا نصنع بالمثلية الإفريقية؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »

الأعزاء الوليد و أحمد.
سلام و كلام كتير مؤجل في موضوع الصوت الذي يخرج من جسد المغني. لكني هنا بصدد تمومة الكلام في موضوع مكتوب محمد جلال عن أصول الظاهرة المثلية في المجتمع السوداني. و في نهاية التحليل فالنفوس كان إتطايبت فالبوست يشيل مية موضوع.










محمد جلال هاشم
يا أخانا الذي في التحليل الثقافي
سلام جاك و كدا[ و في اسم الإشارة " كدا" تنويه بغيبتك التي طالت و..كدا].المهم يا زول ، في انتظار عودتك نواصل ونستنا و نحفظ لك هامشا من حسن الظن العريض الذي يليق بمقامك.و في " مقامك " إقرأ كل فيوض الإعزاز التي نكنّها و يكنّها معنا ذلك النفر المترامي الأطراف في فضاء العمل العام كونك، أولا، من المساهمين الأصلاء في منازعة الهوية بكافة امتداداتها الرمزية و الجمالية و السياسية و العرقية و الطبقية، و كونك ، ثانيا، جُدت بجلدك [ و الجود قطعا في الجلود ] في عماية المعتقل الإنقاذي، و أنت تنافح عن الديموقراطية و التعددية، و هذه من المكارم التي يحفظها التاريخ. لكني أحفظ لك فضيلة الرجوع إلى الحق التي تصون عليها فطنة المُحاِور المتحرّك في فضاء المصارعة بمرونة "الجودوكا" و هذه من المكائد الناجعة في تجميل الخصومات.
أقول قولي هذا عن تجربة أولى قبل سنوات ، حينما بدأت مساهماتك في منبرنا هذا و حضر سؤال هويات المساهمين، و أظننا اعترضنا على مطالبتك لنا بأن تكتب باسم حركي ، فجاء في معرض احتجاجك كلام استغربته أنا و علّقت عليه بقولي:
10sep.2006
إمجي إتش
يا أخانا الذي في الأسافير
سلام جاك
إستغربت و أنا أقرأ في مداخلتك:
"بعض المنابر التي تعج بالمقنّعين ممن يختبئون كالنساء خلف البراقع"
ياخي إنت قريت كلامك دا قبل ما تنزّله؟
مجرد سؤال.
.."

و جاء استدراكك و أسفك الصادق على زلة القلم [ زلة الكيبورد]
10sep.2006
"..

نعم قرأتُه ولكن تمعّنتُه بعد أن نزل - ويا للأسف!

الصّياغة غير موفّقة بالمرّة!

لكن ما قصدتُه الإشارة إلى الثّقافة الذّكوريّة التي تنظر إلى جسد المرأة وجهها كعورة واجبة الإخفاء خلف البراقع؛ وهي ثقافة ذكوريّة دلّت مراقبتي لكتابات الذين يتخفّون خلف براقع الألقاب لينتاشوا النّاس أنّهم غالبا ما ينتمون إليها.

وما أردتُه أن أردّ لهم كيدَهم في نحرهم فإذا بكيدِهم يرتدّ نحوي جرّاء الصّياغة غير الموفقّة والمتعجّلة. أنا أستاهل!

والمسألة كلُّها ربّما كانت تداعيا للتّراكيب الموروثة والتي تتداعى في الخاطرة جرّاء الكتابة المتعجّلة. وهذا جانب جيّد لمثل هذه الكتابة إذ تكشف عن خبايا النّفس. لهذا لا أستبعد أنّني ربّما كنتُ أعبّر عن جوانب ذكوريّة متخفّية في أعماق تلافيف اللاوعي. فإن يكن هذا فلا أملك إلاّ أن أؤكّد أنّ واعيتي ربّما كانت غير متصالحة مع لاواعيتي فعسى أن يجمع اللهُ الشّتيتَين على محجّةٍ سويّة ونفسٍ رضيّة - آمين.

".." ؛؛؛؛
"
طبعا جمع" الشتتين" على النفس الرضية دا " هو مربط الفرس الذي تتقاطع عنده تناقضات الطبقة و الجندر في منازعتنا السودانية الراهنة.و في نهاية التحليل فكلنا في الهم شرق. و " كلنا " دي تشمل أخونا الكبير عبد الله علي ابراهيم هيمسيلف ، الذي لم يعصمه علمه الأنثروبولوجي و خياله الأدبي و حيلته السياسية إلخ، من التسلل من وراء صفوفنا نحن أهل اليسار "المجازف" لتقديم العزاء للفقراء في موت ذلك الـ"سيد" المتعالي عليهم بذرائع النسب و الحسب، و ذلك بسبب تداعي التراكيب الثقافية الموروثة إياها. [ أنظر خيطي " دونكي ويرك"].
أها يا محمد جلال أنا جاييك راجع لموضوع التداعيات الثقافية السلبية التي أفسدت عليك " منهج التحليل الثقافي " الذي تعمل عليه منذ سنوات. ذلك أن منهج التحليل الثقافي إنما ينطرح بين وسائل إدراك ظواهر المجتمع باعتباره أحد أدوات العقلنة المادية التي أورثنا إياها رواد الفكر المادي في تاريخ المجتمع الإنساني الكبير.و كما لا يغيب على فطنتك فالتداعيات الثقافية السلبية المتوارثة لا يمكن ان تفلت من طائلة منهج التحليل الثقافي الذي ينتفع به المثقف المشغول بتحليل مشاكل مجتمعه.و أسفك الظاهر أعلاه، على تغوّل التراكيب الثقافية السلبية على تعبير الباحث، إنما يكشف عن أن كفاح الموروثات الثقافية السلبية هو حرب طويلة لا تنتهي، و في نهاية التحليل فـ" العافية درجات" كما تعبر بلاغة الشعب.و في مشهد هذه الحرب التي يخوضها الباحث ضد خصومه ، بقدر ما يخوضها ضد نفسه" الأمّارة" بكل شيئ، أذكر أنني توقفت مرة عند قصيدة " نضالية" لك، تم نشرها في هذا المنبر بمناسبة اعتقالك في سجون الإسلاميين السودانيين عام 2007.جاء في تلك القصيدة :

ألا يا رب فانصرني و كن حصني و كن ترسي
و باشرهم بآيات من القرآن ذي البأس
بنون ثم يس و عمّ و آية الكرسي
و من أسمائك الحسنى بأعظم سرها القدسي
و بالإنجيل و التورا و ما أنزلت في طرس"
محمد جلال هاشم
معتقل كوبر 11. 7. 2007

حين قرأت هذا الكلام رأيت صورة المسلم العابد المتبتل الذي يطلب النصر " من عنده تعالى"، بينما جلاده من وراء باب السجن يطلب نفس الشيئ " من عنده تعالى". في تلك اللحظة غبشت عندي صورة محمد جلال الذي يتحرّى ثنايا الواقع السوداني بوسيلة " منهج التحليل الثقافي".يعني بالعربي كدا إنت منهج التحليل القشاري دا شن نفرو إذا كنت قافل على النصر من عنده تعالى؟! لكن بما أني، يا صاح ، شخص متفائل فقد قدّمت حسن الظن العريض و تضرّعت للرب ان " يكضِّب الشينة ". و فعلا مرت الأيام و شُيّدت جسور فوق المياه الجارية ، و تلقيت كتابك المشوّق: " منهج التحليل الثقافي ، مشروع الوطنية السودانية و ظاهرة الثورة و الديموقراطية"، في طبعته الخامسة [2012] ،بعد عقدين على صدور الطبعة الأولى في [1986]. و بما أن السودان بلد تعلو فيه نسبة الأمية فنشر أي كتاب يعتبر نصرا كبيرا لصالح الحداثة، أما أن يعاد نشر نفس الكتاب عدة مرات فهذه معجزة حقيقية لأن إعادة النشر تعني أن هناك طلب حقيقي للقراءة من قبل جمهور نهم للمعرفة بالذات في نوع القضايا المعرفية الدقيقة التي يعالجها هذا الكتاب.طبعا هذا الكلام لا يعفي أحدا من تفحّص المنهج الذي يعالج به المؤلف تلك" القضايا المعرفية الدقيقة"،و تلك فولة تفيض عن سعة مكيالي الراهن الذي فرضته ملابسات المناقشة الأخيرة حول المكتوب الذي اجتزأه الباحث محمد جلال من كتابه الماثل للنشر قريبا.و هي مناقشة تتمركز، بحكم موضوعها الحساس، في موضع القلب من دائرة الأسئلة المعنية بمنهج التحليل الثقافي الذي تباشره يا محمد جلال في ثلاثية التحليل الثقافي الموعودة.
يا صديق ـ أهلنا قالوا: " الصديق وكت الضيق"ـ ما كان لي أن أخوض في فصلك، المجتزأ من كتاب لم يصدر بعد، إلا من باب حرصي على تجنيبك العواقب غير المريحة [ الجمالية و الأخلاقية و السياسية و الأكاديمية ] التي قد يجرها عليك نشر هذا المكتوب في ثلاثيتك .فما زال في الوقت متسع لإصلاح كتابة هذا الفصل بطريقة تليق بالحكمة التي توسّمها فيك جمهور تلاميذك و رفاق درب العمل العام. و أول الحكمة ، في نظري الضعيف، هو سحب المجتزأ من حيث وضعته في الشبكة العنكبوتية و العكوف على تمحيصه بوسيلة النقد كلمة كلمة.و هذا المنطق سيردّك بالضرورة لتفحّص مجمل التفاكير المشيدة ـ بنفس المنهج ـ في أول كتب الثلاثية.و أظن أن حاصل الفحص النقدي سيعود علينا كلنا بالخير العميم، و ضمير الجماعة يشمل البنات الفصيحات الواقفات في وجه الغول[ رشا عوض و أمل هباني و هادية حسب الله] اللواتي أهديتهن كتابتك،[لا إيدن لا كراعن!]. و الهدية، كما نعلم، لا تهدى و لا تباع، و لو كانت مسمومة فكيف البصارة؟ .

تقول:
"
استشرى التّحرّش الجنسي، بالفتيات والنّساء خاصّةً، خلال العقود الأخيرة بدرجة أصبح معها بمثابة ظاهرة ملفتة للنظر. وقد بلغ أمره حدّه الأقصى عندما أصبح النّاس يتعاملون مع التّحرّش الجنسي على أنّه من مخايل الرّجولة. وللتّحرّش الجنسي تاريخ في السّودان، ولو يكن غير طويل، إلاّ أنّه يكفي لترسيخ أقدام هذه الظّاهرة غير الحضاريّة وغير الأخلاقيّة."
[color=#634942]من هذا الكلام يفهم القارئ أن التحرش الجنسي أمر طارئ في تاريخ السودان و أنه "استشرى" "خلال العقود الأخيرة " بما يضمر أن أهل السودان برئوا من هذا الداء في عقود سابقة على العقود الأخيرة.[ العقود الأخيرة دي متين يا محمد جلال؟!].
تقول
:


التحرّش الجنسي بالأطفال وظاهرة المثليّة الذّكوريّة[/color]

ربّما دخلت هذه الظّاهرة إلى السّودان مع دخول العرب المسلمين إليه. إذ يُلاحظ انعدام هذه الظّاهرة في الشّعوب القديمة المجاورة لبلاد النوبة، مثل الحبشة (إثيوبيا حاليّاً) والتي تكاد تنعدم فيها ظاهرة المثليّة الذّكوريّة. ولكن يغلب الظّنّ أنّ ظاهرة المثليّة الذّكوريّة وابتدارها بالتّحرّش الجنسي بالصّبيان، إن كانت موجودة، قد تكرّست ثقافيّاً واجتماعيّاً مع العثمانيّين والأتراك، إن لم تكن قد دخلت أصلاً معهم، منذ غزو السّلطان سليم الثّاني للجزء الشّمالي للسّودان (1565م) وصولاً إلى الاستعمار المصري التّركي (1821م

في معالجتك لا تفرز التحرش الجنسي ، الذي هو تعدي ومسلك إجرامي لا غلاط فيه عن المثلية التي تعبر عن خيار جنسي، واعي أم لا واعي، يتبناه المثليون رجالا و نساء. و من حديثك يفهم القارئ أن التحرش الجنسي و المثلية شيئ واحد و أنك تدين الخيار المثلي مثلما تدين جرم التحرش الجنسي.

شكرا للصديقة صافيناز حاج الطاهر كونها، بكلمة سديدة، كفتني مشقة الخوض في هذا الإلتباس الذي بذلته لنا بدون أدنى تحسّب نقدي يا محمد. تقول صافيناز:
" على طول المقالة ، ثابر الكاتب على استخدام مصطلحي " التحرش الجنسي بالأطفال"[ بيدوفيليا] و "المثلية الجنسية" كمترادفين كما لو كانا يدلان على نفس الشيء.و عنوانه الثانوي البارز هو: " التحرش الجنسي بالأطفال و ظاهرة المثلية الذكورية".و على طول المقال لم يبذل الكاتب أي جهد للفرز بين التحرش الجنسي بالأطفال [ البيدوفيليا] و المثلية، الأمر الذي يغري القارئ بالإستنتاج أن كل رجل مثلي هو بالضرورة "بيدوفيلي". هذا الإستنتاج لا يكشف عن غياب حساسية الكاتب فحسب لكنه أيضا تقرير خطير و خاطئ.فهناك بحر واسع من الإختلافات بين البيدوفيليا و المثلية الجنسية. فالبيدوفيليا فعل إجرامي بينما المثلية الجنسية ليست جرما و لا ينبغي لها أن تعامل كجريمة.أعرف أن الأمور مختلفة في السودان لكن من الضروري التأكيد على أن هذا النوع من التعميمات ليس صحيحا بحال.".
و على طول المكتوب تصر على تبرئة الأفارقة من سبة المثلية التي تنسبها للغزاة الوافدين على القارة من خارجها،[ من العالم العربي الإسلامي ، العرب و الأتراك و الأوروبيين].و هو زعم لا تسنده أية قرائن بخلاف استبسال الوطني الغيور بينما أنت هنا في مقام البحث العلمي الذي لا يبالي كثيرا بالنخوة الوطنية التي لا تسندها الوقائع.
".. على أيٍّ، تُفيد هذه المحكيّات عن أنّ ظاهرة الشّذوذ الجنسي الرّجالي كانت مستشرية في المجتمع السّوداني الذي تسيطر عليه حرائك الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة خلال الاستعمار المصري التّركي وكذلك خلال حكم المهديّة. وبما أنّه لا توجد إفادات عن هذه الظّاهرة في فترة التي تسبق الاستعمار المصري التّركي (أو لم نقع عليها مع شدّتنا في طلبها، بما يمكن أن يعني محدوديّة الظّاهرة إن كانت موجودة)، يمكن القول باطمئنان كبير أنّ الاستعمار التّركي المصري هو الذي أرسى قواعدها، إن لم يكن قد أدخلها. وقد زاد تكريس هذه الظّاهرة خلال عقود الاستعمار البريطاني المصري منذ بدء القرن العشرين، إذ لم تتساهل فقط الإدارة البريطانيّة إزاء تحرّش موظّفيها وإداريّيها ومدرّسيها بأطفال المدارس وصغار موظّفي الدّولة، بل غضّت الطّرف عنهم عمداً تعويضاً لإداريّيها الذين كان أغلبُهم حديثي تخرّج من الجامعات، إذ ربّما لم تكن تسمح لهم شروط الخدمة القاسية، ذات الشّدّة، بأن يتزوّجوا إلاّ بعد سنوات من الخدمة. وربّما كان في المخطّط من وراء الإذن غير المباشر بالتّحرّش بالأطفال كسر كرامة رجال الغد في مجتمع مسلم محافظ يُنظر فيه إلى اللواط على أنّه يذهب برجولة الضّحيّة في حال التّحرّش، أو بصورة إجماليّة الشّخص الملوط. ".
و نفيك المثلية عن المجتمعات الإفريقية يلتقي مع الفكر الأفريقاني المحافظ الذي أنتجته المخيلة العرقية للأوروبيين في القرن التاسع عشر و الذي ينظر للأفريقي إما كـ " متوحش نبيل " و بريئ" من مثالب الحضارة المادية [ جان جاك روسو]،أو كشيطان عربيد منحرف قمين بكل أنواع السلوك الإباحي. و في الحالتين يخترع الأوروبيون لنفسهم كائنا إفريقيا بعيدا عن الواقع و خارجا على التاريخ..و رغم أن معظم الأدب المكتوب الذي يعالج الممارسات الجنسية في المجتمعات الإفريقية هو من إنتاج الأوروبيين، إلا أن هذا لا يعني أن الأفارقة لم ينتجوا أدبا يتعلق بنظرتهم هم لممارساتهم الجنسية. فالأدب الجنسي للأفارقة موجود في تصانيف الأدب الشعبي ، و إدراكه يقتضي من الباحثين فك شفرات الأنظمة التعبيرية للمجتمعات الإفريقية في التنظيم الإجتماعي [ علاقات القرابة و المصاهرة ] كما في الأحاجي و الأمثال و الأغاني و أنواع الرقص و اللعب والمعالجات التشكيلية [ النحت و التصوير و الوسم الجسدي].و هذه مهمة أكثر صعوبة من الإكتفاء باسقاط الهواجس و الخرافات الجنسية للمخيلة الأوروبية على الأفارقة.
قام المغامرون و المبشرون و الأنثروبولوجيون و الإداريون الأوروبيون بصياغة الجزء الأكبر من أدبيات الممارسة الجنسية في المجتمعات الإفريقية.و معظم هذه المقاربات لا تنجو من إلتواءات النظر الأوروبي للقارة كنوع من فضاء فراديسي فالت من الضبط و التقييد الأخلاقي الذي يكابدونه في ثقافات مجتمعاتهم النصرانية الحديثة.لكنك يا محمد جلال اكتفيت من الغنيمة بخرافات الأنثروبولوجيا الأفريقانية المحافظة و هذه عجلة لا تليق بباحث و معلم و ناشط صاحب مشروع سياسي طموح في جلال مخارجة المجتمع السوداني من الأزمة الآيديولوجية التي تمسك بخناقه. أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لك كونك ، رغم قراءتك لإيفانز بريتشر و إثباتك له في مراجع كتابك" منهج التحليل الثقافي" ، و قراءة إيفانز بريتشارد، بالمناسبة، فرض عين على كل من يطل على أرض الأنثروبولوجيا السودانية، إلا أنك يا محمد جلال غفلت عن ملاحظات بريتشارد الشيقة حول "زواج النساء "في كتابه الشهير " علاقات القربي و الزواج عند النوير" :
E.E. Evans-Pritchard: Kinship and Marriage among the Nuer,( Oxford University Press,1951)
و لفائدة القراء أولا ـ و لفائدتك يا صديق الضيق ثانيا ـ هاؤم هذا المقتطع من إيفانز بريتشارد:
" أما الزواج الذي نستغربه نحن [ و لا يستغربه النوير ] فهو ذلك الزواج الذي تقوم فيه امرأة بالزواج من امرأة أخرى و تصير أبا للأطفال الذين قد تلدهم زوجتها.و هذا النوع من الزيجات ليس نادر الحدوث عند النوير، و يجدر بنا اعتباره كشكل شرعي من أشكال الزواج البسيط. لأن هذه " الزوجة ـ البعل" تتزوج امرأتها تماما كما يتزوج الرجل امرأته. و بعد انقضاء طقوس الزواج، تلتمس المرأة الزوج من أحد رجال قبيلتها، أو من صديق أو جار، أو حتى رجل فقير من الدينكا،أن ينجب من زوجتها طفلا و أن يكفله و يرعاه في كل المناسبات التي يقتضي فيها العرف حضور رجل لجانب الطفل.و حين تتهيـّأ الفتاة، التي نتجت من هذا الزواج،للزواج بدورها فالرجل الذي أدّى دور الأب [ بالوكالة] يتلقـّى بقرة عن كل فتاة تتزوج، هي " بقرة الوكالة " و بضعة بهائم أخرى إذا كان قد لعب دورا مهما في حياة الأسرة.و ربما ساغ لنا أن نطلق على هذا الزواج اسم " زواج النساء".".." و حين تكون المرأة ميسورة الحال، يحدث أن تقترن بعدة زوجات و تصبح زوجهن الشرعي و يمكنها أن تطلب تعويضا في حالة قيام علاقة جنسية لأحدى زوجاتها مع رجل بدون رضاها. و هي تعتبر الأب الشرعي لأطفال زوجاتها، و تتلقى " بقرة الأب " ضمن مهر زواج بناتها، بينما يتلقى أخوانها و أخواتها البهائم المخصصة في العادة لعائلة الأب عند توزيع المهر. أطفال "الزوجة البعل" يحملون إسمها كما يحمل الأطفال أسماء آبائهم، و قد قيل لي أن الأطفال ينادونها بعبارة " الأب "..."

و لقد وقعت مؤخرا دراسة شيقة للباحث الكاميروني " شارل قبوقو" ، نشرتها له مجلة الجمعية الفرنسية لعلم الإجتماع في نشرتها الإلكترونية ، رقم 1،عام 2006، و عنوانها " المثلية في إفريقيا، المعنى و التنويعات بين الأمس و اليوم."
Charles Gueboguo, L’Homosexualité en Afrique, sens et variations d’hier à nos jours ;in Socio-Logos,No.1,2006
في الرابط
https://socio-logos.revues.org/37#ftn17
وغرض " قبوقو"، الذي يدرّس علم الإجتماع في جامعة ياوندي [ الكاميرون] ،هو دحض الخرافات العرقية التي دأب الأوروبيون على إسقاطها على الحياة الجنسية للأفارقة ، من جهة ، و من الجهة الثانية التأكيد على أن المثلية ، كخيار جنسي ،كانت متأصلة في الحياة الإجتماعية للأفارقة منذ أقدم العصور، يستوي في ذلك شمال القارة مع جنوبها و شرقها مع غربها، و في هذا المنظور فهو يطعن أيضا في مشروعية تطبيق مفهوم " المثلية " نفسه على المجتمعات الإفريقية باعتباره تركيب مفهومي صادر عن التقليد الثقافي الأوروبي المتأثر بالميراث اللا تيني المتوسطي و بالتربية الدينية اليهودي/نصرانية و بملابسات تطور نظر الأنثروبولوجيا الإستعمارية في المجتمعات غير الأوروبية و في القارة الإفريقية على وجه الخصوص.و فوق ذلك فالباحث يطرح مفهوم المثلية في إفريقيا بصيغة التعدد على زعم أن التعدد الثقافي في القارة لا بد أن يطرح تعددا في الممارسات المثلية.
و لفائدة الجميع، أعرض بعض الأجزاء التي بدت لي ذات صلة مع التأكيدات التي بذلها لنا محمد جلال في صدد الممارسة الجنسية المثلية في المجتمع الإفريقي.
ـ يقدم قبوقو لمقاربته بالتنويه التاريخي للفرز القائم بين المثلية الإغريقية و المثلية الرومانية على زعم أن الأولى ممارسة " تربوية "[ بيداغوجية ] جسدية تتم في منظور مؤسسي للعلاقة التربوية التي يقودها المربي المكلف بتأهيل تلميذه اليافع للحياة الإجتماعية،[ عبارة بيداغوجيا تعني مرافقة الطفل في العملية التربوية:
Pédos = enfant
Agogein = accompagner
Pédosagogein

بينما المثلية الرومانية تبدو أدخل في الممارسة الشهوانية بين الأشخاص الراشدين مع أندادهم أو مع رقيقهم . و هو تنويه ذو أهمية في منظور مقاربة الباحث للمثلية كمؤسسية في المجتمعات الإفريقية التقليدية. و قبوقو يدخل على مبحث الظاهرة المثلية في إفريقيا من تحرّي المصطلح الذي يدل على تمثلاتها في لغات المجتمعات الإفريقية و يخلص إلى أن بعض" اللغات الإفريقية، خلافا للأفكار المسبقة الغربية، تذهب إلى حد سد الفجوة المفهومية في أدبيات الجنسية الغربية بتسمية " نوع " [ " جندر"] جديد يوائم الممارسات المثلية التي لا يسعها التعريف المسكوك في التقليد الغربي.
" و هكذا ، نجد في أنجولا مثلا،في المجموعة العرقية المسماة بالـ " كيمبابانداس" يشيع اللواط بين الرجال، و يسمى الذكور المثليون بإسم " كيمبابانداس".و خصوصية هذه المجموعة هي أن الذكور يتعاطون الجنس بينهم و هو يتنكرون بأزياء النساء.و من أهم شخصيات المجموعة شخص له مكانة الكاهن الأكبر المسمى " قانقا ـ ياـ شيباندا" و هو الذي يشرف على طقوس القرابين و هو يسعى بين الناس متنكرا في زي امرأة حتى خارج إطار شعائر المجموعة.و و الكاهن شخص محترم بحكم مكانته و كل أفراد المجموعة يوقرونه و يحتملون سلوكه .
".." و عند مجموعة الـ " واويهي"
Wawihé
في هضبة" بانقالا" ،[في أنجولا]،فالممارسة الجنسيةالمثلية تلتبس بالجنسية المزدوجة [ بيسيكسيواليتي]
Bisexualité
و يطلقون عليها لفظة " أوميوتيوتا" التي تدل على أي من طرفي العلاقة المثلية. و يشيع بين الذكور الإستمناء المتبادل سواء بين المثليين أو بين غير المثليين.".." بينما يلاقي الإستمناء الفردي
okukoweka
الإزدراء إجتماعيا.
".." في لغة الـ " كيروندي" المستخدة في " بورندي " وجد بعض الباحثين خمسة ألفاظ لتسمية الممارسة الجنسية المثلية، هي :
: "كيسويرانا نكيمبوا" و تعني ممارسة الجنس كما الكلاب. و " كويتومبا" و تعني الخضوع للممارسة الجنسية ، و " كيونونونكا " و تعني حرفيا " التعبير عن المرونة "، و : كورالانانا إنيوما" و تدل على الممارسة الجنسية الشرجية، و " كيونيو "."
" و المثلية النسوية في زنزبار تترجم بعبارة " كيولامبانا " و هي تدل على فعل اللحس المتبادل. و تدل عبارة " كوجيتيا مبوو وا مبينقو " على إيلاج ذكر اصطناعي من الآبنوس في الفرج ن و هي ممارسة شائعة في كل المجتمعات الإفريقية التي عرفت مثلية الإناث، كما في حالة نساء الـ "هوسا" في شمال نيجيريا.".."
" الهوسا في شمال نيجيريا يسمون مثلية الذكور بعبارة " دان داودو"[ و جمعها " يان داودو"]، و ترجمتها الحرفية : " ابن "داودو". و الداودو يدل على الذكور الذين يتشبهون بالإناث في الممارسة المثلية.و هم يؤدون وظيفة القوادة داخل مؤسسة الدعارة." .." و حين يكون بينهم علاقة جنسية مثلية فهم يسمون ذلك " كيفي"، و العبارة تدل على الممارسة السحاقية حتى و لو تمت بين ذكور ."
".." و عند قبيلة الـ " بافيا " في الكميرون يسمون مثلية الصبيان بعبارة " جي قيلي كيتون ". و عند قبيلة " لوبا " في مقاطعة كاساي الشرقية [ في الكنغو] وجد الباحثون أن هناك تعريفا لجنس ثالث فوق الذكورة و الأنوثة و هو الـ "كيتشا"[ "بيتشا" في صيغة الجمع ]. و هي فئة من الذكور لا تميل للعمل و لا تميل لرفقة الذكور ن و تسلك سلوك الإناث و تتزيّى بزي النساء.
".." و في منطقة جنوب إفريقيا فالمثلية ظاهرة مستحدثة ، و لذلك ينظر الناس لمثلية رجال قبيلة الـ " أوفامبوس"
Ovambos
من مجموعة الهوتنتوت ، كأمر مثير للعجب.و الرجال المخنثين الذين يخضعون لعلاقة جنسية مثلية يسمون بـالـ "أوفاشينقي".".."و يسمون المثلية الذكورية التي تستخدم الصبيان" أوكوتوندوكا فانينا" و ترجمتها الحرفية " ركوب الصبيان"
".." و حين يرغب رجل من الهوتنتوت في ممارسة مثلية رجل آخر فهو يقدم له كوبا من الماء و يقول له :
« Sore – gamsa are ! »
و معناها" إشرب ماء الألم و الهياج ". فإذا أخذ الآخر كوب الماء فهذه علامة الموافقة على الفعل الجنسي المقترح.
و بالنظر لجملة الممارسات المثلية التي تعرضنا لها هنا يمكن القول بأن المثلية في إفريقيا ليست خرافة مختلقة و إنما هي ظاهرة إجتماعية ذات وجود حقيقي في نسيج في المجتمعات الإفريقية.و حين يسمي الناس ممارساتهم الجنسية المثلية فوراء فعل التسمية تمثل المصنفات و الفئات المفهومية التي تنبني عليها الثقافة الجنسية للمجتمع.".
https://socio-logos.revues.org/37#tocfrom1n3
أها يا محمد جلال ، بعد كلام أخونا شارل قبوقو الفوق دا باقي لي ما عندك طريقة غير مراجعة ما كتبته عن الأصول العربية أو التركية أو البريطانية للمثلية السودانية. لكن دا كلُّو " كوم " و إدانتك لخصومك السياسيين كأشخاص منحطين بذريعة شبهة مثلية تلاحقهم من زمان التلمذه " كوم " تاني.
" . وفي الحقيقة ظلّت تهمة التباس ماضي بعض منسوبي حركة الإخوان المسلمين بالمثليّة في مطلع شبابهم تطاردهم إلى الكهولة، بالحقّ أو بالباطل. "
لأن كلامك
يا محمد جلال يضمر أن الشخص المثلي [ ناهيك عن الشخص الذي تعرض لمحاولة اعتداء جنسي مثلي ] يفقد أهليتة السياسية و الفكرية في مقام العمل العام. و هذا يا صديق نقص في الخيال السياسي ، بل هو فجور في الخصومة لا يليق بمفكر و بناشط له حواريون نبهاء و أستاذ جامعي له تلاميذ نجباء و كدا!.
سأعود
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

ابو الحسن دا تحليل نفس-اجتماعي ذو صلة من طرف الباحثة رجاء نعمة ...


جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان

مقدمة: العولمة وعرش الجسد

يتزامن نظام العولمة مع حضور طاغِ لجسد المرأة في الإعلام والإعلان. حضور يشتد يوماً بعد يوم، إن لجهة الكم أم النوع حيث يزداد هذا الجسد، في المرئي والمقروء، عرياً وأوضاعه غواية أو محاولة لها على الأقل. وتساهم تكنولوجيا التصوير وتأثيراته في لعبة الفتنة والترويج حتى ليكاد الإهتمام بالجسد، في الإعلان "الفذ" للألفية الثالثة، يغدو عديل الاهتمام بالفكر والأدب والفنون الذي استحوذ على الصحافة في العقود السابقة. مما يدعونا لتأمل هذا الموضوع الذي لولا أهميته في اللاوعي الجماعي والفردي البعيد منه والجديد، وقابلية استثماره في "اقتصاد السوق" لما تمكن من أن يتصدر المكانة التي "استحقها".

رجاء نعمة :
باحثة وكاتبة تحمل شهادة الدكتوراه في التحليل النفسي للأدب من جامعة السوربون. وهي خبيرة في برامج تعليم اللغة العربية والتثقيف المجتمعي وعضوة مؤسسة في "تجمع الباحثات اللبنانيات."


جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان

https://arabic.jadaliyya.com/pages/index/12382/جسد-المرأة-الغواية-ومحنة-الإنسان_-الجزء-الأول


https://arabic.jadaliyya.com/pages/index/13154/جسد-المرأة-الغواية-ومحنة-الإنسان_-الجزء-الثاني


https://arabic.jadaliyya.com/pages/index/13372/جسد-المرأة-الغواية-ومحنة-الإنسان_-الجزء-الثالث


Quote
"في سياق الاختلاف يبدو لكأنما الطبيعة تآمرت على الأنثى فخصتها بصفات فيزيولوجية لم تلبث أن ارتبطت "بالخطيئة" وجعلت وظيفة التناسل من كبرى مصادر القلق: فالأنثى، تعجز عن إخفاء العلاقة الجنسية كما الذكر، فهي تحبل وتحمل الجنين وتلده مباشرة من جسدها فيما الذكر، يلقح دون أن يكابد آثار التلقيح. "
Unquote

Quote
"تحالف البيولوجي مع الثقافي البطريركي، تم على أرضية الأنثى وعلى خصائص أنوثتها. خصائص كانت جاهزة ليبنى عليها هذا النظام ركائز ثقافته مثل تعظيم العذرية أو الاستمرار في ممارسة الختان. "
Unquote
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
الفاضل الهاشمي
مشاركات: 2281
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:14 pm

مشاركة بواسطة الفاضل الهاشمي »

جيوبولتكس حور الجنة

علم حساب بنات الحور عند شيخ محمد علي شنقيطي حين تراوده بنت الحور : أليس لنا فيك نصيب يا شيخ محمد علي شنقيطي?


https://www.youtube.com/watch?v=sQGy0ZE0 ... bedded#t=9


الشيخ محمد المنجد:الجنس في الجنة يعادل مائة ضعف

https://www.youtube.com/watch?v=4nqxmwlF22Q



مُتخيّل بنات الحور


يكون متخيّل بنات الحور ضمن تصوير حسي وتجسيم لمشاهد الجنة: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(الواقعة).
بنت الحور فى المتخيّل: سوداء العينين ، بيضاء، "وَعِنْدَهُمْ قـٰـصِرَاتُ الطَّرْفِ عِيْن* كَأَنّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُوْنٌ" (الصافات 49) ،كاللؤلؤ المكنون، وتشى الوانهن باحمرار يتغلغل في بياض ناصع كالدر المكنون. فالعرب كانوا يشبهون المرأة بالبيضة لصفائها وبياضها.
سألت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا التشبيه فقال: "صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي" "كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوْتُ وَالْمَرْجَانُ" (الرحمن)
"قال قتادة: كأنهن في صفاء الياقوت وحمرة المرجان" ، نجلاوات (وعندهم قاصرات الطرف عِين)و عِين أي جمع عيناء واسعات العيون.
عذارى: "إنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إنْشَاءً * فَجَعَلْنـٰـهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا" (الواقعة) ، "لم يطمسهن انس ولاجان"
وكما قالت رجاء نعمة "تحالف البيولوجي مع الثقافي البطريركي، تم على أرضية الأنثى وعلى خصائص أنوثتها. خصائص كانت جاهزة ليبنى عليها هذا النظام ركائز ثقافته مثل تعظيم العذرية" .

هن"على ميلاد واحد في الاستواء كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارًا. فلما سمعت عائشة رضي الله عنها ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وا وجعاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع" (الكشاف ج4 ص 59). كل هذا لمرضاة الرجل كمركز للنظام الابوي حيث تكتمل الصور المادية للرجل: حور وولدان مخلدون وخمر (خمر مكسور بالزنجبيل مرةً وبالكافور مرة)وفواكه وَأَنْهـٰـرٌ مِنْ لَبَنٍ وعَسَلٍ مُصَفًّى ولحم طير و"شراب له لون الخمر يتناسق ويتحاور مع بهاء الولدان وما يتبدى منهم من جمال" !! عـٰـلِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقـٰـهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا" (الإنسان)،اما سقاة الكاس "أطفال في سن الصباحة والوضاءة؛ كأنهن قطع من اللؤلؤ الفائق الجمال" . اللون هنا "يتسيّد الوحدة التصويرية ويستدعي إثارة الحس البصري" (محمد قطب عبدالعال).


تستبد صورة المراة الحسية فى الجنة بذاكرة العربي المسلم وتهيئه لان يسأل شيخه فى سذاجة يحسد عليها:
"خالة زوجتي بكر غير متزوجة، فهل يجوز أن أدعو أن أكون زوجها في الجنة؟ وهل المحارم من الأهل أو الزوجة تنفصل عنهم الأنساب يوم القيامة بحيث يجوز الزواج بهم في الجنة إن كن من غير أزواج، أو أزواجهم -والعياذ بالله- لم يكونوا من أهل الجنة؟ وهل يجوز أن أطلب من الله داعيا أن تكون الصالحات مثل: آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران من زوجاتي في الجنة؟".


لذلك نصادف الاقتصاد السياسي لمتخيّل بنت الحور مستثمراً "بيزنس آز يوشوال" وفى نماذج غنائيه:


حور الجنان لبياض البشرة:

https://forum.sedty.com/t438329.html


خلطة حور الجنان للازمات:

https://forum.hawaaworld.com/showthread.php?t=1768251


حور الجنان للغناء:

https://www.youtube.com/watch?v=mtWJK_drsWE
The struggle over geography is complex and interesting because it is not only about soldiers and cannons but also about ideas, about forms, about images and imaginings
ادوارد سعيد "الثقافة والامبريالية 2004"
Muhammad Jalaal Haashim
مشاركات: 131
اشترك في: الخميس سبتمبر 08, 2005 6:06 am

مشاركة بواسطة Muhammad Jalaal Haashim »

الإخوة والأخوات المتداخلين؛
لكم جميعاً‎ ‎التحية من الخرطوم! في الحقيقة قرأت ما كُتب عن الموضوع الذي نشرتُه في‎ ‎موقع ‏التغيير، وأردت أن أرد عليه لكن أقعدني عن ذلك، بجانب المشغوليات،‎ ‎ضياع كلمة السر خاصتي ‏التي بها أدخل على الموقع. فقد طال علىّ الأمد منذ‎ ‎آخر مرة دخلت فيها إلى الموقع، وبالتالي نسيت‎ ‎الباسويرد. علمتُ‎ ‎بما كُتب عن مقالتي من صديق في جلسة أنس وسمر. وقد أدهشتني الطريقة التي‎ ‎لفت بها صديقي نظري إلى ما كُتب، بخاصةٍ ما كتبه حسن موسى. فقد بدا لي كما‎ ‎لو كان مشفقاً ‏عليّ من نقد حسن موسى بحكم قسوة الأخير في النقد. وفي الحقٍّ‎ ‎ليس عندي ما هو أفضل من ‏القسوة‎ ‎في النقد، لو كان الأمرُ نقداً. وهذا باب في ثقافتنا السودانية يتحامى فيه الناس النقد كما لو‏‎ ‎كان حكماً بالفشل في حقّ المنتقد. وقد اتصلت بالأخ قصي أسأله عن الرابط‎ ‎بالتحديد كيما أقوم ‏بقراءته، من منطلق حرصي على معرفة ما قاله حسن موسى‎. ‎ولكن قصيّاً نفسه لم يكن قد قرأ ‏الرابط. وهكذا وجدتُ‎ ‎نفسي أجدّ حتى وقعتُ عليه. وكنت فهمتُ الأمر على أنّه من قبيل الاستعانة‎ ‎ببهارات الكلام من قبل حسن موسى، متهماً صديقي بتضخيم الأمر. وفي الحقيقة‎ ‎ما كان يمكن أن ‏يخيب أملي بمثل ما خاب، وبالأخصّ فيما قاله حسن موسى. وهذا‎ ‎بعض ما خططتُه فعلاً، في ‏انتظار إتمامه ومن ثمّ‎ ‎نشره في الموقع بعد أن احصل على الباسويرد حيث كنتُ قد أرسلتُ للأخت ‏نجاة‎ ‎رسالة قصيرة في الفيسبوك أفيدها بالأمر، فأمدتني مشكورة بالباسويرد‎:‎
قال حسن موسى في تعليقه على إشادة الفاضل الهاشمي لمقالي: "أنا مشيت للرابط و قريت كلام ‏أخونا محمد جلال القلت عنه إنو ’موضوع شيق وغني بالمعلومات المسكوت عنها في ذات مواضيع ‏جيوبوليتيكس الجسد‘، يا زول حرام عليك في حكاية ’غني بالمعلومات المسكوت عنها‘ دي لأنو ‏نص الدكتور محمد جلال دا أغلبه كلام تقريبي وقوالات وإشاعات ورجم ’سياسي‘ بالغيب في حق ‏الناس ولو لقيت وكت أمشي أقراهو من جديد".‏
في رأيي أن وجهة النظر التي يريد حسن موسى التعبير عنها لا تحتاج إلى هذا الأسلوب المتهجم ‏الذي يلخص القضية ضربة لازب. فألفاظ مثل ’قوالات‘ و’إشاعات‘ تبعد بالمرء من مرافئ علوم ‏ثرة وغنية بأصناف الإفادات مثل الأنثربولوجيا، الفولكلور، الإثنوغرافيا إلخ. فإذا كان لا بد، فلا ‏أقل من أن يسكت عن هذه الألفاظ إلى أن يخلص إليها بالمناقشة الهادئة الرصينة لا بأن يصدع ‏بالأحكام ثم يعمد إلى المناقشة.‏‎ ‎‏ كذلك قول حسن موسى: " أنا مقدّر الأولويات و شايفها من واقع ‏كون جراب أولوياتي نفسه قضيتو بايظة ، لكني محتار في الضرورة التي جعلت محمد جلال يسارع ‏بنشر هذا النص العامر بالمآخذ الأكاديمية و السياسية و الأخلاقية من كتاب لم ينشر بعد؟هل هي ‏أولوية سياسية هي التي ألهمت محمد جلال إهمال الأولويات الأكاديمية؟" ففيه تطفيف واستخفاف ‏يقعد بصاحبه عن أن يُردّ عليه.‏
فأين كلامه هذا من قوله أدناه: "ما كان لي أن أخوض في فصلك، المجتزأ من كتاب لم يصدر بعد، ‏إلا من باب حرصي على تجنيبك العواقب غير المريحة [الجمالية والأخلاقية والسياسية ‏والأكاديمية] التي قد يجرها عليك نشر هذا المكتوب في ثلاثيتك. فما زال في الوقت متسع لإصلاح ‏كتابة هذا الفصل بطريقة تليق بالحكمة التي توسّمها فيك جمهور تلاميذك ورفاق درب العمل العام. ‏وأول الحكمة ، في نظري الضعيف، هو سحب المجتزأ من حيث وضعته في الشبكة العنكبوتية ‏والعكوف على تمحيصه بوسيلة النقد كلمة كلمة. وهذا المنطق سيردّك بالضرورة لتفحّص مجمل ‏التفاكير المشيدة ـ بنفس المنهج ـ في أول كتب الثلاثية. وأظن أن حاصل الفحص النقدي سيعود ‏علينا كلنا بالخير العميم ..."؟ ففي قوله أعلاه، سند معنوي ونفحة أخوية، ثم عشم في صمدانية ‏علمية سوف تواتينا عما قليل. وهذا قول لا يستقيم مع ما يقوله في مواضع أخرى، يبدو فيها ‏متجهماً، متهجماً في غيرما متهجّمٍ.‏
في الحقيقة لا أرى مكسباً لحسن موسى فيما يمكن أن أسميه بالتحرش النقاشي (طالما نحن بصدد ‏التحرش الجنسي). فحسن موسى كمن يكشف هنا عن شخصية المغبون فكرياً. وهذا أشبه بالناقد ‏الذي أصبح ناقداً لكونه فناناً فاشلاً وليس لكونه ناقداً أصيلاً وحاشاه. فحسن موسى ليس مكلفاً ‏بالتصرف كما لو كان "فاتية" الأسافير، يستعرض الناس بقلم كما لو كان يقطر حقداً وليس فكراً، ‏تُعينه في ذلك حيل كلامية من قبيل الإكثار في بهارات الكلام. فأنت يا صديقي لا تستطيع أن تطبخ ‏البهارات بدلاً عن الخضار وإلا أصبح طعامُك غير سائغ، بل يصبح مؤذياً لكل من يتعاطاه. ولا ‏أظنك ـ إذا كانت الحال كهذي ـ تجلس بعيداً وأنت تتلمظ الشفاه، مستمتعاً بما أتت يداك وسببت من ‏أذى.‏
لم أوفّق في معرفة الجزئية التي يعنيها حسن موسى بأنها "قوالات وإشاعات". ولكن لو كان يعني ‏ما أوردته عن المحكيات بخصوص الخليفة عبدالله التعايشي، فسيكون لنا فيه رد، وأرجو ألا يكون ‏كذلك. وأقول قولي هذا من باب الرفق بحسن موسى.‏
يا صديقي حسن موسى لم أسارع إلى نشر هذا النص الذي ظللتُ أعكف عليه سنين عددا فاقت ‏العشر. وهناك مقالة لي عن السودانوعروبية أو تحالف الهاربين منشورة في موقع سودان للجميع، ‏بدأتُ كتابتها في عام 1992م وقدمتها في مؤتمر بالقاهرة عام 1999م. والآن لي كتاب عن التاريخ ‏الاجتماعي للمنطقة النوبية بدأتُ كتابته عام 1992م وإلى اليوم لم أفرغ منه بالرغم من أنه قد ‏استوى على قدميه منذ عام 2006م عندما وافق مركز عبد الكريم ميرغني على نشره. ولكني لا ‏أزال أراجعه. فقد عُرفت بإيماني بتعتيق الكتابة، لا بتقديمها فطيرةً لم تختمر بعد. ‏
ربما كانت العجلة من جانبك في قراءتك المستعجلة والمتعجلة للوصول إلى النتائج. لقد قمت بنشر ‏هذا المقال، وما يلي من مقالات، للاستئناس برأيك ورأي آخرين قبل أن أقوم بنشره بين دفتي ‏كتاب. وهذا دأبي في كل ما أكتب. فإذا كان هناك خلل فيما كتبت، ثم قمت أنت بالإشارة إليه، فأول ‏ما افعله هو مراجعة نفسي بقلبٍ مفتوح وروحٍ شجاعة، ثم انظر فيما قلته، فإذا وجدتُ ما قلتَه ‏صحيحاً سارعتُ إلى تدبر الأمر استناداً على ما قلتَه وشاكراً لك ما فعلتَه. فإذا كنا سنعرض بحوثنا ‏على الأصدقاء بعد تمحيصها، فأين الاستشارة؟ وأين الاستزادة من معرفة الأصدقاء؟ الآن يتيح لنا ‏الإنترنت أكبر الفرص لاستصحاب آراء الأصدقاء وغيرهم بطريقة لم تكن معهودة إلى زمن ‏قريب. فلماذا لا نستفيد منها؟ ولا يعني قولي هذا تقديم الغث أو الرث أو كليهما من الكتابات عسى ‏ولعل أن يقوم الأصدقاء بالباقي. لا يا صديقي. نبذل قصارى جهدنا ولا نألو جهداً، ثم بعد ذلك ‏نُحيله لعين الأصدقاء الفاحصة، الناقدة، وليس العجلى.‏
بخصوص ما قاله الهاشمي تعليقاً على قولي عن المثلية النسائية: "دون أن يبلغ المجتمع درجة ولو ‏دنيا من الرّشاد والنّضج لمواجهة هذه الظّاهرة " وبالتالي قوله: "استوقفتني هذه الجملة الغريبة التى ‏تحامل فيها محمد جلال على المثلية النسائية"، أقول: ليس فيما ذكرته أي تحامل. إذ كل ما أطالب ‏المجتمع به أن يكون شجاعاً ويكشف المستور بدلاً من أن يعيش في ظل التابوهات. لا يمكن أن ‏نستشرف الحداثة إذا كنا لا نزال نتعامل بتغطية المواضيع ذات الحساسية. ففي سبيل تقليل هذه ‏الحساسية، يبغي أولاً كشف المستور والمسكوت عنه.‏
وقال الفاضل الهاشمي: "صحيح (سو فار) أن ذكر محمد جلال الأسماء الثلاثة فيهو شخصنة لا ‏يحتاج لها طرحه ، وقيل فيها تعدّي على حقوقهم بالمنطق الباطني الذى بذل به محمد أطروحاته ‏وهو ان عنف الأيدلوجية الذكورية الإسلاموعربية يزدري ويزري ويذل تلك الشرائح ؛ وهو ‏‏(حسب ذلك المنطق) ربما يعتدي على حقوقهم/ن فى كتمان خياراتهم وهوياتهم". وكذلك قال ‏حسن موسى: "وضمير الجماعة يشمل البنات الفصيحات الواقفات في وجه الغول [رشا عوض ‏وأمل هباني وهادية حسب الله] اللواتي أهديتهن كتابتك،[لا إيدن لا كراعن!]. والهدية، كما نعلم، ‏لا تهدى ولا تباع، و لو كانت مسمومة فكيف البصارة"؟
بخصوص دافعي في إهدائي للمقال للأخوات الثلاث: أمل هباني، رشا عوض، وهادية حسب ‏الله، فقد من باب المواساة فيما يلحق بهنّ من كيد الذكوريين وهم يخوضون غمار حرب شرسة ‏ضد الوضع السياسي القائم من جانب، ثم ضد الثقافة الذكورية التي تتناوشهم صباح مساء. ‏وبالطبع، لم أفعل ذلك إلا بعد أن وافقن الثلاث على فكرتي في الإهداء. ليس هذا فحسب، بل ‏كنت قد أرسلت المقال لإثنين منهن استئنس برأيهنّ. عليه، لهم في الأمر إيد وكراع، وإلا كان ‏في مقدورهنّ عدم الموافقة على الإهداء. أما بخصوص الصور الواردة لهنّ في الراكوبة، فهذا ‏من فوضى الصحافة الإسفيرية. فأنا أصلاً لم اكتب المقال في الراكوبة، بل في التغيير تحت ‏الرابط أدناه:‏
https://www.altaghyeer.info/ar/2013/studies/610‎‏/‏

وقد ورد المقال بلا صور. ثم هناك من قام بنقل المقال إلى مواقع أخرى دون أن يكلف نفسه مشقة ‏الإشارة إلى أنه ينقل عن موقع كذا الذي بدوره ينقل عن موقع كذا. ليس هذا فحسب، بل هناك من ‏قام بإيراد عنوان للمقال بخلاف الذي أوردته فظنّ الكثير من القراء أنني الذي وضعت ذلك العنوان.‏

أما قول الفاضل بشير "نسبة السلوك لعرب الاسلاميين بعد دخولهم السودان تحتاج المزيد المزيد ‏من البراهين"، فهو شيء لم أقله. دعونا نستعرض نص ما قلتُه: "ربّما دخلت هذه الظّاهرة إلى ‏السّودان مع دخول العرب المسلمين إليه. إذ يُلاحظ انعدام هذه الظّاهرة في الشّعوب القديمة المجاورة ‏لبلاد النوبة، مثل الحبشة (إثيوبيا حاليّاً) والتي تكاد تنعدم فيها ظاهرة المثليّة الذّكوريّة. ولكن يغلب ‏الظّنّ أنّ ظاهرة المثليّة الذّكوريّة وابتدارها بالتّحرّش الجنسي بالصّبيان، إن كانت موجودة، قد ‏تكرّست ثقافيّاً واجتماعيّاً مع العثمانيّين والأتراك، إن لم تكن قد دخلت أصلاً معهم، منذ غزو ‏السّلطان سليم الثّاني للجزء الشّمالي للسّودان (1565م) وصولاً إلى الاستعمار المصري التّركي ‏‏(1821م)". فقد بدأت حديثي بغير المرجح (ربما دخلت ...)، ريثما انتقل منه إلى المرجح (ولكن ‏يغلب الظن ...). وسوف نقف عند هذا الاقتباس في ردنا على صافيناز حاج الطاهر وحسن موسى ‏لاحقاً. ‏


كما قالت صافيناز حاج الطاهر: "في كل مقاله، دأب الكاتب على استعمال البيدوفيليا وممارسة ‏الجنس مثلياً بطريقة متبادلة كما لو كانا شيئاً واحداً. فالعنوان غير الرئيسي في مقاله يشير إلى ‏هذا: ’التحرش الجنسي وظاهرة المثلية الذكورية‘، كما لم يقم بأي جهد في أي نقطة من مقاله ‏للتمييز بين البيدوفيليا والمثلية الجنسية، الأمر الذي يجعل المرء يخلص إلى أن أي رجل مثلي ‏هو بالضرورة بيدوفيلي. ليس هذا بعدم حساسية فحسب، بل أكثر من ذلك خطير وخاطئ". وقد ‏سايرها في هذا حسن موسى عندما قال: "في معالجتك لا تفرز التحرش الجنسي ، الذي هو ‏تعدي ومسلك إجرامي لا غلاط فيه عن المثلية التي تعبر عن خيار جنسي، واعي أم لا واعي، ‏يتبناه المثليون رجالا ونساء. ومن حديثك يفهم القارئ أن التحرش الجنسي والمثلية شيئ واحد ‏وأنك تدين الخيار المثلي مثلما تدين جرم التحرش الجنسي‎. ‎‏ شكرا للصديقة صافيناز حاج ‏الطاهر كونها، بكلمة سديدة، كفتني مشقة الخوض في هذا الالتباس الذي بذلته لنا بدون أدنى ‏تحسّب نقدي يا محمد". ومثل هذا أيضاً قول حسن موسى: "لكني هنا بصدد تمومة الكلام في ‏موضوع مكتوب محمد جلال عن أصول الظاهرة المثلية في المجتمع السوداني". فأنا لا أتكلم هنا ‏عن ظاهرة المثلية في المجتمع السوداني دع عنك استقصاء أصولها. أنا هنا أتكلم عن التحرش ‏الجنسي في الأساس وكيف أصبح بمثابة ظاهرة؛ ثم بعد هذا أعرّج على حالات المثلية الجنسية ‏الناجمة عن التحرش اعتداءً. فلو تبصر القارئون لما كتبت، بدلاً من أن يقرأوا بين السطور ما ‏ليس فيها، لكفاهم هذا مشقة الكتابة المنقودة هذي. فأنا أقول لدى تناولي للمثلية ما يلي: "ربّما ‏دخلت هذه الظّاهرة إلى السّودان مع دخول العرب المسلمين إليه. إذ يُلاحظ انعدام هذه الظّاهرة ‏في الشّعوب القديمة المجاورة لبلاد النوبة، مثل الحبشة (إثيوبيا حاليّاً) والتي تكاد تنعدم فيها ‏ظاهرة المثليّة الذّكوريّة‎. ‎ولكن يغلب الظّنّ أنّ ظاهرة المثليّة الذّكوريّة وابتدارها بالتّحرّش ‏الجنسي بالصّبيان، إن كانت موجودة، قد تكرّست ثقافيّاً واجتماعيّاً مع العثمانيّين والأتراك، إن ‏لم تكن قد دخلت أصلاً معهم، منذ غزو السّلطان سليم الثّاني للجزء الشّمالي للسّودان (1565م) ‏وصولاً إلى الاستعمار المصري التّركي (1821م)". فمناط القول هنا هو: "ظاهرة المثلية ‏الذكورية وابتدارها بالتحرش الجنسي بالصبيان" من حيث هي ثقافة قائمة بذاتها يتباهى بها ‏الرجال الذين يتحرشون بالأطفال لدرجة تجعلهم مثليين مقهورين ومغبونين، بوصف جميع هذا ‏ثقافة قد يأتي بها سراة القوم على أنها من مخايل الرجولة، مثل هذا غير موجود في البلاد التي ‏أشرتُ لها. ثم نقطة أخرى، ألا وهي عدم التوفيق في استخدامي تعبير "... مع دخول العرب ‏المسلمين إليه". فقد خلقت انطباعاً لدى البعض أنني أربط المسألة بالمسلمين، ولا شيء أكثر ‏خطأً من هذا. فما أعنيه فعلاً هو دخول العرب بعد الإسلام، بدالّة أنّ دخول العب للسودان سابق ‏للإسلام، فضلاً عن انعدام الوثائق بحسبما هو متاح عن تلك الفترة. فهذا من التعابير غير ‏الموفقة من جانبي.‏
ومع هذا لا أبرئ نفسي. فعلى المرء أن يراجع نفسه متى ما راجعه فيها الآخرون. إذ يبدو أنني ‏فقد قصصت من النص أكثر مما يجب عندما جهزته للنشر في شكل حلقات. فقد جاء المجتزء ‏في أكثر من 25 حلقة، فرأينا من زاوية تحريرية إنقاص عدد الحلقات إلى أقل عدد ممكن. ولم ‏يكن هذا ممكناً بغير إسقاط الكثير من الفقرات واقتطاعها. عليه رأينا اختصاره بحيث يُنشر ‏كمقال بلا حلقات على ما فيه من طول. وكان في الظنّ أن القراء من قبيل كتاب موقع في حجم ‏سودان فور أول سيكفيهم ما ثبّتناه من فقرات. الحقيقة‎ ‎ما حُذف ليس بالشيئ الكبير. فمثلاً تجد ‏تعريفي بما أعنيه بالتحرش الجنسي‎ ‎لكنك لا تجد الجزئية التي أفسر ربطي بالمثلية الناجمة عن ‏التحرش الجنسي‎ ‎فيما شرحته أنت فأوفيت. كما هناك تفاصيل وإفادات إضافية فيما يتعلق ‏بموقف‎ ‎الخليفة عبد الله التعايشي من المثليين. وجميع هذا مما لم أرد أن اذكر فيه‎ ‎مصادري ‏للأسباب التالي: أولاً سمعتها في سياق "ونسة" لولا روح الثقة‎ ‎والصداقة لما كان يمكن للذين ‏حكوها أن يفعلوا ذلك‎. ‎وثانياً بعضها سمعته من أناس يكبرونني سناً ولم أكن وقتها أمثل أي ‏حضور‎ ‎بخلاف أنني ولد صغير يقوم بخدمتهم. وكلا الفئتين ما كانت ستسمح لي بالإشارة‎ ‎إلى ‏ما قالوه في سياق ونسة. فالإفادة في أخلاق الإثنوغرافيين‎ ‎والأنثربولوجيين والفولكلوريين يجب ‏أن يقدمها شخص واعي بما‎ ‎قد تستخدم فيه. وبما أن المسألة كلها تقع تحت ما يسمى بالمسكوت ‏عنه، رأيت‎ ‎أن أتلمّس طريقي نحو إفادة إثنوغرافية موثقة في مقبل الأيام (من أشخاص‎ ‎آخرين ‏ربما أو عبر إفقاد الموضوع حساسيته شيئاً فشيئا) عبر الإشارة لهذه‎ ‎المحكيّات المتوافرة. ففي ‏رأيي لا يمكن للباحث أن‎ ‎يخوض في التابوهات الاجتماعية وهو يمتشق قلمه فيكتب بلا حساسية ‏غير عابئٍ‎ ‎بالطريقة التي سوف يستقبل الناس كلامه. ولعلك إذا قرأت بعض التعليقات التي‎ ‎دبجها العديد من الناس أسفل الصفحة في موقع الراكوبة وسودانيز أون لاين،‎ ‎للاحظت كيف ‏فهموا المسألة بطريقة غير ما ينبغي‎ ‎للمكتوب أن يقود إليها. فهم لم يسيئوا الفهم لسبب بسيط ألا ‏وهو أنهم لم‎ ‎يسعوا للفهم أصلاً. لماذا؟ لأن ما هو مكتوب قد أثار فيهم حساسيتهم‎ ‎التابوهاتية ‏وبالتالي كتبوا ما كتبوه من باب الرفض المطلق للمس هذه المنطقة‎ ‎مفرطة الحساسية‎.‎
بخصوص ما أورده حسن موسى عن بعض العلاقات الجنسيّة في أفريقيا وفي السودان، ‏فبجانب ما قاله قصي، أريد أن أشير إلى نقطة هامة ألا وهي أن جميع ذلك تقع في دائرة الفعل ‏المشرعن ثقافياً واجتماعياً. وهذا جدّ مختلف عن موضوع دراستي التي ليست عن المثلية أكانت ‏في السودان أو في أيّ مكان آخر. موضوعي هو التحرش والجنسي الذي يمارس على أنه من ‏قبيل التنمّر، فلا يقع ضحايا له غير القطاعات الهشة في المجتمع وعلى رأسها الأطفال. وكم ‏صدمني العُجْبُ بالنفس الذي أخذ بتلابيب حسن موسى بعد أن أطلق العنان لنفسه مستعرضاً ‏أنماط العلاقات الجنسية المثلية والجندرية في العالم ومن ثمّ وقف مزهواً بنفسه ليسألني في ‏تحدي: "أها يا محمد جلال ، بعد كلام أخونا شارل قبوقو الفوق دا باقي لي ما عندك طريقة غير ‏مراجعة ما كتبته عن الأصول العربية أو التركية أو البريطانية للمثلية السودانية". ‏
وقد دهشتُ أكثر عندما عاد حسن موسى القهقرى ينقّب في أضابير الموقع ليخرج لنا بجملة من ‏مراجعاته لي ممّا جعلني أراجع نفسي. وقد طاف بي طائفٌ من الظنّ (وبعض الظنّ إثمٌ) بأن ‏إستعراضه ذلك يحمل رسالة غير مباشرة مفادها أنه ينبغي لي أن أتراجع في هذه الحالة (وأجرّ ‏واطي) كما هو دأبي. فليته نقب أكثر ليقع على حالات كثيرة رادعني فيها البعض فارتجعتُ. من ‏ذلك مراجعة الأخت نجاة لي بخصوص أسلوبي التهجمي على زميل بالموقع كتب عن اللغات ‏والحضارات بوادي النيل، شافعاً ذلك باستقراءات عبر اللغة النوبية (الدنقلاوية) الحالية. وقد ‏كان ذلك مما عددته على أنه التكلم بغير علم فيما هو معلوم. ولكني راجعتُ نفسي بمجرد ‏مراجعة الأخت نجاة لي، ولا أزال أسيفاً على أسلوبي الذي باشرتُ به الرجل. وقد التقيتُ به قبل ‏حوالي سنة بالخرطوم، فحياني وأنا لا أعرف من هو إلى أن قام بتعريفي بنفسه، فوددتُ لو كان ‏في الوقت متسع للاعتذار له. هذا طلعي يا صديقي. من الصعب الصعيب أن يراجعني شخص ‏في أمرٍ ما ثم ألوي له عنقي في تكبر أو أن أخوض في اللجاجة. والآن أنا أحمّل نفسي جانباً ‏كبيراً من مسئولية ما كتبتموه بحكم أن إسقاطي لبعض الفقرات التي كنتُ أظن أنها مفهومة قد ‏ألبست على البعض منكم.‏
كما قال حسن موسى في معرض تعليقه على قولي: "وفي الحقيقة ظلّت تهمة التباس ماضي ‏بعض منسوبي حركة الإخوان المسلمين بالمثليّة في مطلع شبابهم تطاردهم إلى الكهولة، بالحقّ ‏أو بالباطل. " فجاء تعليقه: "لكن دا كلُّو ’كوم‘ وإدانتك لخصومك السياسيين كأشخاص منحطين ‏بذريعة شبهة مثلية تلاحقهم من زمان التلمذه ’كوم‘ تاني. لأن كلامك يا محمد جلال يضمر أن ‏الشخص المثلي [ناهيك عن الشخص الذي تعرض لمحاولة اعتداء جنسي مثلي] يفقد أهليتة ‏السياسية والفكرية في مقام العمل العام. وهذا يا صديق نقص في الخيال السياسي، بل هو فجور ‏في الخصومة لا يليق بمفكر وبناشط له حواريون نبهاء وأستاذ جامعي له تلاميذ نجباء وكدا!" ‏هذا القول أكاد أن أتركه بلا تعليق لما فيه من إسفاف وتحميل لقولي ما لا يحتمله. ولكن تجيئ ‏إشاراتي هنا من باب تحمّل الأذى. فمسألة عساكر جهاز الأمن الذي صدروا من خلفيات ‏منهزمة ذاتياً لمثلية تحرشية، كتب فيها آخرون، ولعبدالله علي إبراهيم كلمة رشيقة، أنيقة ‏‏(ضاعت من كمبيوتري جراء الفايروسات)، في هذا الخصوص (كما هو العهد به)، وذلك في ‏مراسلة بينه ومحمد إبراهيم نقد زمن مطاردات الأمن المايوي لهما. وكذلك الحديث عن مثلية ‏الإسلاميين. هذا علماً بأن حديثي عن الترابي جاء مدافعاً عنه، ومبرئاً له من التهمة، ثم معجباً ‏بقدرته في تجاهل المسألة والمضي في الشأن العام غير مبالٍ بها، والقصة كلها أوردها شوقي ‏ملاسي في مذكراته وقد أشرتُ للمصدر. أما إشارتي لموضوع والي القضارف، فلأنه قال ‏كلاماً خطيراً في منبر عام وهو يخطب في الجماهير، وقد أوردت جريدة الانتباهة هذا الأمر. ‏فماذا فعلتُ هنا غير مناقشة قضية تفجرت على المستوى العام وأصبحت حديث المجالس! ولا ‏أملك إلا أن أتعجب لكلام حسن موسى: هل قرأ ما كتبتُه أم أنه يكتب عن كلام محكي له!‏
وأختم بتعليقي على إشارته لقصيدتي التي كتبتُها في عيد ميلاي وأنا بسجن كوبر، مع تعجبي ‏من الغرض في إيراد هذه الحادثة ونحن بصدد نقد كلام مكتوب عن موضوع جد مختلف. قال ‏حسن موسى: "حين قرأت هذا الكلام رأيت صورة المسلم العابد المتبتل الذي يطلب النصر ’من ‏عنده تعالى‘، بينما جلاده من وراء باب السجن يطلب نفس الشيئ ’من عنده تعالى‘. في تلك ‏اللحظة غبشت عندي صورة محمد جلال الذي يتحرّى ثنايا الواقع السوداني بوسيلة ’منهج التحليل ‏الثقافي‘. يعني بالعربي كدا إنت منهج التحليل القشاري دا شن نفرو إذا كنت قافل على النصر ‏من عنده تعالى؟" وهذا قول ملتبس من عدة وجوه فكرية وأيديولوجية تختص بحسن موسى لا ‏مجال لاستعراضها جميعاً هنا. لكني أشير إلى النقطة التي تليني منه. إذ يبدو أن حسن موسى لا ‏فكرة لديه عما ظللتُ أتحدث عنه لسنوات عن الإسلام الثقافي، ذلك بتحرير الإسلام من الصيغة ‏التعبدية الحنبلية وإطلاقه في رحاب الثقافة في سبيل استكناه الجمال في ترميزاته. فلو أنه ‏استخدم محرك البحث قوقل ونقر على جملة "الإسلام الثقافي" لانفتحت عليه صفحات من ‏محاضرات قدمتها في هذا الشأن. ولأختصر موضوعاً شائكاً.سوف أسأل حسن موسى كيف ‏يقبل من صلاح أحمد إبراهيم أن يناجي آلهة الأولمب، متمنياً لو أنه كان يجلس على قمته وهو ‏يحتسي خمرة باخوس النقية؟ فأجمل ما في الميثولوجيا الإغريقية أنها تحررت من صيغتها ‏التعبدية الحنبلية لتصبح مصدراً جمالياً حراً. وهذا باب في تحرير الدين وجعله ثقافة لا عبادة، ‏فانظر وتأمل يا صديقي، يا رعاك الله؛؛؛
MJH
صورة العضو الرمزية
قصى همرور
مشاركات: 278
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 11:07 pm

مشاركة بواسطة قصى همرور »

تحية للجميع

في مداخلته الأخيرة هنا (أعلاه)، أشار الأستاذ محمد جلال لشخصي ("الأخ قصي")، وذلك بناء على تواصل جرى بيننا حول مكتوبه الأخير عن التحرش الجنسي في السودان (وقد صرت متابعا مهتما لإنتاج محمد جلال مؤخرا، أكثر مما مضى، لأني توصلت لنتيجة أن إنتاجه يستحق أن يوصف بأنه من أكثر الإنتاجات أصالة وعمقا في الساحة الفكرية السودانية المعاصرة، ووجدت نفسي شخصيا على درجة كبيرة من التوافق معه في عدة قضايا، خصوصا قضية الهوية وجدلية المركز والهامش، وقضية توطيد التيار الافريقاني السوداني المتصل بتيار عموم افريقيا - pan-Africanism).. أبديت رغبتي للأستاذ محمد في تقديم نقد لبعض مكتوباته الأخيرة، وهي مقتطفات من كتابه الموعود، وقد رحّب بدوره بذلك ثم طلبت منه أن يمهلني حتى أطلع على مسودة كتابه متكاملة قبل مرحلة الاستعداد للنشر.. بناء على ذلك التداول بيننا ذكر لي أنه سمع بأن الأستاذ حسن موسى وآخرون في منبر سودان للجميع تناولوا مكتوبه عن التحرش الجنسي، وطلب مني أن أمرر له الوصلة لكونه لم يعد متابعا لصيقا للمنبر، فكان ردي أني أنا أيضا لم أعد من المتابعين اللصيقين للمنابر الاسفيرية التي كنت أكثر نشاطا بها في السابق.. بعد فترة تمكنت من الاطلاع على النقد الجاري، ووجدت أن صديقي، الأستاذ الفاضل الهاشمي، مشارك فيه، فانتهزت الفرصة وكتبت الرسالة (الإيميلية) أدناه للفاضل ولمحمد جلال معا، والتي أنشرها هنا اليوم تلبية لطلبهما:


سلام يا عزيزي الفاضل الهاشمي
ليكم وحشة

قرأت مؤخرا النقد الذي وُجّه لكتابة محمد جلال هاشم حول التحرش الجنسي في السودان، في منبر سودان للجميع، خصوصا النقد من جانب حسن موسى وصافيناز حاج الطاهر.. أنا قرأت مكتوب محمد جلال هاشم هذا قبلا، وفي تواصلي معه وعدته بتقديم نقد لبعض كتاباته المختصة بكتابه قيد الإعداد.. أرى جوانبا عدة جديرة بالنقد في الكتابات التي نشرها محمد جلال مؤخرا كجزء من كتابه الموعود.

ما أراه أن نقد حسن موسى وصافيناز جاء مغلوطا في جوانب كثيرة، ويتحدث بثقة منقوصة الدعم، لأنه بُني على اتهامات لا يمكن استنتاجها ببساطة من نص محمد جلال هاشم.. هذه الاتهامات تأتي هكذا:

- أن محمد جلال لم يميّز بين التحرش الجنسي بالأطفال (البيدوفيليا) وبين المثلية الجنسية الذكورية: هذه تهمة يقف نص محمد جلال دليلا على بُعدها عن الإنصاف، فقد حدد محمد جلال حديثه عن "البيدوفيليا" (تحديدا، وقد ذكرها بالاسم)، وتبعاتها في حياة الضحايا، منذ بداية مكتوبه.. أرجو مراجعة ذلك.

- أن محمد جلال أنكر وجود ظاهرة المثلية الجنسية في عموم افريقيا قبل التأثير الأجنبي: هذه أيضا تهمة لا أساس لها، لأن محمد جلال تحدث عن "السودان" تحديدا، ثم عن تاريخ المثلية عموما في المنطقة حول السودان ما خلا مصر، وتحديدا أكثر المثلية المتصلة بالتحرش الجنسي.. لا جدوى من ذكر صور التعبير المثلي في بقية افريقيا كدليل تاريخي على وجوده في منطقة السودان النيلي.. كما أن محمد جلال لم يأت بهذه الخلاصة بدون تقصي تاريخي، وإنما عن طريق استقراء النصوص والوقائع، ثم هو قال "ربما" أي لم يجزم (وأيضا قال أنها كظاهرة ربما كانت محدودة قبل دخول الثقافة العربية-اسلامية).. أنا لا أوافق محمد جلال على خلاصته هذه تماما، لكني لا أراه قد تجاوز أسس الدراسة المنهجية قبل وصوله لتلك الخلاصة.. هذه أدوات الباحث التاريخي التي تليه، فإما أن تُواجه في مستواها، بالوثائق والتحليل المضاد، أو لا داعي لتقصي مناطق افريقية أخرى وكأن جميع افريقيا لها نفس الثقافة الجنسية، أو كان لها في يوم من الأيام نفس الثقافة.. أكثر من ذلك فإن أقرب دليل جغرافي أتى به حسن موسى من مجموعات النوير، حول الزوجة التي تستطيع أن تتزوج بعدة زوجات، إنما هو مثال لمؤسسة جندرية وليس مؤسسة جنسانية.. هذه العلاقة علاقة جندر، يقوم مقام الزوج فيها أنثى أكبر سنا وتريد أطفالا ينتسبون لها، فتصبح هي "أب" كل طفل يأتي من الممارسة الجنسية لإحدى زوجاتها (وأحيانا يلقبونها الأم الكبرى).. قد حصلت لي فرصة الاطلاع على كتابة بخصوص هذه الحالة الثقافية قبل فترة، لكني وجدت في المصدر الذي قرأته أن هذه العلاقة لا تصل لمستوى الممارسة الجنسية المثلية، فهي فقط مقصورة على عقد جندري وليس ممارسة جنسية.

- أن محمد جلال ركب الموجة الشعبية في التشنيع بالمثلية الجنسية عموما بدون فهم علمي لها ولجذورها: هذه أيضا تهمة غير سليمة.. محمد جلال ذكر أكثر من مرة في مكتوبه أن الثقافة العربية-اسلامية المستوردة هي التي تضع تصورات شعبية كهذه وتمسحها على الجميع بدون استثناء (أي المثليين باختيارهم والمثليين بالقهر)، ثم ذهب في تبيان بعض المبررات الثقافية والفلسفية لنشوء تلك التصورات الشعبية.. لكن محمد جلال أيضا، في عودة لموضوعه الأساس، إنما تحدث عن الهوية المثلية المشوهة عند ضحايا البيدوفيليا الذين يكبرون ويصبحون بالغين، او الرجال المستعبدين، أو تحت رحمة رؤساء مباشرين، ممن يتم اخضاعهم للممارسة المثلية بغير رضاهم (اي باختصار اغتصابهم) ثم يضطرون للعيش مع نتائج تلك التجربة بقية حياتهم.. لا بد من التمييز هنا، فالواقع أن هناك مثليين جنسيا لم يولدوا بتلك الميول، وإنما تعرضوا لصور بشعة من التحرش الجنسي المزمن جعلهم في النهاية يقبلون هوية مثلية كنوع من الانهزام السيكولوجي وليس كمثلية اختيارية أو بيولوجية موروثة.. هذا النوع من المثلية له وجوده وله دراسات حالات في مناطق حول العالم (مثل الرجال الذين يدخلون السجون متباينين جنسيا، ثم يخرجون منه ذوي ميول مثلية - أحيانا في شكل تحول كامل عن هوية التباين الجنسي السابقة لفترة السجن - وسببه أنهم تعرضوا لاغتصابات عنيفة وتحرش جنسي شديد داخل السجن، لفترات طويلة، أورثتهم تحولا لمثلية جنسية مهزومة داخليا، تختلف جدا عن المثلية الجنسية التي يولد الشخص بها).. أكثر من ذلك فإن قصص الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي عبر طفولتهم فيكبرون متصالحين مع الهوية المثلية هي قصص يمكنك أن تسمعها مباشرة من مثليين بالغين.

- أن محمد جلال شنّع ببعض منسوبي الحركة الإسلاموية عن طريق نسبهم لظاهرة اللواط: والواقع أن محمد جلال، في مكتوبه هذا، كان واضحا جدا في عدم تعيير أي شخص هو في الأساس ضحية - في هذه الزاوية - إنما تحدث عن ثقافة التعيير التي تطال حتى منسوبي الحركة الإسلاموية هؤلاء.

وجهة نظري النقدية باختصار: هي أن محمد جلال، في هذا المكتوب، طرق باب قضية كبيرة جدا ثم لم يعطها حقها من الإسهاب، ففتح ذلك المجال للكثير من الإبهامات والأسئلة المعلّقة، والتي سيقرأها كل قارئ حسب فهمه المسبق للأمور، فيكون الكثير من الخلط والتشويش.. بإمكان محمد جلال أحد أمرين حيال هذه المعضلة: (1) إما أن يُسهب أكثر في هذا الموضوع، أو (2) يختصر أكثر ليضع فقط المسائل العامة الواضحة بدون دخول في العميق من التحليل والإسناد التاريخي غير القوي كفاية (مما يثير المزيد من التساؤلات بدل الإجابات المقبولة).. أنا مع الخيار الثاني هذا، لأن الخيار الأول كلفته الخروج كثيرا عن موضوع الكتاب الأساسي، وهي كلفة باهظة بالنسبة للكتاب (من وجهة نظري كقارئ).

المشكلة الأخرى أن مكتوب محمد جلال أعطى مساحة أكبر بكثير للحديث عن التحرش الجنسي بالذكور مقابل الحديث عن التحرش الجنسي بالإناث، وفي جزء الإناث كانت المواثيق التاريخية فيه أكثر ضعفا، وعليه جاءت الخلاصات أقرب للافتراضات منها لخلاصة القراءة التاريخية.

وبعد، فقد انتهزت الفرصة وأضمنت الأستاذ محمد جلال نفسه في هذا الإيميل، لأكون بذلك قد أوفيت بوعدي في تقديم نقد لهذا المكتوب، علّه يعين في عملية المراجعة قبل النشر.

ولكما، محمد والفاضل، وافر المحبة والاحترام

قصي همرور

___________

الأمر الآخر الذي نسيت ذكره في رسالتي السابقة، هو أننا اليوم، في عموم افريقيا ووسط الشعوب العربفونية (الناطقة بالعربية)، نعيش في حالة "متلقين" عموما لخلاصات الدراسات، العلمية والاجتماعية، المختصة بظاهرة تنوع الميول الجنسية ومؤسسات الجندر (أو النوع الاجتماعي).. معظم مثقفينا الذين يزعمون باعا في هذا المجال هم في الأساس قراء مواظبون للإنتاج الغربي حول القضية، بدون أن تكون لهم مساهمة نوعية في فهم ودراسة القضية عبر تجربتنا التاريخية الخاصة وعبر ممارستنا العلمية المنهجية لتقصي الموضوع، فزيولوجيا أو نفسيا أو اجتماعيا.

عليه لا بد من أن نبتعد عن لغة الوثوقية والتمكن من الموضوع حين يخاطب بعضنا بعضا بخصوصه، وذلك يتجسد كثيرا عندما نمتشق سيوف المصطلحات في وجوه بعضنا بعضا، وهي مصطلحات إما أن تكون غربية كاملة الدسم أو مُعرّبة تعريبا خجولا.. ليست هناك جدوى مفاهيمية كبيرة في الانتظام المخلص جدا خلف مطلب فهم الظاهرة العامة عبر الالتزام الشديد بتلك المصطلحات، فالمصطلحات كما نعلم بوابات أيدولوجية نابعة من تصورات متولدة بدورها عن ثقافات متسقة داخليا (وإن كانت متناقضة، فهي تعي تناقضها في منطقها داخلي).. الاستعمال الموزون للمصطلحات المستوردة مطلوب، أما الالتزام "العقيدي" بها فهو ضار.. أنا أعرف مثلا تصنيفات للميول الجنسية والتعبيرات الجندرية عند السكان الأصليين لأمريكا (من يسميهم البعض الهنود الحمر)، لا يوجد لها مكان في لستة التصنيفات التي توفرها الكتابات الأكاديمية الغربية عن الموضوع.. تعلمت عن هذه التصنيفات عند السكان الأصليين عن طريق ناشطين وأصدقاء في كندا.

مثلا أيضا، فعموما على طول تاريخ الثقافات في افريقيا والشرق الأوسط، كان التعامل العام مع المفاهيم والممارسات الجنسانية والجندرية مختلفا جدا عن الميراث الثقافي الغربي اليهود-مسيحي، (وحتى الروماني والاغريقي من قبل).. عدد من الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية يوضح أن عموم أهل منطقتنا كانوا أكثر تسامحا تجاه تنوع الميول الجنسية حين تظهر في حالات قليلة ومعدودة في المجتمع - تسامح أكبر من الثقافة التجريمية التعييرية البحتة التي انتهجتها اليهود-مسيحية الغربية على مدى قرون تجاه الممارسة الجنسية عموما.. لجنة الحقوقيين الدولية* تقول إنه حتى الإسلام نفسه كان أكثر اتزانا تاريخيا في تشاريعه بخصوص الشذوذ الجنسي وحالات الخلط الجندري والفزيولوجي (أي أنه لم يكن مشتطا في تهويل الظواهر، إنما عارضها باتزان واتخذ بخصوصها ضوابط تشريعية لا يُسمح فيها بالتهويل الجماهيري وهياج عاطفة التشنيع والتعنيف.. في بعض الحالات وقف التشريع الإسلامي موقف الرحمة و"السُترة" بالنسبة للحالات التي يثبت فيها وجود جانب فزيولوجي ونفساني عميق.. وهناك أمثلة كثيرة على هذا الأمر في مصادر الفقه الإسلامي القديمة).. هذه صورة مختلفة عما كان عليه الحال في تشاريع وممارسات المجتمعات اليهودية والمسيحية.. وأيضا كان الإسلام أكثر تسامحا في تاريخ تطبيق تلك التشاريع (مثل ثقافة درء الحدود بالشبهات، وتثبيط الشهود عن الإدلاء بشهاداتهم إذا لم تكن هناك ضرورة، الخ، وهناك في ذلك قصص تاريخيه ترجع حتى لعهد الخليفة عمر بن الخطاب).. الثقافات الافريقية عموما (إذا جاز التعميم)، حتى حين كانت غير موافقة على قبول تنوع الميول الجنسية، فإنها نادرا جدا ما كانت تتخذ إجراءات عنيفة تجاه المثليين والمثليات مثلا.. أقصى نتيجة يمكن أن تكون التعيير الاجتماعي، لكنه لا يصل لأن يكون مبررا للتهديد الجسدي، لحد التعذيب أو القتل مثلا، كما كان الحال لفترة طويلة في مجتمعات أوروبية تقود اليوم مسيرة عولمة حقوق المثليين بنسختها وتصانيفها الخاصة.

هذه القضية كبيرة ومتشعبة، والأولى بنا أن نتكاتف في سبر أغوارها بدل الاتهامات المبنية على وثوقية هشة.. لعل هذا هو أيضا أحد الإيجابيات في مكتوب محمد جلال هاشم، فهو بدأ تناول القضية من واقع الفهم والممارسة السودانية عبر التاريخ.

* (international commission of jurists)
Conventional is neither neutral nor convenient
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

نص محمد جلال في الراكوبة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام للأعزاء الفاضل الهاشمي و محمد جلال و قصي همرور
و شكرا على التفاكير الجديدة النيرة.
حتى أعود رأيت أن ابذل للجميع نص محمد جلال كما قرأته في موقع الراكوبة :







06-09-2013 04:13 AM
محمّد جلال أحمد هاشم

مهداة لشقائق الروح: رشا عوض، أمل هباني وهادية حسب الله


(مجتزأة من كتاب: منهج التحليل الثّقافي: مشروع الحداثة في السّودان ـــ تحت الطّبع)

استشرى التّحرّش الجنسي، بالفتيات والنّساء خاصّةً، خلال العقود الأخيرة بدرجة أصبح معها بمثابة ظاهرة ملفتة للنظر. وقد بلغ أمره حدّه الأقصى عندما أصبح النّاس يتعاملون مع التّحرّش الجنسي على أنّه من مخايل الرّجولة. وللتّحرّش الجنسي تاريخ في السّودان، ولو يكن غير طويل، إلاّ أنّه يكفي لترسيخ أقدام هذه الظّاهرة غير الحضاريّة وغير الأخلاقيّة.

أدناه سوف نعمد إلى تاريخ هذه الظّاهرة في بعدها الذّكوري (وهو الأشيع تاريخيّاً) والأنثوي (وهذا هو البعد الخفي)، ثمّ في بعدها المزدوج، وبخاصّةٍ تحرّش الرّجال بالفتيات والنّساء، أكان ذلك في الشّارع، أم في المدارس والجامعات، أم في الأسواق أم في أماكن العمل، دع عنك المناسبات الاجتماعيّة والعامّة.

يمكن تلخيص التّحرّش الجنسي sexual harra ssment على أنّه معاملة الإنسان لإنسان آخر بطريقة تهضم حقوقَ الأخير الأساسيّة والمكتسبة، الاختياريّة، بطريقة توحي بأنّ الغرض من ذلك حملُه لممارسة الجنس معه، أكان ذلك مقابل إجراءات ثوابيّة أو عقابيّة أو بدونها. على هذا لا يكون التّحرّش الجنسي مقصوراً على معاملة الرّجل للمرأة وفق هذه الكيفيّة، إذ يمكن أن يشمل معاملة الرّجل لرجل آخر، أو معاملة المرأة لامرأة أخرى، أو حتّى معاملة المرأة للرّجل. وكلُّ هذا موجود في أيّ مجتمع، لكن ربّما دون أن يأخذ منحىً سلوكيّاً مؤسّسيّاً.

من أشهر أنواع التّحرّش الجنسي في السّودان، ممّا شكّل سلوكاً مؤسّسيّاً، نوعان أحدُهما قديم والآخر طارفٌ جديد نسبيّاً. النّوع القديم هو التّحرّش الجنسي البيدوفيلي، أي التّحرّش بالأطفال، في حال السّودان الذّكور منهم. وقد فشت هذه الظّاهرة في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، فرفدت لنا أدباً كاملاً هو أدب التّغزّل في الغلمان، كما أنتجت لنا مؤسّسة في حدّ ذاتها قامت على استرقاق الأطفال بغرض الاستمتاع بهم جنسيّاً.

التحرّش الجنسي بالأطفال وظاهرة المثليّة الذّكوريّة

ربّما دخلت هذه الظّاهرة إلى السّودان مع دخول العرب المسلمين إليه. إذ يُلاحظ انعدام هذه الظّاهرة في الشّعوب القديمة المجاورة لبلاد النوبة، مثل الحبشة (إثيوبيا حاليّاً) والتي تكاد تنعدم فيها ظاهرة المثليّة الذّكوريّة. ولكن يغلب الظّنّ أنّ ظاهرة المثليّة الذّكوريّة وابتدارها بالتّحرّش الجنسي بالصّبيان، إن كانت موجودة، قد تكرّست ثقافيّاً واجتماعيّاً مع العثمانيّين والأتراك، إن لم تكن قد دخلت أصلاً معهم، منذ غزو السّلطان سليم الثّاني للجزء الشّمالي للسّودان (1565م) وصولاً إلى الاستعمار المصري التّركي (1821م). فالرّحّالة بيركهاردت (1987: 446-7) يحكي عن شكوى قدّمها له القاضي بسواكن ضدّ حاكمها عن محمّد علي باشا ليقوم بتسليمها للأخير عندما يصل إلى الحجاز. وقد شاتملت الشّكوى على عدّة تهم منها عدم اعتراف حاكم سواكن بالعملة التي ضربها محمّد علي باشا، وعدم مواظبته على حضور صلاة الجمعة. وقد كان من بين التّهم التي دُبّجت ضدّ الحاكم، واحدة بعينها، ربّما لم يسمح الحياء لبيركهاردت أن يذكرها باسمها، فشرع يلمّح بها معرّضاً. فهو يقول، حرفيّاً، بلسان القاضي، أنّ حاكم سواكن قد "... أهان وظيفته بميوله غير الطّبيعيّة" ويستخدم بركهاردت كلمة "propensities" التي تجوز ترجمتُها حسبما قمنا به، بينما تعني حرفيّاً أن ينحني المرء بنصفه الأعلى إلى الأمام، أو، باللهجة العامّيّة السّودانيّة "ينفقِس". وما كان هذا سيلفت النّظر لولا أن أضاف بيركهاردت نجمة هامشيّة فوق هذه الكلمة ليقوم بشرحها في أسفل الصّفحة بقوله: " يبدو أنّ هذه هي الجريمة الوحيدة في الشّرق التي لم تخترق بعد أفريقيا [يعني بأفريقيا بلاد السّودان التي مرّ بها]، حيث تعبّر جميع الطّبقات عن تقزّزها واستفظاعها ممّا يصفه الحجّاج العائدون بخصوص تمادي الأتراك والعرب [في هذه الممارسة] غير الطّبيعيّة". ولا يأخذنا غير عارضة عابرة من الشّك في ترجيح أن المقصود هنا هو اللواط. ففي كلّ ترحاله بين أسوان ودنقلا وبربر إلى شندي، ثمّ منها إلى التّاكا فسواكن، يشير بيركهاردت إلى سوء أخلاق السّودانيّين وأنّهم في غالبهم لا عاصم لهم من رذيلة الدّعارة النّسويّة وإدمان السّكر ثمّ الغشّ والغدر والخيانة، مع ذكره لمكارمهم أيضاً. لكنّه في كلّ هذا لا يُشير إلى حادثة لواط واحدة. وتعود أهمّيّة شهادة بيركهاردت، بالإضافة إلى دقّته وصدقه المشهود، إلى أنّه كان يخالط في رحلاته عامّة النّاس بأكثر من صفوتها. فلو أنّه مرّ بحادثة لواط أو أيّ تحرّش جنسي من هذا النّوع، لكان قد أتى على ذكرها.

هذا ما كان قُبيل الحكم الاستعمار التّركي المصري بسنوات قلائل (ثماني سنوات بالضّبط، أي في عام 1813م). ولكن في منتصف القرن التّاسع عشر انتشر اللواط في الخرطوم (عاصمة دولة الاستعمار التّركي المصري) بدرجة أكبر من ملحوظة، فقد أصبح ظاهرة، وذلك جرّاء تحلّل الحكومة من أيّ التزام أخلاقي إزاء ما يحدث في المدينة، حسبما يرى بعض الباحثين. فقد كانت الخرطوم حينها تجمع شتيتاً من أجناس أوروبّيّة ومصريّة وتركيّة وسوريّة، وأرمن وشركس، وخلافه بالإضافة إلى المجموعات السّودانيّة بمختلف الجهات الأربع. ويصف أحد الباحثين أنّ ما كان "... يربط بين أخلاقهم جميعاً التّنكّب عن طريق الفضيلة والانطلاق الخالي من الضّوابط الاجتماعيّة" (أحمد أحمد سيد أحمد، 2000: 293)؛ محمّلاً المسئوليّة في ذلك إلى تجارة الرّق والعناصر الأوروبّيّة، فكان أن انتشر البغاء واللواط. وعن الأخير يقول: "واللواط في الخرطوم أكثر رواجاً من البغاء ... ففي السّوق والميادين تشاهد الجماعة من المخنّثين في ملابس النّساء والكحل في عيونهم والخضاب في أكفّهم يقودهم رئيس منهم عاري اللحية، وهم يصوّبون نظراتِهم السّافلة هنا وهناك بحثاً عن صيد. ولم يكن المال ـ في كثير من الأحيان ـ الدّافع إلى اتّخاذ هذه الصّناعة، ففي سنة 1866 كان رئيس ’اللواطيّين‘ شابّاً قويّاً في العشرين من عمره ومن أسرة طيّبة يمكن اعتبارها من أحسن العائلات البرجوازيّة في المدينة ..." (المرجع السّابق: 294).

وهكذا ما إن أهلّ آخر زمن التّركيّة، حتّى وقعت حادثة نكراء، وفي مدينة الأبيّض تحديداً، عدّها البعض من الأسباب المباشرة التي أدّت إلى التفاف النّاس حول الثّورة المهديّة وقائدها. ففي الفترة التي قضاها المهدي بالأبيّض، قبيل إعلان دعوته، يروي إبراهيم فوزي (1319 هـ [1901م]، مج 2: 73-4) أنّ المهدي "... في ذات يوم سمع ضوضاء الطّبول والموسيقى بمنزل بجوار منزله، ورأى من النّاس الدّهشة والاستغراب. فسأل عن الأساب، فقيل له إنّ فلاناً النّخّاس يريد أن يتزوّج بغلام اسمه (قرفة). فلم يصدّق [المهدي ذلك] وأخيراً دعى [دعا] إثنين من أتباعه وذهبوا إلى محلّ البدعة، فوجدوا المدعوين والموائد ممدودة والموسيقى تصدح، والدّفوف <الدّلوكة> تعزف. وجيء بشخص يلبس عمامةً وطيلساناً كالعلماء، فأجرى صيغة العقد، ودخل النّخّاس بالغلام. فأمسك المتهمدي [المتمهدي] سيفه وهمّ بضرب عنق النّخّاس وكلّ من قابله من أولئك الفسقة والضّالّين، فأمسكه صاحباه وحملاه إلى منزله. فاجتمع معه جماعة من المشايخ وذهبوا إلى الحكومة يشكون إليها أمر هذه المنكرات، فقوبلوا بالإهانة والازدراء، وقال لهم مامور الضّبطيّة (الدّنيا حرّة!).

ثمّ ينفي إبراهيم فوزي الحادثة قائلاً: "وبالبحث وإجراء التّحقيق من رجال الحومة تحقّق أنّ المسألة ألعوبة ولم يكن لها أثر من الحقيقة" (المرجع السّابق: 74). وقد لا يؤخذ برأيه هذا، إذ جاء في معرض دفاعه عن نظام الحكم الذي كان ينتمي إليه؛ فالحادثة لا تزال راسخة في التّاريخ الشّفاهي، بل تمتدّ إلى تحديد فخذ القبيلة التي ينتمي إليها أبطالُها. ولعلّ ممّا يؤكّد ما ذهب إليه من نفي عدم ورود هذه القصّة في مذكّرات يوسف ميخائيل (أبو شوك، 2004)، إذ لا بدّ وأن تكون قد هزّت مدينة صغيرة كالأبيّض التي عاش فيها يوسف ميخائيل، إذ لم تكن أكثر من قرية ممّا نعهد الآن. ولكن، في المقابل، التّوصيف الذي قدّمه أحمد أحمد سيد أحمد أعلاه للمخنّثين وعادة التّشبّه بالنّساء يمكن أن يتّخذ كبيّنة تدعم وقوع حادثة الأبيّض التي عمد إبراهيم فوزي باشا إلى نفيها؛ ففي ظاهرة سافرة كهذه من حيث التّشبّه بالنّساء، وفي ظلّ تحلّل من قبيل الذي تمّ وصفُه، لا يستبعد المرء تطوّر العلاقة المثليّة لتصبح زواجاً، تأسّيّاً بالعلاقة بين الذّكر والأنثى. في تحقيقه لمذكّرات مذكّرات يوسف ميخائيل عمد أبو شوك (2004: ش) إلى إدخال العاكفتين المتقابلتين ([]) إمّا يحذف حرف أو كلمة لا لزوم لها في أصل المخطوطة، أو لإدخال حرف أو كلمة يرى المحقّق أنّ الكلام لا يستقيم إلاّ بها. من هذا ما نقرؤه عند وصف يوسف ميخائيل عن تكاتف الجميع، وانتفاء الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والطّبقيّة بين النّاس في سبيل بناء التّحصينات والخندق (القيقر) حول مدينة الأبيّض قبيل محاصرتها من قبل قوّات المهدي (2004: 82-1): "وفي هذا السّاعة صار العبد مع سيّده إخوان، والعسكري مع أولاد البلد تـ[ـيـ]ـمان، والو[ا]طي بقا مع الرّجال إخوان ...". وفي رأينا أنّ المحقّق قد جانبه الصّوب في موضع العاكفتين في مفردة (الو[ا]طي)، ولربّما فضّل أن يستفيد من مساحة التّحيّز العلمي الذي يسمح له به المقام هنا. فلو أنّه غيّر موضع العاكفتين، ثمّ أبدال الألف باللام، على النّحو التّالي: (الـ[ـلـ]ـوطي)، لاستقام المعنى بأكثر ممّا ذهب إليه. إذ ما هي دلالة "الواطي"، وما مدى مقابلتها لمفهوم الرّجولة؟ فاللواط، كما أشرنا إلى ذلك في المعتقد الشّعبي العام، يذهب بالرّجولة ويضع المرء في خانة أقرب إلى النّساء من الرّجال؛ ولذا يجوز مقابلته بالرّجولة. وعلى هذا يبقى الرّجال بجانب، ويبقى المثليّون بجانب آخر، كومين متمايزين، أللهمّ إلاّ في الملمّات الشّديدة، حيث يمكن أن يتّحدوا جميعاً، وهي لحظات استثنائيّة، عادةً ما تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.

استمرّ الحال، من حيث انتشار اللواط في الفترة المصريّة التّركيّة، على هذا المنوال حتّى زمن المهديّة حيث يذكر إبراهيم فوزي باشا (1901: 173-175) خبراً عن وجود الشّواذ جنسيّاً في المجتمع السّوداني خلال الحكم الاستعماري التّركي المصري، ويسمّيهم بالمخنّثين؛ ويحكي أنّ هذه الظّاهرة كانت منتشرة، حيث كان هؤلاء المخنّثون يُرسلون شعورهم ويتشبّهون بالنّساء، فضلاً عن افتتاحهم لأنفسهم دوراً قائمة على الدّعارة الذّكوريّة بجانب قِوادتهم للدّعارة الأنثويّة. وقد أخذتهم المهديّة في أوّل عهدها بالشّدّة، فسجنتهم واستتابتهم، وأرغمتهم على أداء الصّلوات ونبذ حياة التّخنّث. ولكن ما لبث أن صعد نجم هؤلاء بفضل بعض قيادات التّعايشة وأمرائهم الذين اصطفوا هؤلاء المخنّثين وضمّوهم إليهم ليعيشوا تحت أسقف منازلهم، وعلى رأسهم عثمان شيخ الدّين (ابن الخليفة عبدالله التّعايشي) والأمير محمود ود أحمد الذي ذاع عنه تعلّقه بأحد المخنّثين. ويختم إبراهيم فوزي إفادته بإدانة لهؤلاء الأمراء قائلاً: "كما إنّ العقل يستبعد سلامة أولئك الأمراء من التّلطّخ بأوضار تهمة اللواط أعاذنا الله منها" (المرجع السّابق: 175).

وقد وقعتُ على قصص مرويّة شفاهيّاً، دون أن أقع على توثيقٍ لها، تحكي عن تعامل الخليفة عبدالله مع هؤلاء. فمع الوفود المبايعة له جاء شيوخ المهن، مثل شيخ النّجارين، وشيخ الحدّادين إلخ؛ وفي الضّمن جاء شيخ المثليّين (الملاوطيّة)، فاحتجّ الخليفة في جرأة هؤلاء وقدومهم، فهدّأ القومُ من حوله من روعه، مشيرين إلى خطر هذه المجموعة وما يمكن أن تلعبه من دور سلبي في حال مباشرتهم بالعداوة. وصادف أنّ اسم شيخ المثليّين كان "عبدالله"، على اسم الخليفة. وعندما سأله الخليفة عن اسمه، ردّ بلباقة: "يسلم الاسم"، فشدّ طلب الخليفة للاسم، فردّ مرّة أخرى بلباقة: "الاسم سالم"، وذلك اتّقاءً لغضب الخليفة، فسار ذلك مثلاً، كما سار عليه الاسم "سالم". وقد سُرّ منه الخليفة أيّما سرور للباقته وحسن حديثه، فختم لقاءه بتعليق سار بدوره مثلاً: "الملاوطيّة قولكُم زين، إلاّ فعِلْكُم شين"، ثمّ صرفه. فيما بعد تؤكّد الرّوايات الشّفاهيّة إدخال الخليفة للمثليّين إلى السّجن (سجن السّاير). وقد حدث في إحدى زياراته إلى السّجن أن استقبله المثليّون بالزّغاريد، على عادة النّساء في التّرحيب، تسليماً منهم بما عليه أمرُهم، فضحك الخليفة، وكان رجلاً لا تفوته روح الدّعابة على قسوته المفرطة، فردّ ممازحاً لهم: "الملاوطيّة صوتكم سمِح بالحيل". ويحكي سلاطين باشا (1978: 264) عن أنّه "وُجد في السّودان في أوائل حكم الخليفة عبدالله قوم أمعنوا في ضروب الفساد وأطلقوا العنان لشهواتهم فعاقبهم الخليفة في مبدأ الأمر بنفيهم وتشريدهم إلى الرّجّاف، ولكنّه عدل عن ذلك بعد قليل من الزّمن وانتهى إلى حلّ حاسم وهو سهولة كبرى في معاملة شعب بعيد عن الأخلاق القويمة ...". فهل تُرى جاء قوله في معرض الإشارة إلى المثليّين ممّن أُطلق عليهم وصف المخنّثين؟

على أيٍّ، تُفيد هذه المحكيّات عن أنّ ظاهرة الشّذوذ الجنسي الرّجالي كانت مستشرية في المجتمع السّوداني الذي تسيطر عليه حرائك الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة خلال الاستعمار المصري التّركي وكذلك خلال حكم المهديّة. وبما أنّه لا توجد إفادات عن هذه الظّاهرة في فترة التي تسبق الاستعمار المصري التّركي (أو لم نقع عليها مع شدّتنا في طلبها، بما يمكن أن يعني محدوديّة الظّاهرة إن كانت موجودة)، يمكن القول باطمئنان كبير أنّ الاستعمار التّركي المصري هو الذي أرسى قواعدها، إن لم يكن قد أدخلها. وقد زاد تكريس هذه الظّاهرة خلال عقود الاستعمار البريطاني المصري منذ بدء القرن العشرين، إذ لم تتساهل فقط الإدارة البريطانيّة إزاء تحرّش موظّفيها وإداريّيها ومدرّسيها بأطفال المدارس وصغار موظّفي الدّولة، بل غضّت الطّرف عنهم عمداً تعويضاً لإداريّيها الذين كان أغلبُهم حديثي تخرّج من الجامعات، إذ ربّما لم تكن تسمح لهم شروط الخدمة القاسية، ذات الشّدّة، بأن يتزوّجوا إلاّ بعد سنوات من الخدمة. وربّما كان في المخطّط من وراء الإذن غير المباشر بالتّحرّش بالأطفال كسر كرامة رجال الغد في مجتمع مسلم محافظ يُنظر فيه إلى اللواط على أنّه يذهب برجولة الضّحيّة في حال التّحرّش، أو بصورة إجماليّة الشّخص الملوط.

تكرّست النّظرة الإزرائيّة فيما يتعلّق بذهاب ممارسة اللواط بالرّجولة في بنية الثّقافة العربيّة الإسلاميّة (بل في غالب الثّقافات في العالم) بافتراض أنّ المجامعة الجنسيّة لا تحدث إلاّ بين ذكرٍ وأنثى. وبالتّالي من يقع عليه فعل اللواط يحتلّ موقع المرأة، وبالتّالي لا يصبح رجلاً مكتمل الرّجولة. وبالفعل تماهى المثليّون في غالبهم الأعمّ مع هذه الفرضيّة، فتخنّثوا، أي أظهروا مخايل الأنوثة مع كونهم فيسيولوجيّاً رجال. كما زادت على ذلك الثّقافة العربيّة الإسلاميّة بمقايسة اللواط على قواعد اللغة النّحويّة، فأصبح لدينا مفهوم الفاعل والمفعول به. جاء في الأثر عن عكرمة، عن ابن عبّاس الحديث التّالي المنسوب إلى النّبي (ص): "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وقال سيّد سابق (1971، مج. 1: 275): "رواه الخمسة إلاّ النّسائي. قال في النّيل: وأخرجه الحاكم والبيهقي. وقال الحافظ: رجالُه موثوقون إلاّ أنّ فيه اختلافاً". فبرغم ثقاته إلاّ أنّ به اختلافاً؛ ومع كلّ هذا لم يشفع هذا الاختلاف في تخفيف حدّة التّصنيف والتّحميل. ولعلّ ممّا يُضعف هذا الحديث، على ما فيه من رواةٍ ثقاة، جودة سبك التّعبير الخطابي في مصطلحي "الفاعل" و"المفعول به"؛ فهنا شبهة ألاّ يكون هذا التّعبير قد تبلور إلاّ بعد أنّ تطوّر علم النّحو والصّرف واكتمل بناء مصطلحاته العلميّة. وكلّ هذا يتّفق مع السّلوك العام في الثّقافة الشّرقيّة القائمة على حرائك الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة التي ينتقص فيها اللواط من كرامة ورجولة المفعول به دون الفاعل (مع التّحفّظ لما في الخطاب الاصطلاحي من رنّة لفعل الاغتصاب). وربّما كانت منجاة الجاني (الفاعل) من المعرّة بسبب القوّة الماديّة للرّجل إزاء المرأة، وعلى هذا قيس وضع اللواط. أمّا منجاة الفاعل من مغبّة التّعيير المنتقص من الرّجولة في الفترة الاستعماريّة بالسّودان فقطعاً تعود إلى السّلطة التي التي كان يتمتّع بها الفاعل الاستعماري. بهذا ساءت سمعة المدارس النّظاميّة أوّل عهدها بالنّظر إليها على أنّها مفسدة للأولاد.

فشت ظاهرة التّحرّش الجنسي اللواطي خلال القرن العشرين على وجهٍ أخصّ في المراكز الحضريّة، وارتبطت بالمدارس وطبقة الأفنديّة، واشتُهر أكثر ما اشتُهر بها قطاع من المدرّسين ورؤساء الأقسام بدواوين الحكومة، ثمّ في مجالات حداثويّة أخرى مثل الرّياضة والغناء، ثمّ بين بعض السّاسة والمتنفذّين في جهاز الدّولة. وهكذا انتشرت ظاهرة اللواط بكثرة نسبيّة قبيل منتصف القرن العشرين واضمحلّت في أخرياته، ولا عجب، إذ كانت تتلقّى رعاية استعماريّة بمجرّد غضّ الطّرف عنها. وقد ساعد في انتشارها انتكاسة وضع المرأة في المراكز الحضريّة بخلاف وضعها في الرّيف. وهذا يشي بالوضع المقلوب للحداثة ممّا أفضنا فيه في مكوّنات إنسان أمدرمان. كما ساعد انفتاح المجتمع نوعيّاً في أخريات القرن العشرين، جرّاء تزايد تعليم البنات وانفتاحهنّ، على زوال واضمحلال الظّاهرة. ولا نعني بذلك انتهاء المثليّة، فهذا ممّا لا يمكن الزّعم به؛ ما نعنيه هو اختفاء ظاهرة التّحرّش الجنسي بالصّبيان (أو ثقافة الغلمان) بوصفها من مخايل الرّجولة والفحولة.

يخرج الصّبيان الذين تعرّضوا للاعتداء الجنسي، في المجتمع السّوداني المحكوم بمعياريّة الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة، وهم يعانون من جملة من المشاكل المرتبطة بالفهم الخاطئ للرّجولة، إذ عادةً ما ينشأون برجولة مجروحة ومشكوك فيها، وهكذا قد يخرجون للنّاس في مقبل أيّامهم بنفسيّة أذَويّة traumatized، مصابة بعدم الثقة في النفس. وبالتّالي قد تعمد هذه الشخصية لأن تكون تصالحية غير مهاجمة. وعلى هذا قد يحدث تماهي، فيقضون بقيّة حياتهم متصالحين مع حقيقة أنهم خُلقوا هكذا. ولكن هذا قد لا يعني رضاءهم فعليّاً وحقيقيّاً بهذا المصير، فقد تتولّد في دواخلهم أحقاد دفينة تجاه المجتمع ككلّ، وبخاصّة إزاء القطاعات التي تزدريهم. ومن بين رماد هذا الحقد الدّفين ربّما تتخلّق جرثومة نزعات لعنف كامن عميقاً في تلافيف النّفس وخفاياها اللاشعوريّة. وبالطّبع ليس أيسر من توظيف هذا العنف الكامن من قبل العديد من الجهات المستغلّة manipulative، التي لا يوجد "أشطر" منها في اكتشافه والانتباه لوجوده رغم كمونه. ولكن لا بدّ من توفّر التّهيّؤ النّفسي حتّى تقوم هذه الجهات بتحريك تكتيكاتها التي تأتي بأحد حالتين، الأولى إعلائيّة sublimative والثّانية انحطاطيّة degenerative.

يكمن التّكتيك الإعلائي في أن يقوم هذا الشّخص المأزوم (أو أن يُدفع ليقوم) بالانتماء إلى حركة فكريّة سياسيّة، أو أيّ تنظيم آخر، من المفترض أنّه يعمل في سبيل صالح المجتمع والإنسانيّة (كيفما اتّفق فكرُه)، وذلك إمّا تكفيراً أو تجاوزاً لجراحات النّفس الغائرة من ذلك الماضي الأذوي؛ وتأتي الحركات الإسلاميّة بخاصّةٍ والدّينيّة بعامّة كأحد أقوى المرشّحين لاستيعاب هذه الشّخصيّات المأزومة، وذلك كون الدّين يكفّر ويجُبّ ما قبله، على عكس الحركات اليساريّة الكلاسيكيّة، إذ ترفض هؤلاء وتعتبر ذلك الماضي نقيصة لا تُكملُها منجزات مقتبل العمر ومآلاته. وفي الحقيقة ظلّت تهمة التباس ماضي بعض منسوبي حركة الإخوان المسلمين بالمثليّة في مطلع شبابهم تطاردهم إلى الكهولة، بالحقّ أو بالباطل. من ذلك ما أورده شوقي ملاّسي (2004: 31) بخصوص أهداب التّهمة التي لاحقت زعيم حركة الإخوان المسلمين، شيخ حسن التّرابي، طيلة عمره منذ أيّام الطّلب بمدرسة حنتوب الثّانويّة، أوائل الخمسينات، والرّجل لا يعبأ بها في صمدانيّةٍ نضاليّة تستوجب الإعجاب. يقول ملاّسي: "مضى العام الدّراسي الثّالث هادئاً قبل أن تنفجر قنبلتان. كانت الأولى اجتماعيّة وغير هامّة، لكنّها شغلت المدرسة ومجتمعاتها زماناً. وقعت الحادثة في داخليّة أبو عنجة، التي كان يرأسها جعفر نميري، وعرفت بقصّة (كشكوش ـ التّرابي) عندما انتشر خبر عن اعتداء، أو محاولة اعتداء من الطالب كشكوش على الطّالب حسن التّرابي. وراجت قصص وسط الطّلاّب حول هذا الأمر، ونتج عن ذلك الحادث طرد الطّالب كشكوش من المدرسة، ثمّ طلب المستر براون [ناظر المدرسة] من الطّالب حسن التّرابي أن يستعدّ لامتحان الشّهادة من الصّفّ الثّالث. وبالفعل امتحن التّرابي ونجح في إحراز شهادة كيمبردج، متفوّقاً حتّى على زملائه الذين امتحنوا معه بعد إكمالهم للصّفّ الرّابع". بعد هذا يورد ملاّسي أنّ القنبلة الثّانية ذلك العام كانت تتعلّق بقرار وزير المعارف، عبد الرّحمن علي طه، بطرد مائة طالب من مدرسة خور طقّت الثّانويّة بالقرب من الأبيّض. ونقدّم هنا عدّة ملاحظات، أوّلها أنّ الحادثة غير مؤكّدة لشاهد عصر إذا ما كانت اعتداءً قد وقع أم محاولة اعتداء؛ ثانياً، لم يأبه ذلك المجتمع، ولا يزال غير آبهٍ، بهذه التّفصيلة المهمّة، فهو في تعطّشه الفضائحي يساوي بين وقوع الحدث وبين المحاول فيه؛ والمجتمع في هذا إنّما يتصرّف مثل مدمن المحدّرات الذي يتمنّى لو أنّ المجتمع كلّه قد أصبح مدمناً. فانتهاك أعراض الصّبية أصبحت منتشرة لدرجة انّ هناك تيّاراً غالباً يريد لأيّ صبي صغير أن يقع ضحيّة لهذه الظاهرة الغاشمة، أكان ذلك بالحقّ أم بالباطل؛ ثمّ فلنلاحظ كيف طوى النّسيان الجاني، بينما لم يتحرّر الضّحيّة من تبعة تهمة لم تثبت عليه بالدّليل القاطع.

ومن أكثر الإفادات جسارةً في هذا الشّأن ما نسبته بعض أعمدة الصّحف الموالية للحركة الإسلاميّة على لسان أحد الولاة (كرم الله عبّاس، والي القضارف) باتّهام بعض منسوبي الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) بممارسة اللواط وإمكانيّة فتح بيوت مخصّصة لهذا، مع التّهديد بإغلاقهاً. فقد جاء عن الوالي أنّه "... مضي في جنونه ليقول بالصّوت العالي إنّ هناك ممارسات لا أخلاقيّة، حتّى داخل حزب المؤتمر الوطني، متّهماً بعض أعضائه بممارسة أفعال قوم لوط، وحدّد أماكن بعينها لترك فتح [كذا] أبوابها لهؤلاء المنحرفين، مهدِّداً إيّاهم بإغلاقها خلال مدّة زمنيّة لا تنقص ولا تزيد" (عبد الماجد عبد الحميد، عمود صدى الخبر، "كرم الله عبّاس: سقوط القناع والعمامة"، جريدة الانتباهة، 8/5/2010، العدد رقم 1597). ولكن، الحقيقة التي لا يمكن أن يماري فيها النّاس أنّه لا يمكن حصر هذه الممارسة في فئة بعينها، ذلك أنّ المثليّة الذّكوريّة ليست سوى ثقافة استشرت بين طبقة الأفنديّة، وترسّخت منذ عقود سبقت قيام تنظيم الإخوان المسلمين بكثير. أللهمّ إلاّ أن يكون ذلك لغرض، مثلما هو الحال في الكيد لشيخ التّرابي.

أمّا التّكتيك الثّاني الانحطاطي، فهو أن يتمكّن الحقد من الشّخص المأزوم إلى درجة أن يصبح مستعدّاً للانتقام الذي لا يلحق بمن آذوه بالضّرورة، بل بالمجتمع الذي قد يبدو غير مبالٍ به ولا بما يعانيه. وأكثر التّنظيمات الملائمة لاستيعاب هؤلاء هي الأجهزة الأمنيّة في الأنظمة الديكتاتوريّة، حيث يضطلعون بمهام التّعذيب الوحشي الذي يشبع فيهم نهمَهم المرضي للانتقام. هناك أدلّة كثيرة تشير إلى أنّ أجهزة الأمن خلال نظام مايو قد لجأت إلى استخدام بعض ضحايا التّحرّش الجنسي الأطفالي، ممّن انتهى بهم الأمر على المثليّة، في غرف تعذيبها. كما هناك إفادات عديدة عن العنف المبالغ فيه الذي بدأ به نظام الإنقاذ الإسلامي، حيث يرى بعض المراقبين إمكانيّة أن يكون لهذا العامل دور كبير في صرعة التّعذيب الوحشي فيما عُرف ببيوت الأشباح. وحسب فهم ميشيل فوكو في مسألة الانضباط والعقاب، قد تكون هذه النّقلة العقابيّة التي لم يألفها المجتمع قد جاءت كتطوّر لتراكمات الحقد والكراهيّة الذّاتيّة والأخرويّة، مدّشنةً بذلك عهد انتهائها (راجع الفصل الثّامن أعلاه). ولكن مع هذا لا تخلو المسألة من محاولة لمقايسة الوضع في بعض الدّول المجاورة، العربيّة منها والأفريقيّة، بوضع السّودان.

هذا ما كان بخصوص التّحرّش الجنسي الذّكوري، وهو شيء ذو خطر في مجتمع تقليدي يربط المثليّة الجنسيّة بالأنوثة، وهذا ما استدعى التّعرّض له لتبيين أنّه شيء يختلف تماماً، الأمر الذي يوجب آليّة مختلفة للتّعامل معه، ومنذ الصّغر. أمّا النّوع الثّاني من التّحرّش الجنسي فهو ذلك الموجّه ضدّ المرأة وصغار الفتيات في العمل والمدارس والجامعات تباعاً، وهو ما سنتعرّض له أدناه، لكن ليس قبل التّعرّض للمثليّة بين النّساء.

التّحرّش الجنسي بالمرأة وظاهرة المثليّة النّسائيّة

فيما يتعلّق بالمثليّة النّسائيّة هناك مؤشّرات عديدة، ولكن مسكوت عنها بطبيعة الحال، تُشير إلى أنّها كانت قد استشرت إبّان العهد المايوي عندما كان تنظيم الاتّحاد الاشتراكي يدير شئون البلاد. وقد دخلت هذه الظّاهرة إلى غِيابة المسكوت عنه، وذلك بزوال نظام مايو الذي لم يكن سوى قائمة عرض طارئة لظاهرة ربّما كانت أرسخ قدماً منه. فالمؤكّد أنّ هذه الممارسة كظاهرة بدأت في منتصف القرن العشرين، وذلك تحديداً بامرأة من أصول شاميّة، وُلدت بالسّودان، ثمّ درست بالخارج وعادت إليه وهي ناضجة. وقد استهدفت نساء الأسر من الطّبقة المتميّزة اجتماعيّاً. بعد ذلك انتشرت هذه الظّاهرة بين النّساء والفتيات العاملات، أي اللائي خرجن للعمل. وربّما كان ذلك معاوضةً لتشدّدهنّ في التّعفّف من حيث علاقاتهنّ بالرّجال، وهو ما جعل المجتمع يقبل أن يخرجن للعمل. في منتصف ستّينات القرن العشرين استشرت هذه الظّاهرة بين العديد من النّساء العاملات في الخدمة العامّة، وتحديداً المهن التي ترخّص المجتمع للنّساء بمزاولتها كالتّعليم والتّمريض وخلافه، وبوجهٍ أخصّ انتشرت بين العاملات اللائي عشن حياة الدّاخليّات. وهكذا ما إن جاء نظام مايو حتّى خرجت هذه الظّاهرة إلى الضّوء، مستقوية بالوضع المائز الذي نالته المرأة أوّل سنيّ مايو. وقد تردّد حينها أن بلغ الأمر درجة قام معها الرّئيس نميري باستدعاء بعضهنّ، محذّراً لهنّ ممّا يفعلن. واليوم لا تزال المثليّة النّسائيّة تمارس، وبخاصّةٍ بين فتيات الجامعات، دون أن يبلغ المجتمع درجة ولو دنيا من الرّشاد والنّضج لمواجهة هذه الظّاهرة. وكيف يمكن لنا أن نحلم بهذا في مجتمع ازورّ عن مواجهة قضيّة دوليّة مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)!

ولعلّ ممّا يجعل المثليّة النّسويّة كامنة في تلافيف قطاعات المجتمع وغير ملحوظة ذكوريّة المجتمع الطّاغية نفسها. إذ حكمت أيديولوجيا هذه الذّكوريّة على المرأة أن تتقلّص حركتُها في أضيق مجال ممكن. في هذا جاز استفراد النّساء بعضهنّ ببعض دون أن يُثير هذا شكوك الرّجل. ولهذا قد لا يلاحظ مجتمع الذّكور وجود هذه الظّاهرة بين نسائه، بينما تعجز النّساء عن تداول هذه القضايا بغية تعيير من يقعن تحت طائلة المثليّة منهنّ لذات التّابوهات المتعلّقة بالجنس إلاّ خلسةً. كما ساعدت ذكوريّة المجتمع الطّاغية في تجاهل هذه الظّاهرة من منطلق أنّ المثليّة النّسائيّة لا ضرر منها ولا خوف طالما أنّ المرأة لا تملك عضواً ذكريّاً، ذلك كون هذا العضو شرطاً لازماً لتشكّل التّابو الجنسي، هذا حتّى لو اصطنعت المرأة لها واحداً ممّا رفدت به التّكنولوجيا الحديثة. فذكوريّة المجتمع جعلته عاجزاً عن تصوّر أيّ مواضعة جنسيّة مكتملة بغير وجود الذّكر مع عضوٍ قادر على الانتصاب. وهذا هو السّبب وراء التّرخّص في مخالطة المخصيّين للنّساء في هذه المجتمعات؛ وهي ثقافة انتشرت وتمدّدت حتّى شملت جميع الخدم الذّكور، إذ ربّما تتصرّف نسوة البيت المتسيّدات أمامهنّ بغير احتشام وذلك باعتبار أنّه من غير الوارد أن تبلغ به رجولتُه المجروحة بالاستخدام المنزلي مبلغ أن يُستثار بسيّدته. فهذا الاستخدام، ولو كان بأجر مدفوع، ليس سوى ابن ثقافة الرّقّ كونه لا يُحبّذ الاستخدام المنزلي إلاّ من المجموعات التي كانت مؤسّسة الرّقّ تستهدفها تقليديّاً، مثل جبال النّوبة، الجنوب، وما شابه. في المقابل، قد يتماهى الخادم في طهرانيّة ظاهريّة مع مسكنة متغابية، من خلالها يكرّس لمكانته في الأسرة كخادم أمين (ولد بيت).

التّحرّش الجنسي بالمرأة واستعراض المرأة للرّجال في الشّارع

يعود التّحرّش الجنسي بالفتيات والنّساء في شمال السّودان والمراكز الحضريّة بعموم إلى الوضع المقلوب للمدينة من حيث الانفتاح النّوعي بين الجنسين. فقد حكمت المدينة في بدايات تشكّلها على المرأة أن تقرّ في بيتها فلا تخرج منه إلاّ لضرورة؛ هذا بينما رفيقتُها في الرّيف، بصورة عامّة، تشارك الرّجل العمل في الحقل وفي السّوق وفي كلّ مناحي الحياة. تمخّض عن هذا قانون اجتماعي مؤدّاه أنّ على المرأة أو الفتاة التي تخرج من منزلها أن تتحمّل مسئوليّة ما يحدث لها، وما يحدث لها هو بالطّبع التّحرش الجنسي الذي يبدو كما لو كانت قبيلة الرّجال قد توحّد رأيُها بخصوصه. فالرّجال، يتبعهُم الغاوون من الفتية والصّبيان، كما لو انعقدت مخايلُ الرّجولة عندهم على عدم تفويت أيّ فرصة للتّحرّش الجنسي بالمرأة متى ما كان ذلك متاحاً ولو بصورة عابرة؛ فمجرّد اقتراب المرأة أو الفتاة من الرّجل أو الفتى كفيل بأن يجعل الأخيرَين يسعيان للاحتكاك بها وملامسة جسدها كيفما اتّفق؛ فإمّا لكزاً بالكوع في خاصرتها إذا ما جلست بجانبه في المركبات العامّة، أو احتكاكاً بالأقدام تحت ستار المقاعد، أو غمزاً بخائنة الأعين، أو حتّى همزاً بالأصابع. هذا فضلاً عن التّحرّش اللفظي المفتوح في مشارع الطّرقات العامّة والذي عادةً ما يستهدف التّلميح إلى جسدها بأسلوب أقلّ ما يمكن وصفُه أنّه بذيء. هذا هو واقع الحال في المراكز الحضريّة من السّودان التي تطرح نفسها كنماذج لإعادة إنتاج الهوامش الرّيفيّة. والغرض النّهائي من هذا النّوع من التّحرّش الجنسي تكريس دونيّة المرأة وليس استدراجها بغية مواقعتها جنسيّاً بالضّرورة، مع إمكانيّة حدوث هذا في أيّ حالة مواتية.

تدهورت العلاقة النّوعيّة في السّودان خلال العقود الأخيرة إلى درجة أن أصبح التّحرّش الجنسي أساسها في الغالب الأعمّ. ومكمن التّدهور يعود إلى أنّ التّحرّش الجنسي قد حقّق طفرة، إذ لم يعد الغرض منه تكريس إحساس الرّجل بتفوّقه الذّكوري إزاء إحساس المرأة بدونيّتها الأنثويّة، بل تعدّاه ليصبح سلوكاً مؤسّسيّاً الغرض منه قهر المرأة من خلال التّعامل المباشر معها، بمعاكستها في عملها وإعاقتها في دراستها أو حرمانها من الخدمات الأساسيّة. كلّ هذا لحملها على الخضوع الجنسي إشباعاً لنهم الرّجل الذي عادةً ما يكون في موقع يمكّنه من إلحاق الأذى أو الضّرر الدّراسي أو الوظيفي أو الخدمي بها. وبلغ الأمر غايتَه الدّنيا من حيث الانحطاط عندما تحوّل إلى ابتزاز يقوم به العديد من الرّجال في أمكنة العمل أو في الجامعات، فإمّا أن تسمح لهم المرأة أو الفتاة بأن يضاجعوها، وإلاّ فاتتها التّرقية، أو حتّى الوظيفة نفسها، أو درجة النجاح مهما جدّ منها العزم وتجلّت فيها النّباهة.

حدث هذا التّدهور المريع في سياق بعينه يمكن تلخيصُه في ثلاثة عوامل، أوّلُها هو اتّحاد بنيتي الوعي التّناسلي والوعي البرجوازي، وهو أمر قديم، بيد أنّه تكرّس بغياب أيّ مشروع للحداثة، وهو ما لخّصناه في النّظرة الانحطاطيّة للرّجل إزاء المرأة وشعوره بأنّها ممّا يُشترى بالمال. ويعود هذا إلى سيادة مفهوم الشّرف المادّي الذي يستند على الجسد كمختبر مادّي للعفّة والطّهارة. وهذا يعكس بعد مجتمعاتنا عن مفهوم الشّرف كقيمة أخلاقيّة، جماليّة، يستمدّ محكوميّته من شفافيّة الجمال، لا غلاظة الجسد. أمّا العامل الثّاني فهو موجة الهوس الدّيني التي استحكمت في العقود الأخيرة، والتي لم ترَ في المرأة شيئاً بخلاف مظنّة الرّزيلة. وبما أنّ هذا النّمط من التّديّن عادةً ما يكون مهجوساً بالجنس، لذا نشط في تفويج الزّيجات بطريقة مهووسة تعكس درجة تهجيسه بالجنس وبالمرأة. كما عمل في نفس الوقت، محكوماً بتهجّساته الجنسيّة، إلى تشريع أنماط من الزّواج لم يعرفها المجتمع السّوداني المسلم، مثل زواج المسيار، لا نشداناً لفقهٍ حداثويٍّ ينقذ شبابَنا من تبكيت الضّمير إزاء موجة التّحرّر الجنسي، بل إشباعاً لرغباتهم الجنسيّة في المقام الأوّل بحيث يُتيح لهم مواقعات جنسيّة ميسّرة وبأقلّ تكلفة. أي الانجراف مع موجة التّحرّر الجنسي وبأقلّ التّكاليف، ولكن من منظور فقهي يعفيهم من المساءلة، كما لو كان المسّائل بشراً وليس الله. أمّا العامل الثّالث فكان انصياع مؤسّسة الدّولة، عبر أجهزتها الحزبيّة السّياسيّة للخطاب الدّيني العقابي، الانضباطي نفسه، للدّرجة التي كأن لم يعد للحكومات من مهام غير ضبط النّساء والفتيات خشية أن يأتين بالفاحشة. فلأن تغطّي النّساءُ رؤوسهنّ أصبح أعلى درجة عند الحكّام الملتاثين من النّظر إلى ما إذا كانت النّساء يتمتّعن بصحّة جيّدة، دع عنك أكل مال السُّحت وظلم النّاس وتقتيلهم بغير وجه حقّ، كما دع عنك التّفريط في الأرض.

وقد كان نتاج هذا كلّه أن زادت الرّزيلة بدرجة أصبحت فيها المرأة تُستعرض من قبل الرّجال في الشّوارع بغية إغوائها ومواقعتها في اجتراءٍ لم يعرفه المجتمع السّوداني من شماله إلى جنوبه، من غربه إلى شرقه في عقوده السّابقة. وظلّت قبيلة الرّجال في غالبها الأعمّ تنظر إلى هذا على أنّه من سيماء الفحولة وممّا لا يُعيب، بل يجلب المفخرة. وهكذا إن هي إلاّ زمن قليل حتّى تماهى قطاع من المرأة في ذات السّلوك، فأصبحت تستعرض الرّجالَ، ليس في زوايا الطّرقات المعتمة ليلاً فحسب، بل في رابعة النّهار والشّمسُ رأْد الضّحى، في انتظار من يقلُّها فيمنحُها بدرةً من مال، فتمنحُه جسدَها. بيد أنّ هذا لا يجلب لها أيّ مفخرة، ولا غرو، إذ تبوء بالعار المرأةُ وحدها. ثمّ بلغ الحال أن برزت النّساءُ العاملاتُ في الدّعارة الشّوارعيّة وهنّ محجّبات، منقّبات، تمويهاً وإغراءً، إذ ليس أشهى للرّجل الملتاث من مواقعة المرأة العصيّة، المحجوبة عن الرّجال ـ مظهراً لا مخبراً.

عند هذا يفقد المجتمع حسَّه العام common sense، وليس أقتل للمجتمعات من هذا. وهكذا لم يعد هناك معيار للطّهر والعفاف عند الرّجال أو النّساء، فانهزمت القيم إذ غابت مُمايِزاتُها. فالفُسق والعهر السّياسي لا محالة سيجلب معه كلّ أنواع الفسق والتّعهّر الأخلاقي. وهذه هي بالضّبط المسئوليّة الجماعيّة للدّولة، كونها آليّة تركيز الإرادة الجمعيّة. حقّاً، لقد أخرجت الإنقاذ أسوأ ما في الشّعب السّوداني!
حافظ خير
مشاركات: 545
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:23 pm

مشاركة بواسطة حافظ خير »


والللاي يا محمد جلال هاشم – بعد قراءتي لـ نسخة الراكوبة من مقالك – أجدني متفقاً أنَّ هناك وجاهة في الانتقادات والإحترازات التي قدمتها لك صافيناز ، وحسن موسى بشروح واضافات. وقد جاء في نقدهما الوجيه أنك لم تبذل جهداً كافياً "‏للتمييز بين البيدوفيليا والمثلية الجنسية، الأمر الذي يجعل المرء يخلص إلى أن وأن وأن..." وفي "يجعل المرء" هذه ما يوحي بأنه نقد مصحوب بحسن الظن... ردك على هذه الانتقادات هو الآخر جاء على صيغة أنهما لم "يفهما" قولك بدقة - مصحوباً بأنك تحمل نفسك "جانباً كبيراً" من المسئولية كونك اقتطعت فقرات من مقالك "مما ألبس على البعض" ، وهذا مما يحمد لك أيضاً...

وأرجو أن يتسع صدرك لمثال آخر من نص مقالك وجملة بعينها في المقال:

فالمؤكّد أنّ هذه الممارسة كظاهرة بدأت في منتصف القرن العشرين، وذلك تحديداً بامرأة من أصول شاميّة، وُلدت بالسّودان، ثمّ درست بالخارج وعادت إليه وهي ناضجة. وقد استهدفت نساء الأسر من الطّبقة المتميّزة اجتماعيّاً. بعد ذلك انتشرت هذه الظّاهرة بين النّساء والفتيات العاملات

فمثل هذا "التأكيد" و"التحديد" – التخطيط من عندي - الذي لابد أن يعتمد على"المحكيات" و"الإفادات" لا يمكن الاعتداد به كثيراً(!) وإن كان من ثمة "تحليل ثقافي" مطلوب فلربما ينبغي توجيهه نحو "من أين تأتي مثل هذه الأساطير الشفاهية لتصبح تاريخاً يوصف بالمؤكد؟" ...
في موضع آخر تكتب: اليوم لا تزال المثليّة النّسائيّة تمارس، وبخاصّةٍ بين فتيات الجامعات، دون أن يبلغ المجتمع درجة ولو دنيا من الرّشاد والنّضج لمواجهة هذه الظّاهرة. وكيف يمكن لنا أن نحلم بهذا في مجتمع ازورّ عن مواجهة قضيّة دوليّة مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)! مما "يجعل المرء" أيضاً يذهب إلى أنك تقترح موضعة / مقابلة - لها تبعات مفهومية فادحة - بين مرض الايدز وبين المثلية النّسائيّة (!) ، فيصبح كلاهما ظاهرة ينبغي "مواجهتها" ...

وهكذا...
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

الاجلا ءد-محمد جلال هاشم
وشركاؤه فى الهم المتحاورون

من ناحية نظرية بحتة, يبدو من الصعب خلو مجتمع بشري من الممارسة المعروفة بالمثلية.
لانها بعض من النزوع البشري نحو تراكيب جمالية, اوان شئت قل اللعب بكل عناصر التجربةالبشرية, بكل الملكات والخصائص وبلاحصر.
كمثال وللوضوح , حتى الخوف شكلت العابه التى يتسلى بها الناس ,وياللغرابة, فى حال رعب ومرح فى ميادين الملاهي.بل ولا غرابة.
ما يشابه ما حل بلذة الجنس حيث عزلت من غايتها حفظ النوع, لتكون لعبا محضا.

افترضت انا اذن ان الممارسة المثلية هى بعض من الجماليات(اللعب الحرالمقابل لكونها فقط لحفظ النوع). ما يعطيها صفة الكلية فتفشى عند كل او اغلب غالب المجتمعات.
راسلت د- ريكتور نورتون حول جمالية الممارسة.
ركتور نورتون هنا
https://rictornorton.co.uk/
.وفى رده علي نبهنى بان لغتي الانجليزية غاية فى الركاكة, لكنه اتفق معي حول جمالية الممارسة المثلية.

الخلاصة, اتوقع ان تتوافق الاطروحة النظرية مع الدراسة الميدانية.

غير ان متابعة ودراسة ما تفعله قوى المجتمع بالسلوك البشري هو الاهم. حيث نرى كيف تموضعه تجرمه او تعلي من شأنه. كيف تصنفه.وهذا ما سعى له بحثك. فهو الاهم.
ولا يغيب عن بالي مرة اخرى ان بحثك هو اصلا حول التحرش الجنسي اكثر من كونه حول المثلية.
أضف رد جديد