صدور كتاب: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
...
تعقيب على البروفيسور فدوى عبدالرحمن على طه (2-3)
التنقيب عن "ما بعد التاريخ المعلن" في صحائف المؤرخين وإرث الأكاديميا السودانية



عبدالله الفكي البشير


الأطروحات الأربع وتجليات التغييب
الأطروحة الأولى: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي

بدأت البروفيسور فدوى نقدها وتوضيحها برسالة الباحث عبد العظيم محمد حمد أبو الحسن: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي 1955- 1985م، ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم، 2010م.

جاء في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون: "فما كنت أعتقد أن هذه الرسالة ستكون قائمة مصادرها ومراجعها خالية من كتب الأستاذ محمود وبياناته ومناشيره". السؤال: هل خلت قائمة مصادر ومراجع هذه الأطروحة من كتب الأستاذ محمود وبياناته ومناشيره... إلخ؟ وهل ورد في قائمة مصادرها ومراجعها كتاباً واحداً من الكتب التي تصدر باسم الإخوان الجمهوريين؟
الإجابة: لقد خلت قائمة مصادر ومراجع هذه الأطروحة من أي كتاب باسم الأستاذ محمود أو بيان أو منشور... إلخ، كما لم يرد ذكر في قائمتها لأي كتاب من كتب الإخوان الجمهوريين. هذه حقيقة لا جدال فيها.

كتبت البروفيسور فدوى، أن المعلومات في الأطروحات "استقت من مصادر أخرى، وهو أمر معروف ومشروع في أبجديات البحث العلمي". هذا صحيح ولكنه ليس صحيحاً كل الصحة. فمن المعلوم كذلك في أبجديات البحث العلمي، ولعل البروفيسور فدوى تتفق معي، أن الاستقاء من المصادر الأخرى في ظل توفر المصادر الأولية Primary Sources يمثل نقطة ضعف أساسية في البحث العلمي، كما ورد آنفاً. الشاهد أن النقد هنا نقد مستحق، وأعتقد أن هذه الجزئية كان يمكن للبروفسيورة فدوي، أن تقدم لنا فيها، نقداً ذاتياً مستحقاً ومطلوباً في الدوائر العلمية. فاعتماد الباحث، على كتاب: عبداللطيف البوني، في ظل وجود وتوفر المصادر الأولية أمر يمثل نقطة ضعف جوهرية، تحتاج منا لإعمال الحس النقدي.

كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "تناول الباحث عبد العظيم بين الصفحات 112 – 113 أموراً تتعلق بالحزب الجمهوري وابتدر حديثه عن معارضة لجنة مراجعة القوانين التي كونت عام 1977 بمعارضة الحزب الجمهوري..." إلى أن تقول مشيرة للمرجع الذي اعتمد عليه الباحث، قائلة: "... نقلاً عن عبد اللطيف البوني: تجربة نميري الإسلامية في السودان مايو 1969م- أبريل 1985م، الخرطوم، 1995م. وهذا الكتاب لا يوجد له أثر بين مصادر ومراجع المؤلف". هنا مصدر الباحث هو الدكتور عبداللطيف البوني نفسه، مع كامل احترامي للبوني، ويغطي كتابه الفترة ما بين 1969- 1985، والاطار الزمني لأطروحة الباحث 1955- 1985.

كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "وأورد عبد العظيم الآتي: "انتقد الجمهوريون لجنة مراجعة القوانين السارية وتعديلها لتتماشي مع الشريعة منذ تكوينها إذ قاموا بإصدار كتيب في أغسطس 1977 عنوانه "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي"، وأورد الباحث بعض ما جاء في هذا الكتيب...". وأضافت البروفيسور فدوى قائلة: "وكان مصدر عبد العظيم الذي أورده في الهامش "الإخوان الجمهوريون، الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي، ص 37" نقلاً عن عبد اللطيف البوني: تجربة نميري الإسلامية في السودان مايو 1969م- أبريل 1985م، الخرطوم، 1995م. وهذا الكتاب لا يوجد له أثر بين مصادر ومراجع المؤلف". (انتهى). الإشارة لكتاب الإخوان الجمهوريين: الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي ، بما يشبه أن الباحث قد اعتمد على مصدر أولي،إشارة غير دقيقة، فالأمر وبرغم استخدام البروفيسور فدوى، لجملة: "وكان مصدر عبد العظيم الذي أورده في الهامش "الإخوان الجمهوريون، الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي، ص 37 نقلاً ..."، فهذه الجملة لا تغير شيئاً بشأن غياب المصدر الأولي، ذلك لأن ما جاء كان نقلاً عن عبداللطيف البوني.

الاعتماد على المصادر الأخرى في ظل توفر الأولية منها يكلس الأدوار ويقزم المواقف ويتحكم في الاطار الزمني: أطروحة قضية إسلامية الدستور نموذجاً

تناولت الأطروحة: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي 1955- 1985م، لهذا كتبت في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، قائلاً: "وما كنت أعتقد أن هناك رسالة جامعية أنسب من هذه الرسالة للاستشهاد بأقوال الأستاذ محمود ومواقفه وكتاباته، ذلك لأن أمر إسلامية الدستور كان من أكثر الموضوعات التي انتقدها الأستاذ محمود نقداً باكراً ونشر نقده، كما لم يبلغ أذى تأذاه أحد في السودان من قضية إسلامية الدستور مثل ما تأذى الأستاذ محمود وتلاميذه وتلميذاته، بيد أن الرسالة كانت لا تختلف عن الرسائل الجامعية التي تجاهلت الأستاذ محمود وأهملته، فلم يرد كتاب واحد من كتب الأستاذ محمود أو منشور أو بيان في قائمة مصادرها ومراجعها، في تقديري أن هذا الأمر لا يستقيم علمياً وأخلاقياً فالاطار الزمني للرسالة يبدأ بعام 1955م وينتهي بعام 1985م...".

فالأطروحة موضوعها: قضية إسلامية الدستور والقوانين وتأثيرها على الاستقرار السياسي، ففي تقديري، هي الأنسب لتناول القضايا المركزية الكبرى، التي كان يقود مواجهتها الأستاذ محمود، وهي قضايا عديدة. لكن استناد الباحث على الدكتور عبداللطيف البوني، مع غياب المصادر الأولية: كتب الأستاذ محمود وبياناته ومحاضراته وكتب الإخوان الجمهوريين، تحكم في الاطار الزمني لما قدمه في الأطروحة. فالاطار الزمني لكتاب البوني هو 1969- 1985، بينما كانت هناك مواقف وقضايا عديدة خلال الفترة ما بين 1955- 1985 وهي الفترة التي تمثل الاطار الزمني لأطروحة الباحث. كان هناك نشاط كبير قام به الأستاذ محمود، منذ عام 1955، وقد أوردت البروفيسور فدوى، بعضه ضمن حديثها كمعلومات منها، ولم يكن ضمن ما جاء في الأطروحات موضوع الدراسة، منها كتاب: محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية، وعضوية الأستاذ محمود في اللجنة القومية للدستور وسبب انسحابه منها، وعضويته في اللجنة الاستقلالية الثانية 1955، ودوره في مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية نوفمبر 1965م، ...إلخ وغيره مما سنكشف عنه في تناولنا للأطروحة التالية.

إلى جانب أن هناك قضايا كبرى ومركزية، لا يستقيم فيها الأمر إلا بالاستناد على المصادر الأولية، ويجب ألا يتم تهميش القضايا المركزية بالاستناد على غير المصادر الأولية، خاصة وأن صاحب القضايا المركزية، كتب وتحدث ونشر ووزع المناشير... إلخ، من تلك القضايا المركزية: محكمة الردة نوفمبر 1968، وقضية الردة يناير 1985، وقضية الاستتابة، التي وسمها الدكتور القدال بمحكمة الاستتابة، وقد تحدث عنها بتوسع في كتابه: الإسلام والسياسة في السودان (1651م-1985م)، ط1، دار الجيل، بيروت، 1992م، ص227-228، وكتب القدال قائلاً:"وكونوا محكمة الاستتابة... وكانت جلسة مفتوحة بثتها أجهزة الإعلام، انحدر فيها القضاة إلى درك العصور الوسطى".إلى جانب قضية الردة الثانية 7 يناير 1985، وكلمة الأستاذ محمود في المحكمة، وتنفيذ حكم الاعدام، ... إلخ. وكل ذلك موثق بالكتاب والبيان والمقال والندوة والمحاضرة. فقد كتب الأستاذ محمود سلسلة من الكتب وأقام العديد من الندوات بعنوان: بيننا وبين محكمة الردة، ونشر مع تلاميذه وتلميذاته، 27 بياناً، وفقاً لمقتنياتي، جاءت متسلسلة (الحزب الجمهوري- بيان رقم: "1"... وهكذا) وبعناوين عديدة: مهزلة القضاة الشرعيين، وتصفية المحاكم الشرعية، وتصفية المحاكم المليّة، وأكثر من 20 بياناً، وفقاً لمقتنياتي، وعشرات الندوات وأسابيع كثيرة عن مناهضة الدستور الإسلامي خلال الفترة ما بين 1968 وحتى مارس 1969، وجاءت البيانات متسلسلة (الحزب الجمهوري- بيان رقم: "1"... وهكذا) وبعناوين مختلفة منها: الحزب الجمهوري- بيان رقم: (14) "بمناسبة اسبوع مناهضة الدستور الإسلامي المزيف"، الحزب الجمهوري- بيان رقم (16): "لا دستور ولا ديمقراطية إلا بكفالة الحقوق الأساسية"، الحزب الجمهوري- بيان رقم (17) "تدخل علماء الفقه المصريين في السياسة السودانية"... إلخ. كما نشر الأستاذ محمود كثيراً عن الدستور الإسلامي، ففي عام 1968م نشر كتاباً بعنوان: الدستور الإسلامي؟ نعم.. ولا!!، ونشر في عام 1969م كتاباً بعنوان: أسس حماية الحقوق الأساسية، هذا إلى جانب كم هائل من المناشير والمحاضرات التي تحدث فيها الأستاذ محمود عن الدستور الإسلامي وآثاره السياسية وظلاله على بناء الأمة. وقد فصلت ذلك في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون". وجل هذه المصادر متوفرة في دار الوثائق السودانية، بما في ذلك أقوى بيان في مواجهة القضاة الشرعيين، والذي أصدره الأستاذ محمود بعد أن أصدرت المحكمة المهزلة حكمها بالردة في 18 نوفمبر 1968، وهو البيان نمرة (1): مهزلة القضاة الشرعيين"، ووزعه يوم 19 نوفمبر 1968م، ونشر في صدر الصفحة الأولى من صحيفة السودان الجديد بتاريخ 20 نوفمبر. الشاهد إن تهميش القضايا الكبرى والمركزية في دراساتنا وبحوثنا، يضخ مناخات هزيمة الوعي والانكسار في التاريخ ولدى الأجيال.

الخلاصة إن الأطروحة نقلاً عن الدكتور عبداللطيف البوني أشارت لطرف من مواقف الأستاذ محمود والجمهوريين من حل الحزب الشيوعي واتفاقية أديس أبابا 1972، والمصالحة 1977 والموقف من قوانين سبتمبر 1983، بينما كان الاطار الزمني للأطروحة ما بين 1955- 1985. فهل انعدم نشاط الأستاذ محمود والحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1955 وحتى تاريخ إشارات الباحث القليلة المنقولة من مصدر غير أولي؟ أم أن الأكاديميا السودانية بما فيها مشرفة الباحث نفسها، على قناعة تامة بما ورثته من صورة منمطة قوامها أن الأستاذ محمود والحزب الجمهوري لم يكن لهما نشاط في تلك الفترة؟ يمكننا الكشف عن ذلك، والإجابة عن تلك الأسئلة من خلال ما أطلقته البروفيسور فدوى من حكم على الأستاذ محمود والحزب الجمهوري في تبريرها لخلو الأطروحة التالية من ذكر الحزب الجمهوري والأستاذ محمود.

الأطروحة الثانية
تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958


كتبت البروفيسور فدوى قائلة: "أوكد أن مجموعة الطلاب الذين أشرفت وأشرف عليهم ليس ضعيفي الصلة -كما أورد المؤلف- بفهارس ومصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية. ولو أعاد المؤلف النظر في قائمة المصادر والمراجع لتلك الأطروحات لوجد أن دار الوثائق القومية تتصدرها وكانت سكناً بالنسبة لهم إبان إعداد أطروحاتهم. ولم يكن ذلك بسبب ضعف التدريب الأكاديمي حيث ذكر مؤلف الكتاب في ص 1064 "المهم الإشارة إلى أن الإغفال والتجاهل للأستاذ محمود لم يكن كله متعمداً ومقصودا فبعضه يعود لضعف التدريب الأكاديمي وحالة الكسل العقلي إلى جانب الغياب لإعمال الحس النقدي" وإنما بسبب تدريب الطالب على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه فأخرج هؤلاء الطلاب أطروحات موثقة ومتوازنة وجيدة استوفت مستلزمات البحث العلمي الأكاديمي الجاد".

والآن نناقش الأمر على ضوء ما تريده البروفيسور فدوى، وهو أن دار الوثائق القومية كانت سكناً لطلابها ابان اعدادهم لأطروحاتهم، وأن الطالب تدرب: "على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه". ونناقش الأمر متقيدين بالموضوع وبالاطار الزمني للأطروحة.

كتبت البروفيسور فدوى، في تبريرها لعدم ذكر الحزب الجمهوري والأستاذ محمود في أطروحة عنوانها وموضوعها: تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، قائلة: "في تقديري أن عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية الذي أشار إليه القدَّال. فقد امتنع الحزب عن المشاركة في لجان الدستور وقاطع الانتخابات البرلمانية وبالتالي لم يكن له دور في مداولات البرلمان. ويكفي ما ذكره القدَّال أعلاه ليبرر خلو رسالة الباحثة شيرين إبراهيم النور، تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952 - 1958، رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2010 ، من ذكر للحزب الجمهوري في رسالتها إلا في مواضع قليلة جداً".

ما كنت أود لمثل مقام البروفيسورة فدوى، أن يقبل بإرث تنميط الصورة.

التأريخ للحركة السياسية السودانية والأسئلة المشروعة

من واقع ما أوردته البروفيسور فدوى، عن أطروحة: تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، تقفز الأسئلة التالية: هل صحيح، كما ذهبت البروفيسور فدوى قائلة، "في تقديري أن عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية الذي أشار إليه القدَّال"؟ وهل نقاء السريرة وصفاء الطوية، الذي ركنت إليه البروفيسور فدوى في قول القدَّال: "إن أزمة الحزب الجمهوري، أنه قائم على نقاء السريرة وصفاء الطوية"، هل يمنع النشاط السياسي؟ وهل بالفعل، كما ذهبت البروفيسور فدوى، قائلة: "ولا توجد مناسبة للإشارة للأستاذ محمود أو كتبه أو كتب تلاميذه في قائمة المصادر والمراجع"؟ في أطروحة عنوانها وموضوعها تاريخ الحركة السياسية. وهل، كما ذهبت البروفيسور فدوى، قائلة: "حقيقة الأمر هي أن دور الحزب الجمهوري السياسي محدود جداً لأن الحزب غيب نفسه كما أسلفت القول من المواقع العملية للسياسة المتمثلة في الانتخابات والبرلمانات والمجالس واللجان"؟ وهل المواقع العملية للسياسة لا تتمثل إلا في الانتخابات والبرلمانات والمجالس واللجان؟ وهل بالفعل غيب الحزب نفسه خلال الفترة، التي مثلت الاطار الزمني للأطروحة، وهي ما بين 1952 وحتى 1958؟

والحق الذي لا مراء فيه، أن الأمر غير ما ذهبت إليه البروفيسور فدوى البتة، وغير ما ورثه الناس في كتب الحركة الوطنية وتاريخ السودان السياسي، وغير ما درجت عليه الدراسات في إرث الأكاديميا السودانية. فالوقائع والأحداث الموثقة تؤكد أن الفترة ما بين 1952- 1958، وهي تمثل الاطار الزمني للأطروحة المعنية، كانت من أكثر الفترات نشاطاً وأوسعها حراكاً للحزب الجمهوري. فقد شهدت هذه الفترة بالذات انتاج كم هائل (وليس كثيراً فحسب)، من آراء الحزب السياسية وتعبيره واعلانه عن مواقفه السياسية من القضايا في الساحات المحلية والإقليمية والعالمية، وكل هذا النشاط، وهو نشاط نوعي ومغاير عن السائد والمألوف، موثق ومحفوظ نسبه العلمي. وقبل التفصيل الموثق لذلك النشاط، أقدم جرداً مجملاً لما قام به الحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1952- 1958، وقد حكمت البروفيسور فدوى أن الحزب في هذه الفترة "غيب نفسه"، وحكمت، قائلة: "ان عدم ممارسة الحزب الجمهوري للعمل السياسي نتج عنها ضآلة دور الحزب السياسي وضعف دوره في الحركة السياسية السودانية"، واكتفت في أطروحة موضوعها تاريخ الحركة السياسية السودانية، بما ذكره القدَّال، لتقول: "يكفي ما ذكره القدَّال أعلاه ليبرر خلو رسالة الباحثة شيرين إبراهيم النور، تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952- 1958، رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2010، من ذكر للحزب الجمهوري". ولنرى المفارقة بين الوقائع وبين الحكم الذي أطلقته البروفيسور فدوى، من خلال جرد مجمل لنشاط الحزب وحراكه خلال الفترة 1952- 1958، ثم يتبعه التفصيل، وكل ما أقوله من جرد مجمل وتفصيل لنشاط الحزب موثق، ومشار لمصادر توثيقه.

جرد مجمل لنشاط الحزب الجمهوري وحضوره في الساحة السياسية خلال الفترة ما بين 1952- 1958

1. في هذه الفترة (1952- 1958) اصدر الحزب الجمهوري، صحيفة ناطقة بلسان حاله، وهي: صحيفة الجمهورية، صاحب الامتياز الحزب الجمهوري، ورئيس تحريرها الأستاذ محمود، رئيس الحزب. صدر أول أعداد الصحيفة في يوم 15 يناير 1954، وهو اليوم الذي شهد اعلان شعار الحزب: (الحرية لنا ولسوانا)، وظل الشعار بارزاً على صدر الصحيفة، وأنشطة الحزب.

2. في هذه الفترة افتتح الحزب الجمهوري مكتباً له في الخرطوم، وبالتحديد في يوم 12 يناير 1952، وافتتح في هذه الفترة دار اً إقليمية كانت في مدينة مدني، وشهد الداران حراكا واسعاً من ندوات ومحاضرات، كما سيرد تفصيل ذلك.

3. في هذه الفترة بالتحديد، نشر الحزب الجمهوري أربعة كتب، هي: (قل هذه سبيلي: الاقتصاد، الاجتماع، التعليم، المرأة) وكتاب: (Islam the Way Out)، وكتاب بعنوان: (محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية)، وكتاب بعنوان: (الحزب الجمهوري على حوادث الساعة: حقيقية النزاع في الشرق الأوسط، حوادث العراق، التدخل المصري). وهي مفصلة أدناه.

4. شهدت هذه الفترة تنظيم أول مؤتمر للحزب الجمهوري بداره بمدينة مدني، ونشرت صحيفة الزمان، بتاريخ 9 يونيو 1958م، العدد (97)، كما وقفت عليها بدار الوثائق، تفاصيل برنامج المؤتمر ، منها ما هو داخلي للأعضاء، ومنها ما هو جماهيري مفتوح. وبينت الصحيفة أن مدة المؤتمر (7) أيام بمشاركة مندوبي الحزب من الخرطوم ومدني وبورتسودان والروصيرص. كما فصلت الصحيفة الليالي السياسية المصاحبة للمؤتمر، وذكرت أن منها ليالي سياسية يتحدث فيها زعماء الحزب عن: فلسفة الحكم ومستقبل الديمقراطية، ومستقبل الاقتصاد، وندوة بعنوان: "اقتصاديات السودان"... إلخ.

5. في هذه الفترة أرسل الحزب الجمهوري ثلاثة خطابات لرؤساء مصر. أرسلت الخطابات بالبريد، ونشرت كذلك في الصحف المحلية في الخرطوم. الخطاب الأول عام 1952 إلى اللواء محمد نجيب قائدة ثورة 23 يوليو 1952. والخطابان الأخيران إلى الرئيس جمال عبدالناصر. الخطاب الأول في عام 1955، نشرته صحيفة الاستقلال، والخطاب الثاني عام 1958 ونشرته صحيفة أنباء السودان، ويتكون هذا الخطاب من أكثر من ثلاثة آلاف كلمة. أُرسلت هذه الخطابات إلى رؤساء دولة هي مستعمرة للسودان، وظلت باقية بعد الاستقلال 1956، بأجهزتها ومؤسساتها، وذات تأثير قوي في مسار السودان السياسي، بل في أفريقيا والعالم العربي. فما بالك برسائل إلى رؤسائها بتوقيع رئيس حزب سوداني وتضمنت مواجهة قوية، ونشرت تلك الرسائل في الصحف في ظروف حرجة.

6. في هذه الفترة دعا الحزب الجمهوري، إلى انسحاب السودان فوراً من جامعة الدول العربية، وطرح دعوته، ونُشرت في صدر الصفحة الأولى من صحيفة أنباء السودان، 1958، ضمن بيان بعنوان: "الحزب الجمهوري يقدم دعائم الميثاق القومي"، وبيان آخر بعنوان: "عضويتنا في جامعة الدول العربية". أدناه تاريخ نشر البيانات في الصحف.

7. في هذه الفترة تحديداً فجر الأستاذ محمود سجالاً واسعاً عن القومية العربية، بسبب ما جاء في محاضراته وكتاباته عنها. خاصة المحاضرة العامة التي قدمها الأستاذ محمود بعنوان: "القومية العربية والتكتل الإسلامي في الميزان" في مساء يوم 31 يناير 1958 بدار الحزب الجمهوري بمدينة مدني. وصف الأستاذ محمود في محاضرته، القومية العربية بأنها عصبية و"دعوة باطلة" و"تكتل عنصري"، ونشرت صحيفة السودان الجديد ملخص المحاضرة في 6 فبراير 1958. فبدأت مساجلات عظيمة، ومناخ حواري كبير، كتبت على إثره ردود إلى جانب مقالات أخرى لم تكن ردوداً ولكنها رفدت المناخ العام. شارك في المساجلات، وكتابة المقالات عدد كبير من المثقفين كان منهم من أعضاء الحزب الجمهوري بالإضافة للأستاذ محمود، الأستاذ عبداللطيف عمر، والأستاذ جلال الدين الهادي، والأستاذ خوجلي محمد خوجلي، والأستاذ إبراهيم أحمد، وفي الجانب الآخر: الدكتور أحمد بدران (جامعة القاهرة)، والأستاذ سعيد ميرغني حمور، والأستاذ فضل بشير عبدالله، كما كتبت مقالات في ذلك المناخ، ومن كتابها: الشاعر محمد محمد علي، والأستاذ بابكر كرار، والأستاذ على عبد القيوم، والأستاذ محمد مصطفى الفكي، والأستاذ عثمان خالد مضوي، وغيرهم.

8. كانت هذه الفترة بالتحديد، أكثر الفترات التي تناول فيها الأستاذ محمود رئيس الحزب الجمهوري، مشكلة مياه النيل والحدود مع مصر ومشكلة القضايا العالقة مع مصر، عبر المحاضرات في دار الحزب الجمهوري بمدينة مدني وعبر المقالات الصحفية. كما سيأتي تفصيله لاحقاً.

9. شهدت هذه الفترة تحديداً بداية المواجهة بين الأستاذ محمود ومشايخ المعهد العلمي بأم درمان، ومشايخ الأزهر بالقاهرة المبتعثين للمعهد. بدأت المواجهة بسبب ندوتين.الأولى نظمها المعهد عن "مستقبل الثقافة العربية في السودان"وتحدث فيها شيخٌ مبتعثٌ من الأزهر. حضر الأستاذ محمود المحاضرة، وكتب نقداًقوياً لما جاء فيها ونشر بصحيفة أنباء السودان بتاريخ 18 أكتوبر 1958م. والمحاضرة الثانية قدمها الأستاذ محمود وكانت بعنوان: اشتراكية القرآن، ولم يعجب مشايخ المعهد، ما جاء فيها.

10. كانت هذه الفترة تحديداً أكثر الفترات على الإطلاق، التي نشر فيها الأستاذ محمود المقالات السياسية، وهي مقالات طويلة تناولت الشؤون السياسية وقدمت نقداً قوياً للحركة الوطنية والأحزاب السياسية والعلاقات مع مصر... إلخ، وتجد أحياناً له مقالين في يوم واحد، أو مقالاً وبياناً، كما هو مبين في التفاصيل اللاحقة.

11. في هذه الفترة كان للأستاذ محمود، رئيس الحزب الجمهوري، ولأول وآخر مرة، بالإضافة للمقالات الصحفية، عمودان صحفيان، متتاليان، وليسا في وقت واحد، بصحيفة أنباء السودان. العمود الأول كان بعنوان: "كلمة حق"، والعمود الثاني بعنوان: "مشكلة اليوم". وكلا العمودين كانا في صدر الصفحة الأولى من الصحيفة. وكان في عمود: "مشكلة اليوم" يتناول مشاكل محلية وإقليمية وعالمية.

12. هذه الفترة تحديداً شهدت تقديم الطلبات من بعض الأحزاب السودانية للتحالف مع الحزب الجمهوري وتوحيد النضال والعمل المشترك. فاصدر الحزب الجمهوري البيانات، لتوضيح ذلك للرأي العام، كما سيأتي مفصلاً . أيضاً، كتب يحيى محمد عبدالقادر، في كتابه: شخصيات من السودان: أسرار وراء الرجال، ج3، ص 144-146، قائلاً: "وقد حاول الحزب الاشتراكي وحزب الشعب (الكتلة) وكلاهما جمهوري أن يتعاونا معه بحجة وحدة الأهداف الرئيسية بين ثلاثتهما ولكن الحزب الجمهوري (فقط) رفض هذا التعاون لاتهامه كلا من الحزبين بممالأة المستعمر".

13. في هذه الفترة حظي الحزب الجمهوري بإعجاب كبير في الساحة السياسية. كتب بشير محمد سعيد (1921م-1995م)، مقالاً بعنوان: "الجمهوريون يرسمون الطريق"، ونشره في صحيفة السودان الجديد، العدد 1630، الأحد 8 يونيو 1952م، قائلاً: "إن في السودان الآن (8/7/1952م) نحواً من خمسة عشر حزباً كل منها ينادي بأعلى صوته أنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب من براثن الاستعمار، وهي تقوم في معظم الأحوال لا على برامج سياسية واضحة ولكن على استغلال عواطف وعصبيات لا تمت إلى السياسة بصلة... وإني لأنتهز هذه الفرصة فأدعو جميع الأحزاب أن تحذو حذو الحزب الجمهوري فتخرج على الناس أهدافها ومراميها وتتعاون على تربية الشعب تربية سياسية لابد منها إن أردنا للشعب أن يكون له صوت وكلمة في حكومته".

14. في هذه الفترة تم حوار كبير بين الأستاذ محمود والشاعر محمد محمد علي عن الدين والأدب، ونشرت مقالاته في الصحف خلال عام 1954، وقد نشرت بعض المقالات والردود عليها في صحيفة الجمهورية، الناطقة بلسان حال الحزب الجمهوري. لقد وصف الدكتور حيدر إبراهيم، الحوار بين الأستاذ محمود والشاعر محمد محمد علي، بأنه "من أرقى الحوارات السودانية".

لابد من الإشارة - وقبل تقديم التفاصيل الموثقة لما ورد أعلاه - إلى أنني استبعدت الكثير من الأنشطة التي قام بها الأستاذ محمود في هذه الفترة تحديداً، واستبعدت كذلك حوارات كبيرة ومراسلات كثيرة، من أجل الاختصار من جهة، ولصلتها - تلك الحوارات والمراسلات - بالأدب من جهة أخرى، ومن نماذج ما استبعدته من الحوارات: حوار تم بين الأستاذ محمود والدكتور محمد النويهي، وحوار تم بين الأستاذ محمود والعلامة عبدالله الطيب، وحوارات ومراسلات أخرى كانت على هامش ندوة عبدالله حامد الأمين، وكل هذه الحوارات وغيرها نشرت على صفحات الصحف السودانية. ولكني استبعدتها.

تفاصيل نشاط الحزب الجمهوري في الساحة السياسية خلال الفترة (1952- 1958)
(بيانات، ندوات، محاضرات، مؤتمرات، مساجلات، رسائل إلى رؤساء دول ومفكرين، مقالات، تصريحات، ...إلخ)


ملاحظات وتوضيحات:

 كل ما ورد أدناه من الأنشطة مصدره الصحف السودانية ودار الوثائق السودانية، ومكتبة السودان.
 استبعدت كل الأنشطة، التي بحوزتي وهي كثيرة جداً، والتي ربما، لا تتيسر للطلاب والباحثين في دار الوثائق السودانية، أو مكتبة السودان، أو الصحف السودانية. كما أن بعضها غير مكتمل بياناته عندي (التاريخ، الصحيفة.. الخ وكان بعضها مقتنيات لأعضاء الحزب الجمهوري. كما إني اكتفيت بنماذج من المقالات التي نشرت في صحيفة الجمهورية ونماذج من العمودين "كلمة حق" و "مشكلة اليوم" التي كان يكتبهما الأستاذ محمود.
 إذا كان هناك نشاط ورد في المصدر باسم أحد أعضاء الحزب الجمهوري غير الأستاذ محمود أوردت اسم الشخص كما جاء في المصدر.
 أوردت تفاصيل الأنشطة أدناه وفقاً للتسلسل التاريخي، ونظمت معلوماتها مرتبة على النحو التالي: تاريخ النشاط، (نوع النشاط)، عنوان النشاط، المصدر.
 بحوزتي نسخة من كل هذه الأنشطة الواردة أدناه، كما جاءت في مصادرها.

تفاصيل أنشطة الحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين (1952- 1958)


1. في يوم 2 يناير 1952، (بيان)، "موقف الحزب الجمهوري من الائتلاف"، صحيفة الرأي العام.
2. في يوم 12 يناير 1952 (تصريح)، "افتتاح مكتب الحزب الجمهوري"، صحيفة الرأي العام.
3. في يوم 3 مارس 1952 (بيان)، "رأي الحزب الجمهوري عن الموقف الراهن"، صحيفة الشعب.
4. في يوم 10 مارس 1952 (بيان)، "الحزب الجمهوري يرفض دستور الحكم الذاتي"، صحيفة السودان الجديد.
5. في يوم 19 مارس 1952 (اجتماع)، "اجتماع في دار الحزب الجمهوري لبحث إمكانية التحالف بين الحزب الجمهوري والحزب الجمهوري الاشتراكي"، صحيفة السودان الجديد.
6. في يوم 22 مارس 1952 (بيان)، "الحزب الجمهوري يدرس الخطط العملية لمقاطعة الدستور"، صحيفة السودان الجديد.
7. في عام 1952 (كتاب)، قل هذه سبيلي: الاقتصاد، الاجتماع، التعليم، المرأة [بعض محاور الكتاب: الديمقراطية، التعليم، المرأة... إلخ].
8. في عام 1952 (كتاب)، Islam The way out، ط 1.
9. في يوم 5 يونيو 1952 (استعراض لمنشورات الحزب الجمهوري)، "المدنية الإسلامية: تنقذ الإنسانية التي أزرت بها ضراوة الوحشية-1"، صحيفة السودان الجديد.
10. في يوم 7 يونيو 1952 (استعراض لمنشورات الحزب الجمهوري)، "المدنية الإسلامية: تنقذ الإنسانية التي أزرت بها ضراوة الوحشية-2"، صحيفة السودان الجديد.
11. في يوم 8 يونيو 1952 (تصريح)، عن رحلة وفد الجبهة الاستقلالية إلى مصر، صحيفة السودان الجديد.
12. في يوم 8 يونيو 1952 (لقاء صحفي)، "رئيس الحزب الجمهوري يصف الموقف السياسي الراهن بأن لا جديد فيه [لقاء مندوب صحيفة السودان الجديد برئيس الحزب الجمهوري]"، صحيفة السودان الجديد.
13. في يوم 19 يونيو 1952 (بيان)، "نشاط الحزب الجمهوري السياسي خلال أيام العيد"، صحيفة السودان الجديد.
14. في يوم 18 أغسطس 1952 (خطاب)، "خطاب إلى اللواء محمد نجيب، قائد ثورة 23 يوليو 1952م بمصر"، ضمن: الكتاب الأول من سلسلة رسائل ومقالات، ط1، أم درمان، ابريل 1973م.
15. في يوم 25 أغسطس 1952 (مقال)، "القوانين الوضعية والقوانين السماوية: تعقيب على اللواء محمد نجيب"، ضمن: الكتاب الأول من سلسلة رسائل ومقالات، ط1، أم درمان، ابريل 1973م.
16. في يوم 18 ديسمبر 1952 (مقال)، "الحركة الوطنية كما أريدها"، [ثلاث فئات من المواطنين يجب أن تشترك في الحركة الوطنية اشتراك العمل المنتج. النساء وسكان القرى والاغنياء ولاشتراك هؤلاء اشتراك العمل المنتج يجب أن تكون الحركة الوطنية نفسها حركة عمل منتج لا حركة تهريج وهتاف بسقوط الاستعمار وليس إلا...]- محاور: الحركة الوطينة والعمل- عقيدة العمل الوطني- النساء وتشييع الحب والجمال والسلام... إلخ، صحيفة السودان الجديد
17. في يوم 21 فبراير 1953 (بيان)، "الاتفاقية الانجليزية المصرية"، صحيفة السودان الجديد.
18. في عام 1953 (خطاب)، "خطاب إلى المحامي العام في الباكستان بشأن دستور الباكستان والقرآن"، ضمن: الكتاب الثاني من سلسلة رسائل ومقالات، ط1، أم درمان، ابريل 1973م.
19. في يوم الجمعة 15 يناير 1954 (اصدار صحيفة)، صدور أول عدد من صحيفة الجمهورية، الناطقة بلسان الحزب الجمهوري. جاء في الكلمة الافتتاحية للعدد الأول: "أيها القارئ الكريم: تحية، أما بعد: فهذه صحيفة الجمهوريين يقدمها لك فتية آمنوا بربهم، فهيمن عليهم الإيمان على صريح القصد، فهم يقولون مايريدون بأوجز أداء، ويعنون ما يقولون من الألف إلى الياء .. و(الجمهورية) تطمح في أن تخلق تقليدا في الصحافة في معنى ما يخلق الجمهوريون من تقليد جديد في السياسة .. والجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان .. وللجمهورية في الصحافة رأي، وهو أنها يجب أن تعين على العلم، لا أن تمالي على الجهل .. يجب أن تسير أمام الشعب لا أن تسير فى زمرته تتسقط رضاه، وتجاري هواه، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه .. وقد تعرض الجمهوريون في نهجهم السياسي للكثير من العنت، والأذى من جراء مضائهم فيما يرونه الحق، والعدل .. فهل تتعرض الجمهورية لشيء من الكساد، من جراء ما ستجافي من التقليد التجاري بتقديم ما يقدم في سوق النفاق؟إن هذا لا يعنينا بقدر ما يعنينا أن نستقيم على الحق.. فقد أنفقنا عمرنا نبحث عنه، ولا نزال، فإن وجدناه، فإنا سنلقاك به صريحا غير مشوب بتلطيف، وسيكون عليك أنت أن تختار لنفسك بين وجه الحق ووجه الباطل".
20. في يوم 15يناير 1954 (خطاب)، إعداد الإنسان الحر: الدكتور توريزبوديت مدير عام منظمة اليونسكو، صحيفة الجمهورية؛ (صدر المقال من قبل في صحيفة صوت السودان 1953).
21. في يوم 15 يناير 1954 (مقال)، "نحو عالم جديد"، صحيفة الجمهورية.
22. في يوم 15 يناير 1954 (مقال)، المرأة، صحيفة الجمهورية.
23. في يوم 15 يناير 1954 (مقال)، "قل هذه سبيلي"، صحيفة الجمهورية.
24. في يوم 22 يناير 1954 (مقال)، افتاحية العدد الثاني من صحيفة الجمهورية: "واجب الحكومة واجب المعارضة"، جاء فيها: "واجب الحكومة وواجب المعارضة واحد في هذه الفترة وهو واجب بسيط إذا ترفعت النفوس عن غائر الأحقاد. واجبهما أن يعرفا أن الاستعمار لا يزال باقياً وأن حظه من الاستمرار في البقاء في هذه البلاد اليوم ليس أقل منه بالأمس وأن مدة الثلاث السنوات المشروطة للجلاء في الاتفاقية الإنجليزية المصرية مدة طويلة حقاً وهي تقيِّض للاستعمار الفرصة الكافية جداً ليكيد كيده لهذه البلاد إذا لم تكن الحكومة والمعارضة على السواء كالذئب ذلك الذي زعموا أنه لا ينام حين ينام إلا بعين واحدة ولا بأس أن تكون تلك العين هي المعارضة... إلخ".
25. في يوم 22 يناير 1954 (مقال)، "رأينا في المرأة"، صحيفة الجمهورية.
26. في يوم 22 يناير 1954 (مقال)، "نحو عالم جديد"، صحيفة الجمهورية.
27. في يوم 5 فبراير 1954 (مقال)، "ساووا السودانيين في الفقر إلى أن يتساووا في الغنى"، صحيفة الجمهورية.
28. في يوم 5 فبراير 1954 (مقال)، "في الشرق دعوات وفي السودان دعوة"، صحيفة الجمهورية.
29. في يوم 5 فبراير 1954 (مقال)، "نحو عالم جديد: الاشتراكية"، صحيفة الجمهورية.
30. في يوم 5 فبراير 1954 (مقال)، "اشتراكية القرآن"، صحيفة الجمهورية.
31. في يوم 19 فبراير 1954 (مقال)، "تعليقاً على تصريح السيد إسماعيل الأزهري بمناسبة الذكرى الأولى لاتفاقية الخرطوم القاهرة"، صحيفة الجمهورية.
32. في يوم 10 ابريل 1954 (مقال)، "سوءتان، فتنة في مصر وغفلة في السودان"، صحيفة الجمهورية.
33. في عام 1954 (مقال)، "دقائق التمييز"، ضمن كتاب: أسئلة وأجوبة: الكتاب الثاني،ط1، أم درمان، 1971م.
34. في أيام 6- 12 يونيو 1954 (مقال)، الثقافة (3 حلقات)، صحيفة الجمهورية.
35. في يوم 12 يونيو 1954، (مقال)، "حرية الثقافة"، صحيفة الجمهورية.
36. في يوم 12 يونيو 1954 (مقال)، "اسمعوني وعوني! والله لا تتحررون بغير الإسلام"، صحيفة الجمهورية.
37. في يوم 2 أغسطس 1954 (محاضرة)، "كيف يخدم العمال قضاياهم"، (نادي العمال)، صحيفة صوت السودان.
38. في يوم 29 ديسمبر 1954 (بيان)، "الحزب الجمهوري يصدر بياناً عن رأيه" [الأحداث- الجمهورية كنظام للحكم- مستقبل الديمقراطية- دعوة الحزب للجمهورية واتهام المستنيرين له بالجنوح إلى الخيال- أخطر المسائل: مستقبل البلاد- السياسة المرتجلة- ...إلخ، صحيفة صوت السودان.
39. في يوم 5 مارس 1955 (ندوة)، "العاصمة تشهد أضخم ليلة سياسية تقيمها الجبهة الاستقلالية بدار المركز العام لحزب الأمة" [رئيس الحزب الجمهوري يلهب المشاعر بخطابه الرصين وكلماته النارية وتوجهاته الوطنبة]، صحيفة النيل.
40. في يوم 7 مارس 1955 (ندوة)، "استمعت أمس الخرطوم 3 إلى قادة الاستقلاليين يتحدثون عن مواضيع الساعة"- [بمشاركة أعضاء من الحزب الجمهوري]، صحيفة النيل.
41. في يوم 27 مارس 1955(بيان)، "مشاركة الحزب الجمهوري في وفد الجبهة الاستقلالية إلى الهند وجاكرتا"، صحيفة النيل.
42. في يوم 27 مارس 1955 (ندوات: كوستي والدويم)، "نشاط الجبهة الاستقلالية في الأقاليم- سفر وفد الجبهة: حسن محجوب وقاسم أمين ومحمود محمد طه ومحمد سعيد معروف"، صحيفة النيل.
43. في يوم 28 مارس 1955 (وفد)، "وفد الجبهة الاستقلالية لمؤتمر دلهي- بمشاركة عضو الحزب الجمهوري عبدالحميد صالح"، صحيفة النيل.
44. في يوم 2 مايو 1955 (مقال)، "مستقبل السودان وموقف المصريين"، ذا النون جبارة ، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة النيل.
45. في يوم 23 يونيو 1955 (بيان)، "الحزب الجمهوري يوضح وجهة نظره بشأن تقرير المصير"، صحيفة الاستقلال.
46. في يوم 21 يوليو 1955 (ندوة)، "تقرير المصير- نادي حي البوستة الثقافي بأمدرمان"، حي البوستة- أمدرمان، السودان الجديد.
47. في يوم 3 سبتمبر 1955 (خطاب، "من محمود محمد طه الى جمال عبد الناصر "، صحيفة الاستقلال.
48. في يوم 10 سبتمبر 1955 (بيان)، "بيان من الحزب الجمهوري عن حوادث الجنوب"، صحيفة الاستقلال.
49. في يوم 17 نوفمبر 1955 (بيان)، "بيان الحزب الجمهوري حول السياسة الاقتصادية الرسمية"، صحيفة الاستقلال.
50. في ديسمبر 1955 (كتاب)، محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري يقدم أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية، ط1.
51. في ديسمبر 1955 (محاضرة)، "حول الاستقلال"، ضمن كتاب: الاستقلال جسد روحه الحرية، دار الوثائق 1/76/ 92
52. في يوم 19 يناير 1957 (بيان)، "ماذا دار في لجنة الدستور القومية أمس؟ استقلال اللجنة عن الحكومة"، صحيفة الرأي العام.
53. في يوم 26 يناير 1957 (بيان)، "انسحاب الحزب الجمهوري من لجنة الدستور القومية"، صحيفة الرأي العام.
54. في يوم 29 يناير 1957 (بيان)، "الحزب الجمهوري يوضح الأسباب التي أبقتهم في لجنة الدستور حتى تاريخ انسحابهم"، صحيفة الرأي العام.
55. في يوم 1 سبتمبر 1957 (بيان)، "برنامج الحزب الجمهوري" [لو كان الحزب الجمهوري سيخوض الانتخابات المقبلة لكان برنامجه كالاتي: ...]، صحيفة الأمة.
56. في يوم 12 سبتمبر 1957 (تعقيب)، "مشاكل التربية الأساسية في الشرق الأوسط"، تعقيب على جاك بيرل أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون"، صحيفة السودان الجديد.
57. في يوم 31 يناير 1958 (ندوة)، "القومية العربية والتكتل الإسلامي في الميزان"، دار الحزب الجمهوري- مدني، صحيفة السودان الجديد.
58. في يوم 6 فبراير 1958 (ملخص ندوة)، "السيد محمود محمد طه يقول في واد مدني إن القومية العربية تكتل عنصري"، صحيفة السودان الجديد.
59. في يوم 20 فبراير 1958 (مقال)، "حول محمود محمد طه والقومية العربية"، بقلم عبداللطيف عمر ، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة السودان الجديد.
60. في يوم 22 فبراير 1958 (خبر ندوة)، "قدم الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري نقاشاً عن الموقف السياسي الحاضر بدار الحزب الجمهوري بمدني"، صحيفة السودان الجديد.
61. في يوم 22 فبراير 1958 (محاضرة)، "الموقف السياسي الراهن" [مشكلة الحدود مع مصر- مشكلة القضايا العالقة مع مصر، ومشكلة مياه النيل]، دار الحزب الجمهوري- مدني، صحيفة أنباء السودان.
62. في يوم 26 فبراير 1958 (مقال)، "محمود محمد طه يتحدث عن الأزمة المصرية السودانية"، صحيفة السودان الجديد.
63. في يوم 26 فبراير 1958 (ملخص محاضرة)، "الموقف السياسي الراهن"، بقلم خوجلي محمد خوجلي، صحيفة أنباء السودان.
64. في يوم 1 مارس 1958 (بيان)، "بيان من الحزب الجمهوري عن الموقف الحاضر" [الشوائب التي لحقت بالعلاقات المصرية السودانية- أمران وراء أول الشر في العلاقات المصرية السودانية- غرور الحكومة المصرية- سكان المناطق السودانية- حكومة مصر حكومة عسكرية جامحة... إلخ]، صحيفة السودان الجديد.
65. في يوم 2 مارس 1958 (رد على مقال)، "حول القومية العربية ليست عنصرية أو تعصبية"، صحيفة السودان الجديد.
66. في يوم 31 مارس 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الخارجية والداخلية [نهرو والمثالية- الجزائر- خطاب الدورة]"، صحيفة أنباء السودان.
67. في يوم 13 أبريل 1958 (مقال)، "تطورات خطيرة في الميدان السياسي"،محاور: زيارة جمال لروسيا- مشكلة الجنوب الفدريشن- تقسيم السودان إلى خمس ولايات- الحكم الذاتي- قاعدة مجالس القرى... إلخ، صحيفة أنباء السودان.
68. في يوم 3 مايو 1958م (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية [بيننا وبين مصر- مشكلة الحدود- الجيش]"، صحيفة أنباء السودان.
69. في يوم 11 مايو 1958 (خبر) "بيان الحزب الجمهوري عن المعونة الأمريكية"، صحيفة أنباء السودان.
70. في يوم 11 مايو 1958 (بيان)، "بيانات.... بيان من الحزب الجمهوري عن المعونة الأمريكية"، صحيفة الأمة.
71. في يوم 11 مايو 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية، متى يتمتع الناس بخيرات الاستقلال- مشكلة الجنوب مرة أخرى]"، صحيفة أنباء السودان.
72. في يوم 12 مايو 1958 (بيان)، "الحزب الجمهوري يبدي رأيه في المعونات الاقتصادية وجريدة الأمة تناقشه"، صحيفة الأمة.
73. في يوم 17 مايو 1958 (بيان)، "بيانات.... بيان من الحزب الجمهوري عن المعونة الأمريكية"، صحيفة أنباء السودان.
74. في يوم 21 مايو 1958 (ندوة)، "الموقف السياسي الراهن: المعونة الأمريكية"، دار الحزب الجمهوري- مدني، صحيفة السودان الجديد.
75. في يوم 9 يونيو 1958 (مؤتمر)، "المؤتمر الدراسي الأول للحزب الجمهوري لتدارس فكرة الحزب وماضيه ومستقبله"، صحيفة الزمان.
76. في يوليو 1958 (كتيب)، الحزب الجمهوري على حوادث الساعة: حقيقة النزاع في الشرق الأوسط، حوادث العراق، التدخل المصري، ط 1.
77. في يوم 23 يوليو 1958 (محاضرة)، "الموقف الدولي الراهن"، دار الحزب الجمهوري- مدني، صحيفة السودان الجديد.
78. في يوم 6 أغسطس 1958 (مقال)، "الحزب الجمهوري يبصر حيث لا تبصرون ويعلم ما لا تعلمون- ثقتنا بالسودانيين شديدة وولاؤنا للسودان أكيد"، بقلم عبداللطيف عمر، عضو الحزب الجمهوري رداً على أبو المعالي عبدالرحمن الأمين، صحيفة السودان الجديد.
79. في يوم 7 أغسطس 1958 (ملخص محاضرة)، "الحكومة القومية خطرة وستضيع على السودان مياه النيل والحدود"، بقلم خوجلي محمد خوجلي، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة السودان الجديد.
80. في يوم 16 أغسطس 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية: المعارضة لاتجاه القطيع- أكثر محرري الصحف جهلاً- ماذا حمل وزير خارجية السودان؟ السياسة الداخلية- الوزارة القومية، صحيفة أنباء السودان.
81. في يوم 23 أغسطس 1958 (بيان)، "الحزب الجمهوري يقدم دعائم الميثاق القومي" [بيان المطالبة بانسحاب السودان فوراً من جامعة الدول العربية]، صحيفة أنباء السودان.
82. في يوم 23 أغسطس 1958 (مقال)، "في الميدان السياسي الخارجي: أخطاء خطيرة هاوية تتردى فيها بعض الصحف- الحكومة القومية"، صحيفة أنباء السودان.
83. في يوم 23 أغسطس 1958 (مقال)، "حقائق وأباطيل: القومية العربية باطلة"، صحيفة أنباء السودان.
84. في يوم 30 أغسطس 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الخارجية والداخلية [هيئة الأمم- مياه النيل- نقض السودان لاتفاقية توزيع مياه النيل]"، صحيفة أنباء السودان.
85. في يوم 6 سبتمبر 1958م (عمود صحفي)، "مشكلة اليوم [عن الصين- الشيوعية- الأمريكان- الروس]"، صحيفة أنباء السودان.
86. في يوم 6 سبتمبر 1958م (مقال)، "ماذا فعل الصحفيون بحريتهم؟"، صحيفة أنباء السودان.
87. في يوم 14 سبتمبر 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية [تهديدات الزعيم الشيوعي الروسي خرستشيف لأمريكا- دخول أمريكا في مفاوضات عامي 1955م و1957م- قصة الصراع على أرض الصين وآخر فصولها- مضايق فرموزا- الصراع بين الشيوعية الدولية والرأسمالية الغربية- الرأي العام الأمريكي- جزيرة كيموى]"، صحيفة أنباء السودان.
88. في يوم 14 سبتمبر 1958 (مقال)، "مشكلة مياه النيل"، صحيفة أنباء السودان.
89. في يوم 26 سبتمبر 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية: هيئة الأمم- الشرق الأقصى- صندوق النقد الدولي والبنك العالمي"، صحيفة أنباء السودان.
90. في يوم 1 أكتوبر 1958 (بيان)، "المنهاج الديني للحزب الجمهوري- لماذا الإسلام؟"، صحيفة أنباء السودان.
91. في يوم 1 أكتوبر 1958 (مقال)ـ "دعوة جديدة تناهض الشيوعية"، بقلم جلال الدين الهادي الطيب، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة أنباء السودان.
92. في يوم 4 أكتوبر 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية: هيئة الأمم- ومسألة المجر أيضاً- الجزائر- نحن شعب بلا سياسة"، صحيفة أنباء السودان.
93. في يوم 18 أكتوبر 1958 (بيان)، "عضويتنا في الجامعة العربية"، صحيفة أنباء السودان.
94. في يوم 18 أكتوبر 1958 (مقال)، "مستقبل الثقافة العربية في السودان، المدلول الحديث للثقافة والوسائل إليها- مهداة إلى طلبة وأساتذة المعهد العلمي بامدرمان"، صحيفة أنباء السودان.
95. في يوم 18 أكتوبر 1958 (مقال)، "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية: الشرق الأقصى- الجزائر- مؤتمر البجة- رأس الدولة"، صحيفة أنباء السودان.
96. في يوم 18 أكتوبر 1958 (مقال)، "في الميدان السياسي: انكار مصر لعرضها يشكل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الدولية"، أحمد إبراهيم، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة أنباء السودان.
97. في يوم 18 أكتوبر 1958 (مقال)، "حول الخطوة التالية لعبد الناصر هي السودان"، بقلم عبداللطيف عمر، صحيفة أنباء السودان.
98. في يوم 18 أغسطس 1958 (خطاب)، "الحزب الجمهوري يرسل خطاباً لجمال عبدالناصر" (ثلاثة آلاف كلمة)، صحيفة أنباء السودان.
99. في يوم 25 أكتوبر 1958 (خبر)، "محمود محمد طه يعتقل في القاهرة"، صحيفة أنباء السودان.
100. في يوم 25 أكتوبر 1958 (مقال)، "الأزمة بين السودان ومصر: اتفاقية مياه النيل سنة 1929"، صحيفة أنباء السودان.
101. في يوم 25 أكتوبر 1958 (عمود صحفي)، "مشكلة اليوم [حديث مندوب تونس في الجامعة العربية عن تدخل مصر في شؤون الدول العربية وسيطرة مصر على الجامعة العربية- اعتراف الجامعة العربية بالعراق قبل السودان]"، صحيفة أنباء السودان.
102. في يوم 1 نوفمبر 1958 (بيان)، "ماذا يريد الحزب الجمهوري بالتطوير في التشريع الاسلامي؟"، صحيفة أنباء السودان.
103. في يوم 1 نوفمبر 1958 (بيان)، "بيانات الحزب الجمهوري على الموقف الداخلي[استقراء لطابع الحركة الوطنية]"، صحيفة أنباء السودان.
104. في يوم 1 نوفمبر 1958 (عمود صحفي)، "مشكلة اليوم: فضيحة عالمية"، محاور: قضية الكاتب الروسي بوريس باسترناكو إعلانه عن الاضطهاد الذي يلقاه المفكرون الذين يشذون عن القطيع- الحرية الفردية- الشيوعية- ومنح الأكاديمية السويدية جائزة نوبل لباسترناك عام 1958م، صحيفة أنباء السودان.
105. في يوم 29 نوفمبر 1958 (عمود صحفي)، "كلمة حق [حركة الجيش- المؤامرات الأجنبية- الكرامة القومية- كلمات الإطراء التي يتبرع بها المنافقون- الصحافة والصحفيون- الرأي العام]"، صحيفة أنباء السودان.
106. في يوم 6 ديسمبر 1958 (مقال)، "تعالوا إلى كلمة سواء: الحرية الفردية في [أعلى] مستوياتها"، صحيفة أنباء السودان.
107. في يوم 13 ديسمبر 1958 (مقال)، "السودان أولاً"، بقلم أحمد إبراهيم، عضو الحزب الجمهوري، صحيفة أنباء السودان.
108. في يوم 18 ديسمبر 1958 (مقال)، "تعالوا إلى كلمة سواء: الحرية والقيود"، صحيفة أنباء السودان.
109. في يوم 20 ديسمبر 1958 (مقال)، "تعالوا إلى كلمة سواء: خلافة الأرض"، صحيفة أنباء السودان.
110. في يوم 24 ديسمبر 1958 (خطاب)، "التعليم: خطاب إلى عميد معهد بخت الرضا الأستاذ عثمان محجوب"، ضمن: الكتاب الثاني من سلسلة رسائل ومقالات، ط1، أم درمان، ابريل 1973.



هذا جردٌ مجمل لنشاط الحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1952- 1958، مع الاختصار الشديد، واستبعادي للكثير من الأنشطة.

حاجتنا للمروءة الأكاديمية والتواضع الذهني

تضمنت القائمة أعلاه، جرداً مجملاً مختصراً لنشاط الحزب الجمهوري خلال 1952- 1958 من حيث الكم، فما بالك بالكيف والمحتوى؟

في تقديري أن كل نشاط: بيان...إلخ، مما ورد أعلاه، يستحق أن يدرس لحاله، ذلك لأن الحزب الجمهوري كانت لديه رؤية مغايرة ومختلفة عن ما هو مطروح وسائد في الساحة السياسية، والمغاير دوماً أحق بالدراسة لأنه يسعف في الفهم أكثر من المتشابه، وعبر دراسة المغاير، يمكننا كذلك، أن نكتشف التباينات والمداخل لتفسير الوقائع والأحداث.

فهل بعد كل هذا، يمكننا أن نقبل من مشرفة على أطروحة جامعية عنوانها: الحركة السياسية السودانية (1952- 1958)، دعك من الطالب/ الطالبة، أن تطلق حكماً، بأن الحزب الجمهوري لم يكن له دور في الحركة السياسية خلال الفترة الزمنية التي مثلت الاطار الزمني للأطروحة؟.. وهل نقبل بأن يكون ذلك الحكم، حتى ولو أتى من الدكتور القدَّال، أو أي أكاديمي آخر، هو المبرر لخلو الأطروحة المعنية من ذكر الحزب الجمهوري أو الأستاذ محمود؟ ل وهل نقبل من البروفيسور فدوى قولها: "ويكفي ما ذكره القدَّال أعلاه ليبرر خلو رسالة الباحثة شيرين إبراهيم النور تاريخ الحركة السياسية السودانية 1952 - 1958، رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2010، من ذكر للحزب الجمهوري في رسالتها"؟ وهل بعد كل هذه المعلومات والوقائع، يمكننا قبول ما كتبته المشرفة، قائلة: "ولا توجد مناسبة للإشارة للأستاذ محمود أو كتبه أو كتب تلاميذه في قائمة المصادر والمراجع"، عن أطروحة موضوعها وعنوانها: الحركة السياسية السودانية (1952- 1958)؟ لا ولا كرامة.. وهل من المقبول علمياً، أن نبرر عدم ذكر الحزب الجمهوري في الأطروحة، استناداً على قول أكاديمي آخر، حتى ولو كان مخالفاً للوقائع والأحداث الموثقة؟ وهل رأي أي أكاديمي كان، بأن الحزب الجمهوري لم يكن له نشاط في تلك الفترة، يمنعنا من التنقيب والبحث في الأرشيف؟ هل نجمد البحث عند رأي القدَّال؟ وإذا كانت القائمة أعلاه، تتضمن نشاط الحزب الجمهوري خلال الفترة 1952- 1958، المغيب في الأكاديميا السودانية والمعلن إنكاره، في أحدث مقال نقدي، بحكم أكاديمي، من غير علم، بعدم وجود النشاط أصلاً، ليبرر، الجهل بالنشاط، عدم ذكر الحزب في أطروحة موضوعها: تاريخ الحركة السياسية السودانية خلال الفترة 1952- 1958، فما بالك بحجم نشاط الحزب في الفترات الأخرى كماً وكيفاً؟ وبعد كل هذا، هل يمكننا قبول ما كتبته البروفيسور فدوى، قائلة: "لو أورد المؤلف ذلك الذي ذكره القدَّال لنسف الهدف الذي رمى إليه وهو تضخيم دور الحزب الجمهوري السياسي"؟ فهل ضخم مؤلف كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، دور الحزب الجمهوري، أم قزمت الأكاديميا السودانية، ضخماً، ظل يقدم العلمي والنوعي؟ بيد أنه تقزيم إلى حين.. وهل إيرادي لما ذكره القدَّال ينسف الهدف الذي رميت إليه، كما أدعت البروفيسور فدوى، وهو تضخيم الحزب الجمهوري، أم أن ما أوردته الآن عن نشاط الحزب الجمهوري خلال الفترة 1952- 1958 ينسف ما ذكره القدَّال، وينسف ما ركنت إليه البروفيسور فدوى، وينسف ادعاءها، وينسف كذلك الصورة الذهنية للحزب الجمهوري التي رسخت في وعي ودوائر الأكاديميا السودانية، بتنميط موروث، ثم تسرب ذلك التنميط، بوعي أو بدون وعي، إلى الأجيال وإلى إنتاج الأكاديميا السودانية؟

الشاهد أن عدم وجود مناسبة لذكر الحزب الجمهوري في الأطروحة المشار إليها أعلاه، لم يكن بسبب غياب نشاط الحزب الجمهوري، وإنما بسبب عدم المامنا بذلك النشاط، نسبة لعدم انفتاحنا، بما يكفي، على الإرشيف السوداني في دار الوثائق القومية. ولو انفتحنا على الإرشيف، دون الحاجة للسكن في دار الوثائق القومية، لوقفنا على نشاط ضخم ونوعي وعلمي قام به الحزب الجمهوري خلال الفترة ما بين 1952- 1958. إنني أدعو البروفيسور فدوى، خاصة وأنها تمثل سلطة أكاديمية، في مجال تاريخ السودان السياسي، أن تراجع موقفها، وتراجع الحكم الذي أطلقته، بأن الحزب الجمهوري لم يكن له نشاط خلال الفترة ما بين 1952- 1958، وقد أتضح الآن أن الأمر غير ما ذهبت إليه وغير ما حكمت به.

لهذا فإن المعطيات وشواهد الواقع تلزمنا بضرورة ممارسة النقد الذاتي، وبضرورة التحلي بالتواضع الذهني. فإرث تنميط الصور والتهميش والتغييب وبتر المعارف، المتمكن في وعي وإنتاج الأكاديميا السودانية، تسرب إلى عقول الطلاب فانطلى عليهم، وعلى غمار الناس، حتى صدقه، للأسف الشديد، بعض أذكى الأذكياء من المثقفين والأكاديميين السودانيين. لهذا فإننا في حاجة ماسة لاستنهاض المروءة الأكاديمية لمزيد من البحث المتعمق والتنقيب والتمحيص والتقصي في إرشيف السودان، فهناك الكثير مما لم يكشف عنه، وما لدينا لا يكفي لأطلاق الأحكام. ويجب علينا كذلك الانتباه إلى ضرورة أن نستدعي المهمش والمكبوت والمقموع والمغيب حتى نفهم لننقذ أنفسنا والسودان والإنسان.

نواصل في الحلقة القادمة والأخيرة، ونتناول: "القدَّال والحزب الجمهوري ونقاء السريرة وصفاء الطوية"، و"دراسة المغاير والخارج عن السائد والمألوف أحق من دراسة المتشابه"، و"الأطروحات الأربع وتجليات التغييب: الأطروحة الثالثة والرابعة"، و"مقترح بحث ماجستير أو دكتوراة أكاديمي علمي محايد متكامل"... إلخ.

..
..
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
...
تعقيب على البروفيسور فدوى عبدالرحمن على طه (3-3)
التنقيب عن "ما بعد التاريخ المعلن" في صحائف المؤرخين وإرث الأكاديميا السودانية



عبدالله الفكي البشير


القدَّال والحزب الجمهوري ونقاء السريرة وصفاء الطوية

احقاقاً للحق، فإن الدكتور القدَّال حينما كتب ما كتب عن نقاء السريرة وصفاء الطوية، كما ورد آنفاً، لم يكن يتحدث عن الفترة ما بين 1952- 1958، في تاريخ وسجل الحزب الجمهوري. وقد ركنت البروفيسور فدوى، إلى قول القدال، وخاطبت به هذه الفترة 1952- 1958، وهي تبرر خلو الأطروحة وعدم ذكرها للحزب الجمهوري في حين أن موضوع الأطروحة وعنوانها هو: تاريخ الحركة السياسية السودانية. الشاهد أن القدال لم يحدد فترة تاريخية بعينها حينما كتب عن نقاء السريرة وصفاء الطوية عند الحزب الجمهوري، ولم يعب ذلك، وما كان له أن يعيب ذلك، فقد كتب مشيراً للنقاء، قائلاً: "أول الأحزاب الداعية للاستقلال هو الحزب الجمهوري الذي أسسه الأستاذ محمود محمد طه عام 1945م. ونشر الحزب برنامجاً انتقد فيه التيارين الكبيرين لارتباطهما ببريطانيا ومصر ولانعدام المذهبية في عملهما، ودعا إلى.... قيام جمهورية سودانية.... فقد أخرج الحزب دعوة الاستقلال من محيط المناورات وطموح السيد عبدالرحمن، إلى نقاء العمل السياسي الحقيقي من أجل الاستقلال فألبسها دثاراً ناصعاً جعل منها دعوة يمكن أن تلهم جيلاً بأكمله. كما أخرج العمل السياسي من دائرة المناورات والتكتيك، إلى رحاب العمل الفكري القائم على البرنامج الملزم المحدد الجنبات والآفاق". وهذا غير ما ذهبت إليه البروفيسور فدوى، وهي تستند على قول القدال وتبرر به غياب الحزب وضآلة نشاطه السياسي خلال الفترة ما بين 1952- 1958 وهو الاطار الزمني للأطروحة المشار إليها.

كذلك كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "إن أزمة الحزب الجمهوري، أنه قائم على نقاء السريرة وصفاء الطوية، دون أن يدرك أن ذلك النقاء وذلك الصفاء لابد لهما من مناورات وعمل تكتيكي". ثم بناءً على ذلك، كتبت البروفيسور فدوى، وهي تتحدث عن طالبتها، قائلة: "وقد أبانت في دراسة موثقة جداً تلك التكتيكات والمناورات التي أشار إليها القدال، ولا توجد مناسبة للإشارة للأستاذ محمود أو كتبه أو كتب تلاميذه في قائمة المصادر والمراجع" (انتهى). هنا أيضاً الأمر يحتاج من البروفيسور فدوى للمراجعة، والممارسة لبعض النقد الذاتي، فنقاء السريرة وصفاء الطوية لم يمنع الحزب الجمهوري من النشاط، كما أتضح لنا آنفاً، كما أن التكتيكات والمناورات التي ابانتها الطالبة في أطروحتها، لم تبنها بالمقارنة مع منشورات الحزب الجمهوري عن نقاء السريرة وصفاء الطوية.

وبعد كل هذا، أين عدم الالتزام الأكاديمي والأخلاقي، الذي أشارت إليه البروفيسور فدوى، هل هو في كتاب: "الأستاذ محمود والمثقفون"، أم أنه تجلى بوضوح في إنتاج الأكاديميا السودانية وفي إرث مؤرخي الحركة الوطنية السودانية، ودارسي تاريخ السودان السياسي، وطرق تبريرهم للآراء؟

دراسة المغاير والخارج عن السائد والمألوف أحق من دراسة المتشابه

كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "وقبل ذلك لم يشارك الأستاذ محمود محمد طه في مؤتمر الخريجين الذي تأسس عام 1938 ولم يكن عضواً فيه ولا في لجانه". والحق أن عدم المشاركة في مؤتمر الخريجين، موقف ومشاركة. وفي تقديري، هذا الموقف أحق بالدراسة من مواقف أولئك الذي كانوا جزءاً من مؤتمر الخريجين. خاصة وأن صاحب هذا الموقف، بيَّن لنا الأسباب وشرحها بتفصيل في بيانات عديدة. في يوم 9 نوفمبر 1945 أصدر الحزب الجمهوري كما ورد آنفاً، بياناً بعنوان: "موقف الحزب الجمهوري من المؤتمر ومن وثيقة الاحزاب المؤتلفة"، ونشر البيان في صحيفة النيل بتاريخ 22 نوفمبر 1945. (برغم أن الأستاذ محمود في مرحلة تأسيس مؤتمر الخريجين 1938، وهو في عطبرة غير اسم النادي من نادي السكة الحديد بعطبرة إلى نادي الخريجين، للتفاصيل أنظر محور: موقف الأستاذ محمود من مؤتمر الخريجين ضمن كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون). أوضح الحزب أسباب اختلافه مع مؤتمر الخريجين، وما معنى تسمية المؤتمر بمؤتمر الخريجين العام.وتناول البيان حق العضوية في المؤتمر، ولماذا لا يعمل الحزب الجمهوري سياسياً تحت لواء المؤتمر؟ وما هو الشرط الذي يتعاون بموجبه الحزب الجمهوري مع أي هيئة؟ ...إلخ. وفي 17 مارس 1947 أصدر الحزب الجمهوري بياناً بعنوان: "إلى المؤتمر والأحزاب" تناول البيان قرار المؤتمر أو وثيقة الأحزاب قياساً بالفهم السياسي المستنير،وقال هما أسوأ دعاية للسياسي السوداني في فهمه لقضية بلاده. وأضاف البيان قائلاً: "قضيتنا قضية حرية ولا سبيل إلى كسبها إلا بإثارة الشعب حولها بالدعوة الجريئة السافرة وأول الخطوات لتوحيد البلاد بفتح الجنوب على مصراعيه - واستكراه الحكومة على احترام الحريات العامة – حرية الكتابة - وحرية الكلام وحرية التنقل (فعلا لا قولاً)... إلخ". وأضاف: "نحن موقنون أنكم تطلبون الخير ولكنكم تجهلون أصل القضية ولهذا رأينا أن نتصدى لنصيحتكم إذ لو كنا نتهمكم بسوء القصد (الخيانة) لكان لنا معكم شأن آخر. وختم البيان قائلاً: "وليس الخائن لدينا من يفهم قصد السبيل ثم يحيد فقط وإنما الخائن أيضاً الجاهل الذي تأخذه العزة بالإثم وقد أعذر من أنذر". وغير ذلك من البيانات والمقالات الكثيرة.

هذا في تقديري ما يجب أن يتناوله ويدرسه الطلاب بشأن مؤتمر الخريجين. المواقف المغايرة والخارجة عن السائد والمألوف التي تستحق الدراسة، لأنها تمكننا من أن نفهم ونفسر الوقائع والأحداث.

أيضاً في ردها على قولي في كتاب الأستاذ محمود والمثقفون: "لقد درج الأستاذ محمود في مشاركاته بأن يعلن انسحابه متى ما تحقق الغرض الذي شارك من أجله في الحدث أو النشاط وذلك عندما انسحب من الجبهة الاستقلالية الأولى التي تكونت عام 1946 عقب بروتوكول صدقي - بيفن"، كتبت البروفيسور فدوى في الرد على هذه النقطة قائلة: "لكن عندما انسحب الأستاذ محمود من لجنة تعديل الدستور عام 1956 كان بسبب سقوط اقتراحه وعدم تحقق غرضه وليس بسبب تحقيق الهدف". ففي تقديري أن الأستاذ محمود بإعلان انسحابه من لجنة تعديل الدستور عام 1956 احتجاجاً على سقوط اقتراحه، استطاع أن يحقق غرضاً وهدفاً عابراً للمكان والزمان، لنأتي نحن لندرسه وننقب فيه. فقد ملكنا عبر ذلك الاعلان المسبب والموثق موقفاً يسعفنا في الفهم عندما ندرسه. فقد أعلن الأستاذ محمود عن انسحابه من اللجنة بخطاب، وكعادته في تمليك الرأي العام للحقائق، نشر خطابه في صحيفة الرأي العام بتاريخ 26 يناير 1957، وجاء فيه:

"حضرة السيد رئيس لجنة الدستور القومية، والسادة أعضاء اللجنة المحترمين.. تحية طيبة، وبعد: يؤسفنا أن نبلغكم انسحابنا من اللجنة القومية للدستور، وذلك لانهيار الأساس الذي قبلنا به الإشتراك فيها.. فقد جاءت فكرة تكوين هذه اللجنة عقب رغبة حقيقية أعلنها الرأي العام السوداني، كيما تساعد على إبراز الرأي المعبر عن مُثُل الشعب الإنسانية، ليصاغ منها دستوره، وقامت الحكومة بتنفيذ فكرة تكوين اللجنة باعتبار أنها أصلح من يقوم بمثل هذا العمل .. وما كنا لنبخس الحكومة حقها في شكرها على أدائها هذا العمل لو سارت فيه السير الصحيح.. ولكن مع الأسف كونت اللجنة بصورة يصدق عليها أن تعتبر لجنة حكومية، وليست قومية، فاستحلّت الحكومة لنفسها أن تعيّن رئيسها، وتعيّن أعضاءهاالمستقلين، حسبما يروقها، وهذه من أخص حقوق اللجنة التي ما كان للحكومة أن تتغوّل عليها.. وكان أملنا أن تسترد اللجنة حقوقها المسلوبة، ولكن اللجنةنفسها، خذلتنا عندما أسقطت الاقتراح الذي تقدمنا به في هذا الصدد فارتضت لنفسها بذلك وضعاً مهيناً، لا نشعر بالكرامة في قبوله، والاستمرار فيه.. وقد قال بعض أعضاء اللجنة، أن اللجنة عينتها الحكومة، وعينت لهااختصاصاتها، وليس من حق أعضائها أن يعيدوا النظر فيما حددته الحكومة، بل لايتورّع بعض الأعضاء من أن يعلن أن الدستور منحة تمنحها الحكومة للشعب هي ولية أمره فيفصح بذلك عن كفرانه بالشعب أصل الدساتير، كل هذا يقال داخل اللجنة، واللجنة تقبله. وبذلك وضح أن الحكومة تريد أن تجعل هذه اللجنة مخلب قط في يدها وتتخذ منها أداة لعمل تلبسه ثوب القومية.. وإزاء كل هذا لا يسعنا إلا أن نعلن إنفصالنا من هذه اللجنة.. وختاماً تفضلوا بقبول فائق الاحترام،الحزب الجمهوري".

والحق هذه المواقف هي التي تستحق الدراسة والبحث، عندما نتحدث عن مؤتمر الخريجين أو لجنة الدستور القومية 1956. ولكن دراساتنا الأكاديمية لا تنشغل بالمغاير والمختلف والخارج عن السائد والمألوف، وإنما تركن للمتشابه والمتسق والساير ضمن القطيع. وهذا ما يتطلب منا وقفة قوية ونقد شجاع.

الأطروحةالثالثة
(إسهامات الأعضاء الجنوبيين في البرلمانات واللجان والمجالس السودانية "1948- 1969") رسالة ماجستير، جامعة الخرطوم، 2004.

عن هذه الأطروحة كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "تتحدث الباحثة في بحثها عن مداولات الأعضاء الجنوبيين في برلمانات ولجان ومجالس محددة ولا تتحدث عن دور الزعماء السياسيين ورؤيتهم لمشكلة الجنوب ولم تورد أي رأي لحزب آخر وموضوعها محدد".

مع قبولنا للموضوع المحدد للأطروحة، بدراسة الأمر بمعزل عن دور الزعماء الشماليين، فإن مجادلتي لا تنصب على دور الزعماء الشماليين ورؤيتهم لمشكلة الجنوب، برغم أن الأستاذ محمود والحزب الجمهوري نشر خلال الفترة ما بين 1945- 1969، أكثر من 21 (بيان، مقال.. كتيب... إلخ) متحدثاً أو مشيراً فيها لمشكلة الجنوب، أو مشكلة الجنوب ومشكلة الشمال، أو مشكلة الجنوب والساسة الجنوبيين (احتفظ بنسخة من كل هذه المنشورات)، وإنما أقول أن الأطروحة تناولت في متنها قضايا عديدة، لا يمكن أن تدرس في اطار مداولات الأعضاء الجنوبيين، فقط، فهي أحداث ووقائع، ومنها: المجلس الاستشاري لشمال السودان، وقد خصصت له الأطروحة عنواناً جانبياً، كما درست الأطروحة في الفصل الرابع: "جنوب السودان خلال الحكم العسكري"، وتناولت ضمن الفصل الخامس: مؤتمر المائدة المستديرة، واللجنة القومية للدستور 1956م، واللجنة القومية للدستور عام 1966م-1968م، ومسودة الدستور، ....إلخ.الشاهد أن هناك تقاطعات كثيرة في الأطروحة. ولكن اطلاق الأحكام التي تجرد الحزب الجمهوري من النشاط خلال الفترة 1952- 1958 كما هو الحال في الأطروحة السابقة، يفسر لنا عدم الالمام بأنشطة الحزب الجمهوري في المراحل السابقة واللاحقة.

ففي اطار تناول هذه الأطروحة، ليس عن دور الزعماء السياسيين ورؤيتهم لمشكلة الجنوب، إذ قالت البروفيسور فدوى أن الأطروحة لا تتحدث عن ذلك، كما ورد آنفاً، وإنما في اطار ما تناولته الأطروحة، في حالة المجلس الاستشاري لشمال السودان، مثلاً. فإن الذي لا يعرفه الكثير من أساتذة تاريخ السودان السياسي، أن زعيم الحزب الجمهوري وكذلك قادته سجنوا بسبب نضالهم ضد قيام المجلس الاستشاري لشمال السودان. بل أن الحزب اعتبر قيام هذا المجلس تقسيماً للسودان، وظل رافضاً بالمقاومة والصدام لأي قانون يصدر عنه. وفي هذا، كان الحزب الجمهوري، حسب علمي، هو الحزب الوحيد في الساحة السياسية الذي دخل قادته السجن بسبب المقاومة للمجلس الاستشاري لشمال السودان. هنا ينبغي أن الفت الانتباه، إلى أنني أتحدث عن السجن الأول للأستاذ محمود، 50 يوماً، (الأحد 2 يونيو- الاثنين 22 يوليو 1946)، وليس السجن الثاني، عامان، (الأحد 22 سبتمبر 1946- الثلاثاء 21 سبتمبر 1948) الذي كان بسبب قيادة الأستاذ محمود لثورة رفاعة/ الخفاض الفرعوني، (راجع الفصل الخامس من كتاب الأستاذ محمود والمثقفون، عن ثورة رفاعة). فقد كان السجن الأول للأستاذ محمود بسبب منشورات ضد المجلس الاستشاري لشمال السودان وضد القوانين التي أصدرها المجلس. ففي يوم 3 يونيو 1946 نشرت صحيفة الرأي العام خبراً بعنوان: "رئيس الحزب الجمهوري في السجن"، وأوردت في نص الخبر قائلة: "مثل الأستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام. وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخص بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل بالسياسة ولا يوزع منشورات أو أن يودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك. ولكن الأستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن. وقد اقتيد لتوه إلى سجن كوبر ولم تستغرق هذه الإجراءات كلها غير وقت يقل عن الساعة". ويقول الأستاذ محمود: ""أنو الإنجليز نواياهم مبيتة لفصل الجنوب ولذلك جعلوا المجلس الاستشاري لشمال السودان ونواياهم كلها في أنهم يفصلوه .. فدا كنا بنحمس بيهو الجماهير"(لقاء الأستاذ محمود بمندوبي معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، مصدر سابق).

وفي يوم الاربعاء 26 يونيو سنة 1946م نشرت صحيفة الرأي العام، بياناً بعنوان: "بيان رسمي من مكتب السكرتير الإداري عن رئيس الحزب الجمهوري"، جاء فيه: "ظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثاً بخصوص محمود محمد طه الذى هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحرى نتيجة لرفضه أن يمضى كفالة المحافظة على الأمن – وهذه البيانات قد إحتوت على معلومات غير دقيقة والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود محمد طه أن يشتغل وهذا يخالف قوانين السجن فلم يعمل له أي شئ في اليوم الاول أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام (بالزنزانة ) (والأكل الناشف) – ولو أنه رفض أيضا أن يقف عند الكلام مع ضابط السجن فإن العقوبة التي نالها الآن لم تعط له لهذه المخالفة لنظام السجن – وبهذه المناسبة يجب أن يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم أو طبقاتهم يجب أن يقفوا الى ضابط السجن إنجليزياً كان أو سودانياً. وبالطبع لم تتخذ أي وسيلة لمنع هذا المسجون أو أي مسجون آخر من أداء واجباته الدينية".

كذلك قام أعضاء الحزب الجمهوري بإصدار المناشير ضد المجلس الاستشاري لشمال السودان، وضد القوانين التي أصدرها المجلس: قانون الخفاض ولوائح تعاطي الخمور. وخطب أعضاء الحزب الجمهوري في الشوارع ضد المجلس الاستشاري لشمال السودان. فقد أوردت صحيفة الرأي العام في يوم الخميس 27 سبتمبر 1946م، العدد 453، خبراً جاء في نصه: "اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جبارة وعبدالمنعم عبدالماجد أعضاء الحزب الجمهوري عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري ونددا فيهما بالمجلس الاستشاري وقانون الخفاض وكبت حرية الرأي والخطابة، وباعتقال هذين بلغ عدد المعتقلين من الحزب الجمهوري خمسة مازالوا في السجن". وفي يوم الجمعة 4 أكتوبر 1946م نشرت صحيفة الرأي العام خبراً تحت عنوان: "عضوان من الحزب الجمهوري يطلق سراحهما"، يقول نص الخبر: "النص "أطلق سراح منير أفندي صالح عبدالقادر وعبدالمنعم أفندي عبدالوهاب اللذان قبض عليهما قبل أيام بتهمة إلقاء خطب تندد بالمجلس الاستشاري وقانون الخفاض في مكان عام في الخرطوم. كان اطلاقهما بلا ضمان". وفي يوم 25 سبتمبر 1946، نشرت صحيفة الرأي العام خبراً بعنوان: "الحزب الجمهوري ينظم موكباً"، وجاء في نص الخبر: "اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم وقد خطب منصور عبد الحميد في أحدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق فاعتقله البوليس للتحقيق وقد سمح لخمسة من زملائه أن يحضروا معه التحقيق ومنع البوليس الباقين من الدخول. واستمر التحقيق إلى ما بعد منتصف الليل حيث أطلق سراح المقبوض عليه بضمانة وكان الغرض من الموكب والخطبة الاحتجاج على اعتقال رئيسه والتنديد بقانون الخفاض". وفي يوم الخميس 10 أكتوبر 1946م، نشرت صحيفة الرأي العام تحت عنوان: "المعتقلون من الحزب الجمهوري"، قائلة: "اطلق أمس سراح سعد صالح وذا النون جبارة وعثمان عمر العتباني ومنصور عبدالحميد بضمانة على أن يحضروا لمحكمة الجنايات في يوم 13 و14 الجاري لنظر قضيتهم بتهمة إثارة الشغب. أما منير صالح وعبدالمنعم عبدالوهاب فقد اطلقا بلا ضمان لعدم توفر الأدلة ضدهما".

الشاهد نحن هنا أمام مواقف سياسية ومقاومة عملية وقوية للمجلس الاستشاري لشمال السودان، وهي متفردة ونادرة المثال، فهي الأحق بالذكر والتناول، فبدلاً من ذكر تواريخ قيام المجلس ....إلخ ينبغي أن نضخ مواقف المقاومة والمصادمة للاستعمار، التي تمت بالفعل، لتكون حاضرة في تاريخ السودان، وفي مناخات الدراسات الأكاديمية.

الأطروحة الرابعة
(انتخابات وبرلمانات السودان مايو 1965 - مايو 1969 رسالة ماجستير جامعة الخرطوم 2011). عن هذه الأطروحة، كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "لم تذكر الحزب الجمهوري في خلفيتها التاريخية لأن هدى ذكرت فقط الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية التي تناولتها في بحثها ولا يوجد دور للحزب الجمهوري في ما تناولته".

تناولت الأطروحة ضمن الفصل الأول، وفي عناوين جانبية: مؤتمر الخريجين، الأحزاب السودانية 1945- 1954، والمجلس الاستشاري، والأحزاب الاستقلالية، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثاني، وفي عناوين جانبية كذلك: ميثاق أكتوبر، والخلافات بين حكومة أكتوبر والأحزاب السياسية، انتخابات أبريل 1965 بين المعارضين والمؤيدين لإجرائها، وغيرها من الموضوعات. وتناولت ضمن الفصل الثالث: مشكلة الجنوب بعد اندلاع ثورة أكتوبر 1964 وقبل إجراء الانتخابات التكميلية، وغيره من المحاور. وتناولت ضمن الفصل الرابع: التعديلات التي ادخلتها الجمعية التأسيسية على الدستور، والمشكلة الدستورية وحل الحزب الشيوعي، اللجنة القومية للدستور... وغيرها من المحاور... إلخ.

الشاهد أن في كل هذه المحاور كان للأستاذ محمود والحزب الجمهوري حضور ودور كبير. ويكاد الباحث يجد للأستاذ محمود والجمهوريين مواقف مقاومة موثقة، أو نشر كتاب أو كتب أو توزيع مناشير ... إلخ، في أي محور من المحاور آنفة الذكر، وقد وردت إشارات كثيرة آنفاً. إلى جانب المواقف المغايرة عن الأحزاب في مؤتمر الخريجين، كما وردت الإشارة آنفاً، أو في المجلس الاستشاري لشمال السودان، كما ورد آنفاً. كما أن قضية محكمة الردة نوفمبر 1968 من أكثر الموضوعات التي كان يجب أن يتم تناولها في هذه الأطروحة. خاصة وأن الأطروحة في الفصل الخامس وقفت عند الجمعية والدستور، حتى مايو 1969. وقد ورد الحديث عن دور الحزب الجمهوري في مقاومة المجلس الاستشاري لشمال السودان. كما أن الحديث عن الأحزاب السودانية والمجلس الاستشاري ومشكلة الجنوب وقضية الدستور... إلخ لا يشترط أن يكون الحزب مشاركاً في الانتخابات البرلمانية. وفي كل تلك المحاور كان للأستاذ محمود بيانات ومناشير وكتابات منشورة ومتوفرة في دار الوثائق القومية. من المهم الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري عبر عن رأيه بشأن عدم المشاركة في الانتخابات والبرلمانات، ولكنه لم يغيب نفسه وإنما أعلن عن منهجه في سعيه لنشر وتسييل مبادئه، و"التزام جانب الحق والعمل على الإسهام في تنوير الشعب". فالسياسة عنده ليست تهريج وكراسي حكم... إلخ، وإنما هي "تدبير أمر الناس بالحق وبميزان"، من خلال البرامج والخطط والمذاهب والمواقف، وتنوير للشعب وتنمية وعيه بحقوقه وحريته... إلخ. فقد جاء في خاتمة البيان الذي أصدره الحزب الجمهوري في يوم 21 فبراير 1953م بعنوان: "بيان من الحزب الجمهوري - الاتفاقية الانجليزية المصرية"، "إن الجمهوريين لن يشتركوا في انتخابات ولا برلمان ولكنهم سيوسعون مبادءهم إذاعة وشرحاً وتبييناً حتى يعتنقها السودانيون قاطبه فيبلغوا بها أسباب الحرية". وقد كتب الأستاذ محمود بصحيفة أنباء السودان، في يوم 4 أكتوبر 1958، ضمن حديثه عن: "نحن شعب بلا سياسة"، قائلاً: "أما أنت فما شئت وأما أنا فما أرضى لهذا الشعب أن يظل غنيمة باردة لتضليل هذه الأحزاب الفاسدة الجاهلة وإني للخلاص لعامل وعلى الله قصد السبيل". وعن فهم الجمهوريين للسياسة جاء في افتتاحية العدد الأول من صحيفة الجمهورية بتاريخ 15 ينار 1954م، كما ورد آنفاً: "الجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان".

أسباب التغييب والاقصاء

مما تقدم يتضح لنا أن أمر التغييب والاقصاء للأستاذ محمود ومشروعه، في تاريخ السودان السياسي، لا يتصل كله بالنية كما ذهبت إلى ذلك البروفيسور فدوى، قائلة: "لو كان لعبد العظيم نية مبيتة في إقصاء الأستاذ محمود أو لمشرفته لما أورد ما ذكرته". فالأمر لا يرجع كله للنية المبيتة وإنما هناك أسباب عديدة، أوجزتها في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، وقلت: "تكاد تخلو جل قوائم مصادر ومراجع دراسات الأكاديميا السودانية، من اسم الأستاذ محمود ومن كتبه وكتب تلاميذه. فالأمر هنا أبعد من أن يكون مرتبطاً بالحرية الأكاديمية،... أيضاً من المهم الإشارة إلى أن الإغفال والتجاهل لم يكن كله متعمداً ومقصوداً، فبعضه يعود لضعف التدريب الأكاديمي، والغياب لإعمال الحس النقدي. وهو أمر موروث في الأكاديميا السودانية، يعود إلى طبيعة الجرعة التعليمية في نظام التعليم الذي أسسه المستعمر في بواكير القرن العشرين. فهو تعليم كان يهدف، كما ورد آنفاً، إلى تخريج الكتبة والفنيين، وليس صناعة قادة المستقبل. نتج عن ضعف التدريب الأكاديمي الاستمرار في حالة اللا إعمال للحس النقدي، وضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها".

يتضح مما تقدم في هذا المقال، أن التغييب كان نتاجاً لعدم الالمام والمعرفة بنشاط الحزب الجمهوري والأستاذ محمود، إلى جانب ضعف الاتصال بالمصادر ومظانها، وبالوثائق واستنطاقها. وفي هذا تتفق معظم الدراسات الأكاديمية وكتب مؤرخي الحركة الوطنية وكتب أساتذة تاريخ السودان السياسي. أما الطلاب فلم يكونوا سوى الضحية، كما ورد آنفاً. فأسباب التغييب والإقصاء عديدة، فما ينطبق على دراسات الفقهاء، مثلاً ربما لا ينطبق على كل دراسات التاريخ السودان السياسي، فدراسات الفقهاء كان العمد فيها واضحاً، بينما دراسات التاريخ السياسي كان الأوضح فيها عدم الالمام، وليس النية المبيتة، على الأقل في حالة البروفيسور فدوى وطلابها. الشاهد أنني خصصت للتغييب والتهميش والتجاهل وبأسبابه العديدة ستة فصول من كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، كما وردت الإشارة آنفاً.

أيضاً كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "أوكد أن مجموعة الطلاب الذين أشرفت وأشرف عليهم ليس ضعيفي الصلة - كما أورد المؤلف - بفهارس ومصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية. ولو أعاد المؤلف النظر في قائمة المصادر والمراجع لتلك الأطروحات لوجد أن دار الوثائق القومية تتصدرها وكانت سكناً بالنسبة لهم إبان إعداد أطروحاتهم. ولم يكن ذلك بسبب ضعف التدريب الأكاديمي حيث ذكر مؤلف الكتاب في ص 1064 ... وإنما بسبب تدريب الطالب على التقيد بالموضوع الذي يبحث فيه فأخرج هؤلاء الطلاب أطروحات موثقة ومتوازنة وجيدة استوفت مستلزمات البحث العلمي الأكاديمي الجاد".

نحن في حاجة لممارسة بعض النقد الذاتي، فمن واقع هذا المقال، ومن واقع بعض ما ورد في كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، يتضح أن ضعف الصلة بمصادر الدراسات السودانية في دار الوثائق القومية، أمرٌ موروثٌ وماثلٌ ومتوسعٌ في الأكاديميا السودانية، وليس فقط لدى طلاب البروفيسور فدوى. يضاف إلى ذلك أن هذا المقال، والذي اتاحت فرصته البروفيسور فدوى وهي مشغولة بطلابها، وهذا شيء جيد، كشف في بعض تجلياته وآفاقه الكثير مما هو غير معلوم لدى الكثير من أساتذة تاريخ السودان السياسي بشأن الأستاذ محمود والحزب الجمهوري، على أقل تقدير حجم النشاط خلال الفترة ما بين 1952- 1958. أكثر من ذلك فإن المصادر التي تعتمد عليها الأطروحات في تاريخ السودان السياسي، لا سيما المذكرات والسير الذاتية وكتب الحركة الوطنية... إلخ، مصادر تحتاج منا لما انطوت عليه، لاعمال الحس النقدي، فبعضها كمصدر للتاريخ قليل الفائدة، ومنها ما هو ضعيف، وبعضها الآخر لا قيمة له، وقد فصلت ذلك في الفصل السادس عشر. فقد هُمش وغيب الكثير مما هو مركزي في تلك المصادر.

الشاهد إن المسؤولية جماعية، نحن شركاء في هذا الأمر، أمر التغييب والتهميش، سواء بنقد إرث تاريخنا أو نقد إنتاج وإرث الأكاديميا السودانية، ومن ثم السعي الجماعي لتصحيحه.فليس طلاب البروفيسور فدوى، هم المقصودون، وليس البروفيسور فدوى هي المقصودة، وإنما جاء ذلك في اطار نقد لمناخ وإنتاج وإرث للأكاديميا السودانية في ما يتعلق بالأستاذ محمود محمد طه ومشروعه.

إن القضية،في تقديري، أكبر وأعمق وأشمل من طلاب البروفيسور فدوى، فالتغييب والتهميش والبتر للمعارف، يعود أيضاً إلى إشكاليات تتصل بالفشل في إدارة مجتمعات التعدد الثقافي، فهي مجتمعات تحمل في داخلها القابلية لتزوير التاريخ. كما أن المسؤولية عن التزوير لا تقع على جهة بعينها، ولا تتحملها جماعة بعينها، أو ثقافة بعينها، فالكل عندي ضحايا، وإنما هي مسؤولية جماعية، والتصحيح لهذه الأوضاع هو أيضاً مسؤولية جماعية، وهو عمل جماعي. فأداء الأكاديميا السودانية عمل تراكمي، وإرث مؤرخي السودان، قد تحكمت فيه عوامل عديدة ومتداخلة، لهذا فمن الواجب أن نبدأ بالتصحيح عبر الحوار والنقد واستنهاض المروءة الأكاديمية. فالتغييب والتهميش وبتر المعارف في عقول الطلاب، في تقديري، هو أحدأسباب بتر الأراضي، ولا يمكن قراءة ما حدث لجنوب السودان، وما يعيشه السودان اليوم من حروب ومن مناخ تشظي، بمعزل عن بتر المعارف في عقول الطلاب، وسجل وأداء الأكاديميا السودانية.

مقترح بحث ماجستير أو دكتوراة أكاديمي علمي محايد متكامل

كتبت البروفيسور فدوى، قائلة: "ختاماً أتمنى أن تسنح لي الفرصة لأشرف على بحث ماجستير أو دكتوراه أكاديمي علمي محايد متكامل يتناول بالتحليل والنقد الأستاذ محمود محمد طه والحزب الجمهوري". في تقديري، أننا قبل التأمل في الدعوة للإشراف على بحث ماجستير أو دكتوراة أكاديمي علمي محايد متكامل، علينا في الأكاديميا السودانية، أن نمارس النقد الذاتي بشأن اطلاقنا للأحكام، عن أنشطة الحزب الجمهوري ودوره في الساحة السياسية. وعلينا العمل على تحرير العقول من الصورة النمطية التي ورثتها الأكاديميا السودانية من المؤرخين، وسارت عليها، بشأن دور الأستاذ محمود والحزب الجمهوري في تاريخ السودان السياسي. وعلينا كذلك الانفتاح على الإرشيف، وبعث الوثائق واستنطاقها، وأن لا نستكين لما لدينا من معارف، أو ما هو معلن من التاريخ. لأن الإِشراف لا قيمة له إذا لم نكن منفتحين بما يكفي على الإرشيف، ومتحررين من التسليم بالصورة المنمطة.

من المهم الإِشارة إلى أن الدراسات الأكاديمية في العالم قد قطعت شوطاً كبيراً في دراسة مشروع الأستاذ محمود، من السودانيين وغير السودانيين. لقد سبق وأن رصدت أكثر من 25 أطروحة، أنجزت في مختلف أنحاء العالم. يضاف إلى ذلك، أنه في هذه الأيام تحديداً، وبناءً على اتصالات مباشرة معي، هناك أطروحة دكتوراة في أربيل، كردستان العراق، وأخرى (لا أتذكر إن كانت دكتوراة أو ماجستير) في بوسطن بأمريكا، وثالثة أطروحة ماجستير في نيويورك بأمريكا، ورابعة أطروحة دكتوراة في تونس (أعتقد أنه تم انجازها).

وحسب مراقبتي وتقديري، فإن النشر والاصدارات في السودان خارج دوائر الأكاديميا السودانية، أصبح أكثر كماً وكيفاً، ولم تعد دور النشر الملحقة بالجامعات السودانية، منبعاً للإنتاج الفكري ومغذية بما يكفي للسوح الثقافية والفكرية. فالأمر قد تجاوز الأكاديميا السودانية بأطروحاتها وبدور نشرها. ففي هذه الأيام، وحسب متابعتي، هناك أكثر من (15) كتاباً عن الأستاذ محمود محمد طه ومشروعه بصدد النشر، أعدها أكاديميون وباحثون، وبعضها دخل المطابع، وقد شرفني بعض مؤلفيها بكتابة مقدمات لكتبهم. من هذه الكتب: ثلاثة كتب عن دور الأستاذ محمود في الحركة الوطنية السودانية، وكتاب بعنوان: بعض أوراق جمهوري: (السودان: بلدٌ وشعبٌ وفكرة)، وكتاب عن ثورة رفاعة/ الخفاض الفرعوني، وكتابين عن أدوات التبليغ عند الأستاذ محمود محمد طه، وكتاب عن: النظرية الروحية للبيئة والتنمية مأخوذة عن فهم مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه (حالة البيئات الجافة بالسودان)، ...إلخ.

تجديد الدعوة للحوار

أرجو أن تسمح لي البروفيسور فدوى، فأكرر شكري لها، على اهتمامها ونقدها وتوضيحها. فقد أعجبني نقدها، إذ كان نقداً علمياً وبناءً، سيساهم قطعاً في ترفيع مستوى الحراك والسجال، وفي استرجاع منابر الحوار بشأن الأستاذ محمود ومشروعه. وفي الختام أجدد ما جاء في مقدمة كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، من دعوة للمثقفين من أجل الحوار والنقد، عن الكتاب. جاء في الدعوة: "ختاماً أستميح القارئ الكريم عذراً، بأن أقدم هذه الدعوة والنداء من أجل انطلاق حوار جديد... فقد اختطف الفقهاء والوعاظ منابر الحوار وسوح السجال، وسيطروا عليها في السودان وكذلك العالم الإسلامي، وقد تجلى ذلك بوضوح، كما يبينه هذا الكتاب، في الحوار الذي تم مع الأستاذ محمود محمد طه... ان الحوار والسجال في حاجة إلى التطوير والضبط والتقنين بالعلم والأخلاق. لهذا فإنني أذكِّر نفسي أولاً، والآخرين ثانياً فأقول: أرجو من النقاد والمختلفين في الرأي والرؤية معي، في السودان وفي غيره، وبالمثل أطالب نفسي، ومن أجل إثراء الحوار الفكري أن يكونوا في هذه الجولة (وفي تقديري أن هذا الكتاب يدشن الجولة الثانية من الحوار بشأن مشروع الأستاذ محمود) علميين في نقدهم وفي التعبير عن اختلافهم وفي دحضهم الحجج وتفنيدهم لما أتيت به. كما أرجو منهم، ومثلما سعيت في كتابي هذا، وأرجو أن أكون قد وفقت، إلى أن ألتزم التزاماً صارماً بالمنهج التوثيقي، أن يكونوا هم كذلك. أن يتحدثوا بالوثائق والأدلة والبراهين العلمية، وبلغة العقل لا لغة الخطابة والعاطفة. لنستهل جولة جديدة من الحوار الجديد".
عبدالله الفكي البشير

...
...
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
حذف بسبب التكرار..
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الجمعة يناير 30, 2015 10:25 am، تم التعديل مرة واحدة.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
حذف بسبب التكرار..
منصور المفتاح
مشاركات: 239
اشترك في: الأحد مايو 07, 2006 10:27 am

مشاركة بواسطة منصور المفتاح »

يا زول أتارينى أنا معاكم بى هنا ياخ ربنا يزيد مروتك للكتابه والقرايه ويزيدنا فى
جاهك كلام مجيّه ودايرلو صبر وإستعداد فطرى ونيه صادقه ربنا يقدرنا
لك ألف سلام ولك ألف تحايا ومليح أن رأيناك مبذولاً للناس.


منصور
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
الأخ العزيز منصور المفتاح
تحياتي مع تمنياتي أن تكون في صحة وصفاء..
لك مني خالص الشكر وعميق التقدير على هذه المداخلة. لقد سعدت بكلماتها وبما تضمنته من معاني الشراكة.

مع تقديري
عبدالله
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
..
محمود محمد طه: طوبى للغرباء (4-1)

عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013، 1278 صفحة.


عبدالله علي إبراهيم


هذا كتاب فحل. يكفيك أن صفحات الملاحق والمراجع والفهارس فيه وحدها بلغت 208 صفحة، اي أنها كتاب مستحق قائم بذاته. وهو فحل في معان أدق. فهو مكتوب عن حب لرجل من السلف الصالح هو الأستاذ المرحوم محمود محمد طه في حين تستفحل ظاهرة شواء هذا السلف من غيره من الخلف في غياهب النكسة السودانية المعروفة. فخلافاً لمعظم من كتب عن طه فالمؤلف لم يشهده وكان طفلاً حين بارحنا الرجل للدار الآخرة في 1985. وظل المؤلف الصغير يستنكر ما يشيعه من حوله عن رقة دينه ويؤذيه أنه لا يعرف عنه ما يرد به على شانيئه. وصبر وصابر وقرأ عنه الذي توافر في المكتبات، ونفذ إلى دور الوثائق ينقب عن كتابات له وعنه وضده، واستمع طويلاً إلى معاصرية وحوارييه. وهذا صبر على وكد البحث والاستيثاق متروك في كتابات الجيل العاقب عن السلف عندنا. فهم متى أحبوا أو كرهوا واحداً منه اقتصروا من الأدلة التاريخية على الدليل الحكائي.

أراد الأستاذ عبد الله الفكي البشير مؤلف "محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ" (2013) أن يسترد فكر الأستاذ محمود محمد طه (1910-1985)، وممارسته إلى سفر التاريخ السوداني من غائلة إهمال سدنة هذا السفر. وطه هو المفكر الإسلامي وزعيم الحزب الجمهوري (1945) الذي امتحن خصومه من رجال الدين والسياسة مفهومه لتجديد الإسلام وحكموا عليه بالردة بمحكمة الخرطوم الشرعية العليا في 1968. وامتحنوه ثانية وأعانهم الرئيس نميري عليه فأعدموه في 18 يناير 1985. وصار اليوم عيداً لحقوق الإنسان العربي.

وسمى المؤلف مكتوبه عن طه "ما بعد التاريخ المعلن". ويريد بذلك أن مؤلفيّ التاريخ الذي تواضعنا عليه للفكر والسياسة السودانية ومؤسساتهم الثقافية أظهروا منه ما سرهم منه وأخفوا ما لم يتفق معهم. وعليه فالكتاب ينتمي إلى جنس ناشئ في كتابة التاريخ السوداني يطعن في السردية الجامعة للحركة الوطنية التي احتكرتها صفوة مؤتمر الخريجين العرب المسلمين الشماليين الذي تكون في 1938 وجاء الاستقلال في 1956 ثمرة شبه خالصة لجهاداتهم المختلفة. وسبقه إلى الطعن في هذه السردية من أساءت فهمهم أو تجنبتهم بالكلية. فقد خرج منذ حين مؤرخون يؤاخذون تلك السردية على تصوير جماعة الأنصار التاريخية وحزبها، حزب الأمة الذي يقوده السيد الصادق المهدي، كأعوان للاستعمار لقبولهم، ضمن أشياء أخرى، العمل في إطار المؤسسات الدستورية التي رتبها الاستعمار هرباً من التعجيل بالاستقلال كما اتفق لخصومهم من دعاة الوحدة مع مصر كما سنرى. ومن هؤلاء المؤرخين فدوى عبد الرحمن على طه وفيصل عبد الرحمن على طه وموسى عبد الله حامد وحسن أحمد إبراهيم بكتابه العمدة عن السيد عبد الرحمن المهدي مؤسس حزب الأمة. من الجهة الأخرى كتب لازاروس ليك مادوت، المؤرخ لجنوب السودان، يعيب على السردية المهيمنة للحركة الوطنية إهمالها وقائع الوثبة الجنوبية الوطنية لكي يستاثر سادتها بالسلطان. ونشر كاتب هذه السطور كتاباً ومقالات إما ليحرر حركة الطبقة العاملة ونقاباتها الوطنية من صورتها كتابع أو فرع لحركة مؤتمر الخريجين الوطنية، أو لتفهم وطنية قضاة الشريعة ومقاصدها في غير صورة السردية لهم كمتواطئين مع الاستعمار.

بنى المؤلف رأيه في إهمال السردية التاريخية السائدة لفكر طه وممارسته على حيثيات قوية. فنظر المؤلف في 19 كتاباً من كتب تاريخ الحركة الوطنية والفكر الإسلامي والعلوم السياسية ودراسات المرأة، وسبعة كتب من مذكرات أبناء جيل طه، و31 بحثاً للماجستير والدكتوراة في نفس المجالات التي كانت مدار مساهمة طه الفكرية والسياسية. ولم يجد فيها ذكراً يؤثر له فيها. بل وجد على العكس رسالة تدخل المشرفون لنزع الفصل الذي عرض لفكر طه.

وسمى الكتاب إعراض الأكاديمية السودانية، التي هي الآلية المؤسسية المنتجة للسردية التاريخية الجامعة، عن طه "قلة مروءة" بعد إدامتة النظر في نتاجها. فرماها ب"التزوير" بإهمال شغل طه وتغييبه وطمسه وتنميطه. ورد هذا التجاهل من السردية الأكاديمية إلى الحسد والتزامات أطرافها الطائفية. وزاد الكتاب بأنه لم يكن كل التجاهل متعمداً. فبعضه يرجع لضعف التدريب الأكاديمي وحالة الكسل العقلي. فالأكاديمية السودانية سليل كلية غردون (1902) التي لم تهدف في تعليمها لسوى تخريج كتبة وفنيين في أسفل درج الخدمة الاستعمارية. ومن جهة أخرى ينسب الكتاب إهمال الصفوة السياسية والأكاديمية لطه لما ذاع عنه بعد المحكمة التي قضت بردته في 1968 كما تقدم. فالمحاكمة هبطت بمستوى مناظرة طه إلى حد عدواني أنصرف به المثقفون عنه "فقاطعوا كتبه ومحاضراته ومشروعه" ولم يعودوا إليه إلا بعد أن انزاح التجهيل به بفضل "الإنفجار المعلوماتي". ومهما يكن فلا سبيل لننكر أنهم أقبلوا على طه بعد استشهاده. فقد تحدث لهم بلغة أدنى إلى افهامهم من لغة الفكر الدقيق الذي ظل يذيعه لنصف قرن. وكان طه يحثهم أن يأتوا إليه ولكن ليس قبل أن يمسحوا بقوة حكم ردته من السجل القضائي.

وجبت الخشية أن يغيب عنا معنى تغاضي السردية التاريخية لمأثرة طه إذا نسبناها، كما فعل الكتاب، إلى الإهمال المتعمد وغير المتعمد، أو للحسد، أو ممالاة الطائفية السياسية، أو الخوف من السلطة السياسية والمجتمع والفقهاء. وسنقصر دون مطلوب الكتاب نفسه الذي قال إن مثل إهمال طه على نحو ما فعلت السردية الغالبة "يتطلب دراسة العقل الثقافي السائد وتفكيكه واستنطاقه". ولهذا وجدت وصف الدكتور محمد زين لهذا التغاضي ب"السكوت الإستراتيجي" أدنى لفهم مغزاه السياسي والثقافي. فهو يعفينا من سيكلوجيا ضغائن من تجاهلوه أو ضعف تأهليهم أو ماشئت إلى دراسة خطر طه رمزاً وفكراً. فما تجاهلوه استهواناً بل تقية ليسلم مشروعهم السياسي من خطته "الهدّامة" له. فربما توقع الكتاب من سردية الخريجين فوق مستطاعها حين افتقد شغل طه الفكري والسياسي من سجلها. فطه غريب فئة الخريجين غربة صالح في ثمود. وعليه فإنها ربما لم تتجاهله بل، ببساطة، استحال عليها وضعه في إعرابها. فنحوه ونحوها على خلاف. فقد جاء إلى ساحة الحركة الوطنية كخريج جذري التوجه فكراً وممارسة. وجاءها من باب النثر، كما قال المؤلف، وهي لا تنطق إلا شعراً وقل فيها التأليف في غيره.

[email protected]
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
..
..
محمود محمد طه: طوبى للغرباء (2-4)
عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013م، 1278 صفحة.


بقلم البروفيسور عبدالله علي إبراهيم

وصل ما سبق:
(جاء الأستاذ عبد الله الفكي البشير في كتابه موضوع النظر بحيثيات مخدومة بينت تجاهل سردية الحركة الوطنية الأكاديمية والعنقالية لدور الأستاذ محمود محمد طه المميز في تلك الحركة. ولكنه نظر إلى سبب هذا التجاهل في الحسد، أو ممالاة الطائفية السياسية، أو الخوف من السلطة السياسية والمجتمع والفقهاء. وبدا لي أن هذا السبب، متى اقتصرنا عليه، قد يحول دوننا وفهم الخطر الذي مثله طه حتى تحاشوة. ولهذا وجدت وصف الدكتور إبراهيم محمد زين لهذا التغاضي بـ "السكوت الاستراتيجي" أدنى لفهم مغزاه السياسي والثقافي. فهو يعفينا من سيكلوجيا ضغائن من تجاهلوه أو ضعف تأهليهم أو ما شئت إلى دراسة خطر طه رمزاً وفكراً. فما تجاهلوه استهواناً بل تقية ليسلم مشروعهم السياسي من خطته "الهدّامة" له).

كان طه مما انطبق عليه مفهوم "الأفندي المضاد" في عبارة دقيقة للدكتور حسن الترابي. فبينما كان سقف كل خريج من كلية غردون مثله أن يتمكث في "أفنديته" موظفاً بالحكومة تسير بذكره الركبان كان طه يتخفف من أسر الأفندية وانتهى بخلعها. تخرج طه مهندساً من كلية غردون في 1936. وهي السنة التي وقعت فيها بريطانيا ومصر، دولتا الحكم الثنائي على السودان، الاتفاقية المعروفة باسم ذات السنة وتواضعا فيها لترقية السودانيين في مدارج الخدمة على مشارف استقلال للسودان لا مقطوع ولا معلوم بعد. وخدم في عطبرة مركز سكك حديد السودان التي كانت ترهص بحركة نقابية أسفرت عن صلابتها بعد عقد من ذلك في 1947. وكان لخريجي غردون في إدارتها صلات وطنية وثيقة بفئات العمال المستنيرين. ولم يطق طه الخدمة بالحكومة لأكثر من 5 سنوات سقماً ببيئة العمل. ثم استوعبته وظيفة أخرى في القطاع الخاص، ثم استقل بعمل خاص يتعاقد فيه لمسح المشروعات الزراعية، حتى تفرغ للدعوة والسياسة في 1966.

وصب طه جام نقده على مشروع الخريجين ومؤتمرهم. فانتقده لخلوه من المذهبية الفكرية. فأعتقد أنه متى نجحت الحركة في التخلص من الاستعمار وجدت نفسها في مأزق كبير لخلوها من نهج فكري لبناء الوطن. فاستقلالنا المرجو غير حائل دون حقيقة أن فكرنا لا مرجع له غير الثقافة الغربية. فنحن مستقلون سياسياً، مستعمرون فكرياً. وأقترب طه باكراً بذلك من نقد ذاع مؤخراً عن قصور الحركة الوطنية في البلدان المستعمرة دون التعاطي بقوة وفاعلية مع الاستعمار كبعثة ثقافية تبشيرية أكثر من كونه حقيقة اقتصادية استغلالية. ولهذا بشر طه بمشروعه الإسلامي الجديد الذي لم يخرج عن نطاق عصرنة الإسلام القائمة آنذاك. ولم يكن الخريجون بليبراليتهم بنت الحداثة الاستعمارية مهيئين للتعاطي مع الإسلام، موردهم الثقافي الذي لا غيره، سوى في مستوى التعبد المطروق أو استصحاب تاريخه شارة فخر وثقة لإنعاش معنويات النضال الوطني. ولم يكتف طه بذلك بل استحدث "الخلوة" للصفوة التقليدية كما سنرى. فدخل في واحدة منها لثلاثة أعوام تفرغ فيهما لشحذ طاقة الروح والعقل فيه ليقوى على مجاهدة الاستعمار كمشروع ثقافي ومغالبته. ولم يقو على تحمل وعثاء مشروعه الإسلامي المنضبط حتى بعض الخريجين من أخلص رفاقه فتركوه. ولملأ فراغ المذهبية كتب في 1952 "قل هذه سبيلي؟" البيان البرنامجي الذي تطرق إلى مسائل الاقتصاد والدولة والمرأة وغيرها من زاوية الوطنية الإسلامية.
ولعل أميز ما جاء به الكتاب في هذه الناحية هو رأي طه في التعليم. فما يزال الناس يذكرون لمؤتمر الخريجين فضل التوسع في التعليم الذي ضيّق الإنجليز أبوابه بمبادرته بفتح المدارس الأهلية على نطاق واسع. وكان رأي طه أن الكم ينبغي أن يقترن بالكيف. فمن رأيه أن ترك المؤتمر العناية بنوع التعليم "خطأ موبق لا يدانيه إلا ترك التعليم نفسه". كما أخذ علي الخريجين صمتهم عن ثنائية التعليم الاستعمارية. ومن رأيه وجوب تفكيك تلك الثنائية حاملاً على التعليم التقليدي الذي تجسد في المعهد العلمي. وقد وصف قيامه عام 1910 بأنه "انتقال من سودان منفتح إلى انغلاق فكري".

ومن جهة التكتيك إعتقد طه في مصادمة، "استقتال"، الإنجليز حين اختار الآخرون عرض حالهم عليهم في مذكرات مشهورة. واعتقد أيضاً في تلك المواجهة بدلاً عن الاستقواء بمصر على الاستعمار أو ملاطفته. فقد اعترض على صيغة مؤتمر الخريجين الأثيرة عن قيام حكومة حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بيريطانيا.
وتساءل: لماذ ندفع ثمن الحرية مقيدين باتحاد وتحالف.

وما أعجز المؤتمر من المواجهة التي دعا لها في نظره سوى أنه لم يبن قاعدة شعبية خاصة به. وكان إنضواء صفوته في أحزاب الجماعات الصوفية لاحقاً بمثابة حاجة إلى جمهور لا فضل لهم في بنائه من الجذور. ولهذا رتب طه ليكون حزبه الجمهوري منبراً للتحشيد الشعبي. ففتحه ليلج أبوابه كل مجاهد ضد الاستعمار في حين اقتصرت عضوية المؤتمر على خريجي كلية غردون. وكان شرطه للعودة للمؤتمر أن يتخلص من صفويته. ولتجسير المسافة إلى الشعب كان طاقم حزبه يخاطب الشعب بالمنشور مباشرة. بل كان كادره يخطب في المقاهي ويستنفر جمهورها لمظاهرات ضد الاستعمار. ومن أسطع آيات استقتاله الاستعمار "ثورة رفاعة" (1946). ورفاعة هي مدينة طه خاصة. فكان على رأس ثورتها على الإنجليز لمقاومة إجراءات استعمارية وقحة لمنع الخفاض الفرعوني. وهي الثورة التي ما تزال تثير جدلاً حول مشروعيتها لاعتقاد البعض أن موضوعها من "التخلف" بما لا يمكن الدفاع عنه.

كان طه أمة لوحده بين خريجي غردون ومؤتمرهم. فلم يرهن نفسه لبلوتيكا "الحكم الثنائي" التي تمحورت حولها الحركة الوطنية السودانية. فقد انقسمت تلك الحركة منذ نشأتها في تاشرات القرن العشرين إلى شيعتين تحلقت كل منهما حول قطب من القوى المزدوجة التي كانت لها السيادة على السودان: مصر وبريطانيا. وكانت منها شيعة مع مصر عُرفت بالاتحاديين رهنت استقلال السودان بعلاقة دستورية ما مع مصر، وشيعة أخرى استقلالية أكثر دافعها لذلك استدبار مصر مع استبطان مودة بدرجات ما مع الإنجليز. وكان طه اتحادياً استقلالياً يدعو لنضال مصر والسودان معاً ضد الإنجليز ثم يذهب كل حال سبيله. فهو لم ير تلك الجوامع الأزلية التي يعرضها الوحدويون لقيام دولة وادي النيل في نفس الوقت الذي لم ير سوى الاستقتال خطة مع الإنجليز.

..
..
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

البس ما يعجب الناس

مشاركة بواسطة حسن موسى »

عبد الله الفكي البشير كتب:[color=darkblue]..
نماذج من الصور التي جمعتها



[size=24]صورة تذكارية- الأستاذ محمود (مرتدياً الجلابية والعمة) مع نقابة المهندسين السودانيين، عام 1967م



صورة







سلام يا عبد الله
كانت هذه الصورة من بين الصور التي استرعت انتباهي، و كنت ابحث عن افضل الطرق لمقاربتها فكفاني تعليق عبد الله الأخير مشقة البحث حين كتب :
"كان طه يتخفف من أسر الأفندية و انتهى بخلعها".و محمود في هذه الصورة خلع زي الأفندي و تحرر من أسره، بل و بلغ به " الإستفزاز" حد أن يجلس وسط الأفندية المتنكرين في أزياء "الحداثة"، و هو يتزيّى بزي " التقليد".و أنا أضع " الحداثة" و " التقليد " بين الأهلـّة ن من باب الحذر من تبسيط مضمون هذه الصورة البالغ التركيب.و في خاطري مبحث اللباس كأحد تعبيرات منازعة الحداثة/ التقليد في حياتنا السياسية.في الصورة يبدو جمع الأفندية ملتزما بالزي "الرسمي " للأفندي . مع أقلية خلعت البدلة و الكرفتة. لكن محمود بلباسة" التقليدي" يبدو، وسط جمع الأفندية "المبدّلين" كما الشخص المشاكس الذي جاء لـ" يخرب الرصـّة" كونه غير مقتنع بجدوى المثل السائد " كل ما يعجبك و البس ما يعجب الناس".أو كأنه يقول للقوم : يا صفوة السودان الحداثة ليست في ما تعتقدون ، الحداثة ليست في ما تلبسون
سأعود
.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
..
خالص الشكر وعميق التقدير العزيز حسن موسى.
لاحظت مع اهتمامك المستمر بموضوع الحداثة، أن انشغالك بالحداثة والأستاذ محمود محمد طه، جاء في العديد من مداخلاتك وتأملاتك، لا سيما مداخلتك في يوم الاثنين مارس 26, 2012 في الخيط الذي افترعه الأخ ياسر الشريف، ضمن الرابط أدناه "بالصورة والصوت... إلى المرأة":
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 4b15689585
أذكر حينما كنت أكتب في ليل من ليالي الدوحة، في بعض صفحات كتاب: الأستاذ محمود والمثقفون، وهي تتناول موضوع وسمته كمحور بـ: "استخدام أدوات المثقف وتوظيف سبل الحداثة"، ظللت ساعات أنقب وأقارن بين خيارات كثيرة من نصوص لآخرين، وأنا أبحث عن نص يمكن أن يكون قلادة أضعها في صدر هذا المحور، فأسفعتني مداخلتك تلك، فوضعتها كقلادة للمحور، وجاءت في صفحة 158 من الكتاب، يقول حسن موسى:
"... و لا مندوحة من العودة لمشهد النساء الواقفات في الأسواق يبعن بضاعة الحداثة السودانية في شكل متفجرات فكرية مكنونة في مؤلفات هذا "الباشمهندس" المشاتر العظيم الذي بذل عمره في هندسة العقيدة على هدي معاني المساواة و الديموقراطية".
وقد شرحت في الهامش مفردة المشاتر: (المشاتر: تعني المخالف. المصدر: عون الشريف قاسم، قاموس اللهجة العامية في السودان، ط3، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، 2002م، ص 510).
أجدد خالص شكري وعميق تقديري لك، فهذه الصورة وغيرها من الصور التي جمعتها والتي أعمل على جمعها الآن، يعود الفضل فيها، لمداخلاتك السابقة، والتي تحدثت فيها أنت عن خلو الكتاب من الصور. ومنذ ذلك الوقت ظل موضوع الصور لا يغيب عن بالي واهتمامي الزائد، فجمعت ونظمت كم هائل من الصور، بعضه سيخرج في الطبعة الثانية من الكتاب، وبعضه الآخر سيخرج في أعمال أخرى قادمة. لك التحية.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
..
دارت مفاكرة عبر البريد الإليكتروني بيني وبين البروفيسور عبدالله علي إبراهيم قوامها السرور بتعليق حسن موسي، كما جاء عند البروفيسور عبدالله، "على صورة الأستاذ محمود بالبلدي بين جملة أفندية صَر بالأفرنجي، وتلميحه إلى سياسية الزي بين الحداثة والتقليد".
وفي هذا كان البروفيسور عبدالله قد كتب في كتابه: "الشريعة والحداثة" ضمن فصل عن الأديب عبد الله الشيخ البشير، وهو يناقش شعر التجاني وشخصه، كتب البروفيسور عبدالله (لقد رفدني البروف عبدالله بالنص أدناه كوورد، ولم أتمكن من الحصول على صور للشاعر التجاني بالزي البلدي أو الأفرنجي)، قائلاً:

"واستقراء الشيخ البشير لمدونة التاريخ القومي الغردونية المنشأ هي قراءة مخربة بالفطرة. فهذه الرواية المتحيزة تهمش البشير (المعهدي بالنسبة إلى معهد أم درمان العلمي) وتطمس جسده الحي عن سطحها . وهي كذلك تغرق صوته فلا يبلغ مركزها من هامشه المتهافت .فهذه الرواية الطاغية للتاريخ القومي ، كوثيقة ثبوتية ، تسحب الاعتراف منه وتقذف به إلى منفى العتمات والانجهال . فاستقراء البشير لهذه الرواية الظالمة له ، كمثقف تقليدي ، هو نقد مزلزل لأنها حين نفته عن الخيال والفعل في الوطن ، خلدت استسلامه وانكساره .
أفردنا قسطًا عزيزًا من زمن البرنامج المذكور (برنامج ذكريات لعبد الله ومذكرات صدرت في كتاب بعنوان "فيض الذاكرة") للتيجاني يوسف بشير - الشاعر المبدع الذي عاش ما بين 1910 إلى 1937 . ومناط ذلك ليس لأن التيجاني هو بالضرورة شاعر سوداني مرموق عربي اللسان ، رومانسي الهوى فحسب ، إنما أيضًا لكونه صنو البشير في أنه نتاج نظام التعليم التقليدي المنتهي ذروة بالمعهد العلمي . وما أمض مما سخرت به مؤسسة التعليم الاستعماري الازدواجية من نفسها حينما أبى نادي خريجي مدارس الحكومة - نادى الخريجين - أن يؤبن التيجاني في ذكرى وفاته ، وعدها كبيرة لا ينبغي مقارفتها بسبب انتماء التيجاني ، إلى نظام التعليم الآخر كما مر.
وشعِر التيجاني يضوع بولاء مذهل للإبداع والصبا والفقر ، التي تشبع الروح البشرية - على ما يؤكد التيجاني - في سموها القاسي والجلي عن عرض الدنيا . على أن الفقر لم يكن ضربًا من التخييل للتيجاني ، إنما كان واقعًا حيًا له ، وهو الذي انطفأ سراجه قبل أوانه بسافيات ذات الصدر - السُل . ووصفه أحد معاصريه بأنه كان مِمراضًا مهزولاً ينتعل باتا ،حذاء قماش ، بدون أربطة ، ويتزيا بجلابية من الدمورية أشبعت تخريقًا وترتيقًا ، ويعتمر عمامة بلا طاقية .
ومن اليقين الثابت أن سوداني اليوم قد يعسر عليهم تقبل هذا الوصف - بدون أن يقترن بالإهانة عندهم - لصناجتهم القومية في الشعر . فهيئة الشاعر المحفورة في ذاكرتهم مستقاة من صورة نشرت مع ديوانه الوحيد الذي فاقت طبعاته العشرة منذ أول صدور له في العام 1946 . ويبدو التيجاني في تلك الصورة في الخلفية المعهودة للأستديو يرتدى بزة أوروبية من قطعتين . وقال البشير في معرض تقويمه لحياة التيجاني وتعليمه وشعره في ذات حلقة منالبرنامج إن الصورة التي عهدناها للتيجاني زائفة . فناشرو ديوانه في القاهرة فصّلوا صورة التيجاني حتى تستقيم وأذواق القراء المصريين الحديثين وألبسوه بزة أوروبية بغض النظر عما كان االتيجاني قد لبسها في حياته أو لم يفعل .فمن خلعوا عنه جلبابه أرادوا له أن يكون لائقًا بعصره وطرائقه . (أنظر الشكل رقم 3 ) .
ومن الطبعي أن يشعر معهدي متجلبب كمثل البشير بالمهانة لقبول الناس بصورة التيجاني هذه . فهو - أي هذا القبول - يستدعي إلى الذهن حالة البشير النوعية وخمول ذكره كأحد المولودين في الفوضى . فحتى هذه العارضات النادرة التي تمكن فيها أحد أبناء طبقته السواسية من احتياز مقعد له في ضوء الشهرة يسارع « الآخر » القادر لينزع عنه قميصه الطبقي أولاً ، ثم يخلع عليه كسوة السلطة وزخرفها من بعد ذلك ".


عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
..
محمود محمد طه: طوبى للغرباء (3-4)
عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013، 1278 صفحة.



بقلم البروفيسور عبدالله علي إبراهيم


وصل ما سبق:
قدم الأستاذ عبد الله الفكي البشير حيثيات مقنعة بإعتزال السردية التاريخية للحركة الوطنية وما بعدها سابقة الأستاذ محمود محمد طه فيها. ونسب ذلك لمنطويات النفوس من حسد أو عيوب مهنية مثل بؤس التدريب. ومع صدق أكثر هذا إلا أنني رددت تفادي هذه السردية لطه هذا إلى "سكوت استراتيجي"، كما قال الدكتور محمد زين بذلك. وسببه أن طه جاء إلى جيله في الحركة الوطنية بأفكار "هدامة" وبممارسات لم تطرأ لهم. ولما تحرر طه من ما تواضع عليه جيله من بروتكولات سياسية وسقوف للممارسة أطلق الله عقدة من لسانه فخاض بكيرياء في سياسة مصر والقضية العربية ونظام نميري بما (قد تتفق أو تختلف معه) ولكنك لا تملك إلا أن ترى استقلالاً في التفكير يحمد في السرى.

ونواصل:

ولمّا خلع طه نفسه من بلوتيكا الحكم الثنائي (وحدوي مع مصر أو مستقل مائل لبريطانيا) صار له صوته المميز باشر به اتخاذ مواقف ندية مع مصر الأوسع نفوذاً بين الوطنيين لم تتفق لمعاصريه. ولم يطلب طه تلك الندية وحسب بل مارسها بفكر مسؤول. فخلافاً للصفوة السودانية الغالب فيها الولاء لمصر بصورة أو أخرى كان طه طليق اللسان طاعناً في سياسات مصر نحو السودان والعالم العربي وحتى في سياستها حيال نفسها. فكتب رسالة للرئيس محمد نجيب أول انقلابه في 1952 سأله فيها إن كان صاحب رسالة في الإصلاح أم رجل حانق "جاء به ظرف عابر ليقلب نظاماً فاسداً ثم يضرب ذات اليمين وذات الشمال حتى ينتهي به المطاف إما إلى الخير وإما إلى الشر". وحين غَلَب ناصر على مصر في 1954 كتب له يطلب منه إعلان استقلال السودان دون انتظار الاستفتاء على الوحدة مع مصر الذي كان من أشراط استكمال اتفاقية تقرير مصير السودان (1953). ثم كتب له كتاباً آخراً يعترض على تأميم القناة ويطلب منه الكف عن الهجوم على باكستان لدخولها حلف بغداد لأنها مضطرة لوقوعها في كماشة الهند والشيوعية الدولية. وقال إن زعماء البلدان التي يهاجمها مثل العراق وتركيا وإيران، التي تتعرض لزحف الشيوعية، أعرف ببلادهم منه وأدرك بخطر زحف الشيوعية الدولية. وحذره من الزيغ في الدعوى الاجتماعية بالرخاء المادي على حساب الحرية الفكرية وألا يتدخل في شؤون الدول العربية وأن يترك الدعوة "الباطلة" للقومية العربية. وأن يكف عن الحديث عن الحياد الإيجابي لأنه لن يقع بغير التمسك بعروة الإسلام.

وعلى أنه على خلاف طويل ودقيق مع فكر الأخوان المسلمين عن العصر والأصل إلا أنه لم يتخلف عن الدفاع عنهم في محنهم في مصر. فدافع عن الحق الديمقراطي للأخوان المسلمين فيها ونقد المحاكمات التي جرت لهم في 1954. وندد بمحاكمة سيد قطب. فذهب لدار الأخوان المسلمين بأم درمان للتضامن وليسأل عن مجرى المحاكمة. فوجد جعفر شيخ إدريس، القيادي البارز للأخوان المسلمين وقتها، الذي قال له ليس من جديد فيها. وقد قام بذلك التضامن معتزلاً جبهة الدفاع عن الحريات، التي كان ضمن اعضائها، التي هللت لمقتل سيد قطب ثأراً مما كانوا يتعرضون له من إخوان السودان في أعقاب قيامهم بحملة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في 1965.

وزادنا الكتاب بيتاً من فرادة طه. فكان إسلامياً أفريقياً حين غلبت العروبة على أمثاله من صفوة السودان الشمالي. وصف القومية العربية بأنها "دجل" لأن عروة العرب الوثقى هي الإسلام لا العنصر. فالعرب لم يدخلوا مسرح العالم في القرن السابع كعرب بل كمسلمين ولن يدخلوا ذلك المسرح في القرن العشرين إلا كمسلمين. ومن رأيه أن الجامعة العربية مؤسسة إقليمية ضيقة تسيطر عليها مصر ولا تقوم على مذهبية فكرية تجعلها أداة خلاقة لخدمة أعضائها. أما دور السودان المرتجى كشعب أفريقي ذي مكانة في القارة فهو أن يقدم خدمة أفضل لقضايا التحرر والسلام العالمي بأحسن مما نفعل في إطار الجامعة العربية. ومن رأيه أن الخطر المصري علينا أشد نكراً من الخطر الغربي لأن مصر مخلب قط شيوعي. بل ودعا إلى انسحاب السودان من الجامعة العربية.

ووقف من قضية فلسطين موقفاً عده القوميون تخذيلاً بل إلحاداً سياسياً. فكان من رأيه أن الصلح مع إسرائيل أولى فحربها دليل على الفشل في وقت التحدي القائم هو للتعايش السلمي. وانتهى إلى أن الاعتراف بإسرائيل من مصلحة العرب. فالاعتراف بها كرت مساومة قوي وإلا جاء اليوم الذي نعترف بها بغير أن تدفع الثمن المستحق. ولذا لم يجد المؤلف، واتفاقيات السلام معها والتطبيع على قدم وساق في زمننا، حرجاً في القول بأن طه كان سبّاقاً لمواقف عربية لم تكتف بالصلح مع إسرائيل فحسب بل فعلت ذلك في وقت كان طه قال إنه سيتأخر ويفسد.

فعرض طه في الستينات حلاً عاجلاً للقضية الفلسطينية يتبعه حل آجل. ويقتضي الحل العاجل الاعتراف بأن الحل العسكري استحال لأننا لا نحارب إسرائيل وحدها بل أمريكا والغرب. ولا ينتفع من قلاقل الحل العسكري سوى الروس. ومتى كسبنا الهدنة بالاعتراف صح أن ننتبه لبناء جبهاتنا الداخلية المتصدعة. أما مدار الحل العاجل هو في التفاوض على قراري الأمم المتحدة 1947 التقسيم و1948 وإعادة اللاجيئن وأن يتوج ذلك بإنهاء حالة الحرب والاعتراف بحق إسرائيل في البقاء مع انسحاب إسرائيل من أراض احتلت في مايو 1948 وأكتوبر 1956 ويونيو 1967. ويؤمن ذلك الحل إرجاع اللاجيئن وتعويضهم أو إعادة توطينهم. ويترافق مع ذلك وقف الهجرة اليهودية لإسرائيل لأن الهجرة تجعل إسرائيل توسعية. وأن يتم ذلك في ميثاق يرعاه العالم الذي هو طريق الضغط على إسرائيل. أما الحل الآجل لمسألة فلسطين فهو في استرداد العرب لأنفسهم في التاريخ بالتثبت من دينهم لأن إسرائيل جرس إنذار يوقظنا من غفلة تنصلنا عن زمننا وتمسحنا بغير إرثنا في المدنية الإسلامية.

ولنقف على بعد الشقة بين طه والصفوة السياسية صح أن نعتبر التحالف السياسي الذي انعقد بينه وبين نظام الرئيس نميري (1969-1985). فلم يكن طه من رأي طبقات من هذه الصفوة في مصادمة انقلاب الرئيس نميري ودولته. فتطرق الكتاب لذلك ووجد له مشروعية في تواصيهما معاً في استبعاد الطائفية الحزبية قوية النفوذ في السودان من مسرح السياسة. ووصف طه الانقلاب لخصومته للطائفية بأنه أفضل الخيارت السيئة التي تلبي أشواق قطاع واسع من المثقفين رفضاً لوصايتها. ولأن الانقلاب كان بتلك الدرجة من السوء الإيجابي ارتضى طه سياساته العامة ولكنه اعتزل أطره السياسة وفعالياته حتى وصف الشاعر صلاح أحمد إبراهيم الجمهوريين بأنهم "مايويون من منازلهم". وما تصالح نميري مع هذه الطائفية السياسية في 1978 حتى كان طه الضحية الأولى فحوكم فكره في 1985 وتم شنقه على مشهد من الناس.

ومهما كان الرأى في سداد تحليل الكتاب لموقف طه من ذلك الانقلاب إلا أنه موقف لو تأمله في شرطه التاريخي لربما وجد تفسيراً بنيوياً لاعتزال الصفوة فكر طه وممارسته. فقد كان الجمهوريون ربما الفئة الوحيدة بين صفوة السياسة التي حافظت على تعاقدها مع انقلاب مايو وآخر من خرجت عليه بينما تقلب الآخرون في تحالفات قصيرة جاؤوا إليها في أوقات وتركوها أو تركتهم. ومع أن الجمهويين كانوا حلفاء مايو من البعد إلا أنهم أذاعوا خطوطاً سياسية هاجمت معارضي النظام بقوة وذكاء بما لم يحسنه إعلام النظام نفسه. ولربما لم يغفر معارضون كثيرون تحملوا وعثاء الجهاد ضد الانقلاب للجمهوريين تلك الوقفة الطويلة مع نظام مستبد بكل المعايير.
..

[color=blue]
[/color]
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
..
محمود محمد طه: طوبى للغرباء (الحلقة الخاتمة)..
عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، القاهرة: دار رؤية، 2013، 1278 صفحة.



بقلم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم


من أميز ما جاء به الكتاب في معرض إضافات طه المميزة للفكر الثقافي والسياسي السوداني هو تعريفه للمثقف والمقارنة التي عقدها بينه وبين الزعيم الهندي غاندي. ففي تعريف المثقف فرَّق طه بين المثقف و"المتعلم" برغم أنه كان مغرياً في جيله أن يترافق عنده مفهوم "المتعلم" و "المثقف". فهو من جيل الحركة الوطنية الأول الذي تخرج من كلية غردون ( 1902) وصارت جامعة الخرطوم باستقلال السودان في (1956) ونازع الصفوة التقليدية من زعماء طرق التصوف والعشائر لقيادة الأمة بأحقية الاستنارة والثقافة. فصار كل خريج متعلم مثقفاً في شرط الزمان والمكان. بل وأخرج طه المتخصص، الذي يوقف علمه على شق من المعرفة، من دائرة المثقفين وسمى التخصص آفة. ولم يُفَصِل طه في الأمر ولكن وجدت الأمريكي توماس سويل في كتاب أخير له في 2014 أخرج أيضاً المتخصص من هذه الدائرة بحجة مبتكرة. فقال إن الصيدلي مثلاً ربما كان أحذق من المثقف ولكنه ليس كذلك. فما ينتجه الصيدلي خاضع للتحقق العلمي بمعايير مقررة سلفاً. ولكن شغل المثقف يخضع في صحته لتراضي الأنداد عنده.

لم يسبق طه بتعريف مبتكر للمثقف مما واتانا مؤخراً عند إدورد سعيد واضرابه فحسب بل "عاش" هذا المثقف في نفسه. و"عاش" مما يصف به طه تمكث رسالة الإسلام المكية الأولى (كما فهمها طه) في وجدانه صلى الله عليه وسلم على أنه كان يطبق الرسالة الثانية، شريعة المدينة، لأن زمان أهله لم يكونوا قد بلغوا مبلغ الرسالة الأولى. ولم يعش طه المثقف بل "ماته" حين صعد المشنقة ضحي 18 يناير 1985 بجريرة الردة عن الإسلام وأذهل قضاته ببسمة مشرقة استودعها التاريخ.

قال طه بما ذاع مؤخراً عن إدورد سعيد. فالمثقف عند طه هو الذي يجسد وحدة الفكر والقول والعمل. وهذا الجانب بالتحديد ما قال إدورد سعيد إنه أصعب جوانب المثقف أي ذلك الذي اتصل بتجسيد ما يقوله في عمله وتدخلاته. وعليه فالثقافة عند طه ممارسة لاتصالها بالاستقامة والأخلاق وتحمل المسؤولية. فالاطلاع، كثر أم قل، لا يُعَرِف بالمثقف. فالمثقف في قوله من يتحد فيه الاطلاع بالأخلاق اتحاداً "يتحرر بها فكره تحريراً كبيراً". ولهذا ربما قال إن التخصص آفة لأنه يستعبد المرء لفرع من المعرفة يحفر فيه حفراً منصرفاً عما عداه.

ولإتمام مكارم الإخلاق كان لابد للمثقف من مخالب سماها الكتاب "أدوات المثقف". ولم يترك طه فرضاً ناقصاً في توظيف هذه الأدوات ليبلغ الغاية من دعوته. فكون حزباً هو الجمهوري الاشتراكي في 1945 وكانت "الجمهورية" (1954) لسان حاله. كما كتب المقال ونشره بالصحف (200 مقالاً) وقدم المحاضرة وناظر الخصوم (20 منهم) في المؤتمرات والندوات، وأصدر البيان (150 بياناً) والكتاب بحبر الرونيو الشقي (36 كتاباً بقلمه و300 بقلم حوارييه)، وكتب الرسائل إلى ساسة ومفكرين (30 رسالة) يستوضحهم مسألة أو يوضح لهم مسألة. وكان شديد العقيدة في وجوب المواجهة والحجاج في حقل الفكر. وهذا ما يتجنبه آخرون ويعدونه polemics ويظنونه عكراً معرفياً لايغني عن الحق شيئاً. ولكن طه يقول بأنه معرفة "وسلوك بمقتضى المعرفة، معرفة يهتدي بها الفرد تجعله يميز بين دقائق الأمور". وهو تمرين يُمَتِن الالتزام الفردي بالمبدأ يدفع بالملتزم ليعرف بضاعته وبضاعة الآخرين وليعتقد ما يعتقد عن بينة.

واستجمع طه إلى المثقف التقليدي إلى سمت المثقف الحديث الذي هو. فاستعاد تقليد خلوة الصوفية ينقطعون في غارات لهم لتعزيز باطنهم بالإلهامات والأقباس للمصابرة على وحشة الروح ووعثاء الدعوة. فدخل في واحدة من هذه الوثبات الروحية بعد خروجه من السجن في 1948 وقضى فيها ثلاث سنوات مشتغلاً بالتعبد والتأمل. ثم رتب لاجتماع حوارييه من حوله في بيته بحي الثورة بأمدرمان في بيوت مخصوصة لا يشغلهم البعد عن الدوام مع معلمهم في كل حين وآن. وهذا من أعراف صفوة الصوفية. وكان ذلك حدثاً فريداً في تربية الحداثيين لم يسبقه حداثي إليه حتى قال الكاتب إنه سيفرد للتجربة كتاباً مخصوصاً. فمن حوله، وبمباركته، يخرج هؤلاء الحواريون دعاة ينتشرون بثمار فكره يدعون الناس لها في أركان نقاش حية. وكان يربيهم في جلسات عرفانية تغذي الروح وأخرى انطباعية يطالعون فيها خبرات واحدهم الأخر في خضم الدعوة ومشاقها ومتعها. وفوق ذلك واظب على توثيق كل هذه الهمة الثقافية حتى لا تروح أدراج الرياح. فقد كان يبعث بأحبابه إلى جلسات المحاكم التي نظرت في بعض أمرهم ليدونوا وقائعها حرفياً لنشرها. فنشروا سبعة كتب عن وقائع محكمة في بورتسودان (1975) التي وقف فيها طه متهماً بإساءة قضاة الشرع.

لفت الكتاب بقوة إلى مسألة تأثر الحركة الوطنية في السودان برصيفتها الأقدم في الهند. وكان من تناول هذا التأثر لم يتجاوز سطحه مثل تسمية مؤتمر الخريجين على المؤتمر الهندي بينما تقوم الدلائل على أن صفوة مؤتمر الخريجين تمثلت التجربة الوطنية الهندية بصورة أعمق مما اتفق لنا. من ذلك قول خالد الكد أن مثقفي العشرينات والثلاثينات في السودان تمثلوا بنهرو المستنير دون غاندي الذي عدّوه ديماغوغياً مثيراً للعامة. ومن بين تلك التمثلات قول البعض بأن طه ربما تأثر بغاندى في تجرده وصوفيته الوطنية. وعقد الكتاب مقارنة بين الرجلين جنح فيها للتقليل من أثر غاندي على طه بحجة أصالة مشروع طه. فمن رأي الكتاب أن الرجلين واجها الاستعمار بعزيمة ولكن كانت مواجهة طه أشمل من غاندي الذي انشغل بالتنظيم والسند الشعبي آخذاً بمبدأ المقاومة السلمية بينما صادم طه العقل الثقافي السائد بين مثقفين ركنوا إلى نضال المذكرات وملاذات الطائفية. فلم ينتج غاندي مشروعاً كوكبياً مثل طه لتغيير الإنسانية عن طريق الإسلام. وسمى مشروع غاندي "أماني محلية داخل الهند للتغيير". فلم يقدم غاندي وجهة مستقبلية لما بعد التحرر بينما كان طه يرى أن التحرر من الاستعمار ليس نهاية الأرب لأنه قد نصحو فنجد أنفسنا لم نتحرر بالتحرر بعد.

وفرق الكتاب بين طه وغاندي في أسلوب جهادهما فكان الصيام في السجن عند كليهما. ولكن كان صيام غاندي سلاحاً للاحتجاج على الحبس بينما كان صيام طه في السجن هو الصيام المعروف عند الصوفية ب"الصمدي". وهو غير احتجاجي بالمعنى الذي عند غاندي. ولكن الحركة الوطنية أولته فروجت له على أنه لمناجزة الإنجليز. فكانت أدوات طه هي أدوات المثقف والصيام الاحتجاجي ليس منها.

ويطلب الكتاب عن حق أنه ربما كان من السابق لأوانه الحديث عن المؤثرات الفكرية على طه طالما لم يطلع الباحثون على أدبه بشكل يؤمن صدق الحكم بمصادر تأثره. ولكن جاء الكتاب بمشابه بين طه وغاندي تنزلت حتى شملت تربية كليهما بمرضعة بعد موت الوالدة، ونباتيتهما، واغتيالهما في شهر يناير علاوة على رغبة ألحت على طه دائماً ولم يحققها وهي أن يدرس القانون، تخصص غاندي، والذي قال إنه "طرف من الأخلاق".

أما مربط الفرس في المقارنة فما جاء به الكتاب وصح به بتأثر طه بغاندي. فكلاهما خريج التعليم الحديث مع تحرر واع من المعرفة الاستعمارية ومقاومة الاستعمار من مرجعية تراثية. وهي مرجعية صوفية تاريخية سودانية أفريقية عند طه بينما هي عند غاندي هندوسية روحانية. فكلاهما رافض للحضارة الغربية. أما غاندي، الذي التزم بطريقة عاطفية بقيم الهند التقليدية، فرفضه لحضارة الغرب كان كاملاً. وعلل نهرو ذلك بقوله إنه لم يكن أمامهم من سبيل غير ذلك لحساسية شعبهم من التشبه بآخر. أما طه فقد التزم بنقدها علمياً وقدّم بديلاً. فرنا لمدنية جديدة ديمقراطية اشتراكية مبرأة من المادية الغربية والروحانية الشرقية المفرطة معاً ومطلوبها الأسرة الإنسانية. فالحضارة الغربية عنده رأسمالية وشيوعية معاً.

رغبت لو أن الكتاب لم يضيق واسعة المقارنة بين الرجلين مثل القطع باختلاف موقفهما من حضارة الغرب ونحن في مفتتح دراسة مأثرتهما. فقد جاء الكتاب بمشتركات جوهرية أخرى تفتح باباً واسعاً لبحث موضوعة تأثر طه بغاندي. فقد جمع طه مثل غاندي بين التطبيق العملي والتنظير لمشروعه وتعليم تلاميذه وتلميذاته أسس المنهج والعمل به. ولهذا رأينا كيف جمع طه تلاميذه حوله في بيوت هي أشبه ب"أشرام" غاندي كما مر . وكان يربيهم على مبدأ اللاعنف، ورطوبة اللسان في الدعوة، وتحمل الأذى لا رده. ولكن قد لايتفق آخرون معه في فهم موقف غاندي كردة فعل بسيطة إلى ريفية الهند كفراناً بالحداثة. فوطنه الفيلسوف أشيش آندي في كتابه "التقاليد، الاستبداد، واليوتوبيا" في خطاب الحداثة الهندية الأقدم من خطابنا في السودان أو في العالم العربي. وما بدا لكتابنا الذي نعرضه هنا كردة بسيطة من غاندي للريفية الهندية إنما هو أعقد من ذلك بما لا يسع المقال الخوض فيه.

إن محنة طه كما ستراها في هذا الكتاب هي مؤشر على ضيق ماعوننا الثقافي حيال الغرابة أي الاختلاف. ولا أدري من عَرِف ذلك عن نفسه مثل طه. فإليه ربما نرد تعميم حديث أفضل البشر "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" بيننا من فرط ما كان يتمثله. فتربص به من عادته التربص بأهل الفتوح وتغاباه من عادته التغابي عن أهل الفتوح. وتقاطرنا عليه بعد موته الجميل. وككل موت أفرغ الموت طه من الغرابة . . . ومن الخطر. فاقتربنا منه نتفيأ ظل شهادته بعد سكون زلزاله. وهذا الكتاب الفحل عن طه يدفق الغرابة مرة ثانية في الجسد القتيل عسى يروضنا على التكيف مع الغرابة والتنزل عند مقتضاها وهو الصبر عليها وكف الأذى عنها.

[email protected]

..
..
[color=blue]
[/color]
ãÈÑ ãÍãæÏ
مشاركات: 131
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 1:53 pm

مشاركة بواسطة ãÈÑ ãÍãæÏ »


مصادر الفكر الجمهوري .. بقلم: تاج السر عثمان


صدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة 2013 م مؤلف عبد الله الفكر البشير :" صاحب الفهم الجديد للاسلام ، محمود محمد طه والمثقفون ، قراءة في المواقف وتزوير التاريخ". جاء الكتاب في 1278 صفحة من القطع المتوسط ، ويتكون من خمسة أبواب تشمل ثمانية عشر فصلا ، الي جانب المقدمة والخاتمة والفهارس ، وبلغ عدد الملاحق في نهاية الكتاب "56" ، قدم للكتاب عصام عبد الرحمن البوشي.
لاشك أن الكتاب يمثل جهدا توثيقيا عظيما يفيد الباحثين والدارسين في تحليل ومناقشة الفكر الجمهوري ، فضلا عن أنه توثيق مهم لأحد رموز الفكر السوداني ومدرسته في تجديد الفكر الإسلامي.
الكتاب يفتح شهية الدارسين والباحثين للتعمق في دراسة الفكر الجمهوري ، علي أن الكتاب ليس بديلا عن الدراسة والإطلاع علي مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه وكتيبات ومنشورات الأخوان الجمهوريين والحزب الجمهوري ، وخاصة تلك التي صدرت في الفترة ( 1945- 1985م). اذكر أنني كنت مهتما بالدراسة الناقدة للفكر الجمهوري منذ أواخر ستينيات القرن الماضي في مدينة عطبرة ، وفي النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي في جامعة الخرطوم، وتمكنت في العام 1994م من إنجاز كتاب بعنوان " تقويم نقدي للفكر الجمهوري : 1945- 1985م" ، رجعت فيه للمصادر الأولية للفكر الجمهوري المشار اليها أعلاه، آمل أن يري النور قريبا.
من القضايا التي اهتميت بها في دراسة الفكر الجمهوري هي: مسألة مصادر الفكر الجمهوري. لفت نظري في مؤلف عبد الله الفكي البشير أنه لم يشر الي مصادر الفكر الجمهوري. ومعلوم أن اي فكر أو نظرية لابد أن تستند علي التراكم المعرفي السابق، وبعد الدراسة النقدية للتراث السابق يتم اضافة الجديد.
علي سبيل عندما أسس ماركس نظريته عن تطور المجتمع تناول بالدراسة والنقد منجزات الفكر الفلسفي والاقتصادي والاشتراكي السابق الذي تطور في : الفلسفة الألمانية " ديالكتيك هيغل ومادية فورباخ ..الخ، ومنجزات الاقتصاد السياسي في انجلترا الذي تطور علي يد: آدم سميث ، وريكاردو..الخ، ومنجزات الفكر الاشتراكي الخيالي الذي تطور في فرنسا علي يد :فورييه وأوين..الخ، وكانت حصيلة الدراسة النقدية: اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ الذي أوضحه في مؤلفه " الايديولوجية الألمانية" ، واكتشاف سر الاستغلال الرأسمالي الذي تجلي في نظرية فائض القيمة التي اوضحها في مؤلفه " الرأسمال" الذي يحمل عنوانا فرعيا" نقد الاقتصادي السياسي البورجوازي".
علي أنه عند دراسة الفكر الجمهوري لاتجد إشارة واضحة للمصادر المعرفية للفكر الجمهوري ،وسوف نتناول في هذا البحث مصادر الفكر الجمهوري التي تم استخلاصها من مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ، فماهي مصادر الفكر الجمهوري؟؟.
يمكن أن نستخلص مصادر الفكر الجمهوري كما وردت في مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه علي النحو التالي:
1.
القرآن والسنة والفقه والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بشكل عام، وفي الإسلام يشكل التصوف الإسلامي مصدرا مهما من مصادر الفكر الجمهوري.
2.
الفكر الإنساني أو التراث البشري ، كما يرد في مؤلفات الجمهوريين حيث يقولون أن مقياسهم " لاإله الا الله " وأخذ الصالح من التراث البشري ونبذ الطالح.
التصوف الإسلامي:
في مؤلفات محمود محمد طه نجد استشهادات مختلفة في أماكن مختلفة لأقطاب التصوف الإسلامي مثل : العارف الجنيد ، وأبو عطاء السكندري ، ابن عربي ..الخ. فمثلا يورد طه الأمثلة التالية :
قال سلطان العاشقين ابن الفارض :
زدني بفرط الحسن فيك تحيرا
وأرحم حشي بلظي هواك تسعرا
كما يورد حكمة لإبن عطاء السكندري :
" رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا"( محمود محمد طه: القرآن ومصطفي محمود والفهم العصري، مطبعة مصر سودان ليمتد يناير 1971م ، ص 107").
كما يورد للعارف النابلسي :
وخلق حجاب الكون ماانت طالب
ومن لفظه المقهور يلزم قاهر ( نفسه ص 13).
ويورد للصوفي محي الدين بن عربي :
دخلوا فقراء علي الدنيا
وكما دخلوا منها خرجوا ( نفسه ص 124).
ويورد لابن يزيد البسطامي : روي أن أبا يزيد البسطامي قال: " الزهد عندي ليس بشئ ، فقد مكثت فيه ثلاثة أيام ، ففي اليوم الأول زهدت في الدنيا ، وفي اليوم الثاني زهدت في الآخرة ، وفي اليوم الثالث زهدت في كل ماسوي الله ، فقيل لي ماتريد؟؟ : فقلت أريد الا أريد..".
كما يورد حكمة أخري لإبن عطاء السكندري " ترحل من كون الي كون كحمار الرحي ، المكان الذي انتقل منه هو المكان الذي يصل اليه، ولكن انتقل من الأكوان الي المكون" ( نفسه ص 155).
ويشير الي قول العارف النابلسي : " لم تكن بالله قائم ، لم تكن بل أنت هو " ( نفسه ص 186).
كما يشير الي قول ابو القاسم الجنيد:
تظهر بماء الغيب إن كنت ذا سر
والا تيمم بالصعيد وبالصخر
وقدم اماما كنت أنت امامه
وصل صلاة الفجر في أول العصر
فتلك صلاة العارفين بربهم
فان كنت منهم فانضح البر بالبحر ( نفسه ص 200).
ويلخص طه منهج الصوفية في المعرفة علي النحو التالي: " وجل ما أريد هو أن يأخذ الناس – كل الناس- أنفسهم بالسير خلف المعصوم في إتقان وتجويد لتقليده في اسلوب عبادته وفيما يطيقون من أسلوب عادته حتي يأخذوا من سمت هذه الحياة الخصبة ، المهتدية الهادية ، مفتاح مغاليق القرآن ، فيتهيأوا لذلك للأخذ من الله كفاحا ، ويكون سبيلهم الي صفاء عقولهم والي سلامة عقولهم ، فتتم لهم بذلك الحياة الكاملة حياة الفكر والشعور " ( نفسه ص 212).
كما أن منهج الصوفية في وحدة الوجود والكون نجده واضحا في منهج طه وفي دعواته مثل : وحدة التعليم المدني والديني ، وحدة القضاء الشرعي والمدني ، وحدة المجتمع البشري، وحدة الدين وتطوره في سلم سباعي يبدأ بالاسلام البدائي، الايمان، الاحسان، علم اليقين ، علم عين اليقين ، ثم علم حق اليقين، ثم الإسلام.
كما يتحدث طه عن طريق لولبي ، كلما أتم دورة منه ، دخل في دورة جديدة هي الطف من سابقتها ، وهكذا دواليك ، فهو يحدد علمه وحياته كل حين متخلقا في ذلك بأخلاق الله تبارك وتعالي " كل يوم هو في شأن".
ومنهج الصوفيه ايضا نجده عند طه الذي يتسم بالتواضع وعدم الرضي عن النفس يقول طه " الراضي عن نفسه لايري ضرورة للتغير" .
وعند طه : التقليد ليس غاية في ذاته ، وأنما هو هو وسيله الي الأصالة يقول طه " إن التقليد ليس غاية في ذاته ، وانما هو وسيلة الي الأصالة، وعند الأصالة تزول واسطة النبي من بيننا وبين ربنا ، وذلك لكمال تبليغه ، ويرفع بزوالها عنا الحجاب الأعظم ، ونأخذ من الله بلا واسطة، ويكون الله هو معلمنا اللدني"( نفسه ، ص 33).
وهذا يشير بوضوح الي منهج الصوفيه ، كما سنوضح لاحقا ، ومع ذلك يحاول طه أن يصور للقراء بأن قوله صحيح وحق بشكل مطلق ، ولم يقل به أحد من الأمة ، يقول طه " أما بعد ، فان هذا القول غريب ، ولم يقل به أحد من الأمة من لدن نزول القرآن والي اليوم ، ولكنه صحيح ، وهو حق ، بل ليس غيره حق اليوم " ( نفسه ص 36).
هذا علما بأن مفاهيم مثل " وحدة الوجود" و"الإنسان الكامل" الذي يتلقي عن الله مباشرة ودون واسطة نتيجة للمجاهدة والكشف وردت في مؤلفات مشاهير الصوفية مثل : ابن عربي ، والحلاج ، والسهروردي المقتول..الخ.
بل حتي مفاهيم مثل سقوط التكاليف الشرعية من أقطاب التصوف نجدها من أركان الفكر الصوفي علي مستواه الفلسفي ، كما ورد عند ذي النون المصري ، والحلاج ، وابن الفارض ، والجنيد...الخ.
علي أن طه يدعي بأن ما أورده هو " حق بل ليس غيره حق اليوم" ، أي أنه صاحب الحق الوحيد ، أو صاحب الحقيقة المطلقة . وهذا الحديث يتعارض مع مفهوم متقدم لابن عربي الصوفي المسلم الذي قال:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة .
فمرعي لغزلان ودير لرهبان
وبيت لاوثان .. وكعبة طائف
والواح توراة ومصحف قرآن
ادين بدين الحب أني توجهت ركائبه
فالحب ديني وايماني
فابن عربي هنا لايدعي أنه صاحب الحق الوحيد ، بل أن قلبه اصبح قابلا كل صورة ، أي يقبل الوجود من خلال التعدد والتنوع ، وهو مستوي راقي من التسامح.
وترجع جذور الزهد والتصوف الي عهد النبي ( ص) والخلفاء الراشدين ، يقول الباحث نيكلسون " وجدت في القرن الأول في الإسلام العوامل الكثيرة التي شجعت علي ظهور الزهد وانتشاره ، كالحروب الأهلية الطويلة التي وقعت في عهد الصحابة وبني أمية ، والتطرف العنيف في الأحزاب السياسية وإزدياد التراخي في المسائل الأخلاقية، وماعاناه المسلمون من عسف الحكام المستبدين" ( رينولد الن نيكلسون: ي التصوف الإسلامي ، ترجمة ابو العلا عفيفي ، القاهرة 1947م ، ص 47).
كما يورد المسعودي في كتابه " مروج الذهب.." أمثلة مختلفة للصحابة من حيث الغني الثروة وجمع الاموال، ومن حيث الزهد في الدنيا، يقول عن عثمان بن عفان مايلي: " وكان عثمان غاية في الجود والكرم والسماحة والبذل القريب والبعيد ، فسلك عماله وكثير من أهل عصرهوطريقته ، وتآسوا به في فعله ، وبني داره في المدينة ، وشيدها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر واقتني أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة " ، وعن ثروته يقول المسعودي : " وذكر عبد الله بن عتبه أن عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار والف الف درهم( مليون درهم)، وقيمة ضياعه بوادي القري وحنين وغيرهما مائة الف دينار ، وخلف خيلا كثيرا وابلا " ( المسعودي: مروج الذهب ، ج1، ص 543- 544).
وعن ثروة الزبير بن العوام يقول المسعودي: " وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف الزبير الف فرس والف عبد وأمة" ( المسعودي، ص 544).
وعن ثروة طلحة بن عبد الله التيمي يقول المسعودي: " وكذلك طلحة بن عبد الله التيمي : ابتني داره بالكوفة المشهورة به المعروفة بالكنانه بدار الطلحين ، وكان عليه من العراق كل يوم الف دينار وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراء أكثر مما ذكرنا ، وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج" ( المسعودي : ص، 544).
وعن ثروة عبد الرحمن بن عوف يذكر المسعودي مايلي: " وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري ابتني داره ووسعها وكان علي مربطه مائة فرس ، وله الف بعير ، وعشرة الآف شاه من الغنم ، وبلغ بعد وفاته ربع ثمن ماله اربعة وثمانين الفا" ( المسعودي ، ص 544).
في حين يورد المسعودي عن زهد عمر بن الخطاب مايلي: " وحج عمر فانفق في ذهابه ومجيئه الي المدينة ستة عشر دينارا ، وقال لولده عبد الله : لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا".
كما عزل عمر سعد بن وقاص عندما شكا الناس منه ، وبعث الي الكوفة عمار بن ياسر علي الثغر وعثمان بن حنيف علي الخراج وعبد الله بن مسعود علي بيت المال ، وأمره أن يعلم الناس القرآن ويفقهم في الدين ، وفرض لهم في كل يوم شاه ، فجعل شطرها وسواقطها لعمار بن ياسر ، والشطر الآخر بين عبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف" ( المسعودي، ص، 545).
ويقول المسعودي عن سليمان الفارسي :" سليمان الفارسي كان يلبس الصوف ويركب الحمارببردعته بغبر اكاف ، ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكا زاهدا، عندما توفي لم يكن في بيته الا : ادواه وركوة ومطهره ".وغير ذلك من الامثلة المعروفة عن زهد وغني الصحابة ، والصراع بين عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب معروف في التاريخ الإسلامي ، وكذلك بين ابي ذر الغفاري وعثمان بن عفان حول الاموال والثروات ، وكان من نتائجه نفي ابي ذر الي الربذة.
علي أن التصوف في البداية ظهر كحركة زهد كان لها ارتباط بهذا القدر أو ذاك بالثورة علي السلطة القائمة ، كما أن كثيرا من المسلمين لجأوا اليه احتجاجا علي ماينكرون من حكومة ونظام الي الاعتكاف والزهد ( غولد تسيهر :العقيدة والشريعة في الإسلام، ص 159).
يقول ابو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع " حب الدنيا رأس كل خطيئة والزهد في الدنيا رأس كل خير وطاعة ".
ويرجع حسين مروة في مؤلفه: "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، نواة منهج التأويل الي تفسير الآية " المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا" ( الكهف: 46). فالصوفية جعلوا الآية هذه دليلا علي بطلان " الحياة الدنيا وتبريرا لازدرائها والتخلي عنها سعيا وراء الباقيات الصالحات" ( حسين مروة: المرجع السابق).
كما ورد عن الحسن البصري أنه كان يقول : " اذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل (زوج) ولا ولد" ( الطبقات الكبري ، ج1، ص 25).
وانتشرت حركة الزهد بعد أن أسس معاوية بن سفيان دولة بني أمية سنة 40 ه / 660م، وجعل معاوية النظام السياسي لهذه الدولة نظاما ملكيا مطلقا ، ثم جعل "الملكية " وراثية سلالية .
ويرد في تاريخ المسعودي عن تطور الصراع الإجتماعي والسياسي في أواخر العصر الأموي " أن بعض شيوخ بني أميه سئل بعد سقوط الدولة الأمويه عن سبب سقوطها ، فقال: " انا شغلنا بلذاتنا عن تفقد ماكان تفقده يلزمنا ، فظلمنا رعيتنا ، فيئسوا من انصافنا ، وجار عمالنا علي رعيتنا فتمنوا الراحة منا، وتحومل علي أهل خراجنل فجلوا عنا ، وخربت ضياعنا فخربت بيوت أموالنا ، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم علي منافعنا ، وأمضوا أمورا دوننا أخفوا علمها عنا ، وتأخر عطاء جندنا ، فزالت طاعتهم لنا ، واستدعاهم عدونا فظاهروه علي حربنا ، وطلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا" ( المسعودي، ص 194).
ويورد حسين مروة تعريف معروف الكرخي كما ورد في الرسالة القشيرية " التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق"( مروة، ص ، 189).
وفي العصر العباسي أصبح الخليفة " خليفة الله في أرضه " . وهناك خطبة أبي جعفر المنصور المشهورة التي جاء فيها : " ايها الناس ! انما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه وتسديده ، وحارسه علي ماله، اعمل فيه بمشيئةارادته وأعطيه بأذني" ( ابن عبد ربه : العقد الفريد، ط- مصر 1302ه، ج1، ص 179).
ويلاحظ مؤرخي التصوف الاسلامي مثل : حسين مروة ، وماسينيون، وتوفيق الطويل ..الخ ، أن التصوف الإسلامي تطور وإزدهر علي المستوي الفكري والفلسفي في العصر العباسي الذي شهد تطورات سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية معروفة ، وازدهرت فيه العلوم والثقافة رغم العسف ، وظهر أقطاب أو أعلام الصوفية في ذلك العهد مثل: دو النون المصري "225ه/859"، وابويزيد البسطامي (مروة: المرجع السابق).
وتبلورت مفاهيم التصوف الإسلامي مثل : "الظاهر والباطن"، "الشريعة والحقيقة" ، مفهوم "الإتحاد"، مفهوم "الحلول "، "وحدة الوجود"، ومراتب "الفناء والبقاء" ، و"التصوف الإشراقي" " السهروردي المقتول"، و"الإنسان الكامل" " ابن عربي".
يقول ابو يزيد البسطامي "261ه/ 872م" الذي اشتهر بالزهد والعبادة والعلم والمعرفة : " تالله أن لو ائي اعظم من لواء محمد ، لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس كلهم من النبيين"( مروة، ص 208).أي أن أقطاب الصوفية يضعون أنفسهم في مقام أعلي من النبيين ان لم يكونوا في مستواهم. أما أحمد بن عطاء السكندري" 369ه/979م" فيقول: " المعرفة معرفتان: معرفة حق ،ومعرفة حقيقة ، فمعرفة الحق معرفة وحدانية علي ماأبرز للخلق من الأسامي والصفات ومعرفة الحقيقة علي أن لاسبيل اليها ، لامتناع الصمدية وتحقيق الربوبية ( السراج الطوسي : اللمع ، ص 56). ثم يستشهد أحمد بن عطاءعلي امتناع معرفة الحقيقة بالآية " ولايحيطون به علما" (طه: 180). وكان سعيد أحمد بن عيسي الحراز " 286ه /899م) يقول : المعرفة تأتي من وجهين: من عين الجود وبذل المجهود " ( السراج، اللمع، ص 56). ويقال أنه أول من تكلم ب(الفناء) ، أي" فناء " ذات الصوفي بالله في حالة " الإتصال"( مروة ، ص، 210).
أما مسألة "الظاهر والباطن" ومسألة "التأويل" ، فقد وجد لها أصل في القرآن نفسه كما تدل الآية " هو الذي أنزل اليك الكتاب منه آيات محكمات وآخر متشابهات ، فاما الذين في قلوبهم زيغ قيتبعون ماتشابه منه اتقاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله الإ الله والراسخون في العلم( عمران: 7).
وفي القرآن ترد الآية " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليه.." ( يوسف:6). كما ترد الآية " ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ، فان تنازعتم في شئ فردوه الي الله والرسول، ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وذلك خير وأحسن تأويلا( النساء: 59). أي حصر حق التأويل في الله والرسول وأولي الأمر ، وأختلف الشيعة وأهل السنة والصوفية في أولي الأمر :
*
الشيعة قالوا: الائمة من أهل البيت.
*
السنة قالوا:الخلفاء القائمون علي رأس النظام الإجتماعي.
*
الصوفية قالوا:: أهل الولاية" منهم.
مفهوم الإتحاد:
الاتحاد عن الصوفية هو : أن يبلغ " الإتصال" بالله حدا يتلاشي فيه الإزدواج بين المحب والمحبوب ، اذ يصبحان شيئا واحدا في الجوهر والعقل ، وحينما يتحقق الإتحاد تختفي الإشارة الي كل من الصوفي والله( ابوريان : تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، ص : 296-297). وقد عبر ابو يزيد البسطامي عن هذا "الإتحاد" في شطحاته المعروفة بمثل قوله " إني أنا الله لااله الا أنا فاعبدوني" ( حسين مروة المرجع السابق).
مفهوم الحلول:
ويمثله الحلاج الحسين بن منصور " 242-309ه/ 858- 921م" ، وقد عبر الحلاج عن فكرة الحلول بمثل قوله شعرا :
سبحان من أظهر ناسوته سرً سنا لاهوته الثاقب ثم بدأ لخلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب
حتي لقد عاتبه خلقه كلحظة الحاجب للحاجب
(ديوان الحلاج، تحقيق ماسينيون ، باريس 1955م ص 37).
وحدة الوجود:
يمثل ابن عربي " 560-638ه/ 1164-1240م" مذهب وحدة الوجود في التصوف الإسلامي ، وهو يري أن الوجود كله واحد : الله هو الوجود الحقيقي ، أما العالم فهو مرآة يتجلي فيها الوجود الآلهي (ابن عربي، فصوص الحكم ، نص حكمة إلهية في كلمة آدمية).
مراتب الفناء والبقاء:
" الفناء " و" البقاء" ناحيتان لمرحلة واحدة في التجربة الصوفية ، وقد وصف القشيري مراتب " الفناء" و" البقاء" بقوله " فناء عن نفسه – يقصد الصوفي- وصفاته ، ببقائه بصفات الحق " الله" ، ثم فناؤه عن صفات الحق ، ثم فناؤه عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق" . وعبر السري السقطي عن وضع الصوفي وهو في درجة "الفناء " بأنه لو ضرب بالسيف لما أحس به" ( حسين مروة: ص220). يقول الحلاج في مناجاة الله " ياهو أنا وأنا هو لافرق بين آنيتي وهويتك الا الحدث والقدم" ( أخبار الحلاج: نشره ماسينيون ، وب . كراوس ، باريس 1979 ، ص 210). يقول ابن عربي ب " سريان الحق في الموجودات"(ابن عربي:فصوص الحكم ، باب حكمة الهية في كلمة آدمية).
ويقول الحلاج :
القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك أن تبتل بالماء
ويقول ايضا:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمره بالماء الزلال
اذا مسك شئ مسني فاذا أنت أنا في كل حال.
(الحلاج :كتاب الطواسين ، ص 134).
الإنسان الكامل:
مفهوم الانسان الكامل عند ابن عربي هو المتمكن من إدراك انسانيته " الباطنية" ، أي من حيث المظهر الوجودي لله ، وادراك أن إنسانيته بهذا المعني جامعة للصفات الكلية للعالم من جهة، وللصفات الآلهية من جهة أخري ، وكونها – لذلك – مركز العالم وأصل الوجود و" العالم الصغير"الذي يلخص ممكنات العالم الأكبر أو "الإنسان الأكبر" كله ، إن كل انسان تمكن من مثل هذا الإدراك ، كان هو الإنسان الكامل ، فهو بذلك يعرف الله أسمي معرفة ، بهذا الإدراك فهم ابم عربي الحديث المنسوب الي النبي محمد ( ص) " من عرف نفسه فقد عرف ربه".
وأن "الإنسان الكامل " من هذه الجهة الثالثة المعرفية يمكن أن يتحقق في كل إنسان ، أي أن كل إنسان من حيث مؤهل للوصول إلي مرتبة " الإنسان الكامل " ، ولكن من حيث الواقع الفعلي ، لم يتحققذلك الا للانبياء وأقطاب الصوفية " ( ابن عربي : فصوص الحكم، الفصل الأول: نص حكمة الهية في كلمة آدمية).
وهناك مراتب السهروردي ، يقول السهروردي " فان كل مافي العالم الجسماني من الجواهر والأعراض فهي آثار وظلال لانواع وهيئات نورية عقلية ، فاذا اعدت الحركات الفلكية والأوضاع الكوكبية وانواع العنصرية لأمر من الامور الجوهرية أو العرضية ، أفاض العقل المفارق ، الذي هو رب ذلك التنوع المستعد ، هيئاته العقلية المناسبة للاعداد الجرمي الشعاعي المناسب أيضا له ، وعلي الجملة فكل مافي عالم الأجرام من العجائب والغرائب فهو من العالم النوري المثالي" ( مروة ، المرجع السابق ص 246).
وينهي السهروردي في عرض هذه المراتب الي أن الواصلين مقام الفحول من الأنبياء والحكماء حين يصلون الي هذا المقام " تفني لديهم كلمات هو ، أنت وأنا ي بحر " الفناء"، وهناك تسقط الأوامر والنواهي" ( مروة، ص 253).
وهكذا نصل إلي غني وخصوبة وتنوع فكر اقطاب التصوف الإسلامي مثل : ابن عربي، ابويزيد البسطامي، السهروردي ، ذو النون المصري، ..الخ. كما نلاحظ إسهام التصوف الإسلامي في إخصاب الفلسفة العربية الإسلامية ، والدور الثوري للمتصوفة الأوائل في صراعهم ضد الإستبداد السياسي في العصرين الأموي والعباسي ،افي عصور الخلفاء الذين كانوا يحكمون بإسم الله.
ونكاد نلاحظ أن جل فكر الاستاذ محمود محمد طه ومنهجه استمده من الفكر الصوفي الإسلامي.
كما نلاحظ أن صراع طه مع السلفيين من علماء وفقهاء وقضاء شرعيين في جوانب كثيرة منه كصراع الفقهاء وأهل السنة مع أهل الصوفية ، ذلك الصراع الذي انتهي بقرار محكمة الردة الجائرعام 1968م، والذي نفض عنه الغبار الديكتاتور نميري بعد اعلانه قوانين سبتمبر1983م، ونفذه باعدام الأستاذ محمود محمد طه، والذي كان اغتيالا سياسيا ،بعد أن عارض الجمهوريون قوانين سبتمبر التي اذلت الشعب السوداني.

2- الفكر الإنساني:
المصدر الثاني من مصادر الفكر الجمهوري هو: الفكر الإنساني ، ونعني به الفكر الإنساني الذي تبلور بعد الثورة الفرنسية التي طرحت الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والإخاء والمساواة بين الناس غض النظر عن الدين أو الجنس ، فظهرت الديمقراطية الليبرالية ، وحقوق الإنسان، وفصل الدين عن السياسة أو الدولة ، وظهرت أفكار الاصلاح الديني التي تناسب تطور المجتمع الرأسمالي الحديث ، ونظريات الإقتصاد الحر.
ومع تطور المجتمع الرأسمالي برزت الأفكار الاشتراكية المختلفة التي صورت مآسي المجتمع الرأسمالي والاستغلال البشع للعمال والنساء والاطفال وشعوب المستعمرات .
كما تطور الفكر الفلسفي والعلمي والإقتصادي والإجتماعيبشكل كبير ، وظهرت أفكار مساواة المرأة بالرجل ، وحق تقرير المصير باعتباره حق ديمقراطي وانساني، والغاء نظام الرق.
والدارس للفكر الجمهوري يجد انعكاس الفكر الإنساني واضحا وضوح الشمس في رائعة النهار ، في الفكر الجمهوري الذي نادي بالديمقراطية، والإشتراكية ، ومساواة المرأة بالرجل ، والغاء الرق ، وبحث لها عن مصادر في اصول الإسلام ( آيات الأصول).
هذا فضلا عن التجربة العملية للاستاذ محمود محمد طه التي تعتبر ايضا من مصادر الفكر الجمهوري، ومحمود نفسه هو نتاج التعليم المدني الحديث الذي نشأ في السودان بعد إعادة احتلاله عام 1989م ، وقامت كلية غردون بهدف تخريج كتبة وفنيين ومهندسين لتسيير دولاب الدولة ، وتخرج الأستاذ محمود في كلية غردون مهندسا ، وعمل مهندسا بمصلحة السكة الحديد بعطبر وكوستي وغيرهما، واحتك بالحياة الإجتماعية الحديثة التي نشأت في البلاد في فترة الإستعمار البريطاني التي تتمثل في قيام الحركات السياسية الحديثة" الاتحاد السوداني ،اللواء الأبيض" ، مؤتمر الخريجين، المدن، الصحافة، والأندية الثقافية والرياضية، الحركة النقابية، وقيام الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية..الخ.وأسهم الأستاذ محمود محمد طه في مقاومة الإحتلال البريطاني ، يقول التيجاني عامر في مذكراته "إن الحزب الجمهوري الذي أسسه محمود محمد طه في فترة من فترات الإحتلال البريطاني كان عباره عن جمعية إرهابية تضرب وتحرق وتخرب ، ولكن في سبيل المصلحة بنوايا نقيه وذمة طاهرة ، وشيئا فشيئا " تملص" عن محمود الأعضاء الذين كانوا يؤمنون " بالتقية" وجماعة "حب السلامة" ، وتركوه يناضل الإدارة البريطانية مع جماعة الشبان المغامرين أمثال : أمين صديق وغيره" ( مذكرات التجاني عامر: صحيفة الصحافة بتاريخ : 16/ 4/ 1975م).
فاذا صح ماأورده التجاني عامر يكون محمود ربما تأثر بالتنظيمات الإرهابية الوطنية مثل : جماعة مصر الفتاة في مصر التي كانت تسلك طريق الإرهاب في مقاومة الإنجليز.
وبعد سجن الأستاذ محمود بسبب مقاومته القانون الإنجليزي( حادثة رفاعة) الذي يمنع الخفاض الفرعوني ، وخروجه من السجن سلك طريقا مغايرا للطريق السابق ، ونلاحظ تجميد نشاط الجمهوريين بعد حادثة رفاعة واعتقال محمود محمد طه لمدة عامين ، وبعد إطلاق سراحه اعتكف لمدة أربعة أعوام ، وخرج من إعتكافه في نوفمبر 1951م ، ومن ثم استأنف الجمهوريون نشاطهم الذي بدأ باجتماع عام عقد في : 30 /11/1951م، وبعد ذلك بدأ تفصيل فكرة الجمهوريين التي تتلخص عناصرها في الآتي:
*
حرية الفرد وحق الجماعة في العدل.
*
تحرر الفرد من الجهل
*
للتحرر من الجهل ، لابد من ايجاد نظام يكفل للفرد المأكل والمأوي والمسكن ، أي المساواة الإقتصادية,
*
الحرية الجماعية "الديمقراطية"
*
الديمقراطية الحقة هي الديمقراطية الشعبية
( راجع الأخوان الجمهوريون: معالم علي طريق الفكرة الجمهورية،1945- 1975م، ط2 مايو 1976م، ص 54).
وطور الجمهوريين افكارهم في مؤلف محمود محمد طه: الرسالة الثانية ، ط5، ( راجع كتاب محمود محمد طه: الرسالة الثانية، ط5 ، ومؤلفه :من دقائق حقائق الدين ، ط3 ، مارس 1977م).
أي انه بعد خروج محمود من السجن والاعتكاف تطور في تفكيره السياسي والاجتماعي والديني ، وسلك السبيل السلمي الديمقراطي.
خاتمة:
هكذا نصل الي أن الأستاذ طه تطور في تفكيره السياسي والاجتماعي والديني ، وأن فكره كان حاصل أخلاط أو أمشاج من الفكر الديني الصوفي والفكر الانساني ، وقدم حاصل هذا التفاعل بأنه" رسالة ثانية "أو فكر لايأتيه الباطل من بين يديه او خلفه.
ولو أن الاستاذ طه قدم فكره أو نظريته كفكر انساني عادي ، يقبل الأخذ والرد والاثبات والدحض والاغناء والتطوير كما فعل ماركس ، لكان الأمر طبيعيا وعاديا . أو اذا كان قدم اجتهاداته في الدين مثل المجددين الدينيين مثل : الامام محمد عبده في الاسلام لكان الأمر ايضا عاديا.
ولكن اشتط محمود وقدم فكره ، وكأنه رسالة ثانية أو اكسير الحياة ـ أو كأنه يمثل الحقيقة المطلقة ، وقدمه في شكل" رسالة ثانية "أو رسالة كونية تصلح للعالم الحديث ، ومن هنا كانت المفارقة في عالم متغير ومتطور ومتنوع وفي حالة تجديد مستمر ، بحيث لا يمكن صبه في قالب واحد ، بل اصبح اكثر فاكثر قابلا لكل صورة كما أشار القطب الصوفي ابن عربي.
فالتجديد في الفكر الديني أو الانساني له أصوله ومناهجه وقواعده ، ومهم وضروري ، طالما كان الواقع في حالة تطور وتبدل مستمرين كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل.



https://sudanile.com/index.php?option=co ... &Itemid=55
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
كثير الشكر مبر محمود على اتيانك بمقال الأستاذ تاج السر عثمان..
عبدالله
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »


آسف تم الحذف بسبب التكرار
آخر تعديل بواسطة عبدالله الفكي البشير في الأربعاء فبراير 11, 2015 9:06 am، تم التعديل مرة واحدة.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

...
..
الأستاذ تاج السر عثمان ومصادر الفكر الجمهوري


بقلم: بدر موسى


في مقاله بعنوان مصادر الفكر الجمهوري كتب الأستاذ تاج السر عثمان يقول عن كتاب الأستاذ عبد الله الفكي البشير "صاحب الفهم الجديد للإسلام ، محمود محمد طه والمثقفون ، قراءة في المواقف وتزوير التاريخ" الذي صدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة 2013م:
"لا شك أن الكتاب يمثل جهدا توثيقيا عظيما يفيد الباحثين والدارسين في تحليل ومناقشة الفكر الجمهوري ، فضلا عن أنه توثيق مهم لأحد رموز الفكر السوداني ومدرسته في تجديد الفكر الإسلامي.
الكتاب يفتح شهية الدارسين والباحثين للتعمق في دراسة الفكر الجمهوري ، علي أن الكتاب ليس بديلا عن الدراسة والإطلاع علي مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه وكتيبات ومنشورات الأخوان الجمهوريين والحزب الجمهوري ، وخاصة تلك التي صدرت في الفترة ( 1945- 1985م). اذكر أنني كنت مهتما بالدراسة الناقدة للفكر الجمهوري منذ أواخر ستينيات القرن الماضي في مدينة عطبرة ، وفي النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي في جامعة الخرطوم، وتمكنت في العام 1994م من إنجاز كتاب بعنوان " تقويم نقدي للفكر الجمهوري : 1945- 1985م" ، رجعت فيه للمصادر الأولية للفكر الجمهوري المشار اليها أعلاه، آمل أن يري النور قريبا".
ولا أخفي سراً حين أعترف بأن هذه الفقرة في بداية المقال كانت قد ملأتني بالتفاؤل وبشرتني بقراءة ممتعة ومحايدة عن الكتاب الضخم حجماً ونوعاً، وزادت سعادتي أكثر عندما وجدت في نفس الفقرة الوعد المبذول بقرب صدور كتاب الأستاذ تاج السر عثمان عن الفكرة الجمهورية الذي انتهى من كتابته كما يقول في العام 1994، ولم ير النور حتى الآن، ولكن خاب أملي بمجرد انطلاقي في قراءة المقال، ولازمني هذا الشعور متعمقاً كلما انتقلت من فقرة في المقال إلى الفقرة التي تليها، لسبب رئيسي وبسيط، هو أن الكتاب لم يهتم بالدقة في توثيق الخلاصات التي انتهى إليها، كما سأحاول بيانه في كتابتي هذه.
فالأستاذ تاج السر الذي أكد في مستهل مقاله بأهمية الاعتماد على المصادر في قراءة ونقد الفكرة الجمهورية، لم يلبث أن خالف هو نفسه في مقاله هذا، وربما في كتابه الموعود أيضاً، إن كان المقال ملخصاً أو مقتطفاً من الكتاب، كما يبدو لي.
الخلاصة التي خرجت بها هي أن هذا المقال يريد أن يقول بأن الأستاذ محمود لم يأت بجديد، لماذ؟ لأن هناك الكثير من المواضيع الأساسية التي التي تناولها الأستاذ محمود محمد طه، في اعتقاد الكاتب، قد سبق للآخرين الحديث عنها باستفاضة، وخاصة كبار المتصوفة من أمثال إبن عربي، وابن عطاء الله السكندري، والحلاج، وغيرهم من كبار شيوخ التصوف الأجلاء الذين أشار إليهم الكاتب، وكأنه يريد أن يقوّل الأستاذ محمود ما لم يقله، وهو أن ما جاء به من معارف لدنية سامية لم يتطرق إلى طرف منها إنس ولا جن قبله، وهو على غير الحق، كما آمل أن أبين. ولكن لماذا هذا الزعم من الكاتب، لأن الأستاذ محمود قد كتب العبارة التي أساء الكاتب فهمها، وبنى على سوء فهمه لها كل الخلاصات المجحفة. فالعبارة التي استند إليها ليخرج بهذه الخلاصات الغريبة هي قول الأستاذ محمود:
" أما بعد ، فان هذا القول غريب ، ولم يقل به أحد من الأمة من لدن نزول القرآن والي اليوم، ولكنه صحيح، وهو حق، بل ليس غيره حق اليوم".
ولو أن الكاتب استند على بقية أقوال الأستاذ محمود المستفيضة والموثقة في كتبه ومحاضراته لما أدنى عناء في فهم العبارة التي اتخذها حجة وتكية يتكيء عليها ليبني الافتراضات الجائرة، ثم يفندها في محاولة هي أشبه للفهلوة منها للبحث العلمي المحايد الذي يتبع المنهج الصارم للوصول إلى النهايات الصحيحة، خاصة مثل هذه الخلاصة الخطيرة التي وصل لها الكاتب.
فعبارة الأستاذ لمن قرأ كتبه، كما يقول الكاتب أنه قرأها، لا يمكن بأي حال أن تعني بأن كل طرف مما تطرق إليه الأستاذ محمود من معارف البشر الذين سبقوه هي بالضرورة جديدة تمام الجدة في كل شيء، في مبناها ومعناها ومصدرها الذي صدرت منه، ألا وهو في البدء وفي الآخر، الذات الإلهية، التي لا تعلم ولا تعلّم علماَ مستأنفاً، كما سلفت بذلك شروحاته المستفيضة فيما كتب وقال الأستاذ محمود الذي علمنا معنى قول النبي الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: "خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ"، وعلّمنا الأستاذ محمود كذلك بأن الإسلام رسالة واحدة خالدة نزلت على اقساط مع كل نبي مرسل، وجماع تشاريعهم تنزيل لهذه العبارة، ويذكرنا في هذا بحديث السيد المسيح عليه السلام:" ما جئت لأنقض بل لأكمل "، وعلمنا أن جميع الأنبياء قد رضعوا من ثدي الحقيقة الالهية، وكيف أن هذا هو المعنى من عبارة فوق كل ذي علم عليم، وكله من علم الله المطلق الذي لا يناقض بعضه بعضاً، بل يكمله ويزيد عليه ويفصل، وإن تقسط بقدر ما يطيق المتلقي الذي حفته العناية الإلهية فضلاً بما أسبغت عليه من العلم اللدني المطلق الذي ليس له بداية ولا نهاية، لأن بدايته في الأزل ونهايته في الأزل، وكيف أن هذا هو بعض معنى ما جاء في الآية الكريمة: " وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم"، البقرة:282. وكل هذا قليل من كثير استفاضت به كتب ومحاضرات الأستاذ محمود، فكيف بعد قراءتك لكل هذا تظن مجرد الظن أن الأستاذ محمود يقصد من عبارته التي اقتطفتها أنه يعلم الحقيقة المطلقة التي لا يعلمها غيره؟ ما هو سندك لهذا الفهم وأنت تزعم بأنك مطلع على ما كتب؟ الأمر البديهي الذي ما كان يجب أن يأخذ منك كثير الجهد في الفهم هو أن العبارة التي اقتطفتها لا تحتمل من المعنى إلا ما يشير إلى المعارف التي لم يتفضل الله بها على أحد من عباده غير الأستاذ محمود، بمعنى أن الله قد خصه بهذه المعرفة، وهو أمر قد يبدو غريباً للوهلة الأولى، ولكن معرفة قليلة بدقائق حقائق الدين، تقول بأن علم الله لا ينفد ولا يحيط بما عنده أحد، لأنه كل يوم هو في شأن، وشأنه إبداء ذاته لخلقه حتى يعرفوه، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى لأي ذرة في الوجود بنفس تجليه على غيرها، لأن الألوهية لا تكرر نفسها، وهو الذي يعني بأن العلم اللدني هو موعودنا جميعاً حين نلاقيه، حتماً مقضياً، كما جاء في الآية "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ"، فإن هذه الملاقاة الحتمية كما يعلمنا الأستاذ محمود تكون بالعلم، وبالقرب من الله، ليس قرباً مكانياً ولا قرباً زمانياً، تعالى الله عن ذلك، فهو لا يحيويه الزمان ولا المكان، ولكنه قرب بالمعرفة التي يتفضل بها الله على عباده المخلصين، وهي معرفة جديدة وزائدة بما لا يقاس على كل ما سبق لهم معرفته من قبل، سواءً كان مما علمه الأنبياء أو الرسل والصالحين والعلماء من البشر، أو حتى العلم الذي يتحصل من معرفة الكون المادي الذي عرفوا عنه القليل وغاب عنهم الكثير. هذا هو معنى العبارة التي يبدو أنها قد ضللت الكاتب، وما كان لها أن تضلله لو أنه كان يقرأ بحياد، وإلا فإن فيما كتبه الأستاذ محمود ما يكفي ليدلل عليها، لأنك حين تقرأه بحياد لا تملك إلا بأن تسلم بأن هذا حديث يحتوي على الجديد الخطر الذي لم نسمع به من قبل، بمعنى أن فيه من علم جديد مما لا يمكن أن تخطئه عين القاريء البسيط، دعك من أن يكون قارئاً مثقفا، وً باحثاً يتصدى لمسئولية الكتابة، لتثقيف نفسه، ويتحمل المسئولية لتعليم الناس وتنويرهم.
فهل حقيقة لم تطالع الكاتب أي معرفة جديدة فيما قرأ للأستاذ محمود، أم أنه متحامل في حكمه المضلل هذا؟ هل كل ما أشار له الكاتب مما تحدث عنه السادة الصوفية هو قصارى ما جاء به الأستاذ محمود، ولم يتجاوزه ويزيد عليه من العلم اللدني الذي وهبه له علام الغيوب؟ إن السادة الصوفية،على جلالة قدرهم وسمو معرفتهم، لم يحيطوا أو ينالوا كل ما عند الله من علم، هذه بداهة وحقيقة لا يمكن أن تغيب عن عقل يعرف أقل المعرفة عن الله المطلق ذو العلم المطلق، فهم في أفضل حالاتهم قد علموا شيئاً مما علمهم الله، ولكنهم أيضاً عرفوا وقالوا بأن أعلم عالم بجانب الله أحمق من بعير، وذلك تصديقاً لقول نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي قال: "إن الله أجلُ وأخطرُ من أن يحيط بما عنده أحد". فليس غريباً أن يكون بعض أولياء التصوف الكبار قد علموا من الله ما أورده الكاتب، ولكن الغريب هو أن يستكثر الكاتب على الأستاذ محمود أن يعلم من الله علماً جديداً لم يعلمه الله لغيره من السابقين، حتى بعد أن اطلع على كتبه وبحثها بحثاً مستفيضاً، كما يقول. وأنا هنا أريد أن أسأل الكاتب سؤالاً بسيطاً عما قرأ، وأرجوه أن يكون صادقاً معي ومع القراء أن يدلنا على من سبق الأستاذ محمود في قول بعض أساسيات فكرته التي دعا إليها؟ فهل سمع الكاتب مثلاً من سبق الأستاذ محمود بالقول عن أساس دعوته لتطوير التشريع والقول بأن في القرآن مستويين من الآيات، مستوى الأصول ومستوى الفروع. وبذلك يصلح الإسلام لهذا العصر، كما قد صلح في الماضي البعيد الذي كانت تختلف مشاكله عن مشاكل العصر الحاضر، ويختلف قدر عقول الناس وهذا ما سُمي عند الأستاذ محمود "برسالة الإسلام الثانية"، وقوله بأن رسول كلتا الرسالتين الأولى والثانية هو نبينا محمد، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم؟ هل قال السادة الصوفية الذين أشار لهم الكاتب مثل هذا القول العجيب الغريب؟ هذا باختصار هو أهم القول الذي جاء مفصلاً، ومبوباً، في كتب كثيرة ومحاضرات للأستاذ محمود، وعلى رأسها كتاب: "الرسالة الثانية من الإسلام" الذي أحب أن أنقل منه هنا، بإيجاز شديد ما يلي:
فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في كونها جسما حياً، نامياً، متطوراً، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. ((يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)).. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: ((ما ننسخ من آية، أو ننسئها نأت بخير منها، أو مثلها.. ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير؟)).. قوله: ((ما ننسخ من آية)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: ((أو ننسئها)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. ((نأت بخير منها)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة.. ((أو مثلها)) يعني نعيدها، هي نفسها، إلى الحكم حين يحين وقتها.. فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة، في القرن السابع، منسوخة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول.. وهذه هي الحكمة وراء النسخ.. فليس النسخ، إذن، إلغاء تاما، وإنما هو إرجاء يتحين الحين، ويتوقت الوقت.. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء النص.. فإذا خدمت آية الفرع التي كانت ناسخة في القرن السابع لآية الأصل غرضها حتى استنفدته، وأصبحت غير كافية للوقت الجديد - القرن العشرين - فقد حان الحين لنسخها هي، وبعث آية الأصل، التي كانت منسوخة في القرن السابع لتكون هي صاحبة الحكم في القرن العشرين، وعليها يقوم التشريع الجديد.. هذا هو معنى تطوير التشريع.. فإنما هو انتقال من نص خدم غرضه.. خدمه حتى استنفده إلى نص كان مدخرا يومئذ إلى أن يحين حينه.. فالتطوير، إذن، ليس قفزاً عبر الفضاء، ولا هو قول بالرأي الفج، وإنما هو انتقال من نص إلى نص..
هل قرأت مثل هذا يا أستاذ تاج السر عند أحد من قبل؟ ويقول الأستاذ تاج السر عثمان وللغرابة:
"المصدر الثاني من مصادر الفكر الجمهوري هو: الفكر الإنساني ، ونعني به الفكر الإنساني الذي تبلور بعد الثورة الفرنسية التي طرحت الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والإخاء والمساواة بين الناس غض النظر عن الدين أو الجنس ، فظهرت الديمقراطية الليبرالية ، وحقوق الإنسان، وفصل الدين عن السياسة أو الدولة ، وظهرت أفكار الاصلاح الديني التي تناسب تطور المجتمع الرأسمالي الحديث ، ونظريات الإقتصاد الحر."
فهل أنكر الأستاذ محمود هذه البديهية أم أنه أكدها وأمن عليها، مثلما أكد القول عن ما أكرمنا به السادة الصوفية من معارف بلغتنا من تراثهم العرفاني؟ إن لم يكن الكاتب قد قرأ فليسمح لي بأن أنقل له بإيجاز بعض ما جاء في كتاب الجمهوريين: "مقترحات الأزهر للدستور الإسلامي جهالة لا تمثل الدين"، الطبعة الأولي أغسطس 1979 م ــ رمضان 1399 هـ، وتحت العنوان الجانبي الفكر السياسي الإنساني هو ميراث الجميع:
كما سبقت الإشارة فإن جماع التجربة البشرية هي ميراث الإنسانية المعاصرة .. والإسلام هو الميزان الذي به نتحقق من نفع أي جانب من جوانب تلك التجربة وصلاحيته للتطبيق اليوم. فنحن المسلمون ورثة جميع التراث الإنساني ، وعلينا أن نقبل عليه بالعقل المؤدب بأدب الدين.. ونحن نقدر أن الله سبحانه وتعالي قد سخر لنا كل ذلك، وبذله لهدايتنا، وتسديد سيرنا إليه .. اقرأ قوله تعالي : (ِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِينا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً).
فالجمهوريون لهذا لا يحتاجون لأن يذكروا بأن المعارف الانسانية تراكمية تبني وتتطور عبر الزمن، بل هم يذهبون إلى أبعد من هذا بتأكيد أن مصدر المعرفة واحد، هو الله العالم العلم المطلق، الذي لا يناقض علمه بعض علمه، والذي قال في محكم تنزيله: " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ" وقال كذك: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"، والجمهوريون قد بينوا معنى ذلك، وفصلوه مما علمهم الأستاذ محمود، وبما ينفع سير المسلمين ويطورهم، ويدلهم على معالم الطريق إلى نيل المعارف اللدنية التي لا جهل بعدها، ألا وهو طريق محمد الذي سار فيه في الأستاذ محمود إلى سدرة منتهاه، وحقق به ثمرته من لقاء ربه كفاحاً، وهي الثمرة التي بثها وبذلها معرفة للناس كافة، وقال عن هذا الطريق الذي خبره وأخبر عنه أننا قد استيقنا بأن بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها، وقال فيه ما اقتطفه كاتب المقال: "وجل ما أريد هو أن يأخذ الناس – كل الناس- أنفسهم بالسير خلف المعصوم في إتقان وتجويد لتقليده في اسلوب عبادته وفيما يطيقون من أسلوب عادته حتي يأخذوا من سمت هذه الحياة الخصبة، المهتدية الهادية، مفتاح مغاليق القرآن، فيتهيأوا لذلك للأخذ من الله كفاحا، ويكون سبيلهم الي صفاء عقولهم والي سلامة عقولهم، فتتم لهم بذلك الحياة الكاملة حياة الفكر والشعور". فهل يتهم من قال هذا بمثل هذه الاتهامات التي يرسلها الأستاذ تاج السر بلا حياد يقتضيه البحث الصادق، وبلا وازع، ولا ورع، ولا مسئولية؟ والأستاذ تاج السر رجل يساري معروف، فهل يعلم برجل دين عرف للماركسية قدرها وفائدتها العظيمة في مسيرة الانسانية كما عرفها الأستاذ محمود؟ وهل يعلم برجل دين غير الأستاذ محمود وقف مدافعاً عن حق الحزب الشيوعي في الوجود والتنظيم والتعبير مثلما وقف الأستاذ محمود عندما صدر قرار حله في عام 1966 وطرد نوابه المنتخبون من الجمعية التأسيسية؟ ألا يستحق هذا الموقف لوحده الانصاف والحياد في قراءة ما كتب الأستاذ محمود، ولو من باب الحياد في البحث العلمي بدلاً من تقويله كبيرة من الكبائر التي لا تصدر إلا من الأغرار، مثلما قوله الأستاذ تاج السر عثمان؟ هل حقيقة لا يزال الأستاذ تاج السر، وبعد كل الذي سبق من تفصيل أعلاه، يعتقد أو يظن مجرد الظن أن الأستاذ محمود يقول بأنه قد أمتلك الحقيقة المطلقة التي لم يمتلكها أحد؟ أرجو صادقاً أن يراجع الأستاذ تاج السر عثمان قوله هذا، فهو على أيسر تقدير قول لا يليق في حق الأستاذ محمود، ولا يشبهه، وهذا القدر اليسير من المعرفة به بفضل الله قد أصبح من المعلوم بالضرورة عنه بين الكثير من المثقفين السودانيين وحتى من غير السودانيين الذين اندفعوا أخيراً نحو قراءة ما كتب الأستاذ محمود في عصر المعلومات الاسفيرية هذا، والذي لم تعد تخفى فيه معلومة موثقة عن أحد.
وإن سمح لي الأستاذ تاج السر بنصيحة أخيرة، فإني أرجوه أن لا يزيد من خطاياه بنشر كتابه الذي وعدنا به، إن كان يسير في نفس خط مقاله هذا الذي بين ايدينا، وأن يراجعه عشرات المرات حتى لا يتحمل وزره ووزر كل من يعتمد عليه من القراء, سلام سلام سلام



https://www.sudanile.com/index.php?optio ... &Itemid=55

[color=Font Color] [/color]
ãÈÑ ãÍãæÏ
مشاركات: 131
اشترك في: الجمعة إبريل 01, 2011 1:53 pm

مشاركة بواسطة ãÈÑ ãÍãæÏ »

تحيّاتي عبدالله الفكي البشير
لا أخفي عليك أنه هالني رد بدر موسى على مقالة تاج السر عثمان، والذي، أراه، جاء عنيفاً وغير موضوعي ومستَفَزاً ومستَفِزاً، ولا يحمل عنواناً سوى: أرفعوا أياديكم عن الأستاذ! والغريب في الأمر أن بدر موسى وافق تاج السر في جميع ما ذهب إليه ومع ذلك أمطره بوابل من الشناف والإلتفاف وعدم الرضى. ثم أن الأمر المزعج الأخر في رد بدر موسى إكثاره من جملة "علمنا محمود، علمنا محمود" في أمور دينية يعلمها جميع الناس سوا كانوا جمهوريين أو غير جمهوريين!

للأسف، كثير من ردود الأخوان الجمهوريين على منتقدي الفكر الجمهوري والأستاذ محمود محمد طه، تأتي عنيفة وصمدية بل وداعشية أحياناً!
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

آسف على تأخر التهنئة بهذا العمل الجبّار يا عبد الله.

حتما ستفخر مكتبتنا السودانية، التي بها ما بها من الأزمات الطارفة والتليدة، بهذا العمل النوعي.
عبدالله الفكي البشير
مشاركات: 138
اشترك في: السبت مايو 22, 2010 3:49 am

مشاركة بواسطة عبدالله الفكي البشير »

..
تحياتي مبر محمود
نحن في حاجة للمزيد من الحوار.. ومع احترامي لوجهة نظرك، لكني لا أرى كما ترى في اكثار بدر موسى من جملة "علمنا الأستاذ محمود"، فهو يتحدث عن معلمه، كما أنني لا أتفق معك في أن الردود "داعشية أحياناً".. آسف لقد تأخرت في التعليق على مداخلتك بسبب بعض المشاغل الطارئة والعاجلة..
مع تقديري
عبدالله
أضف رد جديد