العلمانية التي نريد..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

العلمانية التي نريد..

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


كيف نفهم العلمانية؟:

علينا أن نعترف أنّ الخطاب العلماني، هو الآخر، ما فتئ يراوح خانة الشعار: شعار "العلمانيّة هي الحل"، محاذراً أن يتقدّم خطوات لجهة مزيد من التفصيل، و بالتالي لا تأييد النموذج العلماني و لا رفضه استندا لفكرة مستوفية، فبقيت العلمانية في الذهن السياسي السوداني كشيء مبهم. نحاول هنا أن نلتمس طريقاً يفضي إلى الإجابة على قليل من الأسئلة الهامة و المصيرية، حول (ماهيّة؟) هذه العلمانية المبتغاة..

الضرورة السياقية تلزم هذه المقالة بمخاطبة الفكر الإسلاموي بشكل أخص كلما تطلب الأمر إجراء بعض المقارنات أو التوضيحات، و هي ضرورة سياقية بحسب معطيات الواقع الذي يخاطبه هذا المقال الموجه بشكل أساس للقارئ السوداني، حيث أن ثقافة سنية إسلاموية هي المهيمنة و هي التي يمكن أن يصدر من جانبها كل اعتراض، كون العلمانية لكل ما عداها من ثقافاتنا المحلية تمثل مطلبا و أملا في حالتنا السودانية هذه..

نقول إن العلمانية في المجال العام هي حالة توافق "يقر" المتنافسون السياسيون بموجبها أن كل الرؤى و المقترحات التي يتم تقديمها في المجال السياسي إجمالا أو ما يرتبط به في إدارة الاقتصاد أو التعليم أو الصحة أو الرياضة الخ إنما هي تصورات بشرية بنت زمنها تعبر عن رؤى أصحابها لا غير. هذا الإقرار يستدعي بالضرورة –في حدّه الأدنى- قبولهم للتعامل مع تصوراتهم كاجتهادات قابلة للنقد و التخطئة و التطوير.

و على كل حال فإن هذه الزمانية هي أمر واقع بالفعل و ينقصه فقط الاعتراف. و نبدأ توضيح ما سبق، بالقول إن مقابل الدولة العلمانية هو الدولة المذهبية، أي بنفي أن هناك دولة دينية، أو دولة إسلامية، باستثناء دولة النبي في حياته، فكل دولة إدعت إسلاميتها بعد موته هي دولة مذهبية، أقرب لاجتهاد و مزاج القائمين عليها منها للدين المجرّد، فالنبي محمّد هو التجسيد الوحيد الممكن لرسالة الإسلام في كمالها، و بعيدا عن المزالق الفقهية فإن التاريخ و الحاضر يسعفاننا بالبرهان دون عناء، في الحاضر و الماضي القريب، تدعي كل من السعودية و السودان و إيران و الصومال و طالبان أنها دول إسلامية، و نلحظ بسهولة أن الاختلافات بين نظم هذه الدول تعز على الحصر، من طريقة وصولها للسلطة إلى كيفيات انتقال السلطة داخلها إلى علاقاتها بالعالم و نظامها الاقتصادي و قوانينها الخ، ربما بشكل عام يوجد وجه شبه واحد مشترك، ألا و هو ميلها للتضييق على الحريات الشخصية لمواطنيها و استخدام قدر معين من الروادع ذات المصدر الديني لقهرهم و إبقائهم في ربقة الخوف. لكن كل من هذه النماذج إنما هي في واقع الأمر إسلامية على طريقة القائمين عليها، إسلامية السعودية تشبه آل سعود، و إسلامية إيران تشبه الملالي، إسلامية الصومال تشبه الشباب المجاهدين، و إسلامية السودان تشبه الإخوان المسلمين، هذا ينطبق أيضا على كل خلافة إسلاموية في التأريخ، هذا الأمر معروف لكن يتم تسميته بغير اسمه، أي يُقال إن فشل التجربة الإسلامية الفلانية سببه مشكلات التطبيق و ليس النظرية، و يُقال إن هذا الفشل لا ينبغي أن يلغي المسعى لإقامة دولة الدين الحق. و هي دولة مبهمة نظرياً فلا يمكن تعريف تفاصيلها، و هي مستحيلة عملياً بعد انقطاع صلة الأرض بالسماء. لذا فإن رفض أي مشروع لإقامة "دولة/خلافة إسلامية" هو حجر زاوية في أي موقف علماني، و هو مبدأ نظري و عملي لا مساومة عليه..

هذه الملاحظة المستقاة من الواقع، شبه كل دولة بأهلها، أو مشكلة التطبيق كما يروج لها، ليست خالية من المضمون أو تحدث صدفة، ذلك أن المرجعية الإسلامية في القرآن و الموروث من المصادر الأخرى لا تقدم ما يفي بحاجة الحكم و إدارة الدولة، و لذلك يتم باستمرار اختزال إسلاموية الدولة في قضية الحدود و اسمها السياسي "تطبيق شرع الله"، و هي قضية يمكن فهمهما بأشكال مختلفة في المستوى الفقهي1، و نصوص الحدود يتم فهمها ثم تفعيلها أو تعطيلها بناء على مزاج القائمين على أمر الدولة و تفاعلهم مع الواقع المحيط، و مجال الحدود بمفهومه الشائع على كل حال لا يغطي سوى مساحة لا تكاد تُذكر إذا ما قيست بإجمالي متطلبات و تحديات إدارة الدول، و لهذا ينتهي الأمر بكل دولة تدعي إسلاميتها بسحب هذا الغطاء الشعاري الإسلاموي ليشمل تقديرات و تصرفات ولاتها في كافة المجالات بلا وجه حق على التعيين.

قلنا إن كل نظرية أو أطروحة للحكم إنما هي وضعية و زمانية اعترف بها مقدموها أم لا، فمن الناحية التقنية لا يمكن أن توجد دولة دينية، و بهذا يكون الفرق الجوهري بين الدولة العلمانية التي نتطلع إليها و بين الدولة المذهبية الدينية ليس فارقاً تقنياً فكلتاهما دولتان بشريتان زمانيتان، إنما هو فارق نفسي يتلخص في جانب الاعتراف بهذه الزمانية، بدل تغليفها بالسماء، و متى تحقق هذا الاعتراف تواضع جميع المتنافسين على قبول قواعد الانتخاب الاجتماعي.

و مفهوم العلمانية هذا ليس مخلوقاً من الفضاء، فهو متحقق بالفعل في أغلب المجالات المتخصصة، ففي المجتمع العلمي على سبيل المثال، حيث يتشارك مجموعة من العلماء في البحث عما إذا كانت هناك علاقة بين الجينات التي يحملها الفرد و بين صفاته الأخلاقية، أو هل هناك جين للكذب و جين للذكاء، هل هذه الصفات تُورّث جينيا أم تُكتسب بعد الميلاد، في مثل هذا الجدل العلمي، لن يكون مقبولاً أن يقطع أحدهم بأن هناك صلة أكيدة بين الجينات و الأخلاق مستدلاً بالحديث المنسوب للنبي و القائل بأنّ "العرق دسّاس"2، فهذا الحديث –إن صح- يمكن أن يشكل قناعة صاحبنا التي لن يتنازل عنها، لكن توريجها و تعميمها في مجتمع البحث العلمي يتطلب أن يتوسل بالمنهج المتفق عليه، و أن يقبل النقد بشأن ما يستخدمه من حجج، بعد أن تكون هذه الحجج هي نفسها قابلة للنقد أو التكذيب3..

مجال الطب مثال آخر جيد، فهو يقوم على أسس معينة للتشخيص و الاستطباب، على أنه ما يزال هناك أشكال كثيرة من الطب الموازي، الطب غير العلماني لنقل، مثل الطب البلدي و النبوي و المشعوذين و شتى الأضراب، لن نتحدث عن مقارنة أو تفضيلات، لكن نميز فقط بين النوعين، الطب العلماني و الطب غير العلماني، الطب العلماني يتطور من خلال وسائل منهجية معينة، تشخيص المرض يتم عبر وسائل مادية بحت، و العلاقة بين المواد الكيميائية الفاعلة في الدواء و بين المرض هي علاقة يُشترط تفسيرها موضوعياً، بحيث تكون مبرهنة و مقبولة في المجتمع الطبي، أما في مجالات الطب غير العلماني، مثل البصير أو المداوي بالتعاويذ فمثل هذا التعليل ليس مطلوباً و يعتمد الأمر كلّه على ثقة المريض في المُداوي، فلا يتم عادة رصد صلة ظاهرية بين تعويذة معينة و المرض الذي تعالجه، أو تفسير كيفية عمل الأثر العضوي الذي تتركه على مكمن المرض –إن كانت بالفعل تترك أثرا-.

قلنا إن مجال الطب مثال جيد ذلك أننا يمكن أن نسجّل ملاحظتين:

الأولى: أن الطب بدأ بأقل قدر من المعرفة العلمية، و لذلك كان أغلبه يقع ضمن ما نصفه بالطب غير العلماني، و مر بمراحل كان فيها التطبيب بعضاً من عمل الكهنوت، ثم بتراكم المعرفة و "الخبرات" بدأ يتكرّس الانفصال بين "الطب التقليدي" و الطب بمعناه الحديث. و مثلما يحدث مع كل تطور علمي، قد تستمر الممارسة القديمة لكن خارج مجال الاعتراف العلمي، حدث ذلك حين انفصل علم الفلك عن التنجيم، و انفصلت الكيمياء عن العطارة التقليدية، الخ.
الثانية: أن المجالين ما يزالان يتعايشان، الطب الحديث بوصفه الطب "الرسمي" الذي يمر عبر التأهيل الأكاديمي و المهني و تحكمه مجالس مهنية ذات قوانين خاصة، لكن يمكن للمريض الراغب في اللجوء إلى أشكال التداوي الأخرى أن يجد طريقه إليها، قد تنقرض هذه الممارسات في المستقبل أو لربما تزداد ثقة الناس فيها، لكن سيبقى من الصعب علمنتها، لأن فنونها –بطبيعتها- لا تقوم على التعليل العلمي.

باستخدام مثالنا الطبي هذا، يمكن الآن تقريب ما نود فعله في المجال السياسي العام. و نعلم أن المجال السياسي العام له وضعية خاصة فهو يمزج بين مكونين: أحدهما رغبات الناس و ثانيهما معايير الأداء، رغبات الناس (المشاركين أو الناخبين) هي ما يتم ترجمته في مستوى حرية الدعاية و حرية الاختيار، و فيه قد يختارون من يحمل شعارية دينية غض النظر عن جدارته في معيار الأداء. أما معيار الأداء فهو يتعلق بقياس الرضى عن مخرجات أداء جهاز دولة معين، و عن حلوله للمشكلات أو تلبيته للمتطلبات المادية و الروحية لمواطنيه، و محصلة التفاعل بين هذين المكوِّنين هي ما يحكم التغير و التطورات في المجال العام، و بشكل عام و في كل دورة تطور ينحاز الناس أكثر لما ينجح في معيار الأداء، و تتجه نحوه رغباتهم فيزول الانفصام.. هذا هو تطبيق الانتخاب الطبيعي التراكمي –داروين- على مستوى جهاز الدولة، فجيلا بعد جيل تصبح كفاءة جهاز الدولة و قدرته على التأقلم و تقديم الحلول للتحديات و الاحتياجات المتزايدة هي الأولوية في مقياس الرأي العام و لدى الناخبين، و هي ما يجعله أكثر ملائمة للبقاء و قدرة على الاستمرار، و العكس، كلما إزداد التعامل مع الطابع الوظيفي لجهاز الدولة كلما أصبح أكثر كفاءة، أما تلك الدول التي لا تزال خياراتها محكومة بالشعارية و العاطفة البحت فتبقى متخلفة عن المجاراة..

ما تحاول العلمانية فعله هو خدمة هذا الاتجاه: أي أن يتركز التسويق و الخطاب السياسي على كفاءة الحلول و الخطط التي يمكن أن تقدمها حكومة ما، إي التركيز على الطابع الوظيفي لجهاز الدولة و و بالتالي مدى واقعية رؤاها و قدراتها الإدارية و التنفيذية غض النظر عن مصدر وحيها، مثلما هو الحال مع صاحبنا أعلاه المستند إلى مقولة: "العرق دساس"، فالمشكلة ليست في المصدر الذي استوحى منه إجابته و قد لا يُسأل حتى عن مصدرها، إنما المشكلة في قدرته على تعليلها، و يصبح معنى "علمنة" الفضاء العام أو المجال السياسي هي أن يتم التوافق على أن تكون أطروحاته هي أطروحات قابل للنقد و للتعليل دون أن تستمد أهميتها من مصدرها بالذات.

لا يعني هذا –زيادة في التوضيح- أن العلمانية هي تجريد للمشاركين في المجال العام من قيمهم الدينية، أو من حقهم في استصحابها في صياغة الحلول للمشكلات المطروحة في هذا المجال، فالإنسان توجه تفكيره و تقديره القيم الأساسية التي يعتنقها سواء استشعر ذلك أم لا، حتى في أكثر المجالات موضوعية مثل البحث العلمي، تزودنا المراجع بكثير من العلماء الذين أخفقوا في رؤية الحل بسبب تحيزاتهم المسبقة، لكن تقديم هذه المقترحات في إطار حوار علماني يعني إعادة صياغتها/التعبير عنها في خطاب قابل للنقد و متخفف من القداسة. بهذا يمكننا الاعتراف بأن الشعار العتيد "فصل الدين عن السياسة" هو شعار يتم ترديده بإهمال، و لم يتحقق بعد في أكثر النماذج العلمانية في الغرب، حيث ما زالت هناك أحزاب مسيحية و رؤساء يزعمون أنهم تحركهم كلمات الله، لكن الشاهد أن مثل هذه الحالات إنما تستخدم المسيحية كمرجعية أخلاقية و قيمية عامة، لا تعفيها من وضع برامجها التفصيلية للتعامل مع التحديات المطروحة، و هي بذلك قد إندمجت في المناخ العلماني و انضبط خطابها، و قبلت بمتطلبات الحوار العلماني، فلا تعتدي على قواعد الديموقراطية أو تقوِّض الحريات حين تصل إلى السلطة، و الأهم أن مثل هذه الأحزاب لا تدعو لإنشاء دول مسيحية لا علمانية، لا صراحة و لا على استحياء..

يُتبع...

صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

العلمانية و الديموقراطية.

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


هل الديموقراطية ممكنة بلا علمانية؟:

يجب أن نعبر بوضوح عن قناعتنا بالديموقراطية، و كفالة حرية الرأي و الاعتقاد و حق المشاركة للمواطنين على قدم المساواة، فالاعتراف بذات و كرامة كل إنسان غاية لا لبس فيها، و هي وحدها ما يؤكد على معنى تطورنا نحو الرقي و الكمال، و أنه متى تعارضت العلمانية مع الديموقراطية فإن الأولوية المطلقة تبقى ديموقراطية.

على هذه الأرضية نقول، إن معركة فضح التناقض بين أي دعاوى أو تصورات لإقامة دولة على أساس ديني و بين الديموقراطية هي معركة طويلة يجب أن يخوضها العلمانيون، تتعلم خلالها الشعوب من تجربتها و تتطور بها، فليس يجدي أن تُفرض العلمانية استباقاً، و من هنا نقول لا يجب أن يُحظر حق إنشاء الأحزاب على أساس ديني، أو حقها في طرح شعارات دينية، أو حتى في الوصول إلى السلطة على أساس هذه الشعارات، ما دامت قواعد اللعبة الديموقراطية مرعيّة، و ما دام بالإمكان نقد مثل هذه الدعاوى و السلطات و فضح مشكلاتها بل و تغييرها بأسلوب ديموقراطي، أما لو ضاقت بالديموقراطية و انقلبت عليها، فتكون الثورة عليها عملا جماهيريا ديموقراطيا في ذاته.

بهذا المعنى، تكون أجندتنا الحاضرة هي بناء الدولة الديموقراطية و حدود معركتنا الدستورية هي بناء الدولة التي ينص دستورها على الحقوق الأساسية و الحريّات، و يعتبر كل ما ينتقص منها غير شرعي، و بقبول هذا الأساس من جميع الأطراف تصبح العلمانية و كذلك الأطروحات المذهبية الدينية وجهات نظر متنافسة و ليست قضية دستورية أو ذات أسبقية في وضع دستور الدولة، نثق كما أسلفنا، أن الشعوب ستتعلم من تجربتها أن كل سلطة مذهبية لابد و أن تصطدم مع حرياتها و كرامتها، و مع الديموقراطية، و لها حين ذلك يكون الخيار، بين أن تتمسك بالديموقراطية أو أن تتقبل القدر المسلوب منها ثمنا لسلطة مذهبية..

و لأن الأطروحات المذهبية كما أسلفنا، لا تملك من الدين إلا شعارية عامة و مجالا ضيقاً من الأسس، فسيكون عليها مواجهة تعقيدات السلطة و متطلباتها حال وصلت إلى سدة الحكم بوسائل ديموقراطية، و أن تتعايش مع مبادئ الشفافية و الإعلام الحر و حرية التعبير دون أن تنقلب على قواعد اللعبة، و لن يكون من العسير، فضح ضعفها و فقرها و قلة حيلتها و نزعتها إلى الفساد لكونها لا تستند بالأساس إلى عنصري الكفاءة و العلمية، و بالتالي، هزيمتها و أطروحاتها من داخل التجربة. هذا ينطبق بالضرورة على كل أشكال الشعارية يمينا أو يساراً، فالقوى التي قد تصعد إلى السلطة على خلفية شعارات اشتراكية عامة، ممعنة في الإنسانية و الانحياز للكادحين لكن دون خطة، سيصيبها من العنت سواء، و هذا معنىً مهم في إدراك الصلة الوثقى بين الديموقراطية و العلمانية، العلمانية ليست عدواً للشعارية الدينية فقط، بل هي أيضا حرب على كل اللاعلميات.

بعض العلمانيون يخشون، أن القوى الدينية، لا تُستأمن على الديموقراطية، و أنها لابد أن تنقلب عليها إن تمكنت منها، و لكن هذا الحذر –المبرر- ليس كافياً لحماية الديموقراطية بوسائل غير ديموقراطية بطبيعة الحال، و الحرص على الحريات و الحقوق الديموقراطية لا ينبغي أن يكون هما صفويا على أي حال، لذلك فإن واجب الطليعة الأكثر حرصا على الحريات أن تتجه إلى تجذير الوعي بضرورتها جماهيرياً، مستعينين بدعم حركة التأريخ و التطور البشري إجمالا لمثل هذا الوعي، و النزعة للتحلل من مثل هذه المسؤولية هي ما يزين للقوى العلمانية محاولة حسم المعركة بشكل فوقي و غير ديموقراطي.

كيف نجعل العلمانية ديموقراطية في هذا الإطار؟:

مثلما أسلفنا فإن العلمانية تصبح شراً مستطيراً لو أنها تغوّلت على الديموقراطية، و يجب أن يأخذ العلمانيون أنفسهم بالشدة ليلجموا كل نشوة للتسلط أو البغي بغير الحق، مثل ما ذكرناه أعلاه من حظر لنشوء الأحزاب على أساس ديني درءاً للفتن الدينية التي تجرعتها شعوبنا و إلى اليوم، فمثل هذه الفتن يجب أن يدرأها الوعي الشعبي حين تنضج التجربة و تقرر الشعوب أنها لن تمنح ثقتها لحزب –فقط- لأن شعاراته دينية.

لو افترضنا -كما هو راجح-، أن دولة علمانية لن تعتمد أي تشريعات ذات "صبغة" دينية، و أن جميع مثل هذه التشريعات سترسب في امتحان الانتخاب الديموقراطي العام، مثلا: لن يجيز المشرعون عقوبة قطع يد السارق لأنها لم تجد قبولا أكثر عند مقارنتها مع عقوبة أخرى هي حبسه لفترات تتفاوت حسب قيمة المسروق، أو لم تعتبر الدولة العلمانية أن الخمر أو الزنى جريمة، لكنها تعاقب السائق تحت السكر عقوبات مالية باهظة، و كذلك الذي يقوم بالاغتصاب أو ممارسة الجنس بالإكراه، فكيف تستطيع العلمانية أن تكون ديموقراطية هنا؟ هل يستطيع المسلم أن يحتكم إلى عقوبة شرعية يتطهر بها إذا أراد؟

مثل خيار الطب البلدي أعلاه، تكفل الدولة العلمانية مجالات خاصة لتنظيم الشؤون الدينية، و هو أمر معتاد يحدث في كل أرجاء العالم العلماني، يمكننا هنا أن نستصحبه بحساسية أكبر بطبيعة الحال، بل و بما هو أوسع من مجرد مجال تطبيق الحدود، فتضمن الدولة وجود فضائين قانونيين، عام و خاص، العام هو الذي يتواضع عليه المشرعون لضبط الحقوق و المخالفات في الدولة و صفته انتخابية علمانية كما سبق، إلى جانب قوانين تحكم الفضاء الخاص و يكون اللجوء إليه أمرا طوعيا يختاره الشخص بذاته دون أن ينسخ ذلك خضوعه للقانون العام، أي أن لجوء للفضاء القانوني الخاص ليس بديلا للإجراءات التي يجب أن تتم ضده في الفضاء العام، و من أشكال هذا الفضاء القانوني الخاص تأسيس محاكم شرعية إسلامية على سبيل المثال، يلجأ لها "مختاراً" كل من يشاء للتطهر من أي جرم لا يعتبره القانون العام جريمة أو يعاقب عليه بطريقة مدنية، فمن يشرب الخمر و يود أن يتم جلده عليه بهذه المحاكم الشرعية، و الزاني الذي يشاء يمكنه أن يذهب و يعترف بما ارتكبه هناك، هذا طبعا في مستوى تطبيق الحدود، أما المسائل الشخصية، مثل الزواج و الطلاق و الميراث و غير ذلك فتوثيقها في مثل هذه المحاكم أو المجال الخاص متاح دون حاجة لالتزام القانون العام. القيمة الأهم التي تكفلها الدولة هنا، هي حرية اختيار المرء في لجوءه إلى هذا المجال، و هو في حقيقته أمر جوهري في مسألة حرية الاعتقاد، و في وضع حد لكل المآسي التي صحبت محاولات تطبيق مفهوم الحدود و ما أدى إليه من انتهاكٍ للحرمات.

الدولة العلمانية لا تمانع في ترخيص بنوك إسلامية، تباشر فيها كل الصيغ الإسلامية في التمويل، جنبا إلى جنب البنوك الاعتيادية، و لا تجد غضاضة حتى في إدراج المؤذنين و أئمة المساجد في بند مرتباتها ما دامت تعدل في ذلك بين كل الأديان ذات الأتباع في البلاد، فهي تكفل وظائف دينية لهم على أسس مماثلة، هذه ليست تطمينات زائفة أو قائمة على نفاق، بل هي جزء أصيل من فكرة العلمانية و احترامها للأديان، و غير الأديان، و موضوعيتها إزاء معتقدات الناس، كثروا أم كانوا أقليّات.

بمثل هذا الاعتدال، يتحقق أمل الدولة العلمانية في أن تكون بحق، دولة للجميع.

- - - - - - - -

1- قضية الحدود الشرعية كانت منذ عهد النبي محل مراجعة و اعتبار، فبخلاف ما تسرّب من أحاديث و وقائع عن درء الحدود، ثم تعطيلها على يد عمر بن الخطاب، و في كثير من الأنظمة الإسلاموية المعاصرة، فهي أيضا موضوع للجدل الفقهي، من شاكلة النظر إليها على أنها تبين الحدود القصوى و الدنيا للعقوبات لا أكثر كما عند الدكتور محمد شحرور، أو النظر إليها على أنها تتعلق بالرسالة الأولى و لا يصلح تطبيقها في يومنا هذا كما عند الأستاذ محمود محمد طه، و كثير من الاجتهادات التي تقيّد من تطبيقها بكثير من القيود.

2- جزء كبير من ما يسمى بالتشريع الإسلامي مصدره الحديث النبوي، رغم أن موثوقية نسبة كثير من –أو كل- هذه الأحاديث إلى النبي هي محل شك، هذا عدا عن تناقضات كثيرة فيما بينها أو بينها و بين القرآن، هذا الحديث نفسه "تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس" تم تضعيفه و اعتباره موضوعاً من قبل جل الأئمة..

3- هذا مذهب فيلسوف العلم الدكتور كارل بوبر في تعريفه للمقولة العلمية، فهو يرى أنها المقول القابلة للتكذيب، أي أنك تستطيع أن تأتي –نظرياً- بالحالات التي يمكن أن تكون فيها مقولتك خاطئة، و إذا فشلت في ذلك فمقولتك ليست موضوعاً للمناقشة العلمية، و في مؤلفات بوبر ما يفي للمستزيد..

.
صورة العضو الرمزية
محسن الفكي
مشاركات: 1062
اشترك في: الثلاثاء مارس 17, 2009 12:54 am
مكان: ميدان الخرطوم

دولة المدينة كانت علمانية في كامل دسمها

مشاركة بواسطة محسن الفكي »

تحية سلام وشكر يا محمد حسبو على هذا الجهد المقدر والذي يضاف الى سابق مكاتيب لك في هذا الشأن.
وإن صاحب إقحام الطب في المقال والاستطراد -في ذلك ما أدى -لخلخلة في بنية المقال،فضلا عن اللجوء "للمرويات" كمصدر، وهي عبارة عن محض تراث،وما ينبغي "لعلماني" أن يقحمها، ثم يضعف من شأنها في ذات الوقت!.


محمد حسبو كتب: و نبدأ توضيح ما سبق، بالقول إن مقابل الدولة العلمانية هو الدولة المذهبية، أي بنفي أن هناك دولة دينية، أو دولة إسلامية، باستثناء دولة النبي في حياته، فكل دولة إدعت إسلاميتها بعد موته هي دولة مذهبية، أقرب لاجتهاد و مزاج القائمين عليها منها للدين المجرّد، فالنبي محمّد هو التجسيد الوحيد الممكن لرسالة الإسلام في كمالها.


https://www.youtube.com/v/WGJBI2BkZNk

كثير من الكتاب، يذهبون الى تسمية دولة المدينة بأنها "دولة دينية" بحكم أنها تتصل بالسماء في تلقي تشريعاتها ووحيها وما الى ذلك، ومحمد حسبو يضيف عبارة"رسالة الإسلام في كمالها" ، بينما كل الشواهد تقول وبجلاء أن دولة المدينة كانت علمانية في كامل "دسمها".
ويعزز مقولتي الفديو المرفق للباحث والأكاديمي السوداني أحمد الياس حسين.
ومن الملاحظات الجدير بذكرها -بالملف المرفق أعلاه- أن مقدم ضيف الندوة لا يعرف كيف يذكر اسمه بطريقه صحيحة ولا حتي مجال عمله، لذا وضعنا (للبعض الذي لا يزال يجهله أو يسمع بإسمه لأول مرة) كافة التفاصيل عنه. وأضيف أيضا ، أن منبر أهل الرأي يستضيفه ،مقر المؤتمر الشعبي السوداني الذي يراسه د.حسن عبد الله دفع الله.
_______________
د.أحمد الياس حسين أبوشام أستاذ بجامعة الخرطوم
للتواصل معه عبر البريد الالكتروني، [email protected]
للتواصل مع بعض إسهاماته في سودانايل
https://www.sudanile.com/index.php/2008- ... 9-18-53-11
بروفيسور أحمد الياس حسين صاحب مركز بناء الأمة.
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


كتب محمد حسبو:



"قضية الحدود الشرعية كانت منذ عهد النبي محل مراجعة و اعتبار، فبخلاف ما تسرّب من أحاديث و وقائع عن درء الحدود، ثم تعطيلها على يد عمر بن الخطاب، و في كثير من الأنظمة الإسلاموية المعاصرة، فهي أيضا موضوع للجدل الفقهي، من شاكلة النظر إليها على أنها تبين الحدود القصوى و الدنيا للعقوبات لا أكثر كما عند الدكتور محمد شحرور، أو النظر إليها على أنها تتعلق بالرسالة الأولى و لا يصلح تطبيقها في يومنا هذا كما عند الأستاذ محمود محمد طه، و كثير من الاجتهادات التي تقيّد من تطبيقها بكثير من القيود" "


العبارة المتعلقة بالأستاذ محمود محمد طه ليست صحيحة. فالأستاذ محمود دعا إلى الانتقال من نصوص الرسالة الأولى "فروع القرآن" إلى نصوص الرسالة الثانية "أصول القرآن" في المعاملات فقط؛ كالانتقال من الإكراه إلى الإسماح، ومن الشورى، إلى الديمقراطية، ومن الوصاية إلى المسؤولية وتدخل في ذلك حقوق المرأة. أما الحدود والعبادات فهي عنده لا تتطور. يقول الأستاذ محمود في كتابه "أسئلة وأجوبة الكتاب الأول"

"تطوير الشريعة الإسلامية عندنا يقع على جانب المعاملات فيما يختص بأمر المال، وأمر السياسة.. أما الحدود، وأما القصاص، وأما العبادات فإنها لا تكاد تتطور".

وقد شرح الأستاذ محمود عبارة "لاتكاد تتطور" بقوله أن الناس يمكنهم أن يوسعوا دائرة الشبهات استنادًا على قاعدة، "ادرأوا الحدود بالشبهات" وذكر في هذا الباب أن المشرعين والمنفذين للقانون يمكنهم أن يعتمدوا على علم النفس الحديث ليلتمسوا الشبهة في حالات "الجنون المؤقت"، التي يمكن أن تعتري بعض الناس ويمكن أن تكون أساسا لدرء الحد. فإذا تعذر وجود أي شبهة فإن الحد يقوم.

كما كتب الأستاذ محمود في كتابه "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" ما نصه:

"ولكنا هنا نقرر: أن المجتمع لم يكن لينشأ إلا على حساب الأفراد وذلك بتقييد نزواتهم وشهواتهم، واندفاعاتهم الفردية.. ومن ههنا، ومن أجل هذا التقييد نشأ العرف، وقامت العادة، التي تعتبر جرثومة القوانين الحاضرة.. ومع أن المجتمعات الصغيرة، البدائية، كانت تختلف في أعرافها، وعاداتها، إلا أنه يمكن القول بأن الغريزة الجنسية قد كانت هي مدار التقييد، يليها، في ذلك في الأهمية، حب التملك.. ولقد نشأ العرف الذي يحرم الأخت على أخيها، والأم على ابنها، والبنت على أبيها، في بداءة نشأة القوانين.. ولقد انصب أعنف الكبت على هذه الغريزة وقيدت أشد القيد لمصلحة نشأة المجتمع، فأصبح الأب مطمئنا على زوجته من أبنائها، وأصبح الابن مطمئنا على زوجته من أبيه، وأصبح الصهر مطمئنا كذلك على زوجته من أخيها، ومن أبيها.. ومثل هذا يقال في احترام الملكية.. ومن هذه القيود المضروبة على الأفراد أصبح المجتمع ممكنا، وأخذ بداياته في الماضي السحيق.. وهذا الكبت المبكر للشهوة الجنسية، وشهوة التملك، هو الذي يفسر السر في أشد التشريعات الإسلامية انضباطا، وتلك هي شريعة الحدود.. فإن الحدود أربعة.. ترجع إلى أصلين: حفظ العرض، وحفظ المال.. فحد الزنا، وحد القذف، يقومان على ضرورة حفظ العرض.. وحد السرقة، وحد قطع الطريق، يقومان على ضرورة حفظ المال.. ولا يجوز ذكر حد الخمر، وهو الحد الخامس، في هذا المقام، لأنه ليس في مستوى هذه الحدود توكيدا، وانضباطا.. ومعلوم أن الحدود تسمى حق الله، وأنها، بخلاف القصاص، لا يستطيع أحد – لا، ولا الرسول الكريم - أن يعفو عن الحد، من قام به الحد".

لذلك، فإن القول بأن الأستاذ محمود محمد طه يرى أن الحدود طرف من الرسالة الأولى، ولا تدخل في تشريعات الرسالة الثانية، قول غير صحيح.

آمل أن أجد الوقت والطاقة لأعود إلى هذا الخيط المهم. مع الشكر لمحمد حسبو.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

محمد حسبو
د. النور محمد حمد, كل عام وانتما بخير

خاب فهمى اذ عشت عمرا احسب ان الفكر الجمهوري يكل التشريع لزمنه. وان هذا هو جوهر الرسالة الثانية , الابقاء على التوحيد وكل بيئة اجتماعية تشرع لنفسها.
وبهذا الفهم تشككت انها الثانية, اذ سبق اخوان الصفا ان راوا ان الشريعة لم تعد صالحة لقرنهم الثالث, حسب المصدر الذى توفر لي.
وما كان لهذا ان يقلل من قيمة الفكرة الجمهورية كونها الثانية او الثالثة.
لكن اخشى ان ما يقلل منها هو ان تاتي فى مرتبة ادنى من اخوان الصفا.
اتى فى شرحك::(وقد شرح الأستاذ محمود عبارة "لاتكاد تتطور" بقوله أن الناس يمكنهم أن يوسعوا دائرة الشبهات استنادًا على قاعدة، "ادرأوا الحدود بالشبهات" وذكر في هذا الباب أن المشرعين والمنفذين للقانون يمكنهم أن يعتمدوا على علم النفس الحديث ليلتمسوا الشبهة في حالات "الجنون المؤقت)"،
هذا دورصغير جدا لعلم النفس وماذا عن بقية العلوم الانسانية الاجتماعية الفلسفية؟
واحسبها تكشف ان التشريعات تنتسب للحقبة التى صاغتها, كما تنتسب السمكة للماء.
ماذا يبقى للفكرة الجمهورية حين تبقي على الحدود؟ وما يميزها عن المكاشفى ؟
لا اعتقد ان محمد حسبو وانا بمفردنا من ذهب لهذا الفهم. فهل يتوفر لديك ملاحظة كيف جرى عرض الفكرة لنصل نحن لهذا الفهم؟. ولا استبعد بالطبع انها حماقتنا نحن.

, وها انت تلقي بالقول موثقا لا لبس فيه,.وتبقت النسخة المتوهمة غير مبرئة للذمة,
واخشى انها الاكثر تماسكا فى بنيتها المنطقية الداخلية واكثرتوافقا مع العلم.
فى النهاية بدا لي الامر خسارة مريعة وتنكيس علم.

الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »


اعود اصحح خطئي فى فهمى لمعنى رسالة ثانية.
كأن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام اتى بالرسالة الاولى والاستاذ محمود اتى بالثانية.
هذا ما يبدو واضحا فى مقابلتى للجمهوريين باخوان الصفا.
ولكن باستذكارى لنقاشات الجمهوريين تذكرت انهم مرارا وتكرارا اشاروا الى ان الرسالتين معا كانتا بين دفتي الكتاب الكريم. فلو اكتشفت الرسالة الثانية على مدار التاريخ الاسلامي عشرات المرات ستظل هي الثانية.
لكن المبدأ الذى خطه اخوان الصفا حول عامل اختلاف المجتمعات وانعكاسه فى التشريع, لا احسبه يقبل النكوص عنه ممن .اتى بعدهم. وهنا تكمن القضية.
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÍÓÈæ
مشاركات: 403
اشترك في: الخميس يونيو 01, 2006 4:29 pm

درء الأماني بالشبهات..

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÍÓÈæ »


أشكرك يا محسن الفكي على التعقيب، و إعادة هذا الخيط إلى الحياة و كنتُ ظننت أنه قد ذهب إلى مزبلة التاريخ...

دعني بدءاً أقول إنني حين تبرّعت بصفة الدينية "الممكنة" لدولة النبي بالمدينة، لم أكن أحاول فحص طبيعة ما أقرّته من قوانين، أو مفهومها للمواطنة، لأن ذلك على مستوى التحقيق أمر قابل للأخذ و الرد (بما في ذلك ما قاله أحمد الياس)، لكن كنت أحاول على مستوى التعميم النظري أن أقول إن فرصة الدولة الدينية الإسلامية التي تطابق إرادة الله لتلك الدولة هي فرصة واحدة مثل بيضة الديك، و أنها قد استنفدت على أي حال، و لا يخفى عليك، يا محسن، أن مطلبي هنا هو الانتباه إلى أننا نحن العلمانيين إنما نمنح قيمة مضافة مجانية للدول المذهبية الوضعية حين نصفها بالدول الدينية في خصومتنا معها، متجاوزين –صفحاُ أو رعونة- عن الفضاء الكبير الفاصل بين الدين المجرّد و بين "تجلياته" في الاجتماع (أي بين الدين و التديّن).

و لربما لا يضير أن أعيد صياغة العبارات في هذا الخصوص بحيث تفي بالمعنى و تزيل الالتباس، فهدف هذه الوريقة هو في أصله استثارة الحوار العلماني العلماني بالأساس، للانشغال ببث شيء من التفصيل في مفهوم العلمانية، كي نجعله مفهوما ثلاثي الأبعاد بعد أن حبسناه دائما في بعدين لا تعمق فيهما، على أمل أن يطل يوم تبعث فيه الحياة في بلادنا في القريب..

هذا مع الشكر على التعريف بالدكتور أحمد الياس، استمعتُ إلى محاضرته و أجد في قراءة مقالاته جانباً لم اتدبره من قبل، و إن كان أحزنني –قليلا، بسبب عصبية ضيّقة- أن أرى اهتمام أهل المؤتمر الشعبي بتثقيف منتسبيهم و رفع كفاءتهم الفكريّة بمثل مضمون هذه الندوة، فيما ينشغل أهلنا في حزب الشيوعيين بالليالي الغنائية و الشعرية و التأبينية و الكورالية و الحماسية و السياسية الخام، حتى في عشية مؤتمرهم العام، فسبحان مبدِّل الأحوال..

أستاذنا الدكتور النور حمد

تقبل تحياتي و شكري الجزيل، و قطعاً فإن ما أوضحته يستوجب تصحيح و تعديل الهامش و الاعتذار عن سوء فهمي و جهلي بمراد الأستاذ محمود رحمه الله، و التزم بتعديله هناك مع توضيح سبب التعديل في موضعه، مع أملي أن مثل ذلك التعديل لن يمس جوهر المراد على أي حال، ألا و هو أن إعمال العقل في قراءة نصوص الحدود هو من الظواهر الأكثر شيوعاً في الفكر الإسلامي، قديمه و الحديث..

و مثلما أشار الفاضل البشير، لعل مردّ هذا اللبس هو أمانينا نحن، التي زيّنت لنا أن نستنتج بارتياح أن سقف الرسالة الثانية في أمر الحدود ما كان لن أن يقف في حد توسيع فعالية الشبهات، و إن كان هذا لا يعفينا من واجب الاستيثاق..

صورة العضو الرمزية
الوليد يوسف
مشاركات: 1854
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 12:25 am
مكان: برلين المانيا

مشاركة بواسطة الوليد يوسف »

https://www.youtube.com/v/qy1SG3nASnc
السايقه واصله
أضف رد جديد