كوستي....."مريضكم كيف؟ شديدنا مات"!!.

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

كوستي....."مريضكم كيف؟ شديدنا مات"!!.

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

[size=24]
كوستي....."مريضكم كيف؟ شديدنا مات"!

زيارة مدينة كوستي لها نكهتها الخاصة في قلوب أهل كوستي الذين ولدوا وترعرعوا فيها ،بل وحتى الذين احتضنتهم مدارسها في المراحل المختلفة أو الذين عملوا في الخدمة المدنية العامة وارتبطوا بها حتى أصبحت مدينتهم الآثرة التي ينافحون عنها. فقد كانت مدينة رحبة الصدر، متسامحة، تقبل الآخر بكل ما تعني الكلمة. كنت تجد فيها المسلم والمسيحي والهندوسي وحتى الذي يؤمن بآلهة المطر وغيره بدون أي ضجر أو كدر. كانت المدينة معطاءة وكريمة وسمحة، ففتحت أبوابها حتى للأجنبي. فكم من شخص بدأ حياته فيها من العدم فآوته وفتحت له ابواب الرزق ، وكم من مهاجر نزح اليها فأكرمته وسندته. سنوات طويلة مرت عليّ ، غبت فيها عن مدينة كوستي قبل أن اعود لزيارتها في الشهر الماضي. كنت أتوقع تردي التعليم والصحة كعامة أحوال السودان. ولكن أن تجد اختلاط الحابل بالنابل كما يقولون، وهو ما يعني تردي الأحوال في كل المجالات، سمها كما تشاء، فهذا هو بحق الاعصار الذي ضرب المدينة فلم يبق حتى على الأخضر.
قد يذكر بعض القراء الكرام مقولة الراحل دكتور محمد عمر بشير في كتابه عن مشكلة جنوب السودان عندما ذكر فيه "عندما يكون الوضع في الشمال سيئا ، يكون الوضع في الجنوب أسوأ" . فالآن اصبحت كوستي من ضمن الجنوب الجديد، فهل يمكن أن تنطبق هذه العبارة القوية على المدينة؟ وهل ترييف المدن وتناقضات الحضر والهامش وتداخلاتها التي كسرت كل نظريات التنمية المستدامة وتوافق العقد الاجتماعي ، أصبحت لا مكان لها من الإعراب في حالة السودان عامة وكوستي على وجه الخصوص؟!!. أول ما يستوقف الزائر للمدينة هو البناء "إن شئت سمه العشوائي" الذي يبدو كنبت شيطاني في كل مكان ليس فقط الذي يخطر ببالك، ولكن حتى الذي لا يخطر ببالك تجده هناك!!. فمكبات الخراصانة والطوب المنثور تنتشر في كل مكان وكأن هناك سباقا أو تنافسا محموما على التطاول في البنيان ثم على تلطيخ المكان بالبقايا والقاذورات مادين لسانا طويلا للبيئة وصحة وما يسمى اصحاح البيئة، فلا تكاد ترى شيئا ينم عن أية احترام أو مراعاة لأسس تخطيط المدن، فلعلك ترى كل الذي ذكرت من سوءآت في براح الساحات والميادين التي هي أس أبجدية تخطيط وتطوير المدن، لذا يبرز التسآؤل!!؟.
قضيت قرابة الاسبوعين بالمدينة، نعمت فيها بصحبة الأهل و الأحباب ورفاق صبا وأصدقاء. كنت أذهب إلى السوق كل يوم، وقد زحف السوق وألتهم جزءا عزيزا من حينّا!! قلت لأحدهم بطرف السوق لمن هذه العمارة؟ فقال لي "لا أعرف. ولكن أسأل اؤلئك الناس الذين يجلسون حول ست الشاي بالقرب من ذلك المتجر " . قلت له لاداعي. هذه العمارة التجارية، كانت منزلنا..... والمتجر الذي بقربه تجلس ست الشاي كان للفقيد الراحل يونس الدسوقي أحد مشاعل التنوير بمدينة كوستي!!. وقفت قليلا وعصرت قلبي لأتأمل واتحسر ...ففي هذا المنزل عشت حياة طيبة وسمحة، نعمنا فيها بجيرة بوبي وسابا، وأولاد العوضية، وعمود الغداء، والشعلة... ومدينة* كوستي، وغيرها من القصص والحكاوي التي لم ترو بعد!!.. ثم واصلت المسير نحو قلب السوق. السوق الذي كنت أعرفه كظهر كف يدي أصبحت أحتاج فيه لدليل!! فقد قامت المتاجر والدكاكين وكأنها غابة متشابكة لا تعرف أولها من آخرها، وكثرت فيها البقالات وأماكن الأطعمة والفريشة الذين يفترشون بضائعهم في كل مكان. أما كيف يعمل السوق ، فهذه رواية بحالها! فلو حضر آدم اسميث شخصيا لاصابه الخبل والجنون... فالذي يجري هنا ليس هو اقتصاد السوق الحر المعروف بل هو شئ فوق التصور والخيال! ...أخبرني أحد العاملين في السوق بأن سياسة السوق هنا تكمن في عبارة جبارة وبليغة يعرفها التجار على ظهر قلب وتقول العبارة"أديه الموت ليقبل بالحمى"!!!؟؟ سميه قلع عديل كده أو نهب مقنن...... فهو قد تجاوز بيع السلم أو حتى الكسر زاتو( وهوالبيع بالشيكات التي ليس لها رصيد ويشتريها آخر بنصف قيمتها بعد أن تبدل بأي سلعة أخرى وقد ينتقل الشيك لعدة أشخاص)......... من مشاهداتي حرصت على متابعة احوال الناس في شتى المجالات، ملابسهم ، مأكلهم، ماذا ينتعلون، مشربهم. الذي شدني واحزنني كان مشاهدة طلاب وتلاميذ المدارس فملابسهم كانت أكثر من فقيرة وأجسادهم هزيلة وأحذيتهم حدث ولا حرج. كان طلاب المدارس الثانوية ينتعلون نعل يقال له رطّب، وهو عبارة عن شبشب من البلاستيك وأظنه من المصنوعات المحلية (دق منطقة)!!. أما حقائبهم وكراساتهم وكتبهم، فهذا ترف يجب الا يكتب عنه هنا!!!. لا أعرف ماذا أقول.. شاهدت طلاب ثانوي وهم يحملون كراسات بدون اغلفة... المدارس الحكومية ليس فيها مقومات أساسية للتعليم لذلك فهي للطلاب والتلاميذ الفقراء. وأما المدارس الخاصة فهي التي تحظى بكل شئ ويدرس فيها أبناء وبنات الأسر القادرة فقط. شاهدت ايضا بعض طلاب المدارس يعملون في البيوت في نهاية عطلة الاسبوع. وعندما ارتسمت الدهشة على وجهي ، أخبروني بأن هذا أفضل لهم لأنهم يتحصلون على وجبتين مجانا ومصاريف في نهاية اليوم مقابل عملهم هذا!!! وهم محظوظون لأن غيرهم لا يجدون حتى هذا العمل!! وسينفطر قلبك عندما تعرف هؤلاء الطلاب بعضهم تلاميذ لم تتجاوز أعمار بعضهم العاشرة....أخبرني بعض أهلي وأصدقائي بأن هناك بعض الخيرين من سكان كوستي يقدمون بصورة منتظمة وجبات الفطور لبعض المدارس ووجبات أخرى لبعض أقسام مستشفى كوستي الجامعي!!. أيضا من ملاحظاتي قلة الناس الذين يدخنون في الشوارع ، وتكاد تنعدم في بعض الأحيان. ليس ورعا ولكن يبدو أن شغل الناس بالطعام والمعيشة قد حدّ من تلك الظاهرة. ركبت ركشة عدة مرات. في مرة أوصلني شاب وأخبرني بانه خريج جامعة. كان مهذبا ولطيفا عندما أخبرني بهمومه وطموحاته التي هي عصية التحقيق في مثل هكذا ظروف...ولكنه ما زال عنده تفاؤل بغد مشرق، برغم مطاردة السلطات لهم، ليس في معاشهم فحسب، بل حتى في أحلامهم!. حرصت أيضا عن البحث عن أهلنا سكان الجنوب الحبيب. وجدت صعوبة في ذلك فقد أصبحوا في جيوب قليلة قلما تشاهدها في أحياء المدن وإن كان يمكنك أن تشاهد أفرادا منهم مبعثرين في الأسواق . كنت أقف بالقرب منهم وكأنهم مخلوقات فضائية لا تمل من مشاهدتها!!. وددت لو أرتمي في أحضانهم واعانقهم فردا فردا.....سآلت نفسي أين لواري وبصات كوستي الرنك، كوستي جوري، وكوستي الزليط ، وكوستي الجبلين والقيقر التي كانت على مرمى حجر من بيتنا. أين أنت يا عبد المنعم عبد الحي "أنا ابن الشمال سكنته قلبي - على ابن الجنوب ضميت ضلوعي" ...سنكون ما كنا... وسنظل..
حال مدينة كوستي هو كحال بعض الأشياء التي لا تقودك لأي فهم سليم!! فالاشياء التي تؤدي لخدمة وراحة العباد من قبل المسؤولين لا تقوم إلا إذا كانت هناك منفعة شخصية من وراءها. هل يمكن أن تتخيل مدينة أصبحت مليونية تحطمت فيها خدمات السكة حديد والنقل النهري وخدمات البريد وخلافه التي نشأت فيها منذ أكثرمن مائة سنة!!!؟. نعم، كل الحكومات التي حكمت بعد الاستقلال لم تنهض وتنمي هذه القطاعات الخدمية بالصورة المثالية. وهي غلطانة وسافة التراب.. وبت كلب كمان!!؟.... لكن بس كمان لم تكسرها وتبيعها وتنتهي منها جملة واحدة !!!؟. هذا يجب الا يدعو للدهشة، فالأساس الذي قامت عليه سلطات هؤلاء المسؤولين خطأ ومغتصب. ولكن المدهش في ذلك بان الذين أوصلوا هؤلاء المسؤولين أصبحوا الآن خارج اللعبة، بعد ان أُستغلوا وانتهت مهمتهم. فأصبحوا الآن يتباكون على تدهور تنمية المدينة وفقدانها لسمتها القديم.... قالت لي جدتي أمد الله في عمرها ومتعها الله بالصحة والعافية بعد أن سألتها عن حالها ...فقالت لي "يا ولدي نحن حالنا متل الزول البسألو عن مريضكم كيف ؟ ويقوم ويقول ليك شديدنا مات"!!؟.


عمر عبد الله محمد علي
مونتري-كلفورنيا
20يناير 2015


* بوبي وسابا....ومدينة كوستي، أولاد العوضية، عمود الغداء، والشعلة... ومدينة كوستي. كتابات نشرت للكاتب
آخر تعديل بواسطة عمر عبد الله محمد علي في الخميس مارس 30, 2017 7:57 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

بعض التعليقات :




01-22-2015 12:23 AM
صباح الخير على أم نفلين وشرّف كوستي والجبلين
كوستي مدينة في ذاكرة كل سوداني من حيث أنها ميناء نهري هام للجنوب وبها وبها ورش النقل النهري ومحطة وورش صيانة للقطارات العابرة إلى الغرب والعائدة إلى سنار مدني الخرطوم. ملتقى ومفترق للطرق البرية والنهرية والحديدية. إذا تآنست مع كبار السن المتقاعدين من نواتية الشمال أو أهل الغرب فلابد أنهم يذكرون كوستي بالخير ولهم فيها ومعها ذكريات عطرة. يحدثونك عن السمك والفسيخ والرديف بل وعن تحريم التمباك في الجزيرة أبا.
التحية لأهل كوستي الذين يمثلون كل السودان بحدوده الجغرافية القديمة والتي ستعود إن شاء الله سيرتها الأولى قريباً وسيعود معها الكنار شادياً ومغرداً ينفخ الروح ويعيد ترميم الخراب الذي أحدثه هؤلاء الجناة المجارمة أولاد الهرمة
في ربك رحلتنا انتهت لما إيدك لي لوّحت
همت بيك وعايز أضيع

[بربر نفر]

01-21-2015 08:49 PM
والله صدقت جدا يا اخى عمر عبدالله ومثلك تمكنت زيارة مدينة كوستى قبل فترة قصيرة جدا لمدة يومين فقط والله حزنت ان تكون هذه هى كوستى التى عرفتها قبل 25 عاما تقريبا كموظف خدمة عامة قبل سفرى الى خارج الوطن تردى كل شىء عفن ووسخ وتدهور مريع فى صحة البيئة وزحمة فى كل مكان اما الاحياء القديمة فلم يحدث فيها اى تطور بل هجرها اهلها وسافروا الى الخرطوم ما صدقت ابدا تكون كوستى بهذه الحال والله شىء عجيب . ان اهم ما يذكرنى بكوستى اننى عشت فيها احلى ايام الشباب بحى النصر فاهلها كانوا ناس طيبين واهل خير وبركة يجبروك تندمج معهم واضطررت لزيارتهم بعد غياب دام 15 سنه .

[سلام يا وطن]


قضيت قرابة الاسبوعين بالمدينة، نعمت فيها بصحبة الأهل و الأحباب ورفاق صبي وأصدقاء. ,ياصديقي مادام هؤلاء السمحين موجودين،،ان شاء الله الصبح قريب.

[azeez]


تحية ل عمر في مهجره
لم اكن محظوظا اخبرني احدهم ان عمر اتي ل كوستي .. وسعيت له بالسؤال من اخيه خالد
ووجدته قد رحل




الأعزاء عمر عبد الله وعبد الله عثمان وعبد الحفيظ كلكم عيون (حرف العين)، فإنكم بأعيننا ومدينتكم الفاضلة كوستي.
يا عمر لي طلب من أخ فاضل جدا:
فإذا أمكن نسخة من كتاب أولاد العوضية..وسنتدبر طريقة استلامه.





أيها العارف بالله عبدو الحي
دننتنا دن
وحال كوستي الذي حكى عنه عمر يحنن
بل يجنن
الله في
سلام كبير




سلام يا ود اب سن
معليش فاتت عليك صحبة رجل جميل
الغريبة هو قال لي يوميا كان بمشي لعرمان وجلال ويجي عليهم كري الخ وقال أنو زار عادل أبو حراب "عادل أتو" جمبكم
لما أنا أجي كوستي نهاية هذا العام إن شاء الله نتلاقى عندك ولا عند ابوصقعو
ان شاء الله





سلامات يا عزيزي عبد الله عثمان
والتحية موصولة للأخ عمر عبد الله محمد علي الذي أشكره على هذه الكتابة المعبرة والمحزنة.
كوستي التي أحملها في ذاكرتي هي محطة السكة حديد التي يقف عندها القطار أكثر من ساعة قادما من الأبيض، ويبدو أن القاطرة يتم تغييرها هناك. تستقبلك رائحة الشمام العجيبة، وبعد خروج القطار من كوستي يعبر كبري الحديد إلى ربك، ثم يواصل إلى سنار مرورا بجبل موية وجبل دود وجبل بيوت.
وقطار الغرب يدمدم في إرزام كما قال الشاعر ابن الأبيض محمد المكي ابراهيم.

ياسر




سلمت يا اخ عمر وسلم يراعك واطمئن يا سيدى فمن جوف الليالى المدلهمات يبزغ الفجر وليس فى الامكان اسوأ مما كان والتحيه للاخ عبدالله عثمان




سلام مربع لصاحب الحزن العميق
ولضيوفك الكرام ....
ولسه بنحلم بوطن حدادى مدادى ...؟؟؟؟!!!
مودتى




يا سلام يا عبدالله عثمان..
ويا سلام يا عمر عبدالله على هذه البلاغة الباكية...
أحسن الله عزاءكم وعزاء السودانيين جميعا ... وحال المدن جميعها قريب من قريب...
لكن أملنا في الله كبيييييييييييير....




سلام يا دكتور ياسر
العرب البقابلوني برة السودان معظمهم لا يذكر من السودان الا رائعة عبدالمنعم عبدالحي التي غناها سيد خليفة "المامبو السوداني" ... أخيرا بعض الصبية في عمان أخذوا يتداولون بدلا عنها منلوج لطارق الأمين "كلو زول بي زوجة بتاعو الا أنا ما عندي مرة ليه كدة بس؟! كدة بس؟!" ...
الأمريكان كل ما تجيب ليهم سيرة السودان إما يذكروا ليك مانوت بول لاعب السلة الشهير أو دارفور أو اللوست بويز ... قبل ايام ارسلت لي صديقة أمريكية قديمة ايميل تقول لي انها شاهدت فيلم "الكذبة البيضاء" عن مأساة أطفال جنوب السودان وبكت فتذكرتني ثم باغتتني بالسؤال: هل أنت من اللوست بويز؟
اللفة الطويلة دي يا دكتور ياسر عشان أقول ليك معظم اللذين ألتقيتهم ممن يعبر بهم القطار من جهات نيالا أو من أب قبة فحل الديوم فلا يذكرون عن كوستي سوى الشمام والسمك ... حتى محمد المكي ابراهيم أختصرها في (أناس ينصرفون بلا توديع) ... مع أنو كوستي دي يا ياسر فيها الخليفة مكاوي حامد الركابي وفيها دكتور جرجس، فيها حامد دعاية ودنقور وصديق ود المعلم، فيها أولاد عكاشة ومدرسة جبور وصفية سكودر .. فيها الخليفة النعمة وود اب ضرس وكبري الليمون ... فيها البنطون وترب النصارى ومزار سيدي الحسن وفيها استاذ محجوب واستاذ السر وعبدالجابر .. فيها السكة حديد كلها ودة عالم براه من ناس الجيقني وناس رستم ومنوفلي والجمري واسماعيل زكي اللعاب لغاية الشدرة العقدو لي فايز عبدالرحمن وعبدالله عثمان فيها
كوستي فيها ود اب سن وفاطنة مالكة وفاطنة سنجر وحبوبة أم الحسن وام النصر وأولاد نقدالله ... فيها بيلو وبابو وسنوسي والملجة وسوق اب زلعة وفيها السوق الخيري وطاحونة سلام وسينما منيب وفيها الحامية وشاي خدر الجابري "الغليد" .. فيها ناس تكلا وكلب ناس عبدالمتعال وشجرة تمر أبونا المسكونة وميز الكبانية ... فيها بنك الباركليز وأم جغوغة وشدرة المحنة ... فيها العرضحالجية والعربجية وعبدالرحمن بتاع الليمون وقبة الشريف المعمر.... فيها ياخ عثمان الفكي ومحطة الكشك ودار الرعاية ... الما فيها شنو ياخ؟! ..
تعرف يا ياسر ديل وغيرهم ايييييييييييك كتيييير يقعد زول من ناس كوستي يحجيك عنهم وعن ود نواي وبابوري وشيخ عرمان لمن الواطة تصبح قصصهم ما تكمل ... وطبعا أحسن زول ممكن يحجيك عنهم صاحبنا عمر الكتّاب دة ...
شنو ليك يا دكتور؟!

[size=24]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

و فيها الخواجة كوستي لويزو

مشاركة بواسطة حسن موسى »

[quote="
... مع أنو كوستي دي يا ياسر فيها الخليفة مكاوي حامد الركابي وفيها دكتور جرجس، فيها حامد دعاية ودنقور وصديق ود المعلم، فيها أولاد عكاشة ومدرسة جبور وصفية سكودر .. فيها الخليفة النعمة وود اب ضرس وكبري الليمون ... فيها البنطون وترب النصارى ومزار سيدي الحسن وفيها استاذ محجوب واستاذ السر وعبدالجابر .. فيها السكة حديد كلها ودة عالم براه من ناس الجيقني وناس رستم ومنوفلي والجمري واسماعيل زكي اللعاب لغاية الشدرة العقدو لي فايز عبدالرحمن وعبدالله عثمان فيها
كوستي فيها ود اب سن وفاطنة مالكة وفاطنة سنجر وحبوبة أم الحسن وام النصر وأولاد نقدالله ... فيها بيلو وبابو وسنوسي والملجة وسوق اب زلعة وفيها السوق الخيري وطاحونة سلام وسينما منيب وفيها الحامية وشاي خدر الجابري "الغليد" .. فيها ناس تكلا وكلب ناس عبدالمتعال وشجرة تمر أبونا المسكونة وميز الكبانية ... فيها بنك الباركليز وأم جغوغة وشدرة المحنة ... فيها العرضحالجية والعربجية وعبدالرحمن بتاع الليمون وقبة الشريف المعمر.... فيها ياخ عثمان الفكي ومحطة الكشك ودار الرعاية ... الما فيها شنو ياخ؟! .

[/color][/quote]
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

سلام يا حسن وشكرا على المرور.

تعرف يا حسن الخواجة كوستي ده كان زول ختري عديل كده...

واظنو كمان كان بيشتري اللبن من العرب وبعملو جبنة وبعد داك يببيعو ليهم...


عمر
Ahmed Sid Ahmed
مشاركات: 900
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 3:49 pm

مشاركة بواسطة Ahmed Sid Ahmed »

سلام يا عمر.

حببتنا فى عوالم كوستى.



صورة


صورة
Kosti Nile Steamer 1936
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »


العزيز أحمد سيد أحمد

سلام ومعزة.

كوستي يا أحمد تمثل حقيقة، السودان ففيها كل القبائل تقريبا. فالبرغم من غالبية أهلها
الأنصار إلا أنك تجد فيها تسامحا كبيرا ومشهودا.
وشكرا ليك كتير على صورة الباخرة النيلية. في زيارتي الأخيرة لم أجد هيئة النقل النهري فقد
تم بيعها وتصفيتها وأصبحت شركة!!!
ذكرت كتب التاريخ إن الحكومة التركية أرسلت حملة عسكرية بالباخرة لقمع ثورة المهدي في الجزيرة أبا
سنة 1881 وعندما وصلت الباخرة قرية الكوة اتصلت من القريةعن طريق التلغراف بالخرطوم وأخبرتهم
بأنهم سيبيتون ليلتهم في الكوة وصباح الغد سوف يدخلون الجزيرة أبا لقمع الثورة.
تخيل هذا كان في 1881. الآن ليس عندنا حتى خطوط بحرية فقد تم بيعها أيضا وتؤجر الحكومة بواخر من اثيوبيا
التي ليس عندها ميناء بحري!

لك كل مودتي.

عمر
صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

كانت المنطقة التي تقوم عليها مدينة كوستي الحالية تعرف باسم قوز جمعة (أو خور جمعة كما تذهب روايات أخرى)، قبل أن يقطنها تاجر أوروبي من أصل يوناني اسمه خواجة (السيد) كوستينوس Kostinos (بالحروف الإغريقية Κωστινοσ)، وكان يشتري اللبن من البدو العرب المقيمين بالقرب من مسكنه في قرية الكرو – التي أصبحت الآن إحدى أحياء المدينة - وتطور مقام الخواجة كوستينوس ليصبح بلدة حملت اسمه فيما بعد. وتُلقّب المدينة بـ «كوستي الرديف» نسبة لأقدم أحيائها السكنية.

عمر
تحياتي

وكوستي محظوظة لأنها نجت من (حمى) التأصيل النميري والبشيري، فبقى اسمها يحكي ماضيها، واسم الخواجة صمد وظلّ (شديد ولضيض) ولم يمت.
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »


سلام يا صادق وشكرا جزيلا على الإضاءة .

يمكنك ان تجد هنا في هذا الرابط مقالة مترجمة لبدر الدين الهاشمي عن الإغريق في السودان.

https://www.alrakoba.net/articles-action ... -58013.htm

ولَك مو
دتي.

عمر
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

كوستي سرة البلد
سلام يا عمر عبد الله
وتحية لك ولكل أهل كوستي
نحن لم نلتق، بعد، ولكني أعرفك، وأعرف أنك تعرفني. فصديقنا المشترك عبد الله عثمان، لا ينفك يلهج بذكرك. ولقد امتعتني كتابتك عن كوستي، وأهاجت فيّ راقد الشجن.
قال الشاعر الصوفي أبو الحسين النوري:

رب ورقاء هتوفٌ في الضحى، ذاتُ شجوٍ، صدحت في فننِ
ذكرت إلفاً ودهراً صالحاً، فبكت حزناً وهاجت حزني
فبكائي ربما أرّقها، وبكاها ربما أرّقني
ولقد تشكو فما أفهمها، ولقد أشكو، فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها، وهي، أيضًا، بالجوى تعرفني
أم تراها بالبكا مولعةٌ، أم سقاها البينُ ما جرّعني.

وقد لا أذيع سرًا إن قلت إن لي سريرة في حب كوستي. وهذه مأخوذة من سلطان العاشقين ابن الفارض حيث يقول:

لي في الغرامِ سريرةٌ، والله أعلمُ بالسرائرْ
ومشبّهٍ بالغصن قلبي، لا يزال عليه طائرْ
حلوُ الحديث، وإنها لحلاوةٌ شقّتْ مرائرْ
أشكو، وأشكر فعله، فاعجب لشاكٍ منه، شاكرْ

قال علماء الاثار والمؤرخون، إن قبيلة الشلك كانت متمددة، في الزمان القديم، على ضاف النيل الأبيض حتى ملتقى النيلين، وقد وجد الباحثون مخلفاتهم الأثرية عند ملتقى النيلين. غير أن نطاق عيشهم انحسر جنوبًا، إلى أن صاروا حيث هم الآن؛ جنوبي بلدة الجبلين.

كوستي هي سرة سودان ما قبل الانفصال، الممتد من الجنينة إلى القلابات، ومن نمولي إلى حلفا. وأهم من ذلك، كوستي هي مدينة التقاء الشمال والجنوب. فهي أهم مدينة سودانية في شبكة الربط الجغرافي لأطراف القطر السوداني، لكونها مرتكز مهم لطرقه البرية والنيلية الواصلة إلى أقاليمه البعيدة. قبل انشاء كبريها الحديث، كانت السكة حديد، والشاحنات، تعبر كبريها القديم بالغ الضيق. وقد اعتاد السائقون أن يحكوا عنه قصصًا، فيها الكثير من "الدرمتة" dramatization. تعبر السكة الحديد فوق ذلك الجسر الذي يقال أنه استجلبه البريطانيون من مستعمرتهم يوغندا، لتصل الشرق والوسط والشمال بـ" "الرهد أب دكَنَةْ، مسكين ما سَكَنَهْ"، لتتفرع من هناك، نحو الأبيض، ونحو بابنوسة، فالضعين، فنيالا. ومن بابنوسة تتفرع أيضًا، لتربط واو في الجنوب، مرورًا بالمجلد، وأويل.

أيضًا في كوستي أكبر ميناء نهري على النيل الأبيض. وبعد أن وصلت السكة الحديد إلى كوستي، توقف النشاط النهري بين الخرطوم وكوستي، وتكثف بين كوستي ومدن الجنوب. أصبحت السكك الحديدة تنقل البضائع المتجهة إلى الجنوب إلى كوستي، ومن ثم، يتم نقلها بالبواخر والصنادل المجرورة، حتى جوبا، مرورًا بكل المحطات النهرية، التي ذكرها ود الرضي في أغنيته ذائعة الصيت، "من الأسكلة وحلّ".

رأيت كوستي، أول مرة في حياتي، وأنا في سن الحادية عشرة. جئتها على متن بص من طراز "الكندا"، قادمًا من زيارة أحد أخوالي في السوكي، عابرًا سنار المدينة، من فوق الخزان. مررنا بعدها بسنار التقاطع، وكانت أعجوبة في ومانها لتفرع ثلاثة خطوط حديدة منها، وأصبحت بعد نشوء خزان الروصيرص أربعة؛ نحو الخرطوم، ونحو كوستي، ونحو الدمازين، ونحو القضارف.

حينها لم يكن مشروع سكر شمال غرب سنار قد أُنشيء، فكان هذا السهل الطيني، في هذه المنطقة، تشغله الزراعة المطرية. اتجهنا غربًا صوب كوستي، فمررنا بجبل موية، فجبل دود، فجبل بيوت، فربك، فكوستي. وكانت السفرة في جملتها كالحلم. ولست أدري هل كان العالم طازجًا غضًا، حينها، أم كنا نحن الطازجين الغضِّين. أم أن الحواس والذائقة الاستاطيقية اليانعة، تشيخ هي الأخرى بفعل الزمن، كما قال جماع: "ذهب الصبا بعهوده، ليت الطفولة عاودتنا". كان العالم، وقتها، كأنما نزل من الملكوت لتوه. المحصلة؛ أن السحر، أو القابلية للانسحار قد خارت قواها، أو تكاد.

ما أكثر ما قلت في نفسي وأنا أذهب من وإلى العمل، في كل الجهات التي عملت بها، وما أكثرها: إنهم يسلبوننا متعة العيش، ويحولوننا إلى مجرد أدوات. لم نعد نر الطبيعة، ولم نعد ننفعل بها، مثلما كنا. أصبحنا نحدق في الشاشات. نترك شاشة الكمبيوتر في المكتب، لتستلمنا شاشة الجي بي إس، في السيارة، ثم شاشة الموبايل، ثم شاشة التلفزيون في البيت، وفي بعض الأحيان نكون مع أكثر من شاشة، في وقت واحد. فكم شاشة جديدة في رحم الغيب، نحن موعودون بها، يا ترى؟ والله ما لهذا خلقنا. إني لأكاد أصرخ: أعيدونا، إلى حيث أنقذتمونا بالعلم الحديث.

كانت تلك هي أول مرة أخرج فيها من سهل الجزيرة الطيني المنبسط، لأرى الطبيعة بعيدًا عن تخطيط الإنجليز، وتسطيرهم للترع، والحواشات. وكان جبل موية هو أول جبل أراه في حياتي. وقد استغرقني مشهده وأدخل في نفسي رهبة لا أزال أذكرها، والكندا تغالب دقداق السهل الطيني الجاف في وهج شمس أبريل، وهي تقترب منه رويدا، رويدا، ثم تبتعد عنه، إلا أن أصبح دُهْمَةً من الدخان، تجلس عند خط الأفق. كانت الرحلة أصلا من السوكي إلى تندلتي لزيارة خالي الآخر، الذي يعمل تاجرًا هناك.
أما سيارات الكندا، للذين لا يعرفونها، فسيارات اشتراها السودانيون من مزادات الجيش الإنجليزي، وكانت من مخلفات آليات الحرب العالمية الثانية. اشتروها بأثمان زهيدة، و"دقًوا" لها صناديق حديدية في المناطق الصناعية، وسمّروا في بطونها كنبات مستطيلة، فأصبحت بصات ركاب. وغنى لها المغنون في "عصر التمتم وضحاه"، - كما عنون عثمان عامر سرديته البديعة عن عبدالرحمن الريح، فقالوا:

الكندا الشينة، ما حلّت دينا
يا حيدر يوسف، سويتا فينا

ولعل حيدر يوسف هذا واحدٌ ممن اشتروها من دلالات الجيش الإنجليزي، ولعل شريكه في عملية الشراء هو الذي نظم هذه الجزئية، في تلك الأغنية التي ظل الناس، لسنواتٍ، يضيفون إليها ما يعن لهم من تعابير الوجد والصبابة، و"البكش" أيضًا.

كانت معرفتي الأولى بكوستي مجرد عبور نحو تندلتي، إذ بت فيها ليلة لدى أحد الأقارب، لأغادر في صحبة خالي الذي رعاني في تلك الرحلة، في اليوم الثاني، إلى تندلتي، عبر المحطات الوضيئة الجالسة عل بأشجار نيمها على قيزان الرمل؛ الوساعة، وأم كويكة، وسليمة، فتندلتي.

جئتها مرة أخرى بعد ثمان سنوات مع فرقة طلائع الهدهد من حنتوب. توقفنا بالجزيرة أبا لحضور عقد قران أستاذنا السر مكي أبوزيد، وأستاذتنا قمر عيسى. وصلنا إلى الجزيرة أبا، بعد أحداثها الدامية بشهور قليلة. ثم زرنا كوستي، واستضافنا الشاعر عبد الله شابو، بمنزله بحي النصر، كما اشتركنا بالعزف والغناء في حفل عرس بنفس الحي. وفي أمسية أخرى، زرنا اتحاد فناني كوستي في الحلة الجديدة. فقدمت لنا فرقتهم وصلات غنائية ممتعة احتفاء بزيارتنا. تعرفنا على نجوم تلك الفرقة، إبراهيم الجاك، وبابكر أبوصقعو، وفائز عبد الرحمن، وحمودة عبدالباقي، الذي تخرج لاحقًا من معهد الموسيقى والمسرح، وأصبح عازفًا للأكورديون، بالفرقة الموسيقية للإذاعة السودانية. ويعد حمودة من العازفين المخضرمين لآلة الأكورديون، فهو من الجيل الذي أتى مباشرة بعد عبد اللطيف خضر، وسليمان أكرت، والمرحوم الفاتح الهادي. كما قدمنا ليلة كاملة، مسرحية وغنائية على مسرح المدرسة المتوسطة الواقعة بين حي النصر والسكة الحديد.

جرى اللقاء الأول بكوستي، في الصبا، والثاني في الشباب الباكر. أما لقائي بكوستي، بعد منتصف السبعينات فقد كان لقاء جمهوريًا. وكوستي مركز جمهوري كبير. فقد أقام بها الأستاذ محمود محمد طه لسنوات، وهو يعمل مهندسًا في مشاريع النيل الأبيض، ما جعلها واحدة من معاقل الجمهوريين، وواحدة من ساحات معاركهم الشرسة، لاحقًا، مع معارضي الجمهوريين وأفكارهم، في النصف الثاني من السبعينات.

كانت تلك حاشية، أتت من فوق المتن، في الصلة بكوستي، التي أيقظ راقد شجنها عمر عبد الله محمد علي.

كسرة:
يا أحمد سيد أحمد، أنا لقيت لي راس خيط جديد، ولسوف أسرح كعادتي، فاستعد، وشيل شيلتك.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »


العزيز النور حمد
تحية ومعزة خالصة.

هكذا دائما يقول عبد الله عثمان. النور حمد قال....ثم يسترسل بعد ذلك ولا تمله أبدا.

عن مدينة كوستي الحديث دائما لا ينتهي. فيمكنك أن تتحدث في أي مجال رياضة، ثقافة، اجتماع،
سياسة، وهكذا. وقد لا يكون هناك اختلاف كبير بينها وبين بعض المدن الأخرى التي تشترك في بعض التميز
ولكن دائما تجد هناك بعض التفرد في أشياء كثيرة تجدها في احاسيس ووجدان الكوستاب ظاهرة.
فمثلا في حيّنا رغم صغره لكنه حي متميز جدا فتجد فيه قيام أول مدرسة أوليه بنين وكذلك بنات وتجد فيه مدرسة هندية ومدرسة قبطية. وتجد أيضا كل قبائل السودان تقريبا يسكنون هذا الحي مع الأغريق والهنود والاثيوبين والأقباط.
من الأغاني التي ما زالت راسخة في ذهني حتى الآن مقطع أغنية وشاعرها أو شاعرتها مجهول/ة ويمكن تكون من أغاني البنات وهي
تتحدث عن التسامح والحب بين الناس بالرغم من اختلاف الديانات...
"يا خي ديني ودينك مختلفين.... بس قلبي وقلبك متحابين" وقد زاع صيتها خاصة وسط بيوت الاعراس والأفراح.
ولا ننسى "التومات" اللتان سكنتا نفس الحي ويشار إليهما بإختراع إيقاع التم تم الشهير.
سكن الحي ايضا بعض مشاعل التنوير كالأستاذ محمود محمد طه ويونس الدسوقي سكرتير عام الجبهة المعادية للاستعمار لجنوب النيل الأبيض ومولانا محمد الطيب قمر الدين
كذلك كان يتردد عليه السيد عبد الرحمن المهدي والسيد عبد الرحمن الوسيلة السكرتير العام للجبهة المعادية للاستعمار وحتى المرحوم محمد إبراهيم نقد
لصلة القرابة التي كانت تربطهم بهذا الحي.
أما عن النقل النهري ومحطة السكة حديد فقد كانت من مرافق الترفيه لنا ونحن إيفاع حيث كنا نذهب ونشاهد قدوم الباخرة من الجنوب وسفرها. ويكون ذلك اليوم كأنه عيد حيث ترى المسافرين من السودانيين والخواجات يغدون ويروحون في
بهجة وسرور عظيمين. كنا نشاهد كل ذلك في غبطة وسرور وسعيدين بسعادة هؤلاء النفر من الناس الذين يوزعون بسماتهم
للكبير والصغير. ونفس الشيئ لقطارات الركاب وخاصة قطر الباخرة الذي يسافر كل أربعاء حوالي الساعة الثانية
ظهرا وهو لا يسافر إلى الخرطوم إلا بعد إنتظار قدوم الباخرة من الجنوب لأنه مخصص لها.....شوف بالله يا دكتور البلد كانت ماشه كيف؟؟؟
وهذا النظام حتى لوقت قريب كان يسير على نفس المنوال. بس بعد قدوم الأخوان كل شيئ تغير طبعا للأسوأ..

تعرف يا دكتور، كوستي دي مع تسامحها المشهود إلا أنها اتلومت كتير مع الجمهوريين شديد..ولا عجب أن أخرج الجمهوريون كتاب
عن "قضايا كوستي" وقد كنت شاهدا لعدم التسامح وكمان غلو عديل كده... ونحن في ميعة الصبى شاهدت بعض الأطفال والايفاع
يقذفون الجمهوريين بالحجارة !!... وقلت لنفسي لماذا؟ صحي هناك قضايا وأسئلة عن الاسلام وتحتاج لأجوبة فلماذا يحجر البعض عليهم اجتهادهم؟؟ الجمهوريون، وبعضهم أساتذة لنا، إجلاء تشهد لهم المدينة بحسن الخلق والعمل الدوؤب في كافة قضاياالمجتمع..وقد أخبرني الطيب محمد الحسن أنهم عندما كانوا يبيعون الكتب كان والدي عليه الرحمة من المشترين ، مع أنه أنصاري قح وكمان جناح الإمام!...وعرفت أخيرا أن المرحوم عبد الرحمن الوسيله قد أهداه ماكينة طابعة مازالت حتى وقت قريب موجودة....

مع عامر مودتي.

عمر






أرسل لي الصديق عبد الله عثمان رسالة لك وطلب مني أن وضعها هنا.....

===

Quote:" يقول الأستاذ محمود، معلقا على "ميل" له نحو أخ جمهوري معين بما معناه كنا زملاء او رفقاء في حياة سابقة.. رحم الفكرة الجمهورية، جمعني بهم، آل "نور الدين"... نور على "نوران"* (نوران حفيدة العترة الكريمة) نور على نور، ونورهم ينتهي للنور الذي شع ببطن مكة.. جدّهم عدييييييل .. تاني شنو؟؟ من يدري فلعل حياة سابقة قد جمعتني بهم او ببعضهم وقد أئتلفت منا أنفاس جنود مجندة.. ... كوستي أيضا جمعتني بهم، وأكرم بها من مدينة جامعة لها "جذب" لا يعرفه الا أهلها.. في كوستي الآسرة هذه قضى الأستاذ محمود محمد طه زهاء الثلاثة عشر عاما، يقول لي قلبي أن قد في تلك السنوات آخى بيننا برباط خفي "أرق من النسيم إذا سرى" ..
كانت كوستي ذاك الزمان مدينة عجيبة... يكفي أن بها الأستاذ محمود ... يقول لي عمي حسن أن الموظفين يأتونها كارهين، ثم ما أن "تتلببهم" بجنها وغباها حتى يهرعون للكجور لا يريدون منها نقلا... معلمو تلك البلدة، معلمون متميزون ولاشك... فلا غرابة إذن ان دلفت "نوارتهم" لسوح الأستاذ محمود ... فجاء "الزعيم" أحمد محمد الحسن، وجاء فايز وبقية العقد الفريد - خصصت أحمد وفايز لعلاقتهما المباشرة بأمر آل نور الدين....
كوستي إذن، كانت متميزة ولا شك... نادي سكة حديدها، منارة فكرية وفنية ... حاضر فيه الأستاذ ولمع فيه الطيب محمد الحسن شاعرا وممثلا ومخرجا، وقيل مغنيا وسيدلف بدوره فيما بعد للسوح العامر... ثم في فريقه لكرة القدم يلمع نجم محمد زروق الشيخ وسيحذو حذو الطيب، الطيب دخولا للحرم الآمن ... في تلك السكة الحديد كان كبير آل نورالدين، عبدالرحمن..
مكتبة يونس الدسوقي، بوابة عهد التفتح على المعرفة، ويأتي منها عبدالرحمن أحمد محمود.. ولآل نور الدين هنا وقفات ووقفات...
حرس المدينة القديم، "أهل الراتب والشلكاية" يتجدد ألقهم، بهذا الذي أنبثق فيهم، فيسطع نجم أمنا امّهل عبدالله الحلو وعمي عباس عيسى الحلو في سماوات فكر جديد، لا قبل للناس به.. ثم أن آل نور الدين في كل ذلك حضورا...
ما من شاب تمطى في ليالي المدينة بقميص زاه ماركة "الدبل هورس" الا وقد أقتناه من "مخازن المدينة"، أكرم بعمي محمد الحسن الطاهر وآله.. مخازن المدينة هذه ستصبح، بعد حين، بوابة فكرية للـ "المدينة" الوادعة، ومنها دلف عبدالله محمد أحمد "الساعاتي (من يصدق أن أنصاريا مثله يدلف من هناك، حيث لا حيث؟؟!!) ... جامع مكاوي، نادي كوستي، ثانويتها القوز (محمد عبدالله شمو وآل ابو قرجة وأحمد محمد علي أبو سن، حيدر بدوي وغيرهم) .... دكان عبدالرحمن النقر، والأستاذ محمود غاد ورائح عليه وآل نورالدين في الجوار يتشممون، دروا أو لم يدروا، تلكم الأنفاس ويا لها من أنفاس!! ... "يا ربي بهم وبآلهم .." ومن "سفينة" المراغنة هذه دلف الى "سفينة نوح" بعض خيار وجوه شايقية البلدة، فغدوا في "بحر مي مي" بلا جهوية ولا عصبية .. صار قلبهم قابل كل صورة.. ثلة هم، منهم خلف الله عبدالعاطي عثمان.. يتتابعون أقواما: طاهر وعبدالحفيظ محمد حمد، عبدالحفيظ ميرغني وربيع ميرغني، محمد الحسن أحمد "حميد" ومحمد عثمان الحسن "الشايقي"، محمد صالح عطا الله، آل محمد صالح محمد خير، د. صلاح موسى محمد عثمان وشقيقه الأستاذ جعفر، خالد محمد عثمان، المقداد محمد عثمان كمير والشيخ حسن حمد، عبدالله ومحمد عثمان بابكر .. و.. و... ولكل من أولئك وشائج واصلة بتلك الأرومة الطيبة آل نورالدين...
..... بابكر ابو صقعو ونقابة فناني المدينة، يجعلون لليالي المدينة طعم آخر، عبالرحمن ونجيب (ابراهيم) هم لحمة وسداة نقابة فاني المدينة هذه.... هؤلاء هم أولاد نور الدين، قوم متفتحون سبقوا الناس بيوم وضحوة ... لهم فتيات متميزات، هن حديث المدينة علم وخلق وجمال .. ما من كاعب في المدينة الا وتتمنى صحبتهن ..
.... دة عبدالرحمن نورالدين؟؟ يا زووووووووووووول!!
وكما كتب النور حمد، فقد شهدت ستينات القرن الماضي، وبداية سبعيناته، والعالم قد خرج لعقد ونيف من أتون حربه الثانية، شهدت مخاضا عظيما على كل الصعد... جيفارا يخوض تلك الغابات حالما بالحرية للمضطهدين من النساء والرجال، والأستاذ محمود متنقلا بالدرجة الرابعة في القطارات يقول للناس حديثا غريبا... من ضمن حديثه ذلك أن قد حمد للأندية أنها أخرجت السودانيين من الأنادي وأن أفنديتها هم من أخرجوا الإستعمار ولم يخرجه ذوو "العبايات" الذين ركنوا الى الجوامع ... في هذا الجو كان ثمة منزل في كوستي، يشد اليه قلوبا كثيرة، تجد فيه أناسا لا يشبهون غيرهم من الناس... حملوا "عصا المايسترو" وخرجوا، كلهم "وعل" يجوس خلال أكمة ما يبحث عما لا يراه غيره ... من ذات المنزل خرجت حليمة، ولعلها أول أمراة، بجانب زوج د. جرجس عياد أسكندر، من قد أرّخ لحضورهن الراتب لمجالس الأستاذ، يجدن عنده ما لا يجدن عند غيره ... (تٌرى ما الذي حملها لترى ذلك النور باكرا؟!) ... ومن ذات الأرومة أنبثقت زهور وصديقة وسمية... ثم جاءهم أحمد عبدالعال ابراهيم ... هذه الدور العامرة خرج شبابها لدار "النقابة" يبحثون عن "لامهم" خلف "نون" الكمان .... وقد كان
بيوت كثيرة في كوستي، ترى فيها مظاهرا تحكي الدين بلا دين، تبروقة واباريق ومسبحة وربما لوح عتيق معلّق على الجدار.. أطفالها يتلهون بـ "أم جغوغة" والبلي، أريكا عامية والطنقحال... بيتان فقط كنا نسمع عنهما، لا يشبهان غيرهما وبين البيتين أواصر صداقة أيضا للفكرة فيها نصيب... بيت أولاد عبدالله محمد صالح وبه غرفة موسيقى وبها شبه معمل للرسم ومنه تخرجت ابنتهم د. زينب عبدالله محمد صالح ترسم وتغني لمحمد الأمين .. ... ثم بيت آل نور الدين عبدالرحمن أيضا كانت تتناثر "الكمنجات (غير) الضائعة" والساكسفون وأخواتهن في كل أرجاءه ونعرف ونسمع أنهم جميعا يغنون... نعجب بذلك في دواخلنا ولكننا نلعن سنسفيل هؤلاء الفجور علنا، وهم لا يأبهون ... كنا نستغرب كذلك لمعلم ملء السمع والبصر، مهاب (والأغرب أنه أيضا من أسرة ذات صيت) كيف له يرقص الليل "ولا يغطي دقنو" ثم نحن بعد نهابه، فايز عبدالرحمن عبدالمجيد، نهارا في المدرسه.. كان فايز صديقا للأسرتين اياهما وسيكون له دور مع آل نورالدين سيسجل، كما أحسن القصص، بمعزوفة سماوية تطرب لها الآذان
عجب النور حمد لكون لاعبا فنانا مثل عزالدين الدحيش يقيدونه بوظيفة حكومية مملة .. ذات العجب كنا نعجبه ونحن نرى الفنان عبدالرحمن نورالدين غاديا رائحا بعجلة متهالكة للعمل ... غريبة!! زول فنان زي دة ... "ندي ربنا العجب" ونتسآءل: زول فنان زي دة أجازت الإذاعة صوته منذ بداية ستينات القرن الماضي، صوته من ذات خامة صوت الفنان ابراهيم عوض.. له صداقة مع الفنان ابراهيم موسى أبا ولعل هذا الأخير من أخذ من عبدالرحمن أغنية العجكو ثم هو بعد كما نرى ... (الناس دي ما بتشوف ولا شنو؟!) ...
زمانذاك، كنا نتوارى خلف الحيط اذا ما خرجت أخواتنا للشارع، ولكن عبدالرحمن يعلم صفية أخته العزف على العود، عوالم لا قبل لفتاة ذاك الزمان بها، تقودها هذه العوالم لتميز في أشياء كثيرة فتبرع في مدرستها، وفي اللغة الإنجليزية بخاصة لدرجة أن يزورها أساتذتها البريطانيين في البيت إكراما لهذا التميز، فلا غرو أن تنال درجة الدكتوراة فيما بعد في اللغة الإنجليزية وآدابها من بريطانيا وأن تكتب ابنتها نسرين للإنجليز في الغارديان بلغتهم - كما قال الطيب صالح عن أبي سن - وكأنها تتفضل بها عليهم ..
والشايقية قوم ذوو شاعرية لا تخظئها أذن... حتى من جاورهم وأختلط بهم صار كذلك، مثلي ومثل ود الحاج الماحي، فرح دقاق الدليب، عثمان اليمني (يا ربي علي ود حليب ماهو منهم؟!) .. شاعريتهم هذه أكسبتهم ذوقا يجعلهم يتخيّرون من كل شيء أطايبه، لا غرو فإنهم "منتقو التمر"..
ينزل كوستي - والمجد آنذاك قد صٌور في أخلادنا دبابير وبرنيطة - ضابطا له حضور، ووسامة لا ترفع لها رتينة.. عثمان مالك (زول تنقاسي) أسمع جارات لنا ينطقن اسمه أعجابا (عصمان مالك) !! تتغنى به فتيات المدينة، ولكن ولأنه فنان بطبعه، ينظم الشعر ويغني، فلا غرو أن صاح "انا مكتول في حوش الـ..." .. ثم سارت بليالي عرسه من صفية الركبان ...
نشأت هذه الأسرة، في تلك المدينة الآسرة، (من كل فن تبدي وتعيد)، تقرأ لماركس وانجلز وبرونتي ومصطفى محمود وتصادق زبدة وجوه المجتمع "المخملي" حينها في كوستي الوداعة ... خالتهم حليمة تغدو وتروح على الأستاذ محمود في الدار العامر بالمرابيع.. نعمات حماد ملء السمع والبصر وما بث برنامج ما "يطلبه المستمعون" عبدالله الطيب الا وغنينا جميعا معه (السنيييييييين)!! يغنيها مهدي نور الدين فتخال أن ذلك الذي تحدّر - مثلما الإيمان - من تخوم اليمن، الطيب عبدالله، هو نفسه الذي يغني ... دفعتي خالد نورالدين، يتحدث عنه أقرانه، أن له أذن موسيقية سابقة لمن عاصروه ... يقول عنه معارفه أنه اول من تنبأ لمصطفى سيداحمد، وكذلك لمحمود عبدالعزيز بالصيت والظهور.... ثم ظهر علينا "دويتو" الفلاتية وأحمد عبدالرازق وكان لظهورهما دوي، فطفق عبادي "صغير الأسرة المدلل" وشقيقته آمال يقلداهما ...
ريحانة مجلسهم فايز عبدالرحمن .... يظل الطفل عبادي يترقب مجيئه ... الطرفة الهادئة، السمت المهيب، ويعجب عبادي كيف لكف تصفعه في المدرسة حتى تنطبع أربعة أصابعها في خده، أن تعزف هذه الألحان الشجية... تتحلق الأسرة حوله، ذلك الفيل، يرون فيه صورا شتى ولا يرى فيه عبادي غير أنو "زول جميييييل عديل كدة" بس تعاين ليهو وما تشبع فيهو شوف...
والأرواح لا تزال، جنود مجندة، ما تعارف منها أئتلف، فقد حدثني فايز من زمان عن تميز لآمال نورالدين... يرى كثيرون أنها جميلة وشاطرة وحسب، لكن فايز يرى غير ما يرون ويندلق يحدثني عنها... صورة باكرة لها في ذهني، لا أكاد أميزها، ولكن ما يحكي فايزا يملأ لي بعض فراغات الذاكرة ... ثم تدور أقبال الجعلي في عوالم فايز أيضا ويرى فايز فيها فضائلا تجعلنا جميعا نتعلّق بها، ونحبها أقبال ونحب حسونيها ونعماها* ... آمال تهاجر، مثلها مثل كل الأحرار الذين ضاقت بهم أرض السودان، تهاجر لإنجلترا وتنال الدكتوراة في كيمياء الأدوية من لوزان بسويسرا - قلعة دواء العالم - تعمل لفترة بمعامل الأسكوتنلانديارد ثم تهاجر مرة أخرى، مثلها مثل كل روح قلق، الى جيزان محاضرة في جامعتها ... أقبال الجعلي بدورها تضيق ببورتسودان و"صندقاتها" فتهاجر الى أمريكا، ثم "يشلع" برق شرقي بأستراليا فيهفو قلبها الى هناك ويظل قلب فايز معلق بها وبحسوني و"نيمة" نعمة كل الوجود .... نعمة وحسوني وأطفال آمال نور الدين أبناء عمومة فآباؤهم أبناء خؤولتي حسن ومحمد عوض الجزولي أحفاد جدي "ضياب" من ذات القلعة التي هاجر منها اسماعيل الولي الى كردفان الغرة ام خيرا برة وجوة"






صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


التحية مرة أخرى لعمر عبد الله وعبد الله عثمان الكوستاويين اللذين أعادا ذكر كوستي إلى واجهة، تذكُّراتنا. وكوستي مدينة تستحق الذكر، وأكثر من مجرد الذكر. فهي من حواضر السودان المتميزة شديدة الحيوية، التي ذهب بروائها تخبط السياسيين الجهلاء، وما أكثرهم في بلادنا، عبر حقبة ما بعد الاستقلال. موت المدن، وهجر الناس للارياف ونزوحهم إلى المدن، ظاهرة بدأت في عهد جعفر نميري. أما جذورها فتعود إلى ضربة البداية، وهي يوم نلنا استقلالنا، وأمسك بمقاليد الأمور أفنديتنا، نصف المتعلمين، المستلبين غربيًا، بقشور الغرب، لا بجوهر حضارته، والمستلبين مصريًا، حتى صاروا ألاعيب في يدهم. ساء المصريين، أن نستقل، نحن السودانيين بقطرنا، فأصروا على حبسنا، وحبس بلادنا الواعدة، يد الدهر، في أطر الأجندة المصرية، مستخدمين لهذه الأغراض أفنديينا، المصابين بمركب نقص عجيب، جعلهم يطلبون بإلحاح مهين، الإجازة، والاعتماد، من جانب المصريين، حتى صارت قصارى أمانيهم أن تنشر لهم الرسالة مقالا، أو قصيدة، أو يحظوا بجلسة مع عباس محمود العقاد. وهكذا، ضحوا بشخصية بلادنا، وبثقافتها المميزة، وبإرثها الحضاري، وبتنوعها، وبطاقة وعدها الضخمة، لكي يُرضوا المصريين، ويرضى عنهم المصريون.

سمعت رواية موثوقة المصدر، عن حادثة كان طلافًا فيها الأستاذ محمود محمد طه. كان الأستاذ محمود، حين أقام في كوستي، يمضي سحابة نهاره في تخطيط مشاريع النيل الأبيض الزراعية. روى قريبه، الذي كان يعمل معه في وظيفة "جنزرجي"، والجنزرجي هو مساعد المهندس الذي يساعده في مهام المسح، فيحمل المنظار، والسيبا، ويقوم بنصب العمود المرقم، والإمساك به ليراه المهندس من على بعد بالمنظار. كما أنه يساعد في حمل سائر المتعلقات الأخرى المرتبطة بهذه المهنة. في أثناء عمل الأستاذ محمود في واحد من تلك المشاريع، وصل مندوب، ليقدم للأستاذ محمود خطابا يأمره بأن يوقف العمل فورًا، لأن هناك اعتراض، من إدارة الري المصري، على إقامة ذلك المشروع. فرد عليه الأستاذ محمود على المندوب، قائلاً: نحن لا نطلب من المصريين إذنًا، لكي نقيم مشروعًا في بلادنا، كما لا نأتمر بأوامرهم، وواصل عمله. فاضطر المندوب أن يقفل راجعًا بالرسالة التي أتى بها.

نعم، كوستي تحتضر الآن، كما صورها عمر عبدالله، مثلما تحتضر مدن أخرى كثيرة. فالتعرية التي حدثت للمدن الإقليمية في عهد الإنقاذ، لا شبيه لها، على الإطلاق. والتعرية التي حدثت للريف، في مجمله، لا شبيه لها أيضا. لقد أوصل الترابي، عبر مسلسل طويل من المثابرة الماكرة، إلى سدة الحكم، في السودان، نمطا من الحكام، ما أنزل الله بهم من سلطان. فهم قد جمعوا، إلى "الصناجة الإخوانية" المعروفة، لهفة على جمع حطام الدنيا، وشهية للمال الحرام، وتحللا من القيم والأعراف، واستهتارا بالحياة الإنسانية، وبأعراف المجتمع، وثقافته، لا تخطر بعقل بشرٍ سوي. بل فاق هؤلاء خيال صانعهم، الترابي، نفسه، فما أن قويت شوكتهم، ووضح لهم أن السير في مسارهم يقتضي إزاحة الزعيم نفسه، أزاحوه، ووضعوه على الرف، دون أن يرمش لهم جفن.

ونعود إلى حواشي كوستي، التي هي على خلاف الحواشي والهوامش المعهودة، تجلس فوق المتن، لا تحته.

في عام 1974، عقب التخرج مباشرة من كلية الفنون، جرى تعييني مدرسا للفنون بخورطقت الثانوية. في السفرة الأولى سافرت إلى الأبيض بالقطار من الخرطوم، رأسًا إلى الأبيض. كانت تلك أول مرة أتجاوز فيها تندلتي غربًا. ولمن لا يعرفون تندلتي، فهي مدينة كردفانية، كانت مستتبعة إداريٍّا، حينها، لمديرية النيل الأزرق، بل كانت آخر نقطة تابعة لمديرية النيل الأزرق، على خط السلكة الحديد المتجه غربًا من كوستي. وحين تغيرت الخريطة الإدارية، وجرى تقسيم مديرية النيل الأزرق، استُتبعت تندلتي لولاية النيل الأبيض. وهكذا بقيت تندلتي كردفانية بالجغرافيا، وبالسكان، وبنمط الاقتصاد، ومستتبعةً إداريًا، للنطاق النيلي، رغم أنها غارقة حتى أذنيها، في رمال قوز كردفان الشرقي. فهي توأم أمروابة، في كل شيء، وعلى رأس ذلك الفول ومعاصر الزيت.

أزعم، ولا أجزم، أن كوستي وسنار تمثلان الحدود الشمالية لنطاق السافنا الفقيرة، فما يليهما من جهة الشمال نطاق صحراوي، حارٌّ غَبِرٌ، طالما ضقت به، وتقت، للنزوح منه جنوبا. كنا نغادر الخرطوم في مايو، أو يونيو، ونتركها وراءنا وهي غارقة في الحر والغبار، وحين نقترب من كوستي نجد الأرض مخضرة، و"الهُبَك"، (جمع "هُبكة"، وهي الحفرة الصغيرة)، قد احتقنت بمياه الخريف. كما نجد السماء مزرقة لا ذرة غبار عالقة بها، تزينها سحبٌ بيضاء ناصعة، تكون متفرقةً ساعات الضحى، ولكنها، سرعان ما تلتصق ببعضها عند الظهيرة، فتزرقُّ، ثم لا تلبث أن تسقط مطرًا مدرارًا. حينها، تصبح كوستي وكأنها "أمبادر"، الناصر قريب الله:

فاذا عادها الخريفُ وأفضي، في العشيِّاتِ بالدموعِ التوالي
فهي حسناءُ تزدهيها المرايا، ذاتُ صدرٍ مفوَّفِ الوشيِ حالِ
قد تحاشي ظلالَها السِّفرُ لمَّا، أطرقتْ للمياهِ والأوحالِ


يتواصل

((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


ظللت أتنقل بين الخرطوم والأبيض لخمسة أعوام. حين لا تكون لدي قدرة على احتمال سفر القطار الممل الطويل، أسافر باللوري، الذي يخرج من موقف اللواري القديم في أمدرمان، غرب أستاذ الهلال. من هناك تسير اللواري بمحاذاة الضفة الغربية للنيل الأبيض، مرورا بالشيخ الصديق، ثم بين شبشبة الشيخ برير، وجبل العرشكول، وكلما يوغل اللوري جنوبًا، كلما مال نحو الغرب قليلا، وابتعد عن مجرى النيل الأبيض. وحين تقترب اللواري من تندلتي تنحرف نحو الغرب، لتسير بمحاذاة خط السكة الحديد، إلى أم روابة، فأبو حمرا، فالسميح، فالرهد، فالأبيض. كانت سفر اللوري يستغرق يومين، وكذلك سفر القطار. غير أن في سفر اللوري حرية نسبية، ومتعة مختلفة، لا يوفرها سفر القطار. من الذكريات الباقية، لتلك السفرة، كوب الشاي المغلي باللبن في مقهى قرية "الله كريم"، الجالسة على هامة القوز الرملي المشرف على مجرى خور "أبو حبل"، بين أم روابة والرهد.
حين كنا طلابا في كلية الفنون، كان حسن موسى يسافر في عطلات الكلية الصيفية، إلى أسرته في الأبيض. وكان ذلك قبل أن تنتقل الأسرة إلى الخرطوم. كان يسافر بالقطار. عاد مرة، ولعلّها كانت في نهاية السنة الأولى، فسألناه كيف كانت سفرة القطار فقال: "والله ما بطالة، كنا ننوم شوية، ونقوم نرتاح شوية". وهكذا كان سفر القطارات المكتظة بالركاب في سودان السبعينات؛ النوم فيها مثل نوم الديك على الحبل.

عند نهاية السبعينات وصل شارع الأسفلت إلى كوستي، فارتحنا من سفر القطار. أصبحت أسافر بالبصات إلى كوستي، أبيت فيها ليلة، وأستقل قطار الأبيض من كوستي. هذه الطريقة ربطتني أكثر بجمهوريي وجمهوريات كوستي، وبالمدينة أيضأ. هذا خلافٌ لما نسميه في الحركة الجمهورية بـحركة "الوفود"، التي تحمل الكتب والدعوة إلى مدن الأقاليم، في عطلات الصيف. فقد مكنتي تلك الوفود، من إقامات متباينة المُدد في كوستي. وهكذا عرفت المدينة، ونشأت بيني وبين كوستي علاقة خاصة.

الطرق هي التي تحيي المدن، حين تربطها بغيرها، وهي التي تُميت المدن، حين تبتعد عنها. فقد كانت الكوة أهم مدن النيل الأبيض، جنوبي الخرطوم، لكونها ميناءً نهريا. ولذلك كانت تمثل أكبر أسواق ذلك القطاع من النيل الأبيض. ولو تأملنا تاريخ الحقبة التركية، لوجدنا أن اسم الكوة يتكرر كثيرًا، وأن خطوط التلغراف كانت تربط بينها وبين المسلمية في وسط القسم الشرقي من الجزيرة. يقول جعفر ميرغني، إن مرور الخط الحديدي فوق النيل الأبيض هو الذي أنشأ مدينة كوستي. ولذلك، ما لبث سوق الكوة أن انتقل إلى كوستي. وقد انطبق ذلك على سواكن. فما أن اكتمل ميناء بورتسودان، ارتحل التجار وقطاع كبير من السكان، إليها، فاضمحلت سواكن، وماتت. وكذلك الأمر بالنسبة للحصاحيصا، التي ازدهرت بمرور خط السكة الحديد، وبنشوء مكاتب المشروع، ومحالج القطن بالقرب من محطة السكة الحديد، ما أدى إلى تراجع أهمية المسلمية، ورفاعة. وقد كانت المسلمية، مع رصيفتها الكاملين، الحاضرتين الأهم في منطقة شمال الجزيرة، في الحقبة التركية. ولقد شهدت في حياتي هذا النوع من التحولات في مدينة الكاملين التي تمثل حاضرة لقرانا التي تحيط بها. فحين جاء خط السكة الحديد، مر بسبب تعرج نهر النيل الأزرق، بعيدا عن الكاملين، بقرابة الخمسة عشر كيلومترا. ونشأت على الخط الحديدي محطة ودالترابي، وإدارة ري الترابي. فنشأ معهما سوق الترابي، وارتحل إليه أهم تجار الكاملين، وأصبح سوق الترابي، إضافة إلى محطة السكة الحديد، موقفا مهما في طريق اللواري والبصات، بين الخرطوم، ومدني، وسنار، حتى الروصيرص. وفي منتصف ستينات القرن الماضي، تم تشييد شارع الأسفلت الرابط بين الخرطوم ومدني، فجاء مارًا بالكاملين، فتحولت حركة اللواري والبصات من المرور بسوق الترابي لتمر من هناك. فمات الطريق القديم، الذي يسير بمحاذاة الترعة الرئيسية، وانتعشت قرى الضفة الغربية للنيل الأزرق، وما لبث أن مات سوق الترابي. ومع موت مشروع الجزيرة، اندثر سوق الترابي، أو كاد. مررت به قبل أعوامٍ، فوجدته أشبه بالأطلال.

بورتسودان، وكوستي، والحصاحيصا من المدن التي تسبب في نشأتها تغيُّر نمط الاقتصاد. فهي على خلاف غالبية مدن السودان الريفية، لم تنشأ حول مسيد شيخ صوفي، أو مرتكزٍ للإدارة الأهلية. ولذلك هي أدخل في بوتقة الحداثة. سكن هذه المدن أخلاط من السودانيين، كما أنها اجتذبت، شأنها شأن المدن الأخرى، تجارًا غير سودانيين. حين كنت أشتغل، في العطلات الصيفية، صبيَّ دكانٍ لخالي في تندلتي، كانت تصلنا، كل حين وآخر، بالاتٌ محشوةٌ بمختلف الأقمشة، من كوستي، مكتوب عليها "بوبتلال كلينجي"، وهو تاجر جملة هندي، يوزع البضاعة إلى تجار القطاعي، في مدن غرب السودان ومنها تندلتي.

من المباحث الحبلى بالكثير مبحث سودان الحقبة الاستعمارية واجتذاب البلد للجنسيات الأجنبية وحب الأجانب للسودان حتى جاءت قوانين سبتمبر وبدأ الجفاف والتصحر وطفت الجلافات على السطح وتراجعت مساحات الحرية والتعددية، وأخذت البلاد هيئة جديدة، وصلت في نهايتها إلى هذه الهيئة الكالحة التي نراها اليوم. كانت كوستي ابتداء من اسمها وانتهاء بكل شيء رمزا لتلك الحقبة. (يتواصل)
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »


تحايا زاكية دكتور النور، وأنت تنهض بهذا الخيط حتى دخل في أغوارالسياسة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات السودانية والدينية كمان -ليس كوستي وحدها- وكمان البحث في سبل ما حاق بها من فقر وتدهور وقيل رجوع للمجتمعات البدائية وحياتها زاتها!! تقريبا مجمل الناس متفقين بعد ما رأوا بأم أعينهم الحال المايل الذي وصل له حال البلد.وكمان الناس أيضا متفقه على أن التدهور لم يبدأ مع مجئ الاخوان لكن بس هم فاتو الكبار والقدرهم!!....هم أتوا بمعاول هدم اجتثت الذي كان قائما وفشلت فشلا زريعا في بناء البديل والذي كان من المفترض أن يكون أكثر حداثة وأمتن وكمان أبلغ من القديم الذي كان....فأصبحنا بدون قديم كان يعمل بوتيرة وئيده، وكمان بدون متطور وحديث كان الأمل المرجو منه أن يكون خاطفا للالباب ومريحا للعباد!!!؟.
من المشاهد الراسخة التي مازالت عالقة في الذاكرة ، أفلام مميزة عرضتها سينما كوستي وأذكر منها الحرب والسلام والذي عرض ليومين متتالين ورجل لكل الفصول وفيلم زد والهروب الكبير وغيرها....( أنظر في اليوتيوب عن سينما كوستي)https://www.youtube.com/watch?v=zxaa_C53WdI.).أيضا كانت هناك مسرحيات لبرخت قام بتمثيلها واخراجها نخبة من شباب كوستي المثقفين وأذكر منهم محجوب عباس وصلاح شريف ومالك الخيروحمودة فتح الرحمن وغيرهم. وقد شاهدت واحدة منها في مدرسة آمنة قرندا الإبتدائية للبنات في نهاية سنة 1969 بعد إنقلاب مايو مع شقيقتي الأستاذة...... ومن المدرسين الذين حظيت بهم كوستي وساعدوا في نهضتها ورقيها وهم كثر، فقد كان هناك أستـاذ الأجيال أحمد ميرغني وهاشم زروق وبابكر خلف الله وعمر مصطفى المكي وعبد الرحمن خلف الله ومحمد أحمد خلف الله ومالك الخير وفائز عبد الرحمن وعثمان السيد ومحمد سيد أحمد عجوز وجملون وعمر مكاوي وصلاح شريف وعثمان أحمد عثمان وبقادي وأستاذ عبد الجابر وعبد الهادي إبراهيم وجعفر محمد بابكر والفادني وحبيب ونصر الله على كرار وعبد الله الطاهر وأنور فقيري وعلي ابوسنينة والطاهر أحمد حمد والخير ساتي وهرون عبد الحليم ومالك المبشر وفتحي المأمون الريح ومكي ابوقرجة وبشير العربي والشيخ الأمين الشيخ وكمال جحا وصلاح الدين أبوطالب والنوراني وصلاح محمدعثمان والسر محمد عثمان وعمر عبد الله زروق واستاذ القريت والطيب بشار والفاضل حاج عامروآمنة قرندا وصفية اسكودر وحرم حسن وسيدة ابوزيد وستنا تبيدي وعفاف أحمد الزين وعفاف إبراهيم نور وعزيزة الجاك ونور شوربه ومريم خالد وفوزية النور وبدرية وعامريةالبساطي وفوزيه هجو وزينب علي وحفصة عبد الله ومحاسن محمد خالد وهدى بولاد ونفيسة الحاج ومريم مجدوب ومريم بشير وفاطمة مبارك وعلوية سبت ونفيسة الأمين الحبيب ونادية وعواطف حسن يعقوب وسعاد أحمد الياس وسنية الحاج وغيرهم، وغيرهن....
أما عن السفر بالقطار وهو الذي كان متاحا لكل القطاعات المختلفة حسب ما أذكر وكان طيلة السنة ، فقد كانت له ثقافة متفردة وغنية. تبدأ من إعداد الزاد قبيل السفر وغالبا ما يكون أطعمة تتحمل السفر ولا تحتاج لتسخين أو نار وتتمثل في الطحنية والمربى والعسل والطعمية والجبن والخبيز خاصة المنين والبسكويت وايضا كانت هناك الكفتة واللحمة المحمرة والسمك وهذا يتوقف على وضع الأسرة المسافرة أو إذا كانوا عرسان!! .. وهناك سرامس القهوة خاصة لو كان من المسافرين رجال ونساء كبار في السن. وأيضا هناك سنطور القطار وهي عربية في شكل مطعم درجة أولى ويأكل فيه كبار الموظفين والتجار وبعض الأسر الأجنبية...وقبيل مواعد الوجبة يمر نادل السنطور على عربات النوم والدرجة الأولى فقط على ما أظن، ويخبرهم بمواعيد الوجبات وعمّا تتكون ويأخذ بعض الطلبات للذين يريدون أن ياكلوا في غرفهم!!! وكان يشرف على هذه الخدمات في إدارة السكة حديد قسم المرطبات ويا له من قسم. أين هو الآن؟؟!! وهناك كان السفر البرى وقد بدأ ببص كان يسمى بص الخواجة.. وكان يسافر من الضقة الشرقية للنيل الابيض من مدينة ربك. وهو يبدأ العمل من نهاية الخريف إلى بدايته!! لأنه يسير شمالا من ربك وحتى الخرطوم بمحاذاة النيل الأبيض فيمر بالكوة وأبو حبيرة ثم القطينة وجبل أولياء ثم الخرطوم... كان على المسافر أن يتفق مع صاحب تاكسي ليأتي وياخذه في الفجر وذلك لأن عليه أن يعبر كبري كوستي العتيق والوحيد في ذلك الوقت. وعبور الكبري دائما محفوفا بالمخاطر ويستغرق وقتا طويلا.. وقد شاهدت وودعت والوقت في بدايات الصباح الأولى والظلام ما زال يفرض نفسه، أهلي و أخوالي وأعمامي والأقرباء ورأيت كيف كان الوداع حارا وحميما وفيه تأخذ عادة الأم بعض من تراب آثار أقدام المسافرين وتربطه في طرف ثوبها.... وقيل لي لعودتهم سالمين مرة أخرى لنا....

نواصل..
آخر تعديل بواسطة عمر عبد الله محمد علي في الثلاثاء فبراير 17, 2015 7:58 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »


وكوستي هي، يا عمر، مدني صالح، غنّاي ربوع السودان الأول العريق الذي صحوت، أو لم أكد، عند طفولتي، عليه، وعلى عوده وفنه في النجارة، في أوائل ستينات القرن العشرين الماضي وقبل دخولي في دكان النجارة المجاور لنا، في حي الحلة الجديدة ("قسم العُراقاب") بكوستي، والذي كان حجرة ناصية ببيت ناس مِلِّين، جيراننا بالحلة الجديدة حينذاك، والذي كان هو- الفنان رخيم الصوت وهادؤه، بل و"شَبْعَانُهُ"!- مستأجراً له. كنتُ، وأطفال آخرين، نجري، لعوبين، وضاحكين، إلى داخل دكانه، بيد أننا نُذهلُ صمتَاً، موحياً ومصغياً، إذ نراه في ظلمة دكانه الخلفية، الموحية بظلالِ راحةٍ خافتةٍ وهادئة، وهو إما يعزف العود، نقرشَةً و"بئريَّةً" (كما "بئريَّةَ" عزف عودِ فنان الفنانين العاقب محمد حسن، على وجه التعيين المخصوص!)، ومن ثَمَّ يكن غائباً، في جِمَاعِهِ، عنا في حضرة تجويدِ صلاة العزف على العود، أو وازاناً للعود على هيئة صوته الرزين أو مُصْلِحَاً، ماهر اليَدِ والمِزَاجِ لما قد انكسر، أو شابه الخلل، من تلك الأعواد العتيقة، القديمة، العريقة الرائحة والملمس، التي كانت تُحسَّسُ بها، طرباً، الكلمات التي كان يتغنى بها مطربي وعازفي نقابة الفنانين بكوستي في ذلك الزمان، بدءاً بعبد الرحمن نور الدِّين (وغنائه لبُنيَّةِ إبراهيم موسى أبَّا "أم سيل"، فضلاً عن غنائه الخاص المُجوّد)، مروراً بجاز بشير عبد العال، الضاربَ نُحاسُهُ في هواء الحلة صخبَاً و"هَجَّةً"، وانتهاءاً بعازفين قديرين وحسّاسين مثلما رمضان (الذي كان يطرب شديداً لغناء محمد حسنين أبو سريع ويُشبِهُ صوتُهُ صوتَه!) ومغنيين مثلما توتو (عبد الرحيم تبيدي، شَقيق خضر تبيدي) والرّيح، بل وحتى أبِّشيرة الذي سار عنه القول الكوستاوي المأثور "كان فيها أبِّشِيْرَة شوفوا غيرَا!"...
آخر تعديل بواسطة إبراهيم جعفر في السبت نوفمبر 12, 2016 6:18 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

مدني صالح في "عطفك علي يا جميل":




https://www.youtube.com/watch?v=q_yA8p7V5Ms



[size=24]
وسمسم القضارف:


https://www.youtube.com/watch?v=DkfNLRQI9JE
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

شكرا كثيرا يا إبراهيم على ذكرك للفنان مدني صالح فكثيرين غيره لم يؤرخ لهم
ولم يكتب عنهم إلا القليل وشكرا لك مرة أخرى على هذه الإضاءة في حق هذا الفنان الذي يستحق الكثير...وأتمنى أن يكتب عن كل الفنانين الذين أثروا الحياة بجمال النغم والموسيقى والكلمات وشكّلوا وجدان وأحاسيس المدينة الباسقة.
وعلى رأسهم عميد الفن المرحوم إبراهيم الجاك العجيل الذي توثقت وتوطدت علاقاته بكل فناني وفنانات العاصمة. فقد كان منزله قبلة لفناني الخرطوم من عثمان حسين وعبد العزيز محمد داؤود ووردي ومحمد الأمين وغيرهم.وكان يشارك بالعزف معهم وكيف لا وهو نقيب الفنانين بكوستي..

مدينة كوستي كغيرها من المدن السودانية شاركت في مجمل القضايا الوطنية والإقليمية والدولية أيضا...فاهتمام مواطن كوستي وتفاعله بما يحدث في العالم لهو شئ طبيعي كعامة السودانيين...ففي أعقاب حرب 1967 وحرق المسجد الأقصى هبّت كوستي وسيّرت مظاهرة ضخمة حمل فيها الناس الأعلام السوداء وقد شاهدت أحد الأخوة الاقباط وهو على ظهر سيارة كبيرة في وسط ميدان الحرية وهو يحمل علم أسود وبجانبه ميكرفون....أيضا في حي المرابيع حيث يقع نادي التجارالذي كان يفتح على مستشفى كوستي فقد رأيت الناس مصطفة تريد التطوع والذهاب لمحاربة اسرائيل...كذلك شاهدت تقريبا في منتصف الستينات بعض الصينين الذين كانوا يحملون كتبا صغيرة حمراء مغلفة بالبلاستيك -وجدت واحدا منها باللغة العربية في منزلنا-!! وهي تتحدث عن تعاليم وفلسفات الزعيم الصيني ماو تسي تونج . ...عرفت أن الراحل المقيم دكتور خضر عبد الكريم هو من السودانيين القلائل الذين صافحوا الزعيم الصيني ماو تسي تونج....وأيضا شاهدت وحضرت زيارات فرقة الاكروبات الصينية والفرقة الفنية السوفيتية وفرقة الفنون الاثيوبية وغيرها وكلها تقريبا كانت في الستينات وكانت على خشبة مسرح دار الرياضة بكوستي بعد إجراء الديكورات واللمسات الفنية حتى تستوعب الجماهير الغفيرة.....الآن حتى السينما التي شكّلت وجدان الناس وساعدت في التنوير أصبحت وكرا للطيور ينعق فيها البوم....
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

كوستي وعشية إنتفاضة أبريل 1985:

في عشية يوم 4 ابريل 1985 كانت هناك تحركات على درجة عالية من الحذر وسط قطاعات المعا رضة السودانية في مدينة كوستي.فقد كان قد تمّ منذ الصباح الباكر والأيام القليلة التي سبقتها الاتصال بالفعاليات الناشطة في الأحزاب والنقابات للخروج في مسيرة حاشدة ضد السلطة الحاكمة. كانت النقابات المهنيّة تمثل رأس الرمح في الدعوة للخروج للشارع ومواجهة الدكتاتورية. كانت فرعيات نقابة الأطباء، والمحامين والمهندسين والمعلمين والسكة حديد والنقل النهري والبنوك والعمال قد تعاهدوا على الخروج ودعوة منتسبيها للمشاركة الفعّالة. في صباح اليوم الخامس من ابريل 1985 وأمام مستشفى كوستي ، بدأ التوافد بحذر فقد كانت أعين جهاز الأمن ترقب وترصد المدينة بعد أن أعلنت حالة الطوارئ وقمع أي تحرك مضاد للسلطة الحاكمة. الأنباء المتواترة من الخرطوم لا تنبئ بأي انفراج يلوح في الأفق لأن الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية قد وصلت درجة الانفجار. خرج أفراد من فرعية الأطباء من مستشفى كوستي يحملون لافتات تندد بالسلطة وتبعها بعض الافراد من بقية النقابات. التجمع لم يكن كبيرا كما كانت تتوقع الفعاليات التي دعت له، فقد غابت الأحزاب منه. وكان الخيار الذي اتفق عليه في تلك اللحظة ، هو الخروج والمسير نحو قلب المدينة مهما كان العدد، وقد كان. كان من ضمن المشاركين الذين أتذكرهم، المرحوم الدكتور حمودة فتحي الرحمن من فرعية الأطباء والمحامي يوانس يور اكول-أين أنت يا شقيق- من فرعية المحامين ومعهما ثلة من النشطاء، فقد كانوا الدينمو المحرك لخروج هذه المسيرة. كان الطابع المميّز لهذه المسيرة هو خروج الفرعيات النقابية لمدينة كوستي في ذلك اليوم المشهود. فالبرغم من قلة العدد ألا أن اسطورة جهاز الأمن وقواته لم تخف هذا الجمع الصغير. كان يحمل لافتة المحامين الأستاذان الرشيد علي عمر ومحمد علي عبد الله محمد علي وقد شارك من المحامين الأساتذة الأجلاء يحي محمد إبراهيم وإبراهيم الشيخ وعراقي ومكي حسن وغيرهم .استمرت المسيرة متجهة شرقا من أمام المستشفى على شارع الاسفلت مخترقا حي المرابيع حتى منتصفه، أمام بيت مولانا المرحوم مولانا محمد الطيب قمر الدين ثم إتجهت شمالا صوب السوق الكبير حتى مكتب البريد القديم ثم غربا نحو مجلس كوستي حتى وصلت إلى ميدان الحرية. هناك قرأ العريضة الأستاذ الجليل إبراهيم الشيخ وقدمها للقاضي المقيم مولانا عبد الحافظ . بعدها تفرق الموكب وحاول كل شخص الذهاب لغرضه الخاص وليس في النفس شئ من حتي بل المعاودة والمثابرة في تصعيد حشد أكبر فقد انكسر حاجز الخوف. في صباح اليوم التالي 6 ابريل 1985 والبلد مازالت في حالة غليان خاصة المركز، أذاع المشير سوار الذهب بيان القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة بانها أستلمت السلطة. هنا خرجت جماهير كوستي وخاصة الأحزاب باللافتات العريضة ومكبرات الصوت تصدح بالأغاني الوطنية والثورية .

عمر عبد الله
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

الرحيل المر: مكي حسن أبو قرجة


https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 9f89b96e48

رحل عنا أمس الأول الصحفي والمؤلف والمترجم مكي حسن أبو قرجة.
الفقيد يعتبر من اعلام التاريخ الاجتماعي خاصة لمدينة كوستي .للراحل مؤلفات عدة صدرت له
في مجال الترجمة والتاريخ الجتماعي وعن الثورة المهدية.
الراحل المقيم كان يمتاز بدماثة الخلق والسماحة وقبول الآخر.
حارتعازينا في هذا الفقد الكبير لأسرته ولآل ابو قرجة ولرفاقة وأصدقائه وعارفي فضله ولأهل كوستي; المدينة التي أحبها.
تقبله الله أحسن القبول ولا حول ولا قوة إلا بالله.





عمر عبد الله محمد علي
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

...
عمر عبد الله محمد علي
مشاركات: 514
اشترك في: الاثنين يوليو 25, 2005 7:53 am

مشاركة بواسطة عمر عبد الله محمد علي »

الحبيب إبراهيم
سلام ومعزة.
موجود والحمد لله وشكرا كثيرا على السؤال.
الجري مع الحياة أم قدود، داير يلحقنا الغُطس....

ممنون يا شقيق
[color=blue]
[/color]
أضف رد جديد