في الديمقراطية والثقافة ومناهج النقد: موضوعات متنوعة للنقاش

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عبد الماجد محمد عبد الماجد
مشاركات: 1655
اشترك في: الجمعة يونيو 10, 2005 7:28 am
مكان: LONDON
اتصال:

مشاركة بواسطة عبد الماجد محمد عبد الماجد »

الأعزاء بشرى وبولا

فكرة المؤتمر جيدة وتروق لي أيضا ولكن ينبغي التفكير مليا في المحاذير طالما كان الهدف النهائي يتعدى تغيير النظام من داخله ليحدث تغييرا اشتراكيا ويؤسس لواقع اجتماعي فاضح لإدعاءات النمط الرأسمالي.
كل الغيلان العالمية وغير العالمية سيصيبها فزع شديد وسترمي بثقلها في وأد هذا المشروع ولن امتدت له أياد نظيفة من كل الشعوب التي تعاني مما نعاني وتحلم بواقع جديد. الحديث هنا عن ثورة عالمية - في اعتقادي - سيكون لها صدى في عمق القارة وفي قارات أخرى.
هذا المشروع ليس مسّا خفيفا كمشروع المؤتمر الأول. ما كان للمؤتمر الأول مشروعات اجتماعية أو رؤى متقدمة تجاه قضايا الإنسان البسيط. كان رأس مشروعهم العظيم يفترض أن مجرد إجلاء الخواجات يكفي. الطريق إلى البرلمان كان الخطوة الظاهرة ونلمح ( آمل أن أكون مخطئا) أن الآليات المعتمدة لتغيير الواقع الإنساني هي نفس الآليات التي ورثت عن المستعمر. ولعله لم يدر بخلد أحد من ذلك الجيل أن للمستعمر فلسفة وله أغراض مدروسة و خبرة في إدارة المستعمرات تمليها الرغبة في الإنماء ولكن ليصب الناتج في ما وراء البحر ( في بريطانيا ). حتى ذهنية المستعمر ما أحسنوا قراءتها!
وبرغم ذلك كان المؤتمر الأول معلما بارزا ومدعاة للفخر غير أن الفئة التي نادت بالمؤتمر وفعلّته سرعان ما أزيحت وأقصيت وفي صمت وبساطة
أي لا بد من توقع حرب وتوقع سرقة للمشروع أو الاستباق إليه. ما أسرع البعض في الإسراع لتبني مشاريع الآخرين ومن ثم تحنيطها أو تحويرها.
أفهم الحذر من مخلوقات الحكومة. ولمن لا يمكن في اعتقادي أن يكون كل مشارك في النظام ميؤوس منه. إنهم طيف. والحركة الشعبية أحد ألوان الطيف التي يمكن أن تسهم في المشروع ومعهم آخرون . هذه مشكلة لن أدعى أنني سبرتها جيدا.
وبرغم أن هامش الحرية بعد ميلاده في نيفاشا لم يتسع جيدا , إلا أن استغلاله وتوسيعه ليسا بمستحيلين: المؤتمر والنزول للقواعد , وإن قلبوا ظهر المجن قلبنا. ستكون تضحيات كبيرة لن يتجشمها إلا صامدون وصامدات يحملون على الأكف الرءوس.
لئن بدأ الموضوع موضوع نشر استنارة إلا إنه في صميمه مشروع سياسي يتطلب النزول إلى الشارع والتغلغل في المدن القرى والأرياف بعنف ويتطلب تنسيقا مع أحزاب ومؤسسات وأفراد.
يجب التحلل من كل ما يعيق نشر الفكرة وتثميرها وكذلك التحلل من جميع الدوغمائيات والعنت الآيديولوجي والديني والطائفي . ولا نقول نستصحب بعضها حتى حين فبعضها يكمن دهرا ثم ينشط كما في خلية السرطان تغلقها في قارورة عشرين عاما وما ان تفتحها إلا وتسارع في اختراق جسد تتكاثر فيه.
كلمتك يا بشرى كبيرة وأساسية وهي فعلا صمام نجاح وبخاصة في بلد كالسودان:


ضرورة إلغاء الحمولة الإيديولوجية من اي مشروع يهدف إلى بناء السودان


عبدالماجد محمد
المطرودة ملحوقة والصابرات روابح لو كان يجن قُمّاح
والبصيرةْ قُبِّال اليصر توَدِّيك للصاح
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي بشرى،
يبدو لي أن نقد التجربة السوفيتية بدأ عندك، وعندنا "كلنا"، وأعني ب"كلنا" "الجماعة" التي أسميتُها في نصوص عديدةٍ أخرى تلامس القضايا التي نناقشها هنا، ب"جماعة العُصاة" التي تولدت نواتها الأولى في حنتوب، في فترةٍ مبكرة منذ نهايات الستينيات، كما أذكر. وإن كان ذلك بدرجاتٍ متفاوتة من العمق والسعة والشمول. وكان أول نقدٍ صريحٍ ومبصرٍ من جانبك لتلك التجربة، يحمل ملامح النعي، في منتصف السبعينيات، وقد لخصته في قولتك التي استشهدتُ بها في إحدى مداخلاتي أعلاه، وهي: "يا بولا اشتراكية الخبز والكباري ما بتنفع". وبتحديدٍ أكثر كان ذلك في عام 1976، بعد خروجك من فترة الاعتقال القصيرة في أعقاب الانقلاب الذي قاده "محمد نور سعد". وقد كنت حينها عائداً من الاتحاد السوفييتي وتم اعتقالك في المطار. وربما كان قولك الذي بنيته على مقولة المؤرخ الروسي، بوقامولوف، التي استشهدت بها أعلاه: " : فكرة الاشتراكية مقنعة بنفسها وفي حال تعثرها ستنام لمائة عام ثم تصحو من جديد":


"بدت لي تلك العبارة وقتها تشكل نعياً للإتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في القرن العشرين. واذكر أن من ضمن ما قلته هو أن الإتحاد السوفيتي مقبل على مرحلة غامضة وانه لا ضوء في الأفق فيما يخص مستقبله"، تأكيداً وتبلوراً لتلك القناعة التي رسخها شهودك لغورباتشوف وهو يقود "ثورة بلا ثوريين كان من جنودها أمثال يلتسن".

وقد أكدتَّ لي رسوخ هذه القناعات لديك لدى زيارتك لباريس في عام 1980. واسمح لي أن أضيف استطراداً أن الثورة التي بلا ثوريين والتي "من جنودها أمثال يلتسن"، كانت ومازالت أعراضٌ منها قائمةٌ في مشهدنا "اليساري". وهذا أحد بيوت الداء العديدة في أدائنا المؤسسي: تفضيل وتقديم أصوات، وتقارير ووشايات، المداهنين والمداهنات، المُطَمْئنَة، على الأصوات الناقدة المخلصة الحريصة الكاوية. ومن ذلك عينة عُتب "قائد العمل السياسي السوداني في موسكو" بتلك العبارة "لازلت تذكرها": "الزميل ينتقد في مجالسه الاتحاد السوفيتي". "أمثال يلتسن هؤلاء"، كانوا وما يزالون في كثيرٍ من الأحيان والحالات، على قلتهم وقلتهن، هم وهن المقربون والمقربات، يا عزيزي بشرى. ولذا لم يجد قولك في ذلك المؤتمر: ان من واجبنا تجاه شعبنا وتجاه قادتنا في العمل السياسي ان نعكس ما نشاهده مما يجري حتى لا نوهم أنفسنا بتجربة تمضي نحو طريق مسدود، أذناً تجرؤ على الإصغاء. فلم يكن ثمة من "يتجاسر"على إعلان تأييده لمثل هذا "القول الحرام". ومع ذلك فقد سارع أغلب هؤلاء إلى الزعم بأنهم كانوا يصدرون "من زمان" عن مواقف نقدية من الأوضاع في الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا، حين "وقع التور"!

أما حدوث "طرائف شيقة في تلك الفترة" من بينها خروج غورباتشوف "مثل دون كيشوت في إحدى أعجب مبادراته" بعد اتشنقلت الريكة واتشتَّتت كل قناديلها، "لمناقشة جمهورية بلطيقية كاملة كان يناقش برلمانها وحكومتها وشعبها في الشوارع في أغرب حوار في القرن العشرين عسى ولعل يقنعهم بالتخلي عن الانسلاخ من الاتحاد السوفيتي"، إن شالله ما تبقى علينا. فعلى الرغم من إشادتي المستحقة بالدور الكبير والجذري الذي لعبه اليسار في قضية الوحدة القائمة على احترام التعدد، وقضايا المناطق والثقافات "المهمشة"، إلا أن في خطابه المتصل بتاريخ المظالم، وقضايا "الهوية"، والتعددية نفسه، مازال بحاجةٍ إلى مراجعةٍ نقديةٍ حازمة، لكي تستقيم دعوته إلى "تغليب خيار الوحدة" على قاعدةٍ مفهومية صلبةٍ بحق. ولي عودةٌ إلى هذا الموضوع لاحقاً.
وسأناقش في مداخلتي القادمة مسألة
"ضرورة إلغاء الحمولة الإيديولوجية من أي مشروع يهدف إلى بناء السودان. أرى أن الفكر يجب أن تخصص له بيوت الخبرة الخاصة به Think Tank"، التي قلتَ بها.
مع كل محبتي
بــولا
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

الأعزاء بولا وبشري وعبد الماجد
اطيب التحايا
ومعذرة لإختصار الأسماء ، وتجريدها ، في أول محاولة للتفاكر المباشر عبر هذا الخيط الحيوي الهام .
إستحوذت علي إهتمامي نقطتان هامتان بشكل خاص ، الأولي تنسب للأخ بشري :-
"ضرورة إلغاء الحمولة الإيديولوجية من أي مشروع يهدف إلى بناء السودان. أرى أن الفكر يجب أن تخصص له بيوت الخبرة الخاصة به Think Tank"، التي قلتَ بها. "
ولاأود إستباق الأخ بولا في النظر أو التعليق عليها ، بل أنتظر رؤاه الثاقبة ، مع التقدير لمشاغله الآنية ، التي نرجو أن تكلل بوافر النجاح.
والنقطة الثانية تتعلق بمدي بإمكانية الجمع بين النظامين الإشتراكي والديمقراطي ( وليس الفكر المجرد ) في جهاز تنفيذي واحد .
في ما أري ، تشكل النقطة الأخيرة معضلة المعضلات في الفكر السياسي المعاصر ، والسبيل إلي حلها يحتاج إلي أكثر من النوايا الطيبات .
مع وافر التقدير .
سيف
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »


عزيزي عبد الماجد،
أحر تحياتي ومحبتي،
أسعدني جداً دخولك في هذا البوست، الذي أردتُ له في الحقيقة أن يكون مجرد "نقعة ضو" (على حد تعبير الأبنودي) صغيرة، للمساهمة في إقامة حوار بين "ممثلين" لمختلف المشارب والتيارات والرؤى الفكرية والسياسية والثقافية، حول قضايا الديمقراطية والثقافة ومناهج وأدوات النقد المتصلة بتأسيسهما تأسيساً فكرياً مسئولاً ومبدئياً في بلادنا. وقد أسعدني قبل ذلك دخول الأخ خالد عويس، وبعد ذلك، دخول الأخ سيف الدين ابراهيم محمود. وبذلك بدأ البوست ينحو قليلاً قليلاً في اتجاه غاية تعدد مواقع ومنطلقات النظر في القضايا المطروحة للنقاش فيه، التي هي غايته الأصلية.
بخصوص احتفائك بفكرة بشرى وثنائك عليها، تجدني على اتفاقٍ تامٍ معك. إلا أنني قد أدعوك إلى شيءٍ من التحفظ في التفاؤل، وفي تصور ما يمكن أن تحدثه انطلاقة المشروع المقترح، إذا قُدِّر له أن ينطلق في سهولةٍ ويسرٍ كما نتمنى له. ولذا فإنني اتحفظ على قولك:

"ولكن ينبغي التفكير مليا في المحاذير طالما كان الهدف النهائي يتعدى تغيير النظام من داخله ليحدث تغييرا اشتراكيا ويؤسس لواقع اجتماعي فاضح لإدعاءات النمط الرأسمالي".

لا أعتقد أن بشرى يتصور أصلاً، أن بإمكان "مؤتمر الخريجين 2" الذي يقترحه أن يتصدى ل "تغيير النظام من داخله ليحدث تغييراً اشتراكيا ويؤسس لواقع اجتماعي فاضح لإدعاءات النمط الرأسمالي". المشروع في تصوري لا يتجاوز المساهمة في تأسيس برادايم للديمقراطية، في معنى أن تصبح الديمقراطية القائمة على مبادي حقوق الإنسان، قيمةً عليا وعنصراً أساسياً بين عناصر بنية وعينا الجمعي، يماثل أو بالأحرى يجسد حلم شاعرنا محجوب شريف: "عمق احساسك بي حريتك يبقى ملامح في ذريتك". أما "الاشتراكية" فهي في تصوري يا عزيزي عبد الماجد حلمٌ بعيدٌ جداً عن منالنا في الوقت الحاضر. الاشتراكية تكون ممكنةً بحق عندما تصبح هي الأخرى برادايم وملامح راسخة في وعينا الجمعي وإرادتنا الجمعية، عبر الديمقراطية وعبر مؤسساتها. "اشتراكية القوة" جربناها، في بلدنا وفي غيرها، وتذوقنا ثمارها المرة. وأنت بالطبع لا تدعو إلى "اشتراكية القوة". حاشاك.
كما أن قولك:
الحديث هنا عن ثورة عالمية - في اعتقادي - سيكون لها صدى في عمق القارة وفي قارات أخرى".


فهو يكسينا شعراً ما عندنا ليه راس. ففي تقديري أن المشروع المقترح، لا يعدو أن يكون دعوةً لمساهمة "الخريجين والخريجات" (وأهلية "الخريجين والخريجات" دي ذاتا عاوزه نقاش طويل)، لترسيخ قيمة الديمقراطية في وعينا الجمعي وفي مؤسساتنا بحيث تصبح هي النموذج الإرشادي القائد لأدائنا المؤسسي والاجتماعي والفردي. ودي ان قدرنا عليها في واقعنا الراهن والمستقبلي القريب، ما قصرنا.
بقية تحليلاتك أوافقك عليها، وقد أسعدتني. وهي تتوافق وتتناسب تماماً مع ما أعرفه عنك، وما أتوقعه منك، من صدقٍ، وعمقٍ، وإيمانٍ راسخ بمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. إلا أنني لا أوافق ولا أوفق بشرى من قبلك على عبارة "ضرورة إلغاء الحمولة الإيديولوجية من أي مشروع يهدف إلى بناء السودان". وسأقول لماذا في تعقيبي على مداخلة الأخ سيف الرحبة الكريمة، التي جاد عليَّ فيها بما لا استحقه من توقعات.

مع عامر مودتي

بـــولا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي سيف،
تحياتي ومحبتي،
سعدتُ جداً بمشاركتك في هذا الحوار، وبمداخلتك المحيطة المبصرة. سوى أنك، كما عبرتُ أعلاه، قد جُدتَّ عليَّ فيها "بما لا استحقه من توقعات"، وأضيف هنا وصفات من قبيل "الرؤى الثاقبة". فالواقع أن رؤايَّ هي رؤى إنسان تستشكل وتستعصي عليه أمور الوجود الإنساني، في وجوهه المختلفة، ويسعى بقدر ما يستطيع لأن لا يغريه القبول باليقين السهل في النظر إلى قضايا هذا الوجود الكبرى. وأحاول بقدر ما أستطيع أن أستعصي على إغراءات ميتافيزيقا "الوجود الجاهز المكتمل النهائي" في كل صوره ومذاهبه. وهكذا تري أن رؤيتي مستشكلة ومتسائلة أكثر من كونها "ثاقبة".
بخصوص القضايا التي تشكل عظم ظهر تعقيبك على مشروع بشرى المقترح، أود أن أوضح أنني لا أتفق معه في "مقولتَيه" التاليتين:
ـ مقولة "ضرورة إلغاء الحمولة الإيديولوجية من أي مشروع يهدف إلى بناء السودان"
ـ ومقولة "أن الفكر يجب أن تخصص له بيوت الخبرة الخاصة به Think Tank"".

ففي اعتقادي "المستشكل"، إن الفكر الخالي من "الحمولة الإيديولوجية"، "الفكر الخالص"، الذي تتوفر له حيازة "الموضوعية" الكاملة النقاء، هو مطلب أقرب إلى الاستحالة إن لم يكن مستحيلاً أصلاً. ولعل هذه مناسبةٌ أعلن فيها قلقي وانزعاجي من السهولة العجيبة التي يصنف ويصف بها نفرٌ من كتابنا وكاتباتنا الشابات والشبان، على وجه الخصوص، بعض الكتابات والأقوال والأفكار التي لا تروقهم ب "الإيديولوجية". كما يقلقني اعتقادهم واعتقادهن الإيماني اليقيني بأن ما يسمونه، على وجه الإطلاق، ب"تيارات "ما بعد الحداثة"، وهم وهن يعنون ويعنين، بذلك التيارات التي روجت، بصفةٍ خاصةٍ، (لا بصفةٍ حصرية) لفكرة "نهاية إلإيديولوجيا"، معفاةٌ ومبرأة بالفعل من الإيديولوجيا، وتصدر عن محض عشقٍ وإخلاصٍ صافيين للحقائق "الجزئية" و"النسبية" "القائمة" والمجردة. وهذه هي الرؤية التي أطلق عليها أستاذنا يورغن هابرماس مسمى "إيديولوجية القائلين بنهاية الإيديولوجيا". وأخشى أن تكون قد بدأت تجوز حتى على مفكرين ومبدعين من أهل النظر النقدي "المشاكس" العصي، مثل بشرى، والمحصن ضد حيل الإيديولوجية المهيمنة، إيديولوجية الرأسمالية الليبرالية (هذه الميدوزا "بت السبعة سعالي"، المتعددة الرؤوس والوجوه). وسوف أعود إلى هذا الموضع الشديد التعقيد بالمزيد من الفحص والتفصيل لاحقاً.
أما مقولة بشـرى الثانية: " أن الفكـر يجب أن تخصص له بيـوت الخبرة الخاصة به " Think Tank"، فأخشى أن يكون قد ألهمها إياه واقع بؤس حال بلادنا المزمن المُوئس بحق من "صحوة" وعيٍ جماهيرية شاملةٍ ممكنة، تقوم على نهضةٍ ثقافية وفكريةٍ طليقةٍ وعميقة، (دون ما حاجةٍ إلى مسوخ من شاكلة مؤسسات" Think Tank") مثل الصحوات الكبرى التي أشعلت ثورة 1924، وثورة أكتوبر وانتفاضة مارس أبريل، وأعقبت الأخيرتين، إذا تأملنا بعمقٍ سديدٍ مميِّز في القيم (قيمة الديمقراطية واحترام التعدد والاختلاف) التي أسستها ورسختها هذه "الصحوات الكبرى" في الوعي وفي اللاوعي الجمعي في بلادنا، ولم نكتف من ذلك بالظاهر الموئس بالفعل. وهو "ظاهرٌ" تؤسسه وتحميه، أي تجعل منه ظاهراً أصلاً، مؤسسة الاستبداد والرأي الواحد القائمة". ال" Think Tank"، فكرة، من "اختراع" الشرائح والفئات الأكثر محافظةً بين فئات وشرائح الطبقة الرأسمالية الأمريكية. وهي في اعتقادي فكرةٌ في غاية البؤس من زاوية النظر إلى دور الفكر المؤسس والمحرر للوعي. والذي شرطه الأول حريته وابتعاده عن هيمنة الطبقة الحاكمة ودولة الطبقة الحاكمة. والحال أن "مؤسسة" " Think Tank"، في تجربتها ونموذجها الأمريكي والعربي، وهما النموذجان اللذان شهدتهما مشهد العيان، في العديد من المؤتمرات الدولية التي حضرتها، وما زلتُ أحضرها وألخصها هنا بحكم عملي. وهما نموذجان بائسان جداً، النموذج الأصل والنموذج المقلد: مجموعة تكنوقراط عالية التدريب في علم الحيل الإيديولوجية، تم اختيارها، لتعمل على تكريس أوضاع الهيمنة القائمة، وتصورها على أساس أنها حقائق أزلية، وعلى أنها أقسام (من قسمة) وأقدار طبيعية، غير قابلة للنقاش. وتنصرف إلى معالجة ومباصرة أدوائها العديدة، البنيوية، على أساس أنها أعراض لمشكلات فنية، تقنية وليست أصولاً مركوزةً في النواة الصلبة لبنية النظام القائم. وحتى حيَل التشخيص ومقترحات العلاج التقنية هذه إنما هي للمزيد من تمكين نظام الهيمنة والاغتراب القائم، أعني النظام الرأسمالي، الغول الأكبر في عصرنا هذا، والمزيد من تغريب وإفراغ الوعي، باسم "التحديث والإصلاح". وهذا وجه من وجوه ما أسماه أستاذنا هنري لوفيفر، ب "إيديولوجية التكنوقراط". علماً بأن التكنوقراط، من أكثر الذين يتحدثون، ويؤمنون "حقاً"، في كثيرٍ من الأحيان، بأنهم مبرءون من الإيديولوجيا! باختصار، أنا مع فكرة مؤتمر يتفاكر فيه أصحاب وصاحبات الاختصاصات المختلفة المتصلة بالنهضة الديمقراطية والعلمية والثقافية في بلادنا، للمساهمة في صياغة نموذجٍ إرشادي للديمقراطية والحقوق الإنسان والتعدد القافي، والعدالة الاجتماعية في بلادنا. مؤتمرٌ يكون مفتوحاً على الشارع وعلى قضايا الشارع وإنسان الشارع، على كافة منظمات المجتمع المدني التي تتوخى نفس القيم والأهداف، كما يريد له بشرى بلاشك، ولهذا ينبغي أن يستبعد فكرة ال" Think Tank"، التي أقترح أن يستبدلها بمساهمة قطاع الخبراء الفنيين، المقتنعين بذات هذه الأهداف، في المشروع المقترح. إذ أن الفكر النقدي الشافي الحقيقي فليس له، في تقديري، من"Tank"، تحتكره وتشكل مرجعيته أصلاً. وذلك بحكم طبيعته التي تستوجب الحرية والمسئولية والطلاقة.

أكتفي بهذا الآن. وسـأعود لا حقاً أيضا للمزيد من التعـريف ولتفصيل في موضوع الإيديولوجيا وال" Think Tank"، الذي لم يسعفني الوقت للتفصيل المدقق فيه هنا. ولنعتبر هذه المداخلة مجرد عرض للخطوط الأساسية لوجهة نظري.
وسأعود أيضاً لنقطتك الثالثة العظيمة الأهمية، حول "إمكانية الجمع بين النظامين الاشتراكي والديمقراطي". واكتفي هنا بالتعبير عن موافقتي الكاملة على قولك:
تشكل النقطة الأخيرة معضلة المعضلات في الفكر السياسي المعاصر، والسبيل إلي حلها يحتاج إلي أكثر من النوايا الطيبات".


مع كل مودتي وتقديري،

بــولا
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

االاعزاء بولا وسيف وعبدالماجد وخالد عويس والمتداخلون
كل افكار طرحتها فيما يخص مؤتمر الخريجين تو وبيوت الخبرة إنما أرغب في توضيحها أكثر في ورقة أعدها بهذا الصدد آمل الفراغ منها وطرحها على المنبر .وفيما يخص بيت الخبرة الذي اعنيه يا بولا خذ عندك تجربة بخت الرضا .اعتقد انه وبدلا من ترك ذلك المشروع السوداني الرائد يتبدد يجب تجميع كل من بقي على قيد الحياة من أولئك التربويين الافذاذ وتغذيتهم بعقول جديدة كرست مشروعها للتعليم ايضا في بيت خبرة جامع بحيث يطلب منهم إصلاح التعليم في السودان _المدرسة , الكتاب المدرسي ,المعلم,بحيث تقدم لنا مناهج تنحو للكمال ومدرسة جميلة. لابد من دراسة تنوع البيئات واثرها على المدرسة .ثمة طلاب في الإبتدائية يذهبون يومياً للمدرسة على ظهور الجمال ثمة تلاميذ يدرسون تحت ظلال الاشجار وثمة مدارس بلا معلمين ومعلمين بلا تلاميذ ومدارس بلا كتب ومدارس يتم كشف امتحاناتها التنافسية للمرحلة الأعلى بالكامل ولا يستطيع التلاميذ مع ذلك إحراز درجات كبيرة تفوق الخمسين لأنهم لا يستطيعون نقل المعلومات المتاحة على السبورة بلغة مفهومة بسبب ضعف الإملاء عندهم.كتبت عن التعليم مقالة قبل سنتين نشرتها في صحيفة الخرطوم وبوسعي إعادة نشرها هنا في بوست منفصل.بيوت الخبرة التي اعنيها يابولا هي على غرار مسعى جماعة بروفيسور فاروق محمد ابراهيم في القاهرة .وعلى نفس الشاكلة تقدم بيوت الخبرة السودانية المنبثقة عن مؤتمر الخريجين تو دراسات دقيقة ذات طبيعة استشارية في مجالات إصلاح التعليم الجامعي والخدمات الصحية ومحو الأمية وبناء المسارح والقضاء المبرم على الأمراض المستوطنة والقوانين الرادعة لمكافحة الفساد وبناء السكك الحديدية وبناء المدن إلخ ..حسب بنود الاولويات الذي يجب ان يضعها المؤتمر المقترح لبناء السودان.اما فيما يخص الحمولة الآيديولوجية فإنني اصبحت من انصار كارل بويار في هذا الصدد.وساكتب بالتفصيل ما أعنيه.وعلينا الإكتفاء ببنود اساسية لبناء يمتد لعشرين سنة فقط وبعدها تستجد مهام جديدة تضطلع بها عقول جديدة دون الحديث عن اشتراكية او خلافه
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

العزيز بولا
شكراً للإبانة .
وحين تكون الإبانة كافية ، مع الإيجاز ، يمكن الإسترخاء والمطالعة في هدوء ، في زمان عز فيه الهدوء والإسترخاء .
أما قولك :-
" فالواقع أن رؤايَّ هي رؤى إنسان تستشكل وتستعصي عليه أمور الوجود الإنساني، في وجوهه المختلفة، ويسعى بقدر ما يستطيع لأن لا يغريه القبول باليقين السهل في النظر إلى قضايا هذا الوجود الكبرى. وأحاول بقدر ما أستطيع أن أستعصي على إغراءات ميتافيزيقا "الوجود الجاهز المكتمل النهائي" في كل صوره ومذاهبه. "
يثير لدي كوامن وشجون ماانفكت تؤرقني ، رغم إختلاف الظرف التاريخي والمكاني والميتافيزيقي الراهن . وهو يشير إلي وشيجة ما ، يسعدني أن تربط بيننا ، وإن لم نلتق إلا في جنبات هذا الفضاء الإسفيري .

الأخ بشري الفاضل
أثمن ما وقفت عليه من كتاباتك ، وأتطلع للمزيد من الإيضاح بشأن الطرح الآيديولوجي .
مع أطيب التحايا والشكر لكم ،
وللأخ خالد عويس .
سيف
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß
مشاركات: 164
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:43 pm

مشاركة بواسطة ÚÇÆÔÉ ÇáãÈÇÑß »

استاذنا بولا
سلام ..
الكلام دا عايز طباعة ومذاكرة
أرجو أن اعوض ما فاتني ...
ما تخافوا بلحقكم ...

بتفاطنة
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي سيف،
وقفت طويلاً أمام قولك:

يثير لدي كوامن وشجون ماانفكت تؤرقني، رغم اختلاف الظرف التاريخي والمكاني والميتافيزيقي الراهن. وهو يشير إلي وشيجة ما، يسعدني أن تربط بيننا، وإن لم نلتق إلا في جنبات هذا الفضاء الإسفيري.

صدقني، أنا من جانبي أيضاً أحسست من أول مرةٍ قرأتك فيها، بهذه الوشيجة: وشيجة كوامن الشجون والأرق أمام "حضور العدم الكثيف" في قلب الكون، وفي قلب "الوجود الإنساني الأساسي" على وجه الخصوص: مبدأ الحياة والموت، ومبدأ المعنى. وأكثر مرارةً من ذلك "حضور اللامعنى واللامعقول، وغلبتهما الكاسحة" في واقع الإنسان التاريخي الفردي والاجتماعي الماضي والحاضر. أتراني أصبتُ تشخيص الوشيجة؟
أعجبتُ كثيرا بتعبيرك: "اختلاف الظرف التاريخي والمكاني والميتافيزيقي الراهن."
وراق لي أن أفسره بأنه "الظرف" الذي اكتفت فيه فئةٌ من "الفلاسفة" وعلماء الإنسانيات، التكنوقراط، بل وسعدت، بتحويل الفلسفة ومناهج البحث المعرفية إلى تعريفات وتصنيفاتٍ إجرائية. وسعت، وما زالت تسعى، تحت مسمياتٍ كثر إلى، إفراغ الفلسفة ومناهج المعرفة، ولاسيما العلوم الإنسانية، في عمقها الوجودي، وليس في مناحيها الإجرائية فحسب (والتي لا اعتراض لي عليها)، من البعد التراجيدي والإشكالي. وذلك بعد أن مالت طائفةٌ أخرى من الفلاسفة و"الحكماء"، والمفكرين، والمتصوفة، السابقين، طوال عهودٍ متلاحقةٍ من محاولات الإجابة على هذه الأسئلة العسيرة، إلى صنوفٍ شتى من المخارج "المطمئنة" تعشماً، ربما، في أن يطفئوا شعلة السؤال الحارقة التي يشق البقاء في مشهدها المزلزل بالفعل.
ومع ذلك، فإنني لستُ من أنصار النزعة التي أسميها ب"اللا أدرية الجديدة"، التي نشطت في السبعينيات ونيفٍ من الثمانينيات هنا في فرنسا، والرائجة اليوم، مع تبسيطٍ شديدٍ، بين قطاعاتٍ لا يستهان بها من شباننا وشاباتنا، وإن لم أقل القطاع الغالب. ففي اعتقادي إن ما تحقق من المقارباتٍ المعرفية، على "أيدي" فلاسفة وفيلسوفات، وعالماتٍ وعلماء ومفكراتٍ مفكرين، ومناضلين ومناضلات، بواسل في معنى شعورهن وشعورهم العالي بالمسئولية وكفاحهم وكفاحهن ضد حظوظ النفس النرجسية، في مختلف ضروب المعارف والتقنيات، والقضايا الاجتماعية والسياسية والحقوقية ما يستحق الإجلال والاعتبار، إلا أنه لا يشفي من الشجون والأسئلة المقلقة.
أتراني أفصحت؟

مع أزكى مودتي
بــــــولا
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 12:29 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزتي بت المبارك، وان جينا للجد بت فاطنة في الأول بالفعل.
تحياتي ومحبتي، ليك ولبيرق والبنيات والوليدات.
وبهذه المناسبة أنا ذاتي ود فاطنة: فاطنة بت زينب بت مكة بت احمد ود الفكي حسن (وهذه أول مرة أقف فيها بحضورٍ كامل أما جهلي باسم أم جدي أحمد ود امحُمَّد ود الفكي حسن. وقد تكون هذه مادة صالحة لشواهد مبحثك في شأن "ثقافة العنف والتمييز ضد المرأة في المجتمع السوداني). وفاطنة لا مثيل لها في الإنسانية ورحابة النفس في تصانيف زينب بت الحرم ولا أظنها بالغت في ذلك. أما جدتها مكة فلا مثيل لها في الشداعه والكاريزما وقوة الشكيمة. فقالت عمتي زينب بت الحرم بت الشريفية بت فاطنة، بت بشير ود احمد أيضاً: "عاد يا نفر شداعتا عين ما شافتا". وهي تتحدث عن عمتها مكة. وقد كانت هركولةً جسيمة شديدة البناء. ومازال عنقريب القِد خاصتها شاهداً على ذلك في متحف العائلة سيء الإدارة. ولم يكن يقدر على حملها عنقريباً غيرو. ولم تفلح دار الدِنيا في إنهاء بقائها بها إلا وقد بلغت من العمر ماية وتلاتين سنة. في رواية زينب بت بشير بت الحرم بت طلحة وفاطنة بت الشريفية. وهذا مما لم تنتبه له ولم تعلم به ولم تضع له احتمالا إحصائيات المعمرين "العالمية". (شوفي عليك الله بلاغة "عين ما شافتا" دي في معانى التعميم القطعية؟).
أسعدني دخولك البوست ووعدك بالمشاركة في المناقشات الجارية فيه. إلا على راحتك يا ستي مانا مستعجلين. وإن كنا متشوقين لمساهمتك ولمساهمات الجندريات البواسل من مثيلاتك.

أرجو أن تبلغي بيرق أحر أشواقي، وقلة صبري على صمته وغيابه وعدم سماعي لصوته.
وقبلاتي للبنيات والوليدات.

بــــولا
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي مازن،
أحر تحياتي،
فرحتَ فرح شديد بمداخلتك التي أخرجتني بها من ورطة المدخل لهذا الموضوع الصعب، من أيام وأنا مشغول بالمدخل: يا ربي أبدا من وين. ويوم الجمعة في المسا كنت مشغول جداً بهذا الموضوع ومنزعج أيضاً من أن تتصور إني صهينتَ أو "هربت". ولذا كانت فرحتي كبيرة عندما فتحت البوست فأطلت منه مداخلتك.
والمشكلة الأساسية في موضوع المدخل جاءت من صيغة تساؤلك التي أبديت فيها تواضعاً أوهمني بأنه لم يسبق لك بالفعل تقليب هذا المفهوم، أو قل هذه الإشكالية في ذهنك من قبل:

"ما أود طرحه هنا في هذا البوست..هو موضوع تم تناوله من قبل بصورة موجزة في العديد من البوستات..اخرها بوست عثمان حامد"عفوا ايها الخواض"
وهو موضوع مفهوم "تعدد الحداثات"..الذي تطرق له د.بولا في اكثر من مكان داخل بوستاته..

ما اود طرحه هو تسائلات حول نشأة المفهوم..واستخدامه..وعلاقة الحداثات الاخري (ان وجدت)بالحداثة الاوربية.."


إلا أن مداخلتك الأخيرة كشفت عن بصيرة موقدة إزاء هذه الإشكالية (وأنا أستخدم مفهوم "الإشكالية" بمعناه المصطلح عليه في الأوساط الجامعية والبحثية في فرنسا. وقد سبق لي تعريفه في مواضع عديدة)، فأراحتني من مشكلات التعريف الأولية للحداثة. وبذلك يصبح كلامنا كلام ناس عندهم مرجعية مشتركة وانشغال مشترك بالمفهوم الأساسي، أي مفهوم الحداثة الكلي نفسه، وتبقى لنا الحوار في المفاهيم والإشكاليات المتفرعة منه مثل "مفهوم تعدد الحداثات". وحتى هذا قطعت فيه مداخلتك مسافة كبيرة بقولك:
من ناحية حق شعوب العالم التالت في المشاركة والحضور بل والاسهام الاصيل في رفد المعرفة الانسانية فدا امر بديهي ولا اعتقد انو بشكل سؤال..

وبذلك تكون قد قصرت كثيراً المسافة الوعرة التي كنت أتصور أن علىَّ قطعها في المقدمات التعريفية.
وجاء قولك:
ولكن-ودي العقبة-هل امتلك العالم الثالث فعليا ما يقدم بهذا الصدد؟

ودا سؤال زول عنده راي أساساً وسبق له تقليب الموضوع أيضاً.
أما قولك:
(بعض المجالات الابداعية خليها..زي الرواية: ناس الواقعية السحرية وناس محفوظ وكونديرا و وول سوينكا......)

فقد جاء موضحاً أنك فعلاً قاطع مسافة كبيرة في تقليب الموضوع وليوفر عليََّ الكلام عن تعدد الحداثات في المجالات الإبداعية. وإن كنتُ لاحظتُ أنك أنت التشكيلي لم تورد أسماء تشكيليين أو تشكيليات من العالم الثالث. وهذ بلا شك من ظروف العجلة التي كنت تكتب فيها كم أوضحتَ (أوعك تقول لي راشد دياب) واسمح لي أن أضيف ايضاً وموسيقيين موسيقيات، ومغنياتٍ ومغنين وسينمائيات وسينمائيين ومسرحيات ومسرحيين إلخ، من العالم الثالث، صدروا وصدرن ويصدرن ويصدرون من مواقع الندية بقدرات مؤكدة. (لما جا محمد الأمين هنا في باريس عام 1981، وقدم وسجل مجموعة أغاني في إذاعة France Inter، كان مدير قسم الموسيقى في الإذاعة، وهو موسيقي معروف، كان قاعد جنبي، في أثناء التسجيل والبث، وخاتي يدينو فوق راسو ويتململ في كرسيه ويتولَّه، ويردد "دي معقولة دي الزول دا ما معروف في فرنسا وفي أوروبا!!" وهذا على سبيل المثال على ضيعة حداثتنا الإبداعية ذاتا وجهل الأقوام "المتقدمة"، سيدة "الحداثة" المفترضة وحيدةً بها! أما احتفاء الأوروبيين والأمريكان، أعني أولي الأمر الثقافي منهم وسدنته، بمن ذكرتَ في مداخلتك، فهو حتى الآن من باب التزويق والزخرفة والتحلية في مائدة اللئام. وأنا لا أعني باللئام الأوروبيين أو الأمريكيين بإطلاق وإنما أعني "سدنة مؤسسات احتكار العالم وخصخصته، وخدامهم العضويين والمتطوعين، ممن يسميهم النقاد بحق هنا، مش نقاد الموضات وتيارات الموضات، ب"مثقفي الإعلام". وسأعود لهؤلاء لا حقاً. وإنما أردتُ أن اقول أن مفهوم تعدد الحداثات القائم على مبدأ الندية ووعي الندية، لم يتحقق الأخذ به حتى في المجالات الإبداعية ذاتها بصورةٍ يعتد بها(ولا أريد أن أقول "الاعتراف" به لأنني لست ممن يعتقدون أن سدنة مؤسسات الاحتكار والهيمنة الاستعمارية "الجديدة" التي أصبحت تتسمى اليوم بالعولمة، "كيداً وسوء كيلةٍ وسخرية" لا يملكون حق الاعتراف أو عدم الاعتراف بنا).
وأجيك باكر للباقي فالساعة الآن الثالثة ونيفٍ صباحاً، ولسع
وراي غسيل عدة وترتيب مطبخ.
وأكتفي الآن بأن أقول لك، في خصوص الشق الثاني من أطروحاتك وتساؤلاتك، أن هناك علماء من العالم الثالث شديدو المراس الفكري والفعلي، استطاعوا أن يقولوا في وجه خدام ظلمة العالم وسدنة صناعة تزوير الوعي فيه، ما لم يجرؤ على قوله كل أنصاف الحداثيون والحداثيات و"ما بعد الحداثيات والحداثيين" الفرنسيين والفرنسيات، والأوروبيات والأوروبيين، والأمريكان والأمريكيات، ولم يخطر لهم ولهن على بال. وهناك بالطبع حداثيون وحداثيات بحق، أوروبيون وأروبيات، وأمريكيون وأمريكيات تفر منهم ومنهن أجهزة الإعلام والبروباغاندا الثقافية فراراً ذريعاً، وتبذل جهوداً دؤوبةً في التعتيم عليهم. دا كان ما دخلوهن السجون وشنوا عليهم حملا ت الكذب والتشهير، وقعدو لهم كل مرصد. وهؤلاء يناصرون مفهوم تعدد الحداثات وندية الحداثات بعقولٍ نقدية صميمية. إلا أن أسماءهن وأسماءهم عمالهم وأعمالهن لا تجد سبيلاً ميسوراً لأسواقنا، وجامعاتنا ومعاهدنا ومؤسساتنا البحثية بفعل مواقفهم ومواقفهن وظروفهن وظروفهم التي أتيت على ذكر شييءٍ منها آنفاً.

مع خالص مودتي.
بـــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الاثنين فبراير 13, 2006 3:11 am، تم التعديل مرة واحدة.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 12:29 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي مازن،
أصدق تحياتي،
يازول انا زعلان زعلة شديدة، اطمئن ما منك، ولا من جنس إنسان. بل من نفسي ومن كمبيوترنا، وجنس الكمبيوترات على إطلاقه. وفي لحظة فكرت أبطل الكتابة مرة واحدة.
وأصل الزعلة إنو ضاع مني نص قضيت في كتابته يومين كاملات، من يوم الاتنين من الصباح والليلة التلاتا من الصباح لي هذه الساعة دي. وأنا ماخد اجازة خمسة أيام أنجز فيها الأمور الصعبة، إدارية وكتابية (في مقدمتها موضع تعدد الحداثات)، واجتماعية، وسترة حال مع ألأصدقاء والصديقات اللاتي والذين لم أرد على إيميلاتهن/هم بالليام العديدة. وبعضهم/هن بالشهور، إلخ. يقوم يضيع مني نص طول دا!؟ وسجلته كمان. زاغ ليه في حته من الكمبيوتر سلقط ملقط ما لقيناه. عشرة صفحات بالتمام والكمال، عالجت فيها العناصر والوقائع الأساسية التي تتأسس عليها وجهة نظري في مفهوم تعدد الحداثات. حدثت لي مسألة ضياع النصوض هذه عدة مرات، وأصبحتُ من واقع مرارة هذه التجارب شديد الحرص على تأمين أي نصٍ أكتبه. إلا أنه لم يحصل من قبل أن أغضبني ضياع نص مثل ما غضبتُ في هذه المرة. وأخشى أن تكون كتاباتي القادمة في الموضوع نسخة باهتة من النص الضائع.

على كل حال نحاول نبدا من البداية. ولتسمح لي في مستهل هذه المحاولة الجديدة أن استعدل فكرةً ربما لم أكن واضحاً في طرحها بصورةٍ كافية في مداخلتي السابقة. عشان نكون على بصيرة في كل خطوة نخطوها في أرض هذا الموضوع الضَرسة. فقد جاء في مفتتح مداخلتك في تأكيد نقاط الاتفاق:
"اتفق معك تماماً حول مسألة الاعتراف بإبداع العالم الثالث.."

أرجو أن أوضح أنني لم أتحدث عن "الاعتراف" ب"إبداع العالم الثالث" ولم أقل بضرورته أصلاً، ولن أقول به على وجه الخصوص من موقع المطالبة أو الاحتفاء من قِبَلِ أيٍّ كان بمساهمة مبدعي العالم الثالث (وهم عندي مش المتعلمين والمتعلمات والمثقفين والمثقفات بس،فأصناف المبدعين عجيبة، وتصنيفهم عجيبٌ جداً). و"أيٍ كان" دي، في هذا السياق، تُقرأ سدنة المؤسسات "الرسمية" والتجارية "المتخصصة"، وبالأحرى الموكول لها "رسمياً"، تقييم وتصنيف الفنون في أوروبا وأمريكا وغيرهما. فالمطالبة ب"اعتراف" هذه المؤسسات، بإبداعنا، التي طال وكثُر ما ألح عليها قطاع غالبُ من مبدعي "العالم الثالث"، وقطاع واسع من الجمهور المتابع، والفَرَح والتفاخر به، الذي راج في الستينيات والسبعينيات، والتهليل له والاحتفاء والهيلمة حوله التي مازالت تلقى رواجاً واسعاً في المحافل المحلية والدولية، هو على وجه التحديد مما كان موضع نقدنا منذ بدايات السبعينيات، وإلى هذا اليوم أيضاً. ولذا فقد وضعت كلمة "اعتراف" في الجملة الاعتراضية الشارحة، التي وردت في الأصل، بين مزدوجتين كما ترى:
(ولا أريد أن أقول "الاعتراف" به لأنني لست ممن يعتقدون أن سدنة مؤسسات الاحتكار والهيمنة الاستعمارية "الجديدة" التي أصبحت تتسمى اليوم بالعولمة، "كيداً وسوء كيلةٍ وسخرية"، يملكون حق الاعتراف أو عدم الاعتراف بنا).

وقد سهوتُ أنا من جانبي عن حذف لا النافية التي سبقت كلمة "يملكون" (في الأصل) مما تسبب في الالتباس، بلا شك.
أتفهم اختيارك للحاصلين على جائزة نوبل من كتاب العالم "الثالث" في حديثك عن جائزة نوبل. ولستُ أرغبُ بقولي بأن منح جائزة نوبل لكتابٍ وكاتباتٍ، من العالم الثالث، هو "من باب التزويق والزخرفة والتحلية في مائدة اللئام"، في أن اختزل مؤسسة جائزة نوبل إلى مجرد مؤسسة متآمرة مع "سادة العالم". بل أردتُ أن أقول أنها ليست ناجيةً كل النجاة من مساس إيديولوجيات مؤسسات الهيمنة وأحكامها المسبقة الموبقة. وإنها ليست ذلك المثال الأعلى المنزه الذي كان الرأي العالم السائد حتى وقت غير بعيد، يحيطه بإجلالٍ وتقديسٍٍ فريدين. كما أردتُ أن أقول أن عدد الحائزين على هذه الجائزة من مبدعي العالم الثالث في مجال الأدب أقل بكثيرٍ من "مستحقيها" الفعليين، وعلى وجه الخصوص في إفريقيا والعالم العربي. أما الحائزون عليها في المجال السياسي فحدث ولا حرج. بيد أن جائزة نوبل على الرغم من الكثير الذي يمكن وينبغي أن يقال في شأنها، ليست في صميم موضوع نقاشنا الذي هو "مفهوم تعدد الحداثات". ولذا فإنني أكتفي من بما قلناه كلانا عن جوانبها التي تلامس موضوع حوارنا هذا.

وأعود للباقي بعد ما تروح الزعلة
مع مودتي

بــــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الأربعاء فبراير 15, 2006 11:32 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

الأعزاء المتابعين والمتابعات (الترتيب حسب نسبة مشاركة الجندريات في الحوار)،

أود التنويه بأن مداخلتي الأخيرة أعلاه "تعرضت" لإضافات مهمة، وبالذات في خصوص "تعريف" المبدعين "خاصتي"، في المجال الثقافي في العالم الثالث وغيره (ويمكن العلمي كمان مادامت الشيخة رابحة بت النويري، جدة نجاة، كانت تعالج كسوراً يعجز عنها الطب "الرسمي" وكان أبوها حسن ود النويري يجري عمليات جراحية في غاية التعقيد، وكانت لها وله مثيلات وأمثال، كثرٌ في زمانٍ ما في إفريقيا و"العالم الثالث"!). وهذه دعوة لإعادة قراءتها لزوم توضيح وضبط المفاهيم.

مع خالص تقديري
بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الأربعاء فبراير 15, 2006 11:27 pm، تم التعديل مرة واحدة.
مازن مصطفى
مشاركات: 1045
اشترك في: الأربعاء أغسطس 31, 2005 6:17 pm
مكان: القاهرة
اتصال:

مشاركة بواسطة مازن مصطفى »

..
آخر تعديل بواسطة مازن مصطفى في الأحد يناير 06, 2013 12:29 pm، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

عزيزي مازن،
وضعت يدك على الجرح بهذه العبارة:

ما كنت أعنيه هو اعترافنا نحن بأحقية هذه الشعوب..وبقدرتها علي الإضافة للمعرفة الإنسانية

فهذا هو "مربط الغول" في الواقع. غول الاستهانة بالذات. أو قل، بعبارةٍ أكثر دقة، غول تَمَثُّل، وتبني، واستبطان، أحكام الغول الرأسمالي الإمبريالي من قِبَلِ "ضحاياه". (وأحسن أقول ليك وللقراء والقارئات من حسِّع إنني لا أخلط بين "الغرب" وبين الرأسمالية الإمبريالية "الغربية" والتي هي، في تصوري، غربية بمحض الصدفة الموضوعية التاريخية. وفي الغرب، كما تعلم، نساءٌ ورجال شديدو وشديدات البأس في مناهضة الإمبريالية القديمة والجديدة يحاربونها ويحاربنها معنا، ومن أجل أنفسهن/أنفسهم وأجيالهم/هن الجديدة الحالية والمقبلة أيضاً). فصناع إيديولوجية هذه الرأسمالية الإمبريالية، "الغربية بالصدفة"، وليس كل الغرب، هم الذين اخترعوا فرية "تفوق الإنسان "الأوروبي" الحضاري والثقافي الطبيعيين (والإنسان في مفهوم البرجوازية، كما قال أستاذنا جان ـ بول سارتر، "هو البرجوازي": فقط لا غير). وهم الذين اخترعوا فرية تدني القدرات العقلية، "الطبيعي" أيضاً، لدى "الإنسان الشرقي". وهم الذين أخرجوا الإنسان الزنجي (الذي يسمونه الإفريقي على وجه الحصر) من الإنسانية جملة ً وتفصيلا. وهي في الواقع "جملة ً" لا تحتاج إلى تفصيلٍ أصلاً في تصورهم. وهم الذين دربوا، وأوصوا، وأغروا نفراً، نفراً من "متعلمينا ومبدعينا"، بتبني هذه الافتراءات وترويجها. ولعل أفصح وأجرأ من روج لها هو شاعر الزنوجية "المُفلّق" ليوبولد سدَّار سنغور، رئيس السنغال السابق (حوالي عشرين سنة)، وعضو الأكاديمية الفرنسية. وله في خصوص التغني بتدني قدرات الجنس الزنجي في موضع المدح، عجائب مذهلة، لعل أكثر أقواله تركيزاً و"بلاغة ً" في تلخيصها عبارته الشهيرة:
"العقل هيليني كما أن العاطفة زنجية".

حداثة بي وين عاد تاني يا مازن مع العقل المافي دا!! والأمثلة كثيرة من أقوال سنغور وغيرة. وإنما تمثلتُ بسنغور لقرينة الوضوح والجرأة لديه. وستجد كثيراً من صنوف الاعتداد "بملكية العاطفة" عند إيدولوجيين، وعنقالة "فلسفة" و"علوم" اجتماعية في أوساط تكنوقراط صناعة إيديولوجيا التبعية بين مختلف "قبائل" الأفندويين الشرقيين، وغيرهم، مما لا يتسع وقتي لإيراد أمثلة مقصلة منه في ظرفي الراهن.
وسأقفز من هنا مباشرة إلى القول بأن نفي الحداثة، بل نفي القدرة أصلاً على إنتاج الحداثة لدى شعوبنا، (ونون الجماعة هنا ترجع لكل شركائنا وشريكاتنا، في وجعة نفي ملكة الوعي النقدي الخلاق، وملكة الخيال الخلاق، والمنطق الخلاق، عن شعوب العالم الثالث، التي افتراها عليهم إيديولوجيو الإمبريالية وتلاميذهم صناع إيديولوجيات التبعية)، قد "وجد" أساسه النظري المبدئي في مقولة "الأصالة والمعاصرة". أو"التراث والمعاصرة". فهذه المقولة، في تقديري، تنفي بصمامَةٍ صمدةٍ القدرة على المساهمة والمبادرة في صنع الحداثة عن مبدعينا ومبدعاتنا، (ربما من حيث أرادت "إثباتها" لهن ولهم). وتُؤمِّن على القول بفقدان القدرة على صنع الحداثة في تكويننا الذهني "الطبيعي"، وبالتالي في "طبائع" ثقافاتنا. وقد تم "اختراعها" في ثلاثينيات القرن العشرين، وراجت، وباضت وأفرخت، واحتكرت بلا منازع حقول الإبداع الفني والمعرفي في بلداننا، طوال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات منه، وامتد بها العمر إلى "هذا يوم الليله دا". إلا أنها تعرضت عندنا قرب نهايات الستينيات لنقدٍ جذري على يد جماعةٍ محدودة جداً من التشكيليين "العصاة". ثم صُليت ناراً نقدٍ ضروسٍ حاميةٍ في السبعينيات على أيدي نفس "العصاة" بعد أن أصبحوا جماعةً كثيرة العدد. وقد ظل هذا النقد يتعمق ويدق ويتسع إلى هذه اللحظة. ولعل أبرز وأهم مقولاته، في السبعينيات، قولنا، بأن مقولة "الحداثة والمعاصرة" تخرجنا منذ بداية اللعبة من ساحة المساهمة في "صنع"عصر الحداثة، وتشيع مفهوماً ضمنياً مفاده أن كل مشاركتنا في صنع الحداثة و"عصرها" تتلخص في حضورنا الفيزيائي فيه. وعلى أحسن الفروض ب"حضورنا المتأثر الناقل"، لا المشارك المساهم "بي حَقُّو" في صنع "العصر".
أكتفي بهذه المقدمة لصلب الموضوع وسأحاول العودة باكر كان ربك هون لي وصولاً ميسوراً للكمبيوتر.
وسوف أعرج على بشرى والآخرين والأخريات قبل ما أواصل معاك، سعياً لربط موضوعنا هذا بموضوعات البوست ومداخله ومداخلاته "المختلفة" الأخرى، التي تربطها بالفعل وشائج قوية به.

مع أخلص مودتي

بــولا
آخر تعديل بواسطة عبد الله بولا في الأحد فبراير 19, 2006 8:21 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
بشرى الفاضل
مشاركات: 353
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:31 pm

مشاركة بواسطة بشرى الفاضل »

الاخ بولا
مع تحياتي للمتداخلين الكرام نجاة وخالد وسيف وعبدالماجد وتحيات مصحوبة مع لوم لمازن مصطفى .
قصدت من ضرورة إلغاء الحمولة الآيديولوجية في بناء السودان وليس في الفكر على إطلاقه أن يتم تحديد اولويات نهائية وتنفيذها بتسريع هائل والعمل المتزامن في الجبهات جميعها للتنفيذ .هب ان اولوياتنا هي بناء المدارس والمستشفيات والسكك الحديدية والطريق ومحو الامية وبناء المسارح وشفافية الحكم إلى آخر القائمة فهذه جميعا من الموضوعات التي تم التوصل عن طريق العلم والتجربة والتنكب في التجربة بين الخطأ والصواب الى مخزون اصبح ملكاً للناس كلهم اعلى نطاق الكرة الأرضية أنظر إلى تصميم المدارس في اوروبا وامريكا واليابان وتصميمها في بلدنا علما بانه لدينا معماريون وفنانون ساهموا في تصميم ارث المدارس العالمي المذكور .أنظر الى إكتظاظ الفصول في بلدنا .أنا اتحدث عن بناء السودان ببراجماتية تجمع كل الوان الطيف الديمقراطيين .
في داخل كل منا أفكار لاحصر لها عن شكل ومحتوى المدرسة السودانية تعال نعمل تجربة ان تقوم عشة بت فاطمة وبيرق وتماضر ونجاة وبولا وعبدالماجد وسيف ومريم محمد الطيب وعبداللطيف وتماضر وعثمان الخير حسن موسى وباتريشيا على سبيل المثال بالتفاكر ليومين في ويك إند كوني عولمي على طاولة العشاء عن شكل المدرسة التي يتمنونها للسودان وكلي ثقة في ان النتيجة ستكون مدهشة ولاحاجة بي لتذكيركم بان هذا مجرد مثال . وقس الامر نفسه على أساتذة بخت الرضا القدامى+المفكرين التربويين الاستراتيجيين الحاليين.
خذ عندك ما اوردته صحيفة الرأي العام اليوم من تصريح للسيدة ربيكا .ذكرت انهم في حكومة الجنوب لم يستلموا مليماً واحدة من اموال النفط وان الحكومة السودانية اعتذرت عن ذلك بأنها وضعت الاموال في الحساب الخطأ.
لا علينا من هذه المغالطة لكن ربيكا قالت انها تتحرق شوقا لاستلام مخصصات وزارتها في الجنوب وهي الوزيرة المسؤولة بناء طرق في الجنوب .قالت ان هناك اعتقاد لدى بعض الناس حتى في الجنوب ان هناك قبائل من آكلي لحوم البشر من شدة انعزال النانس بعضهم عن بعض .فكرة ربيكا المسيطرة هي نفس فكرة جون قرنق الذي قال بان هناك مناطق في الجنوب لم تشهد طرقا معبدة منذ ظهور آدم وحواء. وهي فكرتنا جميعاً لكنني لو كنت مقامها لقمت ببناء القطار المغنطيسي السريع الذي بنت ألمانيا واليابان مثله وستقوم الصين ببنائه في يوليو المقبل .اي القفز مباشرة من ماقبل التاريخ الى القرن الحادي والعشرين دون المرور بحالةقطارات الشمال و قضباننا الحديدية التي تطول بعمق قرن(هذا إسم رواية لآيتماتوف), هذا مع بناء الطرق ايضاً وليكن قطار المخدة المغناطيسيةهو مشروعها الاستراتيجي ومشروع الطرق الأسفلتية المشروع الإسعافي والتكميلي .
أقصد ببناء السودان عبر مثل هذه البنود أن نستفيد من منجزات البشرية الجاهزة على النحو الذي ذكرت وان نصمم فقط طريقة الحكم إن إتفقنا على الديمقراطية كحد أدنى وهذه اي كيفية الوصول للحكم لابد ان نجد لها أساليب تتفق مع إرث شعبنا بعيداً عن الإنقلابات وبعيداً عن البطء القاتل لاحزابنا الحقانية سديدة الراي قليلة الحيلة هذه الأحزاب الصوفية التي تعرفونها.طهارة في اليد وطهارة في اليد ايضاً من نقصان غلة النواب.

عبد الله بولا
مشاركات: 1025
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 7:37 am
مكان: الحرم بت طلحة

مشاركة بواسطة عبد الله بولا »

ياجماعة الخير،
تحياتي، واعتذاري،
فقد "تعرضت" مداخلتي الأخيرة (قبل مداخلة بشرى)، لتعديلاتٍ مهمة بعد أن تكشفت لي فيها صيغٌ مجوبكة. وكُنتُ قد كتبتُها أصلاً في ظروف غير مواتية على المستويين النفسي والجسدي، في أعقاب ضياع النص الأصلي لمداخلتي السابقة لها، والذي تم توضيحه أعلاه.

بشرى ومازن، فيها أجيكم الليلة بعد شوية، وفيها ما أجي إلا باكر.
ووين خالد الطيب وعبد الماجد فرح، ان شالله عافية؟ ما يكون السياق اتلخبط والموضوعات اتشتتت؟ على الرغم من أنني لا أعتقد بذلك.


بـــولا
صورة العضو الرمزية
ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ
مشاركات: 481
اشترك في: الأربعاء مايو 25, 2005 3:38 pm
مكان: روما ـ إيطاليا

مشاركة بواسطة ÓíÝ ÇáÏíä ÅÈÑÇåíã ãÍãæÏ »

الأستاذ بولا

[quote]صدقني، أنا من جانبي أيضاً أحسست من أول مرةٍ قرأتك فيها، بهذه الوشيجة: وشيجة كوامن الشجون والأرق أمام "حضور العدم الكثيف" في قلب الكون، وفي قلب "الوجود الإنساني الأساسي" على وجه الخصوص: مبدأ الحياة والموت، ومبدأ المعنى. وأكثر مرارةً من ذلك "حضور اللامعنى واللامعقول، وغلبتهما الكاسحة" في واقع الإنسان التاريخي الفردي والاجتماعي الماضي والحاضر. أتراني أصبتُ تشخيص الوشيجة؟
نعم يامولاي .
وإذا أضفنا إلي ذلك قولك السابق عن الإستعصاء علي إغراءات ميتافيزيقيا " الوجود الجاهز المكتمل النهائي في كل صوره ومذاهبه " ، تكون قد طرقت عصباً حساساً في منظومة أنسجتي الذهنية التي تقاطعت سلباً ، في وقت ما ، مع رؤي يقينية غيبية في إطار عمل تنظيمي ذي شحنة ميتافيزيقية هائلة .
أشير - كما تري - إلي تجربة ذاتية ، بينما يمتد تشخيصك إلي أفاق موضوعية أرحب تطال مساعي البعض إلي إفراغ الفلسفة " في عمقها الوجودي ، من البعد التراجيدي والإشكالي " كما تفضلت .
إلا أن العلة ، علة اللجوء للمخارج " المطمئنة " للأسئلة العسيرة الحارقة عن معني الوجود والعدم ، هي علة فكرية وروحية أزلية ، لازمت الفرد البشري "Uomo Sapiens " منذ نشأته وإلي يوم الناس هذا . وهي اليوم حارقة بصورة أكبر في ظل المتغيرات الدولية والقلق الوجودي الشامل .
ولي عودة إن شاء الله .
الأستاذ بشري
في ما بدا لي ، ترمي فكرتك إلي تكوين ورش وموائد عمل سايبيرية للتفاكر حول أفضل السبل للإرتقاء بمستوي الخدمات في القطاعات المختلفة ، إستناداً علي إرث وتجارب المجتمعات المتقدمة في تلك المجالات ، وإستناداً إلي حد أدني من الإتفاق علي النهج السياسي الديمقراطي .
الفكرة قيمة ومفيدة بلا شك . إلا أن غياب الأداة التنفيذية لتطبيق تلك الأفكار علي أرض الواقع يجعل منها صيحة في وادي ، لاتجدي فتيلاًً. فلو أخذنا مثلاً قضية التعليم والتنمية ، بمعزل عن الحمولة الآيديولوجية ، نجد طرحاً تقدم به شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه ، منذ نحو 50 عام مضت ، يدعو إلي فدرالية المناهج التعليمية في ظل نظام حكم فدرالي شامل يقسم السودان بموجبه إلي خمسة ولايات ، شمالية وجنوبية وشرقية وغربية ووسطي .
يعتمد ذلك الطرح علي كون التعليم فني بصورة أساسية ، تركز المناهج فيه علي الإستغلال الأمثل للموارد الطبيعية للمنطقة المعنية بتعليم وتدريب إبن
البيئة ، في شرق السودان مثلاً ، علي كيفية إستغلال الثروة السمكية في البحر ا|لأحمر والموارد المعدنية في الجبال، بينما تتجه المناهج في غرب السودان إلي تعليم وتدريب إبن البيئة علي كيفية الإستغلال الأمثل لموارد شجر الهشاب والثروة الحيوانية . وكذا الحال بالنسبة للجنوب والوسط والشمال حيث تتنوع المناخات والموارد الطبيعية .
طرح كهذا لم يجد حظه من التجريب رغم جودته وقيمته التنموية لأطراف السودان المختلفة ، وذلك لغياب الأداة التنفيذية الواعية لنحو نصف قرن من الزمان . وبما أنك ، في ما يبدو ، لاترجو خيراً من الأحزاب التقليدية الراهنة ، ولاتثمن ، بحال ، الإنقلابات العسكرية ، فما هو المخرج الذي يتناسب " مع إرث شعبنا " كما تفضلت ؟ وما هو إرث شعبنا في هذا المجال ؟
مع وافر مودتي .

سيف
" جعلوني ناطورة الكروم .. وكرمي لم أنطره "
نشيد الأنشاد ، الذي لسليمان .
أضف رد جديد