محمدية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

محمدية

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

صورة
[ظل يحاول الإبتسام للآخر حتى اللحظات الأخيرة، برغم مما يعانى.ووجوه من حوله من المؤازرين يكسوها الحزن.]**



لم تتح لي فرصة للحظوة بصداقة أو معرفة لصيقة بالموسيقار محمدية على المستوى الشخصى. ولكن لقاءات قليلة به ومواقف، تركت ذكريات لا تنسى.

فى إجازتى سألت الصديق شرحبيل عن الموسيقار محمدية وكنت قد لاحظت غيابه وسمعت ما أشيع عن علة أصابته وعزلة ضربها حول نفسه. قال شرحبيل أنه زاره قبل أيام وأكد على ما قيل عن إنزوائه وعدم قابليته للزيارات. وأنه رحب بزيارة شرحبيل، فبينهما علاقة يطول تاريخها.(روى شرحبيل أنه بدأ مشواره الفنى عازفا للكمان وزميلا لمحمدية فى الفرقة الموسيقية.) وذلك بعد أن قدم محمدية من مدينة " الثغر " كما يسميها محبيها وعارفى أهميتها و فضلها على البلاد. هناك عرف الناس وقتها عازف الكمان والحلاق الشهيرعبدالجبار" جبرة " ومطربى المدينة صالح الضى وصالح حلمى وآخرين. وبالإضافة إلى الموسيقى عرف الناس محمدية كلاعب لكرة القدم لفترة قصيرة.

فى ثمانيات القرن الماضى ونحن حيث نقيم فى مدينه " مانشستر" تشرفنا بزيارة الفنان
عبدالقادر سالم والموسيقار محمدية قائدا للفرقة الموسيقية. أقامو معنا أياما فى الشقة التى
سكنتها مع أصدقاء آخرين. وكنا مبعوثى دراسات عليا و " عزابة ". لم يكن عدد السودانيين كبيرا. بعض المبعوثين أفرادا و البعض بأسرهم و أطباء متفرقون حول المدينة. وقليل من الأفراد المقيمين والعاملين فى أنحاء متفرقة. كان كثير من هولاء لا ينقطعون
عن زياراتانا والأنس مع ضيوفنا. قبل قدومهم إجتهدنا كما جرت العادة فى إعداد المكان بالشكل الذى يليق بهم، ومد لنا أصدقائنا من أصحاب الأسر العون اللاّزم وشاركونا كما جرت العادة أيضا.

فى تلك الليلة وبعد أن تحلقنا حولهم ( عبدالقادر وشقيقه العازف وبقية العازفين) بادر
أحد الأصدقاء الفنان عبدالقادر بسؤاله :
" أها يا إخوانا تشربو شنو؟ والأكل جاهز. تاكلو هسى وللآ بعدين.؟
أجاب عبدالقادر والذى لا بد أنه قد إعتاد مثل هذه الأسئلة :
" أملو لينا الترامس شاي ".
لم يقنع صديقنا، فسأل: " ما بتشربو حاجة تانى. " ؟ّ!
فاجأنا جميعا عبدالقادر سالم برده:
" أنا وأخوي عادل وأعضاء فرقتى كلنا ما بنشرب وبترامس الشاي بنتونس تمام."!

فى تلك اللحظة كان الموسيقار محمدية يستريح فى غرفة عليا. تلفتنا إلى بعضنا البعض
وهمس أحد الأصدقاء:
" محمدية ده كيف؟ " - كما يبدو أنه سؤال لا يحتاج لمشورة عبدالقادر سالم.!


وعلامات الإستفهام معلقة فى فضاء الصالون وقف محمدية فى منتصف السلم ينادى:
" المصلاية " وين يا إخوانا ؟
إلتفتنا لنجد عبدالقادر يقول مبتسما " أدوه المصلاية وأقعدو محمدية حيطول فوق."!

نزل محمدية بعد فترة من " علاهو الفوق " وإنضم فى هدوء لمجلس أنسنا مشاركا.

كانت تقاليدنا عندما يزورنا فنان مغنى أو موسيقار وبعد أن يؤدى ما تعاقد عليه
من حفل، أن لا نطالبه بأعباء مواصلة للغناء، أو حفل " قعدة " " ملح ".! إلاّ إذا نبع ذلك من رغبة أبداها الفنان ونتيجة لظرف هيأته المناسبة. كان ذلك المناخ يتيح لنا معارفا وعلما وأيضا معرفة بشخص الفنان الإنسان.
وأحيانا كان اللقاء يتحول بعفوية إلى منتدى حول الأغنية السودانية وموسيقاها خاصة وقد كان ضمن أولئك الأصدقاء الحضور الدكتور على نورالجليل الطبيب والموسيقار.
( كان صديقنا على يعيب على ألأغنية السودانية - وسط السودان العربية- طولها وإعتمادها على الكلمات ومعانيها - فى تقديره. وفى مثل تلك المناسبات كان يحضر أيضا من لندن الراحل الفنان المصور وعاشق الموسيقى ،عوض أبوالجاز.) فى تلك الليلة وبحضور محمدية كان ذلك محور الأنس والمناقشة.

عرفت ليلتها محمدية المثقف، اللّبق والمهذب ذى الطرفة والمستمع المتواضع.
ونحن نودع محمدية مغادرا مبكرا، سألته عن أكثر الفنانين الذين يرتاح لمرافقتهم على المسرح وهم يؤدون حفلاتهم.؟
أجاب فى هدوء ويقين وبأختصار:
" الفنان سيد خليفة، لأنه يستطيع أن يقرأ مزاج الجمهور."


بعد سنوات من تلك الزيارة حضر عبدالقادر سالم إلى مدينة لندن بعد جولة فى أوروبا. لم نكن على علم بتواجدهم ولكنه إتصل للتحية والسلام قبل مغادرته عائدا للسودان.
صادف ذلك أننا كنا نعد للإحتفال السنوى بيوم السودان كما ظلت " رابطة الطلاب " تحتفل كل عام وكان قد تبقى لموعد الإحتفال يوم واحد. شكرنا الفنان عبدالقادر على الإتصال ، وسألنا بدوره عن الأحوال والأصدقاء بمانشستر، فذكرنا له أننا سنحتفل غدا الجمعة بيوم السودان والذى كنا نجعل منه إحتفالا ب " 21 أكتوبر". و تمنينا لو أنهم كانو فى فسحة من الوقت وقرب فى المكان منا. وأن لوكنا فى سعة من ذات اليد ومهلة، فكم كانت تسعدنا مشاركتهم. ظننا أن المسألة تنتهى هنا فإذا به يقول أنه ومحمدية الذى يجلس معه الآن ويسمع، على إستعداد ورغبة أن يشاركونا هذه المناسبة. كلما يرجونه هو توفير المواصلات لهم وليست لديهم أي شروط أخرى.

كانت فرحتنا كبيرة أن يكونو ضيوف شرف لإحتفالنا.
أضاف حضورهم ومشاركتهم طعما خاصا لإحتفالنا وتقديرا من الحضور.
إتفقنا فى تلك الأمسية أن نقوم بتنظيم حفل يحيوه عشية اليوم التالى، ندعو له من نستطيع على أن يكون عائده المادى من نصيبهم كرد للجميل وتعبير عن التضامن.

كانت مغامرة نبيلة الهدف، وليس فى الوقت متسع. فالمسألة كلها " فى كف عفريت "!.
على عجل وفى زمن قياسى نجحنا فى حجز قاعة جامعية من أجمل وأرقى القاعات.
توفرت لها كل الشروط من مسرح وأجهزة صوت ومدرجات مما يرجوه مغنى وعازفون.
وزعنا مهمة توصيل المعلومات على الأفراد. وكانت الوسائل وقتها التلفون الثابت و" كلام الخشم"!* باللقاء المباشر. وفى أحسن الأحوال ملصقات تعد وتصمم باليد وتنسخ على آلة الطباعة. لم يكن الكمبيوتر والإيميل متاحا بالرغم من أننا نعيش فى مدينة هي الأم التى أنجبت أول كمبيوتر فى العالم.!

فى ليلة الحفل ونحن فى الصالة والقلوب فى الأيادى والعيون تنادى، كنا نمنى النفس بما يستر حالنا مع ضيوفنا.
مضت ساعة، ثم ساعتين، بعد موعد إعلاننا بداية الحفل وعدد الحضور يعد بأصابع اليد.
بدأ الإضطراب علينا وقيل " البشتنة ".! توزعنا على صناديق التلفونات و الجيوب تحمل " الفكة " من العملات المعدنية، نُذكِر ونستجدى من إستجاب للمحادثات أن يهبو للنجدة.
لم يكن " الموبايل " حتى فى الخيال. كنا ما زلنا فى مرحلة ما تحقق من نبوءة الشيخ فرح ود تكتوك، "الكلام بالخيوت/ط ".!

طيلة تلك الفترة كان عبدالقادر سالم ومحمدية والعازفيين يجلسون فى الغرفة
الخلفية المجاورة للمسرح . تفادينا قدر الإمكان الصعود إلى ذلك المكان ومواجهتهم بما يخيب الآمال.!
إبتدأ عدد الحضور يزيد قليلا، فردا، فردا. لم يتقاطرو جماعات كما كان العشم.

حان وقت كان لابد من مواجهة الأمر والمكاشفة. فقد بذلنا ما فى وسعنا وكنا على إستعداد أن نعتذر للحضور ونلغى الحفل إذا شاء الفنان عبدالقادر والعازفين. فقد بلغ منا الحرج مبلغه.
لحظات من تجميع الأفكار تقدمت بعدها لأقف قبالة عبدالقادر ومحمدية.
كانو يجلسون فى هدوء يشوبه ترقب من هم فى الإنتظار فى عيادة الطبيب.!
لم أكن أنا الطبيب حين إقتربت منهم، فقد كان " حالى ظاهر ".! لم يدعنى محمدية أكمل شرحا للأمر فبادرنى قائلا فى ثقة مطمئنة:

" فى القاعة لو فى زول واحد قاعد نحنا حنطلع المسرح "! وأردف عبدالقادر سالم على
الفور مؤكدا. عدت بعدها لبقية الأصدقاء المنظِمين أنقل لهم ما ذكر محمدية وقد بدت
على وجوههم الدهشة وما يشبه عدم التصديق. أعقب ذلك شعور بالإمتنان والتقدير.
كان لذلك الموقف أثره الكبير على كل الحضور. زاد من تقديرهم وإحترامهم للفرقة.
وفوق كل، فى تلك الليلة عرف الجميع محمدية الإنسان. وكانت المفاجأة أن أعلن كل فرد
من الحضور دفع قيمة تذكرة أخرى تبرعا، وكانت قد سبقتها تبرعات حتى من بعض الذين لم يتمكنو من الحضور.!
إعتلت الفرقة المسرح وأمسك عبدالقادر بالمايكرفون محييا الحضور الذى صار عدده بضع عشرات.
جلس محمدية ممسكا بآلة الكمان وكانت الإبتسامة التى تبدو على وجهه كافية أن
تبعث الطمأنينة فى القلوب. وما أن " دقت المزيكة " حتى نهض جميع الحاضرين وهجرو مقاعدهم وتجمعو أمام المسرح ما بين ملوح ومصفق وراقص، وقد إطمأنو أن " الدنيا ما زالت بخير ".! وعلى إتساعها إمتلأت القاعة بالفرح. زغرودة من هنا وزغرودة من هناك،
وأخرى من كمان محمدية.!

غنى عبدالقادر بمحبة وهو يجوب أركان المسرح فى خفة ونشاط. ثم إنضم إلى الجمهور يغنى وسطهم وصار الكل كورساً.

إحتضن محمدية آلة الكمان،غازلها، أضحكها، ثم أبكاها. ولما طال بكائها " كلْكلها " فعادت تضحك.!
عزف مع عبدالقادر كتوأم له ولفرقته، وعزف منفردا كفرقة لوحده.

رحل عنا ولكنه ترك لنا مثالا يحتذى من الخلق والأدب. ومن التفانى والتجويد والإبداع.
كما ترك صدقة جارية من تسجيلات لإبداعه وعلم تنتفع به عقول الدارسين وغذاءا للروح لمن شاء.


** ( شكرا يا عادل عثمان على مناولة الصورة، والشكر موصول للمصدر. )
عادل عثمان
مشاركات: 845
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:14 pm
مكان: المملكة المتحدة
اتصال:

مشاركة بواسطة عادل عثمان »

رحم الله الموسيقار المبدع محمدية ورحم الله من رحلوا في هذه الصورة


صورة
There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
Mark Twain
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

شكرا يا عادل على الصورة.

وفى تقديرى أن الواقف خلف عبدالقادر وعلى جهة كتفه الأيمن هو أخيه عادل.
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

يا أحمد هيجت الذكريات الجميلة وأيام ليدز التي لاتنسى
عند زيارة عبدالقادر لكم جاءنا في ليدز ومعه محمدية وعدد من العازفين وتقاسمناهم بيني وبين عبدالله سعد فكان نصيب عبدالله عبدالقادر بينما نصيبي محمدية وعبيد قفيلة عازف الإيقاع وآخرين، وكانت لنا ليلة عظيمة وبت الخليفة أبدعت في الطعام، وهم أبدعوا في نادي الوست إنديز بجبيل تاون حتى أنه لم يبقى خواجة ولا افريقي ولا ويسن إنديان جالسا على كرسيه. وكانت تلك المرة الثانية التي التقي محمدية وجها لوجه فقد التقيته من قبل في زواجي حيث كان ضمن العازفين الذين تبرعوا للعزف مجانا مع وردي (كان ذلك بتنسيق من الفنان علي ميرغني وصديقي عبد العزيز عازف الأوكرديون). ثم ألتقينا بعد ذلك عدة مرات في زياراته للندن. وسمعت عنه حكاوي في مجالس ضمت فنانين ومحبين للموسيقى وجميعهم اتفقوا على حسن اخلاقه وثقافته.
أذكر تماما متى لفت نظري أول مرة وهو يصاحب الكابلي في رائعتيه كيف يهون ويا ضنين الوعد وعندما ابديت اعجابي بعزفه قال لي صديق عظيم هو شنبول عبدالقادر (له التحايا والأشواق أينما كان) أن هذا عازف من بورتسودان إكتشفه وردي عند زيارته للمدينة!!
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

سلام يا صدقى، وشكرا على الإضافة التوثيقية الهامة.

كنت آمل فى الحصول على صورة لتلك المناسبة قبل أن أعود لشكرك ولكن لم ينجح بحثى.
أذكر تماما حيثيات حفلتكم رغم عدم حضورى. وذلك لأن بعض الأسر والأفراد من مدينتنا شاركوكم ليلتكم
وعادو ببعض التسجيلات. بعضهم لأنهم لم يحضرو حفل مانشستر والبعض الآخر حضر طلبا للمزيد.!
كان من ضمنهم دكتور بقادى وأسرته.
أضف رد جديد