الشَّجى والذكرى: حاشية على رحيل محمد عثمان وردي...

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

الشَّجى والذكرى: حاشية على رحيل محمد عثمان وردي...

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

الشَّجى والذكرى: حاشية على رحيل محمد عثمان وردي...



إلى الصديقين: عادل القصاص وموسى أحمد مِرَوِّح؛ ثم إلى كلِّ من كان بهم مَسِيسٌ من محمد عثمان وردي!



جرّبتَ هواهم وقليبي انكوى (بنات)
جرّبت هواهم وقيلبي انكوى (بنات)
جربت هواهم وقليبي انـ...[ويتدخّلُ ورديُّ بالصّوتِ الصَّبَاحيِّ الشَّرُوقْ] كوى تاريهم جاروا جاروا ما صانوا الهوى/تاريهم جاروا جاروا ما صانوا الهوى...

كان المُغنّى، وأظنَّ أن اسمه كان "كُشَّيْبْ"، بالحلّةِ الجديدةِ بكوستي ببيوتِ طينها العتيقةِ ورائحةِ عشبِ الخريفِ الجّديدِ النّامي على حوافِّ خيرانها التُّرابيّةِ الصغيرة المحفورة، طوليَّاً وبموازاة عتبات مَداخلِ البيوت من عِنْدَ كُلِّ جانبٍ من طرفي الشارع، كَرَمَاً من هيئةِ البلديّةِ الوطنيّةِ- أيّامَ كانت وطنيَّة، يَتَتَرْتَعُ سُكْرَاً- سُكْرَاً مُتَلَمِّظَ اللِّسَانِ بشَهْوَةِ نباتِ البَنَاتِ الأخضرِ النَّيْ؛ خيزران البناتِ الطّويلاتِ الدّاكناتِ بالخُضْرَةِ والحِنَّاءْ- فيما تهبُّ، شِرُوقَاً وليس "سَحَرَاً فِيْنَا" (يا نابُلْسِيْ!)، روائحُ بَناتِ الصُّبْحِيَّةِ وأُنْسَهُنَّ الهامسَ بالصّباباتِ العزيزةِ- الصَّغيرةِ في صيوانِ عرس أزهري نايل، الممرّض الإجتماعيّ الحبَّوب باسْبِتَالِيَةِ كوستي المُتهالكة بالقِدم وروائح أنفاس المرضى المجروحة بكلِّ عِلَلِ وتواريخِ آفاتِ مزارعي النّيل الأبيض الصّحيّة الزّاكمة لانوفِ الأصحّاءِ السِّمان المتأفِّفِيْنَ من اهلِ عوائِلِ المدينةِ من ذوي "المَصَارينِ البيضاء". مُنْذُ ما قبلِ مذبحةِ عنبرِ جودةِ "الوَطنيَّة".

تلكُمُو كانت صُورةُ ذكرى أوّلِ مجابهةٍ عاطفيّةٍ عنيفةٍ لي بأوّلِ أغنيةٍ أسمعُهَا للنُّوبيِّ الرّاحلِ مُحمّد عثمان وردي وأنا في زمانٍ لا أذكُرُهُ الآنَ فيما بينَ طينِ وغيمِ أيَّامِ مدرسة كوستي الثانويّة رقم 4 (المُسمَّاة، قديمَاً وتَحبُّبَاً، باسم "مدرسة جَبَور*") وطينِ وغيمِ ما قبلَ دخولي إلى مدرسة كوستي الأهليّة الوُسطى (نعم، كانت ماتزالُ، آنذاكَ، "وُسْطَى"!).

لهُ اللّحنُ وصلاةُ الشَّجى الخاطفِ الآنِيِّ القديمِ والحاضرِ، كذلكَ، كَشَلْعِ البَرْقِ، شَحَّةً فَشَحَّةً، والشَّحَّةُ الأخيرةُ التي (بحسب لَذْعَةٍ من "صحوِ" كلمات النّور عثمان أبَّكر- بتحريفٍ صديقْ) "تُحيلُ وهلةَ المنونِ وهلتين**" بقدرِ ما فَتَحَنَا- بكلمتَين- على الشجى والشّذى العاصف المُهْلِكَ البَهْجَةُ مُنْذُ عهُودِ "أَلَسْتُ" الغنائيّة الموسومة بتطريباتٍ مُرتاحاتٍ وماهلاتٍ من على هيئةِ "بشُوف في شخصك أحلامي ["جمال الدُّنيا"]" والخصيبات من "تَالاهَا" (كَمَثَلاً: "مافي داعي تقول لي ما في داعي/يا الربيع في عطرو دافي[م. ع. كَجَرَايْ]؛ "مرحباً يا شوقَ أغمرني شجوناً والتياعا ووداعا......."؛ "......... يا شوقُ مالكَ دعني/أما كفاكَ عذابي/لقد شربتَ دموعي/أما سئمتَ شرابي؟"؛ "واللهيب البكوي في رُوحي في ذاتي هوَّ إنتَ"؛ "في لحظة عابره بلا كلام قلبي الغريب بالهم نزفْ!".......) وحتّى أزمنة الخروجِ السياسيِّ الأخير الكبير ("الأكتوبريّات" و"الأبريليّات" وما بعد "الأكتوبريَّات" و"الأبريليَّات": الإحتجاجات ضدَّ فَجْعَةِ نَكباتِ "برامكة" السُّودان الطّرُوبينَ بالهوسِ الظّلاميِّ الكبيرِ ذي الفضيلةِ الباهتةِ أبداً إلى يومِ ما أسموهُ- هُمْ- "الدّين" و"القِيَامَةْ"!).

لهُ- لِلوَرْدِيِّ- اللّحنُ وصلاةُ الشَّجى الخاطفِ الآنِيِّ القديمِ والحاضرِ، كذلكَ، كَشَلْعِ البَرْقِ، شَحَّةً فَشَحَّةً، والشَّحَّةُ الأخيرةُ التي (بحسب لَذْعَةٍ من "صحوِ" كلمات النّور عثمان أبَّكر- بتحريفٍ صديقْ) "تُحيلُ وهلةَ المنونِ وهلتين".



[align=left]الأحد 26 فبراير 2012م
إبراهيم جعفر



حاشية:


* المدير والمؤسس- الأب لتلكَ المدرسة العريقة، العتيقة...
** من نسج "الشَّاعر الذي يُغنّي الذاتَ والحضارة"، النّور عثمان أبَّكَرْ، الذي يبدأَهُ، في صحو الكلمات المنسيَّة، بـ"يا جدولاغنائِنَا العميقِ/يا خليلَ يا رَضِيْ........."، فَلْيُرَاجَعْ!



























صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

في قلبي لك باقة من الشكر والعرفان على هذا اللحن، علي هذا "التورّد"، علي هذا الترتيل الشجي يا أبراهيم.

أمّا أنا، فكشأنك تقريبا، لا يكفّ وردي – ولا أريده أن يكفّ – عن أن يعود بي الى عمقين وجدانيين راسخين أيضا، هما: أمّي "صفيّة" وأمّي "الشكّابة". أمّي صفية – أنت تعرفها طبعا – لكني أقول لمن لا يعرفها هي والدتي ذات الجذور الضاربة في الغيم. أما أمّي الشكّابة، فهي قرية "الشكّابة الخليفة شريف"، حيث لاحقت فرقة عسكرية بريطانية خاصة ذات أهداف استئصالية – عقب معركة أم دبيكرات – الخليفة محمد شريف، ابن عم الامام المهدي، وقتلته الى جانب نجليّ الأخير، بشرى والفاضل، وما تبقى من أنصار حيث كان جميعهم قد لجأوا للاختباء أو الاحتماء بتلك القرية الجزيرية النيلية الزرقاء، التي فيها وضعتني أمي الأولى، في أوضة طين، التي كان أهلي هناك يسمونها "المربّعة" لتمييزها عن القطاطي الدائرية الهيئة التي كانت سائدة على عهد ميلادي.

كان عمري وقتها أربعة أو خمسة أعوام، وربما أكثر قليلا، حينما سمعت أمي تقول لاحداهنّ أو لأحدهم – فلا أتذكر من كانت تخاطب، ولا ما كان موضوع الحديث:( ما سمعت الفنان البقول: "خلاص كبرتي وليك تسعتاشر سنة"؟). من الراجح أن عقيرة وردي هي التي زرعت تلك العبارة في أذنيّ قبل أن تؤكد أمّي تجذيرها فيهما. على أنّ ما من شئ استطاع – وما دمت حيّا، ما من شئ سيستطيع – محو تلك العبارة من ذاكرتي. ذلك أنّه ما من لحظة لاحقة – أصغيت خلالها الى، أو حتي تسلّلت اليّ فيها، تلك الأغنية – كانت خالية من حضور ما لأميّ.

فيما بعد، خلال سنوات اقامتي في أسمرا الممتدة من مطلع تسعينيات القرن الماضي حتي آخرها، ما فتئ اصطفاء كجراي لي بالقعدات والذكريات يضيف عطرا وألقا لتلك الأغنية، بل ورصيفاتها كذلك، لا سيما "ما في داعي".

أتمتّع بنفس عينة امتنانك يا مروّح. أالى أسباب كهذه صرنا، ابراهيم، أنت وانا، أشقّاء في الروح؟
صورة العضو الرمزية
موسى مروح
مشاركات: 172
اشترك في: الأحد نوفمبر 06, 2011 9:27 am

مشاركة بواسطة موسى مروح »

احتفينا البارحة هنا في جالية واشنطن بحياة وردي، ولم أر مناسبة جمعت السودانيين مثلما فعل هذا الرجل أمسية أمس.
يكاد وردي يصبح خريطة وجدانية شخصية بالنسبة لي: فالحنين يا فؤادي هي مرحلة خورطقت، والوصية مقترنة بجبرة الشيخ والعمل الصيفي لرابطتنا في الجامعة، والود مكانها غرفة محمد عباس في كلية التربية، والمستحيل مكانها صحراء شمال كردفان من راديو الإمارات في المساء، والحزن القديم غرفتي في ميونخ، والحبيب العائد مكانها قطار مترو أنفاق واشنطن، وهكذا. أشكركما حميماً على صداقتكما. فقد أغنتني كثيراً.
منصور المفتاح
مشاركات: 239
اشترك في: الأحد مايو 07, 2006 10:27 am

مشاركة بواسطة منصور المفتاح »

إبراهيم جعفر إن من أنعم الله على الناس أن يمنحهم القدره على قول أنفسهم من خلال قولهم عن الأشياء والأماكن والناس قولاً سديداً كذلك الذى عكس ما بجوف إحساسك عن الفنان الرقم محمد عثمان وردى ومن ثم إشراكك للأقربين وداداً لذاك الإحساس الكبير الذى مكننا من رؤية الشكابه شريف ومكننا من رؤية مرينة ومرق مربعة القصاص وكذا رؤية عوالم مروح الذى بخل علينا بوصف دانوب من عمق الكبابيش كبشابأ كانوا ، عطوية ، نوراب أو براره . إن لم يفتق وردى تلك الأزاهير والبراعات بتلك اليراعات فمن يفعل!!؟؟
ألف سلام على ثلاثتكم وعلى الكل من من مع
كم.


منص
ور
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

قد حقَّ عليناَ، وعليكَ، القول، إذاً، يا منصورنا المِفتاح، وكُتِبْنَا، عِنْدَكَ وعِنْدَ النَّاس، تماماً كما عِنْدَ الأُلُوهَة (أو الآلهة، كما قد يقولُ/يكتُب موسى، مُمَازِحَاً!)ِ، في اللَّوحِ المحفُوظ!

لكَ العِرفان، يا منصور، ثم ليس لموسى أحمد مُرَوَّح- ذاك الكبَّاشي الذي اختفى عنا، يا عادل، وقطع كلامه معنا، فجاةً، ذات عصرية بجامعة الخرطوم- تلكَ المدينية ذاتها- ما أن رأى الجمال ساعيةً على سبيلِ بلاط أسمنتِّيها المرصوف- من بعد قولكَ السديد هذا، يا المنصور، مهربٌ من وصفِ "الدانوب" الذي نشدتَ، "من عمق الكبابيش كبشابأ كانوا ، عطوية ، نوراب أو براره"...



[align=left]إبراهيم جعفر
صورة العضو الرمزية
موسى مروح
مشاركات: 172
اشترك في: الأحد نوفمبر 06, 2011 9:27 am

مشاركة بواسطة موسى مروح »

محبة عظيمة وقديمة للصديقين إبراهيم وعادل، باقية ببقاء وردي في وجداننا.
ومحبة مماثلة للصديق منصور. أتابعك يا صديقي كذلك وأقدر ما تكتب.
وبما أن المقام مقام محبة، فمحبة لكل قراء هذا الخيط.
"إحساس غلبني اتحمّلو" زي ما قال (الحلنقي؟)
أضف رد جديد