و كمالا

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كمالا المستوحشة

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة المستوحشة
في الحوار المشهود الذي اجراه الناقد دافيد سيلفستر مع فرانسيس بيكون ، فسر بيكون موضوعات الصور الذاتية بأنها تمت في لحظات الإحساس بالوحشة حين يغيب الآخرون:
« There wasn’t anyone else around to paint »
David Sylveter,Interview with Francis Bacon,1962-1979,Themes and Hudson,1980
هذه القولة تخارج رسام الصورة الذاتية من موقف "نرجس " لتموضعه في موقف المستوحش المستأنس بذاته.و في مشهد بيكون يبدو رسم الصورة الذاتية كمحاولة[ يائسة؟] لمقاومة قدر الإستيحاش الذي يترصد الرسامين ، من واقع كون صناعتهم ، التي هي أدخل في صناعة العابد المستفرد،لا تكون إلا في ظلام الإستيحاش، فالرسام، على خلاف الموسيقيين و الأدباء و أهل الفنون المشهدية، يرسم داخل وحشته المجيدة حتى و هو وسط الزحام.و في مسرح هذه الوحشة تتوارد أحداث كثيرة لا يدري كنهها إلا الرسام [ و هيهات].و هي الأحداث التي يتخلق من خامتها المحتوى الحقيقي [ في المعنى الديني لمفهوم الحقيقة] للأثر الفني.
أقول قولي هذا و في خاطري الإستيحاش الخلاق الذي اختارته كمالا كشرط أولي لممارسة الرسم.و كمالا، في نظري الضعيف، فنانة مستوحشة، بل هي من أعظم المستوحشين الذين جادت بهم حركة الخلق الفني في السودان. و أول استيحاشها سياسي، إقرأ : "جندري "، في معنى أنها امرأة رادت أرض الفن الوعرة وسط جماعة من الذكور الذين أرسوا دعائم الحداثة الفنية في السودان.و هذه الوضعية الفريدة حفزت بعض الكتاب و الصحافيين على توصيفها بصفة " فنانة السودان "! و هذا اللقب :" فنانة السودان الأولى " الذي انعمت به عليها الصحافة السودانية ، هو شهادة على هذا الإستيحاش، لأن اللقب يستبعد الفنانات السودانيات الأخريات الواقفات في عتمة الضوء الواقع على كمالا. فكأن كمالا خرجت فجأة من قمقم سحري ظل مدفونا في غياهب النسيان منذ الأزل.ترى ماذا حل اليوم بكل التشكيليات السودانيات اللواتي جايلن كمالا في سنوات الدراسة ؟!
و ثاني أوجه استيحاشها سياسي ، ترجم : "جمالي" ،في معنى أنها ظلت تبدع وسط تلاميذ " شيخ غرينلو" الذين آلوا على أنفسهم إختراع " مدرسة" وطنية تحمل شواغل النسخة السودانية للحداثة في منطقة التشكيل . "هؤلاء الناس "[ الحقوق محفوظة للطيب صالح]، الذين دخلوا أرض الرسم بمزاجهم القروي المحافظ و بتجربة الخلاوي التي تلبّك وجدانهم، فبركوا مفاهيمهم الجمالية على مبدأ استلهام التراث الإسلامي و فاوضوا صناعة مفرداتهم التشكيلية على فرضيات أيقونوغرافية مبسّطة و زائفة قوامها مزج الخط العربي و الزخرف الإفريقي ، و في خاطرهم قناعة عرقية ملتوية تنفي عن عرب السودان واقع كونهم أفارقة، مثل غيرهم من الأقوام التي تمنح القارة الإفريقية تعددها الخصيب. وسط هؤلاء المَزَّاجين الوطنيين البواسل ما كان لكمالا أن تكون إلا كما تكون المرأة وسط جماعة الذكور العربسلاميين ، أي منفية في عتمة الهامش الذي يؤطر آيديولوجيا العربسلامية المسودنة.و على شقائها الجمالي المستوحش انتحل لها نفر من نقاد التشكيل الـ " جزافيين " [ الحقوق محفوظة لعبد الله ] عضوية " مدرسة الخرطوم" فانطلت عليها،" لا إيدا لا كراعا " حتى صار الناس يلحقونها بذيل القائمة الشهيرة التي يتصدرها الصلحي و شبرين و هلمجرا!.[ سأعود لناس " هلمجرا" فصبرا ]. و لا أحد يلوم كمالا على هذه الوضعية الإستبعادية التي أدركتها ضمن اللبس المفهومي الكبير المخيم على حال الحركة التشكيلية المعاصرة ، لكنها أقدار الثقافة الوطنية السودانية التي يصعدها الأدب السياسي الذكوري لمقام موقف بطولي لا مكان فيه لجنس الإناث إلا كمزغردات محمّسات للمحاربين أو كثاكلات نائحات على الشهداء .
وسط هذا الشقاء الجمالي المقيم يبدو إلحاح كمالا على موضوعة الصورة الذاتية كما لو كان نوعا من مسلك دفاعي يتيح لها صيانة هويتها الجمالية بعيدا عن الخطرفات الزخرفية المكرورة التي يشحن بها الخرطوميون مساحة اللوحة.و عند رسام الوجوه، كما عند رسامي الطبيعة الصامتة عموما، ميزة عملية تجعل تركيز نظر الرسام على موضوعه يلغي كل الموجودات التي تحيط بموضوعه. أما حين يتعلق الموضوع بوجه الرسام نفسه، سواء تم الرسم من المرآة أو من صورة فتوغرافية، فعزلة الرسام تزداد من واقع حرصه على إلغاء المسافة بين ما تراه عينه و ما تصنعه يده على المسند. لكن صور كمالا الذاتية ليست من نوع الصور الذاتية المعمولة من النظر في المرآة أو في وثائق الفتوغرافيا. كمالا تنظر لوجهها في تلك المرآة السحرية الموجودة في تلافيف النفس الأمارة بكل شيئ، مرآة الداخل. و النظر في مرآة الداخل يلغي كل ما هو واقع خارج حدود هذا الداخل.و في داخل هذا الحصن الحصين الذي يمتنع على الآخرين، وكّرت كمالا نفسها و استقرت آمنة ترسم و تمحو و تبدل في أحوال صورتها و كل يوم هي في شأن.

في السبعينات انشغلت كمالا بتصاوير الوجوه عن نسخ الشرافات و الأحجبة و القباب و المآذن زخارف البروش و البيوت النوبية و حشو اللوحات بتراكيب الخط العربي و بـالزخرف المزعوم إفريقيا ، وأنا أقول " المزعوم " لأن هذا " الزخرف الإفريقي " لم يكن في الحقيقة سوى إفتراء سياحي كسول لنوع "فن المطارات" [ أيربورت آرت] الذي يلخص به الخيال الأوروبي الكولونيالي كل خلق الأفارقة. و رغم أن انشغال كمالا بصناعة الوجوه لم يعصمها تماما من غواية إستلهام الماضي العريق، إلا أن كمالا لم تتبع عادات الرسم التي ثبتها أساتذة "مدرسة الخرطوم" و إنما تلمّست دربها الإستلهامي الخاص و الذي يمكن التعرف على ملامحه في مجموعة أعمالها التي استلهمت تصاوير فترة التاريخ النوبي البيزنطي.و لا عجب فقد كان ذلك العهد بمثابة العصر الذهبي لفنون الإستلهام التي تحيل الممارسة ناحية جماليات التحرر الوطني و موضوعات التميز الهويولوجي التي راجت ضمن زخم النضال ضد الإستعمار. و تصاوير كمالا "البيزنطونوبية"[ عفوا على هذا التخريج حتى أجد أفضل منه!] هي أعمال تستند على تجربة كمالا المهنية في متحف السودان حيث عملت في السبعينات في ترميم و استنساخ جداريات الكنائس النوبية. و في تلك الفترة كانت أعمال كمالا مشحونة بالمراجع الأيقونية لطرز الرسم البيزنطي الماثل على جداريات الكنائس النوبية كما يمكن القول بأن سلسلة صور كمالا الذاتية كانت تشتبه ببورتريهات "القديسة آن" أو بـ "السيدة مريم " الماثلة في آثار كتدرائية فرس. لكن كمالا ليست" القديسة آن" و لا هي" السيدة مريم العذراء". إنها بنت زمانها، و أي زمان؟َ!

زمان كمالا
و داخل ملابسات "زمان كمالا" يمكن إضاءة ما غمض من مواقفها الجمالية و السياسية. في النصف الثاني من السبعينات كان نظام النميري يتلمس فرص الخروج من الأزمة السياسية في طمأنة قوى المحافظة الشرقأوسطية و المحلية على أن النظام لم يعد يشكل خطرا على مصالحهم بعد التخلص من العناصر اليسارية التي تحالف معها في البداية. في تلك الفترة نشطت أجهزة البروباغاندا المايوية في بذل خطاب" المصالحة الوطنية "و "العودة للجذور" و إحياء التراث الديني ،. و غلب على الخط السياسي الغالب للنظام موقف التراجع عن جملة المبادئ الـ " ثورية" التي أعلنها النظام عشية إنقلاب " الضباط الأحرار " في 25 مايو 1969 ..في تلك السنوات شرع النظام في التقرب لرموز الثقافة الدينية من زعماء الطوائف و شيوخ الطرق. و كان صدور كتاب جعفر نميري " النهج الإسلامي لماذا ؟" بمثابة إعلان إفتتاحي رسمي لسنوات الأسلمة السياسية التي انتهت بالبلاد إلى الكارثة السياسية المستديمة حتى اليوم. و قد حلل أستاذنا عبد الله علي ابراهيم، في مطبوعة " كاتب الشونة " التي كان يصدرها الحزب الشيوعي المحظور حينها، في مقالته: " الماركسية و مسألة اللغة في السودان"،[ يناير 1977] ، إنعكاس واقع " الردة اليمينية" الإسلاموية على الحياة الثقافية للبورجوازية الصغيرة،في اشكال عديدة منها أن " توقف المثقف من صفوة البرجوازية الصغيرة عن الكدح الثقافي و تبعاته، أفرغ وجدان تلك الطبقة و كل القوى الواقعة تحت نفوذها من اليقين، و زج بهم في زعزعة روحية وخيمة. و اضطرت تلك الطبقة للإستعانة بالمثقف التقليدي ،" الولي"، لكي تتعلق بأسباب الإطمئنان و السلامة" . يقول عبد الله :" و ربما كان هذا جانبا من تفسير أوسع للإنبعاث الماثل للمثقف التقليدي ، و الحظوة التي يلقاها بين الرموز القائدة و غير القائدة للردة.و ليس غريبا أن تتركز الأنظار في العصا التي يحملها السفاح بيده ، و التي يعزى إليها ثبات حكمه و نجاة عنقه من تدابير المتآمرين و التي خصّها بالبركة " الشريف راجل كركوج". و الشريف ليس إلاّ صدارة نظام كامل من الأولياء يستبطن أغوار صفوة البرجوازية الصغيرة و جماعاتها تهرع إليه في أدق تفاصيل حياتها".." مثل التطهير و الترقية و مكائد المنافسين و خلافها ليثبت فيها التماسك و الثقة في النفس ".
لقد انعكس هذا الواقع على الحركة التشكيلية في اشكال شتى أذكر منها ظاهرة الفنان " عبد الوهاب الصوفي" ، الذي احتفت به وسائل الأعلام الرسمي من إذاعة و تلفزيون و صحف مطبوعة، و قدمته للجمهور كتجسيد للفنان المسلم المتصوّف الذي تكون أعماله حصيلة عفوية لـ " حضرات " صوفية يزوره فيها الأولياء و الصالحون،[ كالشيخ عبد القادر الجيلاني]، و يملون عليه مواضيع لوحاته. هذا " الصوفي"، و اسمه عبد الوهاب أحمد خليل،من مواليد الأبيض 1932، كان يعمل موظفا في مصلحة الإحصاء بالخرطوم. و قد ظهر في البداية بمساعدة الصلحي الذي قدمه في التليفزيون كنموذج للفنان المتصوف.و بما أن الصلحي كان في ذلك الوقت يحتل منصب وكيل وزارة الثقافة و الأعلام، فقد وجد اعلاميو النظام في دعم الصلحي نوعا من ضمانة ثقافية و سياسية حفزتهم على قبول ترهات الرجل و شطحاته الغريبة. بل و جعلت المسؤولين السياسيين يغمرونه برعايتهم فكان عبد الوهاب أول [ و آخر ] فنان تشكيلي يحصل على منحة تفرغ لعام بحاله، ليتمكن من ممارسة فنه.و قد اقتنت الوزارات و المصالح الحكومية المايوية لوحاته بأثمان عالية مقارنة بما كانت شُعبة التشكيل في" المجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون" أو قسم المقتنيات بـ "مصلحة الثقافة" يدفعانه للفنانين مقابل إقتناء أعمالهم.فاقتنى أعمال عبد الوهاب أعيان النظام مثل وزير الثقافة [ عمر الحاج موسى] و وزير الحكم الشعبي [ جعفر بخيت ] الذي كان في تلك الفترة رئيسا لتحرير جريدة " الصحافة"، كما افتتح الرئيس نميري معرضه الفردي في "قاعة الصداقة" عام 1976. و لعله المعرض التشكيلي الفردي الوحيد الذي قام رئيس الجمهورية بإفتتاحه في ذلك العهد. و قد سخّرت له السلطات المايوية المنابر الإعلامية فصار له برنامج إذاعي يومي في راديو أم درمان حول التصوّف ، يذيع فيه على المستمعين كلاما أدخل في الشعوذة منه في الأدب الصوفي. و يحكي عبد الوهاب بداية علاقته بالرسم في معرضه السادس الذي قدم في إطار مهرجان الثقافة الثالث[ ديسمبر 1980] بقوله :
" في ذات ليلة و أنا نائم شعرت بشيئ ثقيل يجثم على رأسي، ثم يتحرك و يجثم على صدري فأصحو من النوم مرهقا، و تكرر ذلك عدة مرات.و كلما أفقت من النوم وجدت نفسي مرهقا و منساقا إلى الكتابة و الرسم بهذا الشكل الذي تعرفونه، و إذا لم أكتب أصاب بمرض.".." و كان رسمي كله عن الإسلام، و فيه وحدانية الله و القرآن الكريم و محمد رسول الله [ ص]، و تنوعت أساليب رسمي من تشكيل عادي إلى سيريالي معقد إلى تجريد .."[ أنظر عبد الوهاب الصوفي في كاتالوج معرض " الفنان و الأفكار"، و زارة الثقافة و الأعلام، قاعة الصداقة، من 25/11 إلى 2/12/1980].
أذكر أننا، هاشم محمد صالح و شخصي، و ربما علاء الدين الجزولي، قابلنا عبد الوهاب أحمد خليل مرة في مكاتب جريدة "الأيام"، و كنا قد انتقدناه في الصحف و في بعض الندوات فابتدرنا محتجا : " يا أولادي مالكم و مالي كاشفين حالي في الجرايد؟ أنا داير أربي أولادي و أبني بيتي.خلونا ناكل عيشنا بسترتنا "! . حقيقة كنا نتوقع من الرجل هجوما قويا أو خطابا يهوّم بنا في علياء التصوف مما عهدناه عنه في وسائل الأعلام الرسمي، لكنه باغتنا بمنطق المعايش الجبارة فلم ندر كيف نخارج أنفسنا من الحرج الملتبس بالإثم تجاه ذنب لم نقترفه.و ربما كانت هذه كرامة من كراماته و الأجر على الله!.
و حين نتساءل عن الأسباب التي حفزت الصلحي على دعم هذا العبدالوهاب الذي يدعو نفسه بـ " الفنان الصوفي" ، فهناك ثلاثة إحتمالات لتفسير موقف الصلحي: أولا ،من المحتمل جدا أن الصلحي ، وكيل وزارة الثقافة و الأعلام آنذاك، قد تلقى تعليمات صريحة بتصعيد و دعم الفنان الصوفي، من طرف ولاة الأمر في الوزارة أو في رئاسة الجمهورية ،و ثانيا، من المحتمل جدا جدا أن الصلحي الإنسان، بأريحيته العالية و بطيبته المشهودة، تولى الرجل بعنايته مثلما كان يتولى غيره من الفنانين الشعبيين ـ و غير الشعبيين ـ الذين قصدوه طلبا للمساعدة. و ثالثا، من المحتمل جدا جدا جدا، أن الصلحي الفنان "الساحر" المعروف بميوله الشامانية [ ترجم " الكجورية" ] قد توسم في شخصية عبدالوهاب الصوفي فرص تجسيد الفنان " الشامان" المتصوف الفطري الذي يمارس الرسم عندما تتقمصه حالة خاصة أو روح ما تستخدمه و تجعله ينطق و يرسم عنها تلك الأشياء التي لا يمكن أن تصدر عن شخص عقلاني في كامل وعيه.و الإحتمال الأخير يجد سنده في سيرة الصلحي الذي لا يتردد في التأكيد على كونه يباشر الرسم أحيانا تحت تأثير حالات نفسية أو/و صوفية تتقمصه و تملي عليه نوع التصاوير الغريبة التي لا يدري كيف يعقلنها في مشهد الوعي.
" و في أحاديث الصلحي عن تجربته البصرية حكايات و أحاجي مدهشة عن تداخل الخيال و الواقع.فهو يملك أن يرى مشاهد غريبة أشبه بالاحلام ، غير أنه يراها ضمن واقع الحياة اليومية ، مثل رؤيته للأموات ، كما يقول في حواره مع أولي باير[ ×]):
« ..I used to see the dead.I saw my nephew three days after he had died « .. »I used to see “..” a man galloping on a hourse, coming in by one window and going out by the next. I had never told anybody about i
[×] (Ibrahim El Salahi, conversation with Ulli Beier,
Iwalewa- Haus,Universitàt Bayreuth,September,1983,P 26)
(
"
أنظر نصي " الصلحي، العدو العاقل " في الرابط:
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... ba5129c33c

قصدت من هذا الإستطراد الطويل في شأن عبد الوهاب الصوفي بذل الملابسات السياسية و الجمالية التي طبعت تلك الفترة التي انشغلت فيها كمالا بتصاويرها البيزنطونوبية. ذلك أن تجربة صعود الفنان الصوفي على أشلاء الذوق و الحس السليم، لم تكن سوى البداية لإنخراط قطاع كامل من الفنانين "المثقفين"، ممن تلقوا تدريبهم النظري و العملي في " مدرسة الخرطوم " ، في تيار الغوغائية الدينية التي كانت سلطات النظام ترعاها بحدب. فانطلق القوم رافعين شعار الأسلمة و التصوف بحماس غايته الرئيسية هي التنصّل من كل مناهج التفكير العقلاني التي ثبتتها تجربة التعليم العلماني في الحياة الحديثة.
سأعود










صورة






صورة







صورة
آخر تعديل بواسطة حسن موسى في الاثنين يوليو 28, 2014 6:22 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كمالا البيزنطونوبية

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

بيزنطا النوبية

مشاركة بواسطة حسن موسى »



[size=24]وقعت كمالا في سحر تصاوير النوبة البيزنطية حتى أنها جعلت منها مرجعا محوريا في أعمال فترة السبعينات.و لا عجب فتصاوير النوبة البيزنطية كنز جمالي جبار لم يتنبه له الكثيرون في السودان العربسلامي الذي يتصور بعض أهله أن تاريخ السودان بدأ مع دخول العرب البلاد.مرة قرأت كلاما للبروفسور ميخالوفسكي
Michalowski

رئيس البعثة الآثارية البولندية ،التي كشفت الغطاء عن آثار النوبة البيزنطية، ورد فيه "إن مجموعةتصاوير جداريات كتدرائية فرس تمثل إضافة نوعية أساسية للفن البيزنطي ".و الصورة الأخيرة تفصيل من جدارية تعود لنهاية القرن العاشر الميلادي ،تمثل القديسة النوبية" داميان "، و هي ابنة أحد حكام الدلتا، اعتنقت المسيحية و استشهدت في عام 284 في عهد ديوكلوسيان.
الصورة لجورج غريستر ، رافو ، باريس. نشرت في مجلة اليونسكو ، فبراير/مارس /size]1980


في التعليق السابق وضعت عمل كمالا المنشور في ديوان المجذوب " البشارة، القربان ، الخروج "[ دار جامعة الخرطوم للنشر ،الطبعة الأولى، 1976]،و في نظري الضعيف جدا فالعمل يستند على صورة القديسة آن التي بين تصاوير كتدرائية فرس في متحف السودان القومي بالخرطوم، و الله أعلم. أما الصورة الملونةالمهترئة تحت صورة القديسة آن فلها قصة أخرى أحكيها لكم لاحقا.
سأعود
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

بوست رائع وكتابة وافية وشاملة ومتعددة الطبقات نتعلم منها، ونتعرف عن طريقها على فنانة تستحق التنويه باعمالها وسيرتها وسبر مفاهيمها ومحفزاتها الوجودية والجمالية والحرفية.

كمالا ابراهيم اسحاق

اسمها الاول (كمالا) اسم نادر في بيئة السودان النيلي. هل يمكن اعتباره مصدرآ من مصادر اشتغالها بالفنون وجماليات اسلوبها الخاص بها؟ بمعنى انها تستقصي على نحو تاريخي ومعرفي، وبنهم شخصي، واستغراق وجودي هويوي، جذور حياتها، ميلادها، اسمها، ابواها، اسرتها؟

من يطالع صورة كمالا يرى في ملامحها تمازج واختلاط اعراق وامشاج متعددة ومتنوعة، تتبّعها ايضآ قد يفسر رحلة كمالا الفنانة والباحثة في وجودها الشخصي والعياني ومصادره التاريخية.

انظر الى ملامح وجهها القوية، ترى طبقات من حضارات وملامح عبر الاف السنوات، فيها الزنجي والمصري القبطي والاغريقي والفينيقي والهندي. كما ترى غموضآ آسرآ ينطوي على اسرار وخفايا. هل لديها تسجيلات صوتية او تلفزيونية نستطيع ان نسمعها تتحدث او تحاضر او نشاهدها تعبر عن نفسها بغير اللوحات والالوان والفرشاة؟

كمالا سلالة لوحدها، تلد نفسها وتستولدها عبر الفن.
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »


العزيز عادل عثمان
سلامي

في السودان عدد من النساء في عمر كمالا إسحق يحملن هذا الاسم. وكنت قد سمعت من أمي، طابت ذكراها (وهي امرأة تحب المعرفة ولديها كم هائل من المعلومات، استقتها من والدي، ومن أشقائي الذين تعلمت منهم القراءة والكتابة خلال اهتمامها بدراستهم وأداء واجباتهم المدرسية)، أن كمالا هو اسم والدة رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو. مع قراءة مداخلتك طافت بخاطري تلك المعلومة، فبحثت في الانترنت عن نهرو، فوجدت أن كمالا كانت زوجته.


https://en.wikipedia.org/wiki/Jawaharlal_Nehru

يبدو أن هذا الاسم انتشر في الثلاثينيات بعد وفاة كمالا نهرو في عام 1936، وفي حيّز ضيق في أوساط أسر المتعلمين في ذلك الوقت، من باب التضامن مع مؤسس حزب المؤتمر الهندي، ولإحياء ذكرى امرأة عُرفت بالدفاع عن الحريات، في وقت كان فيه المتعلمون السودانيون يستلهمون تجارب الدول الأخرى التي تسعى لنيل استقلالها. علماً بأن إبراهيم عثمان إسحق كان من بين مؤسسي مؤتمر الخريجين.

من ناحية أخرى، علمت من ابنة عم لكمالا إسحق تعرفت عليها في بداية سنوات دراستي بفرنسا، أن أسرتهم تنتمي للمحس. ومنطقة المحس، كما نعلم، شهدت تمازج بين أعراق متعددة، محلية ووافدة، هذا التمازج الذي لمحته أنت في صورة كمالا.

نجاة

عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

شكرآ يا نجاة على المعلومات القيمة. إذن كمالا ابراهيم اسحاق سميت على كمالا زوجة الزعيم الهندي نهرو.
قوقل اضاف الى معلوماتك ان كمالا ونهرو انجبا طفلة صارت رئيسة وزراء الهند، مسجلة سبقآ تاريخيآ، وهي انديرا غاندي.
مؤتمر الخريجين السوداني تم انشاءه على خطى حزب المؤتمر الهندي ونضاله السلمي من اجل الاستقلال. ووالد كمالا الفنانة السودانية عثمان ابراهيم اسحاق من مؤسسي مؤتمر الخريجين. يمكننا القول إن اسمها (كمالا) وثقله السياسي والوطني ربما اشتغل في لا وعيها كامرأة طليعية في مجال الفنون السودانية، رغم انها لم يعرف عنها اشتغال مباشر بالسياسة السودانية. هذا مبحث آخر.

صورة كمالا ونهرو وبنتهما انديرا طفلة تحبو في 1918.


صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

أولا أشيد بالبوست وأنه فعلا يعلمنا جميعا فشكرا حسن.
يا نجاة ناس إبراهيم أسحق صحيح محس ولكنهم محس بري ومنهم البروفسير مصطفى حسن اسحق، ومنهم قاضي لقضاة السودان، أظنه والد كمالا نفسها، كان متضامنا مع نساء السودان واستجاب لطلب الاتحاد النسائي فأصدر عدة منشورات قضائية حول الزواج (أحدها حول ضرورة مشوارة الفتاة قبل الزواج وما زال يعمل به وآخر عن الطلاق) ,أظن أن أحد آل اسحاق كان عمدة للخرطوم. ومحس بري لهم قرابة بمحس توتي وحلة حمد والخوجلاب والتي وسوبا غرب والكلاكلات. ورغم أن بعضهم يحاول إيجاد نسب عربي، غير أني أظن أنهم ما تبقى من مملكة سوبا.
آخر تعديل بواسطة صدقي كبلو في السبت أغسطس 02, 2014 6:47 pm، تم التعديل مرة واحدة.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

" ظهور الإسلام" الفني !

مشاركة بواسطة حسن موسى »




سلام يا صدقي و عادل و نجاة و شكرا على النظر. علاقة الأصل العرقي بمآل الفنان أمر عامر بالمزالق و أرجو أن نجد براحا لمناقشته مستقبلا.






" ظهور الإسلام" الفني!

و من يتفحّص عمل كمالا الغزير المتواصل عبر السنين، يلمس بسهولة أنها لم تهتم كثيرا بـ " مزج" الخط العربي و الزخرف الإفريقي الذي فتن مجايليها من "حيران" " مدرسة الخرطوم "، و أنها انشغلت بصناعتها، صناعة الـ " صورة الذاتية المتخيلة "[سأعود لموضوع "الصورة الذاتية المتخيلة"]، عن ركوب موجة الرسم الإستلهامي التي طغت في مطلع السبعينات و التي طبعها الإحتفال غير النقدي بمواريث الثقافات البائدة .و سواء على صعيد الخيارات التقنية أو على صعيد الموضوعات التي تتردد في لوحاتها، فمن الواضح أن كمالا أدارت ظهرها لـ "مدرسة الخرطوم" دون أن تكلف نفسها عناء بذل المفاهيم النقدية اللازمة لإخلاء طرفها من شبهة الإنخراط الصامت في حزب الإستلهاميين.و علاقة كمالا بـ "مدرسة الخرطوم " سؤال مركب لا بد أن كمالا ستباشر الإجابة عليه في يوم من الأيام و لو من باب " إخلاء الطرف " الأخلاقي. لكن ما أراه أنا هو أن المناخ السياسي المطبوع بالغوغائية الدينية لم يترك للفنانين ـ و كمالا بينهم ـ هامش مناورة يتيح لهم النجاة بفنهم بعيدا عن طوفان " الشريعة السودانية" الصائر حربا أهلية و " مشروعا حضاريا " للـ " إنقاذ " عندما يتوصل الإسلاميون للإستفراد بالسلطة في إنقلاب 1989 .
ولفهم طبيعة التحولات السياسية وسط حركة التشكيليين السودانيين في تلك الفترة ، أتوقف عند وثيقتين مفتاحيتين ، الأولى هي كتالوج "معرض الفنان و الأفكار" الذي اصدرته وزارة الثقافة[1980]، تحت إشراف الفنان أحمد عبد العال . و قد احتوت المطبوعة على مستنسخات لتصاوير الفنانين مع نصوص قصيرة مكتوبة من طرف كل مشارك غرضها تلخيص موقف الفنان من الظاهرة الفنية،و قيل من الوجود بحاله!.
و من يقرأ النصوص المنشورة في كتالوج معرض " الفنان و الأفكار " يلمس التوجه العام لمعظم المشاركين في إعلاء القيم الروحية الدينية و الإحتفاء بمواقف و مفاهيم التصوف الإسلامي. فعبد العال يكتب مقدما لعمله في الكتالوج:
"ثمة معان عظيمة مطمورة فينا،و من حولنا معان منسية لا يطفو منها إلى سطح الوعي إلا القليل القليل".." و قد أنزل القرآن بقصد تحقيق ذكرى هذه المعاني في قوله تعالى " و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر " ". و من هذا يخلص عبد العال لأن
" اللوحة هي المهبط المادي لمشروع الذكرى ". و من الواضح في نص عبد العال أن الرجل يستثمر رأس المال الروحي الذي حصّله في رفقة " الأخوان الجمهوريين" ، قبل أن يهجر مصلاهم المتقشف لمائدة الإتحاد الإشتراكي الدسمة . لكن قارئ " الأفكار " التي بثها بعض الفنانين المشاركين المعروفين بقلة عنايتهم بالروحانيات لا يملك إلا أن ينبهر بالشطحة الصوفية لفنانين من شاكلة أستاذنا حسن الهادي الذي كتب في كتالوج معرض الفنان و الأفكار:
" الرؤيا هي صورة متشابكة متداخلة مركبة متحركة، نراها في حالة صحونا و نراها في منامنا.و في حالة الصحو نسميها إيحاءا أو إلهاما أو خيالا، و في حالة النوم نسميها حلما، و في كلتا الحالتين فهي تحتاج منا إلى التأويل و التفسير أو الفتوى و التعبير " يا أيها الملأ افتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" صدق الله العظيم ".
"و هكذا يا سادتي"، إن كان في وسع فنان،" زول دنيا"،[ ترجم: بوهيمي] من نوع حسن الهادي ، أن يبحث عن مسوغات فنه " الإسلامي" الجديد في ثنايا النص القرآني [سورة يوسف]. فلا أحد يستغرب كمالا التي تخوض في أمور " الماوراء" المشتبهات، حين تكتب : " الرسم في بعدين فقير و غير ذي بال في رؤيتي " ثم تدعو لـ " الخروج إلى رحابة الأبعاد الأخرى من بعد ثالث و رابع و ما فوقه، لو جاز ذلك، هو القصد و إليه السعي.و هو ما يسمونه بـ " الماوراء " ". هذا " البعد الرابع" الكمالاوي يطرح صلة قربى مفهومية مع "بُعد رابع" مجاور، صنع منه استاذنا عثمان وقيع الله،[ 1925 ـ2007]، نظرية دينية في ممارسة الخط راجت في الثمانينات. يشرح عثمان وقيع الله بعده الرابع بقوله:"..و تبلورت رؤية البعد الرابع عندي بتخطيط الحرف المفرد و الكلمة المفردة في صفحة كاملة. و كان موضوع هذه التخطيطات الحروف المفردة الواردة في القرآن الكريم.و المعرّفة بـ " الحروف النورانية".و أول ما نزل منها كان حرف النون. و اتضح لي أن أجمل ما تكون هذه الحروف حينما تكتب بالفرشاة و بالمداد على الورق الأبيض.هناك لا يرى الناظر بعدا ثانيا فقط، بل يبصر ثالثا و رابعا ، و يرى كل ألوان قوس قزح منبثقة من درجات الأسود إلى الرمادي الفاتح في تشكيل رائع لا يتأتـّى حتى بالألوان أحيانا." [" الأيام " 7 فبراير 1988 ]
و رغم أن شرح وقيع الله يبدو أدخل في "طبخ " الرسام منه في شطح الصوفي المجذوب إلا أن تخصيصه لـ "الحروف النورانية" ينطوي على شيئ من العسف المفهومي، بالذات حين يصدر من تشكيلي يحمل ضمن متاعه النظري تجارب الحداثة التشكيلية التي تخلّقت في رحاب مدرسة" الباوهاوس"[واسيلي كاندنسكي و بول كلي ].و في نظري [الضعيف؟] فتخصيص عثمان للحروف النورانية، دون غيرها من العناصر الغرافيكية للكتابة العربية، مريب كونه يجلب لبحثه التشكيلي ضمانة دينية تصعّد عمل الرسام لمقام العبادة.و ريبتي تجد سندها في ظاهرة التشكيليين العرب [ المسلمين و غير المسلمين ] الذين حفزهم رعاة الفن "المؤمنون" في بلاد النفط على العودة لحظيرة الإيمان.أنظر نصي " جنازة الخط .." على الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... 03f75daaac


أما الوثيقة الثانية فهي تتعلق بتقديم "معرض المخطوطات والجماليات الإسلامية "الذي نظم ضمن إحتفالية مرور خمسة عشر قرنا على الإسلام في السودان. هذه الوثيقة هي خطاب عام من" لجنة معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية" ، المنبثقة من" اللجنة القومية للإحتفال بالقرن الهجري الخامس عشر"، و التابعة بدورها لـ "المجلس الأعلى للشئون الدينية و الأوقاف".
و قد احتوى معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية الذي نظم في" قاعة الصداقة" لمدة اسبوعين من 28 مارس 1981، احتوى على تصانيف وثائقية متنوعة تتراوح بين المصاحف و المخطوطات و المصنوعات اليدوية و صور فتوغرافية وثائقية من أقاليم السودان المختلفة و مطبوعات اسلامية و تسجيلات صوتية.

و خطاب لجنة معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية التي كان يشرف عليها الفنان أحمد شبرين، العميد السابق لكلية الفنون [بين 1976 و 1980]، يبدأ بـ " الشكر الواجب لله أن جعل أرض هذا الوطن مستقرا لنداء لا إله إلا الله محمد رسول الله ".." نداء لم يخب صوته منذ أن ارتفع أول صوت بالآذان في بلدنا الحبيب.نداء لبّى فرائضه و شعائره أهل السودان ، رجالا و نساءا و شبابا ، رحلة إيمان امتدت أربعة عشر قرنا ، مفعمة بالحب.. محققة للخلق و موثقة بالود لمجتمع المؤمنين "
بين معرض "الفنان و الأفكار" الدينية في ديسمبر 1980 و معرض " المخطوطات و الجماليات الإسلامية في مارس 1981 فترة زمنية قصيرة نشطت فيها أجهزة البروباغندا الرسمية لإقناع السودانيين بانهم فعلا مسلمين منذ " أربعة عشر قرنا"، و أن ثقافتهم إسلامية ميّة الميّة، و " أن قرى السودان و مدنها، كانت و ما زالت، أقلاما تكتب و ألواحا تحفظ في الصدور. إن القرى كانت ، و ما زالت ، مصاحف تحبّر بخط اليد و يتوارث التقليد جيل بعد جيل. إن حلقات التدارس الخلوي و المساجد كانت و ما زالت و تبقى قاهرة للظلام.. إن المؤسسات الإسلامية الجديدة أخذت تحتل مكانها في المجتمع، موطّنة العصرية لخدمة الأصالة في السياسة و الفكر و الإجتماع و الثقافة و الإقتصاد " و ترجمة هذا الكلام باختصار هي أن الدولة المايوية التائبة عن العلمانية و المتبرأة من الشيوعية تحتفل معهم بالقرن الهجري الخامس عشر و تطمئن الحلفاء الجدد، المحليين و الإقليميين ، و الدوليين ، باستعدادها لفتح صفحة جديدة و أن " الثقة في الغد القريب ، بإذن الله، هي دائما الزاد الذي ينفذ [ كذا!] و الوقود الذي يعين الإنفعال بالمثل الكبرى في الكتاب و السنة "
يقول محرر الخطاب، [ أحمد شبرين كان ما نخاف الكضب!]:
" إن السنة الغراء فوق النظرات و النظريات.. فوق الفلسفات و التأملات.. فوق الأمل و التصورات ". و" أن هذا المعرض يعتبر مقدمة متعجلة لنشاط مستقبلي واسع ، يمكن له التخطيط ليؤسس للمتحف الإسلامي و المكتبة الإسلامية في السودان ". طبعا لم في وسع أحد حينها، أو على الأقل لم يكن في وسع أحمد شبرين ، أن يتنبأ بأن " النشاط المستقبلي الواسع" الذي ابتدرته مقدمة معرضه الـ " متعجلة " يمكن أن يتجاوز حجم المتحف و المكتبة ليصبح " قوانين سبتمبر" و حربا أهلية [ 1983] ستشتعل لأكثر من عقدين من الزمان ، و محاكم للشريعة الناجزة التي مثـّلت بالسودانيين على إختلاف دياناتهم و جرّمت قطاعات واسعة من المواطنين بجرم الإنتماء لغير جماعة المسلمين.و أنـّى لأحمد شبرين و صحبه، من أفندية عيال المسلمين الذين تعودوا على الوقوف بأبواب السلاطين، على إختلاف الأنظمة!، أنـّى لهم أن يتخيلوا أن معرضهم بصدد "نشاط مستقبلي" يتجاوز هم المتحفة و التوثيق؟ لا،فـ "نظرية المؤامرة" التي يمكن أن نخيط منها قميص"عمالة " لتحالف القوى الرجعية العربسلاموية مع قوى الإمبريالية، لأحمد شبرين و عبد العال و شركاهم ، لا تؤدي في هذا المقام. ببساطة لأن " هؤلاء الناس" كانوا ، و ما زالوا ، على ما هم عليه من السذاجة السياسية الغليظة و انسداد البصيرة الإنسانية و ضيق الأفق الجمالي، حتى أنهم لم يروا من السودان سوى الجزء الذي أشار نحوه أصبع السلطان الجاهل . لا، أحمد شبرين و شركاه ليسوا من الذكاء بحيث ينخرطون في مسارات العمالة التي تتطلب دراية و علما . إنهم، في كسلهم الفكري الأسطوري، مثل تنابلة السلطان، يطعمون من جاه السلطان و يعربدون في حماه و يعمرون مهرجاناته فيوسمهم بأوسمة الإنتهاز المتبادل و يمنحهم عطاياه التافهة و يهرج بهم في محافله الموسمية و الأجر على الله! [ من يغشى دار الوثائق سيحصل بسهولة على قائمة الفنانين و الأدباء و الحلاقين الذين تعود النميري على تدبيس أوسمتة المزفرة على صدورهم في كل مهرجان ]. يواصل أمين لجنة معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية خطاب التقديم بقوله أن " لجنة المعرض التشكيلي ".." استطاعت أن تضع يدها على أعمال تشكيلية تتميز بالملامح الأساسية المعاصرة لحركة الجماليات المعاصرة في السودان . "و يختتم الخطاب بـ " أن النماذج المعروضة لخطط المؤسسات السودانية، و التي وجدت مكانها في هذا المعرض تعتبر خططا إيجابية تفصح عن معنى جديدا في مجال العمل القائم على النهج الإسلامي. إن مشاركة بعض الدول العربية لهذا المعرض لتعتبر التعاون الوثيق لخدمة الإسلام و المسلمين في بلادنا ". و إذا تأنـّينا عند عبارة " مشاركة بعض الدول العربية " فسوف نجد في مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تبرعت للمجلس الأعلى للشئون الدينية و الأوقاف [ و زارة الأوقاف و الشئون الدينية سابقا ] بمبلغ مليون جنيه لدعم أكبر إحتفالية بالقرن الهجري الخامس عشر في تاريخ السودان [ الأيام،28 مارس 1981]. لكن من زاروا المعرض، أيامها،و أنا بينهم، شهدوا تظاهرة متواضعة تشبه معارض مهرجانات الثقافة العادية التي لم تبلغ ميزانيتها المليون أبدا!. يعني"ّ بحر حفروُه و ترابُو وين ودُّوه؟!".
في هذا المعرض أذكر أن كمالا عرضت مجموعة من اللوحات منفذة على الورق و مبنية في غالبيتهاعلى تكوينات الشرافة التي كانت تتصدر المصاحف المنسوخة باليد مركبة مع نصوص قرآنية و تخاريج خطوطية من يد كمالا. بدت لي هذه الأعمال أدخل في الرسومات التوضيحية منها في اسلوب تصاوير كمالا. و أظن أن التصنـّع الجمالي الظاهر فيها طبعها بطابع خطاب البروباغندا الإسلاموية الذي ساد في ذلك المعرض.سأحاول العثور عليها بين الأضابير المنسية و بذلها للقراء ، ليس لأنها مهمة جماليا و إنما لأنها شهادة ذات قيمة عن مدى الضغوط التي كان يكابدها التشكيليون في ذلك الزمان. زمان ظهور الإسلام الفني في سماء حركة الرسم في السودان.يبقى السؤال: ما الذي حفز كمالا على دخول هذه الكوميديا الإلهية؟ مندري؟! حتى تكتمل وثائقي. لكن ما يستحق التأمل في هذا الأمر هو إن كانت فنانة في وزن كمالا مضطرة للإنخراط في موجة الهرج الإسلاماني الذي اجتاح حركة التشكيل السودانية في مطلع الثمانينات، فهذا يعني أن الضغط السياسي و المادي الواقع على التشكيليين السودانيين في تلك الظروف ، كان من القوة بحيث لا يوفر أحدا مهما علا كعبه. و قد انعكست آثار هذا المد العربسلامي على تيار" مدرسة الخرطوم" فضعفت النبرة التهجينية الأولى التي كانت تطبع خطاب الخرطوميين، من شاكلة التمازج و التوليف بين المكونات العربية و المكونات الزنجية " فيفتي فيفتي "!.في تلك الأيام خفت صوت المهجنين و أهمل فصحاء الخرطوميين البعد الزنجي الإفريقي في كتاباتهم مقابل الإحتفاء المفرط بالميراث العربسلامي.بل أن بعض الخرطوميين أخذوا ينكرون حتى وجود شيئ اسمه " مدرسة الخرطوم "!. و لعل الحظوة الكبرى التي نالها نمط الخط العربي في تظاهرات نهاية السبعينات و مطلع الثمانينات، تعبر بشكل مباشر طغيان المد العربسلامي ضمن تيار" مدرسة الخرطوم" أو " مدرسة إحياء التراث "، أكثر منه اهتماما حقيقيا بالطاقة الجمالية المستبطنة في الشكل الغرافيكي للحرف العربي. فالعربية ليست مجرد لغة إتصال بين العربسلاميين، بل هي لغة مقدسة لأنها لغة القرآن.[" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" سورة يوسف2]
و يعبر الفنان ابراهيم العوام، الخرطومي السابق، عن طغيان المد العربسلامي بين الخرطوميين، في مقالة قدّم بها لمعرض مهرجان القرن الخامس عشر الهجري : " إن الخط العربي هو أرفع الفنون الإسلامية، و هو تجسيد للحرف، هو ماعونه الذي ينشر الرفعة برفعته. و الحرف العربي رفيع، و دليل رفعته نزول القرآن به [ كذا!]"، [ الأيام، 27مارس 1981]. طبعا العوام لا يجهل أن القرآن الذي نزل على النبي الأمّي [ " قال: إقرأ، قال :ما أنا بقارئ"!]، لم يكتب في حياة النبي و إنما كتب في عهد عثمان بن عفان، الخليفة الثالث، مثلما هو لا يجهل أن الكتابة العربية في ذلك العهد كانت مجرد تخطيطات بدائية، بدون نقاط و بدون علامات ضبط ،و أنها اضطرت للإنتظار لأكثر من قرنين من الزمان حتى تتضافر جهود الخطاطين الرواد و رعاتهم من الخلفاء و الأمراء المرهفين على إثراء رسمها و تصعيدها لما صار يعرف اليوم بـ " فن الخط". لا ،إبراهيم العوام لا يجهل هذه البديهيات حول تاريخ الكتابة العربية، لكنه هنا يؤدي مهمته كقلم مأجور في خدمة بروباغندا النظام المايوي العائد لحظيرة الإيمان الوهابي و "العرجا لمراحها" في نهاية تحليل طبقي ما.!.
المهم يا زول ، في مجموعة الوثائق الفتوغرافية المنشورة هنا [ شكرا لكاميرا طبطب ] و في المواقع الإسفيرية الأخرى، عن معرض كمالا الأخير، يلاحظ المراقب أن هذا المعرض كان مناسبة لمّت شمل التشكيليين على اختلاف مشاربهم [ و مآكلهم ] الجمالية و السياسية، و في هذا العرس السعيد تبدو كمالا في مركز الفوضى" تاخد و تدّي" مع "الأخوة الأعداء! و هو أمر،من الوهلة الأولى ، يملك أن يضاف لحسنات كمالا، كونها نجحت دوما في المحافظة على موقع وسطي يجعلها على مسافة شبه متساوية من جملة الفرقاء المتنازعين في ساحة التشكيل السوداني.بل هي تمثل اليوم ، عبر كتابات و تعليقات الكثيرين على معرضها و على شخصيتها، كما لو كانت مخلّصة يسوعية بعثت بها العناية لتخلص التشكيليين السودانيين من شقاقاتهم المتناسلة عفو الخاطر. لكن الوقوف في موقف " الحياد المفهومي " يملك في بعض الحالات، بالذات في مثل حالة كمالا التشكيلية الواقفة بين فئات الخرطوميين و الكريستاليين و الإسلامانيين و الماركسيين و الهلمجرّاوين ،يملك أن يموّه، تحت غشاء المجاملات السودانية المألوفة، إما كيدا عاليا في فنون البقاء رغم الداء و الأعداء ،أو لا مبالاة غامرة تجاه كل الهرج و المرج الدائر من حولها بينما هي عاكفة على حكّ و جوهها العديدة مستغنية بها عن سواها. فكيف البصارة؟
سأعود
صورة العضو الرمزية
تاج السر الملك
مشاركات: 823
اشترك في: السبت أغسطس 12, 2006 10:12 pm
مكان: Alexandria , VA, USA
اتصال:

مشاركة بواسطة تاج السر الملك »

(ما الذي حفز كمالا على دخول هذه الكوميديا الالهية؟)

هذه جملة نورانية يا حسن.
نتابع,
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

صورة
من اليمين للشمال: سيف اللعوته، صلاح حسن عبد الله (بالجلابية)، كمالا إسحق، لا يحضرني الاسم، فأرجو المعذرة، نجاة محمد علي، عبد الله بولا، حسن موسى
تصوير ساري أحمد عوض

صورة
من اليمين للشمال: صلاح حسن عبد الله، سيف اللعوتة، كمالا إسحق، ساري أحمد عوض، عبد الله بولا، حسن موسى
تصويري

في معرض كمالا
المركز الثقافي الفرنسي، الخرطوم
فبراير 2015

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الرسم كحياة

مشاركة بواسطة حسن موسى »


" مافي يوم واحد أنا ما برسم فيه"
عبارة كمالا ، في الفيديو المعهد الفرنسي بمناسبة معرضها الحالي، تلخص كل مسارها الجمالي الجليل، بل و تلخص كل صناعة الرسام.
الرسام شخص مشغول بصناعته لدرجة أنه لا يطيق يوما لا يرسم فيه. و الرسام يحيا بالرسم
شكرا للمعهد الفرنسي كونه أتاح لنا سماع استاذتنا الفنانة تحكي عن تجربتها الثرة، و شكرا لكمالا على كل شيء

انظر الفيديو على الرابط

https://www.youtube.com/watch?v=zQ0baJDliXM

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

كمالا في مؤسسة العويس

مشاركة بواسطة حسن موسى »

كمالا في مؤسسة العويس


]
شكرا لمؤسسة العويس الثقافية بدبي على اتاحتها الفرصة لعرض اعمال مجموعة من الفنانين السودانيين، و الشكر موصول ايضا لكل من ساهم في المنتدى الذي انعقد على شرف استاذتنا كمالا ابراهيم اسحق.
يمكن مراجعة طرف من المنتدى على الرابط ادناه.

https://www.youtube.com/watch?v=via7lE5IaQU

سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

اول امس فى الشريط الاخبارى لقناة السودان القومية الفضائية

((وزير الثقافة يفتتح معرض الفنان التشكيلى كمال ابراهيم اسحاق))
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

"وزير الثقافة يفتتح معرض الفنان التشكيلى كمال ابراهيم اسحاق".
تلفزيون فيصل مارق من الجنة وسقطها.

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

رفقا بقوارير فيصل

مشاركة بواسطة حسن موسى »


رفقا بقوارير فيصل و مشكلتهم حلها ساهل إذ يكفي ان يتم تعيين مراجع ذي بصيرة ثقافية ليراجع حركات القوارير
لكن المشكلة في الجماعة الطيبين القارين الكتاب و قافلين الأبواب و قاعدين يسوطوا ،على حل شعرهم، في سيرة هذه الفنانة الجليلة التي تستحق افضل من إلحاقها المتعجل بهذه المدرسة و تلك الجماعة,
سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تخليص كمالا من تلخيص العُجالة

مشاركة بواسطة حسن موسى »



1 ـ
تخليص كمالا من تلخيص العُجالة


أكتب هذه الكلمة بأولوية إنصاف الفنانة كمالا اسحق من أنواع اللبس المفهومي الإرادي[ و اللا إرادي، إن وجد، و هيهات] الذي ألحقه نقادها بها خلال مسيرتها الفنية الطويلة في فضاء الفن السوداني و غير السوداني.و فيما وراء حالة كمالا تطمح كلمتي لإنصاف حركة التشكيليين السودانيين من اللبس الجائر الذي أصابها من جراء إلحاقها المتعجل العاطل عن النقد بما صار يعرف بـ "الفن الإفريقي المعاصر ».ذلك لأن من يتأمل في الاسلوب الذي يتم به إلحاق حركة التشكيليين السودانيين بحركة الفن الكوكبي يلمس أن هناك جملة من التحويرات و التعديلات التي تتغول على التاريخ المحلي لتعيد تخليقه بما يتناسب و مواصفات هذا الشيئ الذي صار اسمه :"الفن الإفريقي المعاصر ». ذلك أن هذا "الفن الإفريقي المعاصر"، و الذي نبل، على حين غرة في المشهد الثقافي العالمي مع بداية التسعينيات ، هو في حقيقته السياسية أحد ظواهر إعادة هيكلة الثقافة بسبيل دمج الإنتاج الثقافي في إقتصاد رأس المال المعولم الذي لا تفلت من حساباته شاردة أو واردة.
في منتدى معرض الفنانين السودانيين الذي انعقد بمؤسسة العويس الثقافية بدُبي، تحكي الفنانةكمالا ابراهيم اسحق مسارها المهني و الفني بإقتضاب لا ترد فيه سيرة " مدرسة الخرطوم" و لا سيرة "الفن المفاهيمي" و لا سيرة" المدرسة الكريستالية" إلا في تنويه ضعيف يعوّل على تلك الإتفاقات العفوية التي يتوسمها الجميع في الجميع.طبعا المشكلة الحقيقية هي في هذه "الإتفاقات العفوية" التي تأيقنت في الفضاء الأعلامي حول موقف الفنانة كمالا اسحق من المعالم الجمالية الأكثر شعبية في تاريخ الحركة التشكيلية السودانية مثل «  مدرسة الخرطوم » و «  المدرسة الكريستالية »و من ينظر في السيرة الأدبية التي صنعها لها نقادها باعتبارها طرفا في الثلاثي الذي صار اسمه"مدرسة الخرطوم" : [ صلحي و شبرين و كمالا،مع استبعاد فنانين كـعثمان وقيع الله ومبارك بلال و بكري بلال و صالح الزاكي و موسى الخليفة و أحمد عبد العال و العوام و عتيبي إلخ] لا يجد لكمالا نفسها تصريحا واضحا بإنتمائها لـ " مدرسة الخرطوم " لكنه يجد عشرات النقاد الجزافيين الذين لا يترددون في إلحاق اسم كمالا اسحق بما صار يعرف بـ " مدرسة الخرطوم". و صمت كمالا عن الخوض في سيرة ضلوعها في مدرسة الخرطوم ،يُبررَّ عند نقادها ،عادة، بأن الأشخاض المنخرطين في مدرسة الخرطوم لم يجتمعوا يوما لإصدار بيان [ مانيفستو] يعلن بأنهم يمثلون "مدرسة الخرطوم"، و إنما هبطت عليهم التسمية من الخارج لأن النقاد[الخواجات من رهط " دنيس وليامز" و "أولي باير" و آخرين] لمسوا في نتاج هؤلاء الفنانين ملامح مشتركة تبرر دمجهم في مصنف الـ" مدرسة" التي اختار لها " دنيس وليامز" اسم " الخرطوم".و صمت كمالا عن الكلام في سيرة إنتمائها لـ " مدرسة الخرطوم" يمكن أن يندرج ايضا في مصنف " الفنان الذي يعمل في صمت" و يستغني عن الكلام بعمله ،[ ولو شئت قل :"يعطي العيش لخبّازه «،] طبعا المشكلة كلها في هؤلاء الخباز ين الشفقانين الذي يخلطون عمدا بين كوعهم بوعهم و يحرصون على تكفين ميته التشكيليين اليتامى في هَمَلة بلاد السودان.و "المال السايب يعلّم السرقة" كما تعبر حكمة الأهالي. و منذ عهد "جان بيير غرينلو"، مهندس التعليم الفني الحديث في السودان و الأب الروحي لجيل التشكيليين الرواد، درج سدنة "مدرسة الخرطوم" على توصيف نتاجها ، ضمن مفهوم التمازج الثقافي العربي الإفريقي،بأنه يقوم على مزج عناصر الثقافة الأيقونية العرسلامية بعناصر الثقافة الأيقونية الزنجية.و على هذا المبدأ يعقلن الخرطوميون حضور الخط العربي و طرز العرابسك الزخرفية بموتيفات مستعارة من تقليد المصنوعات الشعبية المحلية كما في اعمال النسيج و السعف و الفخار و الخراطة إلخ.و للصلحي قولة مشهودة في " إكتشاف" فنون المصنوعات الشعبية بعد عودته من بريطانيا، جاء فيها
"..

« لقدتركت السودان ثم عدت إليه.. ثم فجأة بدأت أنظر حولي و بدأت أبحث عن الأشياء، عن الوحدات الزخرفية.لطالما فتنتنيالوحدات الزخرفية في المصنوعات اليدوية السودانية المحلية و ما يصنعه المزارعون البسطاء و ما يحفرونه و ما يزخرفونه و ما يلونونه. و فجأة، أعتقد أن جمالها وصلني و هزني بقوة شديدة.لقد عشت معها كل حياتي، و مع ذلك فإنني لم أرها إلا حين سافرت للخارج ثم عدت راجعا بنظرة مختلفة للأشياء. حينذاك بدأت أنظر ـ مسافرا عبر أنحاء السودان ـ إلى كل ما يصنعه الناس، في بيوتهم و أسرتهم و بروش الصلاةو الطريقة التي يصنعون بها السروج و يضعونها على ظهور الجمال أو الثيران.لشد ما فتنني كل هذا فبدأت فقط ألاحظ و أرسم »[من مقابلة مع الصلحي نشرتها مجلة «  آفريكان آرت » الأمريكية ، رقم 1،في 1967 ـ].ـ
للإستزادة انظر خيطي المعنون"مدرسة الخرطوم، نسخة الشارقة" على الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... f86934dae3

في ستينيات و سبعينيات العصر الذهبي لـ "مدرسة الخرطوم" كان عمل كمالا أبعد ما يكون عن شاغل التمازج الإسلامي الزنجي،و هوس الحروفية المُزَنـْوَجَة،رغم أن كمالا كانت تمارس الخط العربي كنشاط ثانوي موازي لأشغال التلوين بالزيت على الأحجام الكبيرة. ربما لأنها خرجت من تجربة التأمل في عمل الشاعر و الرسام البريطاني " وليم بليك" لتجربة الميراث الأيقوني البيزنطي أبان عملها في المتحف القومي بالخرطوم،لكنها، في كل الأحوال، لم تعترض على نقادها ممن انتحلوا لها الإنتماء لـ "مدرسة الخرطوم".[ و إن جهرت ـ في جلسة ملتقى الشارقة 2016 ـ بإعتراض على إحالة تصاويرها لأصل نصراني بيزنطي]، ربما لأنها ـ في فترة الستينيات التي شهدت نهوضا في الحركة النسوية السودانية بعد إنتفاضة أكتوبر 1964 ـ استشعرت منفعة في "حماية" ذكور " مدرسة الخرطوم" الذين وجدوا فيها ممثلة للعنصر النسوي في حركتهم ،لأن مدرسة الخرطوم ظلت " شغل رجال" على الدوام. و من جهة أخرى، ربما وجد ضعف اعتراض كمالا على إدغامها في "مدرسة الخرطوم"، تفسيره في إشكالية الهوية السودانية التي كانت في قلب شواغل الخرطوميين مثلما كانت في قلب شواغل السودانيين عامة.ذلك أن كمالا انشغلت باشكالية الهوية الثقافية الوطنية باعتبارها تعبير عن الإستمرارية الحضارية عبر التاريخ السوداني.و هو أمر يبدو جليا في مجموعة تصاويرها ذات التأثير النصراني النوبي البيزنطي في نهاية الستينيات و منتصف السبعينيات. و لكن الحاصل هو أن كمالا منتصف الستينيات و مطلع السبعينيات لم تعترض على إدغامها في " مدرسة الخرطوم" كما لم تصرح جهارا بإنتمائها لمدرسة الخرطوم كما فعل فنانون مثل بكري بلال و صالح الزاكي و موسى الخليفة و أحمد عبد العال و العوام و عتيبي و غيرهم. هذا الموقف، موقف من " لا يجدّع و لا يجيب الحجار"، يملك أن يقرأ كوجه من وجوه الإنتهاز المفهومي لشخص يقف على مسافة حيدة أمنية من جملة الفرقاء المتحركين في الفضاء القائم بين الفن و السياسة في السودان.مثلما يملك أن يقرأ كتعبير عن تقليد "المجاملة" السودانية الذي يلهم سودانيي الطبقة الوسطى الحضرية مراعاة لوائح و أتوكيت الأدب الإجتماعي التي تفرض على الناس الإبتعاد عن المواجهة النقدية و " الفسالة"و " كشف الحال" و " شيل وش القباحة". و من خبرتي بكمالا، استاذتنا المحبوبة ،فأنا أراها في موقف الشخص الكريم المجامل الذي يملك أن يطيب خاطر الجميع حتى و إن تم ذلك على حساب هذا الشيئ المستحدث في الحياة الإجتماعية و الذي صرنا ندعوه بـ " الفن".لكن المشكلة هي أن شهامة كمالا و أريحيتها الإجتماعية "ما بتخارج معانا" أنحنا المارقين للتلاف باسم الفن. ذلك أننا "صابّنّها" و قاعدين على هم الفن كسلاح في معركة التغيير الإجتماعي ،و لو شئت قل هم الفن كموضوع حياة أو موت، و في رواية: موضوع حياة و موت في آن معا و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تلخيص العنقالة.ز2

مشاركة بواسطة حسن موسى »



…...........


2 ـ
تخليص كمالا من تلخيص العَنـْقالة

["العَنـْقالي" هو الشخص الذي يتكلم في ما لا يعلم و هو مرتاح البال]

مجاملات كمالا الشهمة التي ألهمتها أن تقف على مسافة حيدة متساوية من الفرقاء السياسيين الواقفين في فضاء الفن ، هي المسؤولة ـ في نظري [ الضعيف؟ ] عن انتمائها الغميس [ إنتماء" نُص كُمْ»] لجماعة " مدرسة الخرطوم"،مثلما هي مسؤولة عن صيانتها لصداقاتها الممتدة مع تلاميذها اليساريين المعارضين لنظام النميري الذي وسّمها ـ و نفر من أخوانها الكواشف ـ بـ" وسام الآداب و الفنون" سنة 1975، مثلما هي المسؤولة عن إنتمائها الغميس الآخر لجماعة " المدرسة الكريستالية".لكنني لست في موضع من يملي على كمالا، أو على أي شخص آخر غيرها ،أن تتصرّف، أو أن يتصرف، وفق مقتضيات اللائحة السياسية التي ألتزمها في حياتي.فـ " كل شاة معلقة من عصبتها"، لكني معني بالطرف الآخر الناقد الذي يعلق نفسه من عصبة كمالا حين يتوسل بسيرة فبركها لها للوصول لغرضه السياسي أو الجمالي أو الإقتصادي إلخ.و في هذا المشهد اتأنـّى عند مواقف الاشخاص الذين صارت سيرة كمالا الفنية عندهم "صنعة" تشغل أحوال حركتهم و سكونهم.و من يتقصى أثر المكاتيب النقدية المبذولة في الصحف و في وسائل التواصل الإجتماعي يجدها تكاد تتطابق في تدريج كمالا من "مدرسة الخرطوم" لـ " المدرسة الكريستالية"، على إضمار بـ" تطوّر" جمالي من فضاء الهوية الوطنية لفضاء الفن المفهومي المعولم.و هو تدريج " تطوّري" مجحف في حق كمالا الرسامة التي تستغني بالرسم عن الخوض في الثرثرات الأدبية المتلاحقة التي تزحم الفراغ المفهومي العريض الذي تخلقه صعوبات الكلام عن الرسم أمام الجميع.و نقاد كمالا الذين يجوبون أرض الرسم بخرائط بائدة هم أبعد ما يكون عن النفاذ لرسم كمالا الفريد المشاتر الذي يقتضي ممن يتصدى له مراقبة لصيقة للفنانة و يدها بين اللون و الزيت.و في هذا المشهد أفهم إجترار الإتفاقات الجائرة في حق كمالا كتجلّي مفهومي لسوء الفهم الإرادي الذي يحيد بالعنقالة المستعجلين عن دروب الإختراع التشكيلي التي تسوح فيها كمالا.

أول هذه الإتفاقات الجائرة يتبدى في الإلحاح على وضعية كمالا كإمرأة [ ترجم "كإستثناء"]تعمل وسط جماعة الذكور الذين يحرسون مملكة الرسم في السودان. ذلك لأن أهمية كمالا لا تصدر عن كونها إمرأة عاملة في الفضاء الثقافي العام الذي يهيمن عليه الذكور ، و إنما تصدر عن كونها رسامة فرضت نفسها كصوت متفرد وسط حركة الرسم في السودان و في خارج السودان.و الإصرار على توصيمها بصفة الأنوثة يغمط حقها كفنانة ذات مساهمة اصيلة في مشهد حركة الرسم المعاصر. و لو ساغ لي استدعاء قولة "سيمون دوبوفوار المشهودة :"وُلدتُ إنسانة لكن المجتمع صيّرني إمرأة"، لقلت ان كمالا ولدت رسّامة لكن مؤسسة القوامة الفنية المعاصرة صيّرتها امرأة.و تركيب الإشكالية التي تطرحها سيرة كمالا يتأتـّى، من جهة أولى، من أن أهل مؤسسة القوامة الفنية المعاصرة ينظرون لكمالا " المرأة الفنانة" ككسب سياسي للحركة النسوية في بلد ،كالسودان ، النساء فيه مقهورات بقوة التقليد الذكوري العربسلامي،و كمالا بالفعل كسب سياسي للحركة النسوية في السودان و ذلك ليس لأنها اشتغلت بالفن ، لأن هناك "كمالات" غيرها زاملنها في هم الفن في السودان ،و لكن أهميتها تتأتـّى من كون اشتغالها بالفن أدّى بها في أقاليم الإختراع الجمالي التي لم يطرقها أحد قبلها.و في هذا المقام ، مقام الخلق و الإختراع تستحق كمالا الرسامة منا كل تقدير مستقل عن الكسب السياسي النسوي الذي يملك ـ تحت شرط القهر الذكوري العربسلامي السائد ـ يملك أن يغمطها حقها في الوجود كرسامة ، لأن الجمهور ذو الحساسية النسوية يقدم الكسب السياسي لكمالا المرأة/ الرمز على الكسب الجمالي الوعر لكمالا الرسامة الفريدة.
و ميل "خبراء" الأمير كلاوس [ العفوي؟] لتقعيد كمالا الرسامة في مقعد المناضلة النسوية لا يمكن عزله من سياسة هذه المؤسسة الهولندية الرسمية لإستخدام الرافعة النسوية في المنازعة الطبقية المعولمة التي تهدف لتوطين قيم و أهداف دوائر رأس المال وسط المجتمعات غير الأوروبية.
في هذا السياق تدخل مؤسسة الأمير كلاوس، بوجه" القوة الناعمة" و من خلفها" القوة الخشنة" : آلة الدولة الهولندية الضالعة في حروب حلف شمال الأطلسي [ ناتو] لحماية مصالح دوائر رأس المال المعولم في الشرق الأوسط [ العراق و أفغانستان]منذ مطلع القرن الواحد و العشرين.هذا العام[2019]، اختارت لجنة جائزة الأمير كلاوس كل فائزيها من النساء.
الرابط
https://www.nederlandwereldwijd.nl/actu ... -kouelany-
uit-congo-brazzaville-onderscheiden-met-prins-claus-prijs-2019

و سياسة " تمكين النساء " التي يقودها سدنة دوائر رأس المال في المجتمعات غير الأوروبية[ ترجم :"في المجتمعات المسلمة" ]ـ تنهض على مكيدة سياسية بالغة التركيب تراوح بين إنتحال مبادئ الميراث التقدمي لحركة تحرر المرأة في القرن العشرين [ من "سيمون دو بوفوار" و "فوكو" و "دريدا" لـ "جوديث بتلر "]و تمرير المعاني الكولونيالية العرقية التي تستهدف مجتمعات المسلمين من خلال حصان طروادي ظاهره يزعم الدفاع عن العلمانية و عن الديموقراطية و عن حقوق الإنسان و تحرير النساء المسلمات من نير الدين و باطنه يروّج لصورة المسلم كشخص ظلامي و إرهابي لا يستحق الثقة.و في المشهد السياسي الفرنسي الراهن ظللنا نشهد تورم التحالف المعادي للمسلمين بين " مارين لوبين" زعيمة حزب اليمين العنصري المتطرف و كتاب من وزن"إليزابيث بادنتير" أو " فينكل كروت" و " إيريك زمور".
للإستزادة في سيرة معاداة المسلمين انظر نصي" يا أخوانّا في حاجة معفنة في مملكة الدنمارك"
على الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... %DD%E4%C9+
++%E3%E3%E1%DF%C9+%C7%E1%CF%E4%E3%C7%D1%DF&sid=efa63bba29eec05fc7be814d059b0edb

يقول صاحب موقع مؤسسة الأمير كلاوس،في كلمة قصيرة، أن" عناية كمالا بحيوات النساء السودانيات قادتها للبحث الميداني و اللوحات الكبيرة الحجم التي تعالج موضوع الظار".

Her interest in women’s lives led to field research and large-scale paintings of Zār »,
"
و مبحث كمالا الأكاديمي في طقوس "الظار" السوداني معروف للجميع ،إلا أن محرر موقع الأمير كلاوس سيجد صعوبة في شرح الكيفية التي يؤدي بها المبحث الانثروبولوجي في "الظار" لخيار المساند كبيرة الحجم، و ذلك ببساطة لأنه ليس هناك علاقة شرطية بين المبحث النظري و حجم المسند الذي يختاره الرسام لعمله. ولكن المحرر المستعجل لا يبالي بالمنطق،لأن أولويته هي تكريس صورة كمالا كرمز نسوي قبل الرمز الفني.و حين ينسب المحرر النابه لكمالا نشاطا سياسيا نسويا مع الفنانات الشابات ، فهو يستنتج من ذلك النشاط النسوي مساهمة كمالا في تحفيز الحراك الثوري وسط الحركة الفنية النسوية ، أو كما قال:"ـ ظلت اسحق نشطة في تنظيم المعارض مع الأجيال الأصغر من النساء الفنانات.و بهذا تجلت مساهمتها في الحراك الإجتماعي الذي لعبت النساء فيه دورا مركزيا ظاهرا للعيان.و قد استمرت كمالا في موقف المحفز الفكري و موقف الملهمة وسط الأجيال الأصغر من الفنانين السودانيين"
الرابط
https://princeclausfund.org/awards

و في الفيديو الذي بذلته مؤسسة الأمير كلاوس عن جائزة كمالا هذا العام يتحدث عدد من الأشخاص["الخبراء"؟] الذين يعملون لحساب جائزة مؤسسة الأمير كلاوس، يتحدثون بعبارات متشابهة عن كمالا كشخصية ذات ثقل رمزي في مشهد الحركة النسوية في السودان ، بل و في القارة الإفريقية بحالها.بين هؤلاء الأشخاص تأنيـّت عند حديث كل من الفنان السينمائي الهندي "آمار كانوار"[من مواليد 1964]ـ
Amar Kanwar
و استاذ الأدب الإنجليزي الأفريقاني الباحث في الدياسبورا ، النيجيري"تيجيمولا أولانيان"[1959ـ 2019]ـ
Tejemola Olaniyan
و راعني أن هؤلاء " الخبراء" ، من علياء مجالات خلقهم المتمايزة، خاطروا بتقديم كمالا للجمهور في بضعة عبارات فقيرة عن دورها كرائدة نسوية أو كقدوة بالنسبة لأجيال النساء الاصغر سنا، أو كما عبر «كانوار» بأن كمالا «خلقت فضاءا لمقاومة مواصفات الفن الرسمي أو  [الـ "مين ستريم بارادايم »]. و هي قولة تعبر عن جهل مريع بطبيعة المشهد الثقافي السوداني الذي تعمل ضمنه كمالا، كونه مشهد يفتقر لأي " ستريم" مهما كانت أهميته، حتى أن الفنانين النادرين الذين اعتمدتهم سلطات الطبقة الوسطى الحضرية في السبعينيات و منحتهم الأنواط و الأوسمة و حظتهم بأعلى المناصب الإدارية، ظلوا على الدوام موضع إهمال أو توجس من قبل القائمين على أمر الدولة.و في هذا المقام، مقام الإهمال، يمثُل فنان كعمر خيري/ جورج إدوارد كنصب تذكاري جبار لهوان الفنان في مؤسسات رعاية الفنون في السودان.و قد بلغ الهوان بعمر خيري أن الفنان الذي كان" أمين"،[ أي و الله"أمين"]، المجلس القومي لرعاية الآداب و الفنون" ، أمر بمسح جدارياته من جدران المجلس.و قد نوّه الصديق الفنان عبد الله محمد الطيب"أب سفة" بهذه الحادثة في كتابه" الرسم على الهامش"، [دار سيبويه، 2014، بيرمنجهام]. و في مقام التوجس، حكى استاذنا إبراهيم الصلحيأنه، أبان فترة عمله كـ "وكيل وزارة الثقافة" أوقفت السلطات برنامجه التلفزيوني " بيت الجاك" بدون مقدمات ، لمجرد تخوفها من مضمون حلقة كان ينوي تقديمها عن بعض تعبيرات الحياة الجنسية في المجتمع السوداني.و هناك ايضا حكاية نفس الصلحي الذي وجد نفسه في المعتقل لاشهر، بدون تهمة محددة و بدون محاكمة،و كلها حكايات تؤشر لخفة وزن الفنان في مشهد آنثروبولوجيا السياسة السودانية. و من الواضح أن هؤلاء " الخبراء" لم يكونوا يعرفون كمالا قبل أن تقرر مؤسسة الأمير كلاوس منحها جائزتها. و لا جناح، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.غايتو البركة في كلام الاصدقاء الرسامين فتحي و الأمين محمد عثمان و حور القاسمي الذين الحّوا على بعد الممارسة العملية في خلق كمالا ، فبذروا بذرة الشك في مشروعية الإحالة التلقائية لعمل كمالا ناحية التعبير المفاهيمي" الكريستالي". [ سأعود لسيرة مفاهيمية كمالا الكريستالية لاحقا فصبرا].
أنظر رابط فيديو مؤسسة الأمير كلاوس عن جائزة كمالا

https://www.youtube.com/watch?v=o4gj2to ... be&fbclid=
IwAR0fZ18es3tyxFKekaZlocy_n8ZS06oiGivPx6NEksVMPO-qTcaVfsr6mvE

و في تقريره بمناسبة فوز كمالا بجائزة الأمير كلاوس بهولندا في نهاية ديسمبر 2019،كتب محرر الـ بي بي سي : »لقد تركت كمالا بصمات واضحة في مسار بناء الحداثة في الحياة الفنية والثقافية في السودان وفي مجال الريادة النسوية للفن التشكيلي فيه"
و هذا الشيئ الذي يسميه محرر البي بي سي بـ " مجال الريادة النسوية للفن التشكيلي في السودان" لا يطيق الخوض في تفاصيل مفهوم كمالا للفن التشكيلي في السودان لأنه لا يهتم إلا بالوزن الرمزي المهم لهذه المرأة السودانية التي رفـّعتها جائزة اوروبية لمصاف المشاهير.و ينقل محرر الـ بي بي سي عن لجنة جائزة الامير كلاوس : »في قرار منحها جائزة الأمير كلاوس، التي ستتسلمها في حفل ديسمبر/كانون الأول المقبل، قالت لجنة الجائزة “بقيت إسحاق ناشطة في تنظيم معارض مع فنانات من أجيال شابة، وبالتالي كانت مساهمتها في الحركات الاجتماعية الراهنة، حيث تلعب النساء دورا مركزيا مرئيا. واستمرت في دورها كمحفز ثقافي وقوة ملهمة بين جيل الفنانين السودانيين الشباب”. »
هذه النقلة العجولة ، التي يتقاسمها الجميع، حول موقف كمالا الـ "ناشطة في تنظيم معارض مع فنانات من أجيال شابة" ، و موقفها كمساهمة "في الحركات الإجتماعية الراهنة، حيث تلعب النساء دورا مركزيا مرئيا" تصعّد كمالا ـ لا إيدها لا كراعها ـ لمقام "كنداكات" ثورة ديسمبر التي أجلت عمر البشير و صحبه من سدة الحكم في السودان.و هذا تلبيس لا تحتاجه كمالا الفنانة الأصيلة، لكن محرر الـ بي بي سي ، الذي لا يدري كوعه من بوعه في موضوع التداخل المركب بين السياسة و الفن في السودان أراد تنصيب كمالا كمحفزة لثورة الشباب، فنصب على القراء بمكيدة غليظة لا تسري على من يعرفون كمالا اسحق الفنانة التي تعرف ان ثورتها مستمرة في فضاء اللوحة و ليس في فضاء موقع الإعتصام أمام بوابة القيادة العامة للجيش.
الرابط
<img src="//ssc.api.bbc.com/?ns_site=bbc&c1=2&c2=19999701&b_code_ver=non-js&b_site_channel=
partners&b_vs_un=ws&ns_c=UTF-8" height="1" width="1" border="0" alt="" />
كمالا إسحق المتوجة بجائزة الأمير كلاوس: موسم الهجرة إلى الجنوب
Posted by


https://cedarnews.net/bbc/103020/

September 26, 2019

التشابه المريب، وقع الحافر على الحافر، في تصريحات هؤلاء " الخبراء"، الأجانب على شغل الرسم ، يثير حيرة المراقب المُستبعَد، لكن الحيرة تنقشع لمن يضاهي الأقوال فيرى أن جمهرة المتكلمين الجزافيين في سيرة كمالا إنما استقوا معلوماتهم عن كمالا من نفس المصدر :صديقنا[ و "صديقهم" ] الدكتور صلاح حسن الجرق الذي صار، بطول عكوفه على فن التشكيل السوداني،من أهم المصادرـ و لعله الأكثر أهميةـ في تاريخ التشكيل الحديث في السودان.و بالذات بالنسبة للباحثين من غير قراء العربية. و في العقود الأخيرة صار الدكتور صلاح حسن الجرق فصلا قائما بذاته، لا في كتاب الفن السوداني وحده و إنما في فضاء الفن الإفريقي المعاصر وامتداداته الدياسبورية أيضا. و بهذه الصفة وحدها ، فهو يستحق عناية الباحثين في تاريخ الفن المعاصر ، الإفريقي و الدياسبوري .و لا يحتاج الشخص لأكثر من نقرتين على باب سيدنا قوقل ،كرم الله وجهه، ليرى طبيعة التشبيك الذي يربط بين هؤلاء " الخبراء" و صديقنا [ و "صديقهم" ] الدكتور صلاح حسن الجرق الذي صار، في العقود الثلاثة الماضية، من المستشارين المفاتيح لمؤسسة الأمير كلاوس في كل ما يتعلق بسيرة الفن الإفريقي المعاصر أو/و فنون الدياسبورا المعولمة.
في منتصف التسعينيات أسس كاتب نيجيري اسمه "أوكيوي إينويزور" مع صلاح حسن الجرق، مجلة " إنكا" الفنية الفارهة المتخصصة في الفن الإفريقاني المعاصر و فنون الدياسبورا .و اليوم تواصل المجلة ـ بعد رحيل "إينويزور "في العام الماضي ـ كفاحها من أجل الفن الإفريقي و فنون الدياسبورا، و ذلك بدعم مالي كريم من عدة مؤسسات مانحة ، من بينها" مؤسسة الأمير كلاوس".
الرابط
https://www.nkajournal.org/masthead.html

و "أوكيوي أونويزور" يضيئ تشبيك هذا الفنان الخبير السينمائي الهندي" آمار كانوار"،المتكلم في سيرة كمالا و الماثل ضمن لجنة تحكيم جائزة الأمير كلاوس،مع صلاح حسن، فهو قد ظهر في مسرح الفن المعولم ،حين دعاه "أوكيوي إينويزور" للمشاركة في عرض " دوكيومنتا 11 » الذي تولى تنظيمه في كاسل [ ألمانيا]في عام 2002.أما الخبير الآخر المتحدث في سيرة كمالا، فهو الكاتب الافريقاني النيجيري "تيجومولا أولانيان"، و الذي يمثل في الفيديو بصفته كعضو في لجنة تحكيم مؤسسة الأمير كلاوس [ أيضا]. و تشبيكه مع صلاح حسن الجرق قديم منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين حين كان يحضّر لنيل الدكتوراة من جامعة "كورنيل" [بولاية نيويورك] ، التي كان صلاح يدرّس فيها الفن الإفريقي و فنون الدياسبورا.
أما حور القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، و الماثلة في الفيديو من واقع صفتها كعضو في لجنة جائزة الأمير كلاوس، فهي تقف ـ عن جدارة ـ كأحد أهم رعاة الفن السوداني في العقد الأخير. و يحفظ لها التاريخ أنها ساهمت بنصيب وافر في إقامة معرض الصلحي الإستعادي في متحف التيت مودرن بلندن 2013 ،كما ساهمت ، بنصيب الاسد ،في تنظيم المعرض الكبير الذي اقيم للفن السوداني في الشارقة 2016، و الذي احتوى على معرض فردي كبير للفنانة كمالا في مؤسسة الشارقة للفنون.و حور القاسمي، الرسامة التي درست الفنون في مدرسة الـ " سليد" بلندن ،شخصية متعددة الأذرع ، على صورة تلك الربة الهندية" شيفا" ذات الأذرع الثمانية. فإلى جانب رئاستها لـ "مؤسسة الشارقة للفنون"،فهي أيضا عضو لجنة تحكيم جائزة الأمير كلاوس ورئيسة "بينالي الشارقة" و رئيسة جمعية البيناليهات الدولية" و عضو "مجلس ترينالي الشارقة للعمارة"، و رئيسة "معهد إفريقيا" الجديد بالشارقة ، و الذي يديره الدكتور صلاح حسن الجرّق منذ بضعة أشهر.
الرابط
https://www.emaratalyoum.com/life/cultu ... arsely-api

هذا التشبيك بين الفنانين و جملة الوسطاء العابرين للقارات و القوميات يطرح صورة جديدة غير مسبوقة في تاريخ الفن لعلاقة الفنان بمؤسسة الرعاية.و في هذا المشهد ، مشهد مؤسسة الرعاية تحت شروط صراع طبقات مجتمع العولمة،فإن التشبيك الذي ادرك شخص كمالا و عملها ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل جليد الفن المعاصر، و عقلنته تتطلب فريقا من الكيالين الأشاوس حتى نقدر على مخارجة فناني الشعب بأقل الخسائر الممكنة من هذا الوحل، و الخسارة حاصلة على كل حال.

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

المزعوم في "مدرسة الخرطوم"

مشاركة بواسطة حسن موسى »


3 ـ


كمالا و المزعوم في" مدرسة الخرطوم" .

أثار اهتمامي حديث صديقنا صلاح حسن [الجرّق] القصير في منتدى مؤسسة العويس، الذي جدّد فيه على الحضور عقيدته في سيرة كمالا بوصفها ممثلة لـ" العنصر النسوي" في دائرة ذكور" مدرسة الخرطوم" ثم بوصفها رائدة للفن المفاهيمي[ "كونسيبشوال آرت" في رطانة المتخصصين] ،و أخيرا بوصفها رائدة للمدرسة الكريستالية [و لو شئت قل :"مؤسسة" "المدرسة الكريستالية" بالمرة.
و قد خلص صلاح ، عبر عكوفه الباسل على سيرة " مدرسة الخرطوم"، خلص إلى إحكام سردية "مدرسة الخرطوم"، من نسختها التي طرحها أساتذتنا الأجلاء، إبراهيم الصلحي و أحمد شبرين و عثمان وقيع الله و أحمد الزين صغيرون و أحمد الطيب زين العابدين و آخرون، إحكاما أهّلها به للإندماج في السردية العمومية للفن الإفريقي المعاصر المتخلّق،أمامنا،كإحتمال مُزَنْوَج  أنيق [ لما يسميه الفرنسيون بالـ" آر نيغر »
Art Nègre
و ذلك ضمن مشهد الفن الكوكبي[ "قلوبال آرت »ـ].و سردية صلاح الجرق تطرح نسخة جديدة لشيء يحمل اسم "مدرسة الخرطوم"، مفتوح لكل من يتوسم فيه صلاح، قيّم معرض الشارقة المكرس لمدرسة الحرطوم،[2016]،قابلية للإندماج في التشبيك الجديد المعولم.
و تحفظي على سردية صلاح حسن الجرق [ و شركاه الكونيين ]إنما ينهض على كونها تهمل معطيات التاريخ المحلي السوداني و تخلص إلى "أفرقة" الفنانين السودانيين ضمن مشهد الفن المعاصر.و هو مشهد عامر بالفخاخ الآيديولوجية الغميسية.ابتداء من فخ تعريف الشخص الإفريقي بسحنته ،[إقرأ بسواده]، لفخ تعريف الهوية الثقافية الإفريقية بالتضاد او بالمضاهاة مع مفهوم الهوية الثقافية الأوروبية.و مشهد الفن الإفريقي المعاصر ينهض على فرضية تاريخانية فصامية عمادها أن الأفارقة ، أو أهل الشرق كافة، إنما يصدرون عن تاريخ مغاير للتاريخ الذي يصدر عنه الأوروبيون. هذه الرؤية الفصامية للتاريخ تقصي غير الأوروبيين من ميراثهم التاريخي المشترك مع الأوروبيين، و هو الميراث المتخلّق تحت شروط حداثة رأس المال التي انخرط فيها الأفارقة و الاوروبيون منذ فجر الهيمنة الإستعمارية.ضمن تاريخ التداخل المصنوع من القهر و النهب و الإستلاب الثقافي طوّر الافارقة ، و غيرهم من الشعوب المقهورة،طوّروا، ضمن نضال حركات التحرر الوطني ، منظور التحرر من هيمنة رأس المال كمنفذ لإستعادة المبادئ الإنسانية لحداثة ترد الإعتبار لأفكار حركة التنوير الأوروبية :أفكار الحرية و المساواة في الحقوق و الديموقراطية و شراكة التقدم العلمي. لكن كفاح الحركات التحررية في المجتمع الإفريقي حاصل بالتعارض مع حركات الثورة المضادة التي ترعاها دوائر رأس المال الأوروأمريكية و جملة وكلائها الإقليميون بشتى الوسائل ، من وسيلة القوة العسكرية لوسيلة القوة الناعمة.و لا أظننا بحاجة لنحت الأدمغة لرؤية مفعول قوة رأس المال الناعمة الناشطة في فضاء الثقافة الإفريقية، لكننا بصدد توثيق وقائع حرب القوة الناعمة التي تشنها دوائر رأس المال على الأفارقة، و ذلك بسبيل التوصل لعقلنة هذه الحرب ضمن منظور معولم لتناقض المصالح الطبقية بيننا و بينهم.بدون عقلنة رؤية معولمة لواقع تناقض المصالح الطبقية لا سبيل لنا لمخارجة مجتمعاتنا من عواقب الهيمنة التي تمنع أهالينا من فرص الحياة على شرط الحرية.
و في العقود الأخيرة اشتعلت حرب القوة الناعمة التي تشنها على الأفارقة دوائر رأس المال، اشتعلت في فضاء الثقافة الإفريقية المعاصرة الذي تتجلى الفنون التعبيرية للأفارقة فيه كموضع حظوة آيديولوجية و إقتصادية لا يمكن تجاهلها.
من يفحص الدينامية الثقافية العالية لـ"الفن الإفريقي المعاصر" يرى ظاهرة ثقافية أو روأمريكية قصيرة العمر، تعود تعبيراتها الأولى لنهاية الثمانينيات و مطلع التسعينيات،و ذلك على أثر المعارض الكبيرة التي التي نظمها الأوروبيون و الأمريكان [ معرض"سحرة الأرض "
Magiciens de la Terre
في فرنسا عام 1989 و معرض ا"ستكشاف إفريقيا "
Africa explores
في الولايات المتحدة في 1991]و عرضوا فيها أعمال فنانين أفارقة جلهم عصاميين من إفريقيا جنوب الصحراء [ إقرأ :"إفريقيا السوداء »].و هي معارض غلب عليها الإحتفال بالقارة الإفريقية بوصفها مستودع للأصالة على مرجعية بدائوية [ "بريميتيفيزم"] لفن الزنوجة ، أو ما عرف في فرنسا مطلع القرن العشرين بـ " لار نيغر "
L' Art Nègre
و قصر عمر ظاهرة " الفن الإفريقي المعاصر" المعولم، يطرح مخاطر تعريف هوية ذلك "الفن الآخر"[الإفريقي؟]، الذي ظل الفنانون الأفارقة، الذين تدربوا في معاهد و كليات الفنون ، ينتجونه لعقود طويلة قبل ظهور" الفن الإفريقي المعاصر"، ذلك أن معاهد و كليات الفنون بدأت في البلدان الإفريقية بعيد الحرب العالمية الثانية.[ التربية الفنية في المدارس السودانية بدأت في 1946].هذا " الفن الآخر" هو فن إفريقي و معاصر لكنه سابق لإرادة العولمة الساعية لإعادة تنظيم المشهد الثقافي ضمن منظور السوق الكوني الكبير. هذا " الفن الآخر" السابق لإرادة العولمة مهم لأنه ينبهنا لتاريخ محلي كان الأفارقة يدبرون فيه شؤون فنونهم على مقاس احتياجهم الوطني دون أن يلبّكوا خاطرهم بمزاعم "فن الزنوجة" الأوروبي.
و في مشهد هذا "الإحتياج الوطني" يمكن عقلنة النسخة الأولى لمدرسة الخرطوم" ، كأحد تعبيرات حركة التحرر الوطني في السودان،حين كان الفنانون المنخرطون في مشروع التمازج يسعون لإستمالة هذا الكائن المستحدث المعرّف بعبارة " الشعب" .
لكن وعي الشعب بكونه شعبا لم يحجب عن الناطقين باسمه ، بين أبناء الطبقة الوسطى الحضرية ، رؤية الصعوبة التي يطرحها واقع التعدد العرقي و الثقافي في بلد الأشتات الذي ينطق في أكثر من مئة لسان.فعلى ضوء الوعي المتنامي بحال التركيب الإجتماعي و الثقافي و الجغرافي للمجتمع السوداني الذي ذاق طعم الإستقلال ممزوجا بطعم الحرب الأهلية في الجنوب، طرح المبدعون الوطنيون موضوعة الهجنة كإطار جمالي لتعريف الهوية الثقافية للسودان.و سرعان ما تحول رجاء المبدعين الطوباوي المتفائل إلى برنامج سياسي يتمتع ، بشكل متزايد، بدعم مؤسسات سياسية مهمة.و افضل الأمثلة يبدو في التزامن الذي تم ضمنه تقارب التشكيليين، من فناني " مدرسة الخرطوم "، و الشعراء في مجموعة " مدرسة الغابة و الصحراء"، من موضوعة الهجنة الثقافية في منتصف الستينات. فشعراء" الغابة و الصحراء" (محمد عبد الحي و محمد المكي ابراهيم و النور عثمان ابكر و آخرين) طرحوا هوية التمازج العربي الإفريقي على نموذج " سنار"، عاصمة سلطنة الفونج التي قامت على تحالف البدو و الزنج، وفي مجال التعبير الفني كان الفنانون التشكيلون سبّاقون لبناء عقيدة ـ دوغما ـ جمالية نواتها الشعب. فإبراهيم الصلحي و أبناء جيله من الفنانين العائدين للسودان بعد دراساتهم في أوروبا (أحمد شبرين و وقيع الله و بعض تلاميذهم) صاروا يتساءلون عن طبيعة الفن الذي يمكن ان يناسب الشعب السوداني فخلصوا إلى ضرورة تأسيس " فن سوداني" على قاعدة " الفن الشعبي".و عند عودته للوطن اقام صلحي معرضه الفردي الأول في قاعة فندق الـ " قراند أوتيل" بالخرطوم (1960), و في حوار مع أولي باير ( إبراهيم الصلحي، جامعة بايرويت، 1983)

علق الصلحي على تلك التجربة بقوله:"تلك اللوحات كانت متأثرة بسيزان، ذلك انني حين كنت في مدرسة " سليد" كانوا قد اكتشفوا سيزان لتوّهم"
يقول الصلحي:"..
" حاولت ان استنكه ما يدور في عقول الناس لأنهم إن لم يقبلوا ما جلبناه معنا من أوروبا فلا بد انهم بصدد شيء آخر. شيء آخر كنت واثقا من وجوده في مكان ما عند الناس، شيء له علاقة بالخط العربي و بالوحدات الزخرفية، كنت اريد ان ارى ما يستسيغه الناس كموضوع جمالي"( حوار مع أ. باير. المرجع السابق ).
و في حواره مع محرر مجلة " آفريكان آرت" الأمريكية(
الصلحي في آفريكان آرت1967) يلخص الصلحي تجربة العودة لفن الشعب كنوع من إعادة النظر في جملة مسار تعليمه الفني القائم على مناهج التعليم الأوروبية الحديثة :" لقد تركت السودان ثم عدت إليه. ثم فجأة بدأت انظر حولي و بدأت ابحث عن الأشياء، « .. ».لقد عشت معها كل حياتي و مع ذلك فانني لم أرها إلا حين سافرت للخارج ثم عدت راجعا بنظرة مختلفة للأشياء. حينذاك بدأت انظر ـ مسافرا عبر أنحاء السودان ـ ناظرا إلى كل ما يصنعه الناس، في بيوتهم و أسرتهم و بروش الصلاة و الطريقة التي يضعون بها السروج على ظهور الجمال أو الثيران. لشد ما فتنني كل هذا فبدأت أراقب و أرسم فقط "
وفي نفس الإتجاة ، إتجاة العودة للشعب، كتب أحمد شبرين ان" مدرسة الخرطوم" آلت على نفسها ان تكسب عناصر الخلق التشكيلي المحلي نكهة عالمية ( ـ الأيام 21 /6/1979 ).

و لم يمض وقت طويل حتى تحولت مجموعة لقيات صلحي و شبرين المفهومية و التشكيلية لنوع من وسم اسلوبي أو علامة مميزة" إمبلم" ، تنبئ عن استقرار تيار جديد في الساحة الثقافية ه المحلية اسمه خ من العاصمة الخرطوم". (
و قد لقيت مساهمة " مدرسة الخرطوم" بقيادة الصلحي شعبية كبيرة يمكن تفسيرها، من جهة، بالنجاح العالمي الذي اصابه الصلحي، كفنان إفريقي معاصر ،بفضل صلاته مع شبكة من الأشخاص المؤثرين ،في محافل التشكيل الغربية( الباحث الأفريقاني المعاصرأولي باير، و الباحث دنيس وليامز و مدير متحف الفن الحديث في نيويورك ألفريد بار و آخرين) ، حتى ان السلطات السياسية جعلت من صورة الصلحي نفسه نوعا من ايقونة قومية للفن السوداني . ورغم أن الجمهور المحلي كان يجهل عمل الصلحي إلا ان وزارة السياحة السودانية وزعت ، في عام 1976 ،ملصقا سياحيا معنونا:" الفن السوداني المعاصر" ، يمثل الصلحي و هو يرسم .كان صلحي ـ الموظف الكبير في وزارة الثقافة ـ في تلك الفترة يتمتع بشعبية واسعة بسبب برنامجه التلفزيوني الناجح " بيت الجاك".و لكن المساندة السياسية و المادية و الرعاية التي احتازت عليها مساهمة الصلحي الجمالية من طرف دولة الطبقة الوسطى العربسلامية ، و التي رفـّعت تيار " مدرسة الخرطوم" لمقام الفن السوداني الرسمي ،يمكن فهمها ، من جهة أولى، بتوافقها مع تيار رد الإعتبار إلى الثقافات الشعبية التي جسدها رواج دراسات الفولكلور في الستينات و اعطتها دفعا قويا مكتشفات سوسيولوجيا الثقافة و تيار نقد الإثنولوجيا في أوروبا على خلفية حركة التحرر من الإستعمار. و من الجهة الثانية يمكن فهم الرواج السوداني لمشروع الصلحي و شركاه بكونه ، من وجهة نظر الواقع السياسي السوداني لفترة ما بعد الإستقلال كان يطرح إجابة سياسية جذابة لسؤال الهوية السودانية . و هو سؤال محوري في بلد قوامه التعدد العرقي و الثقافي. بلد نال استقلاله على خلفية حرب اهلية كان سؤال الهوية الوطنية منها ، وما زال، في موضع القلب. و قد طرح فنانو " مدرسة الخرطوم" تصورهم للهوية الثقافية السودانية كهجين بين العروبة و الإفريقية.بل أن بعض المتحمسين لهوية الهجنة " السودانوية" كانوا يرون فيها مفتاحا من مفاتيح حل مشكلة الهوية على صعيد القارة الإفريقية كلها. ( ـ أ. توينبي. أفريقيا العربية و إفريقيا السوداء، سندباد، باريس 1979 )
للإستزادة أنظر الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... rt=30&sid=
ec1c1efeb7bf31cbd42884f33344dd77

في قلب الشاغل الجمالي الذي يجعل من الشعب مرجعا ساميا للممارسة الفنية طورت كمالا عملها على أثر الفنانات الشعبيات اللواتي واصلن تقليد الخلق الفني في أعمال الحناء و أعمال السعف و أعمال الإبرة و غيرها، كما نوّهت كمالا في فيديو منتدى "مؤسسة العويس" بدبي قبل أيام .و لو ساغ لنا إحالة عمل كمالا لـ" مدرسة الخرطوم" فتلك الإحالة إنما تكون من منظور عناية كمالا بأنواع الممارسة الجمالية الشعبية ، سواء في شكل الفنون اليدوية أو في شكل الفنون المشهدية [ الظار]، لكن تلك الإحالة تبقى في حدود المنطق المفهومي للنسخة الوطنية لـ " مدرسة الخرطوم"،و من ينظر في عمل كمالا يلمس قلة عنايتها بالخط العربي أو بالزخارف الزنجية التي زعم الزاعمون أنها قرائن السودانوية الجمالية لمدرسة الخرطوم الأولى. و أنا أقول « مدرسة الخرطوم الأولى »،لأن الفرز واجب بين نسخ "مدرسة الخرطوم "التي تلاحقت في مشهد التاريخ السياسي المعاصر.و مع منتصف ستينيات القرن العشرين، تخلقت" النسخة الوطنية" لـ " مدرسة الخرطوم" في مسار الحركة الوطنية السودانية لتعريف هوية هذا الوطن الجديد التي كانت موضوع شد و جذب بين التيارات الإتحادية لـ[ الأشقاء] الميالين لوحدة وادي النيل مع مصر و التيارات الإستقلالية الـ " سودانية" بشقيها التحرري و الآخر المدعوم من طرف بريطانيا.
و قد لعبت كلية الفنون منذ سنوات تأسيسها الأولى في " مدرسة التصميم " على يد الاداري البريطاني الرسام " جان بيير غرينلو" ، دورا نوعيا مهما، كمختبر مفيد لتوطين مفهوم" الخصوصية الثقافية السودانية" وسط المتعلمين.و اهتمام " غرينلو" الاداري البريطاني بالخصوصية الثقافية السودانية يمكن فهمه ضمن استراتيجية سياسية للادارة البريطانية في السودان ، فحواها دعم التيارات السودانية تحت شعار " السودان للسودانيين" الذي رفعته الادارة البريطانية لتعبئة بعض القوى السياسية السودانية ضد الشريك الاضعف في دولة الحكم الثنائي: مصر، و ضد القوى السياسية السودانية التي كانت تحبذ " وحدة وادي النيل" مع مصر بعد استقلال السودان.
و" الخصوصية الثقافية السودانية " مفهوم سياسي فحواه اكساب حداثة واقع الالحاق لبنى السوق نكهة محلية مميزة، نكهة سودانية.وقد عرف عن " غرينلو" حماسه الكبير لتأسيس مناهج تربية فنية سودانية تستلهم قيم الاسلام و الافرقة في السودان.
ضمن هذا الشروط سعى الصلحي الأستاذ ـ في معية عدد من التشكيليين من أبناء جيله و تلاميذهم في كلية الفنون و بينهم كمالا، سعوا الى تأسيس نوع من" اطار آيديولوجي" للفن السوداني على أساس فكرة " التمازج الثقافي" أو " الهجنة " بين المكونات الثقافية العربسلامية و المكونات الثقافية الأفريقية السابقة على العروبة و الاسلام.
للإستزادة أنظر نصي : » الصلحي ، العدو العاقل" في
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... f33344dd77

المشكلة في مدرسة الخرطوم المعولمة هي في كونها لا تبالي بالتاريخ المحلي و تحيل فناني مدرسة الخرطوم لفضاء الفن الإفريقي كتنويع " زنجرابي" لتيار " الفن الزنجي المعاصر [ "آر نيغر"]. و معبد الفن الإفريقي المعاصر مصمم ، على أيدي مهندسية الأوروأمريكيين كفضاء مزنوج يلتئم فيه شمل زنج الدنيا بذرائع الدياسبورا الإفريقية السعيدة.و تلك رؤية من ميراث النظر الكولونيالي الذي يعتبر الأفارقة صادرين عن تاريخ آخر غير تاريخ مجتمع رأس المال.من هذه الرؤية التاريخية الفصامية فبرك الأوروبيون موضوعة البدائوية [بريميتيفيزم]،كفضاء غير أوروبي يحال إليه كل نتاج "الفن الآخر"، [ترجم :"الفن غير المتحضر "].

لكن سردية صلاح حسن الجرّق عن مدرسة الخرطوم كتلخيص للفن السوداني، تظل مهمة في مشهد الأدب النقدي المعاصر الذي يعالج ظاهرة الفن الإفريقي، كونها سردية تستهدي بموجهات مؤسسات الرعاية الفنية الأوروأمريكية [ و مؤخرا الشرقأوسطية] التي ظل صلاح و شركاه يعمل وسطها لحوالي ثلاثة عقود كدليل و ترجمان لقارة الفن الإفريقي المظلمة
للإستزادة انظر الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 48046235cb


سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

ميتات" مدرسة الخرطوم" الأخيرة

مشاركة بواسطة حسن موسى »




4 ـ
ميتات " مدرسة الخرطوم"


في تعليقه المرتجل،عن كمالا، في فيديو منتدى مؤسسة العويس بدبي،لخص صلاح حسن بعض افكاره الرئيسية في سيرة فن السودانيين المعاصر،في منظور تداخل هذه السيرة مع عمل كمالا.و قدم صلاح كمالا كمساهمة، ثم كمتمردة، على "مدرسة الخرطوم"،ثم قدمها كمؤسسة و كمتمردة، أيضا، على " المدرسة الكريستالية"، قبل أن يخرج بها لفضاء التجربة "المفاهيمية" على فرضية ذاتيتها الأنثوية. .
يقول صلاح حسن، في شرح " مدرسة الخرطوم"، أن " جيل الصلحي ثار على أسس التعليم الغربي " و أن الصلحي و رفاقه الذين درسوا في بريطانيا عادوا للسودان و " شعروا أن فنهم ما عنده علاقة بالواقع فبدأت مسألة البحث عن الهوية بمنظور بصري فاللغة البصرية التي نتحت عن بحثهم كانت هجين بين ما درسوه في الغرب و المفردات البصرية المحلية" فبحثوا و هجّنوا ما درسوه في بريطانيا بالموروث البصري المحلي. من هذا الهجين خرجت " مدرسة الخرطوم" . و صلاح يلحق مدرسة الخرطوم بـ"مدرسة الغابة و الصحراء" في الشعر التي رادها محمد عبد الحي و محمد المكي ابراهيم و النور عثمان ابكر و صلاح أحمد ابراهيم.و هو إلحاق يسوغ عنده على مبدأ الهجنة المشتركة بين المدرستين، لكن من يتأمل في تفاصيل نشوء "مدرسة الخرطوم" كأثر من ميراث الإداري البريطاني الذي اسس لتعليم الفنون في السودان، " جان بيير غرينلو"، يجد صعوبة في قبول الإحالة الجائرة لمجموعة الصلحي و شبرين و وقيع الله ناحية شعراء "الغابة و الصحراء" الأصغر سنا.و هذا الجور المفهومي يجوز في مشهد الستينيات الثقافي المطبوع بالمبادرات الفردية التي عافت الإنخراط في العمل الفكري المؤسسي الذي طرحته التكوينات السياسية المؤدلجة التي كانت تعرف عن نفسها بالبيانات مثل تجمع "أبادماك" اليساري الماركسي و مساهمات "الأخوان الجمهوريين »[ محمود محمد طه "الإسلام و الفنون »]. فمجموعة " مدرسة الخرطوم" و مجموعة" الغابة و الصحراء" حرصتا على صيانة مسافة سياسية بينة من التكوينات السياسية المؤدلجة المتحركة في المشهد السياسي السوداني.هذه المسافة هي التي يسّرت على أفندية "مدرسة الخرطوم" و أفندية "مدرسة الغابة و الصحراء" الإنخراط في مؤسسات سلطة الطبقة الوسطى العربسلامية التي كانت، تحت نظام النميري العسكري، كانت تزعم لنفسها هوية متعالية على اليمين الإسلامي المحافظ و على اليسار الشيوعي المتطرف.و قد شهدنا أعيان "مدرسة الخرطوم" و أعيان "مدرسة الغابة و الصحراء" الأماجد يتسنّمون المناصب السياسية و يراكمون الإمتيازات المادية و الرمزية تحت نظام جعفر النميري و لا يبالون إن تطرّف ناحية أقصى اليسار او أقصى اليمين. كل هذا التاريخ السياسي المخزي لأعيان "مدرسة الخرطوم" و أعيان" مدرسة الغابة و الصحراء" لا يخفى على أحد. و لو شئت الدقة فهو لا يخفى على صلاح الجرق المؤرخ النابه الذي عاصر معنا ، عن قرب، جملة التقلبات السياسية المهمة لسودان السبعينيات. المشكلة هي ان إحياء "مدرسة الخرطوم" في نسختها المعولمة يموّه المخازي السياسية لسدنتها تحت غشاء الهويولوجيا السودانوية السعيدة، و هو موقف ينطوي على جور مفهومي و سياسي في حق جماعة الفنانين" العصاة" الذين انتقدوا التواطوء السياسي لجماعة "مدرسة الخرطوم" و جماعة "مدرسة الغابة و الصحراء"، مع النظام الإستبدادي في السبعينيات.
و اليوم بعد أكثر من نصف قرن على ظهورها، تنطرح "مدرسة الخرطوم" كمادة مفهومية مبذولة لكل من يريد استخدامها في المنازعة السياسية الدائرة اليوم على خشبة مسرح تنافض المصالح الكوني المعاصر الذي يدخل فيه السودانيون كطرف بين أطراف عديدة محلية و كونية، مثلما يدخل فيه الفنانون السودانيون كطرف مزدوج الهوية، محلي و كوني في آن.و في هذا المنظور يهمني فحص استخدام صديقنا صلاح حسن لمادة " مدرسة الخرطوم" في العقدين الماضيين.

.وأمر صلاح يهمني أولا كصديق،يحمل على كاهله اثقال ذاكرة الزمن السبعينياتي المزعوم جميلا لمجرد أن الأزمان اللاحقة صارت اقل جمالا.و أنا أحب اصدقائي و ربما أموت فيهم ، [أو أقتلهم] حبّا .أقول أن أمر صلاح يهمني من حيث كونه ممثل مهم على خشبة مسرح الفن الإفريقي المعاصر. و أهميته تتأتى من كونه بين النفر القليل الذي لا يكتفي بالتدريس و بالبحث الأكاديمي في الفن الإفريقي ، و قد تخرج على يديه عشرات الباحثين [ الأمريكان] الذين اتخذوا الفن الإفريقي المعاصر صنعتهم ، مثلما ظهرت بفضل قوامته عشرات المعارض المهمة في فضاء الفن الإفريقي المعاصر [و فنون الدياسبورا] ،المتخلّق ضمن فوضى سوق الفن المعاصر التي يختلط فيها الحابل بالنابل .

و اليوم ،نحتاج وقفة قصيرة حول اصل هذا الشيئ الذي صار اسمه ، في ظرف زماني وجيز لا يتجاوز العقود الثلاثة الماضية :" الفن الإفريقي المعاصر ". و جل سدنة الفن الإفريقي المعاصر، على إختلاف اصولهم العرقية، يتقاسمون فرضية مفهومية كل أفريقانية[ «  بان أفريكانيزم"] ، تعود اصولها لفجر حركة التوسع الإستعماري الأوروبي. و فحواها وحدة مصير سكان القارة الإفريقية. و هي وحدة تتذرع بإتصال المكان الجغرافي الذي يجعل من القارة جزيرة مستقلة عن غيرها. و هي فرضية يكذبها التاريخ الإفريقي العامر بأمثلة حركات الشعوب الوافدة او الخارجة من ،و إلى، الأرض الإفريقية، سواء من ،و إلى، شرقي القارة عبر المحيط الهندي أو البحر الأحمر ،أو عبر سيناء ، او من شمالي القارة عبر البحر المتوسط.و الجاذبية السياسية لفكرة الوحدة الإفريقية ألهمت القوى السياسية المعنية بإفريقيا تطوير مفهوم وحدة المصير الإفريقي على أساس المعطيات العرقية لسكان القارة المعرّفة كأرض السود. و في القرن العشرين انتفعت حركات التحرر الإفريقية بمفهوم وحدة إفريقيا في تسويغ النضال المشترك ضد الإستعمار و الهيمنة الإمبريالية للأوروأمريكيين. و قد ساهمت ملابسات " الحرب الباردة" في تقعيد مفهوم الـكل أفريقانية [« بان افريكانيزم"]،بشكل حاسم كأداة تحررية ، ليس بالنسبة لشعوب القارة وحدها و إنما لمجمل المجموعات ذات الأصول الإفريقية التي تصنف كـ " دياسبورا" إفريقية في العالم الأوروأمريكي.
للإستزادة في سيرة الدياسبورا الإفريقية انظر الرابط

https://sudan-forall.org/sections/plasti ... usa02.html

للإستزادة في السيرة الكل أفريقانية انظر نصي" و يسألونك عن البان أفريقانية" على الرابط :

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... %ED%C9&sid
=c40dcd20001ddd450b91a3d81de6f20c

على اساس القناعة الرائجة بوحدة شعوب القارة الأفريقية، طوّر الأوروبيون اولا، ثم الأفارقة على أثرهم ، موضوعة إتصال ثقافة إفريقية ماثلة خارج التاريخ، ثقافة إفريقية قوامها الإتصال، على محاور الزمان و المكان الإفريقيين. و من بين الباحثين السودانيين يمثل الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين ، الباحث في تأريخ الفن في السودان و عميد كلية الفنون بالخرطوم في منتصف التسعينيات، يمثل ، بأدبه النقدي في مسألة الإستمرارية الثقافية في السودان ،كأحد أهم منظري " مدرسة الخرطوم" في السبعينيات.و للصديق الفنان عبدالله بولا تفاكير نقدية شيقة في إشكالية الإستمرارية الثقافية، طرحها في معرض تناوله لورقة عنوانها "فن السودان، البعد التربوي" قدمها الاستاذ أحمد الطيب زين العابدين ، في ندوة " مدرسة الدراسات الشرقية و الإفريقية بجامعة لندن" ضمن تظاهرة " إفريقيا 95 » حول موضوع: » الفنانون الأفارقة : المدرسة ، المرسم و المجتمع".
َAhmed T. Zenalabdin,Art of the Sudan, The Educational Dimension
يمكن مراجعة ورقة عبد الله بولا المعنونة :"ملاحظات منهجية نقدية من وحي السمبوزيوم : الفنانون الأفارقة، المدرسة ، المرسم و المجتمع" في عدد" جهنم" رقم 4 ـ [أكتوبر 1997]ـ و يا من تعزّ عليكم قراءة "جهنم"، هاكم هذا المقطع الطويل نسبيا من نص بولا :
"..
لعل الأطروحة الأطروحة الأساسية في مبحث أحمد النقدي هي أطروحة " الإستمرارية" في " الثقافة السودانية"، و من ثمّ في " الفن التشكيلي السوداني" القديم و المعاصر.و يقدم أحمد شواهد عديدة في سياق متماسك و متين من الإستشهادات على هذه الإستمرارية في مختلف الدراسات التي ظل يساهم بها بنشاط و دأب متميزين، في المناقشات الدائرة حول مشكلات الحركة الثقافية في السودان، منذ النصف الأول من السبعينيات و حتى اليوم، بيد أن أحمد يغفل تماما عمّا تنطوي عليه أطروحة "الإستمرارية" من مزالق و ما تستبطنه من دلالات إديولوجية و إجتماعية و معرفية ، ليس أقلها أن مقولة «  الإستمرارية » الغفل المطلقة ،كما هي عند أحمد، تنفي عن «  الثقافة السودانية »، التي يجتهد أحمد في إثبات أصالتها و تفرّدها،أهم عناصر أصالة و حيوية الثقافة :توتّرها الداخلي و احتشادها بعناصر الصراع و الحركة و النقد و التصادم و المواجهة إلخ، مما يمكن تسميته بجدلية القطع و التواصل في الثقافة الحية.أما «  الإستمرارية » الصمّاء فهي، فضلا عن أنها لا توجد في أي ثقافة واقعية و في أي واقع ثقافي، مهما بلغ الكيان الثقافي من الإنغلاق، أقول أن مثل هذه «  الإستمرارية » الغفل و الغافلة، إذا أمكن أن توجد أصلا، فستكون تعبيرا عن داء عضال اصاب الثقافة المعنية. و من المؤكد أنه ما من ثقافة تخلو من الأدواء و من مواضع الجمود و التصلّب في جسدها،لكن مواضع الجمود ليست خصائص أزلية لأي ثقافة حيّة. كما أنها ليست مدعاة للفخر في أفق مبحث أصيل في الإبداعية الثقافية. و لا يمكن بالطبع أن تتأسس الإبداعية الثقافية على مقولة تكرار إنتاج الذات الذي يخلو تماما من حالات القطع و المواجهة و النقض و الهدم فيما يسميه أحمد بـ «  الإستمرارية »ـ.

و توقع استمرارية أحمد الطيب زين العابدين صاحبها في شر أعماله الفكرية حين يستغني بها عن ضرورة التغيير في بنية مجتمع سوداني أزلي لا تطاله طوائل التاريخ.تاريخ تناقض المصالح بين الغبش الحفاة العراة الذين تملكوا مفاهيم حداثة التنوير في العدالة الإجتماعية و الشراكة في الخيرات المادية و الرمزية للمجتمع الإنساني، و سدنة رأس المال الذين خانوا مبادئ التنوير كونها لا ترعى امتيازاتهم المذنبة. و يعمل بولا بصيرته النقدية في استمرارية أحمد الطيب زين العابدين فيعرّي تشبيكها المفهومي مع قناعات " مدرسة الخرطوم" التي انحطت بها لمداهنة السلطة المتأسلمة في خريف نظام النميري.
يكتب بولا في هذا الصدد:
".. و ماتت مدرسة الخرطوم ايضا عندما انتهى دورها التاريخي و أعلن الجنرال جعفر نميري السودان دولة اسلامية تحكمها" شريعة الله"، و لم يعد النظام الحاكم بحاجة إلى "أصالة" ثقافية تراوغ الأفارقة " الوثنيين" و " النصارى" بإثبات حقهم تارة و محوه تارة من قائمة عناصر تعريف " أصالة" الهوية الثقافية الوطنية و الفن الذي" يستلهم روح الأمة و قيمها الخالدة". و أنشأ أعضاء مدرسة الخرطوم القديمة ما أسموه بـ " حركة الأصالة و المعاصرة" التي كان يفهم من خطابها أن " الأصالة" هي الإسلام و العروبة، بينما المعاصرة هي " الغرب" الأوروبي الأمريكي ، على مجه الحصر ، دون سائر أرجاء المعمورة. و هذه قسمة لها دلالات جمّة و عميقة مما لا يتسع له الحيز. و ماتت مدرسة الخرطوم مرة ثالثة عندما أمسك الغسلاميون بأعنة السلطة في السودان، و أنشأ بعض أعضائها القدامى[ العوام و عبد العال] للمرة الثالثة تيارا "جديدا"، سموه ، هذه المرة، إختصارا للوقت و الجهد" مدرسة الواحد"، و هي تورية و كناية مكشوفتان عن معنى " مدرسة الله". هذا هو الثمن المر لإديولوجية الإستمرارية الصمّاء الغافلة عن النقد.و هي نتيجة مؤسفة بحق لا أحسب أن أحدا من دعاة إديولوجيا الثوابت الثقافية المقدسة و الأزلية الأذكياء، مثل أحمد، كان يتمناها أو يتوقعها. ».. »ـ
يكتب أحمد عن " مؤسسي" مدرسة الخرطوم :
" أنهم لم يكونوا مهتمين بالحداثة باعتبارها حالة من العلاقة المتغيرة بالماضي و بالتقاليد، ففي الواقع كان فنانو السودان الرواد مهتمين بكل من التاريخ و التقاليد".أوافق أحمد على هذا التحليل تماما دون أن أشاركه النتائج التي رتبها عليه. فعندي أن الماضوية و النوستالجيا عنصران اساسيان في بنية إديولوجيا مدرسة الخرطوم العديدة الوجوه التي لا ترغب بالفعل في الذهاب بمنطق الحداثة إلى " نهاياته". بيد أن هذا ليس مراد أحمد، فأحمد يريد أن يزكّي بهذا القول مفهوم الإستمرارية الصمّاءو الوسطية المطمئنة فيضيف : »إن مجتمعهم مجتمع إستمرارية و عالمهم كان و لمّا يزل عالما لا يعرف القطيعة التامة بين العلم و الفن".و أنا في الواقع لا أعرف أين يوجد بالضبط المجتمع الذي يفصل فصلا قاطعا بين العلم و الفن.إلا أن هذه قصة أخرى.زبدة القول أن أحمد لا يوفر أي حجة ممكنة، بالحق و الباطل، لـ "يـثبت" أن الوسطية السعيدة بين " الحداثة المعقولة "و " المحافظة المتلبّكة بالهوية" هي قدر لا فكاك منه في مشهد" الثقافة السودانية" : هي خاصية بنيوية من خصائص المجتمع و الإنسان السودانيين.فنقع في ورقته على هذا التأكيد العجيب : » على خلاف المجتمعات الغربية التي تحتاج للإبداعية و التجديد باعتبارها عناصر مركوزة في بنية النظام الرأسمالي، فإنه لا يبدو لمثل هذه الضرورات من وجود في السودان.فلا أحد يستشعر أهمية مثل هذه المفاهيم"
"..Unlike the western societies which need creativity and innovation as inherent parts of the capitalist producion system, there seem to be no such necessities in the Sudan.No body feels the importance of such notions 
"
بعد ميتات "مدرسة الخرطوم" التي أحصاها بولا يظن القارئ البريئ أن سيرة مدرسة الخرطوم "إنحترت و انبترت" مع نهاية نظام النميري المتأسلم ، لكن القارئ" المُغْرض" الذي يتأمل في السيرة الجديدة التي أحيا بها صلاح حسن "مدرسة الخرطوم" الجديدة في مشهد المُعَولمة و، لا يملك إلا أن يستدعي النبي نوح ثلاثا ، لأن كمالا الخرطومية الكريستالية[ إقرأ : المفاهيمية]تمثل في هذا المشهد كـ "شاهد ملك" نسوي ضد هويولوجيا "مدرسة الخرطوم" الذكورية البائدة و ضد الهلام النظري اليساري لمفاهيمية الكريستالية في آن ، و الأجر على الله.


سأعود

…...........

حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

تخليص كمالا إلخ...

مشاركة بواسطة حسن موسى »



5 ـ
تخليص كمالا، إلخ..




خوارج "مدرسة الخرطوم"

واحدة من الصعوبات الأولية في مفهوم " مدرسة الخرطوم" هي انها ، كتأطير تأسيسي، تضيق عن استيعاب عدد مهم من الفنانين السودانيين الذين خرجوا على موجهات اللائحة الأيقونوغرافية التمازجية التي ثبتها ـ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ـ الصلحي و شبرين على محوري الخط العربي و ما سمّوه بالزخارف الإفريقية.و لا عجب،فمنطق الإستبعاد قدر يتربص بكل تأسيس يعرّف عليه المُؤَسّس حدود الفضاء الذي يشغله موضوع التأسيس. و رغم أن طبيعة البنية المفتوحة لـ "مدرسة الخرطوم" تجعلها تقبل كل من يرغب في الإنخراط في أسلوبها بدون شروط،إلا أننا شهدنا عددا من الفنانين ،من مجايلي فرسان "مدرسة الخرطوم" [الثلاثة؟]، يجهرون بنفي أي إنتماء لـ "مدرسة الخرطوم" ، و ذلك رغما عن كونهم درجوا على إحالة أعمالهم إلى مفهوم الهوية الخصوصية للسودان كبوتقة تمازج آفروعروبي. هذا الموقف المتمرد على الإحالة الاسلوبية لمدرسة الخرطوم نلمسه عند فنانين من شاكلة تاج السر أحمد و حسين شريف و عامر نور و محمد عمر خليل و محمد أحمد عبد الله أو الشايقي.

معظم هؤلاء الفنانين ،الذين هم من مجايلي صلحي و شبرين و كمالا، يتقاسمون قدر النفي الإختياري خارج السودان، فالنجومي و الشايقي و محمد أحمد عبد الله ابّارو استقروا في بريطانيا و حسين شريف عاش بين بريطانيا و مصر و تاج السر أحمد عاش بين يوغندا و كينيا و السعودية و الأردن بينما استقر كل من عامر نور و محمد عمر خليل في الولايات المتحدة. و ربما أدت بهم تجربة الإغتراب و مخالطة فنانين متنوعي المشارب الجمالية و السياسية لإتخاذ مسافة نظر نقدي من دعاوي التيار الهويولوجي الإستلهامي الذي انتفع به رهط "مدرسة الخرطوم" في التزلـّف للسلطات السياسية في عهد النميري.و قد تضافر التصنيف الإستبعادي الذي يهمل إدراج هؤلاء الفنانين في اسلوب "مدرسة الخرطوم"، مع توجس هؤلاء الفنانين العفوي من الإنخراط في "مدرسة الخرطوم "، تضافرا على صيانة مسافة من التحفـّظ المفهومي بينهم و رهط "مدرسة الخرطوم. و قد سمعت حسين شريف،في منتصف السبعينيات ،في اكثر من مناسبة، ينفي إنخراطه في "مدرسة الخرطوم"، أما شهادة تاج السر أحمد عن ظاهرة الكتابة على اللوحة، التي راجت بين عدد من الفنانين في السبعينيات، فهي تستحق التأمّل. قال تاج السر أحمد في معرض حديثه عن لوحته " المولد"[ 1961ـ1962]، التي يمزج فيها بين الرسم و الخط العربي :ـ
"..في الوكت داك كنت أوّل من كتب على كنفاص و الناس الباقين كلهم كانوا بيرسموا الـ "ستيل لايف" .بعد داك خلّيتها ، لكن الكتابة على الكنفاص بقت عادة لناس كتيرين، فكرة الكتابة على هامش اللوحة فيها شي من تقليد السجاد الإيراني".
و تنويه تاج السر بـ " الناس الباقين" الذين "كانوا بيرسموا الإستيل لايف" ينطوي على إتهام مبطّن، بالكاد، للصلحي ، غريمه في حلبة الرسم و صاحب القدح المعلّى في بناء "مدرسة الخرطوم" و الملون المعروف بمهاراته المدرسية في الرسم الواقعي. قال تاج السر أنه بعد أن انتهى من العمل في " المولد"عرضها في الكلية.:ـ
" لما انتهت عرضتها، صلحي كان موجود،يكون كرهني في اللحظة ديك ، لأنه أبدى إمتعاضه منها، و ما عجبته الكتابة و انتقدني بشكل عنيف ".
و يضيف تاج السر أحمد أن، "الكتابة على اللوحة بقت عملية استسهال للعمل الفني، في ناس كتار بيكتبوا على الورق بالحبر و بيكبّـُوا فيه الموية، ديل ناس ما بيعرفوا يركّبوا تصميم".."أنا ما كنت مهتم كتير بمسألة الكينونة في الرسم و لا أرسم قناع او غابة عشان اقول :أنا كدا او كدا.. » .
[مقابلة مع تاج السر بدارهم بالخرطوم،[17ـ 4 ـ 1981]ـأنظر « جهنم »رقم20،أبريل 2002ـ].

حين يصدر تصنيف ثلاثي "مدرسة الخرطوم" من قبل أشخاص غير ملمين بتاريخ الفن المعاصر في السودان، فذلك أمر مفهوم ،نسبة لندرة المعلومات حول تاريخ الفن المعاصر في السودان،. لكنه يستدعي التأمل حين يصدر عن باحثين و نقاد سودانيين تكاسلوا عن الإمساك بالتركيب المفهومي الذي يجلبه معارضو "مدرسة الخرطوم" لإشكالية الفن المعاصر في السودان.ذلك لأن التبسيط المخل الذي ادرك مفاهيم "مدرسة الخرطوم"، سطّح تضاريسها الفكرية الجمالية و جعلها مطية سهلة للمقلدين المستعجلين الذين اكتفوا باستنساخ آثار الصلحي و شبرين،و شرعنوا بالإستنساخ الأعمى إنخراطهم في"مدرسة الخرطوم". هذا المنهج في معالجة إشكالية التعبير الفني في السودان يغرق الباحثين في لجة سوء الفهم المجاني و يفاقم من عتمة الظاهرة الفنية في السودان.و مثلما غرّق المقلدون " مدرسة الخرطوم" في بحر الثرثرة الاسلوبية التي غمرت الساحة الفنية بمستنسخات أعمال الصلحي و شبرين، فقد غرّق نقاد "مدرسة الخرطوم" الأدب النقدي في ركام المفاهيم التبسيطية و العبارات الجاهزة التي تداهن مشاعر الهويولوجيا السودانوية السعيدة.

و "مدرسة خرطوم" « غرينلو"
لكن أي من التصانيف التي مرت بها" مدرسة الخرطوم" لا ينجو من الغرض السياسي الذي ينشده من يطلق التصنيف. مرة كتب الصلحي، في معرض مناقشة عن دور " غرينلو" في توجهات الفن السوداني، كتب أن هم "غرينلو " ،في " مدرسة التصميم"، "كان منصبا على شقنا العربي الإسلامي و ما كان يعير جانبنا الإفريقي أي إهتمام كان ، و كان له رغبة أكيدة في تأسيس المدرسة على نسق فلسفة إسلامية".."و كان كثير الإهتمام بفن المعمار و بسواكن بالذات . و كثيرا ما سمعته يردد قائلا :"إن العمارة هي أم كل الفنون "، و ذلك ما دعاه، منذ البداية، إلى الريط بين الفنون الجميلة و التطبيقية في المنهاج الدراسي الذي استمر عليه نظام الكلية حتى يومنا هذا.اهتم "غرينلو" كثيرا بتعريف طالب الفنون ببلده [ شمال السودان]، و لهذا وضع نظام الرحلات الدراسية الشتوية :شمالا إلى مروي و دنقلا و حلفا، و شرقا إلى كسلا و جبال البحر الأحمر و سواكن و طوكر، و غربا إلى الأبيض و جبال النوبة. هذا و لم يحظ جنوب البلاد بأي رحلة من تلك الرحلات الدراسية. و في السنة النهائية يذهب الطلبة في رحلة إلى مصر لزيارة آثارها الفرعونية و الإسلامية و القبطية."
[أنظر رسالة الصلحي بتاريخ20/11/2002،"جهنم" رقم 22، مارس 2003]ـ.
فإذا اعتبرنا أن مشروع " جان بيير غرينلو"، مؤسس التعليم الفني في السودان، لبناء "فن سوداني يستلهم الثقافة الإسلامية"، بمثابة النواة الأولى التي ألهمت تلاميذ " غرينلو" أن يفكروا في الفن باعتباره رافعة جمالية ذات منفعة في أفق الحركة السياسية الوطنية، يمكن القول بأن فكرة التمازج العربي الإفريقي، التي تبناها رواد " مدرسة الخرطوم" ، كانت خطوة " ثورية" من طرف تلاميذ " غرينلو" الذين رفعوا هوية التعدد في وجه الهوية الآحادية العربسلامية الظاهرة في مشروع "غرينلو". و لا عجب، فتلاميذ مدرسة " غرينلو"، الذين شبوا ضمن ملابسات الحركة الوطنية المعادية للإستعمار، هم أيضا ورثة تركة " السودنة"الإستعمارية التي وضعت بين أيديهم كيانا وطنيا ملغوما بالإنفصال في جنوب انهكته تجربة العزلة الإصطناعية التي صنعها" قانون المناطق المقفولة". و هو القانون الذي سنته الإدارة اللإستعمارية لوقف تأثير الثقافة العربية الإسلامية في جنوب السودان بمنع التداخل الطبيعي بين المجموعات العربية و المجموعات الزنجية.
"
في مذكرة صدرت في 14 مارس 1920 جاء (إن سياسة الحكومة هي الحفاظ على قدر الإمكان بجنوب السودان بعيداً عن التأثير الإسلامي ففيه يتم توظيف المآمير السود، وعندما يكون من الضروري إرسال كتيبة من المصريين فيختار الأقباط. وأصبح يوم الأحد هو يوم الإجازة بدلاً من يوم الجمعة كما في الشمال هذا بالإضافة إلى تشجيع المشاريع التبشيرية). وتواصل المذكرة: (ينبغي أن يوقر في الأذهان إمكانية فصل مناطق الجنوب الأسود من السودان عن مناطق الشمال (العربي) وربطه بتنظيم لأواسط أفريقيا) ـ "، [عن، مدثر عبد الرحيم (تطور الإدارة الإنجليزية في جنوب السودان)، صفحة 7.]ـ
".. »
2- في سبتمبر 1922 صدر قانون المناطق المقفولة، والذي بمقتضاه جعل الجنوب منطقة مقفولة لا يجوز دخولها أو الخروج منها إلا بإذن خاص من السلطات (وقد هدف هذا القانون إلى إبعاد الشماليين والمصريين من جنوب السودان وإستبدالهم بالأغاريق والسوريين المسيحيين، و تقليل أعداد الجنوبيين الراغبين في الإنتقال للعمل في الشمال. وصدر قانون آخر في سنة 1925 منع الشماليين من التجارة في الجنوب إلا بإذن خاص من السلطات) ـ دكتور حسن أحمد إبراهيم (تاريخ السودان الحديث) صفحة 138
أنظر الرابط
https://www.alfikra.org/chapter_view_a. ... pter_id=13

و قد بلغ التشدد الإستعماري ضد حضور السودانيين الشماليين في الجنوب أن "قانون المناطق المقفولة" حرّم على السوداني الشمالي" إنشاء المدارس في الجنوب إذا سمح له بالإقامة فيه. وإذا تزوج بامرأة جنوبية فلا يستطيع أخذ أطفاله عند عودته إلى شمال السودان..
".." بل أن ارتداء الأزياء العربية التقليدية كالجلباب والعمامة كان محظورا على الجنوبيين. هذه السياسة التي وصفها أنتوني سيلفستر بالأبارتيد الجنوبي تم التخلي عنها فجأة بعد الحرب العالمية الثانية أي بنهاية عام 1946. »
أنظر الرابط
https://ar.wikipedia.org/wiki/تاريخ_جنوب_السودان

في السياق السياسي لسودان "الحكم الثنائي الإنجليزي المصري"، لا يملك القارئ أن يتجاهل التساؤل عن دوافع " غرينلو" لتبني مشروع فن سوداني قوامه العروبة و الإسلام و لإهمال البعد الثقافي الذي تطرحه التقاليد السودانية غير العربسلامية.ترى هل كان "غرينلو "مجرد مستشرق و عاشق بريئ لتجليات الحضارة الإسلامية في السودان؟ أم هو مجرد إداري بريطاني هميم ينفذ سياسة الإدارة الإستعمارية في الفضاء الثقافي للسودانيين؟ أم هو " خاتف لونين" يجمع بين حب الإسلام و الإمتثال لتعليمات الإدارة الإستعمارية؟مندري؟ و ستين "مندري؟"، لكن تلاميذ "غرينلو" من رواد "مدرسة الخرطوم" في الستينيات، لم يلتزموا بتعاليمه في صدد تأسيس فن سوداني قوامه الحضارة الإسلامية وحدها لأنهم اعتنوا بالمحمول السوداني السابق لوصول الثقافة العربية. هذه الثورة المفهومية التي اجترحها رواد "مدرسة الخرطوم " على " غرينلو"،استاذهم "المحترم و المحبوب جدا"، ردت الإعتبار للتعددية الثقافية السودانية و حجّمت الثقافة العربسلامية لمجرد مكون مجاور للثقافات السودانيةالمحلية. و تحجيم محمول "غرينلو" الحضاري العربسلامي في فن "مدرسة الخرطوم"، تخلّق على قناعة بالقطيعة الجمالية التي صاحبت استقرار الثقافة العربسلامية في السودان.و نجد موضوعة القطيعة الجمالية عند أثنين من منظري " مدرسة الخرطوم" هما الدكتور أحمد الزين صغيرون و الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين.و الدكتور صغيرون هو أول من كتب في إشكالية تاريخ الفنون في السودان على زعم يحمّل الجماعات العربية التي استقرت في سودان وادي النيل الأوسط مسؤولية" تدهور الفن المسيحي في السودان".[ أنظر مجلة الخرطوم [ أبريل 1966 ].أما أحمد الطيب زين العابدين فهو ينوّه ، في نصوص الستينيات ،بفقر الميراث الفني في المجتمع السوداني التقليدي، و يرد الممارسة الفنية لظهور التربية الفنية الحديثة في مدارس عهد الإستعمار. يقول أحمد الطيب زين العابدين،:ـ "أما في السودان فإن أقدم المدارس عندنا هي الخلاوي و كتاتيب حفظ القرآن و هذه لا تبيح العمل الفني إلا عندما يفرغ التلميذ من حفظ أجزاء معينة من المصحف الشريف، فيباح له تزيين لوحه بالشرافة و هو زخرف تقليدي معروف لا يكاد يختلف على مر الأيام.أما الرسم و العمل الفني لذاته فلم تعرفه مدارسنا إلا عندما انشئت بخت الرضا عام 1934 كمركز تربوي و عهد إلى المستر قرينلو العناية بالمنهج الفني في المدارس الأولية". [" التربية الفنية في مدارسنا"،في مجلة "الخرطوم" ، منتصف الستينيات، و ليس في حوزتي تاريخ العدد حاليا فعفوكم حتى اضع يدي على أرشيفي].و لا عجب ان نظرة أحمد الطيب زين العابدين لموضوعة القطيعة في التقليد التشكيلي السوداني السابق لدخول العرب في السودان، قد ألهمته العكوف على مباحث التعبير الجمالي التي طرحها واقع التعدد الـثقافي في السودان، كما هو بائن في مبحثه الطويل عن موضوعات التعبير الجمالي في جنوب النيل الأزرق بمنطقة الأنقسنا.
و قد اشرت سابقا إلى أن إصرار منظري ثقافة الهجنة العربية الإفريقية في السودان ،[رهط "مدرسة الخرطوم" و "مدرسة الغابة و الصحراء"]، لاقى مباركة السلطات السياسية في عهد نظام النميري[ 1969ـ1985]،لأن هذا النظام وجد في نظرية هوية الهجنة العربية الإفريقية نوعا من ضمانة رمزية لوحدة وطنية أمل النظام فيها بعد "إتفاقية السلام بأديس أبابا" التي أنهت الحرب الأهلية الطويلة في الجنوب في مطلع السبعينيات. على قاعدة هذه الوحدة الوطنية الإفتراضية قوي تعويل النظام على إطلاق عجلة التنمية الإقتصادية التي كانت تبشر بتحويل السودان لما كان يعرف آنذاك بـ " سلة غذاء الشرق الأوسط".[ للإستزادة انظر نصي "شبهات حول الهوية،" المرجع السابق].و في مربط الهجنة الآفروعروبية لاقى شن طبقه، فصارت " مدرسة الخرطوم" عنوانا للفن السوداني الرسمي وأنعمت السلطات السياسية على سدنة " مدرسة الخرطوم" [ و على أخوانهم الكواشف" من سدنة " مدرسة الغابة و الصحراء"]بالأوسمة و الأنواط و منحتهم المناصب و حظتهم بالإمتيازات فأكلوا و شربوا و قشّوا خشومهم و صمتوا عن معارضة سلطات الإستبداد حتى عندما نقضت سلطات النميري الحلف الرمزي الذي رعته معهم في العهد الذهبي لهوية الهجنة الآفرو عروبية.

و " مدرسة الخرطوم" الإسلامية

و حين تجلّى الغول الإسلاموي في فضاء التشكيل في شكل" مدرسة الواحد" [ عبد العال و العوام و راشد دياب ..] كانت مدرسة الخرطوم" قد تأسلمت و هوت في أسفل درك الإنتهاز السياسي السحيق .و قد تيسّر إمتهان " مدرسة الخرطوم"، على يد بعض سدنتها الإنتهازيين الذين توسلوا بها للصعود على أكتاف الصلحي، و أنا أسمي الصلحي على وجه الخصوص لأنه صاحب الإمتياز الجمالي و السياسي الذي جعل من مدرسة الخرطوم عنوانا لفن الهجنة السودانية،و في هذا المشهد، مشهد الإنمساخ الإسلاموي لـ "مدرسة الخرطوم"، أفرز الصلحي من أحمد شبرين كون الأخير كان في طليعة من عبدوا الطريق لحواريي "مدرسة الخرطوم" ليزوغوا بها في شعاب أيديولوجيا البتروإسلام في مطلع ثمانينيات نظام النميري. و بالتحديد في مناسبة الإحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري في السودان، التي كان شبرين عرّابها الجمالي في سودان الأخوان المسلمين.
"..و عندما تبدلت سياسات دولة النميري، في النصف الثاني من السبعينيات، أثر الأزمة الإقتصادية العالمية وبعد إنصياع النظام للتوجيهات السياسية الصادرة عن حلفاء جدد إقليميين و دوليين، بدأ التخلي عن شعار " الوحدة من خلال التعدد"لصالح إعلاء الثقافة العربية الإسلامية و محاولة فرض التشريعات الإسلامية على جملة أعراق السودان بما فيهم غير المسلمين.في تلك الفترة برزت ظواهر دينية جديدة في فضاء التشكيل الذي كانت تسكنه "مدرسة الخرطوم".و ظهر تيار سمى نفسه" مدرسة الواحد" ، قاده أحمد عبد العال الحائز على "وسام الإستحقاق" من رئاسة الجمهورية و ابراهيم العوام و آخرون من حواريي "مدرسة الخرطوم" سابقا.و صدر بيان المدرسة الجديدة بمزاعم تجاوز " مدرسة الخرطوم" في نبرة أدبية تداهن العواطف الدينية للجمهور و تطمئن السلطات السياسية العائدة لحظيرة الدين، على تماهي النوايا السياسية للمدرسة الجديدة مع "النهج الإسلامي" للنظام. ـ و في مارس 1981 نظم شبرين ،مع كوكبة أعيان " مدرسة الخرطوم" السابقين [ رباح، كمالا، أحمد عبد العال و العوام و غيرهم]، نظموا تظاهرة تشكيلية كبيرة عرفت بـ"معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية"بمناسبة الإحتفال بالقرن الهجري الخامس عشر .تم تنظيم المعرض التشكيلي الكبير الذي افتتح في " قاعة الصداقة" على نفقة " منظمة الدعوة الإسلامية" و أشرف عليه المجلس الأعلى للشئون الدينية و الأوقاف.كان هذا المعرض بمثابة مقدمة للتسونامي الإسلاموي الذي سيغمر المجتمع السوداني بجاه البترودولار.و قد كتب أحمد شبرين، أمين لجنة " معرض المخطوطات و الجماليات الإسلامية" في منشور المعرض :ـ
"إن هذا المعرض يعتبر مقدمة متعجلة لنشاط مستقبلي واسع يمكن له التخطيط ليؤسس للمتحف الإسلامي و المكتبة الإسلامية في السودان". و بعدها بأشهر وجّه الرئيس نميري بتكوين لجان لتعديل الدستور و القوانين على هدي الشريعة الإسلامية و أشهرت "محاكم العدالة الناجزة" سيف الحدود الشرعية كوسيلة سياسية في يد النظام غايتها إرهاب الشعب و التنكيل بالخصوم السياسيين للنظام.في تلك الظروف انهار صرح الوحدة الوطنية الهش الذي كان يعتمد على إتفاقية أديس أبابا و اندلعت الحرب الأهلية في الجنوب في 1983بعد إعلان "قوانين سبتمبر"ـ


للإستزادة في موضوع رعاة الفن الإسلامي المعاصر ،أنظر نصي " صورة الأمة" في خيط " جنازة الخط ، ميلاد الكتابة " على الرابط

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... postorder=
asc&start=0&sid=1ff1c9ccc212f
4d8283359c6042d2e13

و للإستزادة في سيرة " مدرسة الخرطوم" أنظر الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... b74c84ec98


حواريو "مدرسة الخرطوم" الذين غرروا بها في شعاب آيديولوجيا البتروإسلام نفذوا من ثغرة التسيب المنهجي الذي ميز البنية النظرية لـ "مدرسة الخرطوم " منذ البداية ، ذلك لأن "مدرسة الخرطوم" كانت ـ و ما زالت ـ عاطلة عن أي جهد نظري يحصنها من أمراض الإنتحال المفاهيمي.فالصلحي و شبرين اكتفوا بالنظر الحاني لتلاميذهم العاكفين على نسخ لقياتهم التشكيلية طيلة الفترة بين ستينيات و سبعينيات القرن العشرين، ربما لأن جاذبية تكبير كوم الـ"مدرسة" كان، آنذاك، أهم عندهم من تقويم عمل تلاميذهم بوسيلة التربية النقدية. و من جهة أخرى صمت هؤلاء الرسامون الرواد الفصحاء [للصلحي و شبرين مواهب أدبية مشهودة]، صمتوا عن الكلام النظري في تفاصيل العناصر الجمالية في الفن العربي أو في الفن الإفريقي، مثلما صمتوا عن الكلام في فلسفة التمازج الحضاري العربي الإفريقي في الفن السوداني.و لو فحصنا " مدرسة الخرطوم" من منظور الأدب النقدي الذي لا تستغني عنه أي مدرسة أو تيار يزعم استشراف آفاق المستقبل الجمالي للمجتمع، فالنصوص التنظيرية عند أعمدة الأدب النقدي الذي صاحب صعود " مدرسة الخرطوم" في الستينيات و السبعينيات ، مثل الدكتور أحمد الزين صغيرون و الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين، لا تتعدى حد إعلان النوايا الطيبة و الشعارات الهتافية عن الفن السوداني كتعبير عن الهوية التمازجية العرب أفريقية.و حتى لو نظرنا ناحية أدباء "مدرسة الغابة و الصحراء" الذين زعموا أنهم يحقنون الدم الإفريقي في البلاغة العربية، و كلهم أكاديميون متبحرون في الأدب و عارفون بأكثر من لغة، فمن المتعذر أن نعثر، بين اضابيرهم الأدبية، على مبحث مهم في ذلك المحمول البلاغي الإفريقي أو حتى في آداب الجماعات الإفريقية السودانية .
و في البيان التأسيسي الذي اصدرته " مدرسة الواحد" يؤاخذ كاتبو البيان مدرسة الخرطوم على غياب الوضوح النظري .
"
يرى الفنانون التشكيليون الموقعون على هذا البيان أن لا قيمة لإبداع فني بغير مدلول حضاري، و من هنا فإنهم يرتبطون بالتراث العربي الإسلامي. تراث آخر حضارة أسسها الناس على رسالة إلهية. لكنهم يستمدون من هذا التراث، لا بوصفه مستودعا لإنجازات ماض، و إنما بوصفه كائنا حيا شأنه شأن الأحياء في القوة و الضعف، مستبطنين امكاناته التي لا نفاد لها. و ناظرين له بعين الإجلال و العرفان و التمحيص و الإفادة.
".. »
إن الحركة التشكيلية السودانية المعاصرة ظلت تراوح طيلة نصف قرن حول تأكيد هذه المعاني، و إن اختلفت درجات الوضوح في فتراتها، و أن تفاوتت أعماق المساهمات الفردية في مسارها.و ضمن هذا التوجه ظهرت "مدرسة الخرطوم" كملمح حضاري و تاريخي تأكد من خلال العديد من الفنانين السودانيين و لكن دون وضوح نظري كاف.
"
هذا الوضوح النظري يتأكد ـ كوضوح سياسي ـ في بيان "مدرسة الواحد"[ 1990] في إلحاق الفن بالمؤسسة السياسية الإسلامية التي صارت تحكم البلاد منذ 1989.و هو البيان الذي صاغه عبد العال ووقعّ عليه بتاريخ 5/2/1990
الأساتذة : أحمد عبد العال، إبراهيم محمد العوّام،محمد حسين الفكي، محمد عبد الله عتيبي، أحمد حامد العربي، راشد دياب. و يختتم البيان بـ"
"و يستيقن فنانو" مدرسة الواحد" بعد ذلك كله، بوحدة الوجود الإنساني التي تجعل من إبداعهم المتفرد إضافة منتظرة لتراث الإنسانية في ذات التوجه الرسالي الذي لم ينقطع لحضارة الإسلام. »

و غني عن القول أن مطلع التسعينيات كان من أشد سنوات نظام الإسلاميين قبحا حيث كان المعارضون ـ و بينهم مئات المبدعين ـ يتعرضون للملاحقة و الفصل التعسفي و الإعتقال و التعذيب في " بيوت الأشباح" بينما تواصل قوات حكومة الإسلاميين و ميليشياتها حروب الإبادة و تقتيل المواطنين في الجنوب و الغرب و الشرق.





كل هذا الأدب يردنا إلى واقع محزن فحواه قلة حيلة الفنانين في وجه سلطات الإستبداد.و قلة حيلة الفنانين في وجه الرعاة المستبدين ترمي بالفنان السوداني[ و غير السوداني] في مواجهة خيارين أولهما حار و ثانيهما لا يُنكوى به. فهو حتى إن امتثل و مالأ سلطات الإستبداد فلا شيئ يضمن له حدا أدنى من الأمن الرمزي يواصل فيه خلقه ، ذلك لأن السلطان الجاهل، الذي لا يثق بالفنانين اصلا، يملك أن ينقلب عليه في أي لحظة و يمرمطه في نزوة جنونية بلا مقدمات[و أسألوا الصلحي عن تجربته المريرة مع نظام النميري و كمان أسألوا كمالا "ظااااتها" عن اسباب تركها لكلية الفنون].أما إن اختار الفنان المعارضة فغضب السلطان الجاهل سيؤدي به في ذلك " التوج" المظلم الرهيب الذي يبدع فيه زبانية السلطان اصنافا من فنون القهر و الإذلال في حق المعارضين.مرة في منتدى للفن السوداني انعقد بالشارقة عام 2016 علق أحد الأصدقاء الأماراتيين على الحضور الكثيف لعدد كبير من الفنانين و المبدعين السودانيين في الأمارات، و صرّح بنبرة ساخرة :شكرا للرئيس عمر البشير كونه جعل كل هؤلاء المبدعين السودانيين يهجرون السودان ليستقروا في دولة الآمارات.
هل يعني هذا أن دولة الأمارات هي جنة الله في أرض الفن؟ لا طبعا، لأن دولة الأمارات ليست إستثناءا بين أنظمة الإستبداد المهيمنة في مجتمعات الشرق الأوسط ،و الفنان فيها لا يتمتع برصيد ثقة يفوق ارصدة الثقة التي يتمتع بها الفنانون في بلدان الشرق الأوسط الأخرى .كل ما في الأمر هو أن لائحة ضبط الفن المعارض للسلطات تعمل بأسلوب مغاير في دولة الأمارات عما في غيرها من بلاد الله الواسعة و لله في خلقه شؤون.و لو تسنى لي براح بذلت لكم بعضا من سيرة ضبط المبدعين في بلاد الرعاة النفطيين و شركائهم و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..

سأعود
ـ
أضف رد جديد