https://www.alaraby.co.uk/culture/1b1a74 ... c156994f1e
رحيل آسيا جبّار.. نقش في الرمال المتحركة
باريس - العربي الجديد
7 فبراير 2015
[font=Arial]حين لم تفز الروائية الجزائرية آسيا جبّار (1936 - 2015)، التي رحلت عن عالمنا ليلة أمس بعد صراع دام شهوراً مع المرض، بجائزة نوبل التي رشحت لها سنة 2009، قيل إن مرد ذلك إلى أنها ليست عالمية بما يكفي.
هذه العالمية التي لم تكن تكفي هي واحدة من مزايا نص جبّار الجزائري بامتياز، كانت صاحبة "وهران لغة ميتة" و"الجزائر البيضاء" مستغرقة في بلادها تؤرّخ وتوثّق حكاياته وتروي تفاصيل نسائه، وتتقاطع مع الثقافتين اللتين تتداخلان في الأدب الجزائري: العربية والفرنسية.
كتبت جبّار روايتها الأولى "العطش" (1953) وأتبعتها برواية "نافذة الصبر" (1957)، كما كتبت رواية مشتركة مع زوجها الأول أحمد ولد رويس بعنوان "أحمر لون الفجر".
ولكن الراوية التي لفتت إليها الأنظار ليس فقط ككاتبة بل كمحققة في التاريخ وصاحبة منظور نسوي واضح أيضاً، ومسائِلة عتيدة للمورث الديني والاجتماعي، هي رواية "بعيداً عن المدينة" التي كان موضوعها "العشرية السوداء" التي عاشتها الجزائر في التسعينيات.
تناولت جبّار هذه الحقبة الدموية من تاريخ بلادها من زاوية محددة وهي موقع المرأة الجزائرية في كل هذه الأحداث وما تعرضت له خلالها. أعملت صاحبة "ظلّ السلطانة" قلمها في هذه الرواية لتفكيك خطاب بعض النصوص التاريخية التي فسرت النصوص الإسلامية المقدسة مثل "تاريخ الطبري" و"طبقات ابن سعد" و"سيرة ابن هشام". ومن خلال استحضار شخصيات نسائية تاريخية، مثّلت جبّار على قدرة المؤرخ والموثق أن يقصي المرأة من مسار الأحداث والمنعطفات الكبرى.
"
أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، في الرماد الذي يطير
"
وعن تجربتها هذه قالت في إحدى حواراتها "لقد غصتُ في تفكيك تلك النصوص كلمة كلمة، فصلاً بعد فصل، كنت بحاجة إلى سماع لغتي الأم في إيقاعها وتحفظها وفي ثغراتها أيضاً".
خصّت جبّار معظم كتاباتها وهواجسها للمرأة الجزائرية، وكانت ترى في ذلك شيئاً من منح الصمت حنجرة ليصرخ بها، هي التي كتبت في عملها "نساء الجزائر في شقتهن" تصف نساء بلادها: "عالم من النساء، حيث لا تحدث ضوضاء من الهمسات، من الشكاوى المفقودة، من رومانسية غائبة، يصبح هذا العالم فجأة بائساً منطوياً، وتنكشف الحقيقة من دون مكياج من دون ارتداد نحو قيم الماضي: الصوت مكتوم حقاً".
لم تكتف جبّار، أستاذة الأدب الفرنكفوني في جامعة نيويورك وعضو الأكاديمية الفرنسية، بالكتابة؛ فتقدمت بخطواتها نحو الإخراج السينمائي، وحاز فيلمها "نوبة نساء جبل شنوة" على جائزة النقد العالمي في مهرجان البندقية للعام 1979، كما حصل فيلمها الثاني "زردة أو أغاني النسيان" على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي 1982. لم تخرج جبّار سوى هذين الفيلمين الوثائقيين ولكنها اتجهت أيضاً لكتابة النصوص المسرحية والتي لم تكن بنجاح رواياتها.
عن علاقتها بالكتابة كتبت جبّار في أحد نصوصها: "أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد".
ورغم أن جبّار صاحبة "لا مكان في بيت أبي" قد تُرجمت إلى ثلاثين لغة في العالم، إلا أنها لم تقدم إلى لغتها العربية الأم، وقد رفضت المحاولة التي قدّمت لها لتعريب "بعيداً عن المدينة" لأنها رأتها بعيدة عن روح النص. ومازال أدب جبّار بالنسبة للقارئ بالعربية مجهولاً في انتظار أن يبادر المترجمون
- See more at: https://www.alaraby.co.uk/culture/1b1a74 ... DNznU.dpuf
رحيل آسيا جبّار.. نقش في الرمال المتحركة
-
- مشاركات: 1359
- اشترك في: الاثنين فبراير 05, 2007 12:28 pm
-
- مشاركات: 1359
- اشترك في: الاثنين فبراير 05, 2007 12:28 pm
آسيا جبار.. ولسانها الجريح
عمارة لخوص
20 فبراير 2015
متعلقات
[font=Arial]تعرّفت إلى آسيا جبار في روما في نهاية 1995. ثم التقينا مرات عديدة خلال زياراتها لإيطاليا، وكان آخرها في تورينو عام 2005، حيث جاءت لتتسلّم جائزة "غرينزاني كافور".
أذكر أنه بعد الحفل اقترب منها مراسل إحدى القنوات التلفزيونية العربية وطلب منها تعليقاً. بدت آسيا جبار مرتبكة ومحرجة للغاية. قالت له بالفرنسية ثم بالإنجليزية: أنا لا أتحدث العربية، فردّ عليها المراسل بعفوية: يا للعجب، أنت جزائرية ولا تتكلمين العربية!
عندئذ قدّمت كاتبتنا التفسير نفسه الذي سمعته منها مراراً: "ليس ذنبي، فقد حرمني الاستعمار الفرنسي من تعلّم العربية".
إحقاقاً للحق، لم أقتنع يوماً بهذا التفسير، فقد وُلدتُ وتربّيتُ في جزائر الاستقلال التي اعتاد آباؤنا على عدم تحمّل مسؤولياتهم وتعليق كثير من أخطائهم على شماعة المستعمِر.
كان عمر آسيا جبار 26 عاماً حين نالت الجزائر استقلالها. كان لديها الوقت الكافي لتعلّم العربية، لكنها لم تفعل. لماذا؟ هل ينطبق عليها ما قاله فرانز فانون عن عقدة المستعمَر وكراهية الذات؟ هل رفضت تعريب لسانها لأنها كانت ضد سياسة التعريب وأحادية اللغة؟
"
ربطت جرح الاستعمار بحرمانها من الأمازيغية والعربية
"
خلال خطاب انضمامها إلى الأكاديمية الفرنسية عام 2006 وصفت آسيا جبّار الاستعمار الفرنسي بأنه "جرح عظيم" وكررت كلمة "جرح" خمس مرات. وربطت هذا الجرح العميق بحرمانها من الأمازيغية والعربية.
عاشت الكاتبة الجزائرية مجروحة اللسان وحاولت أن تجد مخرجاً في السينما، إذ كان مشروعها أو حلمها أن تبدع ككاتبة بالفرنسية ومخرجة سينمائية بالعربية. للأسف لم تتلقّ دعماً من المسؤولين عن الحقل السينمائي في الجزائر بل وضعوا العوائق في طريقها. هكذا فشلت حيث نجح أحد أعمدة الأدب الجزائري كاتب ياسين الذي جمع بين الكتابة بالفرنسية والمسرح بالعامية الجزائرية.
في لقائنا الأخير، قالت لي إنها تخشى من رد فعل الجزائريين بعد قبولها الانضمام إلى الأكاديمية الفرنسية. لقد رافقها هذا الخوف طوال حياتها.
لا يمكن المزايدة على جزائرية آسيا جبار ومولود فرعون ومحمد ديب ومولود معمري ومالك حداد وكاتب ياسين وطاهر جاووت ورشيد ميموني وغيرهم ممن أثروا الأدب الجزائري رغم اختيارهم اللغة الفرنسية أداة للإبداع.
غير أنهم رحلوا دون أن يقدموا لنا أجوبة للكثير من الأسئلة الملحّة: هل الفرنسية جزء من الهوية الجزائرية؟ كيف ينبغي أن نتعامل مع الميراث المفرنس؟ هل الفرنسية فعلاً غنيمة حرب كما قال ذات يوم كاتب ياسين؟
رحلت آسيا جبار مجروحة اللسان وتركت على عاتقنا مسؤولية مداواة جراح اللغة والذاكرة والمخيال والهوية رغم مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال.
* روائي جزائري مقيم في إيطاليا
- See more at: https://www.alaraby.co.uk/culture/b88893 ... sthash.WFBNjIP3.dpuf
عمارة لخوص
20 فبراير 2015
متعلقات
[font=Arial]تعرّفت إلى آسيا جبار في روما في نهاية 1995. ثم التقينا مرات عديدة خلال زياراتها لإيطاليا، وكان آخرها في تورينو عام 2005، حيث جاءت لتتسلّم جائزة "غرينزاني كافور".
أذكر أنه بعد الحفل اقترب منها مراسل إحدى القنوات التلفزيونية العربية وطلب منها تعليقاً. بدت آسيا جبار مرتبكة ومحرجة للغاية. قالت له بالفرنسية ثم بالإنجليزية: أنا لا أتحدث العربية، فردّ عليها المراسل بعفوية: يا للعجب، أنت جزائرية ولا تتكلمين العربية!
عندئذ قدّمت كاتبتنا التفسير نفسه الذي سمعته منها مراراً: "ليس ذنبي، فقد حرمني الاستعمار الفرنسي من تعلّم العربية".
إحقاقاً للحق، لم أقتنع يوماً بهذا التفسير، فقد وُلدتُ وتربّيتُ في جزائر الاستقلال التي اعتاد آباؤنا على عدم تحمّل مسؤولياتهم وتعليق كثير من أخطائهم على شماعة المستعمِر.
كان عمر آسيا جبار 26 عاماً حين نالت الجزائر استقلالها. كان لديها الوقت الكافي لتعلّم العربية، لكنها لم تفعل. لماذا؟ هل ينطبق عليها ما قاله فرانز فانون عن عقدة المستعمَر وكراهية الذات؟ هل رفضت تعريب لسانها لأنها كانت ضد سياسة التعريب وأحادية اللغة؟
"
ربطت جرح الاستعمار بحرمانها من الأمازيغية والعربية
"
خلال خطاب انضمامها إلى الأكاديمية الفرنسية عام 2006 وصفت آسيا جبّار الاستعمار الفرنسي بأنه "جرح عظيم" وكررت كلمة "جرح" خمس مرات. وربطت هذا الجرح العميق بحرمانها من الأمازيغية والعربية.
عاشت الكاتبة الجزائرية مجروحة اللسان وحاولت أن تجد مخرجاً في السينما، إذ كان مشروعها أو حلمها أن تبدع ككاتبة بالفرنسية ومخرجة سينمائية بالعربية. للأسف لم تتلقّ دعماً من المسؤولين عن الحقل السينمائي في الجزائر بل وضعوا العوائق في طريقها. هكذا فشلت حيث نجح أحد أعمدة الأدب الجزائري كاتب ياسين الذي جمع بين الكتابة بالفرنسية والمسرح بالعامية الجزائرية.
في لقائنا الأخير، قالت لي إنها تخشى من رد فعل الجزائريين بعد قبولها الانضمام إلى الأكاديمية الفرنسية. لقد رافقها هذا الخوف طوال حياتها.
لا يمكن المزايدة على جزائرية آسيا جبار ومولود فرعون ومحمد ديب ومولود معمري ومالك حداد وكاتب ياسين وطاهر جاووت ورشيد ميموني وغيرهم ممن أثروا الأدب الجزائري رغم اختيارهم اللغة الفرنسية أداة للإبداع.
غير أنهم رحلوا دون أن يقدموا لنا أجوبة للكثير من الأسئلة الملحّة: هل الفرنسية جزء من الهوية الجزائرية؟ كيف ينبغي أن نتعامل مع الميراث المفرنس؟ هل الفرنسية فعلاً غنيمة حرب كما قال ذات يوم كاتب ياسين؟
رحلت آسيا جبار مجروحة اللسان وتركت على عاتقنا مسؤولية مداواة جراح اللغة والذاكرة والمخيال والهوية رغم مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال.
* روائي جزائري مقيم في إيطاليا
- See more at: https://www.alaraby.co.uk/culture/b88893 ... sthash.WFBNjIP3.dpuf