و كمالا

Forum Démocratique
- Democratic Forum
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

صورة


كمالا.


صورة


بكرى بلال، بولا ، نجاة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و درو س كمالا

مشاركة بواسطة حسن موسى »


مرة و أنا في سنتي الأولى بالكليةن، دخل علينا بولا في داخلية الإس تي إس ،و في يده بورد محضّر و ألوان زيت ،و قال لي: ياخ ماتعمل لينا منظر طبيعي في البورد دا لزول كدا! استغربت في سؤاله، أنه لم ينعم على الـ " الزول" باسم ، لكني استغربت أكثر أنه يطلب مني أنا أن أرسم له " منظر " و هو الرسام الماهر الذي كانت سيرته الباهرة في رسم المناظر تلبّك عليه عيشته منذ ذلك المنظر الشهير الذي رسم فيه خرافا ترعى نوع العشب المرسوم بالفرشة رقم زيرو. و قلت لبولا : منظر شنو ياخ!أنحنا عندنا حاجات أهم من رسم المناظر لرجل الشارع العادي. ضحكنا، لكن بولا، كان جادا فأصرّ، ياخي كمالا ما حتريحني و أنا اليومين دي ما قادر على رسم المناظر!. قال بولا أن كمالا طلبت منه أن يرسم لها منظر "لزول كدا" لأنها بدورها وعدت ذلك الـ " زول " منذ فترة لكنها لم تجد براحا لعمل المنظر .قالت كمالا لبولا أن الزول إياه صار يلح عليها، و قال بولا أن كمالا صارت تلح عليه كما تقابله وتسأله" وين المنظر؟".لكن كل حيله نفدت و هاهو أمامي يلح علي" و مافي طريقة غير تقعد ترسم لي المنظر دا دلوكتي!". في النهاية قعدت في الأستوديو في واحدة من العصريات الطويلة و رسمت واحدا من تلك المناظر الطبيعية الكردفانية التي كنت مولعا بها في يفاعتي الفنية: تبلدية ضخمة كانت أدخل في هيئة "شيفا" [ الآلهة الهندية ذات الأذرع العديدة ] لكني ضخمت وزنها و زدت في أذرعها و أحطتها بغروب دموي.في النهاية كنت راضيا عن منظري رغم أنني لم أكن متأكدا من ردة فعل الـ "زول" الذي طلبه من كمالا فأحالته لبولا فانتهى عندي. أخذ بولا المنظر سعيدا لكمالا و أظن أن كمالا كانت سعيدة بالمخارجة فأخذت المنظر من بولا.بعدها بسنتين، أذكر انني دخلت مكتب كمالا بالصدفة فوجدتها عاكفة على الكتابة في خط ديواني أنيق [و كمالا خطّها قاطعاه من راسها! ] و خلفها على حائط المكتب تبلديتي المابتغباني رغم أن كمالا اشتغلت عليها بتنويعات من الرمادي الأدخل في لون الفضةو البني الترابي المدعوك بالأصطبّة و لم تترك من دم الألوان الذي شحنته بها إلا ما يلوح " كباقي الوشم في ظاهر اليد".أي و الله ، قامت كمالا بطمس ألواني لكنها أبقت على التكوين الخطي كما هو.حقيقة أدهشتني معالجة كمالا فوقفت أتأمل مسحورا و لم يخطر لي أن أسائلها عن مشروعية عملها، و أظن أن تدخلها أعجبني ، في نهاية التحليل!و لا عجب ، فأنا قد جدت بتبلديتي لبولا باسم الصداقة، و الصديق وكت الضيق ، و كان قدر اللوحة أن تنتهي مصلوبة في صالون الزول إياه لولا أن العناية تلطفت بها و جعلتها في رزق كمالا.طبعا هذه الطريقة في استخدام أو في استثمار أو استئناف آثار الآخرين كانت من بين دروسي الأولى في مناهج تخليق الصورة.و أظنني استفدت كثيرا من هذا الدرس البالغ التركيب في عملي اللاحق.
شكرا يا أحمد على تصاوير كمالا العامرة بذكريات كلية الفنون . و حسرتي كبيرة على غيابي الإجباري عن معرض استاذتنا الكبيرة التي تعلمنا منها الكثير. و الله في الخاطر كلام و تفاكير كثيرة مسوّفة ما لاقي ليها طريقة ، لكن صبرا، فسأتدبر الوقت اللازم و أنبش الوثائق المشتتة بين الأضابير و أعود.
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

وأيضا يا حسن فى يوم من تلك الأيام الخوالى طلبت منا كمالا أن نذهب برفقتها
حاملين لوحة كبيرة لها، إلى مكتب منصور خالد وكان وزيرا للخارجية.


صورة

جرجس يلتقى كمالا. حضر نهار اليوم التالى للإفتتاح.
وفى الخلفية يقف بجانبى دفعتنا محمد حسين الفكى.


صورة



صورة
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

صورة

وهناك كان حسين جمعان.

صورة

والتقيت الخطاط الفنان سباعى بعد عقود من الزمان


صورة

وإيمان شقاق
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

صورة

عتيبى بين سباعى وإيمان.


صورة

صلحى يمر على اللوحات.


صورة

صورة
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

فى مطلع البوست كتب حسن موسى:

" يا ناس الخرطوم ما تبخلوا علينا بتصاوير المعرض عشان نكون معاكم " في الصورة."

بعدها كتب النور أحمد على:

" اتمي معك ان يمدنا (ناس الخرطوم) بما تيسر وما لم يتسر من مبصوراتها."


ثم كتبت أنا :

" سلام يا حسن وللمشاركين ولناس الخرطوم. وشكرا على المبادرة ياحسن.

لقد كنت بينهم فى ليلة الإفتتاح.والصباح التالى. ليتك كنت معنا يا النور.

هاكم بعض مما حوت عليه كمرتى ."

أها يا حسن والنور والمشاركين والمتفرجين، قصّرنا معاكم ؟ وما أنا من ناس الخرطوم. فقد كنت زائرا.!
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

شكرا يا طبطب
لقد نقلت الفعالية بالصورة كأفضل ما يكون
أحس بعد المرور على الصور وكأنني كنت حاضرا هناك
أيضا شكرا على أنك جعلتنا نرى أفرادا لم نرهم منذ عقود
ايضا طمأنتنا على أن التشكيليين لا يزالون مترابطين متى ما نفخ أحدهم نفيرا تشكيليا هرعوا إليه
شكرا لك مرة أخرى
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مشاركة بواسطة حسن موسى »



و كمالا [2]


سلام يا عبد الماجد
شكرا على كلمتك الكريمة في حقي ،لكن تجربة كمالا مهمة و تستحق أن نتأنى عندها حتى نفرز خيوطها المتشابكة و نبذل للأجيال الأصغر سنا، و لعموم أهل السودان الذين يجهلون قدرها الجليل، ما تعلمناه منها.و قد استوقفتني ـ من أول يوم ـ كلمتك التي نوهت فيها بالصعوبة التي جابهتك و أنت تنظر في أعمالها بين ستينات و سبعينات القرن العشرين.
تقول:
"..
والحق أنني ما كنت كلفا بالنظر لمساهماتها الابداعية والسبب:
لم تكن ذائقتي الفنية ناضجة تماما ونافذتي على ضروب الفن كانت ضيقة. أعجبني العمل المرفوع وأحببته. كنت آنذاك حبيسا لأعمال القرن التاسع عشر المتوفرة في كتيبات صغيرة جدا في مكتبة الخرطوم أو في بعض كلوبّات الأبيض.
أرجو المزيد من الأعمال فشهيتنا انفتحتت لكل خط أو بقعة لون عتيقة."

طبعا لم أصدق تفسيرك للصعوبة التي واجهتك ، في النظر لعمل كمالا ،بعدم نضج ذائقتك الفنية، و أنت، يا قريب، مثلنا جميعا، تعلمت المشاهدة كفاحا " كيري"، ومثلنا جميعا عافرت الرسم بدون عون من أحد، وسط اليتم الجمالي المريع، الذي كابدناه بحكم نشأتنا في في ذلك البلد الحار الجاف المتلاف الذي لم ينعم ، حتى اليوم ، بمؤسسات رعاية فنية تستحق اسمها. غايتو البركة في تكنولوجيا النصارى التي يسرت لأولادنا و بناتنا أن يسوحوا في متاحف و صالات فنون الدنيا ،فيحللون و يفككون و يربطون ، على حل شعرهم، و حواسيبهم و آيفوناتهم رهن الإشارة!.
طبعا يتمنا الجمالي ألهمنا وقوف موقف العصاميين الذين يعيدون إختراع عجلة الحداثة الجمالية ، على مقاسهم ، و هذه منفعة قلما ينتبه لها أندادنا، الأوروأمريكيون، الذين صحوا من نومهم و لقوا كومهم ينتظرهم في متاحف و صالات و جامعات بلادهم. أها الليلة ملابسات عولمة الثقافة ورّتنا أن عجلتنا السودانية لا تقل بأسا عن أي من عجلات الجماعة الطيبين من حرس الثقافة الأوروبية الذين يصيبهم الدهش كل يوم حين تتجلى أمامهم عجلات الحداثيين غير الأوروبيين.
قبل سنوات دعتني مدرسة الفنون بجامعة ميتشيجان ضمن برنامج استضافة " فنان زائر" فقضيت أياما عملت فيها مع مجموعة من طلبة التلوين و عرضت بعض أعمالي في المدرسة. سألني طالب مجد، كان يتأمل في أحد أعمالي "
The Good Pain
التي تحتوي على كتابة بالخط القوطي: " ماهو البرنامج الذي استخدمته لعمل هذه الكتابة؟". في البداية لم أفهم سؤاله، حتى أنقذني الصديق الشافعي دفع الله الذي كان في رفقتي ، فشرحت للشاب المجد أنني لم استخدم أي برنامج إلكتروني ،و قلت له أن لا حاجة لبرنامج إلكتروني لعمل مثل هذا الخط، بل و أخذت فرشاة مبططة وعرضت عليه ـ إن كان في وقته متسع ـ أن أعلمه كيف يكتب بالأسلوب القوطي. نظر إلي الشاب متعجبا و نفحني:" واو؟!" . لحظتها اعتراني شعور بكوني"إي تي" في واحد من مشاهد فيلم سبيلبيرغ الشهير.
عمل كمالا صعب يا عبد الماجد لأنه لم يخرج من ثنايا تجربة الرسم التي تمخضت عنها ممارسات ملوني القرن التاسع عشر التي نوهت أنت بكون نظرك كان حبيس جدرانها التقنية و المفهومية. و أعني بـ "ممارسات ملوني القرن التاسع عشر" جملة التقنيات و المفاهيم المتوارثة منذ عهد سيدنا " ليون باتيستا ألبيرتي" [1404 ـ 1472]، و التي تموضع الفنان أمام لوحة هي " نافذة " يطل منها على العالم الخارجي و يسجل عليها مشاهداته و في قلبه يقين الإنسان المهيمن على الوجود و في يده أسلحته/أدواته فرش متنوعة الأحجام يكتب بها على مسطح اللوحة كم المعلومات الواقعة داخل إطار النافذة. أقول عمل كمالا صعب لأنه لم يخرج من تجربة الرسم الكلاسيكي، رغم أن كمالا تلقت تدريبها الفني في مؤسسات التعليم التي تقوم مناهجها على تعلم تقنيات الرسم الكلاسيكي. فمن أين إذن خرج رسم كمالا؟
حين وصلنا قسم التلوين في كلية الفنون كان طاقم اساتذتنا المستديم مكونا من كمالا، رئيسة القسم ،و يعاونها كل من عبد الله حسن بشير " جلّي" و محمود محمد محمود.و من وقت لآخر كنا ننعم بمرور من استاذنا عبد الله محي الدين الجنيد الذي كان يدرس بعض الوقت في الكلية آنذاك. في المكتب الضيق الملحق بالأستوديو كنا نرى محمود أو جلّي يعملان على أعمال صغيرة الحجم جلها بورتريهات لمعارف أو تكليفات تجارية أو أخوانية.وحدها كمالا ، بأحجامها الضخمة، كانت تركز لوحاتها على حائط الأستوديو و تعمل عليها وسط أعمال طلبة القسم. هذه الجيرة السعيدة أتاحت لنا فرصة مشاهدة استاذتنا كمالا تعمل وسطنا و مكنتنا من متابعة التخلق التقني و البصري لتصاويرها بشكل يومي. كنا ، بجملتنا، ضالعين في التحديات التقنية و الأداتية لفن القرن التاسع عشر بينما همومنا المفهومية كانت تستلهم وقائع حداثة القرن العشرين .و لا عجب فقد كان طموحنا تجويد الصنعة على زعم شاع بيننا آنذاك بكون الفنان المجود للصناعة الأكاديمية قمين بحرية أكبر في مقام الإختراع الحر.و أظن أن إنكبابنا على تجويد صناعة الرسام أعمى بصيرتنا عن رؤية المكيدة العالية التي كانت كمالا تدبر عليها الموقف من الأدوات ، حتى أننا كنا نستغرب ـ و قد نستنكر ـ استخدامها لـ " الأُسْطـُبَّة"،[ القماشة أو"الفوطة" التي ينظف بها الرسام أدواته عادة ] بدلا عن الفرشاة التقليدية.، كانت كمالا ترسم بالفرشاة ثم تتناول الأسطبة و تمحو بها طبقة اللون التي سبق لها أن وضعتها على مسطح اللوحة. ثم تعاود العمل بنفس الطريقة التي تتوالى فيها الفرشاة مع الأسطبة.للشخص العابر كانت كمالا تمحو الأثر الذي تصنعه الفرشاة. لكن العين المثابرة كانت تتوصل لأن المحو لم يكن ليشمل كل الأثر الذي تركته الفرشاة ، و حتى حين يتم المحو بعد الجفاف النسبي لطبقة اللون فالطلل الباقي يتكشف عن تنويع لوني دقيق على درجة عالية من التركيب البصري الذي تتضامن فيه جملة ألوان الباليتة حول إتفاقات كالحة يغلب عليها رمادي فضي أو/و أزرق بروسي أو/و أحمر " أوكر " ترابي .. و تلوين كمالا يبدو كما تنويعات اللون الواحد مما يسميه الملونون بـالـ" مونوكروم". لكنه مونوكروم مخاتل يخفي وراء الزعم الرمادي الظاهر رغبة مبطـّنة في استكشاف أقاليم لونية غير مطروقة.و في مثل هذا السياق أفهم مسعاها في طمس مهرجان الألوان التي عبأت بها أنا ذلك المنظر الطبيعي الذي طلبه مني لها بولا.
أذكر أن كمالا كانت تبدأ تصاويرها بفرشاة مشبعة بالتربنتين،[ أو بالجاز] كمثل رسام المائيات الذي يشرع في الرسم بالفرشاة بمستوى من الأزرق أو الرمادي الذي يغنيه عن استخدام قلم الرصاص.و كان التربنتين ، بسيولته و خفته ، يترك آثارا [غيرمقصودة ؟ مندري!] تجف على مسطح اللوحة و تندمج في التكوين الإبتدائي. و ربما كان هم المحو و الحك الذي يميز أسلوب كمالا في تخليق التصاوير يعود لميل عفوي لـ " تنظيف؟" المسطح من فوضى الآثار المسيلة [ و الله أعلم]. بعد مرحلة التريبنتين تجيئ مرحلة تخليق الموضوع بالتلوين. و موضوعات كمالا، في ذلك الزمان [ و ربما حتى في زماننا هذا، حسب مشاهدتي لصور المعرض الأخير] لم تكن تتغير كثيرا . فمعظمها بورتريهات لوجوه نسائية، أو قل هي سلسلة صور شخصية [" سيلف بورتريت"] للفنانة التي تخلصت من الموضوعات كلها باختزالها لموضوع واحد يتيح لها التفرغ لهذه اللعبة الفريدة العامرة باللقيات: لعبة الرسم و الطمس و المحو و الحك [ و الـ " صنفرة" كان ما نخاف الكضب !].
تعرف يا عبد الماجد، أحيانا يخطر لي أن رسم كمالا لم يخرج من تقليد القرن التاسع عشر و إنما خرج من راسها.و لو شئت قل خرج من يدها ، في معنى اليد التي تفكر و تدبر و تقرر. ذلك أن كمالا فنانة إيدائية، في معنى أن عقلها في يدها و هذا هو ـ في نظري الضعيف ـ سر فرادتها بين المحدثين السودانيين .قال بهرام ميرزا الصفوي، الشاعر و الخطاط الإيراني ،عن الخطاط نظام الدين بخاري ، من القرن العاشر الهجري:" نظام الدين الذي يحسن الأقلام السبعة، قليل من أمثاله في البسيطة يكتب الثلث بطرف اصبعه، إلهي من رأى منكم خطاطا مثله، أصبعه قلمه؟!".
سأعود
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

كمالا إبراهيم اسحق: أستاذة نسيج وحدها

لا يصح أن يتم رفع خيط عن كمالا، ثم لا يشارك المرء فيه. التقاعس هنا يدخل في باب "قلة العرض" و"قلة المروُّة". فنحن الذين تعلمنا في كلية الفنون في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي مدينون لها معنويًا، بأكثر مما تحتمله خواطرنا. فشكرا لحسن موسى الذي فتح هذا الخيط وأتاح لنا فرصة أن نرد بعضًا من ديْن كمالا علينا.

في بيئة مشحونة بالاستقطاب، كبيئة كلية الفنون، حيث تقف هيئة التدريس، في غالب حالها، في صف الإدارة، وسياساتها الموروثة، التي تحرص على الحفاظ على النمط المحافظ الحارس للعقم واليبس، كانت كمالا أستاذة مستقلة تدور في فلك هو من صنعها هي. ارتبط نمط كمالا الذي شكلته لنفسها بنفسها، في هدوء، بالحرية وبالاستنارة وبالإبداع، ولم يرتبط بتحزبات السياسة. أهم سمات استقلالية كمالا، صلتها الحميمة بطلابها. فقد ظلت أمًا وأستاذة وصديقة لطلابها، وهذا ما جعل صلتها بطلابها تمتد بعد تخرجهم. لا غرابة إذن، حين رجحت كفة الظلام في البلاد وأمسك الإسلاميون بزمام الأمور وعلت موجة التمكين، وصب كل ذلك في جيب النمط المحافظ السائد في كلية الفنون، كانت كمالا من أول الضحايا. قابلتها في مسقط في مطلع التسعينات في منزل زوجها الأستاذ أنور أدهم، فحكت لي عن ما حاق بالكلية من تردي، وغير ذلك مما جرى، وانتهى بها خارج الكلية.

ظلت كمالا فنانة مثابرة على العمل ومنتجة بلا توقف، وهذا نادر وسط أساتذة كلية الفنون الذين تتحول غالبيتهم إلى عبيد للوظيفة ودارسين مثابرين لحيل الإبقاء عليها، ومنتجين للرسائل الغرافيكية التي يوظفها البوق الإعلامي للسلطة بمختلف صورها. كمالا منتجة ذات طاقة تشكيلية دافقة، كما أنها أصيلة في انتاجها. فكمالا ليست رائدة بحكم سبقها كأول أستاذة جامعية في مجال الفنون التشكيلية، وإنما هي رائدة بتجربتها التشكيلية وانتاجها المتميز الذي لم يتوقف قط عبر ما يقارب أو يزيد عن نصف القرن.

في رحلة طلاب السنة الثالثة السنوية إلى جمهورية مصر العربية أخذتنا كمالا: (محمد حامد شداد، وأبو القاسم أحمد أبو القاسم، وشخصي) إلى دار روز اليوسف حيث أجرت معنا المجلة حوارا مطولا عن الفن التشكيلي تم نشره على صفحات المجلة ذائعة الصيت حينها. أيضا أخذتنا إلى أتيليهات الفنانين التشكيليين المصريين في باب اللوق وبالقرب من ميدان طلعت حرب، وغيرها، كانت كمالا في كل تلك اللقاءات التي ضمتنا مع كبار التشكيليين المصريين تحرص على تقديمنا وتحرص على أن نكون نحن المتكلمين، لا هي. وأظنها قد لفتت بذلك نظر المصريين الذي "لا تعلو لديهم العين على الحاجب" عادةً، في ما يتعلق بالتراتبيات الطبقية، بجميع شكولها، خاصة تلك التي بين الأستاذ والطالب. كانت كمالا مؤمنة بنا وفخورة بنا وتلك من سمات المعلم الحقيقي في علاقته بطلابه.

أما على المستوى الشخصي، فكمالا أيضًا نسيج وحدها مقارنة ببقية الأساتذة. فبالنسبة لي شخصيا لم أر منزل أيٍّ من بيوت أساتذة كلية الفنون سوى بيت بولا وكمالا ابراهيم اسحق. وأذكر مرةً أنني كنت متوعكا جدًا وأنا جالس في ستوديو الرسم، وقد أحست كمالا بذلك فطلبت مني الذهاب معها للطبيب. مانعت بشدة ولكنها أصرت بشدة. لم تستخدم كمالا المسار البيروقراطي بإحالتي إلى عيادة المعهد أو الطلب من زملائي اصطحابي إلى الطبيب، وإنما اصرت أن تأخذني بسيارتها إلى عيادة المرحوم دكتور أبو سمرة بالقرب من كلية الطب. وهذا بعضٌ مما عنيته بأن كمالا كانت أستاذة وصديقة وأما.

باختصار، كمالا أستاذة وانسانة نسيج وحدها وأيقونة سودانية تستحق منا جميعا التجلة. ونرجو أن يأتي ذلك اليوم الذي تبوئ في الأمة السودانية مبدعيها المقامات التي يستحقونها، وأن تصبح آثارهم مزارًا للأجيال.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

سلام يا النور حمد.

كتبت:

إقتباس:

" شكرا يا طبطب
لقد نقلت الفعالية بالصورة كأفضل ما يكون. "

شكرا يا النور على " الفيد باك " الطيب و المرجو، وكم أنا سعيد بأن ذلك قد تحقق.

وكتبت: "

أحس بعد المرور على الصور وكأنني كنت حاضرا هناك. "

وهذا عين المراد.

وأضفت:

أيضا شكرا على أنك جعلتنا نرى أفرادا لم نرهم منذ عقود"

وهو أيضا تعبير عن سعادتى حين إلتقيتهم.

وختمت، إقتباس :


ايضا طمأنتنا على أن التشكيليين لا يزالون مترابطين متى ما نفخ أحدهم نفيرا تشكيليا هرعوا إليه "
شكرا لك مرة أخرى ".
إنتهى

وهنا " مربط الفرس " !

" إنهم يأتون " لأنهم هناك يتنفسون ويستنشقون ويجدون أنفسهم وأرواحهم وبعض العزاء.
ويعودون ببعض الأمل الذى يملأ بطاريات حماسهم الذى أنهكه ضنك العيش وسوء الأحوال.
وهم أيضا يجدون فى تلك المناسبات فرصة للقاء بعضهم البعض بعد طول غياب.
لذا تجد مناسبة إفتتاح المعارض تتحول إلى مناسبة إجتماعية، تسرق خلالها النظرات إلى الأعمال
المعروضة، أو تعاود الزيارة يوما آخرا إذا كان هناك متسع فى الوقت. وهذا لا يتوفر للكثيرين.
فبالرغم من ما أتاحته الصور وعكسته إلاّ أن جمهور كبير من التشكيليين والتشكيليات
لا يستطيع أن يهرع ويستجيب إلى ذلك النفير. أما الأسباب فيصعب حصرها. ومنها على سبيل المثال.
إنحصار المعارض فى أماكن محدودة و أنشرار العاصمة ، وصعوبة المواصلات عموما وعدم توفر
المواصلات الخاصة لكثير منهم . زائدا صعوبة وصول المعلومات ( بالرغم عن الميديا الإجتماعية )،
وتلفونات " منقطعة الصفير" فى البيوت توقفت. وموبايلات كثيرة تعانى من قلة الرصيد وسوء التغذية.! إذا
سلمت من السرقات والضياع.

وفوق كل ذلك ما يستهلكه السعي للقمة العيش من وقت اليوم وطاقة الجسد والزهن.
وبالمناسبة بالرغم من أننى كنت فى ما يسمى " إجازة " مع يسر فى الترحيل والتنقل ورغبة فى التواصل،
إلاّ أن الكثير قد فاتنى. وذلك لأن " الحاصل إستوعبنى قبل أن أستوعبه."!!

وأزيدك كمان أمثلة:

الأستاذ شبرين والذى أقيم معرض كمالا فى " قاليرى " داره، كان قد حضر من جلسة غسيل الكلى فى
نفس اليوم. حضر الإفتتاح وأستقبل الحضور وجلس مؤانسا لهم وهو منهك، وأستأذن بعدها ليذهب ويخلد
للراحة. وأظن أن صورته ونحول جسده تحكى عن ذلك.

جرجس نصيف حضر نهار اليوم التالى لأنه قليل الحركة ليلا ويقود له إبنه سيارته.

صديقى الحميم عبدالباسط الخاتم وبالرغم من أنه من أنشط التشكيليين ممارسة وإنتاجا، إلاّ أنى إفتقدته
فى كل المعارض المسائية وذلك لأنه لا يقود سيارته ليلا. يخرج يوميا الصباح الباكر من الثورة بالوادى
لمكان عمله بكلية تقع بين أركويت والصحافة يغادرها بعد الساعة الثالثة وهو يعد نفسه لأنجع الطرق
لتفادى الزحمة وإختناق السيارات وخناق سائقيها.!

إبراهيم العوام، يمشى بتؤدة وهو يخرج من داره من " عد حسين " ليستقل حافلة، مترجلا منها فى وسط الزحام
لينتقل إلى أخرى تأخذه إلى مكان قريب من مكان المعرض . وما أن يصل إلى هناك حتى ينظر إلى ساعته
ثم يبدأ فى التفكير فى طريقة العودة.!
فى أيام الكلية كنت كثيرا ما أكون بصحبة خلف الله عبود فى ضيافة العوام فى منزلهم ببرى. وقتها كان من
يذهب إلى " أبوحمامة " فقد وصل آخر أحياء الخرطوم المخططة العامرة. وكنت إذا ذكرت السوق الشعبى
فأنت قطعا تنوى السفر إلى خارج الخرطوم.! ثم... هاك يا جبرة ويا عزوزاب ويا أبوآدم والأزهرى ووو..
" عد حسين " حيث العوام الآن.

وعبد المنعم خضر الذى تعرف أنه كان يسكن برى أيضا وكل وسط الخرطوم فى متناول قدميه!،
يكون حيث شاء ومتى شاء. الآن يسكن هناك حيث شاءت الظروف فى دار بناها طوبة طوبة.

عبدالمنعم بالإضافمة إلى همته وتفانيه فى التواصل، تساعده سيارته فى حضور كثير من الأنشطة ويفوته الكثير.
وكذلك رفيقه وصديقه/صديقنا صلاح حسن كلما " شدت حيلها " سيارته ولطفت الأحوال ولم تتجه به السيارة إلى عيادات الأطفال.!
قائمة الأصدقاء والمعارف الذين هم فى حال إما مشابه أو أقسى تطول.!


أرجو أن لا أكون قد عرضت صورة قاتمة لا تدعو إلى التفاؤل. ماقصدته نموزج لواقع الحال،
ولكن فى داخله يكمن التفاؤل. وذلك لأن كل هذه المناشط ...تحدث رغم كل هذه الظروف المحبطة.
وعندما تشاهد معرضا لكمالا فى السودان بعد أربعين عاما.

بل يزيد التفاؤل عندما تجد ناس عبدالله محمد الطيب ومحمود عمر ونايلة الطيب وباردوس يتفاكرون
فى الحلول البديلة لصالات العرض المحدودة. وترى معارضا يقيمها الشبان والشابات فى المنازل
والقراشات ، وعلى شاطئ النيل. فالمراكز الثقافية الأجنبية التى كانت مأوا( رغم قصورها) لم تعد تكفى، ولا تفتح
أبوابها للجميع. فلنتفاءل ونتفاكر نحن ومعهم، حول دورنا فى دعمهم.
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

صورة


صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

kamala Mannerism

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة





صورة




سلام للنور و أحمد
و شكرا على إضاءة الخيط بالتفاكير النيرات في شأن كنز كمالا العامر باللقيات.
أعلاه عمل قديم بالزيت لكمالا مؤرخ بتاريخ 1974. و قد حاولت أن ابذل جنبه تفصيل للطرف الأيمن من اللوحة التي أظن أنها كانت ضمن فترة التصاوير التي استلهمت فيها كمالا طرفا من تاريخ النوبة المسيحية.و كان ما نخاف الكضب فاللوحة ترجمة كمالاوية لـ " العشاء الأخير" رغم أن الشخوص المؤتلفة حول المائدة تبدو في هيئة الوجوه النسائية.و على كل فالإحالات التاريخية في تصاوير كمالا كثيرة و تستحق فصلا قائما بذاته فصبرا.






العشاء الأخير لليوناردو دافنشي





صورة
ايمان شقاق
مشاركات: 1027
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 8:09 pm

سلام وشويتين كلام!

مشاركة بواسطة ايمان شقاق »

سلام للجميع
اتابع خيط كمالا الممتع كلما سنحت لي سانحة، أتمنى أن اجد الوقت للمشاركة.

يا حسن، "تستلف" الصور* بدون إشارة للمصور والمصدر!
* الصور للعمل المذي شاركت به كمالا اسحق في المعرض الجماعي الذي اقيم في المركز الثقافي الفرنسي في مارس، بمناسبة اليوم العالمي لمرأة.

محبتي للجميع
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

اليدياء

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا إيمان
و شكرا على التنبيه.
معظم صور أعمال كمالا في أرشيفي منذ سنوات، و قيل " من سالف العصر و الأوان"، شي من الكاتالوجات و شي من المجلات و شي من فيس بوك و بعض المواقع السودانية.و اليوم و قد اختلط الحابل بالنابل و تشابه البقر على خراش إلخ، فقد يئست بالمرة من تحديد أصل كل صورة. و لو كان في وسعك رد الحقوق إلى مؤلفيها فلا تترددي و سوف أقوم بكل تعديل ضروري.و بإنتظار ان يرعى الحمل جوار الذئب فأنا أكتفي من الغنيمة بتلت المال و كدا. بالمناسبة الصورة أدناه من أعمال كمالا التي ساهمت بها في معرض "آفريكا 9" في صالة غاليري " وايت شابل" بلندن و أظن أن عنوانها كان " ندوة في مكعبات زجاجية". و كما ترين فنوعية صورتي متواضعة[ حتى لا أقول رديئة]. و لو كان في وسعك أو في وسع غيرك نسخة أفضل فوف نسعد بها كلنا
.




صورة














كمالا فنانة يدياء تفكر و تدبر و تقرر بيدها، و هذه الوضعية تغنيها أو تعصمها من الإنسياق وراء غوايات التعبير الأدبي التي تتغول على مقام المعالجة التشكيلية و تنتهي بصرف نظر المشاهدين عن لب الأثر التشكيلي كخطاب إيدائي يتوسل للمعرفة بالأدوات والخامات التي تمتثل لإرادة الفنان حين يقول لها كوني فتكون و تقول خطاب البصر و البصيرة و تهيّئ للمشاهدين معرفة الوجود في المقام الذي لا تطاله الكلمات.و قد نبهني عمل الخطاط ،من قبل ، لمحورية اليد التي تفكر و تدبر و تقرر، ذلك لأن في عمل الخطاط نوع من حائط منيع يفرز مقروئية الموضوع الأدبي عن مقروئية الموضوع التشكيلي، ربما لأن الخطاط يعرف أنه يدخل على حرم الأدب بجاه الصناعة التشكيلية دون أن يطالبه أحد بإحسان صناعة الأديب ، بينما يجد الرسام صعوبة في فرز المقروئيتين، أما لأنه يكلف نفسه بمشقات الصناعة الأدبية أو لأن الآخرون يكلفونه بها . و في نظري الضعيف، هو أثر باق من تقليد حركة الرسم الأوروبي الذي أورثنا بعض اشكاليات النظر المدرسية المرتبطة بتاريخ الثقافة الأوروبية وحدها.[ و هذه فولة تفيض عن سعة مكيالنا الراهن في خصوص يد كمالا فصبرا ]



أقول: اليد أداة ، بل هي أول ادوات الإنسان، و لو شئت قل : الإنسان يده، كون اليد ليست أداة العمل فحسب و إنما هي ايضا نتاج العمل، فمع العمل تعلم الإنسان ان يصنع الأدوات وأن يمدد بها أعضاءه و يرفع من كفاءتها مثلما ساهم استخدام الأدوات على تكييف اليد مع متطلبات الحياة الإنسانية . و لمولانا فريديريك إنجلز مبحث شيق في الدور الذي لعبته يد الإنسان في تطور الحضارة الإنسانية[ إنجلز، دور العمل في تطور القرد إلى إنسان"].لكن اليد هي ايضا مستودع التفرّد الإنساني سواء كتبت او رسمت أو نحتت او لمست أو أومأت.و هذا البعد الوجودي لعمل اليد هو الذي ألهم أنصار الـ"أسلوبية اليديائية"[ لو جاز لي ان أترجم المصطلح اللاتيني الأصل " مانيريزم" المنحوت من أصل عبارة تدل على اليد: " مان"
Manière, manniérisme ,main,
Manner,Mannerism]
و لسان العربان يخلّق من محورية دور اليد فعل الإيداء فيقولون: أيدى إيداءا عند فلان و إليه في معنى إتخذ عنده يدا ،أي أنعم عليه، فهو مُوْد و ذاك مُوْدى إليه و يقال: يَدِيَ فلان من فلان في معنى نال منه برا و إحسانا ، و يادى مياداة الرجلَ في معنى جازاه وأعطاه يدا بيد،. و في معني اليد القدرة و السلطة و الجاه، يقال:"ما لك عليه يد"، أي ولاية.و يقال: "هذا في يدي"، أي في ملكي.و تأتي اليد بمعنى الجماعة فيقال:" القوم عليه يد واحدة"أو مجتمعون على عداوته،و الشخص اليدي هو الحاذق اليدوي ،و الأنثى يدياء.و يقال عيش يدي للدلالة على رغد العيش "
وحين أزعم أن كمالا فنانة يدياء فزعمي يعتمد على قراءتي لتجربتها في بناء منهاجها الخاص الذي خلّقته من واقع تجربتها اليدوية الفريدة. و انا استخدم الإحالة الجمالية لليد، هنا، في معنى أنها فنانة " مانيريست " حسب العبارة التي سكها مؤرخو فن الرسم لأساطين القرن السادس عشر. و حركة الـ "مانيريزم" الإيطاليين تكشفت عن بدايات العناية بالأسلوب كعلامة هوية جمالية للفنان.و لا عجب فالقرن السادس عشر كان ـ في منظور التاريخ ـ هو زمن ظهور الفنان كشخصية ذات سيادة فردانية لا تقبل القسمة. و الحركة الإيدائية[ ترجم" مانيريزم"] ظهرت في إيطاليا بين نفر من رسامي فلورنسا و روما ، كجوليو رومانو[1499لـ 1546] و بارمينغيانو[1503ـ1540] و بنفينيتو سيلليني،
ممن يعتبرون بمثابة الورثة لرواد حركة الرسم في عصر النهضة الإيطالية [ مايكل آنجلو ورافائيل ودولسارتو ]. و إذا كان الرواد قد ارسوا دعائم فن الرسم على دراسة الطبيعة [ التشريح و المنظور] للتعبير عن الموضوعات الكلاسيكية التي كان يكلفهم بها الراعي الكنسي في الفاتيكان، فالتلاميذ من رهط الإيدائيين أهملوا دراسة الطبيعة و عكفوا على دراسة آثار السلف الصالح من رواد عصر النهضة. هذه النزعة الجديدة شجعت ورثة عصر النهضة على التركيز على المعالجة التشكيلية قبل الموضوع الأدبي للصورة.و قد قادهم شاغل الصورة كحدث جمالي ذي طبيعة مادية ، بحكم تحققه في مقام المسند و الخامة و الصناعة اليدوية، قادهم لإهمال المواضيع ذات الحظوة في مشهد السلف الصالح. فظهر الأمراء و الأعيان و الأميرات والعشيقات بالتدريج في تصاويرهم و احتلوا محل الأنبياء و القديسين و البابوات.و هو أمر كان محتوما بحكم تزامنه مع ضعف سلطة الفاتيكان تحت تأثير حركة الإصلاح الديني البروتستانتي .و هو عهد سادت فيه النزعات الإصلاحية و تواترت فيه التحوزلات الإجتماعية مع الإكتشافات الجغرافية [ الدنيا الجديدة] و العلمية [ كوبرنيكس] و ازدهار التجارة العابرة للقوميات و القارات. لقد قام الإيدائيون الإيطاليون بتقنين اللقيات التشكيلية لرواد حركة الرسم في عهد النهضة و نظموها كتصانيف أكاديمية و من ثم لعبوا عليها و استثمروها في صياغة تنويعات اسلوبية شخصية تمثلت في تحوير و تبديل النسب التشريحية للجسد و تمثيل الأجساد في وضعيات حركية ادخل في البهلوانية، أو اللعب على قوانين المنظور للحصول على تأثيرات تدعم التعبير، أو اللعب على قوانين توزيع الضوء و الظل بهدف تقوية التأثير المسرحي في الصورة إلخ. قالوا ان الفنان الإيطالي تيشيان[ أو تيسيان أو تيزيانو]
Titien
[1488ـ1576]
في آخر سنوات عمره لم يكن ليتورع عن رسم عارياته الميثالوجيات [ ديان و داناي و فينوس ..] مستخدما اصبعه بدلا من الفرشاة.و قد أوّل بعض دارسي الفن هذا المسلك كتعبير ايروسي يتوسل لـ اللبيدو بوسيلة الرسم، بينما الأمر، من وجهة الممارسة الفنية، لا يعدو وجها من وجوه البحث الأداتي المحموم الذي يرى في اصبع الفنان كفاءة لا تتوفر للفرشاة التقليدية. ربما لأن هذا الأصبع/ الأداة يلغي المسافة بين الجسد و المسند. و بسبب موقف الباحث الذي لا يتورع عن شيء تسنى لفنان مثل تيسيان أن يلعب دورا مهما في تحرير فن الرسم الإيطالي من جمود و كآبة التقاليد الفنية الموروثة من العصور الوسطى.
هذه المسافة القائمة بين الجسد و المسند تقصر عند كمالا بفضل تبنيها للأصطبّة كأداة بلا مقبض و بلا تاريخ أو تقليد أو أي إدّعاء جمالي نبيل من نوع الإدعاءات الجائرة و المبررة التي تلبّك تاريخ الأدوات و المساند بثرثرات تغرّق الحوت في لجة الأدب المباح. مجرد خرقة تملأ قبضة اليد و تتحرك وفق مشيئة اليد التي تدعك المسند لتمحو أثر الفرشاة.
لكن كمالا ، كفنانة يديائية ، تبقى نسيج وحدها، كونها لم ترث شيئا من أي سلف صالح ،كما سادتنا الطلاينة الأماجد ،[ سلف شنو يا زول؟!] ، و لم تعرف أبا روحيا تنهل من معينه ، و أي معين في سياق هذه الحركة التشكيلية السودانية التي نبتت يتيمة ، على حين غرة ، في وسط الجدب العام، و تأقلمت مع ظروف عدم المواتاة الثقافية فبقيت على قيد الحياة، كما شجيرات الصحراء الشوكية ، بل و تطورت و أثمرت، بالعون الذاتي [ من دقنه و افتل له]، حتى صارت حركة متميزة يشار إليها بالبنان الأجنبي ؟! .
أقول : كمالا من نوع الرسامين الذين يستغنون بالممارسة العملية عن ما سواها.و خلال سنوات جيرتنا السعيدة معها في ستوديو التلوين لم نعرف عنها ميلا للتنظير و صناعة المفاهيم حتى حين واتتها السانحة الكريستالية مع محمد شداد و نائلة الطيب و الدرديري محمد فضل، كونها بالفعل من جنس" الفنان الذي يعمل في صمت" ، حسب العبارة إياها، و لا يضيرها ذلك في شيء،كونها كشفت لنا ، نحن تلاميذها في قسم التلوين،و بكفاءة عالية، خلاصة تجربتها في لغة "البيان بالعمل" الخلاق، فكنا نتأمل في هذا الدرس العملي المشاتر، و فينا من وقف مفتونا و تأنـّى في تفاصيله،و فينا من زهد فيه وعبره لدروس مغايرة، مثلما فينا من فلت بالمرة من الجنة و سقطها.
إن فرادة كمالا تتمثل في كونها تعيد إختراع مبدأ المانيريزم على مقاسها الشخصي لأنها خلّقت طريقتها الخاصة في الرسم من واقع الممارسة العملية، كما البنـّاءة ، نحتت حجارتها حجرا حجرا من الصخر الخام المبذول في الطبيعة، ثم انثنت على الحجارة و بنت منها بيتها الأسلوبي الفريد، و حين طاب لها المقام داخل هذا البيت الذي أغناها عن السوح في تيه المفاهيم و الأساليب، سكنت فيه و استقرت تصنع تلك التصاوير الغنية التي تتواتر كتنويعات لا نهائية على موضوع[" ثيمة" ] واحد هو الوجه. و أي وجه؟!


سأعود
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

صحيح يا د. حسن موسى. الاستاذة كمالا ابراهيم اسحق شاركت مع فنانين افارقة في هذا المعرض في سبتمبر 1995 في "وايتشابيل قاليري" بلندن. بحثت عن اللوحة التي اشرت اليها، موجودة في ارشيفهم، ولكنها ما معروضة في موقعهم الاسفيري. بوستر المعرض.

صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

ونشرت اعمال المعرض المشار اليه في هذا الكتاب/الكتالوج، ثمن النسخة 15£.
Hardback, 320 pages, 230 illustrations, 80 in colour. ISBN HB:2-08013-599-6

Published by the Whitechapel Gallery, 1995.

https://www.whitechapelgallery.org/shop/ ... uct_id/154

صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

Kamala Ibrahim Ishaq Sudanese
b. 1939 Artist
• educated at the College of Fine and Applied Art, Khartoum, Royal College of Art (London) in mural painting, lithography, typography, illustration
• exhibited in solo and group exhibitions in United States of America, Brazil, Sudan, Nigeria, Tunis, Egypt, United Kingdom, United Arab Emirates, and Jordan since 1962
• works in oil on canvas, acrylic on paper[/color]


وهذا ما كتبه عنها صلاح حسن ( الجرك ).:


" 1939 -
Sudanese painter.
Kamala Ibrahim Ishaaq (also Ishaq) was born in Sudan, and trained at the Faculty of Fine Arts in Khartoum and at the Royal College of Art in London. She taught at the Khartoum School of Fine and Applied Art and was a pioneering member of the group known as the Khartoum School, which is widely regarded as responsible for developing the modern art movement in the Sudan. Like many other artists from Arab and African countries, Ishaaq conducted extensive field research on local cultural practices as a basis for her own work. Her early paintings drew on her intensive study of and participation in zars, primarily female rituals of spirit possession and purification in northeast Africa. This exploration of local themes was in keeping with the Khartoum School's interest in articulating a distinct Sudanese cultural identity, which they believed consisted of a mixture of African and Islamic traditions. In the 1970s, Ishaaq departed from her earlier work when she joined with two of her students to create the Crystal Manifesto, which some argue was an implicit critique of the Khartoum School. Opposed to the heavy values placed on skill and craftsmanship and an empirical view of the world, the Crystalists argued that humankind was trapped in a crystal-like prism, whose nature looked different depending on the observer's angle, thus providing a source of possibility within the entrapment. This existentialist perspective shaped her later work, which explored women's oppression and possession more broadly, most notably in paintings of grossly distorted female subjects, some imprisoned in crystal cubes.
Bibliography
Hassan, Salah.[color=red] "Khartoum Connections: The Sudanese Story." In Seven Stories about Modern Art in Africa. New York: Flammarion, 1995.
Kennedy, Jean. New Currents, Ancient Rivers: ContemporaryAfrican Artists in a Generation of Change. Washington, DC: Smithsonian Institution Press, 1992.


ويا حسن أمتعنى وشغل الفكر تناولك المتعدد الزوايا فى هذا الخيط. " الكمالى الأوصاف "!
ووجدت نفسى أردد:
" يا "إيدى "، شيلينى ، ختينى ، فى بيت الله العاجبنى " ! فكانت مسألة كمالا " اليدياء " التى وضعت أنت يدك عليها.

وطبعا " اليد " ممكن تشيل الزول.! وشوف الكاتب فى مناولة النور أحمد على ( بوست كرة القدم )وهو يناجى حارس المرمى:


إقتباس


" لَكَم يخرج قلبي إليكَ، خروج الهواء إلى ظلّه، كلما رأيتُكَ واقفاً هذا الوقوف. أنتَ لا تعرف كم مرةً حاولتُ أن أخربط الهواء لأجعل الكرة تطيش عن المرمى، أو لأسألها أن تبحث عن يديكَ. لكنْ عبثاً. لا فائدة تُرجى.
إن هذا لَشيءٌ مهيبٌ لا يُحتمَل؛ بل همجيٌّ للغاية.
" هل قلتُ إنه محاولةٌ مقصودة للقتل الذليل؛ ناجحة في أغلب الأحيان؛ فاشلة في بعضها القليل؛ لكنّ آثارها – أياً تكن
لا تُمحى من ذاكرة يديك، التي هي روحٌ معذَّبة. فما أشدّ عذاب الروح، وخصوصاً إذا تجمّع في ذاكرة اليدين "!
لا يعنيني التأويل الأدبي لهذا الوقوف. بل يعنيني فقط، وآنذاك، امتناع وجودكَ الشخصي امتناعاً موضوعياً فادحاً، واقتصاره على الإحساس بأن كلّ شيء مختصَرٌ إلى لحظة الصفر هذه؛ اللحظة التي تصبح فيها، أنتَ، محض شلوٍ يتلوّى الجسمُ منكَ، والوجدان، تحت أنياب الانتظار. إنتهى



وأرجو أن أعود لموضعوع كمالا " اليدياء "، وتلك النقطةالهامة.

وفى مجال ربما أوسع دعنا نحاول فرز خيوط كمالا أو إلتقائها، أو " شربكتها " مع خيوط" الخرطوم " و " الكرستالية ".
و التفاكر حول إن كانت هي فعلا مدارس. !وهل هناك فعلا ما يمكن أن يطلق عليه مدرسة فى مجال الممارسة التشكيلية السودانية.؟

و " اليد ليها رافع ".
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

وجه الفنان

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة







صورة




[size=24]

سلام يا عادل و أحمد و شكرا على " شوف العين " الذي قد لا يقتل غزال لكنه نافع في مقامات الرسم.



وجه الفنان

و أنا أنظر في تصاوير كمالا المبثوثة أمامي تنبهت فجأة لكوني ـ على طول متابعتي لتصاوير كمالا ـ لم أر لها أبدا رسما، في معنى الرسم الخطي
drawing
الذي يمارسه التشكيليون عادة إما كتمرين أكاديمي غايته ترويض" شوف اليد" مع شوف العين، أو كتوطئة للتلوين
painting
أو لذاته كنوع مستقل بسيادته الجمالية الخاصة.و كمالا بحكم تدريبها الأكاديمي الطويل، و بحكم تعدد غواياتها الفنية و بحكم فضولها البحثي المتنوع الذي يلهمها العناية بالخط و الحفر و مباحث الأنثروبولوجيا [ الزار] و الآثار و الميثولوجيا الدينية ، فمن المستحيل أن لا تخلف وراءها أثرا مرسوما ، سواء في شكل سكتشات تحضيرية أو توثيقية ،أو في شكل مشاريع فنية مستقلة. و غياب الرسومات بين تصاوير كمالا المبذولة في فضاء التشكيل، يملك أن يُقرأ كإهمال عفوي لهذا النوع الفني بذريعة أن كمالا انشغلت عنه بما هو أكثر أولوية أو أنها، ضمن منهجها في الممارسة، لا تتصور إمكانية وجود للرسم إلا كجزء من النسيج العضوي لتصاويرها التي يتمازج فيها الرسم و التلوين باسلوب لا يطيق الفرز المدرسي العقيم بينهما. و في هذا الموقف فكمالا على مذهب الملونين الكبار من شاكلة مولانا" فرانسيس بيكون " الذي لم يكن يخفي ضيقه بالرسم المدرسوي:
"..أنا لا أرسم أبدا، لأني لا أحب الرسم. أنا أعمل مباشرة على اللوحة بالألوان. أحيانا أرسم على اللوحة بالفرشاة لا غير.أعتقد أنني لست بارعا في الرسم فضلا عن كوني لا أطيق مشاهدة رسم الآخرين." و حين يسأله " فيليب داجان" ناقد صحيفة " لوموند" : " كيف تنفذ لوحاتك؟"، يجيب "بيكون" : "بالألوان مباشرة ". و حين يطالبه "فيليب داجان" بالإستطراد يقول " بيكون" : " هذا كل شيئ، ليس بالإمكان الإستطراد في هذا الأمر الغريب.هناك عامل الصدفة أيضا.و في النهاية فالكلمات لا تنفع في هذا المقام، يجب ان نرى و أن نحس. إن كل الكلام الذي يمكن أن نقوله بلا فائدة.إنه يظل خارج الموضوع أو إصطناعي.أنظر لمجموعة صور رمبراندت الذاتية مثلا،ما الذي بوسعنا أن نقوله حول الطريقة التي نفذت بها هذه البورتريهات؟ لا شيئ.أو تقريبا لا شيئ.نحن ننظر إليها و هذا يكفينا".
Philippe Dagen,Un entretien avec Franci bacon,in Le Monde,24eptembre 1987.
لكن نسب كمالا الجمالي بـ " فرانسيس بيكون" لا يقتصر على الموقف من الرسم فحسب، لأن كمالا تلتقي مع بيكون في مرابط كثيرة يهمني منها في هذا المقام مربط الصورة الذاتية.
قلت أن كمالا تعمل منذ عقود على موضوع الصورة الذاتية.[ سيلف بورتريت] فكأن مجمل تصاويرها ما هي إلا سجل لإنعكاسات وقائع الحياة على مسند وجه واحد هو قناع وخريطة و حجاب وهوية وأنا وأنت وفرح وحزن وحياة وموت كلها في برنامج واحد!.و في هذا المشهد فكمالا نرجسانية[ حتى لا أقول "نرجسية"، حاشاها!]،و عبارتي في معنى أنها تنتمي لطائفة " نرجس"، ذلك الفتى الجميل الذي أنفق عمره مفتونا بانعكاس صورته على صفحة الماء، حتى أدركه هادم اللذات و هازم المسرات.[و أيّ لذة ؟ بل أي مسرة أعظم من مسرة الحضور في معية الكائن الوحيد الذي نعرف أكثر من غيره: الأنا الأمّارة بالخير و بالشر معا؟]، تقول الأسطورة أن أم نرجس حملته يوم مولده إلى المعبد و سألت تيريسياس العرافة إن كان ابنها سيعمّر طويلا؟و كانت الإجابة أن نرجس سيعمر طويلا إن امتنع عن رؤية وجهه.فكبر الطفل و صار صبيا وسيما تجري وراءه الخاطبات كما يجري وراءه الخاطبون. لكن نرجس لم يكن يأبه بالحب. اشتكى ضحاياه للآلهة، فعاقبه " نيميسيس" بأن يقع في حب صورته.و هكذا ما أن نظر نرجس لإنعكاس صورته على صفحة الماء حتى فتنته صورته فلازمها و ظل ينظر إليها حتى مات من الضنى. قالوا أن زهرة جميلة نبتت في موضع موته هي النرجس.
و هكذا نخلص من هذه الحكاية الإغريقية لهذه الفكرة الجميلة التي تحيل فن الصورة الذاتية لسيدنا نرجس كرم الله وجهه! و تجعل من رسام الصورة الذاتية شخصا مفتونا بذاته.
و الصورة الذاتية نوع فني قديم لا يكاد يفلت منه فنان. و قد لا اشتط إن زعمت أن منطق الصورة الذاتية قدر محتوم يفرض نفسه على الجميع كلما نظر أحدنا لإنعكاس وجهه على المرآة.ذلك ان الناظر في إنعكاس صورته على المرآة إما أن يستحسنها كتعبير إيجابي عن ما يتصوره عن نفسه،و بالتالي فهو يسعى لبذل هذه الصورة و تقديمها للآخرين، أو أن يستقبحها كتعبير سلبي يكشف له عيوبه، الحقيقية أو المصطنعة ، و بالتالي يحاول حجبها أو، على الأقل، تعديلها بحيث تبدو مقبولة لنظر الآخرين.و حسب هذا المنطق فالصورة الذاتية هي الصورة التي يجيزها نظر الآخرين في نظر صاحبها.و قد أورثنا تاريخ الفن الأوروبي و غير الأوروبي حصيلة ضخمة من التصاوير و النصوص التي تعالج موضوع الصورة الذاتية منذ صورة " فيدياس" النحات و المعماري الإغريقي الذي نحت صورته الشخصية في طرف الترس الذي تحمله الآلهة "أثينا"، في التمثال العملاق الذي صنعه لها في "الأوكروبول[ و قد فسر " سيسيرون" مسلك " فيدياس" بأن التقليد لم يكن يسمح له أن يضع اسمه على تمثال الآلهة] ، حتى الـ " سيلفي" الذي راج بفضل انتشار الهواتف الجوالة في إيدي الجميع، دون ان ننسى محاولات " مايكل جاكسون" المستميتة لإعادة رسم وجهه من خلال عمليات التجميل التي قيل أنها تجاوزت الخمسة عشر . و أذكر أنني شهدت في الـ " ناشونال غاليري" في لندن ، عام 1999، معرضا كبيرا للفنان الهولندي القدير "رمبراندت"[1606ـ1669]، اقتصر على مجموعة ضخمة من الصور الذاتية التي انجزها" رمبراندت" على مختلف المساند و بمختلف التقنيات خلال حياته الفنية العامرة.[ أنظر:
Rembrandt by himself,National Gallery publications,London,1999.
ومعرض ربمبراندت يبدو كما لو كان سجلا مخلصا لسيرة الفنان الذي ثابر على رسم نفسه في مختلف أحوالها، بل أنه كان ـ على أثر فيدياس ربما ـ يدس صورته الذاتية في الطلبيات التي يدفع ثمنها الرعاة المتنفذين الأثرياء دون أن يتنبه أحد لأن الفنان سجل حضورا دائما في اللوحة التي طلبوها منه.فهو حينا في وسط جماعة الأعيان أو في خلفية لوحة تاريخية وسط الجنرالات و الفرسان،أو في هيئة تاجر غني أو فارس إلخ. طبعا الفرق كبير بين الدوافع الجمالية لـ " فيدياس" و " رامبراندت" و " مايكل جاكسون" و الدوافع الدنيوية لهواة الـ " سيلفي" الذين يبذل وجوههم على ملأ الأسافير ، لكن القاسم المشترك بينهم كلهم هو أن كل منهم يسقط ذاته على صورة ما بملء إرادته ليقول للناس: انظروا! هكذا أنا..! و يبدو أن رمبراندت مثل أغلب الرسامين كان يستخدم صورته الذاتية كمسند بحثي ضمن استكشافاته التقنية المتعددة.ذلك أن الفنان لا يجد نموذجا أفضل من شخصه.لأنه يمتاز بكونه متوفر و صبور و رهن الإشارة في أي لحظة و في أي مكان، ناهيك عن كونه نموذج متواطئ لا يتحلى بذلك النظر الأجنبي الذي قد لا يوافق نظر الرسام في كل الأحوال. و معظم الرسامين الذين عاشوا تجربة الفقر وجدوا في الصورة الذاتية المنعكسة على المرآة مخارجة مريحة من معضلة النموذج، فضلا عن نوع العزاء الماثل في استئناس الرسام بخيال صورته الذي يتجسد آخرا يحاوره الفنان من أول ضربة فرشاة على المسند.
و في نظري الضعيف، فحوار الفنان مع آخره الماثل على المسند، لحظة ذات حظوة حميمية نادرة في منظور التأمل الذاتي الذي ينتفع به الفنانون و الأنبياء و الصالحين في تصفية الحسابات المعلقة مع الذات و مع الغير.و في مثل هذا السياق أزعم قراءة مجموعة الوجوه التي تسكن لوحات كمالا كلحظات تأمل وجودي يتوسل بالتنويعات على موضوع الصورة الذاتية وصولا لرؤية الذات في أحوال انمساخاتها المتواترة.و رغم أن زعمي، بأن كمالا لم ترسم إلا وجهها، قد لا يصمد طويلا أمام من يتحرّى المضاهاة بين تلك الوجوه المرسومة على الكنفاس و صورة كمالا الفتوغرافية [ و هيهات!]، ربما لأن كمالا، من جهة أولى ، لا ترسم انعكاس صورتها على المرآة ، كما قد يفعل الصلحي، أحيانا، ضمن هم الدرس الأكاديمي. و إنما ترسم انعكاس صورتها في مرآة النفس التي في ثنايا الداخل.و من الجهة الأخرى، فصلة القربى الأيقونية التي افترضتها أنا ، بين صورة كمالا في الواقع و وجوهها المرسومة على المسند ، هي ، في نهاية تحليل ما ، مجرد اسقاط مغرض مستنبط من جملة من الأسباب، معظمها مجلوب جلبا من خارج حدود الأثر المادي.إلاّ أن حدسي ـ على هشاشته ـ إنما يستمد مشروعيته من عكوفي المستديم على النظر في وجوه كمالا المتعددة و في طرائقها الفنية و جملة ما حصلته واعيتي من أحوال وجودها.
أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم كوني ورّطتكم معي في منطقة الإشتباهات النقدية الغميسة بين حقيقة الصورة و صورة الحقيقة في سعيي لإنصاف هذه الكمالا الغريبة بين أهلها[ و طوبى للغرباء! ] و التي ظلت تواصل عملها دون أن تأبه لنقادها الذين تعودوا على دفن عملها تحت ركام التعميمات الكسولة التي لا تودي و لا تجيب . أقول قولي و كلي ثقة من أن استاذتنا كمالا ، ببصيرتها الحديدة، قمينة بقراءة مكتوبي هذا بما يليق من مسافة نقدية تراعي مواطن ضعفه فتقويها و مواطن قوته فتدعمها.و لا عجب فكمالا أيضا ناقدة رغم أن نقدها لا يتوسل بوسيلة الكلام المباح.
سأعود


و هذه صورة فرانسيس بيكون الفتوغرافية لزوم المضاهاة مع تصاويره الذاتية و تليها صورة نرجس من أثر كارافاجيو:






صورة






صورة







صورة












صورة







صورة
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

معرض في السفارة الفرنسية الخرطوم بمناسبة يوم المرأة العالمي 2014


صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
أضف رد جديد