صدور كتاب: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
إعدام محمود: محاولة لضبط الوقائع

بقلم مصطفى عبد العزيز البطل
صحيفة الخرطوم، العدد: 8451، الأحد 10 نوفمبر 2013م.



في مقال حملته بعض الوسائط الاعلامية مؤخراً كتب الاستاذ عبد الله الفكي البشير معقباً على بعض ما أوردناه في مقال لنا سابق حول كتابه الموسوم (محمود محمد طه والمثقفون). كتب عبد الله ( تبلور الحراك، في تقديري، في المحاولة للإجابة على السؤالين التاليين: هل كانت هناك مساع لمراجعة حكم الإعدام على الأستاذ محمود محمد طه؟ وما هو موقفه منها؟) وهو يشير هنا الى دعوتي إياه لتمحيص رواية اعتمدهما في كتابه مؤداهاأن الرئيس النميري كان قد (أعلن تحت ضغوط دولية استعداده للعفو عن الاستاذ محمود ان هو بدّل موقفه، وأن زنزانة الاستاذ اكتظت إثر ذلك بأعداد كبيرة من الزوار من اساتذة الجامعات والكتاب والصحافيين ممن سعوا لاقناعه بتبديل عقيدته مقابل تخفيف او الغاء الحكم). وقد شككت انا في هذه الرواية، بل رفضتها قولاً واحداً.

وأشار عبد الله هنا الى حوار اجرته، في اعقاب نشر مقالي، صحيفة (اليوم التالي) مع الدكتور مالك حسين، احد مسئولي تنظيم الاتحاد الاشتراكي خلال العهد المايوي، جاء فيه انه هو شخصياً جلس مع الاستاذ محمود بعد صدور الحكم عليه وحاول اقناعه بتعديل موقفه ولكنه رفض. كما أشار عبد الله الى مفاوضات جرت بين الجمهوريين وبعض قادة النظام المايوي، مثّل الجمهوريين فيها الدكتور عصام البوشي والدكتور عبد الله النعيم، وفصل في أمر هذه المفاوضات تفصيلا.

وأنا ما أزال عند موقفي، ولكن التوضيح واجب. يذكر الجميع أن حكماً ابتدائياً بالإعدام كان قد صدر من محكمة القاضي المهلاوي ثم من محكمة استئناف الطوارئ برئاسة القاضي المكاشفي. وهو حكم لم يأخذه كل الناس مأخذ الجد، وان كان بعضهم قد ارتاب في الأمر وتحسّب لاحتمالات اعتماد الحكم وتنفيذه. وهنا تدخل كثيرون سراً وعلانية للحيلولة دون تطور الاحداث. وجل هؤلاء من المايويين الذين لم تكن نفوسهم قد طابت الى تحولات الأسلمة وكان يحدوهم الأمل في رد النميري الى حاله القديم. وقد تفاوض هؤلاء مع الاستاذ محمود في سجنه قبل مصادقة النميري على الحكم، كما تفاوضوا مع ممثلي الاخوان الجمهوريين الواردة اسماءهم، وهي مفاوضات بدأت في يناير 1985، بحسب عبدالله، قبل ان تكون هناك محاكمة ولا حكم. ذلك كله لا يعنيني ولم اكن قد تطرقت اليه في مقالي. ملاحظتي تتصل تحديداً بالموقف بعد المصادقة على قرار الاعدام وتحديد موعد التنفيذ، لا قبله، ثم بالزعم أن النميري تحت تأثير ضغوط دولية أراد ان يفتح لنفسه باباً للتراجع، واتاح للبعض الدخول في مفاوضات مع الاستاذ لحمله على تبديل موقفه.

ما اوردته أنا ينصب تحديداً على أحداث اليوم الخامس عشر من يناير 1985 التي اعلن فيها مذيعو الاذاعة والتلفاز أن (رئيس الجمهورية سيخاطب الشعب بعد قليل)، والايام التالية له. عندما جاء الرئيس بلباس الطوارئ العسكري وأعلن أنه قرر المصادقة على حكم الاعدام. ونص القرارات النميرية كانت واضحة وضوح الشمس لكل من له اذنان تسمعان او عينان تقرآن. ومنطوقها ان الاعدام سينفذ في زمان ومكان محددين في شخص الاستاذ محمود. اما الاربعة الآخرون الذين صدرت عليهم أيضا احكام بالإعدام فسيمنحون مهلة ثلاثة ايام للاستتابة. استتيب الاربعة اذن ولم يستتب محمود.

غير أن الأكثر أهمية في هذا السياق هو ان النميري رفض اخضاع قراره بالمصادقة على حكم الاعدام وترتيبات تنفيذه للمناقشة، وهدد باتخاذ أقسى الاجراءات ضد كل من تسول له نفسه أن يتدخل في الأمر. كان الوحيد الذي امتلك الشجاعة للتدخل هو نائب رئيس جهاز أمن الدولة، الذي كان قد جري تعيينه وزيراً للشئون الداخلية قبل أيام قليلة من تأييد الحكم. ولكن عندما تجرأ اللواء كمال حسن أحمد، قوميسار أمن النظام ووزير داخليته على مجرد فتح الأمر مع الرئيس، استدعى الرئيس مستشاره القانوني وأمره بإصدار واذاعة مرسوم جمهوري بإقالة الوزير من منصبه على الفور. وقد اقيل الوزير بالفعل واذيع القرار من عبر موجات الاذاعة والتلفاز، مصحوباً ببيان قاتم شحيح الكلمات كرر فيه الرئيس ان الحكم بإعدام الاستاذ محمود نهائي وقاطع، وان رئاسة الجمهورية ترفض تدخل اية جهة لمراجعتها في الامر. الى هذا الحد كان النميري راكزاً في موقفه وقد اكتملت ارادته (هو وجماعة القصر) على تنفيذ الحكم.

لم اطلع على نص الحوار الذي اجرته الصحيفة مع الدكتور مالك حسين، ولكن هل ذكر الدكتور حقاً أنه تجرأ، بعد تهديد الرئيس وتحذيره لمعاونيه، في الخامس عشر من يناير 1985، ثم بعد اعلان نبأ اقالة وزير الداخلية بسبب تدخله في خطة الاعدام، على الذهاب الى السجن لمفاوضة الاستاذ على التنازل عن موقفه مقابل اسقاط الحكم؟! لا أظن أن أحداً من رجال الاتحاد الاشتراكي الذين عرفناهم كان يجرؤ على مثل ذلك الصنيع. ثم وهذا هو الأهم في تقديري: ما معني مفاوضة الاستاذ محمود ومحاولة اقناعه بتغيير موقفه مقابل اسقاط الحكم لو أن رئيس الجمهورية الذي كان ملاك الأمر بيده قد استثنى الاستاذ من مندوحة العدول عن موقفه، وقصر الاستتابة على تلاميذه؟!

خلاصة الامر أن الزعم بأن النميري أجفل واضطرب تحت كثافة الضغوط الدولية، وانكسر عن موقفه واعلن انه سيراجع نفسه وحكمه ان بدل محمود موقفه، زعم كاذب، لا سند له من الحقيقة. التاريخ المرصود يقول أن النميري ومجموعة القصر المتحلقة حوله كانت قد عقدت نيتها وحسمت أمرها بشأن الاعدام. وأن قرار النميري بعزل وزير داخليته لمجرد انه تجرأ لمناقشته حول قراره، ثم تحذيره المعلن لكل معاونيه عبر اجهزة الاعلام بعدم التدخل، يظل أقوى دليل على بطلان الدعاوى عن تواتر اعداد كبيرة من الناس، بعد مصادقة الرئيس السابق على الحكم، واصطفافهم داخل الزنزانة بغاية اثناء الاستاذ عن موقفه.

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

تحية للكاتب : عبد الله
وتحية لهذا الجهد منقطع النظير في زمان ليس من السهل الكتابة فيه ، دعك من سفرٍ تجاوز الألف صفحة . يستحق سيرة المفكر ، نهلاً متجدداً . أذكر أن من سُجن معه في سجنه الأول الصحافي عبد الله رجب ، في قصص صحيفة الصراحة وملاحقة مالكها . ليس بين يدي دليل غير حديث عابر حكى لي الراحل الصحافي عبد الله رجب جزء من السيرة ، ولا لا يُحب أن ندمغه بما تعاهد عليه الناس بالنضال ضد الاستعمار .
قدما ملفاً دراسياً عن الأستاذ محمود محمد طه قبل عدة سنوات في مدونة سودانيزأونلاين بالشراكة مع الناقد والشاعر اسامة الخواض على هذا الرابط :
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1241483781
تحية لك والشكر الجزيل
*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

تحية للكاتب : عبد الله
وتحية لهذا الجهد منقطع النظير في زمان ليس من السهل الكتابة فيه ، دعك من سفرٍ تجاوز الألف صفحة . يستحق سيرة المفكر ، نهلاً متجدداً . أذكر أن من سُجن معه في سجنه الأول الصحافي عبد الله رجب ، في قصص صحيفة الصراحة وملاحقة مالكها . ليس بين يدي دليل غير حديث عابر حكى لي الراحل الصحافي عبد الله رجب جزء من السيرة ، وهو لا يُحب أن ندمغه بما تعاهد عليه الناس بالنضال ضد الاستعمار .
قدمنا ملفاً دراسياً عن الأستاذ محمود محمد طه قبل عدة سنوات في مدونة سودانيزأونلاين بالشراكة مع الناقد والشاعر اسامة الخواض على هذا الرابط :
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1241483781
تحية لك والشكر الجزيل
*
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

الأستاذ عبدالله الشقليني
أشكرك كثير الشكر على هذه الكلمات، وعلى الشراكة في الإحتفاء بالكتاب..
نعم.. لقد اطلعت على كتاباتك وكذلك كتابات الأستاذ أسامة الخواض عن الأستاذ محمود محمد طه، ووقفت على ذلك الملف وأستفدت منه.. هناك إشارات في الكتاب لشخصك الكريم وكذلك للأستاذ أسامة الخواض، وهي مثبتة في هوامش الكتاب بطبيعة الحال.. كذلك هناك إشارات لعدد كبير من أعضاء منبر سودانيزأونلاين وكذلك هذا المنبر منبر سودان للجميع..
مع تقديري واحترامي
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الاثنين نوفمبر 25, 2013 10:01 am، تم التعديل مرة واحدة.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...

اعدام محمود: محاولة لضبط الوقائع..


بقلم حمزة محمد نور الزبير
نقلاً عن موقع سودانايل www.sudanile.com، الأربعاء 20 نوفمبر 2013م


اطلعت على المقال النابه الذي سطره قلم الكاتب المرموق مصطفى عبدالعزيز البطل في صحيفة سودانايل بتاريخ الأربعاء الموافق 20 نوفمبر 2013 تحت عنوان "إعدام محمود: محاولة لضبط الوقائع"، وقد ورد في الفقرة الثالثة من المقال ما يلي:

((غير أن الأكثر أهمية في هذا السياق هو ان النميري رفض اخضاع قراره بالمصادقة على حكم الاعدام وترتيبات تنفيذه للمناقشة، وهدد باتخاذ أقسى الاجراءات ضد كل من تسول له نفسه أن يتدخل في الأمر. كان الوحيد الذي امتلك الشجاعة للتدخل هو نائب رئيس جهاز أمن الدولة، الذي كان قد جري تعيينه وزيراً للشئون الداخلية قبل أيام قليلة من تأييد الحكم. ولكن عندما تجرأ اللواء كمال حسن أحمد، قوميسار أمن النظام ووزير داخليته على مجرد فتح الأمر مع الرئيس، استدعى الرئيس مستشاره القانوني وأمره بإصدار واذاعة مرسوم جمهوري بإقالة الوزير من منصبه على الفور. وقد اقيل الوزير بالفعل واذيع القرار من عبر موجات الاذاعة والتلفاز، مصحوباً ببيان قاتم شحيح الكلمات كرر فيه الرئيس ان الحكم بإعدام الاستاذ محمود نهائي وقاطع، وان رئاسة الجمهورية ترفض تدخل اية جهة لمراجعتها في الامر. الى هذا الحد كان النميري راكزاً في موقفه وقد اكتملت ارادته (هو وجماعة القصر) على تنفيذ الحكم)).

وحيث إنني كنت شاهداً على الظروف والملامسات التي أدت الى إعفاء اللواء كمال حسن أحمد من منصبه، فقد إرتأيت- للتاريخ - أن أصحح الخطأ الذي وقع فيه الأخ مصطفى البطل وذلك لأنه لا علاقة البتة بين إقالة كمال حسن أحمد بمحاكمة محمود محمد طه أو بمحاولته إقناع الرئيس نميري بعدم المصادقة على تنفيذ حكم الإعدام.

حضر اللواء كمال حسن أحمد الى مكتبي في مجمع المحاكم بالخرطوم بحري في يوم إقالته ومعه اللواء صديق البنا ظناً منهما بأن محكمة العدالة الناجزة التي يحاكم فيها المرحوم محمد علي أبشر (شطة) الموظف بوزارة التجارة توجد داخل المجمع حيث كنت أشغل وظيفة قاضي المديرية. جدير بالذكر ان المتهم كان يسكن جارنا بحي القلعة بأم درمان وتربطنا به وبعائلته علاقات وثيقة وقد تعرفت على اللواء صديق البنا في منزلة نتيجة لصلة القرابة التي تربط بينهما. ولذلك فقد خطر على بالي أن ارافقهما إلى محكمة العدالة الناجزة في مبنى المجلس الريفي المجاور لمجمع المحاكم، إلا أنني لسبب ما طلبت من حاجب المحكمة أن يوصلهما إلى المحكمة حيث يحاكم المتهم أمام مولانا عبدالعزيز حاكم.
لست أدري ما الذي حدث في المحكمة على وجه التحديد، إلا إنني فوجئت عندما كنت استمع الى نشرة أخبار الساعة الثالثة ظهراً وأنا في طريقي الى منزلنا بالقرار الذي أصدره الرئيس نميري بإقالة اللواء كمال حسن أحمد واللواء صديق البنا من وظيفتهما لاتهامهما بالسعي للتأثير على سير العدالة، وذلك لمجرد حضورهما محاكمة قريبهما، ولربما كان قرار الإقالة قد شملني لو أنني رافقتهما الى المحكمة. لربما كان اللواء كمال حسن أحمد قد تشفَّع لدى نميري لعدم تأييد قرار إعدام محمود محمد طه، ولكن بالتأكيد أن ذلك لم يكن السبب المباشر لإقالته.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
...
محمود محمّد طه والمثقفون شرف الكتابة ونبل الوفاء


بقلم د. حيدر إبراهيم علي
بتاريخ 21 نوفمبر 2013م، نقلاً عن موقع صحيفة الراكوبة الإليكترونية https://www.alrakoba.net


(1) في شأن الكلمة والكتابة:-

تظهر وسط هذا المستنقع السوداني بعض الومضات التي تخرج المرء من الحزن والصمت المر. ففي الفترة الاخيرة كان كتاب الأخ عبدالله الفكي البشير، وجائزة الأخ فيصل محمد صالح، من الإشراقات وسط أزمنة الانحطاط. فقد افتدي(عبدالله الفكي)-حسب لغة الجمهوريين-المثقفين، وطهّرهم من كسلهم وحسدهم بكتابة هذا السفر العظيم. أما (فيصل)فقد أعلن أن الصحافة ضمير شقي لهذا الشعب المستباح، وأدب وأخلاق رفيعة وليست شبه مواخير للشتم والنميمة وفرش الملاية- كما يقول المصريون. فالكتابة بكل أشكالها، هي متعة، وتفكر، وتربية؛ ولكنها في المستنقع السوداني الراهن، أبت ألا أن تخرج الكلمات من غابات النفس البشرية بكل سوءات أنسان سنجة أو الشهيناب الأول (ما قبل التاريخ)، بعدوانيته وجلافته. فقد أطاح الممسكون بالأقلام والمسودون للصحائف بكل قدسية وبهاء الكلمة التي كان بها البدء –كما قال الكتاب المقدس. فقد سادت ظاهرة المقالات التي تحمل عناوينها أسماء شخصيات يوجه لها المقال. وهذه بدعة مقتبسة من عوالم الحكّامات والهجّائين لجذب الانتباه للشخص المستهدف، وتركيز تنشين رماة الحدق الجدد علي أهم مراكز الأذى والضرر في شخص وروح المستهدف. هذه السادية محيّرة: أيّ مثقف هذا الذي ينتشي بانتقاء عبارات السب والتقليل من قيمة الآخر؟ أتمني أن يقوم شخص مهتم بمراجعة أرشيف المقالات الصحفية ويعدد لنا كم مرة عنون محجوب محمد صالح أو بشير محمد سعيد مقاله باسم شخص معين، ويقارن عناوينهم بعناوين كتبة عصر الانحطاط خلال شهر واحد. أعلم أنهم مطالبون بتسليم المقال كل صباح مثال بائعات اللقيمات أمام المدارس قديما، ولكن هذه الضرورة يجب ألا تقوم علي الاساءة، ونبش أعراض الناس، وتشويه سمعتهم. هذه –للأسف-خسة وغياب ورع: أن تكسب المال والشهرة بغض النظر عن الوسيلة، وعلي الملأ، علنا. فالحطيئة والفرزدق وغيرهم، كانوا يلقون شعرهم في مجلس السلطان، أوفي ركن من السوق، ولكن ليس في صحف ومواقع يطالعها الآلاف. ويذكرني الكثير من الكتبة بسائقي التاكسي المصريين، فالواحد منهم يسب أباك وأمك بأقذع الالفاظ وهو لا يعرفك، فقط لأنك قطعت الشارع أمامه أو دفعت له ما رآه قليلا.

قبل فترة دخلت في نقاش حول كتاب الأخ(محمد احمد محمود)وكنت أمني النفس بنقاش رصين ومفيد وراق، فـانبري احد الكتبة ويحمل درجة علمية عالية، وسوّد المواقع بشتائم تترفع عنها أحط الحواري وأزقة السقوط، علي شخص لو قابله في الشارع لن يعرفه. وطلب مني البعض الرد، ولكنني لم أفعل لأنني تقينت أن وزارة الصحة لم تعد قادرة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه مستشفى التيجاني الماحي، وبالتالي لا يكون الرجل المناسب في المكان المناسب. وقد أدي تقصير المصحات في دورها العلاجي، أن يتسرب كثير من الكتبة الي الجلوس تحت أعمدة الصحف أو أن يقبعوا في زاويا وأركان المقالات. وتذكرت شخصا كان يتجول في منطقة المحطة الوسطي وكابريس حاملا لافتة مكتوب عليها: لكل سؤال جواب! ولكن أودع المصحة حتي توفي. فقد تحسرت عليه، إذ لم يحضر هذا الزمن الهابط ،فقد كان من الممكن أن يكون له عمود، ويحصل علي لقب "مفكر إسلامي"، أو "ناشط ليبرالي"، أو "منظر شمولي".

اختطف الكتابة والكلمة حفنة من المعقدين، والطواويس، والحواة المعتوهين، في وقت كان هذا الشعب البائس في حاجة ماسة لمن يدافع عنه علنا، ويصد عنه الظلم، ويداوي مذلته بالكلمات الوضئية الصادقة. لست من أصحاب نظرية المؤامرة، ولكن أن يقوم هذا العدد الهائل من المتعلمين بحملة تزييف للوعي منظمة وفي مرحلة تاريخية خضع فيها الشعب السوداني لعملية استباحة وإذلال لم يعرفها في تاريخه الطويل وتحت كل النظم؛ فالأمر يحتاج لتوقف وإمعان. وسط الجوع والمرض، وقصف العزل، وجلد النساء ،تجد قنوات فضائية خصصت بعض برامجها للنكات الناعمة، والحكايات "الطاعمة"، والعبث الذي يتغافل عنه قانون النظام العام. ويكتمل الحال التراجيدي بصحف الفضائح والسباب، مما حدا بهيئة علماء السودان أن تسمي تراشق الصحفيين سفاهة عقل(السوداني13/11/2013). ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يقف نائب يوصف بأنه "داعية" تحت قبة البرلمان، ليقول: البنت غير المختونة عفنة! وتنقل وسائل الإعلام هذا الطفح لداخل المنازل.

هذه المقدمة ضرورية لكي نميز كتابات عبدالله وفيصل الرصينة والملتزمة، عن كتابة الاسفاف الذي يحاصرنا صباحا ومساءا. خاصة ونحن في زمن "تساوت فيه الأضواء والظلم". تحية وإجلالا لهما في علياء الصدق وصحو الوعي.



(2) في شأن الكتاب والكاتب:-

اتحفنا (عبدالله الفكي البشير) بكتاب أقرب إلي قصائد (أم كلثوم) المغناة في كامل فخامتها، وجلالها، وسموقها وحتي في الترديد والإعادة. وكتاب هو أقرب للمنحوتات الصخرية والمعدنية منه إلي اللوحات التشكيلية. وهذا يعني أن الكتاب احتاج لقدر كبير من الصبر والجلد، والمثابرة، والعمل الدؤوب ،وهذا خصال من يريد أن ينجز عملا عظيما. ولك أن تتصور حال(ماركس)وهو يجلس الساعات الطوال في المتحف البريطاني الرطب ليجمع مادة(رأس المال)فقد لزمه قدرا كبيرا من الصبر والجلد. فالكتابة الجادة نوع من العبادة والتبتل، لأن الكاتب يحرم –طواعية-من المتع الصغري: الونسة، القعدات، الولائم، النميمة، الشللية. فتأليف مثل كتاب(عبدالله الفكي)حوالي1277 صفحة، يعني أن هذا الشاب قد كرس وقتا طويلا، وبذل جهدا، وصحة، وراحة، ونور عين من أجل الإنجاز. وهذا السلوك، عدا التجويد والصرامة العلمية، يعكس وفاءا، واخلاصا، وتضحية، وهي خصال لا تجدها كثيرا إلا لدي الإخوة الجمهوريين. وأتمني أن يحافظوا عليها لندرتها وانحسارها المتواصل. وهذا المجهود يجدد التحدي للمثقفين الآخرين الذين وعدوا بالكتابة عن زعمائهم التاريخيين المحبوبين.

يعطي المؤلف درسا في التوثيق المحكم واليقظ والمتابع. إذ يبدو وكأنه يريد أن يقول: لن أفرط في الكتاب من شيء. فقد حاول فعلا أن يلاحق أي حرف كتب أو قيل عن الاستاذ محمود، وهذا عمل اعجازي ولكنه يواجه مشكلة الإمساك بخيوط فصول الكتاب جيدا. فهناك خطر التكرار والاسهاب غير المبرر وانسياب التنظيم. علي سبيل المثال، هناك خلط شديد في الصفحات710و711 حيث يتداخل كلام للطيب صالح وحسن مكي. ويحيل القارئ للملحق36 علي أساس أن بيان أباداماك ولكن القارئ يجد الملحق هو مقال: ماذا فعل الصحفيون بحريتهم؟ والبيان هو الملحق رقم41. وقد درج الكاتب علي كتابة السير الذاتية في الهامش، ولكنه كتب سيرة (محمد محمد علي) كاملة في المتن، قاطعا تسلسل الحوار الراقي مع الاستاذ. وقد لا يكون كل التكرار مرفوض، ولكن التكرار الحرفي وفي صفحات متقاربة يعتبر من العيوب.

أن الكتاب في حقيقته هو محاكمة للمثقفين السودانيين، والاكاديميا، والإعلاميين وكل من ساهم في تجاهل الاستاذ محمود أو تعمد اخفاء سيرته ومساهمتة المقدرة والمميزة. وقد قام الكاتب بعلمية إحياء لتراثة وسيرته كاملة، وسهّل علي المهتمين مستقبلا عملية البحث عن المصادر والمراجع. ولكنني أخشي علي الحمهوريين من خلق ما يمكن أن نعتبره :"مركزية محمودية"، مثل المركزية الثقافية أي (Mahmoudocentrism) أو عقيدة محمود(Mahmoud’s cult). فقد ظهر اتجاه بين الجمهوريين يقيّم تنويرية أو تقدمية أي مثقف حسب قربه أو بعده من الاستاذ. فكل من تحدث ايجابيا عنه يُرفع لمصاف التنويرين، وفي نفس الوقت من كان تنويريا ثم انتقد فكر الاستاذ يخفض من قدره ويحشر في زمرة أدني. هذا الموقف مخالف تماما للفكر الجمهوري المستند علي الحرية الفردية المطلقة والمقيدة فقط بإساءة استخدامها. وقد حمّل الاستاذ الجمهوريين مسؤولية الارتقاء بعقولهم، كما جاء في مؤتمر (أم بارونا)سنة1968:-" نحن عشنا زمن كتير في مجالات عاطفية(...)جاء الوقت لتجسيد معارفنا، وأن نضع أنفسنا في المحك ونسمو في مدارج العبودية سمو جديد".(الكتاب،ص169).وفي موقع آخر:-"أنتم غرباء الحق.. ولكن غربتكم لن تطول ..فاستمتعوا بها، قبل أن تنظروا فلا تجدوا في الأرض إلا داعيا بدعوتكم".(اهداء كتاب الإسلام،يناير1969) فلابد للجمهوريين من قبول النقد وممارسته، ولكن حتي الآن تغلب سودانيتهم علي جمهوريتهم. فقد رفضوا النقد أو الاجتهاد حتي داخل صفهم الواحد.

أخشي أن يتحول(الاستاذ محمود)إلي ،وأن يتحول حواريوه الاذكياء إلي طائفية جديدة. فالجمهوريون الذين سمحوا للأستاذ الاجتهاد في سنة النبي الكريم مثلا، يحرمون (عبدالله النعيم) من حق الاجتهاد في أقوال الاستاذ رغم قدمه في التتلمذ. ويقول المؤلف:-" إن منشورات النعيم ،لا تعد حديثا باسم الاستاذ محمود أة باسم تلاميذه(الإخوان الجمهوريين)،وإنما أصالة عن نفسه، كما ظل يؤكد، فالمنشورات علي تعددها وتنوعها في تقديري، تأتي في اطار مشروع النعيم الخاص، بيد أن المشروع علي خصوصيته وتعدد معالمه، لا جدال في أنه ينتهي في نسبه الفكري عند الاستاذ محمود".(ص289).هذا حديث شديد الابهام لا يبين حدود الخاص داخل النسب. وللأسف لا يدافع(النعيم)نفسه عن نسبه وانتمائه متجنبا قصف خالد الحاج وغيره. وبينما يحرم(النعيم) من شرف التناسل من الاستاذ، يؤكد الكاتب:-"كل اسهامات القراي تستند وتنطلق من مشروع الاستاذ محمود".

(ص291). وفي موقع آخر:-"لا تعبر اصدارات خالد عن مشروع خاص به، وإنما تعلن منذ الوهلة الأولي، ليس ضمنا وانما صراحة في صدور الكتب ومقدماتها، بأن هذه الكتب لا تخرج من كونها امتدادا لمشروع الاستاذ محمود".(ص297) ولم يتصدي لهما أحد مصرا علي خصوصية المشروع، لأنهما لم يجتهدا أو يجددا في فكر الاستاذ، ولم يتحدثا عن علمانية الدولة كما فعل النعيم.

تعامل المؤلف عن بعض المواقف النقدية (غير تلك التي تنتمي للهوس الديني) بقدر ما من التعتيم أو الاختزال. فقد اخضع الحوار الراقي بين الاستاذ والشاعر محمد محمد علي، لعدم موضوعية مخلة. فهو لم يناقش أفكار الشاعر بل ركز علي دوافعه، وقد قد تكون متوهمة. إذ اختزله في كونه معهديا وبالتالي فهو تقليدي ورجعي لم يأخذ من المعهد غير الوسائل (اللغة، النحو، العروض) بلا منهج. كما أنه مصري الهوى والمزاج، وشديد الاعجاب بعبد الناصر.9ص209-210).هذا تحليل للشخصية وليس للأفكار. كما أنه ليس عيبا يقلل من الأفكار التي طرحها. وبالنسبة لمصر فهي قد ترسل للسودان بنفايات اكاديمية مثل (المطيعي) وبنوعية مميزة مثل(عبدالمجيد عابدين) و (محمد عوض محمد)و(العشماوي). و يقف الاستاذ تماما في موقف الكراهية لعبدالناصر لأنه-حسب قوله-الاستاذ جعل من "مصر مخلب قط للشيوعية الدولية".(ص465).هذا حكم جائر قائم علي تحليل خاطئ، لأنه في ذلك الوقت بالتحديد كان الشيوعيون المصريون يمللأون سجون الواحات والمحاريق خلال عامي1959-1964. وقبلها أعدم(عبدالناصر)العاملين: خميس والبقري بتهمة الشيوعية والدعوة لإضراب في كفر الدوّار.

لم يتوقف المؤلف طويلا عند كتاب(محمد أحمد محمود)المخصص كله لفكر الاستاذ(Quest for Divinity) في309صفحة.ويحتوي علي فصل هام(ص12-40)عالج فيه التكوين الفكري للأستاذ وبمن تأثر؟ و لمن قرأ ؟وهذا موضوع يتجنبه الجمهوريون تماما. وهو خلل في التراكم المعرفي لا أدري لماذا تجاهله المؤلف الداعي للورع والاخلاق في مجال المعرفة؟ والاستاذ نفسه يؤكد دوما عدم تأثره بالسابقين، وفي سؤال: هل قرأت لمفكرين إسلاميين؟ أجاب الاستاذ محمود: "في الحقيقة لا يوجد مفكرون بالمعني الذي كان لهم أثر علي حياتي. ولكن هناك أصحاب مناهج هم الذين تأثرت بهم وهم النبي.. والغزالي.. فلقد اتبعت المنهاج ورأت شيئا قليلا.. شذرات من هنا وهناك ولهذا لا أقول بتلمذتي علي مفكر معين".(ص1037).فهو لا يذكر حتي إبن عربي، وهذا وضع غريب علي مجدد صاحب رسالة للإنسانية جمعاء. وهذا موقف طبيعي في التبرير، لأن الاقرار بأثر السابقين ينسف "فكرة الفهم الجديد للإسلام" محور الكتاب، بل مرتكز الاستاذ نفسه في اثبات تفرده وجدته.

*****

سوف أعود للأفكار والمواقف في مقالات قادمة، ولكن موضوع الخفاض الفرعوني وثورة رفاعة ،يصعب تأجيله، لأنه خطأ استراتيجي في فكر الاستاذ. فالموقف صحيح سياسيا في إطار نضال الحركة الوطنية ضد البريطانيين، ولكن علي مستوي الفكر والثقافة معيب في حق مجدد إسلامي. كما أنني انزعجت كثيرا للغة المستخدمة في الاحتجاج علي سجن القابلة، يكتب الاستاذ :" مفتش رفاعة سجن امرأة مصونة شابة في سجن عمومي مع خادمة عاهرة".(ص1105).ثم يضيف:-"يراد سجن امرأة شابة حرة مسلمة مصون".(ص1106)هل يعقل أن يتحدث الاستاذ عام 1946 عن امرأة حرة وغير حرة أم هو مهموم بالإنسان حصرا؟

تظل موضوعات أخري غير الخفاض تحتاج لنقاش مستمر، علي رأسها أعمدة الفكر الجمهوري: السودان، الإسلام، الإنسان، والسلام. وهي بدورها تستدعي قضايا، مثل: فكرة مركز الوجود أو الكون، والتعاون مع مايو، وعروبة السودان والصلح مع اسرائيل .

وأخيرا، للأخ عبدالله، مجددا، الشكر علي هذا الفداء الفكري والاكاديمي.


...
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سيرة الأستاذ

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سيرة الأستاذ

قبل أسابيع تلقيت كتاب الصديق عبد الله الفكي البشير المعنون " محمود محمد طه و المثقفون.قراءة في المواقف و تزوير التاريخ " [ دار رؤية 2013]. و أنا أقول "الصديق" رغم أني لم ألتق بعبد الله إلا في نصوصه المنشورة في الأسافير،[ و قد لا نلتقي ! ] لكني من نفر يؤمنون بأن" صاحب صاحبك " قمين بصحبتك في نهاية التحليل.و عبد الله صاحب لبعض الاصحاب الجمهوريين الذين اعزّهم ، فضلا عن كون عنايته الظاهرة بالتعبير تقرّبني منه رغم تحفظاتي المحتملة على محتوى بعض مكاتيبه في الشأن العام، و العرجاء مصيرها مراحها.
الكتاب يلفت النظر أولا بضخامته ، [ 1278 صفحة ! ]، و لا عجب ، فهو كتاب أراد له مؤلفه التوثيق لسيرة مفكر من أهم رواد الحداثة الفكرية في السودان ـ و قيل في المجتمع الإسلامي المعاصر قاطبة ـ و هي سيرة عقود طويلة من المواقف و المكاتيب و الحكاوي التي لاتنفك تنسج حول الأستاذ محمود شبكة فريدة في نوعها من علاقات الفكر الحي الخلاق.
لكن الكتاب يلفت النظر ثانيا بعنوان طويل ذي ثلاثة مصاريع: مصراع أول فلسفي: يقدم محمودا كـ " صاحب الفهم الجديد للإسلام" ، و مصراع متوسط تاريخي إجتماعي يقدم محمودا في علاقته مع فئة المثقفين " محمود محمد طه و المثقفون". ومصراع ثالث سجالي [ ترجم: " سياسي "] " قراءة في المواقف و تزوير التاريخ "..
و عجز العنوان ينطوي على إتهام صريح موجه لفئة غميسة يسميها المؤلف بـ "المثقفين السودانيين" أو " الأكاديميا السودانية" و يأخذ عليها معاداة أو تزوير أو إهمال قيمة المساهمة الفكرية للأستاذ محمود في فضاء الحركة الفكرية و السياسية في السودان. و حقيقة ضايقني أسلوب العنوان كونه يضفي على سيرة الأستاذ محمود صفة الضحية المغلوبة على أمرها بينما الرجل في مشهد الحركة الفكرية السودانية عملاق متمرد أنفق عمره في عقلنة الخروج منهجا ساميا لبلوغ إنسانية ود ابن آدم الغلـّب الهدّاي. لكن وزن الكتاب على يدي صرفني عن التفكير في أسلوب العنوان ،فأخذت أقلب الصفحات على عجل و أقرأ متقافزا بين المقاطع و الفصول و الهوامش و الأسماء و الملاحق و لم اشعر بالساعات تمر.
و من يومها و الكتاب يرافقني بين المرسم و المكتب كما الكنز السحري.أفتحه عفو الخاطر و اقرأ و أتجمّل و أسوح فرحا في شعاب هذا البستان العامر بأنواع الفواكه المفهومية العالية المقام.
هذا الصباح ، بعد جولة عشوائية سريعة ، وبّخت نفسي و قلت: يوما ما، لا بد لي من أن أفتح الكتاب من الصفحة الأولى و أتابع القراءة بطريقة كرونولوجية مدرسية من المقدمة [ المقدمات! ] حتى الخاتمة .
شكرا يا " صديق " على هذا الجهد الكبير.
و الشكر موصول لذلك " الصديق المجهول" الذي أرسل لي الكتاب من إنجلترا و خربش اسمه [ بأسلوب " كتابة الدكاترة " ] فلم أجد لهويته سبيلا فعزّيت نفسي بإحالة المسألة لميل الجمهوريين لقهر "حظ النفس ".
سأعود

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

التصاوير الجمهورية

مشاركة بواسطة حسن موسى »




سلام للأعزاء..
مازلت سعيدا بقراءتي الفوضوية المتقافزة بين الصفحات و لا عجب فأنا أقرأ بلا نية مسبقة ـ قل بدون خطة محددة بخلاف خطة الفراش الذي يطير من وردة لوردة و هيهات ـ و هذا يكفيني [ برضو هيهات]في هذه المرحلة ، مرحلة الإستكشاف العشوائي لشعاب هذه القارة المفهومية الواسعة التي اسمها محمود محمد طه. من حين لآخر كانت بعض موضوعات الكتاب تردني للنظر في موقع " الفكرة"
https://www.alfikra.org/index.php
و أظنني وجدت في "المساسقة" بين الكتاب و الموقع الألكتروني علاقة تكاملية بين المسندين و بين المنهجين. فالكتاب بطابعه السجالي ينطوي على بعض التشويق الذي يحفز القارئ على متابعة الكاتب في شعاب هذا البحث الطويل المركب و تحسس التحولات في الأسلوب الذي يدبر عليه معالجاته. لكن الموقع الإلكتروني بأسلوبه التوثيقي الغني تقنيا [ نص و صورة و صوت و فيديو] يبسط سيرة الأستاذ بروح يشوبها حياد المسجل الذي لا يبالي بشواغل المساجلين فيطرح الوثائق و يتركهاتتساند و تتصارع و هي تحدث عن تاريخ الرجل و الفكرة. طبعا ميزة الكتاب على الموقع الإلكتروني تبقى في كون المسند الورقي ما زال يتمتع بكفاءة توصيلية عالية ، بالذات في مثل ظروف السودان التي تنكمش المظلة الإلكترونية فيه لبقاع محدودة فضلا عن تأثر المسند الإلكتروني بتقلبات السياسة الرسمية للسلطات القابضة على وسيلة الإتصال الرقمي .و قد افتقدت في الكتاب حضور التصاوير الفتوغرافية ، سيما و أن الحركة الجمهورية، تمثل ، بين الحركات السياسية و الإجتماعية في السودان ، كأكثرها عناية بوسائل التوثيق الفتوغرافي. أرجو أن تتيسر للمؤلف في طبعات الكتاب القادمة فرص تضمين الكتاب مجموعة الوثائق الأيقونوغرافية [ الصور الفتوغرافية و الرسومات و ربما الخرائط الجغرافية التي تعين القارئ [السوداني وغير السوداني] على موضعة تطور الحركة ضمن التاريخ و الجغرافيا السودانية ]. و من صور الوثائق القليلة المستنسخة في جزء الملاحق يرى القارئ صفحات من صحيفة " الجمهورية"، لسان الحزب الجمهوري و عليها شعار الحركة " الحرية لنا و لسوانا"[ 1954]،و تلك الوثيقة " الوصية" المعنونة بـ "الملحق رقم 23". و على قلتها فهي وثائق جبارة تحكي لمن ينظر فيها الجوانب الغنية في تاريخ الحركة و أهلها بما تعجز عنه وسيلة الأدب المكتوب،أعني الجوانب المسكوت عنها في الأدب النصوصي إما بسبب الغفلة أو بسبب الحشمة السودانية لأولاد البلد الذين يعفون عن وصف أحوال الجسد تحسبا من عواقب " النظرة الثانية" المهلكة، أو حتى بسبب ضيق منهج الباحث الذي يصون البحث عن التشتت في تيه التعبير الجسدي. كل هذه التصاوير التي تراكمت على طول تاريخ الحركة الجمهورية تحكي سيرة موازية فالتة عن طائلة الكلمات . سيرة شفرتها التعبيرية مودعة في النحو الذي تنضبط عليه الأجساد الماثلة في إطار الصورة و في الفضاء المادي الذي يتقاسمه الأشخاص مع تصانيف الأشياء و الأحياء و نوعية علاقاتها و طبيعة حركتها و سكونها.
أعرف أن مبحث الصورة الجسدية ظل أرضا غير مطروقة في تقليدنا الأدبي الحديث رغم أن أدبنا الشعبي عامر بمآثر جبارة في موضوع العلاقة بالجسد .لكن حركة الجمهوريين ضمت العشرات من الباحثين و الفنانين و الشعراء الذين ضلعوا بصورة أو بأخرى في التعبير الجمالي لأحوال الجسد، و بينهم اشخاص قمينون بالتأني عند ميراث التصاوير الجمهورية و فرز موياته و تحليل مكوناته و اتجاهاته.
غايتو يا عبد الله قالوا " البتبلبل بعوم " ،فكمّل جميلك و أحمل ملف التصاوير و طف على الجمهوريين و الجمهوريات و من لف لفهم و استنطقهم في سيرة الملابسات و الظروف التي تشهد عنها التصاوير الجمهورية. من يدري؟ فربما عاد علينا مبحث التصاوير بفتوحات غير مسبوقة تنفع السودانيين و غير السودانيين في عقلنة ظواهر هذه القارة المظلمة الجديدة: قارة التصاوير السياسية المعاصرة و الأجر على الله!.


سأعود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



في ذكرى محمود محمد طه : ألف بُستان يُزهر

(1)

خمسة وثمانون وتسعمائة وألف : هو عام الرحيل الباهِر .
ما أحوجنا إليك
عُدت الآن إلينا تُطل من قُبة السماء .
تَنفرج صورتك البهية كمطر السقي الأول .
الضوء برقٌ والرعود زلازل ،
والأحجار جماجم على الثرى ،
ترتدي لحمها وجواهرها لتُبصِرك.
ذكراكَ نبتة عُشبٍ أخضر لأدواء النفوس ،
وكتابُك إستبرق .
لن ينتحب الدهر ،
وبين أيدينا ورثنا عَرشَكَ المُتَكلِم .
صورتك المُنى ،
والحُلم عَجَّل بالرحيل ،
والريح تنفُث حُزنها أسفاً علينا .

(2)

فتحنا عُلب الذاكرة :
العشب يُغطي الأرض وأنت تنظُر الأفق. للأخضر حزماً من الألوان وللمكان فُسحة تُسابق الريح فيها الخيل . وجدناكَ هناك تمشي بخُطى الرُسل ومؤسسي الديانات القديمة . في محبَسِكَ القديم جلستَ إلى الصفاء وصادقتكَ نفسُك وتصالحتَ مع الدُنيا ثم خرجتَ خُروجاً بيِّناً .
من يقرأ أسفاركَ و أقوالكَ يعلم أن وراء المُعلِّم رؤيا في منامٍ انكشفت أستارها .كأنها تركب سرج سابحٍ له أجنحة ضاربة عرض السماء بذيل طاووس . سِرتَ بين أسفار العقيدة سير المُتمَهِل. قرأت من الماضي واستبطنت الجوار المُحمدي ومسَّت بصيرتكَ الصورة الباهرة ثم صُعِقتَ بالحُلُمُ .
كانت أردية النبوءة أثقل حِملاً على جسد المُريدين ولم تزلْ . تخاطَرتَ أنتَ مع المُستَقبل من مورد الماضي . استسقيتَ من البِرَك التي لا تنضب . جلستَ لمولاكَ الذي زين لكَ الكون جُرعة محبة . بصفاء هبطت الرؤيا هبوطاً سدَّ الأفق :
جسداً وروحاً و جوهراً . ما بين الحنايا أكبر من أن يُخفى ، حتى تيسر أن يستَكتِبُكَ مولاكَ فكتبت.

(3)

أيهم أطول في الخطو فيسبقُك؟
تتبع (محمود ) سيرة المصطفى . قرأ وتبِع الأقوال والأفعال . استبطن من سيرة مُعلمه النبي ـ ذاك عالي المقام ـ كيف يُميز بين نهجه في تدريس أهل زمانه ، ونهجه الذي ينفلت من عصره إلى مُقبِل الأيام وفتوحات المُستقبل . قرأ وصلى وترقى في صلاته لتأتيه النفحات المُباركة تتساقط عليه كِسَفاً في اليقظة وفي المنام . كان المحبس الجبري عندما بدأ أول مرة ثم كان محبسه الذي اختاره لنفسه من بعد ...منذ منتصف القرن الذي رحل .
بدأت الصلاة عنده من أولها : تغتسل و تتوضأ وتقف وتُكبِر وتقرأ وتركع وتسجد وفق التقليد... فالطريق الذي يوصل يبدأ من هُنا ثم صعودا . استبطن من المنقول عن النبي خيطاً يميز به خطاب النبوءة في عصرها وحين مدَّ التسامُح طوفانه ، ما استطاعت الدُنيا حينذاك أن تكون بقدره . رأى ( محمود ) أنها نُسِخَت لأنها أرفع مكانة وتستأهل الإنسانية القادمة وإلى مُنتهاها .

جلس هو جلوس الصفاء وهصر بدنه بالعبادة حتى تتخفف الحُجب الغليظة وقرأ ما وراء الخطاب ، فالعامَة يحسبهم يقرءون على عجل ، أما العلماء فأغلبهم نَقَلة تجارب الماضي وحَفَظة نصوص . لم تُسعفهم مكانتهم العالية في اللغة ودراسة علوم الدين أن يستبطنوا المآل من الخطاب الكثيف إلا من رأى منهم الشمس بازغة وهم قلَِّة . لمسوا خيوط محبة المصطفى و نسجوا نسيجاً باهراً وقرءوا الذكر بعد أن تبينوا معانيه وانتهجوا النهج من أول السُّلم وصعدوا . كتب بعضهم في الإشراق وفي الفتوحات الربانية التي على إبداعها لا توافق شكلاً ظاهر الشرائع التي ترى أن الرسالة واحدة : نُسخت فيها آيات السماح وإلى الأبد .
قرأ التقي العابد وجلس جلوس الصفاء فتفتحت قرائحه إلى كيف تصلون وما شريعة الأحوال الشخصية وما مكانة المرأة وما جهاد السيف وما الزكاة ...، حفر الذهن ومدَّ بصيرته لرؤى تقف في وجه التقليد بالتأويل وتكشف الحُجب التي كان يتعيّن على أمثاله أن يكتبوها للناس ، فهو رسول من رسل القراءة التي تُعيد للعقيدة تسامحها و أن المولى قد اختارها لعباده درجة ثم أخرى إلى يوم يُصبح الفتح أعظم والإنسان سيداً بعلمه لا بسيفه .

(4)

في يوم الجمعة الكُبرى صعد الشهيد ( محمود ) عتبات الوجود قبل الذهاب ثابتاً لرحلة العبور إلى دُنيا غير التي نحيا . كان فَرِحاًَ يتبسم . قَتَلتهُ انزووا في ظلمة الكسوف الأكبر . رحلت عنهم الكرامة و معرفة الحق فالدُنيا نعيم لمن يتصالح مع نفسه وجحيم لمن يكتشِف لاحقاً أن الخسران المُبين هو أن تستل سيفك في وجه أعزل .كان المُعلِم شجرة في كل ورقة من أوراقها بُرعُم يُزهِر قنديلَ بِشر . نقيٌ هو ملائكي المَسلَك : ناصِحٌ وناصِعٌ و صبوح .

(5)

هذه صورتكَ النبيلة يا نسمة رقة بها من العطر:
أول ما يأتي مع مفاتيح الصباح وضوءٍ من باذنجان الليل فتح قلبه .
عابدٌ انتظر الصباح ليله وهو يحزم أمره . أخذته السَّكينة.
أ أنتَ يا ورقاً تُسمِّد الأرض لتُنبِتْ البواسق من الشجر المُثمر ؟ .
لن تمضي أيامي مُبعثرة وصدركَ حانٍ ،
وقطاف أزهار ربيع العُمر أقرب من أكسيد الحياة .
كَم يقْزُم جَلادوكَ !؟ .
إن الوزر أثقل من أحجار الرحى حين تحملها الحنايا .
بيت قلبِكَ الظليل يا سيد الكِرام أعشاش محبة لَففتُه لنا في ورق الهدايا :
استنارة تفرح الطفولة في الدواخل ، وتُطرِب بيت الفِكَر .
نم هنيئاً بين الثُريات في عليائك فنور محبتك أشرق مثل شمس الوجود ،
وأينعت قِطائفُكَ تُلامس وجداننا وبقيتَ سرمدياً بين أضلعنا وطاب لكَ المقام.

عبد الله الشقليني
01/07/2007 م


علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »



التحية والاحترام لمؤلف هذا العمل، فقد استلفت نسخة من صديقة في اطار اعدادي لمساهمة

في ذكري الاستاذ محمود تقيمها مجموعة اجندة مفتوحة هنا في لندن يوم 18 القادم، فقد تخوفت

في بادي الامر من ان اصاب بالاحباط وانا اتصفح الفهرس حيث طاف الكاتب علي كل شاردة وواردة

تتعلق بحياة الاستاذ بما يتضمن حتي الاشارة الي الكتابات الاسفيرية الحديثة فتخوفت من ان يكون

الامر لا يعدو حشوا وطوافا متساهلا منهجا واسلوبا.

لكن كانت النتيجة علي العكس تماما فقد وجدت كتابة متزنة اتبع فيها منهجا حقانيا في ابراز الحقائق

اضافة الي استخدام اسلوب سهل ورفيع في انتقاء المفردات والتعابير. والاهم من ذلك مدي الصبر

الذي بذله الكاتب كباحث قبل ان يكون مؤلفا، فقد جمع مادة غزيرة تفيد كل الباحثين في سعيهم للتعرف

علي الحقائق من مصادرها الاصلية..فهو بحق مجهود يستحق ا
لتقدير.

علي عجب
علي عجب
مشاركات: 470
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 5:48 pm

مشاركة بواسطة علي عجب »

الوصية التي أرهقتني مِن أمري عُسراً!

فتحي الضَّـو
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
1- هذه وصيتى ووكيلى على تنفيذها زوجتى بعد الله
2- تسدد الديون أعلاه وإذا لم يعرف يوسف الحلوانى وبائع الفحم والحلاق
يصدق بما لهم على الفقراء باسمهم والتسديد من نصيبى من مال السلوم
3- ينظر في ما على من حساب من شركائى بمقتضى فواتير من عبد الكريم عبد الرحمن
(حساب خصوصى باسمى) فيسدد وهو حوالى //36ج//
4- ينظر في استجرار المكتب من شراكة السلوم وما يخصنى منه يدفع وابراهيم الاسد
مسئول عن الارشاد الى ذلك
5- يعطى شيخ لطفى مبلغ //300 ج// تعويضاً له عما صرف على وعلى اولادى
6- تعطى الربجود مبلغ //50 ج//
7- ما يبقى يكون لزوجتى واولادى وزوجتى هى خليفتى عليهم بعد الله
8- لا يفرش على ولا يتصدق ولا اكفن في جديد
ولا يناح على ولا تجعل على قبرى أى علامة ويباشر
غسلى زوجتى
محمود محمد طه
السبت 13 شعبان 1370
موافق 19 مايو 1951
تظهير طبق الأصل
(2)
هذه هي الوصية التي أرهقتني من أمري عسراً. اطَّلعت عليها مؤخراً في ثنايا كتاب جمع فأوعى، شدّ وثاقه وجمع وثائقه، الأستاذ عبد الله الفكي البشير وصدر أواخر شهور العام المنصرم في نحو ما ناهز الألف وثلاثمائة صفحة، مسجلاً بذلك رقماً قياسياً في مضمار التأليف. وبما أننا نتنسم نفحات الذكرى التاسعة والعشرين لاغتيال شهيد الفكر الإنساني الأستاذ محمود محمد طه، أستطيع أن أقول إن هذا الإصدار الضخم - حساً ومعنىً – قد زاد المناسبة سمواً وزانها وفاءً وأكسبها جلالاً. هو كتاب إذا رأيته أعجبك عنوانه، وإذا قرأته وقعت أسير بيانه. سطَّر كل شاردة وواردة متصلة بحياة الأستاذ الوافرة بالعطاء والزاخرة بالمعرفة والمليئة بالمواقف المتفردة، بل وامتدَّ التوثيق لكل ما يتصل بفكره عرضاً وتحليلاً وتسجيلاً لما كَتب وكُتب عنه، الأمر الذي يمكن أن يوفَّر جهداً كبيراً ووقتاً ثميناً، يدخرهما دائماً أي باحث ومطلع ومهتم بمثل هذه الأعمال العظيمة. أصدقكم القول إن هذا الكتاب يفرض عليك هيبة غير مصطنعة وأنت تنظر إليه من قبل أن تمتد له يداك وتجوس في سطوره عيناك. ولا أقول ذلك نظراً لكبر حجمه، وإنما لكبر حجم من تناول سيرته. ونحن نعلم وأنتم تعلمون أن الأولى نسبية والثاني حتمية لمن شاء لعقله شقاءً ولقلبه طمأنينة أو كما قال أبو الطيب المتنبي (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله/ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم). ولعمري أن تلك غاية أصبحت أندر من لبن العصفور، فقد بتنا نعيش في زمن تسيَّد فيه المتنطعون وكاد الجهل أن يتوج ملكاً على العباد!
(3)
سنترك الأستاذ عبد الله الفكي البشير وكتابه في حصن مكين، ولكن قبل أن أغادره أقول بلا مراء إنني تمنيت لو كنت كاتبه، لا سيَّما، وقد زاد من رغائبي أن الكاتب وأنا لم تكتحل عيوننا برؤية الأستاذ يمشي بين الناس بشراً سوياً. بيد أن أستاذ الفكي تدارك تلك النقيصة بشرف الانتماء للفكرة الجمهورية، أما أنا فقد بقيت في سرب الذين هم في جهلهم يعمهون. كذلك لن أغادر كتابه هذا دون الإشارة إلى أن الوثيقة المنشورة أعلاه اصطدتها وعيني تزاور صفحاته ذات اليمين وذات الشمال. حينها شعرت - برغم تقادم سنينها - أن الأرض مادت من تحت قدمي. وقد هاج كياني وماج واضطرب، لدرجة كدت أن أقول لأبنائي زملوني ودثروني. لكن أبنائي أنفسهم لاحظوا حيرتي وشرود ذهني وإطالة نظري في اللا شيء. هم بداهةً لم يدركوا سر انجذابي وأنا – بالطبع - لم تحل عقدة في لساني لأقول لهم قولاً ينزل الطمأنينة في قلوبهم. فما الذي يمكن أن يقوله شخص مثلي وهو لا يقوى على اختصار السنين في ثوانٍ؟ كيف يتسنى لمثلنا أن يحتفظ برباطة جأشه وهو يقرأ وثيقة كهذه ولا يسأم من تكاليف الحياة وطولها كما سئم منها لبيد بن ربيعة العامري. عندئذٍ لم يكن ثمة مناص أمامي، غير تلفحي بالصمت ريثما يهدأ روعي. ومع ذلك بين الوالد وما ولد حاصرتني أسئلة كيوم الحشر. فأدبرت عنهم والأشفاق يكاد ينبجس دمعاً من عيونهم، وتركوني تائهاً أتأمل وثيقة أورثتني من أمري عسراً، وعجبت من أن العظماء مهما تطاولت سنين غيابهم إلا أنهم يشعرونك بأنهم ما غابوا عن دنياك إلا لأخذ سنة من النوم، وأن جلاديهم ومعذبيهم وقاتليهم يمضون لكهوف النسيان كما تمضي السابلة في الطرقات، لكن التاريخ يصنعه الأخيار كما يصنعه الأشرار أيضاً، وفي ذلك حكمة لكل ذي لبّ ألقى السمع وهو شهيد!
(4)
نعود للذكرى وشؤونها والوصية وشجونها، لنستخلص منهما عبراً ومعانَي سامقة، لتعيننا في هجير الحياة الحارق ونحن نبحث عن خلاص من الطواغيت وشياطين الإنس. ولا شك عندي أن القراء سيمضون في طريق التأمل في نصوصها والتفكر في حياة كاتبها، بأكثر مما فعلت واستنتجت النقاط المختصرة التالية:
أولاً: بنظرة عجلى لا تخطئها العين، تنضح الوثيقة بشجاعة صارت فيما بعد جزءاً أصيلاً وخصلة متفردة من خصائل الأستاذ محمود محمد طه، لازمته منذ بواكير حياته وهو يخوض غمار الفكرة الجمهورية وحتى آخر لحظة من رحيله عن الدنيا. والشجاعة كما يُعرّفها اللغويون هي الجرأة والإقدام، وبهذا المعنى تؤكد أن الأستاذ محمود استبطن مصيره وهو يشق طريقاً وعراً وشائكاً، بل معروفة مآلاته في التاريخ الإنساني. فهو الطريق الذي سلكه من قبل رسل وأنبياء وعلماء ومفكرون وسياسيون من أصحاب المبادئ السامية والنبيلة، وقد تعرضوا في مسيرتهم تلك لصنوف من التعذيب والتنكيل والتقتيل، وأدناه السخرية والازدراء والتخذيل. في عام 309 هجرية أُخرج الحسين بن منصور الحلاج من سجنه، فجلد وقطعت يداه ورجلاه، وشوه، وصلب، وجزّ رأسه، ثم أُحرقت جثته. وفي سنة 124 هجرية خطب خالد القسري والي الكوفة خطبة العيد وكان الجعد بن درهم يرسف في الأغلال أسفل المنبر، فقال: أيها الناس ضحوا يقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، وبالفعل نزل من المنبر وذبحه ذبح الشاة. ومثلهما عانى الإمام أحمد بن حنبل وهو يعذب من خليفة إلى آخر بدءاً بالمأمون ومروراً بالمعتصم والواثق وانتهاءً بالمتوكل، فقد أذاقوه الويل والثبور وعظائم الأمور، أما سعيد بن جبير فقد قتله الحجاج بن يوسف الثقفي بتشفٍ يحسده عليه غلاة الساديين. وقبلهم عزف سقراط عن الهروب والنفاذ بجلده وهو يعلم أن الموت بالسم الزعاف جاءه يجرجر ويلاته. وأمام جبروت كهنة الكنيسة الكاثوليكية أُخرص جاليلو عن الكلام المباح فمات كمداً. وعلى الرغم من أنه بقي في غياهب السجن لنحو ما يربو على الثلاثة عقود زمنية، يأتي نيلسون مانديلا الذي رحل عن دنيانا بالأمس نموذجاً لمن هزم جلاديه وهم صاغرون!
(5)
ثانياً: إن استدلالنا بالوصية على شجاعة الأستاذ محمود يأتي أولاً من زاوية أنها كُتِبت - وفق المنظور الزمني - في أعقاب تأسيس الحزب الجمهوري (1945) الذي توسل به مناهضة الاستعمار بالمواجهة والصدام المباشر، مما حدا بالمستعمر إيداعه السجن مرتين قبل نهاية الأربعينيات، ليصبح بذلك أول سجين سياسي سوداني. ثانياً، ظل غير عابئ بما حاق به في السجن ومعاناته، بدليل أن الوصية جاءت وفق منظورها الزمني أيضاً في بواكير نشر فكرته الجمهورية (أواخر العام 1951)، واستمر بعدئذ في طرح رؤاه العقدية والفكرية والثقافية والسياسية بصبر ومجالدة لأكثر من ثلاثة عقود زمنية، كانت الشجاعة المذكورة زادها الذي لا ينضب. ثمَّ توجها بوسام لا يعرف الصدأ وهو يتمسك بمبادئه ولا يحيد عنها قيد أنملة، ففي ظل ظروف بات فيها الموت ينشر أشرعته السوداء في كل مكان، صعد لمنصة الإعدام كصديق يريد أن يلتقي صديقه بعد طول غياب. وعندما تفاقمت تلك المشاعر التي استنطقت الصخر العصيا، بلغت سنامها بتلك الابتسامة الغامضة في لحظة تاريخية تتقاطع تماماً مع معانيها، ولذا برغم اجتهاد المجتهدين لن يستطيع أي كائن أن يسبر غورها ولو تنزلت عليه غيثاً من السماء. ويقيني أن صاحبها هو الوحيد الذي سينزع عنها اللغز في يوم يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!
(6)
ثالثاً: لعل الزهد والبساطة والتعفف هو الفسيلة الأخرى التي تطالعها في شجرة الوصية بما لا تستطيع أي عين نكرانه إلا من رمدٍ. فالزهد أصلاً هو ما ميز حياة الأستاذ فيما بعد. لقد كان زاهداً حد الاخشوشان في ملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه. وهو الذي كان بمقدوره إن لم يعش ترفاً فعلى الأقل أخذ نصيبه من الدنيا بكده وعرقه وفق وظيفته الأصلية النادرة كمهندس في ذاك الزمان. أو فيما بعد وقد تحلق حوله تلاميذ يسدون عين الشمس. يقيني لم يكن الزهد الذي اتبعه الأستاذ محمود محض تظاهر بقدر ما هو دروس ألقاها علينا ونحن عنها غافلون. ولا أدري كيف استطاع العيش للعقد السابع من عمره بذاك الطعام الذي لم تتوفر فيه العناصر الغذائية الكاملة المعروفة؟ ولا أدري كيف غالب شهوات النفس وهو يحصرها في ملبسٍ واحد لا شريك له؟ المفارقة التي لن يستطيع المرء سبر غورها، أن تلك كانت حياة الضحية الذي وصم بالردة وسلوكياته تنم عن هذا الخُلق العظيم، ما بال الجلاد الذي ادّعى المنافحة عن الإسلام يلبس الحرير والسندس والإستبرق وقومه عراة؟ كيف له أن يأكل من الطعام أطايبه وشعبه جائع؟ حتّام يسكن قصوراً بُنيت من دم فقراء يكدحون كدحاً في الدنيا إلى أن يلاقوا ربهم. لقد مضى الأستاذ محمود إلى رحاب ربه وترك لنا من خلفه ثروة تضم »ثوب وعراقي وسروال وطاقية ومركوب وأبريق وسجادة« هي كل ما شاهدت في غرفة الجالوص القابعة في الثورة الحارة الأولى. ولا نملك إلا أن نقول من أراد أن يرى رجلاً كان أكله القديد فليتأمل في حياة محمود محمد طه، ومن » سرّه أن ينظر إلى زُهْدِ عيسى بن مريم فلينظر إلى محمود محمد طه«. والأخيرة هذه قالها الرسول الكريم في أبي ذرّ.. فتأمل!
(7)
قال سقراط فيما قال (ينبغي على الإنسان أن يفهم نفسه قبل أن يفهم العالم حوله) أما أبو ذر المذكور أعلاه فهو أبو ذر الغفاري، ولا شك - يا قارئي الكريم - أنك قرأت عنه أنه نُفي أو هُجَّر إلى الربذة مغاضباً سيدنا عثمان بن عفان بسبب ما آل إليه حال الخلافة فيما اعتبره تبذراً وإسرافاً. ولما أدركته الوفاة بكت زوجته أم ذرّ، فقال لها ما يبكيك؟ فقالت: ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاةٍ من الأرض، وليس عندي ثوب يسعك كفناً لي ولا لك. أما أنا يا عزيزي القارئ فعلاوة على ما قرأت عن أبي ذر وزهده، فقد حدثني عمنا الراحل يونس الدسوقي، وكان مثقفاً موسوعياً، ذرب اللسان عذب الكلام، عندما يتحدث يملك شغاف قلوب سامعيه بصوته الذي يعلو حيناً وينخفض أحياناً وفق مقتضيات السرد. وكان عم يونس - كما يحلو لنا أن نناديه - صديقاً للأستاذ محمود، وبالرغم من اختلاف مشاربهما الفكرية إلا أنهما تحابا في الله على حد تعبيره. ذلك كان إبان عمل الأستاذ كمهندس ري في المشاريع بمدينة كوستي في منتصف الخمسينات. حدثنا عم يونس ذات يوم وكنا رهط من أصدقائه حديثاً شفيفاً عن الأستاذ في تلك الفترة، وما يهمنا منه فيما نحن بصدده، قال إنه كان يحضر إلى كوستي من عمله بالمشاريع عند نهاية كل شهر حاملاً معه مرتبه الشهري، فيضعه في سلة صغيرة تحت منضدة تتوسط غرفته، وما أن يسمع الناس بمجيئه فيتدافع نحوه أصحاب الحاجات، ويشرحون أحوالهم الدنيوية طلباً للمساعدة، فكان يوجههم نحو تلك السلة ويطلب من السائل أن يأخذ ما يكفيه، ويستمر على هذا المنوال إلى أن تفرغ السلة من المبالغ التي ضمتها، فيستدبر الأستاذ كوستي عائداً لمكان عمله، ويتكرر الموقف في الشهر الذي يليه.. وهكذا دواليك!
(8)
عندما نتأمل هذه القيم ندرك تماماً لماذا تآمرت خفافيش الظلام على قتله. والناظر لحال الذين طغوا في البلاد اليوم وأكثروا فيها الفساد يدرك تماماً ما كان أمامهم إلا أن يفعلوا فعلتهم الشنعاء تلك. ذلك لأن حياة الأستاذ محمود بذلك النمط الذي ذكرنا تتضاد تماماً مع الصورة التي نراها أمامنا الآن. فقد قتلوه كي يخلو لهم الجو ليبيضوا ويفرخوا فيه بضاعتهم الكاسدة تلك، قتلوه لكي يتمكنوا من نشر أكاذيبهم وأباطيلهم وضلالتهم، فهم يعلمون أنهم ما كانوا سيفعلون لو أن الأستاذ محمود بقامته الفكرية الفارعة، وقدرته الفذة على المجادلة بالتي هي أحسن وفق المنهج الربَّاني، وحكمته التي تميز الخبيث من الطيب، وقدرته في الثبات على المبدأ، أنه بتلك الصفات الوحيد القادر على دحض أكاذيبهم وهزيمة ترهاتهم. لو كان بيننا لما تمددت سنواتهم لنحو ربع قرن. إنني أنعي إليك يا سيدي تقاعسنا عن بلوغ الغايات النبيلة، أرثي إليك حالنا ونحن صم بكم عُمي عن إرث تركته لنا في فضائل الأخلاق، من شجاعة وزهد وبساطة وحلم وحكمة، أشكو إليك جُبننا وقد عجزنا أن نقول مثلك كلمة حق في وجه سلطان جائر!
يريدون أن يطفئوا سيرتك يا سيدي وكأنهم لا يعلمون أن فرعها ثابت وأصلها في السماء، يريدون أن يطمسوا ذكراك يا شهيد الأمة، وفي ذكراك انطوى السر العظيم لو تأملوا وكانوا يفقهون!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية
وإن طال السفر!!
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
الدكتور حسن موسى

تحية واجلال.. لقد سعدت غاية السعادة بكل كلمة جاءت منك.. وانتشيت بكل الملاحظات والمعاني الواردة في مداخلتيك.. فقد مثلتا عندي شراكة في الاحتفاء، من نوع خاص، بصدور كتاب: صاحب الفهم الجديد للإسلام، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف، وتزوير التاريخ.. لقد حفزتني كلماتك على التأمل وإعادة التأمل، فانتقلت بعد أن قرأت كلماتك مرات عديدة، من حالة الانتشاء بالشراكة في الاحتفاء إلى الجانب العملي، وهذا ما جعلني، إلى جانب ظروف أخرى، أن أتأخر في التعليق..

فمنذ أن تأملت تعليقك، وما جاء فيه من ملاحظات وأفكار، بدأت في إعداد ورقة استوحيتها من تعليقك، واستلهمتها من ملاحظاتك، لتكون بمثابة شكر وتحية لك.. نبعت فكرة الورقة من تأملي في قولك وإشاراتك العديدة للجسد: "... وصف أحوال الجسد... تيه التعبير الجسدي... سيرة شفرتها التعبيرية مودعة في النحو الذي تنضبط عليه الأجساد الماثلة... مبحث الصورة الجسدية... رغم أن أدبنا الشعبي عامر بمآثر جبارة في موضوع العلاقة بالجسد... التعبير الجمالي لأحوال الجسد... إلخ"... وهي إشارات تتصل بقولك: "افتقدت في الكتاب حضور التصاوير الفتوغرافية"... سأعود لـ "التصاوير الفتوغرافية"... لكن حديثك عن الجسد جاء عندي بمثابة النداء المباشر لي، لإنجاز مهمة، أو هكذا تبدى لي.. ولهذا بدأت فوراً في إعداد ورقة استجابة لهذا النداء، ووسمتها بعنوان مبدئي: "الجسد عند الأستاذ محمود محمد طه: قراءة أولية".. وكنت أود انجازها لتأتي مع هذه المداخلة، غير أنها لم تكتمل وتحتاج مني لوقت اضافي.. ولهذا، ولأني تأخرت في التعليق، دفعت بهذه المداخلة بمثابة تحية وشكر لك، على أمل الدفع بالورقة لهذا المنبر، متى ما فرغت منها..

يتصل هذا النداء، الذي ورد في ثنايا مداخلتيك، بأمر آخر، وهو أنني كنت مشغولاً بأمر الجسد عند الأستاذ محمود، وبأقواله الواردة في كتاباته ومحاضراته عن الجسد: "الجسد ما بيخطى" و"أعلم شىء في كل حيّ جسده" وأن الروح "هي الجسد الحى الذي لا يموت!!..." وقبل مرحلة ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، "فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر"... إلخ.. إلى جانب ذلك فإن الأستاذ محمود كان في معتقله خلال الفترة من 9 يونيو 1983م وحتى 19 ديسمبر 1984م، وهو المعتقل الذي خرج منه ليعود ثانية وبعد 17 يوم أي في يوم 5 يناير 1985م للسجن ومن ثم تنفيذ حكم الاعدام عليه، كان في ذلك المعتقل، قد دوَّن بخط يده يومياته في مفكرة صغيرة، ومن بين ما كتبه: "الحوالة على الجسد" وقد كتبتها بتكرار "الحوالة على الجسد" وهكذا. لقد اتيحت لي فرصة الاطلاع على تلك المفكرة، وقد استعنت بها كمصدر، إذ وظفت بعض مما جاء فيها في مقال نشر من قبل في صحيفة الجريدة بالخرطوم، وفي هذا الخيط أيضاً، وهو بعنوان: "مساعي مراجعة حكم الاعدام على الأستاذ محمود محمد طه وموقفه منها". من المعروف أن الأستاذ محمود قضى الجزء الأول من فترة اعتقاله تلك، بنادي الضباط الإداريين بشارع السيد عبدالرحمن بالخرطوم، وقضى الجزء الثاني بمنزل بونا ملوال بالخرطوم.

الشاهد ان إشاراتك الواردة عن الجسد، زادت من انشغالي، وحفزتني على التأمل، ورتبت أفكاري، ومن ثم بلورت عندي فكرة الورقة، التي قطعت فيها شوطاً...

الصور الفتوغرافية والرسومات والخرائط الجغرافية

القول "وقد افتقدت في الكتاب حضور التصاوير الفتوغرافية"، قول صحيح.. في الواقع كانت خطتي أن يتضمن الكتاب بعض الصور الفوتوغرافية، وقد جمعت عدداً كبيراً من الصور، عن الحركة الجمهورية والنشاطات والشخوص ...إلخ، كما قمت بتصوير عدد من كبار تلاميذ وتلميذات الأستاذ محمود، وأشياء كثيرة. ولكن وبعد أن بلغت صفحات الكتاب 1278 صفحة، وبعد نقاش مع الناشر، لم يتم تضمين الصور.. ولكن هذا ما سأتداركه في الطبعة القادمة، وقد وضعت ضمن ملف ملاحظات الطبعة القادمة، هذه الجملة: "أرجو أن تتيسر للمؤلف في طبعات الكتاب القادمة فرص تضمين الكتاب مجموعة الوثائق الأيقونوغرافية [ الصور الفتوغرافية و الرسومات و ربما الخرائط الجغرافية التي تعين القارئ [السوداني وغير السوداني] على موضعة تطور الحركة ضمن التاريخ و الجغرافيا السودانية ]... غايتو يا عبد الله قالوا " البتبلبل بعوم " ،فكمّل جميلك و أحمل ملف التصاوير و طف على الجمهوريين و الجمهوريات و من لف لفهم و استنطقهم في سيرة الملابسات و الظروف التي تشهد عنها التصاوير الجمهورية. من يدري؟ فربما عاد علينا مبحث التصاوير بفتوحات غير مسبوقة تنفع السودانيين و غير السودانيين في عقلنة ظواهر هذه القارة المظلمة الجديدة: قارة التصاوير السياسية المعاصرة و الأجر على الله".

بهذه المناسبة سأورد بعد نهاية هذه المداخلة نماذج من تلك الصور التي كنت قد جمعتها أو التقطتها (سأورد نماذج فقط)..

حينما يسعفك حسن موسى وجاك لوغوف

بعد يومين من مداخلة حسن موسى الأولى في يوم 6 يناير، تم تنظيم سمنار في يوم الأربعاء 8 يناير 2014م عن كتاب: صاحب الفهم الجديد للإسلام، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، https://www.dohainstitute.org/content/94 ... ca13e545ce
وفي بحر السمنار قدم أحد الأساتذة الجامعيين (بروفيسور متخصص في التاريخ) مداخلة أورد فيها بعض النقاط، كانت أولى نقاطه عن عنوان الكتاب. أشار إلى أن عنوان الكتاب أبرز الأستاذ محمود كالبطل، وأضاف قائلاً: لقد انتهى زمن تمحور التاريخ حول البطل والبطولات، وأشار إلى دور مدرسة الحوليات في ذلك، وتوسع في حديثه، مع عدم اتفاق واضح كون العنوان أبرز الأستاذ محمود كبطل..

هنا استدعيت حسن موسى والمؤرخ جاك لوغوف، وهو أحد رواد التاريخ الجديد. كما استأنست بآراء فرانسو دوس في كتابه: التاريخ المفتَّت: من الحوليَّات إلى التاريخ الجديد، 2009م، وكذلك بما جاء عند جان كلود شميث، في ورقته: "تاريخ الهامشيين". وهي ورقة نشرت ضمن كتاب: التاريخ الجديد، الذي أشرف عليه المؤرخ جاك لوغوف، وترجمه وقدم له محمد الطاهر المنصوري، 2007م. كنت قد درست كتاب: التاريخ الجديد، الذي صدر في طبعته الثانية متضمناً (10) أوراق علمية لبعض الكبار من المؤرخين وهم: جاك لوغوف J. Le Goff، "التاريخ الجديد"، ميشيل فوفيل M. Vovelle "التاريخ والأمد الطويل"، كريزستوف بوميان K. Pomian "تاريخ البنى"، أندريه بورغيار A. Burguière "الأنثروبولوجيا التاريخية"، فيليب أرياس Ph. Ariès "تاريخ الذهنيات"، جان ماري بيساز J. M. Pesez "تاريخ الثقافة المادية"، جان لاكوتور J. Lacouture "التاريخ الآني"، غي بوا G. Bois "الماركسية والتاريخ الجديد"، جان كلود شميت J. C. Schmitt "تاريخ الهامشيين"، إفلين باتلاجين E. Patlagean "تاريخ المتخيَّل"..

استدعيت كل هؤلاء الجماعة الكبار، في اجابتي على البروفيسور في يوم السمنار، وأشرت لرؤى ما بعد مدرسة الحوليات حيث التاريخ الجديد، كما استدعيت حسن موسى، ونسجت اجابتي قائلاً للبروفيسور (جزء من معنى اجابتي): فالعنوان الذي ترى أنت فيه مركزية وبطل وبطولة مع إشارتك وتذكيرك بآراء ومنهج مدرسة الحوليات، يرى فيه الدكتور حسن موسى وهو أكاديمي وفنان عالمي، رأياً ليس ببعيد عن آراء جاك لوغوف ورواد التاريخ الجديد، إلى جانب أنه يسير في الاتجاه المعاكس لما ذهبت أنت إليه. إذ يرى حسن موسى أن اسلوب العنوان أضفى على "سيرة الأستاذ محمود صفة الضحية المغلوبة على أمرها بينما الرجل في مشهد الحركة الفكرية السودانية عملاق متمرد أنفق عمره في عقلنة الخروج منهجا ساميا لبلوغ إنسانية ود ابن آدم الغلـّب الهدّاي".

كيف وصل الكتاب إلى حسن موسى?

من المهم الإشارة إلى الكيفية التي وصل بها الكتاب إليك.. خاصة وأنك قد أشرت إلى أن اسم الشخص الذي أرسل الكتاب لم يكن واضحاً في رسمه.. الشاهد أنني عندما عزمت على أن أهديك نسخة من الكتاب، أرسلت عبر البريد الإليكتروني رسالة إلى الأستاذة نجاة محمد على وطلبت منها عنوانك.. فرفدتني مشكورة بالعنوان.. ثم دفعت بعنوانك إلى الأخ محمد بليلة، وهو من تلاميذ الأستاذ محمود ومقيم بلندن، وكنت قد أرسلت له بعض النسخ من الكتاب، وطلبت منه أن يرسل لك نسخة.. وقد فعل.. له مني خالص الشكر وكثير التقدير..

شكراً حسن موسى.. والحق إن كلماتك وأفكارك، لم تقف في حدود الإشادة بالكتاب والتعليق وإبداء الملاحظات النقدية؛ وإنما كانت عابرة لكل ذلك في اتجاه الالهام وملامسة مناطق تماس التساؤلات والانشغالات، والدفع نحو توليد الأفكار والمعاني، والتحفيز على العمل والانجاز بإتقان.. آمل أن أنجز ورقة الجسد عند الأستاذ محمود، وآمل كذلك، وقد عزمت بعد قراءة تعليقاتك، أن تكون الطبعة القادمة من الكتاب، عامرة بالصور الفتوغرافية والرسومات والخرائط الجغرافية..

وبالطبع سأكون منتظراً للمزيد من نظراتك وتأملاتك وملاحظاتك النقدية عن الكتاب.. لك التحية والتجلة..

آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الأربعاء مارس 12, 2014 8:06 am، تم التعديل 6 مرات في المجمل.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

[color=darkblue]..
نماذج من الصور التي جمعتها



[size=24]صورة تذكارية- الأستاذ محمود (مرتدياً الجلابية والعمة) مع نقابة المهندسين السودانيين، عام 1967م



صورة
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الثلاثاء مارس 11, 2014 11:17 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

صورة

الأستاذ محمود محمد طه من الجالسين من ناحية الشمال، الطفلة (آنذاك) سهير العاقب ابنة بنت شقيق الأستاذ محمود، وزوجة عثمان بشير مالك "حالياً"، الشاعر محمد المهدي المجذوب، النور حمد.
الوقوف من اليمين: عصام عبدالرحمن البوشي، مختار مختار محمد طه، محمد عثمان سليمان، جمعة حسن، أحمد الحسين الحسن.

من المهم الإشارة إلى أنني حصلت على هذه الصورة من البروفيسور عصام عبدالرحمن البوشي، الذي حدثني بأن الدكتور سلمى الخضراء الجيوسي هي التي التقطتها أثناء زيارتها للأستاذ محمود عام 1972م. كما أفادني البوشي بأنه حصل على الصورة من الأخ جمعة حسن.

آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الأربعاء مارس 12, 2014 9:14 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

محمد محمود محمد طه (1944م-1954م)

صورة
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

صورة
حيدر بدوي صادق في عمل دؤوب، يمسك بماكنة الطباعة والحبر وإلى جنبه أحد الإخوان الجمهوريين

الطباعة- ماكنة الرونيو لها تاريخ عند الحزب الجمهوري منذ عام 1946م..


يقول الدكتور أحمد خوجلي: "وكنا من الجهة الأخرى على اتصال بالحزب الجمهوري وكان حزباً ثورياً. والجمهوريون هم أول من أصطنع المطبعة السرية لطبع المنشورات ويوزعونها في المقاهي وغيرها. واذكر لما تظاهرنا في الوادي في 1946م، جاؤونا بمنشورات وزعناها وسط الطلاب. فأزعجت المنشورات مفتش مركز أم درمان وتحروا في كيفية وصولها للوادي من أم درمان. ولم ينتهوا إلى شيء".
وردت الإشارة لذلك مع شىء من التفصيل ضمن الفصل الرابع: "دور الأستاذ محمود في الحركة الوطنية السودانية" من كتاب: صاحب الفهم الجديد للإسلام، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف، وتزوير التاريخ، صفحة (351-402).. مع الإشارة للمصدر في الهامش: المصدر: أحمد خوجلي، ضمن مقابلة تمت معه ومسجلة بصوته. قام بالمقابلة عبدالله علي إبراهيم خلال عام 2005م وقد أهداني هذا الجزء من نص المقابلة في يوم 3 يوليو 2012م أثناء تفريغه للمقابلة من شريط التسجيل. كان عبدالله متابعاً لتطورات ومراحل إعداد هذا الكتاب فكتب لي يوم أهداني النص قائلاً: عزيزي عبد الله، أفرغ شريطاً سجلته مع أحمد خوجلي، أستاذ الفيزياء ونائب مدير جامعة الخرطوم في الستينات وعضو الحلقات الماركسية. الحلقة الأولى عن فترة الطلب بوادي سيدنا 1942م-1946م. فذكر بداية اتصال الشيوعيين بهم منذ كانت المدرسة الثانوية في أم درمان حتى تفرقت إلى جهات منها وادي سيدنا. ما يهمك أنه ذكر أن الجمهوريين اتصلوا بهم في وادي سيدنا. فهاك النبأ: وكنا من الجهة الأخرى على اتصال بالحزب الجمهوري...إلخ

آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الأربعاء مارس 12, 2014 8:12 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

صورة
[ الأستاذ محمود محمد طه








صورة
[ الأستاذ محمود محمد طه





صورة

الأستاذ محمود وابنته بتول مختار محمد طه وبعض تلميذاته وتلاميذه
[img]https://www.sudan]
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الثلاثاء مارس 11, 2014 10:01 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

صورة

[size=24]الأستاذ سعيد الطيب شايب (1931م-2002م)


في يوم 18 يناير من عام 1970م، كتب الأستاذ محمود في رسالة لتلميذه عصام عبدالرحمن البوشي، الذي كان يدرس وقتئذ في جامعة لندن ببريطانيا، قائلاً: "إن تربية واحد من الإخوان أعود بالخير والبركة وأدل على صدق الدعوة من عشرات المؤلفات العرفانية فالحياة أصدق من العلم"..

وقال الأستاذ محمود: "أعظم كتاب كتبته الفكرة الجمهورية سعيد شايب".

في تقديري أن الأستاذ سعيد شايب قد استهل حركة التتلمذ على الأستاذ محمود. إذ كانت العلاقة بين الأستاذ محمود والذين معه في فترة النصف الثاني من الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي علاقة رفقاء وزملاء وشركاء نضال.. وتغير وضع هذه العلاقة مع ظهور أستاذ سعيد شايب، قبل إعلان الأستاذ محمود لمشروعه في أكتوبر من عام 1951م.. ويمكن التأريخ لمرحلة التتلمذ على يديّ الأستاذ محمود بالمقالة التي كتبها الأستاذ سعيد نشرها في جريدة الشعب بتاريخ السبت 13 يناير 1951م يتساءل فيها عن الأستاذ محمود. كتب سعيد شايب قائلاً: "لفتت نظري "قفشة" وردت في عددكم الثالث منسوبة الى المجاهد "محمود محمد طه" فإنها قد أعادت لنفسي أملاً كاد أن يفلت، لما اكتنفني من شكوك وأوهام؛ وعلى الأقل أعادت لنفسي بأن هناك صحافة حريصة على أعمال المجاهدين". ثم أضاف سعيد شايب قائلاً: "إن اسم "محمود" قد اختفى منذ حين، وكأنه لم يفعل شيئا، بل كأنه لم يكن في عالم الوجود! ولكنى أخرق ذلك الصمت وأقول، أليس محمود ذلك الرجل الذى آمن بقضية شعبه وعمل لها ما وسعه العمل رغم العراقيل التي وضعت فى سبيله؟ أليس هو ذلك الرجل الذي يقوم ولا يتردد ولا يتنازل مهما قابلته الصعاب من بطش ومعارضة حكومية وحزبية- كل ذلك لأنه يؤمن بأن الشعب الذي يريد الحرية ويسعى لها، يجب أن يكون في كفاحه صلباً لا يتزحزح وقوياً لا يلين وثابتاً لا يتنازل".
وأضاف سعيد في تساؤله عن الأستاذ محمود قائلاً: "وأليس هو الذي سجن مرات دون أن يحرك الزعماء ساكناً للدفاع عنه والوقوف بجانبه؟ وأليس هو الذي وقف وقفة الرجل المؤمن بحقه يوم حادث رفاعة – يوم مشكلة الخفاض- التي تمخضت عن سجنه عامين؟ وهل هو غير ذلك الرجل الذي رفض المنصب والجاه فى سبيل حرية رأيه؟". وتساءل سعيد شايب أيضاً، عن الأستاذ محمود قائلاً: "وهل هو غير ذلك الرجل الذي أراد أن نكون فى هذا الظرف العصيب مكافحين قبل أن نكون ساسة وعاملين على أخذ حريتنا دفعة واحدة وحالا، ونكفر بتقسيط الحرية وسياسة التطور؟". (أوردت كلمة سعيد شايب كاملة، ضمن ملاحق الكتاب).

كان الأستاذ محمود وقتئذ معتكفاً في مدينة رفاعة. أطلع الأستاذ محمود على كلمة سعيد شايب ورد بمقالٍ جاء في جريدة الشعب، يوم السبت 27 يناير 1951م، بعنوان: "سعيد يتساءل". (أوردت مقال الأستاذ محمود كاملاً ضمن ملاحق الكتاب).

مثَّل في تقديري تساؤل سعيد شايب عن الأستاذ محمود، ورد الأستاذ محمود عليه، النواة الأولى لمرحلة التتلمذ على الأستاذ محمود، والبداية الفعلية للتواصل بين الأستاذ محمود والأجيال الجديدة (آنذاك). وعندما طرح الأستاذ محمود عام 1951م ملامح مشروعه، ثم أخذ يُبين ملامحه، ويُفصل فيه، جاء الأستاذ سعيد الطيب شايب ليكون بذلك من أوائل تلاميذ الأستاذ محمود..


صورة

الأستاذ عبد اللطيف عمر حسب الله، الرجل الذي ظل ملازماً للأستاذ محمود منذ يوم 30 نوفمبر 1951م..
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
هناك صور عديدة، من بين ما جمعت، عن الحركة الجمهورية وأركان النقاش والحملات ...إلخ سترد منها نماذج في الطبعة القادمة

أدناه بعض النماذج من الصور التي التقطها أثناء فترة البحث وإجراء المقابلات من أجل الكتاب



صورة

المؤلف والأستاذ أسماء محمود محمد طه والطاولة التي كان يكتب عليها الأستاذ محمود



صورة

بمنزل الأستاذ إبراهيم يوسف فضل الله بالخرطوم، وهو أول الجالسين من ناحية اليسار



صورة
بمنزل الأستاذ مجذوب محمد مجذوب وزوجته فاطمة عباس سليمان (1937م-2011م)، بقرية الجنيد البيارة بالقرب من مصنع سكر الجنيد، بمنطقة شرق الجزيرة.. فاطمة عباس هي أول الجلوس من ناحية اليسار..
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

صورة
مقابلة مع الأستاذ الريح أبو إدريس أحد تلاميذ الأستاذ محمود (يمين المؤلف)، بحضور الوالد الفكي البشير (يسار المؤلف) بالخرطوم بحري




صورة
في مقابلة من بين مقابلات عديدة مع الأستاذ عصام عبدالرحمن البوشي وأسرته الكريمة بمدينة ود مدني
الجلوس من اليمين: عصام عبدالرحمن البوشي، عطيات عبدالرحمن البوشي، سلمى مجذوب محمد مجذوب
الوقوف من اليسار: علوية عبدالرحمن البوشي، رجاء عصام عبدالرحمن البوشي، عبدالله الفكي البشير




صورة
في إحدى المقابلات مع الأستاذ خالد الحاج، بمنزله بمدينة رفاعة. وهو الجالس من ناحية اليسار مع الأستاذ علي أبو كليوة
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الأربعاء مارس 12, 2014 11:56 am، تم التعديل مرة واحدة.
أضف رد جديد