ما الذي كان، وما يزال، يجري داخل الحركة الشعبية - شمال؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة



محمد إبراهيم:
المعالجة تتطلَّب الدعوة لمؤتمر إستثنائي




أرى أن الخلاف أعمق من ذلك وبدأت جذور المسألة عقب إتفاقية نيفاشا، فقد فتحت الحركة أبوابها للجميع ولم تحدث أية غربلة أو فلترة للكوادر التي دخلت إلى جسد التنظيم، فتخطف طير التيارات المتنافرة داخل الحركة هيكلها التنظيمي وعصف بأنوية بناء تنظيم جماهيري واسع، فصار كساروا التلج وحارقو البخور للقيادات هم أصحاب السطوة.. أي أن الصعود للقيادة ولمراكز القرار يتطلب بأن تتغزل في القيادة الحالية.
وبالحديث عن المعالجة فالأمر يتطلب قيام لجنة جديدة من قيادات لها تأثير بالحركة، والدعوة لمؤتمر إستثنائي.. وإزاحة العناصر الفاقدة للقدرات وعديمة الموهبة. ولكني أعتقد أن هذا لن يحدث لأن هناك خلاف في الخط السياسي بين القيادة الحالية المرتهنة لمصالحها الشخصية وليست لمصلحة الحزب او الجماهير.

محمد إبراهيم

عضو حركة جيش تحرير السودان
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة




عبد المنعم رحمة:
أجدنى ميالاً إلى الأخذ بالحُسنى فكراً وسلوكاً، فيما يتصل بما يغلظ بين الرفاق





..لطالما، و لا زلت أقول بأن (السودان الجديد) ليس إختراعاً صِرفاً للقائد العزيز وجداً الدكتور قرنق، إذ أنه ومنذ أوقات باكرة، راود الشعراء وراودوه..تلبَّس أحلام القَصَاصين ولبسوه.حلقَّم في غٌنى المُغنين وأدمنوه، كما وأيضا ليس بعيداً عن عَرقِ عَضَّل الغلابة في المصانع والحقول، ولا محروماً من أشواق حَملة الأقلام وأختام وبراءات العلوم..
والسودان الجديد أرضُه وسماؤه ما (حيكورة) للحركةِ الشّعبيةِ كياناً أو قطاعاً، شمالاً أو جنوباً، وهو بالضَّبط ما أشار اليه المٌعلَّم قرنق بـ (المنطقةِ الخضراء)، والتي يتَساكن فيها الجميع ويفلحون أرضها بفؤوس المواطنة الحقَّانيةِ، الديمقراطيةِ العَفيفة، العدالةِ في المَأكل والمشّرب والدَّخلةِ والمَرقةِ..والسُّلطةِ كما الثروةِ فيه سفينة نوح، كل له نصيب معلوم (و من المعز إثنين ومن الضأن إثنين)..
ومنذ أمد كُنا نرى في (النيل الأزرق والجبال) أفقاً ومسرحاً لذلكم الجميل الحَيي الذَّكي: السودان الجديد. وذهبنا في الفِعل بعيداً، وقلنا أن ليس يالضرورةِ أن تملأ الخانات/الحِصص التي خَصَّصتها إتفاقية نيفاشا من (النيفاشيين) فقط، بل من كل السودانيين/ات الجدد، ولقد (سعينا) إلى الناس في مظَانِهم جمعاً لطلباتهم وشهاداتهم، ومشاركة لهم في المَسغَّبةِ وستر الحال.
ومن بعد (فَوزِنا) فى إنتخابات النيل الأزرق نهَجنا ذات النهج وما مَسَّنا لغوب.
ونسعى الآن ليتَّسع المَاعون ولا تَضيق العبارة.
وهكذا كنا ولا نزال (نحن) المنتمين إلى الحركةِ الشّعبيةِ معنىً ومبنىً، فكرةً وطموحاً، قدراً وممارسةً، ولا نأبى التناصح جهراً وسراً، مواجهةً أو من خَلفِ حِجاب.
أقول كل هذا، وأنا حزين لمفارقةِ رِفاق هم وقطعاً ألقمونا الثورة قدحاً وثدياً، وجابوا البلاد طولاً وعرضاً، حفاة جائعين من أجل سودان نصيح و...
اللهم لا شماته، اللهم لا شماته.
وأجدنى ميالاً إلى الأخذ بالحُسنى فكراً وسلوكاً، فيما يتصل بما يغلظ بين الرفاق من حسكنيت ومآلات تفكير كما لا أحبذ تمليك (العدو الواحد) ما يتقَّوى به، ويفِّت في أشواق الشعب السوداني نحو معارضة متحدة وسودان نصيح وفصيح. نعم، وقطعاً ثمة أخطاء هنا وهناك ولكنها لا تصل حد القطيعة بيننا وبينهم وبين كل ذلك الإرث الذي صنعناه جميعاً. ألم نكن وبالأمس القريب نتحدث عنهم بحب وإحترام شديدين، ألم نكن معاً وفى كل تلك الخنادق نتبادل عرقاً بعرق، وبليلة وصناديق رصاص؟ نعم، وأنا منذ زمنٍ كنت أتحدث عن الأخطاء ولا بد من الإعتراف بها والإعتذار عنها وتصويبها في آن..ولابد من إتساع الرئتين لزفير الطالح وشهيق الصالح، وأن نعود إلى (غرفة أبينا) التي تسع وتتسع بالجميع و....نعم، غير ذلك كثير، فقط لابد من التجمل والتجديد والثبات داخل تلك (الغرفة) مع أكيد محبتي وتقديري ويظل الرفاق رفاقاً رغم المسافات؟

عبد المنعم رحمة

شاعر، صحفي وناشط ثقافي وسياسي
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة




مُغيرة حربية:


العنف الداخلي للتنظيم الواحد والإقصاء المتعمد للكوادر ذات الرؤية المغايرة لا يمهد لأرضية تسمح للصراع الموجب






أعتقد أنه ليست الخيبات الإدارية والتنظيمية التي حدثت هنا بمعزل عن الفعل الحزبي والسياسي السوداني برمته، الذي ظلّ يراوح، منذ وقت طويل، بين العنف الداخلي للتنظيم الواحد والإقصاء المتعمد للكوادر ذات الرؤية المغايرة ولا يمهد أبدا لأرضية تسمح للصراع الموجب والحوار على أسس ديمقراطية، كون الفعل الحزبي والسياسي السوداني لا يتوفر على تقبل الآخر المشترك ولا يتوفر، مرة أخرى، على قيمة الديمقراطية التي تسمح للجميع بتقديم أطروحاتهم الفكرية والرؤيوية التي تنجي، ولا شك، الفعل السياسي من التكلس والانغلاق وحتى الفشل الحزبي والسياسي.
بدوري، لم أفهم كيف يُحال مناضل، اختار أن يحمل بندقية ليقاتل عن أطروحة يؤمن بها ناذرا نفسه للهلاك، كيف يُحال مثل هذا الرجل أو المرأة للمعاش وأين يذهب؟! إن النضال الحقيقي خيار شخصي محض لا يجدي معه أن يتوقف سوى بإرادة المناضل نفسه وليس بإملاء من أحد، مهما يكن.
إن الحركة عليها، مثلما على التنظيمات السياسية السودانية الأخرى، أن تلتزم، للحد الأقصى، بمعيار الديمقراطية والتأسيس لمبدأ الحوار الداخلي وتمهيد المناخ لممارسة حزبية حداثوية، كونها من القوى الوطنية الحديثة، وإلا فإنها لن تذهب للمستقبل.


مُغيرة حربية

شاعر، عضو مؤسس في "مُنتدى مشافهة النص الشعري"
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة





أمين زكريا:
القرارات الأخيرة إستهدفت عناصر فاعلة





الحركة الشعبية لتحرير السودان مدرسة فكرية كبيرة ذات رؤية ومنهج وأدبيات كان لقادتها الكبار أمثال الدكتور جون قرنق والأستاذ يوسف كوة والعديد من رفاقهم قولاً وفعلاً الأثر الكبير في أن تكون الحركة الشعبية وبرنامجها الواضح نحو سودان جديد ديمقراطي عادل وشفاف وخالي من نفاق ونظريات تآمر ودكتاتوريات السودان القديم..وعقلية الإقصاء والوصاية والفهلوة السياسية.. كل هذه القراءات السليمة لمشروع السودان الجديد كانت سبباً في تدافع مجموعات كبيرة من الشعوب والأقاليم المهمشة للإنخراط في صفوف الجيش الشعبي وعضوية الحركة الشعبية، أو التعاطف مع برنامج السودان الجديد، وليس الشعوب المهمشة تاريخياً بالتعريف الجغرافى فقط، بل إن هنالك أفراداً من كافة أنحاء السودان ويحمل بعضهم مؤهلات علمية عالية جداً ولهم دراية عن الوضعية التاريخية في السودان إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً بإعتبارها وضعية شائهة ومأزومة وتقود إلى إعادة إنتاج الأزمات وقد تكون سبباً في الإنهيار الكامل للسودان. وبعد تقييم وتمحيص للفشل التاريخي للنخب السياسية السودانية وعدم جديتها في تبني مشروع وطني ودستور يساوي بين كل أفراد الشعب، رأت مجموعات ضخمة من الشعب السوداني أن فكر ونظرية السودان الجديد هو المخرج لحل الأزمة السودانية للقراءة النظرية الموضوعية والعميقة وللآليات التي يمكن عبرها تنفيذ أو تطبيق أدبيات السودان الجديد، بما فيها إعادة هيكلة الدولة السودانية بأسس عادلة ومحترمة.
قصدت من هذه المقدمة أن أوضح أن فكر السودان الجديد فكر سوداني أصيل حسم جدلية الهوية وعلاقة الدين والدولة وإدارة التنوع والحريات والديمقراطية..إلخ .
رغم إنفصال جنوب السودان لكن تظل أدبيات السودان الجديد هي المخرج الحقيقي لحل تعقيدات الأزمة السودانية، ولذلك إستمرار تقييم التجربة هو ما نادى به مفكرو ومثقفو وسياسيو الحركة الشعبية قبيل وبعد إستقلال جنوب السودان، وبذل كثيرون نعرفهم بالإلتزام الثوري مجهودات خلاقة في تقييم التجربة وإعادة كتابة المنفستو والدستور والمناداة بقيام مؤتمر عام أو إستثنائي أو ورش عمل والإستفادة من كل قدرات أعضاء الحركة الشعبية لتقوية المؤسسة وجعلها نموذجاً للمحافظة على عضويتها ووعاءً سياسياً متفرداً ينهل منه كل تواق للحرية والديمقراطية والشفافية..ولكن أُهمِلَت وتم تجاهل تلك المجهودات الفكرية، مما عطل نقلات كبيرة كانت كفيلة بتقديم المساهمة الفعَّالة في حل الأزمة السودانية وتقوية مؤسسات التنظيم وإكتساب عضوية جديدة. كل تلك المحاولات باءت بالفشل مع سابق الإصرار والترصد، بل الذهاب أبعد من ذلك فى طباخة التخوين والتجاهل والصاق ديباجة المؤتمر الوطني والتشويه والإغتيالات السياسية المعنوية لمن ينادي بتقييم وإصلاح حقيقي داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان.
كما نعلم أنه في أي تنظيم عندما يكون خلل في الدستور ومشروعيته فذلك يعني أن هنالك خلل في الأساس وبالتالي لا نتوقع أن يصمد البناء في ظل أساس هش، وهذه هي المخاوف التي تدور في أذهان الكثيرين، ومهما كان المبرر، فالحركة لها من تجاربها الكبيرة في ظروف معقدة وصعبة تاريخياً إلاأنها تجاوزتها بنجاح كبير وشكلت إرثاً يمكن الإعتماد عليه بل وتطويره.. وهذه هي النقطة الجوهرية في شكل الخلاف الداخلي، الذي صم الأمين العام أذنيه وأغمض عينيه عنه..ولشيئ في نفس يعقوب ذهب في إتجاه إقصائي وصائي وشوفوني مدمر.
التاريخ أثبت أن بعض الثورات الناجحة تظهر في مرحلة من مراحلها بعض القيادات ذات تركيبات نفسية غريبة لا تشبه روح الثورة وأدبياتها ويكون لها تبريرات لا منطقية مبطنة لأفعالها وقد حدث ذلك في االثورة الألمانية والفرنسية والحرب الأهلية في أميركا؛ وما لم يتم التصدي لأفعال وسلوك هؤلاء، فإن الثورة سوف تتآكل وتنهار.. لذلك التصدي لأنماط السلوك الدكتاتوري في التنظيمات الثورية ينادي به الكثيرون ويكاد يشكل رأياً عاماً ويتصدى له قلة يربطهم تاريخ وتضحيات وهَمٌّ في أن يستمر التنظيم قوياً.
القرارات الأخيرة إستهدفت عناصر فاعلة. ورغم من أننا عبرنا عن الموقف كتابة ولا نمانع من إعادة نشره، فلقد شخصنا الداء وقدمنا مقترحات حلول وكذلك فعل بقية الرفاق..إلا أن المدرسة التآمرية داخل الحركة الشعبية ترى أن إصدارها قرارت فصل سوف يمكنها من التخلص من أي رؤى فكرية نقدية، أو قد يدفع ذلك أصحاب الرؤى النقدية بإتجاه التهور والدفع في الإتجاه الخطأ..والإثنان لن يكونا. كل الإجراءات التي تمت نعلم ويعلم الكثيرون طبخها كما نعلم ويعلم الكثيرون تناقضاتها التي أشرنا إلى بعضها وإعتبرناها غير دستورية، ولن تزعزع قناعتنا وعضويتنا قيد أنملة، وسينقلب السحر على الساحر، وهي مسألة وقت إن لم تحدث إصلاحات حقيقية سياسياً لتتكامل مع القوى العسكرية الميدانية وإنتصاراتها والتي هي مكان إشادة الجميع. وسياسياً ترقيع المرقع لن يجدي ولن يصمد والأيام القادمة كفيلة بإجابة لأي سؤال يدور في خلد أي سوداني وصاحب العقل يميز.

أمين زكريا
مستشار سياسي سابق للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بجبال النوبة أو جنوب كردفان.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة







بهرام عبد المنعم:

ربما لا يتعلق الأمر بالإدارة واللوائح في بعض الحالات بقدر تعلقه باحتمال الآخر





(لا تُحْمَلُ الثورة في الشفاه ليُثَرثَرُ عنها، بل في القلوب من أجل الشهادة من أجلها)
تشي جيفارا

في ما يتعلق بالخلافات داخل الحركة الشعبية، "شمال"، أعتقد أن التفسيرات تتداخل، يمكن إحالة المسألة إلى الخلافات الإدارية، وهي بأي حال يمكن أن تكون معزولة ومتكئة على اللوائح الداخلية لا سواها، على الأقل في واحدة من حالات الفصل، مثلما أن المسألة برمتها يمكن التبرير لها من منحى التراكم والخلافات القائمة والمتشعبة كما يقترح مسار البحث الصحفي. ما لا يمكن إغفاله بالضرورة هاهُنا، هو تلك البنية الهشة للأحزاب والكيانات السودانية بالعموم عندما يتعلق الأمر بعدم خضوعها لمناهج "الدمقرطة"، وهو كورس أساسي ينبغي أن يخضع له كل حاملي جذوة التغيير، بيد أن الكيانات جلها تتغافل استحقاقه؛ مرة بذريعة ألا صوت يعلو فوق صوت معركة إسقاط النظام، وتارة أخرى تحت دعاوى التوقيت ومزاعم تصدير الحُكم الراشد إلى الخرطوم، ناسين أو متناسين أن البنية التي تعمل داخل الكيان يحركها فقط توربين الثورية. فيما ينبغي أن تضطلع بسبل الرشاد واجهات أخرى؛ فهما نقيضان على كل حال وفق ما أتصور طالما كانت القاعدة دوما تعمل على النحو الآتي: جيفارا وظيفته الثورة وكاسترو وظيفته القصر..!! على الضفة النقيض داخل بنية الأحزاب الإسلامية في الساحة السودانية يمكن تبيئة نموذج الثورة في كوبا وفقا للتنصيص الديني (كل ميسر لما خلق له)، فلا غرابة إذن أن تستعين الواجهات الحزبية بالعسكر فجهزت لهم المحضن الدافيء منذ سبعينات القرن الماضي، وبذلت لهم الفكرة حتى استوى كيانهم في 1989. انتظروا، حتى مع حسن التحضير وطول أمد التجهيز لم يخل الأمر من قرارات الإحالة والفصل، لا لشيء إلا لأن الكيان أهمل مقررات "الدمقرطة" كما قلنا سلفاً. إن كنت قادماً لتوك من المريخ ينبغي الاستطراد أكثر؛ فقد بدأ انقلاب الإنقاذ بمسرحية سمجة تم عرضها تحت لافتات الفصل والخلاف، وفي ثنايا الشقاق برز عنوانها الأثير في مضابط تاريخ الإسلاميين: (اذهب للقصر رئيساً.. وسأذهب للسجن حبيساً)..! لاحقاً بدأ الأمر كما لو أنه (كارما) بوذية. حيث سرى الخلاف الحقيقي في أوصال الجماعة المُنقذة، كعاقبة أخلاقية كما تقول الأساطير في جنوب شرق آسيا، حيث احتملت يوميات السياسة السودانية مساري القصر والمنشية بين ضفتي الوطني والشعبي. ولأن الجبهة الإسلامية لا تحتمل مواعينها كلمة الديمقراطية، فقد عمل سيف الفصل كثيراً في ثنايا الفترة بين مسرحية الخلاف المتوهم والخلاف الحقيقي؛ خُذ فقط فصل قيادات الخدمة المدنية تحت دعاوى الصالح العام. حتى عضوية الحركة الإسلامية نفسها تعاطت معها قيادتها بذات المنهج فأحالتهم للمعاش المبكر وتم حل الحركة أو بالأصح (فصل) عضويتها كما مضت بذلك روايات ليلة المصاحف وتعميد الترابي لطه. لسنا بحاجة هنا للتطواف على بقية مكونات اليمين لنغترف من سجلاتها ما يفيد بافتقارها للديمقراطية، فأحزاب الاتحادي والأمة أضحت على قفا من يشيل، الــ(مبارك) منها لا تتسع مواعينه للآخر و(الفاضل) زاهد من أساسو في حلحلة الخلاف فيطال عضويته سيف الفصل البتار..! مرة أخرى صوب اليسار. يسار الداخل بالطبع. لا يطغى على واجهات الأنباء في الخرطوم سوى عمليات الإيقاف التي طالت عدداً من منسوبي الشيوعي السوداني، والجنحة كما تفيد مضابط المركزية أنهم عقدوا اجتماعات خارج أوعية الحزب ويسرح الخيال الشعبي لتوصيف المعركة على كونها سجالاً قديماً بين الراديكاليين المُحافظين وتيار إصلاحي داخل الحزب العريق وهو توصيف له من الصدقية حيز كبير. على ذكر التجارب، وقريباً من تماسات فصل العضوية بالحركة الشعبية، لم لا نمر على الخارج، فثمة من يرى أن الأقدار جادت على الدكتور الراحل قرنق دي مابيور حين قلدته وسام "الجيفارية"، وعفته من تبعات الكاستروية. فقد أدَّى مهمته النضالية على أكمل وجه. ناوشته السهام إبان قيادته للحركة الشعبية واتهمه البعض بالتصفيات واغتيال الخصوم، لكنه على كل بدا كقائد يعرف ما يريد فحقق ما صبا له ولم يمهله التاريخ فرصة الجلوس على السدة الباردة أو حتى الرد على خصومه وتنقيح سجله من مآخذ علقت به إبان إدارته لمعارك الأحراش، فمضى وهالة الرسالة تحيط به قبل أن يخضع لاختبار الإدارة. لن نسترسل في مآلات الشعبية عندما دان الأمر لقيادتها الجديدة، لكن إن سئلت عن نموذج "جيفاري" ساطع أخفق في تلبية وإرساء قواعد المدنية لحزب سياسي فأرجوك لا تتردد في الإشارة لقائد دولة الجنوب سلفاكير ميارديت. باختصار؛ ربما لا يتعلق الأمر بالإدارة واللوائح في بعض الحالات بقدر تعلقه باحتمال الآخر. ربما لا يتعلق الأمر بالخلافات المرحلة وتعقيدات المرحلة بقدر تعلقه بافتقاد المواعين الداخلية للكيانات أسس ومرامي (الحوار)، المفردة التي علقت بها مؤخراً الكثير من مخازي الحزب الحاكم فاستحالت بقدرة قادر من كلمة حق إلى كل ما يراد به باطل.. باختصار أكثر؛ أبحث عن "الدمقرطة"..!

بهرام عبد المنعم

صحفي
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

صورة





عبد العزيز عثمان سام:

إستمرار الوضع الإنتقالي (التكليفي) لفترة طويلة مع إنفراد الثلاثي المُكَلَّف بمطلق السلطة خلق مناخاً وخِيماً وخانِقاً




الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال تعاني مشاكل كبيرة منذ إنفصالها عن الحركة الشعبية الأم بسبب إنفصال الجنوب وتأسيس دولته المستقلة. وأذكر أدناه، بعض تداعيات ومشاكل الفِطام القسري للحركة الشعبية - شمال:

1) أزمة قيادة: مشكلة القيادة "المُكَلَّفَة"كانت أكبر الأخطاء، لأنه كان بالإمكان عقد مؤتمر عام للحركة في الأراضي المحررة (جبال النوبة- النيل الأزرق) وهي واسعة وآمنة، وبالإمكان الحصول على الدعم اللوجستي اللازم لعقد المؤتمر وإنتخاب الهياكل والقيادة.
2) الدستور والتشريعات: الحركة الشعبية–شمال ليس لها دستور حديث بعد الإنفصال، والقوانين أيضا غير مُنَقَّحَة وغير مُوَاكِبَة، ذلك أنّ الحركة تعمل بقوانين الحركة الشعبية الأم، ومثال ذلك قانون الجيش الشعبي لتحرير السودان لسنة 2003م الذي يفترض أنه يتبع للحركة الأم وبعد الإنفصال يجب إصدار قانون جديد وخاص بالجيش الشعبي – شمال. لدرجة أنه يجوز الطعن في ذلك القانون ونقضه وإلغاء الإستناد إليه لو أن المؤسسات والهياكل لدى الحركة مكتملة ويشغلها رفاق تم إنتخابهم في مؤتمر عام شامل لكل قطاعات وكليات الحركة في الداخل والخارج.
3) التكليف ضد/الإستدامة:إن طبيعة الأشياء في هذه الظروف تتلائم مع فهم أن القيادة المُكَلَّفَة والمكونة من الرفاق الكرام، الرئيس وقائد الجيش والأمين العام، مهامها تسيير الأمور لفترة إنتقالية لا تتعدى الستة أشهر يتم خلالها الإعداد للمؤتمر العام للحركة لوضع دستورها وسنّ قوانينها ورسم هياكلها وإنتخاب القيادة التي تقود العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي، ولا يُسْتَسَاغُ بقاء القيادة المُكَلَّفَة لست سنوات بدلاً من ستة أشهر! هذا ضد طبيعة الأشياء.
4) إنفراد القيادة المُكَلَّفَة بأخذ زمام الأمور وجمع السلطات التشريعية والرقابية والتنفيذية والقضائية بين يديها جعل من الحركة الشعبية ذلك العملاق الحامل لأعظم فكرة للتغيير وبناء دولة السودان الجديد الحر الديمقراطي الذي يسع الجميع على المواطنة المتساوية والحكم الرشيد، جعلتها القيادة الثلاثية المُكَلَّفَة حركة شوْهَاء شمولية، توتاليتارية وإنتهازية متسلطة ومنتقمة من أبنائها الذين بذلوا عمرهم في بناءها والسهر عليها لتحيا وتعيش وتقود شعوب السودان إلى شواطئ الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية والرفاهية.
5) إستمرار الوضع الإنتقالي (التكليفي) لفترة طويلة مع إنفراد الثلاثي المُكَلَّف بمطلق السلطة، خلق مناخاً وخِيماً وخانِقاً، وإنتكاسة كبيرة في مسيرة ثورة التحرير العريض، وتزَمُّر وسط الرفاق في كل المستويات، القيادات العليا السياسية والعسكرية، والوسيطة.
6) بتكوين الجبهة الثورية وتسكين ممثلي الحركات المسلحة والتنظيمات الأخرى فيها إتضح للعامة أن هناك أزمة قيادة كبيرة تمُور داخل الحركة الشعبية وذلك بسبب غياب أسماء قيادية كبيرة ومعروفة عن دوائر التمثيل والقيادة.
وبإختلاط مكونات الجبهة الثورية وإقترابهم من الصورة الداخلية لكل تنظيمات الجبهة الثورية، بدأ الرفاق من حركات دارفور وآخرين يسألون ويتساءلون عمَّا يجري داخل الحركة الشعبية – شمال وصاروا يتداولون خطل وخطورة ما يجريفي الحركة الكبيرة ذات الإرث والخبرة والتاريخ الكبير في مجالسهم المشتركة ولقاءاتهم الإجتماعية ومنتدياتهم الفكرية المشتركة.
7) تمّ تقديم أسئلة وإنتقادات حادة ومباشرة من مكونات الجبهة الثورية للرفاق في الحركة الشعبية بخصوص طول فترة التكليف وضيق مواعين التنظيم بقيادات الحركة المعروفة ورهن إرادة الحركة ومصيرها للثالوث المعلوم. وظلت تزداد علامات الإستفهام بمرور الزمن.
8) تأكد للكافة بأن الحركة الشعبية– شمال في خطرِ ماحق، وبدأ الهمس يتحوّلُ جهراً، وخرجت للعلنِ المقالات الناقدة. والإحتجاجات المكتومة تمَّ الجهرَ بها من مكونات الجبهة الثورية وخارجها.
9) بدلاً من الإسراع بإقامة المؤتمر العام للحركة الشعبية لإصدار الدستور والتشريعات وبناء الهياكل وتسكين الكادر لتدوير العمل اليومي والسياسي والتفاوضي والدبلوماسي، طفقت القيادة المُكَلَّفَة تضيق بالأصوات التي جهرت بالنقد وطالبت بالإصلاح وإعادة البناء. وفي هذا السياق جرّدت القيادة المكلفة جحافلها و"طَبَّاليها" ومقربيها للتصدي للأصوات الناقدة لواقع الحال داخل الحركة الشعبية.
وأذكر على سبيل المثال: أنّي تناولت أمراً ملفتاً خاصاً بالوفد المفاوض للحركة الشعبية وخاصة رئيسا الوفدين، وفد الحكومة ووفد الحركة الشعبية! والملفت للنظر في المنظر أنّ أعضاء الوفدين من أبناء الهامش السوداني مراكز قوة الحركة الشعبية–شمال (نوبة وفونج.. إلخ) وأن رئيسا الوفدان "جلابة" من إقليم الجزيرة المروية (غندور وعرمان). كانت مجرد ملاحظة مزعجة بالنسبة لي ومربكة للغاية، وتفاعل معها، وعلّق عليها قراء صفحتي على (فيس بوك) من الرفاق في الحركة الشعبية في مختلف مواقعهم وكانت مداخلاتهم مساندة بقوة لرفضي واحتجاجي على ذلك المظهر، وأدانوا تلك (الظاهرة) وتشكّل رأي عام مضاد ومقاوم لتلك الحالة. فلم يعجب ذلك الحراك "التحريضي" مؤيدي ذلك الوضع الغريب، وذلك القائد المُلهِم فلم يكتفوا بالتداخل ونفي مشاعري توهماتي تلك، بل طلب إثنان منهم مقابلتي لمناقشتي فيما تناولت في مواجهة قائدهم الرمز (ياسر عرمان) "مصححين" كما زعموا بعض الأشياء الخاطئة التي لازمت ذلك الموقف لتظهره شائهاَ! فإلتقيتهما لعلّ وعسى، فوجها لي احتجاجاً شديداً لتدخلي فى شأن الحركة الشعبية! فأجبتهما بأن الحركة الشعبية شأن عام للجميع ومن حقي توجيه النقد لها، ولم يكتفيا بذلك بل هددا بإستحياء طالبين مني عدم تناول ذلك القائد "الأيقونة" لاحقاً كما قالا. فكان ردِّي لهما أنني أحترمكما أنتما وليس قائدكما الذي عنه تدافعان، وأني بتحملي مسئولية طرح ذلك المظهر القبيح كنت ادافع عنكم كأبناء هامش ثائر على ظلم المركز ضد ما أعتقد أنه شيئ غير طبيعي، فإنصرفا غير راضيين.
هذا هو المناخ داخل الحركة الشعبية شمال قبيل إنفجار الأوضاع والبدء في إقصاء وطرد الرفاق الذين قاوموا الوضع المحتقن داخل كابينة قيادة الحركة الشعبية - شمال.
10) ليست الحركة الشعبية- شمال وحدها بل كل الحركات المسلحة المكونة للجبهة الثورية السودانية تواجه ثورات إصلاحية داخلية وانشقاقات خطيرة وكبيرة بسبب سوء الإدارة الداخليه فيها وهروب قيادات الحركات المسلحة من إلتزاماتها التنظيمية داخل حركاتها، وهروبها للإختباء خلف الجبهة الثورية متوارية وهاربة من مشاكلها الداخلية حتى تفاقمت، وصارت المشاكل والأخطاء والقصور داخل جميع الحركات المسلحة تنذر بفنائها.
11) تأتى قرارات العزل و"الإحالة إلى التقاعد" دون سند من قانون أو أي تشريع، تأتي فى إطار الإفلاس الإداري لقيادة مُكَلَّفَةتجاوزت فترة التكليف العادية بسنين عدداَ، وفشلت في الحفاظ على الحركة وتاريخها ومستقبلها، فقررت تبنّي سياسة التخويف Intimidation خوفاً من إنفجارات داخلية تطيح بتلك "القيادة المثلثة" وفق نظرية (تَغدَّى بعدوّك قبل أن يتعشىّ بك).
12) لكن هل هذه الموجة من العزلِ والفصل من الحركة الشعبية لثوار ملتزمين يحقق النجاح والهيمنة للقيادة المُكَلَّفَة؟ وهل هذا التكليف أبدي؟ وحتى متى ستستمر التصفيات والإقصاء والطرد داخل الحركة الشعبية- ش والحركات الأخرى المكونة للجبهة الثورية هكذا؟
13) لما تقدَّم أعتقد أن ما دار وسيدور لاحقاً داخل أروقة الحركة الشعبية–ش هو نتاج طبيعي لإنفراد "القيادة الثلاثية المُكَلَّفَة" بزمام السلطة وجمعها بين يديّها وممارستها بعسفٍ وعنجهية وإخضاع وإنتقام من منافسين محتملين، ومنافسين حقيقيين على كرسي الحكم والرئاسة. وبسبب إستمرار التسلط والقيادة الدكتاتورية لمدة طويلة حرّكت دواخل منسوبيالحركة الشعبية، فبدأت تقذفُ بالحمم نحو مصدر الخطر (الثالوث القيادي المُكَلَّفَ)، وما زال العميق قدام.
14) نأسف لحركة كبيرة وطليعية، ويرهن الشعب السوداني مستقبله بها أن تكشف عن سوءاتها وعوراتها بهذا القبح، وتصدر في حق الرفاق الأوفياء قرارت ركيكة وكاذبة ومغرضة التكييف القانوني.. طيب لو كانت الحركة الشعبية- ش تقمع قيادتها وقادتها ومفكريها، وتلفظهم كالنواة هكذا، فماذا ستفعل بالشعب السوداني الذي يرجو نوالاً من باب نحس هذه القيادة المُكَلَّفَة؟ نريد أن نسمعَ ما يطمئن، والسلام.

عبد العزيز عثمان سام

قانوني وكاتب
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أعتذر لمتابعي ومتابعات هذا الخيط عن هذا الغياب الذي تسبَّبت فيه بضعة عوامل أهمها إنتظاري ورود بعض الردود على سؤال الإستطلاع الصحفي، حيث لم تصلني، حتى اللحظة، أيَّاً من بقية الإستجابات التي أتوقع. لذلك سأقوم، بدءً من هذه الحلقة، بالعودة إلى نشر بعض الوثائق إلى حين عودة أخرى لمواصلة نشر ما يرد من ردود على سؤال الإستطلاع.
أبدأ بنشر هذا البيان:



صورة
صورة
صورة
صورة
صورة
صورة

آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الجمعة ديسمبر 18, 2015 9:24 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »



أقوم هنا بإعادة نشر البيان الختامي للمكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي كان قد صُدِرَ في أعقاب إنتهاء إجتماعه الذي عُقِدَ في جوبا ما بين ١٢ و ١٥ فبراير ٢٠١١، وذلك لما له من صلة بوثيقة قادمة و/أو بنقاش قادم.



صورة

صورة

صورة


صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

ألقي مالك أقار، رئيس الحركة الشعبية والقائد الأعلى للجيش الشعبي لتحرير السودان - شمال، الخطاب التالي في المناطق المحررة في نهاية عام 2014:



صورة






جرد لعام 2015
خطاب مالك أقار، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال



”إنهم مشوّهون إلي حدٍ يصعب معه إصلاحهم“
د. جون قرنق دي مبيور 2000م.


رفقاء النضال؛
لقد وقع اختياري على هذ العام الفردي 2015م لأقدّم هذا الجرد نظراً لأهمّيته، كان عام التوقّعات السياسية، وأسمّيه عام التناخب في الإقليم، وهي ظاهرة أحالت تركيز العالم إلى النتائج المرتقبة لهذه الانتخابات وتأثيرها على السياسة الإقليمية والدولية، فنحن لسنا مقصيين حيث لا يمكن فصل مصالحنا من كيمياء السياسية العالمية. استناداً على الحسابات التحليلية والعملية ينبغي أن يحتفي الشعب السوداني في هذا العام بسقوط نظام المؤتمر الوطني قبل أن يعيد انتاج نفسه في انتخابات يونيو 2015م.
تنتهز قيادة الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال مناسبة العام الجديد لتحية أبطالنا وبطلاتنا الشهداء والشهيدات خاصة قائدنا الدكتور جون قرنق دي مابيور وكل فرد من أعضاء الحركة أينما كانوا سواءً في الخنادق، أو على سفوح الجبال، في المناطق المحرّرة وهم يمتشقون بنادقهم على جنوبهم أو أماكن الإختفاء والتحّية موصولة المواطنين السودانيين داخل البلاد الذين يواجهون أدوات القمع بصفة يومية، وللسودانيين الذين أجبروا على الهجرة خارج البلاد نتيجة للضغوط الإقتصادية والقمع، وإلى أولئك الذين اُضطروا للإستقرار في مكانٍ ما في العالم، أتمني لكم عاماً جديداً حافل بالرفاه، عام لتحقيق النصر على قوى القهر وحلفائها.
رفقاء النضال؛
لقد ترّبع نظام المؤتمر الوطني على عرش السلطة لربع قرن من الزمان حتى الآن، وقد أتى مشوها من يومه الأوّل حيث خرج من رحم حركة لا تؤمن بالديموقراطية بطبيعتها في خضم ظاهرة عالمية إتسمت بذروة الصراع المرير بين الإمبريالية وقوى التحوّل الدّيموقراطي ممثّلة حينذاك في الدّول الغربية، وأسفر الصراع عن سقوط العديد من الديموقراطيات في أفريقيا والتحوّل العالمي الدراماتيكي لهذي القوى والتي إنتظمت في موقع وسطي متمدّد.
على الصعيد الدّاخلي، كان الوضع في غاية النضوج لحدوث ثورة نتيجة للحروب المتطاولة في البلاد، والفوضى الإجتماعية السياسية، وقد فشلت القوى الدّيموقراطية في التعرّف على هذا الوضع والإستفادة منه.
ونتيجة لهذه العوامل الإقليمية، والدّولية، والدّاخلية فضلاً عن الضعف، أستولى نظام المؤتمر الوطني على السلطة في 30 يونيو 1989، وقد أتوا بأجندة وأهداف راسخة تبلورت في أسلمة وتعريب السودان ذو التنوّع الإثني، والدّيني، والثقافي، واللّغوي وفقاً لتصريحات العميد وقتها عمر البشير (في لقائه مع د. منصور خالد في أديس أبابا في 1989) ”قول لجون قرنق نحن جىنا للسلطه لنبقي والشريعة خط أحمر غير قابل للتفاوض ولا سبيل للتغير بالقوة والتغير بيجي فقط مننا“. إنتهى الاقتباس.
وقد تم تأكيد هذا القول بالإقتباسات الأخيرة من الوثيقة المسرّبة صفحة (8) ما ورد على لسان الفريق مصطفى عثمان عبيد: ”اننا لاعبين أساسيون في هذه الدول وحتي التنظيم الاخوان المسلمين والحركات الجهادية والسلفية برجعوا لينا يعني مصدر قوة عشان كده انا لبلد غيرنا ما زول تاني بحكمها شاء من شاء وابي من ابي“. إنتهى الإقتباس.
في القضارف أيضاً في 2011م ورد على لسان البشير ما يلي: ”الجنوب انفصل تاني مافي دغمسة ولا كلام عن التعددية . السودان بلد عربي اسلامي“. إنتهى الإقتباس.
رفقاء النضال؛
هذه الخلفية مهمة لوضوح الفهم لدى المناضلين من أجل الحرية والرفقاء في كلّ مكان، والوضوح هو أنّ مشكلة السودان ضاربة الجذور في التمييز المزدوج الدّيني والإثني، وكما هو شأن التمييز العنصري في كلّ مكان ينبغي إزالته تماماً، فهو غير إنساني، وموغل في الشر، وأيّ محاولات لإدخال إصلاحات في هذا النظام لن تجدي فتيلاً.
ولا تعدو دعوة البشير (المؤتمر الوطني) للحوار سوى أنّها ظاهرة مؤقّتة لا تشتمل علىّ أيٍّ من الوسائل التي يمكن من خلالها القضاء على هذا النظام الأثيم، إنّها دعوة لإصلاح الوضع الماثل وإضفاء الشرعية على النظام لخوض إنتخابات 2015م وتمديد أمده لخمس سنوات قادمة فيما عملاً بسياسة الخيمة الكبيرة. وهذا يعني شيئاً واحد لا غيره: أنّ هذا النظام لن يوافق طواعية على التغيير أو الإصلاح، وبالتالي فهدفنا من ذلك الحين كان ومازال صحيحاً – تغيير النظام للوصول الي سودان السلام.
محاربو ومحاربات الجيش الشعبي لتحرير السودان؛
نحن متأكّدون أنّ هذا سيحدث في القريب العاجل إستناداً على مجموعة من العوامل، على المستوى الخارجي هناك درجة من التغييرات على الصعيد السياسي ليست في صالح الخرطوم، على المستوى الداخلي هناك خلافات داخل أروقة المؤتمر الوطني، فضلاً عن الوضع الإقتصادي الآخذ في التدهور، والأهم من ذلك عزمنا على إحداث هذا التغيير.
محاربو ومحاربات الجيش الشعبي لتحرير السودان؛
في غضون ذلك، ينبغي علينا التركيز على الهجمات المضادة التي يشنّها النظام علينا وعلى قوى التغيير، وعادةً ما يلجأ النظام لوسائل متعدّدة كما هو واضح في الساحة السياسية الدّاخلية من ضمنها سجن المعارضين، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام، وإنتهاك حقوق الإنسان بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القضاء، وإستخدام سلاح الإغتصاب، والقصف العشوائي، والحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، والحملات الإعلامية المغرضة لتشويه سمعة حركات التحرر وقيادتها كحرب نفسية من خلال الراديو، والصحافة، والتفاعلات الديبلوماسية، والمخبرين، والجواسيس الذين يغدق عليهم بالرشاوي لتمكينهم من تقويض نضالنا من أجل الحرّية، كما طفق النظام في تأجيج الإنقسامات، والنزاعات، والإنشقاقات في صفوف الحركات، والمجموعة الأخيرة المسّماة الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح التغير- شاهد على هذا الموقف، وهؤلاء الذين يزعمون بأنّهم أعضاء في الحركة الشعبية آخر مرّة رأوا فيها جنوب كردفان كانت في عام ٢٠١١م. ، فهم ليست من ضمن كادر أو أعضاء الحركة الشعبية، ويُستخدمون فقط للدعاية، وسرعان ما سيُطلق عليهم ”أصحاب المصلحة“.
وقد درج النظام منذ إنشاء الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان والحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال على إستخدام هذا النهج بكثافة، وقد إستغل التذمّر بين مكوّناتنا نتيجة لسياستنا الرّاسخة في الدفاع عن حركتنا فظهرت بعض هذه المجموعات بمسمّيات مختلفة (الحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل الدّيمواقراطية، الحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل التنمية والسلام، مجموعة إسماعيل، الخ)، وقد لجأت كلّ هذه المجموعات لطريقة قديمة ومجرّبة تمثّلت في الثورة المضادة في سعيها لتغيير إستراتيجيتنا، ورؤيتنا، وتوجّهنا من أجل تقويض وحدتنا.
رفقاء النضال؛
محاربو ومحاربات الجيش الشعبي لتحرير السودان؛
وفقاً لأدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان ومن أجل وحدتنا، فقد سعت القيادة سعياً حثيثاً لإدماج المجموعات المنشّقة في هياكل الحركة حيث منهم من قدم العديد من الإسهامات المقدرة في الحرب الأولى لا يمكن تمويهها أو تجاهلها، دانيال كودي أنجلو وإسماعيل خميس جلاب علي سبيل المثال وليس الحصر ولذلك قد عقدنا مجموعة من الإجتماعات كجزء من هذا المسعى لمناقشة هذه الخلافات. في نهاية المطاف لم تسفر مساعينا عن أيّ نتائج حيث إستمروا في أنشطتهم، ولم يكن أمام القيادة خيار سوى إتخاذ الإجراءات القانونية والسياسية لحماية مكتسبات الحركة والحيلولة دون حدوث فوضى.
وفي ذات الوقت ركّز النظام على إستخدام الدّين وسيلةً للحشد والتعبئة مستغلاً في ذلك عاطفة الشعب السوداني وغيرته على الإسلام، وقد إعترضنا على هذا النهج لأنّ نوع الإسلام السياسي الذي يريد البشير من الشعب السوداني أن يعتنقه هو إنعكاس للهيكل السلطوي الذي يريد منا القبول به. وعندّما قمنا بتقييمه قرّرنا عدم وثوقنا في قيادته على صعيد شؤوننا اليومية، وأنّ أهدافه السياسية تختلف عن أهدافنا، ولم يحظى هذا النهج وغيره من المناهج المذكورة آنفاً بقبول الكثير من الشعب السوداني الذي بدوره يعارض هذا الهيكل السلطوي، في واقع الأمر، وبكل المقاييس الحكومة السودانية عبارة عن مؤسّسة دينية.
رفقاء النضال؛
بما أنّنا عدّدنا نقاط الكفاءة في النظام، دعونا نستكشف نقاط ضعفه المحتملة. فقوى الهيمنة وحلفائها قوى خاسرة، ومفلسة سياسياً وتواجه سرطان داخلي يُسمّى الإنقسام، وصراع قوى مرير في شكل قوّة غير مرئية ينهش في جسده بصمت، إقتصادياً يتدهور النظام على مدار الساعة بالرغم من مساعي حلفائه للتخفيف من حدّة الوضع الكارثي، وقد أسفرت الإجراءات التقشفية عن مردودات عكسية، وبالتالي فإنّ قدرتهم على التعويل على شراء الحلفاء الداخليين والخارجيين آخذة في التلاشي كما هو شأن قدرتهم في الاستمرار في تمويل مليشيات الجنجويد وقمع الثورات المضادة كما كانوا يفعلون في السابق، والجيش في حيرة من أمره ولا يستطيع خوض الحرب نتيجة للإهمال والاستخفاف بالكمال والاحترافية. وبالتالي، يا رفاق الملك عريان.
رفقاء النضال؛
محاربو ومحاربات الجيش الشعبي لتحرير السودان؛
المواطنون الأعزاء؛
كما أنّه من الأهمية بمكان إستكشاف نقاط ضعفنا وقوّتنا خاصّة خلال الثلاث سنوات من التعاطي السياسي والعسكري مع القوات المسلّحة السودانية، فضلاً عن التحدّيات، والإنجازات.
قبل ثلاثة شهور من إستفتاء جنوب السودان، إنقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان، مدفوعة بمقتضيات الضرورة، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقد تألّفت القيادة الجديدة من أعضاء المكتب السياسي السبعة، وقد كانت مهمّتها الأولى إعادة تنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال لتلائم النظام السياسي، والحقائق، والتحدّيات الجديدة، وتم عقد إجتماع القيادة الأول وتبنّت خلاله رؤية السودان الجديد بإعتبارها رؤية صائبة كما كانت على إمتداد الأزمنة. وبغرض التنظيم تم تكوين ثلاث لجان (1) لجنة المنفستو؛ (2) لجنة إعادة التنظيم الهيكلي؛ (3) لجنة بناء القُدرات، وبدأت هذه اللّجان القيام بمسؤولياتها ولكن إستئناف الحرب في جنوب كردفان في يونيو 2011م عرقل أعمالها ممّا دفع بالحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال لحقبة جديدة، ونتيجة لذلك إنقسمت القيادة، وأودع بعضهم السجن، وتعرّضوا للتعذيب، والمضايقات، وحوكموا بالإعدامات، وصدرت بحقّهم فترات سجن متطاولة، وبرزت للسطح ثلاث تشكيلات للحركة (أ) الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة وقد تعرّض معظم أعضائها وكوادرها للسجن والبعض منهم حُكم عليه بالإعدام بموجب القوانين القمعية الحالية، والذين أفلحوا في تجنّب الإعتقال تواروا عن الأنظار ليعملوا في ظروف أمنية بالغة القساوة تحت هيكل قيادي مؤقّت مكوّن من خلايا صغيرة، وقد إستمروا في نضالهم حتى اليوم في ظل هذه الظروف؛ (ب) الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في المناطق المحرّرة، وتعمل هذه المجموعة تحت ظروف أمنية وبيئة مختلفة، ويختلف مفهومهم عن الثورة والنضال عن تلك المجموعة المتواجدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، فهم من يتحمّلون عبء العمليات العسكرية، ويتعرّضون للمصاعب التي تواجهها مجتمعاتهم، والقصف الحكومي لأهاليهم وأقاربهم، ويتقاسمون نفس الخنادق مع أهلهم، ويشاركون في المعارك بأنفسهم، ويشاركون علانيةً في هياكل الحركة؛ (ج) الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في الشتات، وتتكوّن هذه المجموعة من المنفيين الذين هاجروا من البلاد على فترات متطاولة لجملة من الأسباب من ضمنها أسباب اقتصادية، أو أمنية، أو البحث عن فرص تعليمية، ولم تفقد هذه المجموعة إرتباطاتها بالوطن والأهل، وعلى الدوام يعملوا على إبراز معاناة أهلهم في الوطن ومن ضمنهم (I) مناصرو الحركة الشعبية لتحرير السودان الذين يؤمنون برؤية وإستراتيجيات الحركة، وهم أعضاء نظاميون بالحركة؛ (II) المتعاطفون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهم أولئك الذين يؤمنون بقيم الحركة وعلى إستعداد لترويجها عندما تسنح لهم الفرصة حيث أنّهم أعضاء غير متفرّغين بالحركة؛ (III) المنفيون المنحدرون من المنطقتين وليسو أعضاء رسميون بالحركة ولكن إعتبروا أنفسهم أعضاء بالحركة بحكم إنتمائهم الجغرافي، هذه المجموعة ذات مردود عكسي وخصم على الحركة ولكّنها مكوّن ينبغي مواءمته حيث أنّ مسارهم موازي لمسار الحركة وغالباً ما تكون منفصلة، ويُعتبر هذا الإنفصال عامل تشويش لبعض أعضائنا الذين يرقصون على إيقاع طبولهم، وغالباً ما تفضي جهودهم لتمييع وتقويض أهداف الحركة.
رفقاء النضال؛
المواطنون الأعزاء؛
تأسيساً على إرثها، كانت المهمّة الأولية للقيادة هي خلق الإنسجام والترابط الهادف بين فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان ومكوّناتها المتنوّعة، وكما أشرنا سلفاً فقد تفرّقت وانقسمت القيادة، وبقي ثلاثة فقط من أعضاء المكتب السياسي في المناطق المحرّرة، وإنخرطوا في إعادة تنظيم القيادة من خلال مجموعة من المبادرات في الإجتماع العاشر المنعقد في يناير 2012م، وتم تكوين المجلس القيادي الحالي، وفي إجتماعه الأول أعاد تأكيد رؤية الحركة وتبنّى رؤية السودان الجديد مع التحوّل الديّموقراطي وصولاً لسودان قائم على المواطنة، وحكم القانون ولا يتم إعتبار الفرص فيه انطلاقاً من العنصر، أو الدين، أو اللّون، أو الوجهة الجغرافية، بلد ينافح عن العدالة الإجتماعية والمساءلة.
وقد واجهت هذه الرؤية العديد من التحدّيات لا سيّما بعد إنفصال جنوب السودان، وقد زعم الناقمون على هذه الرؤية بأنّها نظيرة لتفكّك البلاد دون أن يسألوا عن إسهماتهم الهائلة في هذا الإنفصال، فنظامهم هو ما أعاق تنفيذ إتفاقية السلام الشامل بشكلٍ صحيح والتي كانت تهدف لإرساء التحوّل الدّيموقراطي في البلاد وتحقيق سلام مستدام للشعب السودان، ولكن على النقيض من ذلك إستخدموا إتفاقية السلام الشامل لتفكيك الحركة الشعبية لتحرير السودان، بل البلاد بأكملها، وقد حصدوا ثمار ما زرعوا. و ما يُرى بشكلٍ سلبي في جنوب السودان لا يعدو أن يكون سوى إنخلاع طبيعي في نموٍ مؤلم، وسيصل لنهاياته الحتمية، وبلا شك سيصعد على المشهد جنوب السودان الجديد الدّيموقراطي فضلاً عن السودان الجديد الدّيموقراطي، وقد راجعت القيادة دستور الحركة لتحقيق الإنسجام في الهياكل السياسية وقد تمخضّت المراجعة عن تكوين اللّجان الوطنية للحركة، الأقليم، السياسية، التنفيذية، والقانونية القائمة حالياً بجانب تأسيس المؤسسّات ذات العلاقة. وإلى حد الآن، ما زال النظام يعمل بصورة جيّدة ولكنّها دون الطموح، غير أنّه في ظل هذه الظروف يُعتبر مناسباً ومرناً وقابل للتطوير بمرور الزمن. وتستهدف بعض هذه المؤسسات إحداث التناغم بين المكوّنات المتعدّدة التي أشرنا لها سلفاً حيث أنّ السمة الجوهرية لسياستنا أن نعمل على وحدة الحركة للإنخراط في النضال المشترك. أهنيء جميع الرّفاق الذين ساهموا بلا كلل في تحقيق هذا النجاح.
محاربو ومحاربات الجيش الشعبي لتحرير السودان؛
عسكرياً، تبنّت القيادة الهيكل العسكري المناسب للإستجابة لقدرات الحكومة العسكرية، وهو الهيكل الموجود الآن والقائم بعمله. وجميعنا نذكر أنّ البشير أصدر تعليماته لوزير الدّفاع في يونيو 2011م لدحر التمرّد في جبال النوبة خلال شهر، ومؤخّراً في سبتمبر 2011م كانت التعليمات مماثلة في النيل الأزرق، وأعتقد باعتبار أنّ معظمكم شارك في هذه المعارك قد شهدتم كيف تم إحباط جهود البشير حتى أتى بفكرة قوات الدّعم السريع بسبب فقدان النظام الثقة في جيشه ولجأ للمرتزقة من الدّول المجاورة والمليشيات المحلّية، وقد تم إفشال هذه الجهود أيضاً. الآن شنّ عمليات الصيف الحاسم، ونعتقد أنّه سيكون مصيرها الفشل، وسيُصاب البشير بخيبة الأمل. حقيقةً سيًصاب بخيبة الأمل حيث أنّ قيادتكم قد دخلت في حوار مع بعض عناصر الجيش الذين لا يؤمنون باستراتيجية الحرب، وبعض عناصر القوات السابقة الصديقة للبشير الذين أدركوا بأنّهم قد تم إستغلالهم لحماية نظام فاسد لا يحترم الإنسانية ويرغب في التشبّث بالسلطة بأي ثمن منتهجاً في ذلك كل الأساليب سواءً كانت نظيفة أم قذرة. لقد وقعّنا بعض مذكّرات التفاهم مع هذه القوات، و كإشارة لحسن النوايا وافقت القيادة على الإفراج عن (20) سجين حرب لمبادرة الإصلاح والنهضة (سائحون) والاستمرار على الحوار معهم. رسالة القيادة لمحاربي الجيش الشعبي لتحرير السودان تتلخّص في الآتي: النصر قاب قوسين أو أدنى والمطلوب هو (أ) الوحدة بين تشكيلات الحركة (ب) إمعان النظر في الداخل والخارج مدركين أنّه ليس في وسع أصدقائنا تزويدنا بموارد كافية لمواصلة النضال، وعلينا إستخدام ما نملك بلا تبديد للحصول على ما نفتقر إليه حيث أنّ البشير هو رافدنا الرّئيسي بالمؤن والعتاد، وليس في وسعه الإنقطاع عن تقاسم عتاده العسكري مع الحركة.
تهنّيء قيادة الحركة الشعبية رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي والقيادة العسكرية المشتركة للجبهة الثورية وضباطه وجنوده لهذه الإنجازات البطولية، لقد كانت هذه الإسهامات بالغة الثمن حيث فقدنا الآلاف من الشهداء الأبطال رجالاً ونساءاً نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر العميد جبريل توتو مجروس، إسماعيل خليفة دُرمان، جعفر جمعة، جبريل أنديل، العقيد عوض تاجر، العقيد هندي أحمد خليفة، العقيد عبود كوجبا، المقدّم بطرس يعقوب، سمعان أبو كلام. لن ننسى تضحياتهم العظيمة، وستكون مكافأتهم تحرير شعبنا وتحقيق أهداف التحوّل الدّيموقراطي في السودان حيث يتمتّع شعبهم بالمواطنة المتساوية.
رفقاء النضال؛
المواطنون الأعزاء؛
الرّفاق في دول المهجر؛
على الصعيد الخارجي، ندرك أنّ العالم لم يعد منقسم إلى معسكرين، فقد أصبحت المصالح والتفاعلات ظرفية وبالغة الدّقة، وتبذل قيادة الحركة قصارى جهدها لحشد المحيط الإقليمي والدّول والأقطار المشابهة لنا في الرّأي التي نتشارك معها نفس القيم والمباديء، والشعوب المحبة للسلام، ورسالتنا بالغة الوضوح والحسم، لاؤلئك الذين يدافعون عن الدّيموقراطية وأسس حقوق الإنسان، الشعب السوداني محروم من هذه القيم والمباديء. فالسودان ليس مشكلة لشعبه فحسب، فالنظام السوداني يشكّل خطر على أفريقيا والعالم بأسره، من الذي يستطيع إقناعنا بأنّ 75% بالمائة من الميزان يُخصّص لقوات الأمن والجيش فقط لدحر الجيش الشعبي لتحرير السودان في المنطقتين والحركات الدارفورية؟ لا، لقد حشد السودان مقدراته لزعزعة محيطه الإقليمي والشاهد على ذلك حركة الشباب في الصومال، والإخوان المسلمون في مصر، حماس، بوكو حرام، مالي، السيليكا في جمهورية أفريقيا الوسطي، والاضطرابات في ساحل ممباسا، ويعمل بشكلٍ حثيث وفي سرّية تامة في مؤشّرات عدم الاستقرار المتنامية في بعض دول الجوار مثل ليبيا، وأخيراً النزاع في جنوب السودان. نفس السودان الذي وفّر ملاذاً لأسامة بن لادن، وكارلوس الإرهابي نفس السودان الذي دبّر عملية الاغتيال الفاشلة للرّئيس المصري السابق حسنى مبارك في إثيوبيا، ونحن لن نفتقر للدليل الموثوق والدامغ لإدانة الخرطوم. لقد كانت تلك رسالتنا وما زالت هي رسالتنا. سنواصل إتصالاتنا مع تجويدها والحفاظ على صوت الشعب المناضل عالياً ومسموعاً، ونشكر أولئك الذين كان دورهم وإسهاماتهم عصّية على النسيان، وفي ذلك من المهم الإعتماد على الجبهة الدّاخلية، وفي غضون ذلك نجحت الحركة في تأسيس (19) مكتب سياسي في أفريقيا وبقية دول العالم، ويتربّع على إدارتها رفاق من ذوي الكفاءة قاموا بعمل وإسهامات جبّارة من أجل إسماع صوتنا، وفي هذا المقام أزف لهم التهنئة نيابة عن القيادة بأكملها.
رفقاء النضال؛
المواطنون الأعزاء؛
الرّفاق في دول المهجر؛
على صعيد التسوية السلمية للمشكل السوداني من خلال المفاوضات، نعتبرها أحد طرق النضال وتعمل على نحوٍ تعاضدي مع الطرق الأخرى التي تبنّتها الحركة، فالحرب ليست خياراً ولكنّ أُضطرننا لها دفاعاً عن النفس، بل على العكس من ذلك السلام قناعة راسخة لدينا حيث يعاني شعبنا في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق من ويلات وقساوة الحروب، فهو مشرّدون داخلياً حيث حالت الخرطوم على مرأى من المجتمع الإقليمي والدّولي دون وصول المساعدات الإنسانية إليهم، وعوضاً عن ذلك أرسلت لهم قوات الدعم السريع لقتلهم، وإغتصابهم، وتعريضهم للقصف العشوائي فيما يرقى لمصاف الجرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان، والاغتصاب الجماعي الذي تم في قرية تاتب خير دليل على ذلك. وقد تطاول البشير أكثر من ذلك وطالب بعثة اليونميد (UNAMID) في رابعة النهار بمغادرة البلاد، وقبل يومين قام بطرد إثنين من مسؤولي الأمم المتحدة، وهذا السلوك توقعنا أن يُقابل برد فعل قوي من الهيئة الدّولية، ولكن كان الرد عبارة مجرد إدانة!!! حقيقةً كان مخيّباً لآمال الضحايا وذويهم. الفئة الثانية لجأت إلى إثيوبيا، وجنوب السودان، وأوغندا. ومن المحزن أن يفقد إثنان من الأجيال حظهم في التعليم.
بالنظر لهذه الخلفية، يُعتبر السلام مسألة بالغة الأهمية، ولكن أيّ نوع من السلام؟ سلام شامل يحترم الشمولية، سلام قابل للتنفيذ، ومستدام، ودائم تُستعاد بموجبه الحقوق المسلوبة ويقضي على أسباب النزاع من جذورها وليس سلام إستمالة وإسترضاء. ولكن كيف نفعل ذلك؟ موقفنا وموقف حلفائنا في الجبهة الثورية بسيط وواضح: (أ) ينبغي أن يحترم السلام التشاركية والشمولية ويتحاشى الحلول الجزئية التي تم تجريبها في السابق وبلغت في مجملها ثلاثة وأربعون حلّاً ولم تؤدّي لتحقيق السلام؛ (ب) يتعيّن أن يبدأ السلام بوقف العدائيات في المنطقتين ودارفور ويتبع ذلك إتاحة وصول المساعدات للسكّان المحتاجين في تلك المناطق؛ (ج) مخاطبة أسباب النزاع الجذرية بتناول القضايا السياسية، والتنفيذية، والتشريعية الهامة؛ (د) الترتيبات الأمنية لإنهاء الحرب بشكلٍ نهائي.
ما يجدر ذكره بأنّ الخرطوم ماجت غضباً عندّما طالبت المنطقتان بالحكم الذّاتي، فهذه القضية ليست جديدة، فقد تم تضمينها في البرتوكول الخامس وربّما يتفاعل بعضهم مع الشائعات وليس الحقائق الدّامغة، والحقيقة أنّ المنطقتين خلال الفترة الانتقالية التي إمتدت لستة سنوات تمتعتا بالحكم الذاتي – طالع الإختصاصات والسلطات التي تختلف عن إختصاصات وسلطات بقية الولايات في السودان، فالحكم الذاتي ليس رديفاً للإنفصال كما يحلو للبعض أن يروجو، فهذه محض دعاية، فموقنا يتمثّل في المطالبة بالحكم الذّاتي ضمن السودان الموحّد وأطمئنكم يا رفاق بأنّ المسألة مقدور عليها.
وقد عمل تحالف الجبهة الثورية السودانية والذي تُعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان عضواً أصيلاً فيه بالشراكة مع الآخرين على خلق البيئة المناسبة لهذا الحل الشامل وقد بدأ ذلك بتكوين الجبهة الثورية السودانية نفسها كمؤسسة سياسية سودانية وتبع ذلك التفاعل مع أحزاب وقوى المعارضة السودانية، وقد أنجزنا سوياً مذكرات تفاهم، فضلاً عن نداء السّودان الذي يقبع الذين وقّعوا عليه في السجون حسب علمنا (الأستاذ فاروق أبو عيسى، الدكتور أمين مكي مدني، الدكتور فرح عقار، وسابقهم الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق الذي أطاح به نفس النظام، إبراهيم الشيخ، و (394) من أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال يقبعون في السجون وقد حوكم (18) منهم بالإعدام في إنتظار تنفيذ الحكم، كما قُضي على (18) منهم بأحكام متطاولة بالسجن. ورسالتنا للخرطوم ألا يزيدوا من جرائم ضد الإنسانية.
للخرطوم موقف مختلف، فهي تصر على أشكال مختلفة من الحلول الجزئية، دارفور في الدّوحة، والحركة الشعبية لتحرير السودان في أديس أبابا لمناقشة مشكلة ما يُعرف بالمنطقتين، ويعرفون تماماً بأنّ هذا النهج قد جُرّب وفشل، فالسلام ليس من أجندة الخرطوم ولكنّها تفاوض من أجل إستسلامنا الذي نرفض أن نقبله وسنستمر في رفض أيّ إستسلام. الخرطوم ترغب في مناقشة الترتيبات الأمنية ونزع السلاح دون مخاطبة قضايا النزاع، وهذا ما لا نسمح بحدوثه، والخرطوم تؤمن بالحل العسكري وهذا ما سنفشله.
رسالتي لكم أيها الصحاب، ورفقاء السلاح أنّ دعاية الخرطوم دأبت تمطرنا وشعبنا بمجرد أكاذيب حيث يقولون أنّهم يولون إهتمامهم للمنطتقين وأنّهم حريصون على السلام، وقد سعوا بكل جهدهم للتشكيك في مصداقية قيادة الحركة إزاء السلام، فهم بصدد أجندة مختلفة، لم يكن ذلك سوى مجرد أكاذيب ودعاية فارغة، وفي بعض المواقف لا يعدو أن يكون موقفهم صبياني ومضحك عندما يتحدّثون عن التآمر الإسرائيلي والأمريكي. حقيقةً أننا نعمل من أجل السلام كما ذكرت سابقاً، وستستمر الخرطوم في دعايتها لإستمالة رفاقنا من ذوي الرؤية القصيرة للرقص على إيقاعها ولكن الحقيقة ستسود في نهاية المطاف.
أهنيء وفدنا المفاوض تحت قيادة السكرتير العام للعمل الذي قاموا به، وقد تعرّضوا لضغوط هائلة داخلياً وخارجياً لا حد لها، وما زالت الصعاب في مستقبل الأيام، وإن وفدكم مدرك تماما لالاعيب الخرطوم ، ثقوا بان وفد الحركة تحت أي من الأحوال لن يوقع علي إتفاق وسلام مذل، على صعيد رئيس وفريق الآلية الأفريقية رفيعة المستوى المعنية بالتنفيذ، نمتدح الجهود التي تم بذلها رغم أنّ التقدّم المحرز كان دون مستوى التوقعات، ولكن بالرّغم من ذلك فتأكيدنا بأنّه حينما يتم تجاهل إسهامات أحزاب قوى المعارضة ممثّلة في (إعادة هيكلة الدولة السودانية، الفجر الجديد، إعلان باريس، إعلان أديس أبابا، وموخّراً نداء السودان) سيمهّد ذلك الطريق لإحباط هذه الجهود وإزاحتها من الغرض الذي خُلقت من أجله وهو (تحقيق السلام الشامل).
المواطنون الأعزاء؛
من اللزام علينا أن نثي على إسهامات موقّعي الفجر الجديد الذين واجهوا بطش حكومة الخرطوم وتعرّضوا للسجن دون أن أيّ تُهم أو محاكمات ولكن أفلحت أجهزة النظام الإعلامية في دمغهم بلا حياء بالخونة والمبيوعين، وهي نفس القوى السياسية التي أججّت إنتفاضة سبتمبر والتي قام جهاز الأمن على قمعها بشكلٍ وحشي، ولكن ذكراهم ستظل خالدة لدى أيٍّ من الناس الذين يكتبون فصلاً في السياسة والنضال السوداني.
وتمثّن قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان هذه الإسهامات كما ينبغي، ولم لا؟ فهؤلاء الأبطال الذين سُجنوا وما زالوا يقبعون في السجون كان ذلك من أجل الكرامة الإنسانية كما أسلفت.
التجلّة والإكبار للرموز السودانية الذين تصدوا لهذا النظام ومنهم الإمام الصادق المهدي ولولاه لما تحقّق إعلان باريس وإعلان أديس أبابا ونداء السودان، والمناضل إبراهيم الشيخ، والراحل المقيم محجوب شريف الذي كان سلاحه الكلمة التي زانت جمال المقاومة، والراحل محمد وردي الصوت والنغم الذي صدح ضد الدكتاتوريات منذ الستينات وواجه كلّ دكتاتوري السودان وعانى ما عانى على أياديهم، ولا يفوتني قبل أن أختم رسالتي هذه أن أشير إلى القلم الرصين ممثّلاً في عثمان ميرغني وقد تناول في كتاباته إمبراطورية الفساد وفضح وجهها القبيح ، ورفاقه الاستاذ سيف الدولة حمدنالله و الاستاذ عمر القراي ، كما لا يفوتني أن أنسى إسهامات لبني حسين ومريم أبرار وقد تصديهن وأخريات لبطش وقهر النظام وعانين ما عانين جراء مواقفهن الصلبة والصائبة، كما نحيّ المنظّمات الشبابية والحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني التي يقبع قياداتها في السجون، كما نحيّ المنظّمات الوطنية، والإقليمية، والدّولية، والرموز كالدكتور موكيش كابيلا، والدكتورة عائشة البصري، والقس كازيتو،إستير سبراغ، وريان بويت، والأسقف مكرم لمساندتهم لقضية الشعب السوداني.
كما تثمّن قيادة الحركة الشعبية جهود رفقاء النضال في شخص الأستاذ علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة في مساعيهم إزاء تغيير النظام.
المواطنون الأعزاء ورفقاء السلاح؛
أتمنى لكم جميعاً عاماً حافلاً بالرّخاء..
الحركة الشعبية لتحرير السودان.. أو ييه..
الجيش الشعبي لتحرير السودن.. أو ييه..
الجبهة الثورية السودانية .. أو ييه…
عن قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال
مالك أقار إير
رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في الأربعاء ديسمبر 23, 2015 9:44 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

البيان الذي سأعيد نشره عقب هذا التنويه مباشرةً كتبه حَمَّاد آدم حَمَّاد عام ٢٠١٣، حينما كان رئيساً للمجلس السياسي الإنتقالي، ورئيساً للحركة الشعبية لتحرير السودان بولاية النيل الأبيض، وعضواً في المجلس القيادي الذي تكون بعد إستفتاء جنوب السودان. ويُعْتَبَر حَمَّاد الشخص الوحيد من العسكريين السابقين الذي كان - إلى جانب القيادة الثلاثية، المكوَّنَة من مالك أقار، عبد العزيز الحلو وياسر عرمان - عضواً في القيادة. غير أن القيادة الثلاثية قامت لاحقاً بحلِّ جميع الهياكل التنظيمية السياسية للحركة فيما عدا مجلس التحرير القومي.




الحركة الشعبية لتحرير السودان
المجلس السياسي الانتقالي
رداً على بيان الرفيق الامين العام للحركة الشعبية فبراير 2013




منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في نيفاشا 2005م، دخلت بلادنا مرحلة جديدة من الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي، وقد أعلن د.جون قرنق إن هذه الاتفاقية لخصت محصلة لا متناهية من صراع الشعب السوداني خلال قرن كامل من التهميش والتغييب، وان الحركة الشعبية بتوقيعها لهذه الاتفاقية قد عقدت العزم لانزالها لأرض الواقع كإستحقاق تاريخي للشعب السوداني، وأوضح ان السودان الان لم يكن كما كان في الماضي.
إن الوفاة المفاجئة لمؤسس الحركة وقائدها الدكتور جون قرنق، قد احدثت ربكة فكرية وتنظيمية لدى قيادة الحركة مما نتج عنه عدم تطبيق الاتفاقية على ارض الواقع، وصاحب ذلك الصعود المفاجئ لبعض القيادات على رأس الهرم القيادي، وانشغالها بتنفيذ أجندتها الخاصة بعيداً عن رؤى الحركة وجوهر الاتفاقية. بل جعلت تنفيذ الاتفاقية ثنائياً بين شريكين، وأبعدت القوى السياسية الفاعلة عن المشاركة، ومن ثم جعل بنود الاتفاقية فاعلة في حياة المواطن السوداني، حتى تساهم في خلق جو من السلام المستدام وتقريب وجهات النظر حول قضايا الوحدة الوطنية والتنمية، لتكون القوى السياسية السودانية صمام أمان لتنفيذ الاتفاقية.
هذه السياسة حفزت المؤتمر الوطني للرجوع والانتكاس عن تنفيذ الاتفاقية بالاتي:
1. افرغ المؤتمر الوطني الاتفاقية من محتواها، وحصرها في برتكولي السلطة والثروة، والمناطق الثلاثة في جنوب كردفان، والنيل الازرق، وأبيي، ومسألة الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان.
2. عزل الحركة الشعبية عن القوى السياسية الفاعلة في الشمال، مما ترتب عليه تغاضي متعمد عن القضايا الأساسية، والتي كان بالامكان معالجتها، وكان من الممكن ان تساهم في توسيع قاعدة الحركة الشعبية، بجذب الكادر النوعي ممثلاً في القوى الحديثة الديمقراطية، والمنتجة للفكر والابداع.
وتمثلت هذه القضايا ايضاً في الآتي:
1. إعادة الحياة لمشروعات الجزيرة والمناقل والحصاحيصا، ومشاريع النيل الابيض والازرق، ومؤسسة حلفا الزراعية .
2. إعادة بناء البنيات الأساسية للمشاريع التالية: السكة حديد، النقل (النهري – البحري – الجوي) ، المدابغ الحكومية، الخدمة المدنية،القوات النظامية، قطاع الاتصالات، والبترول.
3. اعادة المفصولين سياسياً وتعسفياً من الخدمة المدنية والعسكرية، واسترداد حقوقهم المادية والادبية، ومعالجة قضايا المعاشيين ومشكلة العطالة.
4. تسيس الخدمة المدنية والعسكرية، والخدمات الصحية والتعليمية.
5. اعادة النظر في المناهج الدراسية بتكوين هيئة من ذوي الخبرة من التربويين، لاعادة الحياة لمعهد بخت الرضا معالجة إشكالاته.
6. تنمية الريف ومناطق الانتاج مع مراعاة المناطق الاكثر تخلفاً .
7. الهوية السودانية المسكوت عنها، ومؤسسات الاعلام المرئي والمسموع.
هذه القضايا لم يتم تناولها، ولم تكن يوماً في اجندة الاجتماع بين الشريكين، عليه فإن طرح هذه القضايا للنقاش يحرك ساكن كل الديمقراطيين والمبدعين، والعشرات من اهل الفكر والبحث والتنوير، للاصطفاف خلف هذه المطالب، وتكوين جبهة عريضة من خيرة ابناء السودان، تساهم في جعل برنامج الحركة الشعبية جاذباً.
لقد استقبل الشعب السوداني الحركة الشعبية ممثلة في قائدها التاريخي الدكتور جون قرنق كمخلص من نير واستبداد المؤتمر الوطني، فتدافع بالالاف لنيل عضوية الحركة الشعبية، وكلٌ يحمل مساهمته في مجال تخصصه. الا اننا عملنا على تمكين مجموعة من الانفصاليين في قيادة هيكلة قطاع الشمال، فمارس هولاء الاقصاء والتهميش عن قصد، وتم ابعاد الكادر المستنير، وكأن الحركة ملك لأبناء جهة ما، ورسخ هؤلاء فكرة ان التهميش مقصود به ابناء مناطق بعينها دون المناطق الأخرى، في اختزال مخل بالخطاب السياسي والفكري للحركة الشعبية.
في خضم الصراع مع المؤتمر الوطني – الذي اختزل الاتفاقية كما اشرنا سابقاً- مرر الانفصاليون قانون الامن الوطني والمخابرات، وتكوين اللجنة العليا للانتخابات، قانون الانتخابات الرجعي، والتعداد السكاني، تقسيم الدوائر الانتخابية، والابقاء على قانون الصحافة والمطبوعات، القوانين المقيدة للحريات جميعها دون التشاور مع القوى السياسية السودانية ومتجاوزين الرأي العام. وكما تنازل الانفصاليون عن كل شيء مقابل الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان. وحدثت جميعها في اتفاقيات ثنائية مع المؤتمر الوطني.!
صاحب كل ذلك بناء تنظيمي للحركة الشعبية اتسم بالكرنفالي، ففي احتفال اليوم الختامي لمؤتمر الولاية تحضر قيادة الحركة وتحت شعار توطين الحركة الشعبية، الا انه حتى هذا التوطين لم يأخذ حقه من النقاش والحوار للوصول لرؤية موحدة وواضحة حول مفهوم التوطين، هل هو جهوي؟ أم حسب نسبة المجموعات الاثنية في الولاية!.
في اعتقادنا نحن في الداخل بالامكان معالجة هذه المشاكل، التي خلقت مناخاً غير ملائم، لطرح برامج ورؤى الحركة السياسية والاجتماعية، بعيداً عن تقسيم الحركة إلى حركة في المناطق المحررة، حركة في المهجر، وحركة في مناطق سيطرة المؤتمر الوطني.
هذا الاعلان غير موفق، ولا يعكس حرص القيادة على وحدة الحركة الشعبية الفكرية والسياسية والتنظيمية، وان تتخلى طواعية دون ضغوط عن رؤاها المركزية لبناء السودان الجديد، وإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة، تقبل طواعية على الوحدة، وإعداد برامج قادرة على إدارة التنوع الاثني والثقافي والديني الذي يتميز به السودان. ومثل هذه الرؤى لا يمكن لها ان تتحق الا في ظل وجود حزب واحد يتعامل مع ظروفه الموضوعية سواء في مهجر، أو في المناطق المحررة، أو في بقية بقاع السودان.
الحركة اشعبية في دول المهجر:
هناك حيث القيادة والامكانيات المالية، والعلاقات الدولية والإقليمية، وسهولة الحركة والاتصال بقضايا الامداد وحشد الامكانيات لتمكين مجموعة محددة من تقرير مصير الحركة الشعبية وإدارتها وفق أجندتها السابقة، وانتهاج اساليب الاقصاء والتهميش المتعمد لكادر الحركة. هذه المجموعة تركت البلاد دون مواجهة مع النظام، ولم تقم بالاجراءات اللازمة لترتيب الاوضاع التنظيمية والادارية للحزب، وتزرعت بدواعي لا تليق بثوري وهب حياته لقضية اسقاط النظام سواء كان ذلك عن طريق تحالف سياسي مع قوى سياسية أخرى، أو الحركة الشعبية منفردة أو عبر الانتخابات لتطبيق برنامج السودان الجديد.

الحركة الشعبية في المناطق المحررة:
وهي موجودة منذ زمن طويل، ليس لها علاقة بهذه الحرب الدائرة الآن، وهم مقيمين باعتبار ان هذه أراضيهم التي قررت قبل اتفاقية السلام الشامل، وفق بروتوكول خاص بها، وهو جند دولي واقليمي ووطني لا يحتاج لاعلان أو اعتراف المؤتمر الوطني.
ومن الممكن تسوية قضية المنطقتين بمعزل تام عن (المهجر)، أو في المناطق التي تحت سيطرة المؤتمر الوطني، ولا بد من القول ان لا مساومة فيما يتعلق بتنفيذ برنامج المشورة الشعبية في المنطقتين، كأصل وحق طبيعي من حقوق اتفاقية السلام الشامل.
الحركة في مناطق سيطرة المؤتمر الوطني:
التحية لجنود وضباط صف، وضباط الجيش الشعبي لتحرير السودان، والمجد لشهدائنا وعاجل الشفاء لجرحانا، والتحية للالاف من العجزة والاطفال والنساء الذين يكابدون شظف العيش ووحشة النزوح، والتحية للمجتمع الدولي والمنظمات الطوعية، وللاقلام الجريئة في الخرطوم من اصدقاء الحركة من اعلاميين وصحفيين وقطاعات الشباب والطلاب، ولأهلنا المشفقين علينا والمريدين وللشعب السوداني الذي يحلم بوجود الحركة الشعبية ماثلة أمامهم تملأ الساحات حضوراً وزخماً سياسياً.
نحن في الداخل، ماذا علينا أن نعمل؟
ما هو التنظيم الذي يستوعبنا؟ وما هي الواجهة التي نحتمي خلفها؟ هل هو المؤتمر الوطني!!! أم ان تعود عضوية الحركة لوضعها قبل الانتماء للحركة؟ ومن لم يكن حزبياً في السابق، أين يذهب؟!
تحدث بيان القيادة عن واجهات للحركة في الداخل من صنيعة المؤتمر الوطني، فكان من الاحرى الاشارة لها بالاسم، حتى لا تعمى بصيرة أعضاء الحركة الشعبية والرأي العام السوداني- تحديد هذه الواجهات – سيعكس حرص قيادة الحركة على الالمام والمتابعة بكل تفاصيل ما يدور في داخل الوطن.
عليه، هنالك تنظيم الحركة الشعبية جناح السلام بقيادة دانيال كودي وهو مفصول من الحركة الشعبية منذ العام 2009م ، أما حزب العدالة والتنمية فلا علاقة له باسم الحركة الشعبية، وقد قدمنا طعناً لدى مسجل شؤون الاحزاب، والطعن موجه لمن يود ان يسرق اسم الحركة حاضراً أو مستقبلاً.
نحن المدافعون عن برنامج وفكر ونهج الحركة الشعبية لتحرير السودان، والذين وجدوا انفسهم امام اسئلة تبدو الاجابة عليها سهلة وممكنة، الا انها بعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعيشه جماهير الحركة الشعبية. فعند اندلاع القتال في النيل الازرق، وأن المؤتمر الوطني وبعض القوى التقليدية وجدت الحل بالقضاء التام على الحركة الشعبية واقتلاعها من جذورها عسكرياً، في مناطق العمليات، وسياسياً وتنظيمياً عبر آلياتها الامنية وشبكاتها في المدن والارياف. وقد صاحب ذلك إدعاء بتفكيك ونقض برنامج السودان الجديد وربطه بالحرب والارتهان للاخر. وتزاحم فيض من الاسئلة كان من المفترض على قيادة الحركة الشعبية ان تبادر بالاجابة عليها ( الحرب – السلام – ربط الحركة بتنفيذ أجندة أجنبية).
نحن أعضاء الحركة الشعبية وفي تلك الظروف اصدرنا بيان باسم مبادرة الحل السلمي الديمقراطي، لتكون مظلة لحماية أعضاء الحركة من الاعتقال والملاحقة، وتطورت هذه المبادرة بفعل الحراك السياسي إلى تجميع أعضاء مجلس التحرير القومي للانعقاد، والاجابة على الاسئلة السابقة، وفك الارتباط بالجنوب، واسم الحركة والشعار والعلم وقيادة الحزب.
وقد عقدنا اجتماعات بوفد الحكومة المفاوض، وتقدمنا لرئيس الالية الافريقية الرفيعة تامبو أمبيكي بمذكرة تتعلق برؤيتنا للتفاوض ووقف العدائيات، وبالتالي الحرب في المنطقتين، وايصال المساعدات الانسانية والغذائية. كما عقدنا عدة لقاءات مع القوى السياسية والمجتمع الدولي عبر ممثليه في الخرطوم، والان نحن نعمل بكل جهد وجدية ممكنة لتوفيق أوضاع الحزب لدى مسجل شئون الاحزاب.
هذه محصلة الجهود التي بذلها الرفاق في الداخل، وهي رسالتنا للقيادة لتعلم ماذا يدور في داخل الوطن، دون الاستماع إلى الاكاذيب والادعاءات الباطلة بأن الحركة غير موجودة، وان جميع الذين لم يخرجوا من السودان، صاروا أعضاء في حزب المؤتمر الوطني، وهو كذب صريح وإدعاء لا بينة له. على القيادة ان ترسل شخصاً نثق فيه لينقل الخبر كما هو، والتنسيق في جميع القضايا الماثلة أمامنا بعيداً عن التقديرات الذاتية، والتقارير الكاذبة في الحزب والتنظيم. العلاقة مع القوى السياسية وعدم ربط تطور الحركة الشعبية بانتائج الحرب.
نحن حزب قادر على هزيمة حرب المؤتمر الوطني في المنطقتين، والتحالف مع القوى السياسية الأخرى المعارضة لاسقاطه في بقية السودان، وهو الطريق الوحيد لايقاف الحروب في دولة السودان، والان الظرف متاح أكثر من أي وقت مضى لاسقاط هذا النظام، وفتح الباب امام التطور السلمي الديمقراطي للعمل السياسي في السودان.
ان استمرار الحرب في المنطقتين، وإطالة أمدها بعد تكوين الجبهة الثورية، يبعد أكثر فأكثر قيادة هاتين المنطقتين عن قومية القضايا، وحلها عبر مشروع وطني يشمل جميع السودان، ويعبر عن مشروع السودان الجديد، وإعادة بناء الدولة السودانية الحديثة. ويدخل هؤلاء القادة في قضايا إقليمية بحتة تتنكر لوحدة السودان، وهو طرح ناتج عن العزلة السياسية التي تحيط بهم، ولا وجود لحسم عسكري، أو حل سلمي تفاوضي في الافق، وحتى الجهر علناً بحق تقرير المصير، أو الانضمام لدولة أخرى.
إن التاريخ لا يرحم. فهنالك وسائل كثيرة أخرى لنيل الحقوق، والقضاء على التهميش الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، واقامة التنمية المتوازنة ، والاعتراف بالاخر، والقضاء على الاستعلاء الديني والعرقي، والثقافي، ونبذ العنف وتكريس هيمنة المركز، وكل ذلك يمكن ان يتم بدون الخوض في الحرب.
لا بد من بناء الحركة الشعبية على أسس جديدة، وقبل ذلك ان تقدم الحركة الشعبية نقداً وبكل جرأة لنشاطها منذ توقيع الاتفاقية في 2005م، في الجانب السياسي وحول علاقة الحركة بقضايا الإنسان في الشمال، ومجمل أحتياجاته الاقتصادية والاجتماعية. عدم الاهتمام أو الالتفات لها ( كما ذكر اعلاه)، وعلاقة الحركة الشعبية المتأرجحة بالقوى السياسية والتعامل الاستعلائي معها.
في مستوى التنظيم:
ان الاقصاء والتهميش المتعمد للكادر النوعي من الديمقراطيين الثوريين من ارتريا إلى الخرطوم، وعدم استيعاب أعضاء التحالف والمجموعات المعارضة، وحصر المكاتب التنفيذية في الانفصاليين، ومجموعات المصالح الذاتية المشتركة، الذين لا يعنيهم أي تحول ديمقراطي عميق، لكنس كل القوانين المقيدة للنشاط السياسي والاجتماعي والبحث العلمي، ولا يحافظ على وحدة الوطن.
العمل الجماهيري:
لقد انحصر نشاط الحركة الشعبية السابق في الاحتفالات والمهرجانات، وقد بددت وأهدرت القيادة أموال الحركة الشعبية على مجمل هذه النشاطات، دون إهتمام حقيقي ببناء الحركة الشعبية بالصورة التي كان بإمكانها استيعاب المد الجماهيري العريض الذي يطرق أبوابها كل يوم، وكانت الطامة الكبرى حول المشاركة في الانتخابات العامة. وابتعاد اللجنة الاستراتيجية العليا للانتخابات عن كل ما يتعلق بولايات الشمال، وإنعدام الميزانية، واغفال إمكانية بناء تحالف استراتيجي مع بعض القوى السياسية لخوض الانتخابات، ولكن وئد حلم الامل والتغيير بمقاطعة الانتخابات وسحب مرشحي الحركة الشعبية، دون تقديم تبرير مقنع لعضوية الحركة الشعبية التي انتظرت هذا الامل طويلاً ، ولا لجماهير الشعب السوداني التي راهنت على فوز الحركة الشعبية للفوز في هذه الانتخابات ولو بنسبة أقل من التوقعات ، ولا القوى السياسية، ولا لأصدقاء الحركة في الخارج.
ان رصيد الحركة الشعبية الجماهيري موجود وفاعل، فقط مطلوب فتح آفاق أوسع للحوار في انجع السبل لاعادة الحياة إلى هياكلها، واستعادة ثقة الشعب السوداني مجدداً، دون اللجوء للحرب والخارج، وإدارة المعركة ضد المؤتمر الوطني، عبر وسائل اثبتت التجربة محدودية نجاحها، وتعتبر حلول جزئية تطيل من عمر النظام، وتزيد من بؤس وشقاء الجماهير.
ان ارض المعركة هنا في الداخل، مركز الفعل السياسي وحيث الجماهير العاملة، والموظفين والكادحين في الارياف والمزارعين والرعاة، بالتعامل مع مختلف القوى السياسية مهما كان وزنها. ان التوافق حول هذه النقاط يفتح الباب واسعاً من اجل بناء تحالف للقوى السياسية لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والفعل اليومي من أجل التغيير لاسقاط هذا النظام باعتباره العقبة الوحيدة في سبيل التطور السلمي الديمقراطي للحياة السياسية في السودان.
إن العنف لا يولد الا العنف، ولا يترك مساحة للفكر ولا يقدم أي إجابات للاسئلة التي تدور في عقل الإنسان السوداني. لماذا تلجأ الحركة الشعبية لرفع السلاح والتلويح بالحرب أو اللجوء للوساطة في كل منعطف أو إختلاف مع السلطة.
حماد آدم حماد
رئيس المجلس السياسي الانتقالي
الحركة الشعبية لتحرير السودان
الخرطوم سبتمبر 2013
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

الى حين عودة أخرى الى محور الوثائق، نعود لمواصلة نشر ما ورد من ردود على الاستطلاع. فيما يلي رؤية موسى أحمد مروّح:






صورة






موسى أحمد مروّح:

على الحركة الشعبية مراجعة فلسفتها السياسية ووسائلها لإحداث التغيير لأن الزمن تجاوزها





الأزمة الحالية داخل الحركة هي في تقديري أزمة قيادة في ظاهرها فقط، ولكنها في أساسها أزمة توجُّه سياسي عفا عليه الزمن. الحركة الشعبية عجزت فكرياً عن تجاوز ما أتت لمحاربته من جهوية وعنصرية وديكتاتورية، وأصبحت هي نفسها نموذجاً عسكرياً جهوياً غير ديمقراطي تُمارس بعضاً مما تدعو الناس لنبذه.

اختارت الحركة الشعبية، في مجمل جهدها السياسي، طريق التغيير المسلح، وهذا في نظري خطأ استراتيجي مزدوج. فهو أولاً ينم عن تقدير غير واقعي لقدراتها العسكرية، وبالتالي قدرتها على تحقيق هدفها بهذه الوسيلة التي اختارتها، وهكذا فإنها أعطت خصمها وسيلته المفضلة لمواجهتها، وهي السلاح والجيوش العلنية والسرية التي تديرها دولة وتنفق عليها أغلب أموال السودان. فقدت الحركة بهذا الخيار السياسي موقفها الأخلاقي القوي كمدافع عن المهمشين أمام خصمها غير الأخلاقي وذلك عبر تبنيها لوسائله، ففقدت بذلك تعاطف الناس معها.

كذلك فإن أدبيات الحركة تنفّر عنها، في ظني، الكثير من الناس، وعلي الحركة تبنِّي أدب سياسي جديد وفتْح نفسها عبر هذا الأدب والفكر الجديدين على غير اليساريين من السودانيين حتى ترفد نفسها فكرياً وتوسّع التعاطف معها وسط الشعب السوداني. إذا كان اسمك لا يزال "حركة" وصفتك "شعبية" و"ثورية" ويقودك "رفاق" يمتشقون بنادقهم، فستترك بالضرورة انطباعاً لدى الكثير من الناس في السودان وحول العالم بأنك تستند إلى فكرٍ تجاوزه الزمن السياسي الذي نعيش فيه الآن.

فيما يتعلق بالتوجه السياسي، أرى أنه على الحركة الشعبية التخلي عن هدف التغيير عبر الثورة الحمراء لأنها وسيلة دموية، إقصائية، غير ديمقراطية، وعاطلة إبداعياً (لإنها تقضي على الأخضر واليابس) واستبدالها بوسيلة الثورة البيضاء الذكية المدرَّبة المدنية المتعالية أخلاقياً على خصمها (لأنها تقضي على اليابس وحده وتُبقي على الأخضر). هذا يعني ضمن ما يعني تبني وسائل اللاعنف وقبول القيادة العسكرية في الحركة بأخذ عملية اتخاذ القرار منها وإيكالها بالانتخاب إلى مدنيين مسنودين عسكرياً، لأن ذلك هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن تكون عليه الحياة السياسية الصحيحة في المستقبل. وعلى كوادر الحركة من عسكريين ومدنيين أن تبدأ في ممارسة الديمقراطية المدنية الآن قبل "التحرير" حتى لا تجتر تجربة رفقائها في الجنوب، وحتى تسهّل على نفسها مخاض الانتقال إلى الحياة المدنية حينما يأتي وقتها.

تظل فكرة السودان الجديد العلماني المرتكزة على المواطنة من أفضل ما تبنته الحركة الشعبية في مجال الأدب السياسي السوداني. لكننا سئمنا الأنبياء الكاذبين.



موسى أحمد مروّح
شاعر وباحث
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وهذه مساهمة من الخبير الإقتصادي معتصم أقْرَع:



صورة




معتصم أقْرَع:

القرنقية بلا قرنق: الحركة الشعبية - شمال في متاهتها





لا أعتقد أن مخاضات الحركة الشعبية الأخيرة عبارة عن خلافات إدارية معزولة وحسب، إذ أن المسألة أعمق من ذلك، فهي تعبير عن أزمات بنيوية في جسد الحركة كان لابد لها من الإنفجار بشكل أو بآخر عاجلاً أم آجلاً.
إنَّ إحالة مقاتلين (ثوريين) للمعاش لهو أمر ملفت للنظر وربما كانت تلك الإحالة إسهام مُتفَرّد من الحركة الشعبية –شمال في أدبيات الثورة والنضال التحرري على مستوي العالم. فـالمحارب من أجل الحرية والعدالة لا يحال للمعاش أبداً؛ فهو ليس موظفاً صغيراً مأجوراً في دولاب دولة بيروقراطية، ولكنه ربما يتنحي طوعاً أو يغيّر من طبيعة مساهمته في مسيرة الثورة بمحض إختياره .أما إذا خان المحارب القضية أو التنظيم فإنه يُفصَل وتُقَدَّم أسباب الفصل للشعب علناً حتى تحافظ الحركة الثورية على مصداقيتها وتبعد عن نفسها شبهة الدكتاتورية والغطرسة وخصي رجالها عبر آليات العطاء والمنع والطرد من الخدمة كأدوات ترويض وتكميم لأفواه تجد صعوبة في الطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر العليا من غير نقاش.
رغم أن قرار الإحالة للمعاش قد يكون صادماً إلا أنه ليس مفاجئاً تماماً. فنظرة سريعة لهيكل قيادة الحركة تشير لبنية تراتبية لجيش تقليدي حتى النخاع، يقوده فريق ولواءات ورتب أخرى. هذه التراتبية التقليدية غير معهودة في حركات التحرر المعروفة تاريخياً . فلم نسمع في ماضيها بالفريق مانديلا ولا الفيلد مارشال جيفارا ولا المشير لوممبا ولا العميد كرس هاني . صحيح أن لقب عقيد قد أُستُعْمِلَ في وصف جون قرنق ولكن ذلك كان إشارة لموقعه المهني في الجيش الحكومي قبل إعلان تأسيس الحركة .التراتبية والهرمية التقليدية التي تبنَّتها الحركة لم تكن خياراً تكتيكياً إنحصر في الشق العسكري فقط، فالشق السياس يعاني أيضاً من نفس السلطوية المركزية والتراتبية والتسلسل، حيث لا توجد عقول تصيغ مواقف الحركة وآدابها خارج قلة قليلة معروفة من الأفراد بينما ينحصر دور بقية العضوية والمناصرين من الخارج في المباركة والتأييد والدفاع والترويج لمواقف لم يساهموا في صياغتها أصلاً.
ربما كان لضيق دائرة صنع القرار والفعالية في الحركة جذور تعود لفترة ما بعد نيفاشا وربما قبل ذلك. قابل الشعب السوداني عودة الحركة الشعبية للخرطوم بعد التوقيع على إتفاق نيفاشا في 2005 بترحيب داوٍ وآمال عريضة بأن تملأ الحركة الفراغ الممتد في الساحة السياسية السودانية خارج الحركات الدينية والطائفية بأسمائها وتنظيماتها المختلفة . كانت هناك أعداد مهولة من بنات وأبناء الشمال مستعدة للإنخراط في الحركة الشعبية ومشروعها لبناء سودان جديد، ولكن الحركة لم تفعل شيئاً يذكر لاستيعاب هذه الجموع وتحويلها لكادر سياسي ثوري فاعل، وإنما إكتفت بالإستعانة بهم ككومبارس للتهليل والمباركة خارج دائرة المشاركة السياسية الحقيقية عالية الفعالية . فالملاحظ انه رغم التأييد الواسع الذي حظيت به الحرك في سودان ما بعد نيفاشا إلا أن قيادة وتمثيل الحركة ظلت محصورة بصورة مطلقة في نادي الأولاد القدامى وربما كان ذلك لقفل الطريق على أي منافسة محتملة. وهكذا تم تكريس ثقافة تفضيل أهل (الثقة (على أهل الفعل والإبداع حتى لو كانت إمكانيات أهل الثقة متواضعة وحتى لو ثبت عليهم فساد أو حامت حولهم شبهات. كان في إمكان الحركة أن تضرب مثلاً في الوطنية وتأسيس ثقافة حكم مغايرة بأن تختار لحصتها من الوزارات والمناصب الرفيعة مهنيين مقتدرين ذوو علم ومهمومون بقضايا الشعب حتى لو أتوا من خارج عضويتها ولكن الحركة فضلت أن تواصل في ثقافة المنصب العام كغنيمة أو كمكافأة لشخصيات مرْضِيٍّ عنها من الداخل حتى لو كانت هذه الشخصيات لا قدرة لها على إدارة شئون دولة عصية كالسودان. وهكذا كشفت الحركة عن جذور رهابها الثنائي ضد المثقف الوطني غير المنتمي لها وضد التمدد وسط الجماهير ككتل فاعلة .
كانت الحركة في جوهرها كل الوقت حركة سلطوية مبنية علي مركزية صارمة وحصر القرار في أيادٍ قليلة بناءً على توازنات قبلية. فمثلاً ريك مشار كان وما زال الرجل الثاني في الحركة وفي دولة الجنوب رغم مذابح 1991 التي إرتكبها والتي ربما كانت هي الأكثر دموية في تاريخ السودان ورغم إنضمامه لنظام البشير في تسعينات القرن الماضي . وكذلك فان سيلفا كير ليس أحكم أهل الجنوب ولا أفضلهم علماً ولا أكثرهم وطنية . كير ومشار وغيرهما إعتلوا سدة القيادة لأسباب وتوازنات قبلية؛ وهذا ينطبق على الحركة الشعبية –شمال. فالقلة من الأفراد الذين تقلَّدوا مناصب عليا خارج السند القبلي كانت الحركة في حاجة اليهم لأغراض تكتيكية كتسويق بضاعتها في الشمال والمحيط العربي .
قد يقول قائل إن المركزية والإنغلاق وإنعدام الديمقراطية والشفافية المالية داخل الحركة ضرورات أملتها طبيعة العمل المسلح والتربص والبطش العنيف من قبل الحكومة؛ ولكن الحركة لم تتخذ إجراءات مضادة لتقليل واحتواء الأمراض التي تصاحب هذه الاشكالات؛ بل إنها تبنت وأصرت على سياسات وإجراءات الغرض منها تكريس هيمنة دوائر ضيقة حتى لو على حساب تفاقم الإفرازات السلبية لضرورات لم يكن للحركة خيار في التكيف معها .
إذاً فإنه بغياب جون قرنق وسلطته المعنوية وكاريزميته الطاغية التي مكنته من إحتواء والسيطرة على تناقضات الحركة الشعبية العميقة وتياراتها التقليدية والرجعية، كان لا بد لتناقضات الحركة من أن تنفجر عاجلاً أم آجلاً وأن يظهر الوجه الذي حجبه وجوده الطاغي . ففي ظرف أقل من سنتين من تاريخ إستقلالها تحولت دولة الجنوب لكيلبتوقراطية كانبالية لخصتها الصحفية المقتدرة رشا عوض في خطابها لقادة الحركة الشعبية في الجنوب إثر إنفجار الصراع الدموي بين كير ومشار على أُسس قبلية :
(كل واحد منكم يعلم جيداً أن الخمر التي سيرتشفها في كرنفلات "السلام المزعوم" ممزوجة بدماء الأبرياء! وأن الشواء الذي سيلتهمه معد من لحوم أجسادهم النحيلة والمريضة والحساء الذي سيشربه تم إعداده من سلق الأطفال وأمهاتهم في ماء الجنوب الملوث الذي فشلتم في تنقيته! هنيئاً لكم قرمشة عظام أطفالكم وإحتساء دماء أهلكم وعشيرتكم ونهش لحومهم، وتناولها بالشوكة والسكين لا يهم) .
مخاضات الحركة الشعبية –شمال لا يمكن قراءتها بمعزل عن السجل المأسوي الكئيب للحركة – جنوب في إدارة دولة جنوب السودان، إذ أن مآلات الحركة في الحالتين ما هي إلا تعبير عن ظهور وعلو تيارات كانت دائما موجودة بقوة ولكن الحضور الساطع لقرنق بإمكانياته السياسية والقيادية الجبَّارة فرض على هذه التيارات أن تقبع في الخلفية أو الظل إنتظاراً ليومها تحت الشمس .ولكن هذا لا يعني إعفاء قرنق من بعض المسؤولية لأن هذه التيارات الغاشمة كانت موجودة في الحمض النووي للحركة في فترة حياته ولكنه إكتفى بالسيطرة على هذه التيارات المقلقة وتوجيهها بدلا عن مواجهتها و تصفيتها. كان قرنق بكل أخطاءه قائداً عظيما بل من أعظم القادة في تاريخ السودان؛ ولكنه لم يفعل ما يكفي لضمان نزاهة حركته إذا ما غيبه الموت أو المرض .وقد أصاب قرنق الحركة في مقتل حين غض النظر عن الضرورة الحاسمة لأن تطبق الحركة داخل جسمها الشعارات والمبادئ التي تدعو إليها على مستوي الوطن. فالتبشير بالديمقراطية يظل نعيقاً أجوف إذا لم تطبقه الحركة في عملها اليومي داخل أطرها التنظيمية؛ كما إن الهيمنة التاريخية لنخب إثنية لا يمكن محاربتها ببناء تنظيم سياسي يقوم على توازنات إثنية إستناداً على هرمية قبلية واضحة وضوح الشمس في كل توزيعات المناصب والمكافآت. كان من نتائج هذه الهرمية القبلية الجديدة أن سارع البعض إلى نبش جذور حقيقية أم مُتوَهَّمَة لأجداد وجِدَّات تربطهم جينياً بالأشراف الجدد كما ظلت الديمقراطية في أدبيات الحركة كما هي عند كل الأحزاب السودانية؛ فهي لعنة يتمنى كل تنظيم أن تصيب غيره وينجو هو من جميع تحدياتها ومستحقاتها.
ولكن دفاعاً عن قرنق، ربما كانت المشكلة ليست في فشله في تحصين الحركة ضد الإنحراف، فقد تكون المشكلة في عدم إستعداد عضوية الحركة والحركة السياسية السودانية عموماً لإستيعاب الرؤية القرنقية. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فهذا يشكك في حكمة تبنِّي العمل المسلح كخيار ووسيلة مشروعة لبناء مجتمع جديد؛ ذلك إن العمل المسلح محكوم عليه بالفشل مسبقاً في ظل بنية إجتماعية وبنية وعي غير مواتية بصورة حاسمة. فالشعب المسكين المغلوب على أمره لا تتم إستشارته أبداً في قرارات الحرب والسلام والصلح وتوزيع المغانم رغم أن هذا الشعب - ليس في الريف فحسب بل في المدن أيضاً - يتحمل تكلفة هذه الحروب الضروس التي إختارها وفرضها صفوة غير منتخَبة ولا مخولة بينما يحصد الآخرون أرباحها وأمجادها السياسية .
التعامل النقدي مع خط الحركة الشعبية الذي تبنته قياداتها لا ينفي أن الآلاف من الشباب قد إنخرطوا في صفوف الحركة بروح عالية من الوطنية والشجاعة والتجرد وبذلوا التضحيات الجسيمة من أجل أحلام نبيلة في بناء وطن ديمقراطي تتساوي فيه جميع الأعراق والأديان والأقاليم ويخرج بالسودان من كهوف الكهنوت الديني المظلمة إلى رحاب الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية الحديثة. إنحراف خط الحركة لا يقلل من بطولة وتضحيات هؤلاء العظام. من واجب الشعب إحترام هذه التضحيات ومن واجب قيادات الحركة أن تصحو من ثباتها لأن الثوري دائماً مهدد بـخطر أن يصير نسخة مطابقة لمن ولما ثار ضده. في السياسة، كما في الحياة عموماً، الثبات مستحيل فإمَّا أن تمضي الحركة إلى الأمام أوتنحدر إلى الخلف . فعلى الحركة الشعبية التقدم للأمام بأن تنفتح ديمقراطياً على عضويتها الوطنية الأمينة ثم تنفتح على كامل الشعب السوداني لا لتقوده فحسب، بل لتمهِّد له ليمسك زمام أمره بنفسه ليرسم مستقبله بنفسه.

معتصم أقْرَع
خبير إقتصادي

صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »



نعود لمواصلة محور الوثائق. الوثيقة التالية عبارة عن ورقة كتبها محمد يوسف أحمد المصطفى، عضو مجلس التحرير القومي للحركة، والأستاذ المشارك حالياً في قسم علم الإجتماع والأنثروبولوجيا الإجتماعية بجامعة الخرطوم:




صورة



أفكار أولية حول الحركة الشعبية وقضايا الحرب والسلام




تفجًُّر أعمال العنف والنشاطات الحربية الراهنة في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق ألقى على الواقع السياسي في بلادنا قدراً كبيراً من التعقيد والضبابية التي أصابت الكثير من الناس والدوائر السياسية والإجتماعية بحالة من البلبلة الناتجة عن إلتباسات التوجه والأفكار وتشوُّش الرؤية وغموض الحقائق. و لقد كان الجزء الأوفر من هذا الواقع البائس من نصيب عضوية الحركة الشعبية في قطاع الشمال وعلى مختلف مستويات الهيكل التنظيمي. ترادف ذلك مع غياب تام أو تغييب مُتَعَمَّد للحلقات القيادية بالقطاع.
ولهذا تكون المبادرة من أجل التصدي المسئول والمنضبط لبلورة رؤية واضحة المعالم حول الوضع السياسي الراهن شيئاً مطلوباً في حد ذاته ومرغوباً بإلحاح لآثاره السياسية الإيجابية في الظروف الماثلة. على الأقل فإن مثل تلك الرؤية من المأمول – تحت ظروف الغياب التام للقيادة المباشرة في قطاع الشمال – أن توفر لكوادر الحركة حداً أدنى من الوحدة الفكرية والإنسجام السياسي في الرأي والتوجه، وحدة تتأسس على التشاور الشامل والحوار المعمق والتوافق الواسع. وهذا، بلا ريب، يمهِّد الأرضية اللازمة للتماسك التنظيمي والتناغم الحركي الضرورتين للتقدم والثبات في خضم هذا الواقع السياسي المعقَّد.
ولعل أبرز ما يسبب البلبلة ويبعث على الحيرة وسط أعضاء الحركة تعرضهم المتواصل لعدد من التساؤلات المشروعة والمنطقية التي يحاصرهم بها الأعداء والأصدقاء على حد سواء. والشاهد في الأمر أن أغلبية كوادر الحركة لا تملك إجابات واضحة وقاطعة ومقنعة ومتفق عليها لتلك التساؤلات التي يتوجب التقرير بأن تلك الكوادر ينبغي ألا تتحمل الا القسط الأدنى من اللوم بسبب نشؤ هذه الحالة المكدرة. ولعل من أبرز تلك التساؤلات أو الإستفهامات المترابطة التالي:

1 / السؤال عن طبيعة الحرب الدائرة حالياً في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق!!؟
2 / السؤال عن النهج الصائب للخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و الإنسانية الترافقة مع والمترتبة على الإحتراب !!؟
3 / السؤال عن المصير المُنْتَظَر لكيان الحركة الشعبية كتنظيم سياسي ينشط في شمال السودان!!؟

و على الرغم من أن الإجابة على هذه الأسئلة قد تبدو للبعض في غاية السهولة إلا أنني أزعم أن لا إجابة سهلة ومباشرة على تلك الأسئلة، بل أن تعقيد الحالة الراهنة في البلاد قد أضفى مزيداً من الصعوبات التي لابد أن تعيق وتعقِّد أية محاولة للإجابة الناجزة التامة عليها. غير أن المسئولية، على كل حال، تقتضي التصدي لتلك الأسئلة ومحاولة اعطاء بعضٍ من الأفكار والتصوُّرات التي أرجو أن تساهم في ازالة بعض من الأوهام، وتصويب غيرها من الأفكار من خلال تحفيز الآخرين واستثارة ملكاتهم لرفد هذه المساهمة وتطويرها وانضاجها.

1. الحرب:

في تقديري ينبغي أن يتأسس موقف الحركة الشعبية في قطاع الشمال ازاء مسألة الحرب على القناعة المبدئية التي وفقاً لحيثياتها كان انضمام معظم إن لم يكن كل الأعضاء طوعياً للحركة، و انخراطهم في نضالها العنيد والنبيل من أجل سودان جديد يقوم على الاعتراف بحقائق التعدد والتباين بين مكوناته الإجتماعية والسياسية والثقافية والعرقية والدينية في اطار من المساواة والعدالة بينها وضمن شروط توفر الحريات والديمقراطية. هذا في تقدير الكثيرين من عضوية الحركة، إن تحقق سينفي تماماً الظروف المستدعية للإحتراب ويُمكن للتعايش السلمي بين كافة أبناء وبنات السودان، بحيث تضحى أية دعوة للعنف لا معنى لها ولا طائل من ورائها. أي أنه يتوجب على الحركة الشعبية – وفاءً لمبادئها وتمسكاً برؤيتها – أن ترفض بمبدئية وحزم الحرب وكافة أشكال استخدام العنف في الصراع السياسي خاصة المرتبط منه بدعوات الاستقطاب العرقي والجهوي، وتدعو بثبات، بل وتضغط بحزم من أجل اشاعة مناخات التنافس السلمي الخاضع كلية لمبادئ ومقتضيات التدافع الديمقراطي الحر في مناخ من التسامح والتفهُّم المتبادل بين كافة مكونات المجتمع السياسي السوداني.
ما تقدم لا يعني البتة التغافل عن الحيثيات والوقائع الملموسة التي أدت لنشوب الاقتتال. فالجميع يعلمون علم اليقين أن المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) قد خاضتا حرباً طويلة من أجل حمل الدولة المركزية على المعالجة الجدية لقضايا التخلف والتهميش وإزالة بؤر الغبن والاحساس بالضيم والظلم السائدة وسط الأهالي بتلك المناطق. و لقد تم الاعتراف الجهير والموثق بتلك المظالم وتمت صياغة المعالجات المناسبة لها في اتفاق محضور ومشهود و مبارك من قبل كافة القوى السياسية السودانية، و القوى الأقليمية والدولية (اتفاقية السلام الشامل- بروتوكول المنطقتين).
غير أن الجميع كذلك يدركون أن نصيب التنفيذ الفعلي على صعيد الواقع كان في غاية البؤس والشح، مما يعني التهيئة النشطة للإحتراب والعنف. في هذا السياق انفجر واقع الحرب البشع ومن حيثياته يستمد هذا الواقع أسباب استمراره وتمدده ولذلك فان الجدية في الدعوة لايقاف الحرب لابد أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسعي الجدي لتنفيذ ما ورد في تلك الاتفاقية على نحو يرضي الناس في المنطقتين خاصة ما يتصل بالتنمية بقدر يزيل المظاهر الرئيسة والبارزة للتخلف ويلجم وحش التهميش والاستبعاد. وهذا يؤمن لوطننا الكسب مرتين؛ مرة باجتثاث جذور الظلم والغبن ودفن أسباب الحرب والاقتتال، ومرة أخرى في بناء وتعمير أجزاء عزيزة من الوطن تذخر بالخيرات والموارد التي يمكن في حالة تنميتها أن تفيض على بيقة أرجاء السودان بالخير والنماء.

2. السلام:

السلام ونبذ العنف يكون منطقياً نتيجة مترتبة على الوقف الفعلي للنشاطات الحربية، وتلك الغاية لن تتحقق على أرض الواقع من دون التنفيذ الجدي والكامل لما جاء في الاتفاقية بخصوص المنطقتين. و غني عن القول أن عملية التنفيذ هي عملية في جوهرها عملية تراضي ديمقراطية سلمية ولا تستلزم أصلاً اللجؤ الى أية آلية من آليات العنف أو القهر أو الاكراه. والمدخل السليم والمناسب في تقديرنا – تحت الظروف الراهنة – هو بلا شك اتفاق أديس أبابا الاطاري وذلك للاعتبارات التالية:

1. هو بالقطع، وبحكم طبيعته الاطارية، ليس اتفاقا نهائياً في انتظار التنفيذ، وإنما مجرد توافق بين الطرفين على أجندة للحوار والتفاوض بهدف ارساء الآليات المناسبة والفعالة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه قبلياً في اتفاقية السلام الشامل. وعلى هذا النحو تتوفر لهذا الاتفاق الاطاري فرصة معقولة من القبول والحيوية بفضل موافقة الطرفين عليه ومهره بتوقيعاتهما. أي انه لا يوجد ثمة طرف قد يحس بأنه مساق قسراً لفعل أي شيئ خلافاً لارادته.
2. عبرت العديد من القوى السياسية الفاعلة على الساحة السودانية وغيرها من منظمات المجتمع المدني وصُنَّاع الرأي العام من الصحفيين والكتاب وقادة المجتمع عن تأييدهم المبدئي المتحمس لهذا الاتفاق، وهذا ما يوفر مناخاً ملائماً لحشد وتعبئة أوسع الشرائح في المجتمع السوداني تأييدا ومساندة للاتفاق بما يؤمن الزخم اللازم لتفعيل الاتفاق والسير قدماً في درب تطويره وتفعيل مفرداته على نحو يجلب الخير والسلام لوطننا ويدرأ الشر وبشاعة الحرب عن شعبنا.
3. توفرت و تتوفر لهذا الاتفاق مظلة جيدة من القبول والاستحسان الدولي والاقليمي بما يؤمن مساندة محايدة مطلوبة ومرغوبة من المجتمع الدولي ويبعث الطمأنينة في نفوس الأطراف المتوافقة و يعزز ثقتها في جدوى السير قدماً في العملية السياسية السلمية لمواجهة وحلحلة كافة القضايا العالقة بينها مخاطة ومسنودة بدعم وتعاطف المجتمع الدولي.

3. الحركة الشعبية:

بناءً على ما تقدم في الاعتبارين 1 و 2 أعلاه يكون من غير المقبول أو الملائم الحديث عن حظر نشاط الحركة الشعبية والغاء وجودها القانوني كمؤسسة سياسية. ولذلك فانه يتعين على كافة الأطراف وخاصة تلك الممسكة بأزمٌة الأمور في الدولة أن تغادر هذه المحطة وتستنكف نهائياً عن التلويح بمثل هذه الاشارات وذلك للأسباب التالية:

1. الحركة الشعبية في الشمال هي أحد أطراف الصراع وبالتالي أحد أطراف كافة الاتفاقيات والتفاهمات ومن العسير تصور أي تفعيل لتلك الاتفاقيات في غياب أو تغييب الحركة الشعبية، و بهذا الفهم يكون وجود الحركة الشعبية ضمانة للمضي قدماً في صناعة السلام والاستقرار في السودان.
2. الحركة الشعبية/قطاع الشمال (وهذا ينبغي فهمه على وجهه الصائب بكونه لا يتطابق تنظيمياً مع الحركة الشعبية بالشمال التي يُعتَزم أن تضم إلى جانبه تشكيلات الحركة الشعبية في ولايتيْ جنوب كردفان والنيل الأزرق) هذه الحركة ككيان سياسي يمارس نشاطه وفقاً لدستور السودان 2005 وباتساق مع منطوق القوانين السارية المنظمة للنشاط العام والسياسي على وجه الخصوص، ويصبح بموجب هذا أي حديث عن سلبها حقوقها الدستورية والقانونية حديث يفتقد الشرعية وتعوزه المبررات السياسية مما سيدفع عضوية الحركة للدفاع عن حقهم عبر الوسائل القانونية والسبل السياسية المتاحة.
3. المشاكل والاختلالات التنظيمية التي تعاني منها الحركة الشعبية/قطاع الشمال هي بالكامل شأن داخلي محض ويتعين على أعضاء الحركة المبادرة بمعالجتها وفقاً لأفضل تقاليد العمل الحزبي الممكنة. معالجة تؤمن تأهيل القطاع ليلعب دوره المرجو بكفاءة وفعالية تتناسب مع القدرات الكبيرة لعضويته. وفي نفس الوقت لابد من التأكيد على أن أية محاولة من خارج القطاع للاستفادة من الوضع التنظيمي المعلول أجندة معينة أيا كانت تلك الأجندة لن تصب في صالح عملية ايقاف الحرب وصناعة السلام التي ينبغي تكون المرام الأوحد في الظروف التي تجتازها بلادنا حالياً.

محمد يوسف أحمد المصطفى
10 سبتمبر 2011
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وهذه مساهمة، أو شهادة، من أسعد الطاهر محيي الدين، عضو مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال:






صورة




إلى أينَ تُسَاقُ الحركة الشعبية - شمال؟


كغيري من الرفاق الذين صمتوا كثيراُ في انتظار أن تنجح كل المحاولات الحثيثة من أجل دفع قيادة الحركة الشعبية - شمال لإنشاء مؤسسات فاعلة تقود عملية التغيير المنشود في السودان عن طريق مشروع السودان الجديد، والعدول عن مشروع تفكيك الحركة، ولكن العقلية المُتحَجِّرة والتآمرية للقيادة قد حالت دون ذلك (عندما أقول القيادة هنا أعني تحديداً الأمين العام للحركة الشعبية، ياسر عرمان)، بل وذهبت هذه القيادة إلى أبعد من ذلك باتخاذها للعديد من القرارات منذ العام 2010 وحتى الآن والتي أوشكت أن تنسف مشروع السودان الجديد الذي بات المهدد الأول (للمؤسسة العقيمة التي ظلت تحكم السودان منذ الاستقلال وحتى فقط باختلاف الأسماء) في السودان، أصبح من الواضح أن تلك المحاولات لم تنجح بسبب تعمُّد القيادة الواضح فى عدم إنشاء مؤسسات بل وتحطيم المؤسسات السابقة للحركة الشعبية؛ وهنا أقول إنه بطبيعة الحال يجب أن تُناقَش قضايا التنظيم داخل مؤسساته ولكن في حال عدم وجود هذه المؤسسات يصبح من الضروري على المهتمين بشان هذا التنظيم نقاش تلك القضايا عبر وسائل الإعلام لأنها الطريقة الوحيدة التي تدفع تلك القيادة للعدول عن ما تقوم به. لم أقصد بهذه المقدمة التبرير لما أقوم به وغيري من الرفاق ولكن للتوضيح.

أناأسعد الطاهر محيي الدين، لم أكن فقط أحد جماهير الحركة الشعبية ولا عضواً فقط بل عضواُ في مجلس التحرير القومى للحركة الشعبية لتحرير السودان، مُنتَخَب من داخل المؤتمر العام للحركة الشعبية فى العام 2008؛ بالاضافة للمهام التي كنت أتولاها داخل التنظيم بولاية جنوب دارفور، قدَّمتُ ما أستطيع للتنظيم لمدة 9 سنوات منذ خواتيم العام 2001 وحتى نهاية العام 2010 من خلال العمل داخل أروقة التنظيم الخاص بالطلاب والتدريب في الجيش الشعبي وأخيراً العمل في المؤسسات السياسية العامة قبل أن يتوقف نشاطى داخل مؤسسات الحركة بسبب عدم تكليفي من القيادة بأي مهام حتى الآن، أكثر من 353 ركن نقاش ومخاطبة وندوة جماهيرية، أحتفظُ بالعديد من الوثائق التي تثبت ذلك. بالاضافة إلى الأعمال التنظيمية خلال 9 أعوام، عملتُ مدرساً بعد تخرُّجي في العام 2006 وحتى العام 2010، حين غادرت السودان والآن أعمل في مجال آخر منذ العام 2011. برغم كل سنين العمل هذه لم أمتلك حتى قطعة أرض في كل هذا العالم ولا حتى في إحدى قرى السودان، بعكس القائد الذي لم أسمع عنه أن عمل ليوم واحد في أي مهنة طوال حياته، ولكن يمتلك من المنازل الفخمة والشركات والحسابات في البنوك ما يزكم الأنوف (سنعرض لها في حينها). أيضاً لم أتطرق لهذا الجزء للتباهي لأن خدماتي المتواضعة التي قدمتها للتنظيم تتوارى خجلاً أمام خدمات أولئك الذين قدموا ارواحهم في سبيل هذا المشروع بل تتوارى أيضأً أمام خدمات بعض الرفاق الأحياء الذين يمشون بيننا، ولكن قلته للعلم حتى لا يتطاول رعاة الأغنام الذهنية وماسحي الأحذية (إسمح لي د. أبَّكَر آدم إسماعيل أن أستعير تلك الجملة دقيقة الوصف والتي تعتبر اضافة للقاموس السياسي)، أقول هذا وأنا لا أخشى محاولاتكم الدنيئة لإغتيالى معنوياً لأنكم لن تستطيعون فتاريخي مشرِّف؛ أما إذا أردتم تصفيتى جسدياً فسافتح أزرار قميصي لأني لا أخشى الموت فب سبيل القضايا.

عمدتْ قيادة الحركة الشعبية - شمال (أرجو أن يتذكر القارئ ما أعنيه بقيادة الحركة الشعبية - شمال والوارد في مطلع المقال) عمدتْ إلى إقتناص الفرص للسعى لتفتيت التنظيم الذى لاقى قبولاً منقطع النظير وسط جماهير الهامش، بعد أن تأكد لها اتجاه الرفاق في جنوب السودان نحو الانفصال، لتبدأ القصة من انتخابات العام 2010 والتي أتت بناءً على اتفاقية السلام الشامل، حيث قامت الحركة الشعبية عبر المكتب السياسي بترشيح ياسر عرمان لرئاسة الجمهورية برغم التحفظات من جانب العديد من الرفاق إلا أن جميع قطاعات الحركة الشعبية في شمال السودان وجنوبه عملوا في تعبئة منقطعة النظير لدعمه كمرشح للحزب الأمر الذي وجد تفاعلاً غير عادي من جماهير الشعب السوداني (وأذكر هنا عدد من الشباب المستنيرين من القوة السياسية الأخرى قدموا إلينا في ولاية جنوب دارفور من أجل العمل معاً لدعم مرشح الحركة الشعبية برغم تقديم أحزابهم مرشحين للرئاسة وكذا في العديد من الولايات) الأمر الذي بات يهدد أركان المؤتمر الوطني ويقلق منامه، بتحليل بسيط وبديهي، فإن أكثر من 25% ممن يحق لهم التصويت (جنوب السودان) سيصوتون لمرشح الحركة الشعبية للرئاسة، وأيضاً التأييد الواسع لمشروع السودان الجديد في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور والذي سيخلق فارقاً كبيراً في المعادلة، بالاضافة إلى تأييد ودعم عدد من القوى السياسية التي لم تُسَمِّ مرشحين وقتها وأخرى سحبت مرشحيها؛ ومع كل هذا قد خصصت الحركة الشعبية مبلغ 13 ميار جنيه للانتخابات سُلِّمَت لقطاع الشمال، أي ما يعادل وقتها أكثر من 4 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف آنذاك. لم يتسلم أيَّاً من مرشحيْ الحركة الشعبية في قطاع الشمال في كل المستويات وأنا كنت منهم ولا مليم واحد. نعم الكل يعلم أن المؤتمر الوطني قام بإعداد مبكر لكل وسائل التزوير؛ لكن التزوير لا يقف أمام الثورة ومدى التأييد الذى حظيب به الحركة الشعبية في تلك الانتخابات كان كفيلاً بحماية الانتخابات من التزوير، أو دعوهم يزوروا لتقوم الثورة التي تقتلعهم من جذورهم، هذا لا يمكن لأن مرشح الحركة الشعبية لايريد أن يقتلع الشعب نظام المؤتمر الوطنى من جذوره، هنا أقدِّمُ نموزجاً بسيطاً (برغم انسحاب الحركة الشعبية من الانتخابات في دارفور وانسحاب مرشح الرئاسة وتوقف عمليات التعبئة للانتخابات، برغم كل ذلك فقد فاز الرفيق عمر آدم يوسف مرشح الحركة الشعبية في إحدى دوائر سرف عمرة برغم محاولات التزوير) وهذا يؤكد ما ذهبت إليه أن التزوير لا يستطيع مواجهة التاييد العالي، ولهذا أنا :أسأل ياسر عرمان أمامكم اليوم

لماذا انسحبت من السباق الرئاسي في انتخابات 2010 وأنت تعلم أنك ستفوز بتلك الانتخابات؟

لماذا انسحبت من السباق الرئاسي في انتخابات 2010 وأنت تعلم أنك ستفوز بتلك الانتخابات ؟

لماذا انسحبت من السباق الرئاسي في انتخابات 2010 وأنت تعلم أنك ستفوز بتلك الانتخابات ؟

هذا السؤال الذي سيطلب منك أحفادك الإجابة عليه عند قراءتهم للتاريخ، هذا السؤال الذي تريد جماهير الحركة .الشعبية قبل جماهير الشعب السوداني التي دعمت الحركة الشعبية في تلك الانتخابات الإجابة عليه منك

أنا أعلم أنك لم تستطع الإجابة، وكل المحاولات التي أرادت أن تجعل من الانسحاب كأنه قرار للمكتب السياسي قد فشلت. أقسم أني سألت ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي قالوا أنت من سحبت نفسك. أيضاً في لقاءٍ جمع الرفيق سلفا كير بقياداتٍ من دارفور بحضور عرمان نفسه عندما سأل أحد القيادات الدرافورية الرفيق سلفا كير لماذا سحبتم مرشح الحركة للرئاسة قال كير هو من سحب نفسه واسألوه هو أمامكم؛ لم يستطع عرمان الرد بكلمة .

على أي حال هنالك ثلاثة سيناريوهات في هذا الأمر: السيناريو الأول هو أن المؤسسة التي حكمت السودان منذ الاستقلال وحتى الآن والتي يعمل عرمان فيها قد طلبت منه الانسحاب ونفذه عرمان خوفاً من الانتقال التدريجى للسلطة لصالح هامش السودان، أيضاً بأنسحاب مرشح الحركة الشعبية التي حظيت بتأييد كبير ذلك الأمر الذي يجعل جماهير الشعب السوداني تتشكك في أي خطوة قادمة في المستقبل وهذا هدف إستراتيجي.

والسيناريو الثاني فهو أن يكون قد قبض عرمان مقابل انسحابه نقداً (كااااااااااش) .

أما السيناريو الأخير فهو أن كل ما ذكر أعلاه صحيح وأنا مع هذا الاتجاه .

الكل يعلم أن إجراءات فك الارتباط بين الحركة الشعبية شمال وجنوب يجب أن تتم إما بمؤتمر استثنائي للحركة الشعبية وفي أضعف الفروض باجتماع لمجلس التحرير القومي. استبق نائب الأمين العام للحركة الشعبية، أمين قطاع الشمال، استبق تلك الاجراءات بارسال وفود إلى ولايات القطاع الشمالي لعمل مسح لشعبية عرمان ومدى التأييد له داخل أروقة الحركة الشعبية شمال، فإذا ما وجد التأييد الكافي الذي يمكنه من أن يصبح رئيساً للحركة الشعبية شمال أو على أقل تقدير أن يحصل على موقعه الحالي فإنه سيكون من الداعمين بشدة لاجراءات فك الارتباط السليم باقامة مؤتمر استثنائى أو عقد اجتماع مجلس التحرير القومي الذي يجب أن يتم فيهو انتخاب قيادة الحركة الشعبية شمال ومؤسساتها؛ زارتنا تلك الوفود بدعوى أن الرفاق في جنوب السودان يتجهون إلى الانفصال فالسؤال المبطن هو ما هي الرؤية المستقبلية للحركة الشعبية - شمال وكيف ينظر الرفاق للقيادة الحالية للحركة؟ كان الهدف فقط هو هل يقبل الرفاق بياسر عرمان رئيسا للحركة أم لا؟ عندما تفاجؤا بالعكس في كل الزيارت بدا التفكير في عرقلة اجتماع مجلس التحرير القومي بعد أن اعلن الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان الرفيق فاقان أموم وقتها عن اقتراب موعد اجتماع مجلس التحرير القومي للبت في فك الارتباط، وبعد أن وصلتنا الدعوات كاعضاء لمجلس التحرير القومي ووصلنا إلى الخرطوم ليفاجئنا نائب الأمين العام لقطاع الشمال عرمان وقتها بالغاء اجتماع مجلس التحرير القومي والاستعاضة عنه باجتماع المكتب السياسي الذى يضم 21 عضوا ليقرر في مستقبل الحركة الشعبية بأكملها إن لم نقل ليقرر في مستقبل السودان الشمالي بأكمله؛ وكلَّف المجلس السياسي القيادة الحالية بأدارة شؤون الحركة الشعبية - شمال كما شاء عرمان، والتي فشلت لمدة خمس سنوات في عقد اجتماع لمجلس التحرير ناهيك عن مؤتمر عام.

نأتي إلى محاربة القيادات الملتزمة والصادقة تجاه مشروع السودان الجديد عدد الرفاق من هذا الطراز الذين قرَّبهم عرمان وركلهم لا لسبب فقط لاكتشافه الصدق في انتمائهم؛ مجرد أنه يكتشف صدقك تجاه المشروع مع وجود مؤشرات إلى مستقبل سياسي جيد ستكون عدوه الأول قبل المؤتمر الوطني. سأشير هنا إلى بعض النماذج فقط للمعرفة؛ أبدأ بالرفيق معاوية يانِس الإنسان الذي لا يتناقش في ثوريته اثنان من الرفاق قط (وأكاد أجزم أن رعاة الأغنام الذهنية إسلاميي الأمس علمانيي اليوم لايعرفونه حتى) الرفيق معاوية يانس الذي مات في ظروف غامضة أثناء رحلة العودة إلى الخرطوم من شرق السودان ضمن القوة المشتركة؛ أيضاً الرفيق سليمان محمد سليمان قور الإنسان الصادق الذي فلت من الإعدام بسبب اتهامه بمساندة الحركة الشعبية وقاتل بشراسة ضد حكومة المؤتمر الوطني وزبانيته وأول سكرتير تنظيمي لقطاع الشمال، والذي ماجالسته إلا وتحدث لي عن صدق الرفاق الآخرين وليس صدقه (وهنا أذكر ماقاله لي في ذلك الشأن ومازلت أذكره كل ما حدث أمر للرفيق العميد رمضان حسن نمر علماً بأنني لم أقل هذا يوماً لرمضان نفسه: قال لي يا أسعد إنت عارف إنو أصدق واحد فينا في القطاع الشمالي دا هو رمضان حسن نمر). تعرض الرفيق سليمان محمد سليمان قور لحادث حركة في كوستي قادماً من كردفان إلى الخرطوم ماسبَّب له ارتجاجاً في المخ نتيجة لتأثير الحادث على ضربة قديمة تعرَّض لها من عناصر الأمن أثناء اعتقاله في وقت سابق. بعد إجراء الفحوصات الأولية اتضح أنه في حوجة ملحَّة لعملية جراحية لا يمكن أن تتم إلا في بريطانيا. تقدَّم العديد من الرفاق بأوراقه إلى أروقة قطاع الشمال يطلبون تقديم المساعدة لقور ودفع تكاليف السفر. لمدة أكثر من شهر لم يستطع قطاع الشمال وكل العاملين فيه وعلى رأسهم عرمان اتخاذ أي إجراء من أجل تكاليف العملية حتى فارق الحياة الرفيق سليمان محمد سليمان قور.

مع انطلاق الحرب في جنوب كردفان بعد أن برزت المبادرات من دول الجوار للتوسط لوقف الحرب في جنوب كردفان، بعد أن اختار الرفيق عبد العزيز الحلو وفد الحركة الشعبية المفاوض، وما أقوله هنا على لسان أحد الرفاق وهو عضو في ذلك الوفد المفاوض قال: (إن عرمان ترجَّى عبد العزيز الحلو لاشراكه في وفد التفاوض بذريعة جعله وفداً قومياً). وكان الوفد مجموعة من الرفاق الجيدين منهم أحمد بَلْقَا، العميد المُحَال للمعاش، ورمضان حسن نمر. وهو الآخر محال الآن للمعاش، وآدم كرشوم وآخرين. للعلم أن هؤلاء الرفاق كانوا ضد اتفاق أديس الشهير باتفاق نافع - عقَّار، وتم بعد ذلك ابعادهم من وفد التفاوض بعد أن تولي بمدة قصيرة العرَّاب عرمان رئاسة وفد التفاوض حتى الآن، شوفوا كيف.

كما لابد من الإشارة هنا لاغتيال الرفيق العميد الهندي أحمد خليفة بزجِّه في سجون حكومة جوبا. والسؤال هو هل يُعقَل أن تعتقل حكومة جوبا عميداً في الجيش الشعبي شمال ومعه عدد من العسكريين والمدنيين الذين يتبعون للحركة الشعبية شمال وقيادتها لا تعلم؟ لا، كل الدلائل والمؤشرات تقول إن ذلك الاعتقال الذي تسبَّب في موت الرفيق الهندي كان بطلب من قيادة الحركة الشعبية - شمال، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل طالعنا راعي الأغنام الذهنية ببيان بصفته الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية - شمال (لمن يريد التأكد عليه مراجعة بتاريخ 26 مارس على سودانتربيون بعنوان: قطاع الشمال يحمَّل حكومة جنوب السودان مسؤولية وفاة أحد ضباطه بسجون جوبا).. ياخ تتسبَّبوا فى موت الرفيق وإنتو أوَّل المعزِّين.

أيضا ما يجب أن أشير إليه هنا القرارات الأخيرة لقيادة الحركة الشعبية - شمال باحالة 6 عمداء من القادة العسكريين ورائد إلى الصالح العام وهم العميد ياسر جعفر السنهوري، القائد السابق للقوات المشتركة في الخرطوم، والعميد رمضان حسن نمر، مسؤول المالية السابق في قطاع الشمال ووزير المالية السابق بولاية جنوب كردفان ومسؤول المالية بالحركة الشعبية شمال حتى تاريخ احالته للصالح العام، والعميد أحمد بَلْقَا أتيم، محافظ كادقلي سابقاً وقائد الجبهة الثالثة الخاصة بدارفور في الحركة الشعبية التي سعى عرمان إلى تفتيتها حتى إزالتها من خريطة القوات العسكرية التابعة للحركة، والرائد عمر فور، وزير الزراعة السابق بولاية جنوب دارفور، والعميد علي بَنْدَر، والعميد محمد التجاني، والعميد الأمين النمير.

كل هؤلاء الرفاق وهم شباب قدموا زهرة شبابهم في هذا التنظيم إلا أن ذلك لم يشفع لهم أمام سعي عرمان لتفتيت هذا التنظيم.

أنا أتساءل هنا هل هنالك أي سابقة حصلت في تاريخ البشرية بأن أحالت دولة - لاحظ لم أقل ثورة مسلحة - بل دولة أحالت عسكريين للمعاش أثناء خوضها للحرب؟! ياخ مافي دولة، ناهيك عن ثورة مسلحة، أحالت عسكريين للمعاش أثناء الحرب فكيف للحركة الشعبية الثورة المسلحة بأن تحيل أصلب قادتها العسكريين وهي في حرب مع الحكومة، الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من إقصاء ياسر عرمان للكوادر. قد يقول لي البعض ممن لايعرفون كيف يتم اتخاذ القرار داخل القيادة بان القرار صادر من الرئيس، أقول لهم إن من يتخذ القرار هو ياسر عرمان وينفذانه مالك عقَّار وعبد العزيز الحلو. تلك هي الحقيقة حيث الآية مقلوبة، فقط التساؤل هنا لماذا ينفِّذ مالك والحلو قرارات عرمان وأن كل من أُتخذ في حقهم القرارات كانوا يعملون تحت قيادتهم المباشرة ويعرفونهم جيداً ومدى التزامهم بمشروع السودان الجديد. حتى الآن أتساءل كيف أقنع عرمان سلفا كير بالغاء اجتماع مجلس التحرير القومي بصدد النظر في فك الارتباط؟

أيضاً في ذات الوقت الذي تمت فيه إحالة هؤلاء إلى المعاش تم تجميد عضوية الرفيق الدكتور أبَّكر آدم إسماعيل، كاتب "جدلية المركز والهامش"، التي هي جزء مهم في رؤى وبرامج السودان الجديد، باالاضافة للرفيق أمين زكريا والرفيق كمال كمبال، ولم تُوَضَّح أي أسباب لا في قرار إحالة المعاش ولا تجميد العضوية للرفاق المذكورين. هذا ولم أحدثكم عن الرفيق عبدالله تِيَّة، وزير الصحة السابق، ولم أتساءل أين الواثق كمير و...و... .

المحاولة للاستيلاء على المعارضة المسلحة لتحجيم دورها في اسقاط النظام:


في هذا الجزء الأخير من المقال سأركِّز على تسليط الضوء على مراحل تحالف المعارضة المسلحة والمختوم بالجبهة الثورية.

لمن لا يعلم أن الجبهة الثورية الحالية هي إمتداد لمراحل تحالف كان الممسك بملفه في الحركة الشعبية هو الرفيق رمضان حسن نمر للاتصال بالقوى المسلحة لتكوين تحالف لاقتلاع جذور النظام في الخرطوم بالقوة. اتصل بي الرفيق رمضان كما اتصل بالعديد من الرفاق؛ قدمنا له ما نستطيع من المساعدة بمده بعناوين الرفاق من مجموعات الهامش المسلحة وقطع الرفيق شوطاً كبيراً في تلك الاتصالات؛ عندما لحظ عرمان ذلك التحرك ومدى خطورته على المؤسسة التي ينتمي إليها والتي حكمت السودان منذ الاستقلال ومازالت، شرع عرمان في التخطيط لسحب الملف الذي خلق منه تحالف كاودا ومنه إلى الجبهة الثورية الحالية التي نجح عرمان في إدخال أفراد إليها وبصفات شخصية من تنظيميْ حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي وآخرين ولم يساهموا بجندي واحد في التحالف المسلح، لخلق المناصفة في المعادلة الجديدة، بل واستبعاد العديد من المجموعات المسلحة من الهامش. اتفقت المكونات الرئيسية المسلحة للجبهة الثورية على تداول رئاسة الجبهة بشكل دوري؛ فكانت الدورة الأولى من نصيب الحركة الشعبية - شمال؛ إلا أن عرَّاب الثورة قد وَزَّ في أذن رئيس الحركة الشعبية - شمال بعدم تسليم رئاسة الجبهة لأي فصيل آخر متذرعاً باختلاف بقية الفصائل التي يطلق عليها دوماً عرمان حركات دارفور محتكراً بذلك قومية تسمية أي جسم سياسي في السودان تحتم الضرورة أن يكون في قيادته أحد أعضاء المؤسسة التي يعمل لها. مرَّت الدورة الأولى والثانية . أها اليوم من تسميهم بحركات دارفور اتفقوا على أن يتولى أحدهم رئاسة الجبهة، أها ماذا تقول؟ ياخ ما الذي تعلمته من د. جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية؟ ألم يكن د. جون من وافق على غيره بتولي رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي برغم أنه الأحق بذلك بحكم القوة العسكرية وعظم الحركة وقتها؟

كل تلك المساعي ما هي إلا أدلة دامغة تؤكد سعي عرمان إلى الوصول إلى رئاسة الجبهة الثورية لتحجيم دورها وإن فشل في ذلك سيلجأ إلى خيار التفتيت أي تفتيت الجبهة الثورية، شوله، (قبل فترة في إثنين رئيس تنظيم ومنشق عنه - لاحظ هنا رئيس تنظيم ومنشق عنه يعلنان دوماً أن بينهم عداءً سافراً وكلهم من المؤسسة التي ينتمي إليها عرمان وكلهم منتم للتحالفات الأخيرة؛ إلتقيا بأحد رجال الأعمال ذي الأصول الدارفورية في إحدى العواصم الأروبية وطلبا منه التأثير على القادة المنحدرين من دارفور في الجبهة الثورية دعمهم ليتولي ياسر عرمان رئاسة الجبهة الثورية، فقال لهم ذلك الرجل كيف وأن ياسر لم يكن رئيساً لايٍّ من فصائل الجبهة؟ فقالوا له إن مالك عقَّار لا يتجاوز أن يكون حاكم للنيل الأزرق وعبد الواحد ومَنِّي أركو مناوي غير مؤهلان لقيادة الجبهة الثورية؛ فقال لهم ببساطة د. جبريل زول دكتور وعندو تجربة في العمل العام؛ قالوا له بصوت واحد إن الوسط النيلي ليس مهيأ الآن ليحكمه زول غَرَّابي) إنتهت الشولة. ياللسذاجة! كيف لا يقبل ذلك الوسط بأن يحكمه أحد أفراد الهامش كيف وأنتم تدعون الثورية والوعي والعمل معنا من أجل اعادة بناء الدولة السودانية على أُسسٍ جديدة تقوم على التنوع التاريخي والمعاصر والعدل والمساواة بين جميع أفراد الشعب السوداني؟ كيف؟

الآن نريد أن نعرف يا عَرَّاب الثورة ورعاة أغنامه الذهنية، ماهي الخطوة القادمة؟

هل ستذهبون إلى الخرطوم مستسلمين غير مأسوف عليكم؟

أم ستصدرون بياناً تخرجون فيه من الجبهة الثورية وتسعون إلى تفتيتها بعد ما اتفق من تسمونهم بحركات دارفور على رئيس للجبهة الثورية؟

سنواصل.

أسعد الطاهر محيي الدين
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وهذه رؤية من كمال الوسيلة*، عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال وضابط في جيشها الشعبي:




صورة


الحركة الشعبية انتهت بانتهاء مشروعها الوحدوي القائم على فكرة السودان الجديد




هذه بعضٌ من التساؤلات الكثيرة التي تشغل أذهان المهمومين بمشروع السودان الجديد ومستقبله. وللإجابة عن هذه التساؤلات نطرح هذه الأفكار الأولية:

• يكمن عنصرٌ أساسي لمشاكل الحركة والسودان بعد اتفاقية نيفاشا في أنها قامت وتأسست كحركة سياسية على قطاعين منفصلين. واستمر هذان القطاعان بهذا الوضع حتى يوم استفتاء استقلال جنوب السودان. فلقد كان المُخَطَّط الأساسي لهذين القطاعين المنفصلين أن يكونا أمراً مؤقتاً؛ إذ كان القائد الراحل للحركة د. جون قرنق يرى ألَّا تتحوَّل الحركة إلى حزب إلَّا بعد تحقيق السودان الجديد؛ وأن عليها أن تتأسس وتنمو بوصفها حركةً للسودان الجديد. وهذا بالتحديد ما قاله د. جون في ختام الورشة التي قامت في نيو سايت (في جنوب السودان وقتها) في نهاية مارس 2005. وقد كان يرى أن هذا الوضع المؤقت (وضع الحركة كقطاعين منفصلين) لن يستمر، وإنَّما فرضته ظروف الحرب، ولا بد أن ينتهي بقيام المؤتمر العام الثاني الذي كان مُخَطَّطاً له أن ينعقد في نهاية العام 2005.

• يكمن عنصر ثانٍ في عدم نموِّ وتطوُّر "الجيش الثالث" – الذي كان مكوَّناً من وحداتٍ من الجيش الحكومي ووحداتٍ من الجيش الشعبي – وهو الجيش الذي سُمِّيَ في "اتفاقية السلام الشامل" ب"القوات المشتركة" – وكان المؤمَّلُ أن يصير جيش السودان في المستقبل. ولكن تصاعد الحرب في دارفور، التي كان من المُفترَض أن تنتهي بسلامٍ عادل حتى يكون سلاماً شاملاً، ساهمت في تغيير الواقع أيضاً. هذا الواقع أدَّى إلى تكريس جيشين أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب. ولقد كان من المُفترَض أن يحدث العكس، لو كانت البلاد تتجه نحو الوحدة، أو بالأصح نحو بناء الوحدة على أُسسٍ جديدة كما كان مؤملاً. فالسؤال المزدوج هو: لماذا تكرَّس وضع تقسيم الحركة لقطاعين أو أكثر، وجيش السودان إلى جيشين أو أكثر، مما أدَّى إلى الفوضى والحرب؟ وفوق ذلك نتساءل أيضاً: لماذا انتقلت قيادة قطاع الشمال من قيادة مُكوَّنة من 24 رجلاً وامرأةً، إلى قيادة فرد واحد، هو ياسر عرمان، والبقية الباقية إلى سكرتاريات أي موظفين وموظفات؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى نقاش لفهم ما يحدث في الحركة الشعبية لتحرير السودان.

• يكمن عنصر ثالث في بزوغ حركة جديدة – بعد استقلال جنوب السودان – يمكن تسميتها مجازاً ب"حركة ياسر عرمان" لأنه هو الذي "إقترح" إنشاء قيادة ثلاثية لها، تتكوَّن، كما هو معروف، منه ومالك أقار وعبد العزيز الحلو، وفقاً لحديث مالك أقار في أمريكا لبعض القيادات. هذه "الحركة الجديدة" هي حركة بلا برنامج ولا بيان تأسيسي (أو منفستو)، أي بلا رؤية، سوى تكرار كلام ممجوج، ظلَّ يردده ياسر، مثل عبارة "حق الآخرين أن يكون آخرين" . . . هذه العبارة التي لا تصدر إلا من مركز متحذلق. وحتى الخطاب الذي وَقَّعَه وألقاه رئيسها في مطلع 2015 وهو الذي أطلق عليه اسم جَرْد (وهو متوفر على الانترنت) لم يضف شيئاً يُعطي للحركة مضموناً أو تفرُّداً؛ وإنما يدل على التخبُّط الذي اتصفت به حركة ياسر ولا تزال. حين قامت الحرب في جنوب كردفان، كان رئيس هذه الحركة والياً على النيل الأزرق وأمينها العام وسيطاً بين الرئيس ونائبه الحلو؛ وهي حرب يمكن أن نقول عنها: أنها تأسست على إخفاقات اتفاق نيفاشا لتساهم مساهمة عظيمة في تكاثر التخبُّط والاعتباط. وبعد ذلك، جاءت اتفاقية مالك – نافع، ثم القرار الأممي 2046، لتظل المحصلة مزيداً من التشوُّش والهذيان والتخبُّط. وهنا تبرز المشكلة التي لا أرى لها حلاً وهي: أن ياسر يحاول أن يكرِّر الحركة الأولى فيما قبل نيفاشا؛ كما يأمل أن تستعيد الجبهة الثورية ونداء السودان تجربة أو شكل التجمُّع الوطني الديمقراطي، وهذان حلمان مستحيل تحقيقهما.

خلاصة رأيي أن الحركة فشلت شمالاً وجنوباً؛ فإذا استطعنا أن نقول بأن الحركة الإسلامية (حركة الترابي) قد انتهت بفشل مشروع أسلمة الجنوب وإقامة دولة العدل، فإن الحركة الشعبية (حركة د. جون) قد انتهت هي الأخرى بفشل قيام أو إنجاز مشروعها الأساسي وهو قيام السودان الجديد الديمقراطي الفيدرالي الموحَّـد؛ وبالتالي يجب على الحادبين والجادين أن يبحثوا عن طريق آخر، وهذا يتطلب قراءة جديدة للواقع الماثل أو القائم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ومحاولة الإجابة بطريقة عملية ومبتكرة بعيداً عن التكرار وبلا أوهام.

هذا الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى تفكير جماعي جديد. فبعد تجربة الفترة الانتقالية، والفشل الذي تخلَّلها، ولا سيَّما بعد تجربة الحروب المتكاثرة هنا وهناك، لا أظن أن الشعب السوداني سيلتفت مجرد التفاتة إلى شيء اسمه الحركة الشعبية لتحرير السودان وهي أساساً كانت، ولا تزال، بلا برنامج اقتصادي–اجتماعي –سياسي–ثقافي، واضح ومفصَّـل. فقد انتهى زمن الشعارات والأوهام والأيديولوجيات (كوعي زائف وليس كأفكار). والمطلوب الآن كما قلت قبل قليل التفكير في الواقع السوداني بطريقة جديدة. أما حركة صديقنا ياسر (الشعبية الجديدة) فإلى ركام التاريخ وهذه هي النهاية المحزنة كما يقول المُغَنِّي.





* كان كمال الوسيلة، الذي انضمَّ للحركة الشعبية وجيشها الشعبي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، يشغل منصب وزير الصحة بولاية نهر النيل خلال النصف الثاني من سنوات اتفاقية السلام الشامل.
آخر تعديل بواسطة عادل القصاص في السبت مايو 21, 2016 4:29 am، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

فيما يلي من مساحة نطالع رد خالد محمد طه* – وهو كاتب قاص، صحفي ومقاتل إرتري ذي أصول وانخراطات سودانية – على سؤال الاستطلاع.


صورة


خالد محمد طه:


الحل يمكن في العودة إلى البناء التنظيمي الحقيقي




هذه الاحداث/الفضيحة تعبر عن خلافات إدارية ذات جذور ضاربة في العمق الزماني والحيز الوجداني لقادة ومنتسبي الحركة الشعبية، وهي بلا شك إنعكاس لازمات متراكمة لازمت مسيرة الحركة الشعبية-شمال منذ أن كانت تتخلق في "لواء السودان الجديد" الذي لم ينجح في أن يكون ملتقى طرق للحركة الجماهيرية التقدمية والديمقراطية في الجنوب بنظيرتها في الشمال، ومن ثم بدء لمسيرة مشتركة تنجز فكرة السودان الجديد – التي أيضاً لم يُقَعَّد لها نظرياً فظلَّت خيمة فضفاضة اهتبل كل شخص منها قطعة ليفصل جلباباً على مقاسه أو قالب أصر على أن يكرفس التجربة ليحشرها فيه عنوة!عموماً عانت الحركة الشعبية الأم من هكذا أزمات وتراكمات، وصلت إلى حد أن وضع بعض الرفاق بندقيتهم إلى حين، بينما وضع البعض القليل يده بلا حدود! وبذا تم "تنفيس" فكرة لواء السودان الجديد وتفريغها ليس فقط من محتواها بل حتى من العناصر المنوط بها إنجاز وتهيئة الأرضية لانطلاقة تلك الفكرة/النموذج. وعندما أتت الاتفاقية كان السعي الخجول لاعادة تلك الكوادر، وكانت المساحات الأكبر قد اُتيحَت للمتساقطين والانتهازيين بل والكذابين أيضاً؛ فظهرت أسماء لم تكن في المحك؛ وبدت مواقف لم تكن في الحسبان! وكان الطوفان والتراجع عن قضايا الهامش بل المتاجرة بذات الهامش والمركز أيضاً كما حدث في فجيعة الانتخابات! جاءت مرحلة الخروج الثاني وهي تحمل ذات الأزمات وبنفس الشخوص وعين الذهنية؛ فكان القطاع شمالاً بلا عسكري واحد من خارج المنطقتين و دارفور، مما دفع بعض الأصوات لتنادي بأن تٌعفَى مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق من دفع الفاتورة الدائمة للحرب، أو التمهيد الدامي للمساومات القادمة – حسب البعض كما أشرنا – وحدا بالبعض الآخر إلى أن يعلن عدم تبعيته لقيادة الحركة الشعبية وإن استخدم معايير تداول الرئاسة في تحالف الجبهة الثورية للتعبير عن ذات الموقف لكن من خارج الحركة هذه المرة. عليه وبه يصبح الطريق إلى المعالجة هو: العودة إلى البناء التنظيمي الحقيقي، وتثبيت القاعدة النظرية الجامعة، وبسط الديمقراطية كممارسة داخل الحركة نفسها قبل أن ينادى بها كشعار بهتت ألوانه، واتاحة المساحات اللازمة والمواعين الرحبة لاستيعاب الرؤى المتقدمة والأطروحات التي ينهض بها الرفاق المناضلين، وتصحيح خطوات إقصاء أصحاب الرؤى المغايرة لممارسات القادة؛ فالكل يستغرب أن تنتهج ثورة مناضلة أسلوب الرفت والتجميد والاعفاء والمعاش! ويستغرب أكثر عندما تكون المفاوضات رسمية كانت أم غير رسمية هي الهدف لحركة ثورية! على ماذا تفاوض ووفق أية رؤية وهدف؟ وأن تتسامى القيادة عن سياسة التجويع للرفاق لأنه لو كان الهدف ملء البطون فلدينا في السودان حكومة احترفت شراء الذمم وتوظيف سلاح المال...وكان الأحرى بهؤلاء الشرفاء أن ينحدروا سعياً إليها. الحل هو أن تتحلَّى القيادة ببعض وفاءٍ..فقط!




* منذ اتفاقية أسمرا للقضايا المصيرية 1995، عُرِفَ عن خالد محمد طه إنخراطات متعددة، ذات أبعاد سياسية، ثقافية وصحفية، في التعاون مع ودعم عددٍ من تنظيمات التجمع الوطني الديوقراطي، لا سيما التظيمات التى ترفع شعارات غير تقليدية، وعلى رأس هذه التنظيمات: الحركة الشعبية لتحرير السودان، قوات التحالف السودانية ومؤتمر البجا.
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

في المساحة التالية، يواصل أبكر آدم إسماعيل - عبر حلقة ثالثة - ما أشار إليه في الحلقة الأولى، وما ذهب في تفصيله في الحلقة الثانية، من سلسلة مقالاته الموسومة "ما جرى وما يجري في الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال"، وهو ما يتمثَّل في مَوْضَعَته ل"قرار إيقافه ثم قرار فصله" في سياق ما يراه "أزمة عامة تعاني منها الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال":



ما جرى وما يجري في الحركة الشعبية لتحرير السوادن ـ شمال

(3)

الحركة الشعبية الأخرى!




القراء الأعزاء القارئات العزيزات
قلنا، في مقدمة الحلقتين الأولى والثانية، أننا قد ظللنا نعمل بجد وصمت طوال السنوات الماضية. ولم ندخر جهداً أو معرفة في سبيل مشروع السودان الجديد، مشروع العدالة والحرية والمساواة والكرامة. ولكنكم كما تابعتم وتتابعون، طوال هذه السنوات، ما يقوم به "بعض" الرفاق في الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال، الذين يسمون أنفسهم بـ"القيادة،" من أفعال محيرة، ذهبت بهم فراسخاً في الضلال. وفي كل ذلك، ما كنا قد ادخرنا رأياً أو نصحا أو تذكيراً مكتوباً إلا وأسديناه لهم. ولم نلجأ في يوم من الأيام إلى أجهزة الإعلام أو الأسافير. ولكنهم قوم لا يسمعون. بل فيهم قوم مغرورون ساقهم غرورهم إلى إساءة الظن بأنفسهم وبالآخرين! صاروا يمشون في الأرض مرحاً، وكالثيران في مستودعات الخزف؛ يكسرون ويدمرون القيم الجميلة/النبيلة ويلوثون رفاقهم بنشر الإشاعات والأكاذيب والتهم الجزافية اللئيمة.
والآن، بعد أن فارقوا مشروع السودان الجديد، "فراق الطريفي لي جمله،" وهم يحزمون حقائبهم للذهاب إلى وكر العدو لتحقيق أحلامهم "الطفولية،" عبر خطوط "السوفت لاندينغ" التابعة للكائن الخرافي المسمى بـ"المجتمع الدولي،" لاستعادة "الشراكة،" مع العدو الذي لم يعد عدوهم، لم يجدوا أمامهم من يعادونه إلا رفاقهم الذين يعترضون على طريقتهم الساذجة في إدارة العمل السياسي، فصاروا يصدرون القرارات المجحفة، ضد رفاقهم هؤلاء، مستغلين مواقعهم التي حازوا عليها عن طريق وضع اليد.
ونحن، إذ نكتب هذه الحلقات، نود أن نبين فيه للرفاق والرفيقات خاصة وللناس عامة كل الحقائق حول الذي جرى ويجري في الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال. وذلك إيماناً منا بأن هذا من صميم واجباتنا تجاه مشروع السودان الجديد، الذي باسمه يتم تبرير كل شيء. وبعد ذلك فليتنكب كل امرئٍ الطريق الذي يريد، دون أن يأتي أحد، بعد ذلك، ويقول: "لم نك نعرف."

قصة الحركة الشعبية الأخرى:

ولأن هذه القصة عويصة ومرتبطة بدهاقنة معاقل الإمبريالية و"أساطينها،" بلغة ريبيكا هاميلتون، كاتبة تقرير رويترز، فيجب أن نبقى "مصحصحين على طول" لأن فيها أشياء لا ترى بالعين المجردة، وهي كذلك بالضرورة طبعا، وتحتاج رؤيتها إلى الانتباه للمقدمات المنطقية والترابط المنطقي للأحداث.
أظنكم تعلمون أن "مشروع الدولتين،" حسب تصورات أنصاره، في الداخل والخارج، يتناقض مع "مشروع السودان الجديد" في مبناه وفي معناه. وحسب تصور هؤلاء الناس، وفي مقدمتهم أساطين ريبيكا، فإنه لا داعي لوجود "الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان" بعد قيام الدولتين. وهذه نتيجة منطقية، حسب تصورهم.
فليس هناك معنى لوجود شيء كهذا في الدولة الجديدة، سواء كان إسمها جنوب السودان أو أي اسم آخر: لأن الجيش الشعبي لتحرير السودان، في "دولة" جنوب السودان، سيصبح جيش دولة قائمة بذاتها، وبالتالي ليس من اللائق (ولا يتسق مع القانون الدولي) أن يرتبط اسمه بـ"تحرير" دولة أخرى. وذلك ينطبق، أيضاً، على الحركة الشعبية لتحرير السودان، في دولة جنوب السودان.
طيب. والناس الباقين، الما من جنوب السودان؟ يعملوا ليهم شنو؟ هناك احتمالين.
أما: (1) يخلّوهم يواصلوا كفاحهم من أجل سودانهم الجديد بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان فيما تبقى من السودان (وهنا مفيش مشكلة في التسمية ولا تحتاج حتى لإضافة كلمة شمال التي صارت لازمة إضافية للاسم)؛ أو (2) يشوفوا ليهم صِرفة تانية.
وطبعاً، حسب تصورات أنصار مشروع الدولتين، الاحتمال الأول دة ما وارد. والسبب واضح في منطق المساومة التي أنتجت الدولتين؛ فطالما أُعطي الجنوبيون دولتهم فلا داعي لـ"السودان الجديد،" والذي منه. هكذا، وبمنتهى البساطة. يبقى أمامهم الاحتمال الثاني، ولذلك تحسبوا لهذا الأمر وجاءوا بـ"المشورة الشعبية" كحل مؤقت حتى يشوفوا لهؤلاء "البقية الباقية" صرفة تانية متى دعى الداعي، خاصة وأن موازين القوى ستتغير بعد انفصال الجنوب بشكل كبير، وبالتالي خارطة التحالفات وأولوياتها.
ولكن هذه الصِّرفة أمامها بيداء دونها بيداء، عقبات وعقبات. أولها عقبة الدكتور جون قرنق، صاحب المشروع ومحور تماسكه العاطفي، وليس آخرها الحلم الذي نشأ وترعرع في "قلوب" بقية المهمشين، الحلم بـ"سودان جديد." خاصة وهم، أي أنصار الدولتين، قد شاهدوا بأم أعينهم ما حدث في 8 يوليو 2005م، في الساحة الخضراء: ذلك الاستقبال التاريخي، الذي أرعبهم أيما رُعب.
والدكتور جون قرنق كان يعرف كل ذلك، ومنذ البداية. ولأن السياسة عنده ليست "فن الممكن،" فحسب، وإنما هي أيضا "صناعة المستحيلات،" فقد حل التناقض بين النزوع الإنفصالي لدي القوميين الجنوبيين وفكرة السودان الجديد بأطروحة "رفع التمام." فحسب تقديره لو اكتفى أحد من رفاقه بتحرير شبر من السودان فليرفع التمام ويبقى فيه ليقيم "سوداناً جديداً،" ويترك الآخرين يواصلون طريقهم. وبهذا المعنى، فحتى لو كانت هناك عشر دول وليس دولتين فحسب فيمكن استمرار الكفاح من أجل "السودان الجديد حسب مفهوم قرنق" حتى تحرير الشبر الأخير.
وفي هذا التصور، تصور الدكتور جون قرنق، فمن البديهي أن يستمر الآخرون، غير الجنوبيين، في مشروع التحرير، إن كان لابد من ما ليس منه بد: الانفصال. ولابد، في نهاية المطاف، من سودان جديد وإن طال السفر. هذا أيضا منطق وجيه. فنصوص الاتفاقية "حمالة أوجه" بطبيعة الحال. وخصومه أيضاً يعرفون ذلك، سواء كانوا "أساطين ريبيكا هاميلتون" أو حليفهم الاستراتيجي، في قضية الدولتين، المؤتمر الوطني.
وهذه هي العقدة الرئيسية في الدراما، التي وصلت إلى قمتها/ذروتها في مشهد الثامن من يوليو الأغر، المشهد الذي أوضح بجلاء ترجيح كفة الدكتور جون قرنق في الاحتمالات المستقبلية للمساومة حمَّالة الأوجه. وبهذا صار لا يمكن لأنصار مشروع الدولتين حلها إلا بطريقتين: إما التخلي عن خيار الدولتين، أو زوال البطل، محور التماسك العاطفي الرئيسي لمشروع السودان الجديد، من المشهد. وقد وجاءتهم الرياح بما يشتهون، كما نعلم جميعاً. فقد "مات" قرنق في الـ"حادث" المشئوم في 30 يوليو 2005م، "حادث تحطُّم" طائرته ـ كما تقول الروايات الرسمية.
أما العقدة الثانية، المتعلقة بأحلام بقية المهمشين في "سودان جديد،" فحلها وإن لم يكن سهلا بالنسبة لهم؛ إلا أنهم أناس متمرسون في إدارة الصراع، ويستطيعون أن "يبيعوا" الفسيخ على أساس أنه شربات كما "يبيعون" الهوا في قزايز. ولأن هؤلاء "المهمشين،" "البسطاء الطيبين،" لا يمكن إزالتهم من المشهد، فـ"خليهم "يحلموا زي ما هم عايزين" لحدي ما يتم تحويلهم إلى رعية مستوحشة
(bewildered herds)
إن لم يكونوا كذلك في الأصل، وصنع موافقتهم عبر آلية صنع الموافقة
(manufacturing consent)
الآلية الأمريكية الأثيرة، التي شرحها نعوم شوميسكي في كتاب بحاله، للذهاب في الطريق الذي رسمه على الورق هؤلاء الأساطين وحليفهم المؤتمر الوطني.
وإلى أن يحدث ذلك، فلابد لهؤلاء "البسطاء الطيبين،" من "حركة شعبية،" ولكنها هذه المرة خالية من أفكار جون قرنق ومنتجاتها، أي، "بدون تحرير، وبدون جيش شعبي للتحرير،" يعني ببساطة "حركة شعبية بدون قرون = بدون سودان جديد" ـ حسب منطقهم.
كيف الكلام دة؟! أيوة. ودي الحاجة القاعدين يعملوا فيها منذ الثلاثين من يوليو المشئوم. وليس في الأمر عجب.
فقد ذكرنا في الحلقة السابقة، الحلقة الثانية من هذا المسلسل، أنه بعد الفراغ من مسرحية الإنتخابات التراجيوكوميدية (المأسوية ـ الهزلية)، التي لعب فيها "الرفيق" ياسر عرمان دور "فارس بني خيبان" أمام الكاميرات الحقيقية في برنامج الكاميرا الخفية، الذي أعده وأخرجه، الأساطين ومَن هم فوقهم، مِن صناع القرار، نال المؤتمر الوطني "الحافز بتاعه،" الذي يسميه المخرجون للدراما، بالـ
(incentive)
الحافز (الكلمة دي يا جماعة مهمة للغاية ومفتاحية لفهم كل الأشياء التي تُفعل ولا تُقال)، ليسمح لهم بالمرور بدون لولوة إلى الهدف "المشترك" الأسمى، بتعبير المبعوث الأمريكي سكوت قريشن (الذي أضاف من عنده حلاوة كاندي للمؤتمر الوطني بالإضافة للجزرة الأمريكية المعروفة)، ألا وهو تنفيذ مشروع الدولتين، بدلا عن مشروع السودان الجديد، عبر الإستفتاء الذي كان يعلو ولا يُعلى عليه.
وقلنا أنه في تلك الأثناء، كان الرفيق عبد العزيز الحلو وناسه في جنوب كردفان/ جبال النوبة منشغلين بانتخاباتهم المؤجلة، بعد لأي، وفي ظرف شح، مفروض على عبد العزيز وناسه، من قبل "قطاع الشمال،" لم يفهم البسطاء من الناس مبرره حتى الآن ـ ولكنهم سيعرفون السبب في هذه الحلقة، وإذا عرف السبب بطل العجب، ويا له من عجب.
أما "الرفيق" ياسر عرمان، فقد كان ينتظر "حافزه،" عن طريق الدفع المؤجل، كاستحقاق ناله عن جدارة بقيامه بدور "فارس بني خيبان" في مسرحية الانتخابات، بعد أن كشف له المخرجون أنه كان أمام "الكاميرا الخفية!" (طبعاً كتير من الناس لحدي هسي ما عارفين ياسر عرمان دة الرشحو منو وياتو جسم في الحركة الشعبية اختاره وكان في منافسة مع منو وفاز عشان يكون مرشح الحركة لرئاسة الجمهورية؟ وبتغالطوا: هل هو انسحب بعد داك ولا سحبوه!؟)
أما كبار المخرجين، في مجلس الأمن القومي الأمريكي، برئاسة دينيس ماكدونو، بحسب ربيكا هاميلتون، فقد قضوا "خريف ذلك العام" كله في اجتماعات مع "صُنّاع سياسة السودان" لإيجاد حافز آخر للمؤتمر الوطني ليترك أمر الاستفتاء يمضي بلا عراقيل.
ولأن المؤتمر الوطني ليس من المغفّلين، كما قلنا سابقا، فقد ذكّرهم بحكاية الهدف المشترك: الدولتين. وكمان أفحمهم بالمنطق؛ إذ كيف يأخذون جنوبهم وجنوبييهم "كمبليت" دون أن يتركوا له شماله وشمالييه "كمبليت" ـ كما هو متفق عليه؟! وهو بالطبع يريد شماله "كمبليت" بدون حركة شعبية لتحرير السودان ولا جيش شعبي لتحرير السودان ولا يحزنون! وللقيام بهذه المهمة، لم يجد "الإخوة" المخرجون أمامهم إلا العودة إلى "فارس بني خيبان،" ياسر عرمان، لتدوير اللعبة القديمة في لعبة جديدة شبيهة بلعبة الانتخابات إسمها الـ"سوفت لاندينغ." التي هي باختصار: مشروع تغيير المعارضة (المتحول) وإعادة إدماجها في النظام، بدلا عن تغيير النظام (الثابت = حليفهم الاستراتيجي). أو بعبارة أخرى: هي مشروع أسقاط الكفاح المسلح والمعارضة "السلمية" وتوسيع قاعدة النظام بفضفضة المعايير لاستيعاب قيادات هذه المعارضة، المسلحة و"السلمية،" وقواها الفاعلة فيه عبر آلية ما يسمى بـ"الحوار الوطني الشامل." (وقصة السوفت لاندينغ هذه جايين ليها في حلقة براها وبتفاصيلها. فصبرا)
لكن لماذا يا ترى اختاروا "الرفيق" ياسر عرمان بالذات لهذه المهمة؟ لماذا لم يختاروا مالك أقار أو عبد العزيز الحلو أو منصور خالد مثلا؟
والله دة سؤال وجيه.
والإجابة، حسب منطق السودان القديم، الذي يتبناه أنصار مشروع الدولتين، هي أن مالك وعبد العزيز، مستبعدان بسبب انتماء كل منهما الإثني والإقليمي في عرف التيار السائد في المركز، بعد أن ساهم عرمان في تسويق هذا المنطق والترويج له بكثافة أثناء فترة امتطاءه لقطاع الشمال تحت غطاء "توطين الحركة الشعبية في الشمال."
وحتى إن دعى الداعي لتجاوز هذه المعضلة، ولو مؤقتاً، فمالك أقار وعبد العزيز الحلو غير مرغوب فيهما من قبل دهاقنة الامبريالية وأساطينها من أنصار الدولتين لأسباب أخرى، أهمها:
مالك أقار له سلبيات عديدة. في مقدمتها ضيق أفقه وقُصر نظره السياسي، الأمر الذي يتجلى في سلوكه اليومي: محدودية فاعليته التنظيمية، ضعف علاقته بوسائل الاعلام وطرائق عملها الحديثة، وسذاجته الجماهيرية = العمل بالمكشوف (قائد للمهمشين يمتطي صهوة هامر ويمارس أبشع أنواع الدكتاتورية، ثم يأتي ليتحدث عن المهشمين والعدالة والديمقراطية وما إلى ذلك)، راجع ما قاله روجر وينتر في حكاية الليموزين التي جلبها منوت بول لنقل وفد الدكتور جون قرنق إلى مبنى الكابيتول هيل في تقرير ربيكا هاميلتون.
كما أن أقار فيه بعض الصفات المرغوبة لدى جماعة "السوفت لاندينغ": منها صفة الأنانية، التي "تتعارض" مع جوهر فكرة الثورة، في نهاية المطاف، ومن مظاهرها الطمع أو الحسد. ولكنه "راجل طيب" يكتفي بالطمع = يسعى لحيازة النعم (بما فيها التي عند الآخرين)، ولكن سذاجته تجعل منه مطية لكل من هب ودب من الإنتهازيين، وهم يريدون نوعا معيناً من هؤلاء الانتهازيين.
أما صاحبه عرمان، فيتفوق عليه بصفة النرجسية: الأنانيته المركبة؛ التي تجمع بين الطمع والحسد. والنرجيسة "نقيض" فكرة الثورة (التي من أهم معانيها التضحية ونكران الذات). وهو بالتالي الأنفع بالنسبة لهم فيما هم فيه عازمون.
أما عبد العزيز الحلو، ففيه عدد من الصفات غير المرغوب فيها عند هؤلاء القوم، لأنها قد تعوق مشروع الدولتين، ولو على المدى المنظور: فهو، كما يبدو، زاهد في المغانم الشخصية، مقارنة بمالك وعرمان. وهذا يُصعِّب مهمة الإغراء أو الإرهاب (الجزرة والعصا) التي يلجأون إليها كثيرا لتحقيق مراميهم ويتخذونها سبيلا مع الأفراد والدول على السواء. وهو، أي الحلو، كما هو معروف عنه، رجل شديد المراس، ونفسه طويل، وليس سطحيا مثل مالك أو عرمان. وفوق ذلك، أنه أقرب الباقين إلى قرنق ويملك قدرات قيادية أكبر بكثير مما يملكه رفيقيه.
وهو هكذا "كان" يشكل التهديد الأكبر لمشروع الدولتين. وكان هذا هو أهم أسباب استهدافه بعد رحيل قرنق مباشرة. حتى يخلو الجو لحلفائهم الاستراتيجيين ليفرخوا ويبيضوا، كما فعلوا، بعد ذلك، في قطاع الشمال.
أما الدكتور منصور خالد، فهو رجل ضليع في أمور السياسة، وهم يعرفونه مثل جوع بطنهم، فبديهي أن لا يحاولوا الضحك عليه والزج به في مثل هذه الألعاب القردية التي لا تليق به ولا بمن هم مثله من الدكاترة "الفاهمين."
بيد أن عرمان شيء آخر. فقد وجدوا فيه ضالتهم. لما فيه من الكثير من الصفات التي تتطلبها المهمة التي يريدونه للقيام بها. وقد "وافق شنٌ طبقة،" أو "المرحوم قدرك،" كما ذكرنا. وتتلخص هذه الصفات في الآتي:
أ/ طموحة الزائد، الذي يفوق قدراته الحقيقية؛ فهو، في الواقع، شخص متوسط القدرات
(mediocre)
وبالنسبة لهذا النوع من البشر السلطة والمال لهما ضرورة استثنائية تكمل نقصهم الذي يتجلى في عدم قدرتهم على تسويق أنفسهم بطرق الاقناع السليمة وبالتالي حوجتهم الدائمة إلى اللجوء إلى استغلال السلطة لشراء الولاء والمال لشراء الذمم لتحقيق مآربهم وتأمين مواقعهم. وهذ أمر يجعل عرمان مثل غيره من متوسطي القدرات الطموحين، قابلاً للخضوع لسياسة الإغراء والإرهاب: العصا والجذرة، التي يجيدونها كسلاح مجرب مع أمثاله عبر التاريخ.
ب/ النرجسية = الأنانية المركبة، التي يجمع فيها بين الطمع والحسد، التي تجعله مستعدا لفعل أي شيء لإرضاء ذاته المصابة بداء الغرور العضال، النابع من عقدة النقص التي تتغذى من جزرة الزعامة الممدودة إليه. وهذه الخصلة بالتحديد ضرورية لمساعدتهم على تجاوز مالك وعبد العزيز، والآخرين وفي نفس الوقت تجاوز معضلة أي عمل بنّاء يمكن أن يعوق مشروعهم، كل حسب ما يليق به من تكتيك باستغلال خوفه المرضي من المنافسين المحتملين.
ج/ الديماجوجية النشطة: فعرمان، فوق ذلك، ديماجوجي من طراز فريد. والديماجوجية باختصار: "هي إستراتيجية لإقناع الآخرين (الجماهير) بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة؛" "المؤتمر الوطني جاكم، ود أمبعلو أكل عشاكم،" وما إلى ذلك من الأحاجي السياسية، المعلومة للكافة. وهو، بالإضافة لذلك، عبارة عن مُفراكة سياسية لا يتورع من السواطة في كل الحِلل دون أن يعرف حتى نوع الملاح السياسي الذي تحتويه الحلة، وهذه الصفة تساعد في خلق الزوابع الضرورية لصرف أنظار الناس عن جوهر القضايا. (مجاز المفراكة مستلف من حكايات حبوبة بركة ساكن)
د/ الاستبدادية: وهي صفة لازمة لمتوسطي المواهب الطموحين عبر التاريخ وهي في نفس الوقت محببة عند صناع السياسة في الغرب عموما، فهم عادة يفضلون التعامل مع أمثال سيسيسيكو وبوكاسا والنميري متى ما قدموا فروض الولاء والطاعة ـ وما هم إلا لفروضها مقدِّمين.
هـ/ تواطؤه الإيديلوجي مع النظام الحاكم: إن موقف عرمان الإيديولوجي هو التواطؤ مع أيديولوجية السودان القديم، الإسلاموعروبية، وهذا الموقف كان قائما منذ البداية، ولكنه كان مدفوناً تحت سطوة قرنق وسيطرة الجنوبيين. وأساطين ريبيكا هاميلتون، الذين هم من أهل الكياسة والدراسة في السياسة، كانوا يعرفون ذلك، بل وأكثر من ذلك يعرفون أنه ليس سوى "مؤتمر وطني جناح الغابة،" قبل أن تتكشف للناس بلاويه.
و/ شخصيته التآمرية: التي هي نتيجة طبيعية لما ذكر أعلاه، والتي تتجلى في حبه لـ(شغل تحت الطاولة وخلف الكواليس). والطيور على أشكالها تقع. فالذي يلجأ للتآمر يلجأ المتآمرون إليه. وهذه الخصلة مرغوبة بالذات لمساعدتهم في إزالة المناوئين من الطريق قبل كل شيء و"حرية" تمرير الأجندة من تحت الطاولة.
ز/ ثم، بالإضافة لذلك كله، معرفته بآساليب الاختراق والسيطرة التي تعلمها في تنظيمه "السابق."
وهذه الأخيرة هي أساليب تلجأ إليها المجموعات الاستبدادية أو المجموعات التي لا تستطيع اقناع عامة الناس بأفكارها، أو المجموعات التي تملك الصفتين معا. وفي هذا السياق، وحتى يفهم الناس بعض الأمور الملتبسة في وضعية عرمان الراهنة في الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال يلزم بعض التوضيح لهذه النقطة.
وربما كان وما يزال الكثيرون يتساءلون: كيف يمكن أو كيف يعقل أن يكون لشخص واحد أو مجموعة صغيرة الهيمنة على كيانات كبيرة، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، وفرض إرادتهم على أعضائها، دون حتى موافقتهم!؟ طبعا هذا سؤال في غاية الأهمية.
والإجابة أن هذا ممكن، أو صار ممكناً، بتطبيق أساليب الاختراق والسيطرة. فما هي أساليب الاختراق والسيطرة؟
هي باختصار وسائل تتخذها الأقلية للسيطرة على الأغلبية، أو المجموعات الصغيرة للسيطرة على الكيانات الاجتماعية الكبيرة وتوجيهها حسب رغبتها، على الأقل على المدى القصير، وذلك عبر تكنيكات ثلاثة: (1) احتواء القيادة و(2) السيطرة على مفاصل الجهاز التنفيذي و(3) وضع اليد على مصادر المال.
فإذا توفرت هذه الشروط أو جزء منها، تستطيع الأقلية أن تسيطر أفراد الأغلبية وتقودهم، بغض النظر عن موافقتهم
(regardless of their consent)
كيف الكلام دة؟
نعم. فكما هو معلوم، فإن القيادة هي، ببساطة، "التأثير على سلوك الأفراد والمجموعات للوصول إلى هدف مشترك." ولكن من مشاكل القيادة الشائعة هي الانحراف عن الهدف المشترك، وذلك إما لأسباب داخلية تتمثل في ظهور أوليغارشية/أوليغاركية ( = نخبة مسيطرة) تختزل الأهداف في مصالحها الذاتية؛ أو لأسباب خارجية تتمثل في الاختراق والسيطرة من قبل جماعة أخرى لها مآرب أخرى. وهذه تتطلب العناصر الرئيسية الثلاثة أعلاه، التي لو توفرت، كلياً أو جزئيا، تُمكن المجموعة الصغيرة، من السيطرة، ولو مؤقتاً، على أي تنظيم اجتماعي، مهما كان حجمه.
وهذا ما طبقه، وما يزال يطبقه عرمان وجماعته، بمساعدة حلفائهم في عملية الـ"سوفت لاندينغ،" في الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال، وما يزالون يحاولون فعل نفس الشيء في الجبهة الثورية.
يا زول! كيف الكلام دة!؟
أيوة. دة الحاصل. والمغالطنا يقرأ كتاب الأحدث، فتخبره الأحداث بما كان جاهلا.
الآن فلنأتي لنشاهد بعض حلقات مسلسل الأحداث لنرى:
بعد انتهاء مسرحية الانتخابات، خرج منها عرمان مدججاً بالآتي:
أ/ تنظيم أوليغارشي/أوليغاركي، من صنع يديه، يتكون من 13 ولاية في قطاع الشمال يأتمر بأمره.
ب/ كم كبير من الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، من عربات وبيوت وأثاثات، إلخ.
ج/ كم كبير من الأموال:
ج ـ 1ـ أموال قطاع الشمال: وتُقّدر بالمليارات، حسب مصادر موثوقة.
ج ـ 2 ـ وأموال "مسرحية الانتخابات،" وتشمل تبرعات مناصري الحركة الشعبية في الداخل والخارج وتقدر أيضا بالمليارات.
وفي هذا المقام، لأبد أن يعرف القراء مصير هذه الأموال. الحقيقة أن الموالين له كانوا يهربونها، بأمر منه، إلى خارج البلاد (الخليج وشرق أفريقيا)، عبر مطار الخرطوم، أحياناً محشوة في ملابسهم. وقد ترصدتهم أجهزة أمن النظام وتم اصطياد أحد معاوني عرمان في مطار الخرطوم، في يوم 22 يناير 2011م، وبحوزته (199) ألف دولار محشوة في ملابسه. وتم القبض عليه ووضعه على ذمة التحقيق في جرائم ومخالفات قانونية تحت المواد (5/6) من قانون النقد الأجنبي والمادة (198/199) من قانون الجمارك وتم تدوين كل ذلك في البلاغ رقم (133) لسنة 2011م بنيابة أمن الدولة. لكن لم يسمع أحد عن أي شيء بهذا الخصوص فيما بعد! لماذا؟
تقول صيغة المنطق الشائعة أن "البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير." "والبشرب مريسة تام زين ما يسأل ناس الحلة جابو الخبر من وين."
الحقيقة أن عرمان ذهب مضطرا، هذه المرة، لعقد صفقة "سرية" مع جهاز الأمن تم بموجبها إطلاق سراح المتهم ورُدت إليه الأموال العرمانية. بل وأخبرهم "ناس الأمن" بلطف: "ياخي مرقوها.. بس براحة براحة وبدون إحراجات في المطارات." كان المقابل لا يخطر على قلب أحد من أنصار مشروع السودان الجديد من البسطاء والذين تغرهم المظاهر والكلمات: كانت أهم بنود الصفقة بين عرمان وجهاز الأمن أن لا تستغل أموال وممتلكات قطاع الشمال في دعم عبد العزيز الحلو وناسه في جنوب كردفان/جبال النوبة، وخاصة العربات ذات الدفع الرباعي المتحركة والتي كانت مخزنة في حوش يتبع لأحد أتباع عرمان والتي كانت أكثر من ثلاثين عربة. والسبب في ذلك واضح. فالمؤتمر الوطني كان ينوي شن الحرب ضد الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان في منطقة جنوب كردفان/ جبال النوبة تحت كل الظروف بعد أن وضّب خطة رفع التمام بعد 72 ساعة بعد سحق الحركة الشعبية وجيشها الشعبي في المنطقة. وهو بالطبع كان يحسب حسابه للمقاتلين الأشداء من أبناء المنطقة وكان خوفه من أن تكون هذه العربات ذات الدفع الرباعي في أيدي هؤلاء الأشداء البواسل المجربين أثناء نشوب الحرب التي كان يخطط لها. وهكذا ارتكب عرمان واحدة من خياناته الكبرى لمن يفترض أنهم "رفاقه" في الحركة وفي الجيش الشعبي لتحرير السودان في ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة.
وقد ظل الكثيرون مندهشين حتى الآن بل وما زالوا يتساءلون عن السبب الذي جعل عرمان يقف ذلك الموقف العجيب، الذي لم يجدوا له تبريراً، أو تفسيراً، ألا وهو ورفضه لمساعدة الحركة الشعبية لتحرير السودان في الانتخابات المؤجلة في ولاية جنوب كردفان/جبال النوبة؛ وحتى العربات "الخمس،" أيوة (5)، التي "تبرع" بها مؤقتاً للوفد الذي سافر من كادوقلي إلى الخرطوم ليستجديه، كانت معطوبة، آي والله معطوبة، مما اضطر الوفد لشراء لساتك لها، وسرعان ما بدأ عرمان يطالبهم بإرجاعها قبل انتهاء عملية الانتخابات وبإلحاح ما كانوا يفهمون له سبباً فاضطروا لردها إليه، بصحبة أحد معاونية في قطاع الشمال، قبل أن تكتمل عملية الانتخابات في الولاية. وهو، في الواقع، كان ينفذ أوامر حلفائه الجدد في المؤتمر الوطني وجهاز أمنهم الذي صار، ويا للمهزلة، جهاز أمن مستقبله هو، بل وشريكه في تجارة الأوفر سيز = ما وراء البحار المسماة بالـ"سوفت لاندينغ!"
د/ بالإضافة لتلك الأموال، المذكورة آنفا، جاءت لاحقاً أموال توفيق الأوضاع، التي هي استحقاقات أعضاء الحركة الشعبية غير الجنوبيين العاملين في كافة مناحي العمل في الحركة، والتي، حسب ما أكده مصدرنا الموثوق، تتجاوز الستة مليارات من الجنيهات (بالقديم)، تعادل أكثر من مليونين من الدولارات الأمريكية، استلمها عرمان ومالك أقار، في أغسطس 2011م، ووضعاها في جيوبهما، دون أن ينال أصحاب هذه الحقوق منها "شروي نقير!"
هـ/ وفي أكتوبر 2010م تم تسليمه، أي عرمان، ملف مستقبل الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال، مكافأة له على دوره "البطولي" في "مسرحية الانتخابات" التي أثبت فيها، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه "زولهم" المناسب لإنجاز "المهمة التاريخية" الجديدة، مهمة الـ"سوفت لاندينغ."
وكان كل شيء في مكانه؛ فالجنوب تأكد أنه ذاهب لا محالة. ومالك أقار "أ ُعيد" إلى إقليمه حاكماً، وعبد العزيز "عاد" إلى إقليمه نائبا للوالي ليصبح، في أفضل الأحوال، والياً ـ اذا ما أفضى ما تبقى من مسرحية الانتخابات إلى انتخابه.
واكتملت أركان نظرية السودان القديم، في الرَّصَّة، ولو رمزياً. حيث وُضع مالك وعبد العزيز، كل واحد منهم في مطرحه الذي يليق به، حسب نظرية السودان القديم العنصرية الجهوية. ووفروا المقعد "القومي" لـ"زولهم،" عرمان، المدجج بالأوليغارشية والأموال وأساليب الاختراق والسيطرة، ليصبح القائد الفعلي للحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال = رئيس الرئيس.
وجاءت في تلك الظروف ترتيبات فك الارتباط ووضعت اللمسات الأخيرة للعملية ووطدت أقدام عرمان أكثر ومهدت له الطريق. وكانت العملية قد تميزت بصفة "الأوليغارشية العضوض" التي تجلت في الآتي:
1ـ تجاوز المؤسسية بغض الطرف عن دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان لسنة 2008م، وتجاوز نصوصه، بل وتجاوز أي عرف قانوني. تماما كما حدث في عملية ترشيح عرمان في الانتخابات.
2ـ اتخاذ القرار من قبل المكتب السياسي، وهو جهة غير مخولة.
3ـ إجازة "كل" التوصيات التي جاءت في "التقرير" الذي قدمه عرمان باسم القيادة الانتقالية الثلاثية.
4ـ تكوين القيادة الانتقالية الثلاثية بتعيين أقار رئيساً، والحلو نائباً للرئيس، وعرمان أميناً عاماً، حسب الاقتراح العرماني النازل من معاقل "السوفت لاندينغ" وتسليمهم "كل الصلاحيات."
وبذلك نال عرمان مبتغاه الذي كان يخطط له مع حلفائه في الداخل والخارج، وهو منصب الأمين العام في تركيبة أوليغارشية قابلة للاختراق والسيطرة، وأي أوليغارشية قابلة للاختراق، بطبيعة حالها، أكثر من غيرها، ليخترقوها ويسيطروا عليها. وهو يعلم وحلفائه، في الداخل والخارج، يعلمون، أن الأمين العام هو الضابط التنفيذي الأول في التنظيم. وهو الذي يتحكم بالفعل في مفاصل العمل اليومي، في الوقت الذي يكون فيه منصبي الرئيس ونائب الرئيس أقرب إلى منصبين شرفيين في التنفيذ والعمل اليومي، بالإضافة لكون شاغليهما هما "حكام أقاليم." الأمر الذي يوفر له أن يصبح "الحاكم العام" بالـ"دي فاكتو" = الأمر الواقع. وليس في الأمر عجب، فهذا موضوع قد وُضِعت مقدماته منذ البداية واختُتِمَت في مسرحية الانتخابات ـ كما رأينا.
وهكذا تم تحديد أهم ملامح الوضع المستقبلي للحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال بوضعها عملياً في يد عرمان ليسوقها إلى حيث يريد، وبالتالي حيث يريدون = حلفاؤه. وهو لم يقصّر في ذلك طبعا. وبدأ عمله باحتواء القيادة الأوليغارشية. ووضع يده على المال، بالإضافة لسيطرته المسبقة على مفاصل الجهاز التنفيذي في "التنظيم" من خلال منصب الأمين العام ومن ثم تقنين سيطرته واستبدال الحركة الشعبية لتحرير السودان، بحركته الشعبية الأخرى.
فبدأ عملية التقويض الشاملة: تقويض الهياكل وتقويض رؤية السودان الجديد. ومن خلال الإمساك بملف المفاوضات عمل لتقويض الجيش الشعبي لتحرير السودان وتهيئة المناخ لعملية "السوفت لاندينغ،" المصممة لتسريح ودمج الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال، وجيشها الشعبي، في النظام القائم، الذي أصبح حليفاً استراتيجياً للإمبريالية، التي لم تعد تسمح باسقاطه أو تغييره، ليستمر في خدمة مصالحها بعد "إصلاحه!"
(وأرجو من بعض الرفاق، الذين بدأوا يكتبون عن موضوع "السوفت لاندينغ" بغير علم، الكف عن ذلك حتى لا يصبحوا جزءا من آلة التضليل، فأنتم أصحاب القضية، والمستقبل ينتظركم، والتاريخ لن يرحم. أتركوا التضليل لعرمان ورعاة أغنامه الذهنية ونحن سنتكفل بهم).

أ/ تقويض الهياكل:

في قرار فك الارتباط، اعتمد المكتب السياسى الهياكل القيادية المقترحة للحركة الشعبية فى شمال السودان في "التقرير" الذي قدمه عرمان باسم القيادة الانتقالية. وهذه الهياكل القيادية المذكورة، قد أشار إليها الأمين العام (الأصلي) للحركة الشعبية لتحرير السودان، باقان أموم، في مؤتمره الصحفي الذي عقده في 13 فبراير 2011م، قائلا: "أن القادة الثلاثة سيقومون بتشكيل لجان من أعضاء مجلس التحرير القومي من الولايات الشمالية الـ (15) لإدارة شئون الحركة الشعبية في شمال السودان لحين قيام المؤتمر العام."
وللمعلومية، إن أعضاء مجلس التحرير الوطني
(National Liberation Council)
المذكورين هم ممثلي ولايات قطاع الشمال الـ(13) بعدد (6) ممثلين لكل ولاية، زائدا ممثلين آخرين للفئويات التابعة لقطاع الشمال. بالإضافة لممثلي ولايتي جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق، اللتان كانتا تتبعان لقطاع الجنوب بعدد (12) ممثلا لكل ولاية في مجلس التحرير الوطني
(NLC)
وبعد عشرة أيام من تصريح باقان، صرح عرمان، في 23 فبراير 2011م، وفي أول لقاء أجري معه عقب تعيينه سكرتيرا عاما للحركة الشعبية (ش)، قائلاً: "قمنا بتقديم تصور لاعادة البناء واتفقنا على القيادة وان يتم تكوين المكتب السياسى من (7) من اعضاء المكتب السياسى الاصل بالاضافه (15) رئيس للحركه بالولايات و(8) اخرين وسنعطى المرأه مكانة رئيسية وسيكون هنالك مجلس تحرير انتقالى وسكرتارية قومية برئاسة الامين العام و(4) اخرين."
ولا يغُرّنَّك الحديث عن الهياكل. فالذين يعرفون عرمان، يعلمون أنه من أنصار نظرية الحكم المطلق، المستبد. وبالتالي فإن الأجسام التنظيمية مثل المكتب السياسي أو مجلس التحرير الوطني/القومي ليست سوى أوعية وظيفتها تجيير أو تمرير الأجندة والقرارات أو السياسات الفوقية
(top down)
وهي في أقل الأحوال سوءا مجرد أدوات للمناورة؛ فالأرقام التي يصرح بها فيما يخص المكتب السياسي أو مجلس التحرير ليست سوى "احتياطي الرجعة." يلوح بها للاحتكام إليها إذا دعت الضرورة في أي خلاف فوقي، لأنه يعرف أنه بحكم الـ دي فاكتو (= الأمر الواقع) يتحكم في الأغلبية الميكانيكية المجهزة في قطاع الشمال، سواء على مستوى المكتب السياسي (الذي صرّح به أعلاه) أو على مستوى مجلس التحرير. والدليل أنه لم تجتمع هذه الأجهزة/الأجسام "الافتراضية" إلى أن تم حلها لاحقاً وظل الأمر "عملياً" محصوراً في القيادة الانتقالية الثلاثية بعد أن تأكد له أن الأمور تسير في الاتجاه الذي يريده.
وفعلا سارت الأمور في الاتجاه الذي يبتغيه عرمان لإنجاز مهمته التاريخية. وقد ظلت الاجتماعات محصورة في القيادة الثلاثية الانتقالية والقرارات تترى من الإجتماع الأول في 19 مارس 2011م إلى الاجتماع العاشر الذي عقد في الفترة من 9 إلى 12 فبراير 2012م، والذي توصلت فيه هذه القيادة الثلاثية إلى قرار بحل أجهزة الحزب/الحركة والإبقاء على مجلس التحرير الوطني/القومي، "الافتراضي،" بعد أن تم تكوين لجنة "لحصر عضوية مجلس التحرير والتحضير لاجتماعه الأول" كما يقول البيان الختامي لذلك الاجتماع.
وطبعا لا اللجنة حصرت العضوية ولا العضوية اجتمعت لتقوم "بمهام الجهاز التشريعى للحركة الشعبية،" كما ذكر القرار. وإنما قام بذلك الجسم الجديد الذي قامت بتكوينه القيادة الانتقالية الثلاثية، والذي سُمِّي بـ"المجلس القيادي." ذلك الجسم الذي ظهر أن مهمته الأساسية هي تمرير دستور عرمان وحركته الشعبية الأخرى، ذلك الدستور الملقب، زوراً وبهتاناً، بدستور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال لسنة 2013م. وهذا الأمر سنأتي له بالتفصيل في الحلقة القادمة.
هذا من جانب الهياكل. أما الجانب الآخر، المتعلق بجانب الرؤية، فقد اجتهد عرمان لتمرير تواطؤه الإيديولوجي مع الإسلاموعروبية، الذي كان مدفوناً تحت سطوة قرنق وسيطرة الجنوبيين. فبعد أن إنزاحت هذه العوامل، فرك عرمان يديه فرحاً ومضى في الأرض مَرِحاً كأنه بلغ الجبال طولا يبشر بلا خجلة بمعكوس السودان الجديد باسم السودان الجديد(!)
والما شايف خليه يجي يشوف.

ب/ تقويض رؤية السودان الجديد:


كما هو معلوم، وحسب نص البيان الختامي للاجتماع الأول، لعام 2011م، للمكتب السياسي للحركة الشعبية الأصل، الذي انعقد في الفترة من 12 ـ 15 فبراير 2011م، فإن المكتب السياسي، في ذلك الاجتماع على علاته، كان قد حدد الرؤية: وذلك بالنص على: "بقاء حركتين شعبيتين فاعلتين في الدولتين تتمسكان/ تسترشدان برؤية السودان الجديد لمصلحة السلام والاستقرار ورفاهية الشعبين في الدولتين."
ودة كلام جميل: التمسك والاسترشاد برؤية السودان الجديد، المعرّف بالألف واللام. وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لكن الواد عرمان كان عنده راي تاني. راي شنو؟ ياخي دة عنده أجندة عديل كدة(!!)
ولأنه ما عنده الصبر اليبل الآبري، أعلن في 23 فبراير 2011م (بعد عشرة أيام فقط)، أن لديه "لجان تبحث بلورة رؤية متسقة لمخاطبة قضايا دولة شمال السودان.. إلخ."
يازول رؤية شنو؟ مش قلتو قبل شوية "التمسك والاسترشاد برؤية السودان الجديد" معرفاً بالألف واللام كمان؟ الإستجد شنو؟؟
"لكن الفي بطنو حرقص براهو برقص." خاصة وأن صاحبنا قد قبص الهرابيش من منظمة أمريكية صديقة لـ"المجلس" باسم "الرؤية." والهرابيش، في عرف هذه المنظمات، هي المبالغ من مائة ألف دولار لتحت.
وفي 15 مارس 2011م تم تكوين ما سمي بـ"لجنة الرؤية والبرنامج" بفرمان من مالك أقار، واضح من لغته الركيكة أن كاتبه هو عرمان، مستنداً على صلاحيات ومهام موكلة له في قرار فك الارتباط بعد التشاور مع القيادة المكلفة. وكان (أبكر آدم إسماعيل) ضمن قائمة أسماء بعض الرفاق الآخرين برتبة "نائباً للرئيس." وكنت قد قرأت الفرمان، مثلي مثل غيري، منشورا في الأسافير التي صارت الغازيتة = الجريدة الرسمية التي ينشر فيها هؤلاء الحكام المطلقين الجدد قراراتهم.
وكنت قد رفضت المشاركة في تلك اللجنة. وكانت أسباب عدم مشاركتي مبنية على الآتي:
أ ـ معرفتي بالدور الذي يقوم به عرمان وأجندته وقد بينت ذلك لعدد من الرفاق حتى قبل أن يتم إعلان انسحاب/سحب عرمان من الانتخابات بأسابيع.
ب ـ قناعتي بأن رؤية السودان الجديد كافية ولا تحتاج إلا للمزيد من التأكيد والتوضيح وليس التعمية والتغبيش التي يسعى لها عرمان لتمرير أجندته الخاصة.
ج ـ ثم أنني كنت أقوم بعمل بنّاء هو في حسباني من صميم احتياجات مشروع السودان الجديد: مناهج معهد التدريب السياسي والقيادي، المعهد الذي ظل عرمان يحاربه منذ لحظة انشائه في عام 2008م.
غير أن عرمان لم يصبر إلا أيام قليلة حتى بدأ في تسريب أجندته الخاصة بالرؤية بطريقة دس السم في الدسم المعروفة في ركام من التناقضات الذاتية
(Self-contradictions)
التي تتسم بها طريقته المعهودة.
أسمعوا مثل هذه اللولوة: يقول عرمان في البيان الختامي للاجتماع الاول للقيادة الانتقالية المنعقد بتاريخ 19ـ20 مارس 2011م:
شمال السودان يمثل قلب افريقيا النابض ولن يتنازل عن انتمائه الافريقي وكعمق للعلاقات الافريقية العربية وسيظل صلة الجنوب بالعالم العربي والشرق الاوسط وكما سيظل الجنوب صلة الشمال بشرق وجنوب افريقيا.
إنه كلام مثير للضحك. يازول ياهو دة الإكليشية بتاع "جسر العروبة والإسلام إلى أفريقيا" الإمبريالي ذاتو وبجلالة قدره كمان. ثم أن عرمان لم يتورع من نقل نفس هذا النص، وبضبانته، ليجعل منه ديباجة لدستوره الذي يسمى، زوراً، بدستور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لسنة 2013م! اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللُّطف فيه.
يا عرمان ياخي عالمك العربي "بمحتواه الاسلامي الما عايز تجيب سيرتو،" دة، والعايز تحشره حشرا في خطاب السودان الجديد هو كيان إيديولوجي إمبريالي عنده رسالة دعوية
(conversion oriented)
ولا يستوي مع "المسكين" الذي ليس لديه مثل هذه الرسالة المسمى بـ"الأفريقي." وفي فقه وأدبيات الاستعمار/ ما بعد الاستعمار فإن وضع السودان كعمق لعلاقة بين هذين الكيانين، المفروزين تعسفاً بالعروبة، يجعل منه بالضرورة جسرا للأول إلى الثاني، حتى لو إنت ما عارف الكلام دة.
بعدين ـ يا زول ـ الدكتور جون قرنق كان فاهم الموضوع دة تمام. وشرحه بعضمة لسانه وقال: "العروبة جزء لا يتجزأ من السودان وليس العكس، كما أن الإسلام جزء لا يتجزأ من السودان، وليس العكس." وبالمنطق الذي يفهمه حتى الدجاج الالكتروني، "أن ما يصدق على الكل يجب أن يصدق على الجزء الذي يندرج تحته بينما العكس ليس صحيحاً." وإنت جاي تعملوا لينا "عمق،" التي هي في الواقع تحريف (أو تصحيف) لكلمة "جسر" الإسلاموعروبية العديلة ديك؟ وهو، أي دكتور جون، لأنه كان عارف إنو أمثالك ديل كتار وإنو الموضوع فيهو إمبريالية وكدة، فزادك من الشعر بيتين:
قال ليك في فلسفة السودان الجديد، السودانيزم (مش "السودانوية/السوداناوية،" بالمعنى الطافحين بيهو إنت وجماعتك اليومين دي) قايمة على "الوحدة في التنوع." وشرح القصة أكتر في معادلات رياضية. وقال ليك التنوع دة يقوم على التنوع التاريخي والتنوع المعاصر. عشان يوضح ليك إنو في الحالين العروبة دي جزء والإسلام كذلك. بل وأكتر من كدة يُفهم من الكلام دة، ولو ضمنياً، إنو العرب والمسلمين القاعدين في السودان ديل، أو في أفريقيا عموما، هم أفارقة زيهم وزي غيرهم من الأفارقة، ولا يمكن وضع الأفارقة في مقابلهم كآخر (= موضوع للذات) إلا بحيلة إيديولوجية إمبريالية بإعادة تعريف هؤلاء "العرب الأفارقة" ككائنات/ذوات متعالية/مستعلية على مَنْ هم غيرهم مِن أفارقة وهذا لا يتوفر إلا في سياق الأيديولوجية الأمبريالية الإسلاموعروبية بتاعة السودان القديم، لأنه السياق الوحيد الذي يميزهم عن بقية رصفائهم الأفارقة، السودانيين وغير السودانيين، باعتبار هؤلاء "الأفارقة" موضوع (وفي رواية أخرى عبيد عديل كدة) لهذه الذات الإمبريالية الإسلاموعروبية، ومن ثم جسر أو عمق، إلخ، إلى أفريقيا.
لكن عرمان كما ذكرنا أعلاه يمارس "التواطؤ الإيديلوجي" مع الإيديولوجية الإمبريالية الإسلاموعروبية، إيديلوجيا السودان القديم. والتواطؤ الإيديولوجي موقف غير أصيل، بل هو في الواقع موقف انتهازي يريد صاحبه أن ينتفع بالشيء دون أن يدفع ثمنه. هو مثل ذلك البرجوازي الذي وصفه صنع الله إبراهيم في إحدى قصصه؛ فهذا البرجوازي المذكور يتبنى شعارات اشتراكية لينال الحسنيين: يخرج في الصباح وينال الاستحسان كمناضل اشتراكي ويعود في المساء ليستمتع بكل امتيازات البرجوازية.
فعرمان، في أقل الأحوال سوءاً، مثل صديقه البرجوازي إياه، يريد أن يسوق نفسه بإعادة إنتاج خطاب الإسلاموعروبية في منابر مشروع السودان الجديد لينتفع منه بضمان استمرار امتيازاته الإثنية/ الجهوية، التي منحها له الدكتور جون قرنق في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لا لجدارة يملكها، وإنما لضرورة مرحلية مرتبطة بالعصبية الإثنية/ الجهوية في تفكير بعض السودانيين الذين يُطلق عليهم لقب "الشماليين،" في الخطاب الشائع. لكن عرمان يريد أن يجعل من هذه الامتيازات امتيازات دائمة/أبدية حتى وإن قَبِلَ "الشماليون،" العرب المسلمون، أنفسهم بالدكتور جون قرنق قائدا لـ"الأمة" السودانية. عرمان يريد أن يرجع عجلة التاريخ إلى الوراء.
وفي هذا السياق، فإن الإسلاموعروبيين، بمن فيهم شيخهم الطيب مصطفى، أشرف منك يا عرمان، لأنهم يدافعون عن فكرة يؤمنون بها، مهما كان خطلها، ومستعدون للدفاع عنها بل والموت من أجلها، ينتفعون بثمارها إن أثمرت ويتحملون خسائرها إن باءت بالخسران، أما أنت يا عرمان فتمارس "الربا الفكرية؛" فإنت تريد أن تنتفع من ثمار الإسلاموعروبية في سوق السياسة دون أن تتحمل أياً من خسائرها. مثلك تماما مثل كل المرابين في أي مكان وفي أي زمان.
يريد عرمان أن يستفيد من توظيف خطاب الإسلاموعروبية بأن :الشماليين،" "العرب المسلمين،" لا يقبلون بحاكم غير عربي أو غير مسلم وفي نفس الوقت يريد أن يقنع أبناء القوميات الأخرى بشعارات السودان الجديد وبحجة أن قبولهم به "سيمهد" لهم الطريق للقبول بهم من قبل الإسلاموعروبيين. يا هوندة ميكانيزم الترميز التضليلي ذاته لكن بالناكوسي(!)
وبهذا الموقف الانتهازي، يظن عرمان أنه يستطيع أن يخدع الطرفين ليؤمن زعامته ويحقق أغراضه الذاتية.
يازول فكرة السودان الجديد بقت واضحة للناس، بقدر كبير ومتزايد في كل يوم وكل ساعة، وهم لم يعودوا في حوجة إلى خدمات من هم من شاكلة عرمان ولا غيره.
والسودان الجديد هو في نهاية المطاف وطن لأناس شركاء وليسوا سادة وأتباع أو راعي ورعية ـ كما يفهم عرمان.
وما دام طلقت أغنامك الذهنية وتركتها ترعى في زراعة المهمشين، تعال النوريك يا عرمان: إن الثوري الأصيل، يا هذا، هو الذي يتخلى عن امتيازاته، ليس باعتبار هذا التخلي تضحية أو عربون لشراء الزعامة وإنما باعتباره واجب. لكن الإنتهازيين من أمثالك لا يفهمون مثل هذا المعنى.
وكما تشاهدون، أيها القراء الكرام، فالانتهازيون من أمثال عرمان، ومن شاكلهم من الأنبياء الكذبة، تكشف عنهم أعمالهم، فهم يؤجرون الكتبة والفريسيين ورعاة الأغنام الذهنية وعمال المقطوعية الإسفيريين من أموال المهمشين المنهوبة ليروجوا لـ"نضالاتهم" و"تضحياتهم" المزعومة التي يمُنّون بها على هؤلاء المهمشين ليستمروا في استتباعهم وتزعُّمهم "بالعافية!"
يا لها من مهزلة!!
المهم، يا زول، بدأت اللجنة المذكورة عملها وواصلت مداولاتها التي قُدمت إليها أكثر من أربعين ورقة، شارك فيها بعض عتاة الكتاب الإسلاميين. ناقشت الأوراق المقدمة الكثير من الأمور كما قدمت العديد من المقترحات أهمها مقترح تغيير اسم الحركة إلى أن وصلت إلى "الخلاصة."
وكانت الخلاصة هي: مخطوطة منفستو "الحركة الشعبية للديمقراطية والمواطنة." أضغط اللينك التالي:
https://www.4shared.com/office/THKApmFPce/____.html
بذلك توصل عرمان لمبتغاه وهرول إلى صاحبه مالك أقار وأقنعه بذلك.
ولما عرف بعض الرفاق بالأمر دعوا لعقد ورشة لوضع مسودة للمنفستو بالطرق العلمية. وقد بادرنا في معهد التدريب السياسي والقيادي بعقد الورشة في مايو 2012م، والتي قُدم فيها عدد من الأوراق عن الأسس العلمية لكتابة المنفستو وتاريخ منفستوهات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وأدبيات الحركة الشعبية وتطور أدبيات مشروع السودان الجديد، وفي ختام الورشة تم تكليف لجنة من عدد من الرفاق لوضع مسودة للمنفستو وقد قاموا بالمهمة خير قيام. الأمر الذي أزعج عرمان غاية الإزعاج وأجج في نفسه نار الموجدة القديمة، ولكنه أُسقط في يده، ولم يستطع التعليق بكلمة واحدة على هذه المسودة. ولجأ إلى شغل تحت الطاولة وخلف الكواليس.
ثم فيما بعد، حين واجه صعوبة في تمرير مسودته، حاول عرمان، في يناير 2013م، الالتفاف حول الموضوع، وسعى لاقناع عبد العزيز الحلو لتغيير الاسم، اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، كمقدمة لتمرير بقية أجندة مشروع التقويض ولكنه لم يوفق في اقناع عبد العزيز.
وبعد هذا الفشل، التف حول الموضوع، مرة أخرى، وسعى لتمريره بالقفز فوق موضوع المنفستو لتقنين سيطرته من خلال الدستور، ونجح هذه المرة، بواسطة وسائله الملتوية، في تمرير دستوره الذي سمي بـ"دستور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لسنة 2013م."
وفي الحلقة القادمة سنتناول ملابسات دستور عرمان الذي سمي زوراً وبهتاناً بـ"دستور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لسنة 2013م."
ومن لم ير العجب في حياته، سيراه في دستور عرمان.
فترقبوا
Stay tuned

أبَّكر آدم إسماعيل
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

أدَّى تراكم خلافاتٍ بين عبد العزيز الحلو، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، من جهة، وبين كلٍّ من مالك أقار، رئيسها، وياسر عرمان، أمينها العام، من جهة أخرى، إلى أن يتقدَّم الأوَّل باستقالةٍ مُسبَّبةٍ، هذا نصُّها:



– الرفيق رئيس مجلس تحرير إقليم جبال النوبة / جنوب كردفان

– الرفاق أعضاء مجلس تحرير إقليم جبال النوبة / ج كردفان

– الرفاق الحضور من أعضاء المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان

– الرفاق الحضور من أعضاء المجلس القيادي لإقليم جبال النوبة / ج كردفان

– الرفيق رئيس أركان الجيش الشعبي – شمال

– الرفيق حاكم إقليم جبال النوبة / ج كردفان بالإنابة



أحييكم باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بمناسبة انعقاد أول اجتماع لمجلس تحرير الإقليم منذ أن بدأت الحرب الثانية و كأعلى سلطة سياسية في الإقليم في غياب مؤتمر الإقليم .

الكل يعرف ريادة جبال النوبة في الممارسة الديموقراطية بفضل دور القائد المعلم يوسف كوة مكي الذي قام بارساء مبادئ و أسس متينة للنضال القائم على الديموقراطية و حرية الرأي و القيادة الجماعية ، و بذلك سبقت جبال النوبة كل الأقاليم الأخرى فى الحركة الشعبية آنذاك للدرجة التى دفعت القائد المعلم د. جون قرنق فى المؤتمر القومى الأول عام 1994 لاقتباس تجربة حبال النوبة و تعميمها من مستوى الهيئات القيادية القومية للحركة و إلى كل الفروع و الأقاليم وقتها . و مبدأ الديموقراطية و الاحتكام لآراء ممثلي الشعب هو روح الحركة فى جبال النوبة و سر قوتها و استمراريتها حتى اليوم . فعليكم التمسك بهذه القيم و التقاليد الديموقراطية التى تتمشى مع طبيعة مجتمع النوبة و أهداف التحرر و روح العصر و ممارسة هذه الديموقراطية بمسؤولية و عقلانية تضع نصب عينها الهدف النهائي المتمثل في القضاء على التهميش بكل أشكاله و أنواعه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية من قبل المركز العروبي الإسلامي الإقصائي .


التحية لشهداء التحرير و الجرحى و الأيتام و الأرامل و كل المناضلين عسكريين و مدنيين .


التهنئتة لكم كأجيال متميزة من شعب النوبة تمكنت من تحقيق جزء كبير من تطلعات الشعب و أهداف قادة النوبة و المهمشين الرواد / يوسف كوة مكي ، فيليب عباس غبوش و يوسف مبارك الماشا، بتمكنكم من خلال العمل الدؤوب و الصبور من امتلاك أهم أدوات النضال اللازمة لنيل الحرية و إنهاء التهميش و التى تتمثل في :


– امتلاك رؤية صحيحة تتمثل في مشروع السودان الجديد .

– تطوير كوادر سياسية و عسكرية و إدارية مقتدرة و مؤهلة لقيادة و خوض غمار النضال من أجل تحقيق هدف التحرر .

– بناء قوة عسكرية عتيدة قاومت عدوان القوات المسلحة للسودان القديم و بالتعاون مع الحلفاء لمدة الثلاثين عاماً الماضية .

– بناء مؤسسات إدارية فاعلة مدنية و أهلية .

– بناء منظمات مجتمع مدني نشطة و ذات علاقات واسعة .

– امتلاك نظام تعليم و مناهج جديدة تتوافق مع احتياجات السودان الجديد .

– امتلاك مؤسسات مالية يمكن أن تشكل حجر الزاوية لإزالة التهميش و تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية أثناء و بعد التحرير .

– انتشار الوعي السياسي وانخراط معظم جماهير شعب النوبة في النضال السياسي و المسلح و تحرير أراضي و اسعة شملت الشريط الرملي و تقلي و كاونيارو .

– اعتراف دولي و إقليمي بشرعية نضال النوبة و وصول القضية إلى مضابط الاتحاد الأفريقى و الأمم المتحدة .


ولكن لماذا طال أمد الصراع المسلح و المعاناة رغم تلك الإيجابيات و الإنجازات التي ذكرنا أعلاه؟

أولاً : نجيب بأن شعب النوبة يطالب بالحقوق و الحرية و أن الحقوق و الحرية عادة لا تمنح بالاستجداء و إنما تنتزع بالقوة و هنا يجب أن نذكر بأن القادة الرواد فيليب غبوش و يوسف كوة جربوا كل ممكنات الوسائل السلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة لشعب النوبة عبر البرلمانات و غيرها و لم يجدوا إلا القمع و القهر و السجون و القتل من جانب مؤسسة الجلابة الحاكمة في الخرطوم . و لم يترك لهم المركز من سبيل آخر إلا وسيلة واحدة وهي الكفاح المسلح ، لأن المركز نفسه قد بنى مشروعيته على القوة و العنف العاري لوحدهما ، و لا يملك وسيلة أخرى للتعامل مع القضايا الوطنية السياسية و المطالب المشروعة الأخرى إلا عبر فوهة البندقية . لذلك لم يرتكب النوبة خطأ عندما لجأوا للكفاح المسلح… و لا تستمعوا للمخذلين و الآخرين الذين يبخِّسون من مقاومتكم المسلحة لمشروع الإبادة أو يقللون من شأنها و محاولة إشعاركم بأن ما تقومون به من نضال مسلح غير مجدي .. إرجعوا للتاريخ و ستجدون أن كل الشعوب القوية في العالم اليوم كانت قد حاربت من أجل نيل حريتها بدءاً من الإنجليز و الأمريكان و الفرنسيين و النرويجيين و الصينيين إلخ .. ناهيك عن حروب التحرير المعاصرة و التي نشبت أمام أعينكم في دول الجوار بدءاً من تجربة جنوب السودان ، إثيوبيا ، إرتريا ، يوغندا ، تشاد إلخ … كل ذلك لأن الحقوق تُنتزع و لا تُمنح. خاصة في مواجهة دولة لا عقلانية مثل دولة الجلابة في السودان و التي كشفت عن عنصرية عرقية بائنة باخرة و حروب ارتفعت لمستوى الإبادة و القتل على الهوية و احتلال أراضى مواطنيها المهمشين . و أقول لكم إنه لولا قرار يوسف كوة و تنظيم الكمولو الصائب برفع السلاح فى عام 1984 أي في الوقت المناسب لكان مصير النوبة مثل مصير الزرقة في دارفور اليوم . و هنا يجب أن نذكر بأن تاريخ أي مجتمع في العالم هو عبارة عن صراع إما ضد مستغل و مستعمر داخلي أو ضد عدو خارجي … لذلك ليس غريباً أن تطول الحرب و المعاناة من أجل الحرية . خاصة إذا عرفنا بأننا لا نحارب الخرطوم لوحدها و إنما كل الدراويش على طول العالم زائداً العروبيين الشوفينيين الذين يقفون من ورائها و يمدونها بالسلاح و المؤن لإبادتنا، و لا من سبب إلا الدين و العرق و اللون و الأرض . و تكفي تجربة جنوب السودان الذي حارب لمدة خمسين سنة لكنه نال حريته و استقلاله أخيراً . فلا يجوز تأجيل النضال أو تركه و تحميل مسؤليته للأجيال القادمة .. لأنه سوف لن تكون هناك أجيال قادمة مع سياسة الإبادة الجارية حالياً إذا قمتم بتأجيل الحرب ، خاصة و أن بيننا من يقول و يروج بأننا لن نستطيع أن نهزم النظام و نحقق السودان الجديد دفعة واحدة . لذلك علينا أن نوقع أي اتفاق و نذهب و نعمل لتحقيق التغيير من الداخل عبر العمل الجماهيرى و الإعلامى و النضال السلمي . يجب تفويت الفرصة على هؤلاء ، و أن لا تنخدعوا لهم . يجب عليكم كأجيال حاضرة واعية و قادرة على تحمل المسؤلية كاملة و مواصلة مشوار التحرير مهما كان الثمن للوصول للنهاية المنطقية و هى الحرية . لأن الظروف المتوفرة اليوم قد لا تتوفر غداً للآخرين من الأجيال اللاحقة إذا وجدوا . و تجربة البوليساريو حاضرة أمامكم . وأن الأجيال التي سبقتكم لم تجد سنداً خارجياً لمئات السنين ، حتى جاء منقستو هايلى مريام و غيره لمدكم بالسلاح بهذه الكمية المتاحة الآن . الأجداد كانوا يحصلون عليه بصعوبة و بكميات شحيحة فى شكل البنادق القليلة التي كان يهرب بها أفراد و جماعات صغيرة من النوبة الذين كانوا يعملون عساكر في جهادية الأتراك و المهديين للدفاع عن أهلهم بالجبال ضد تجار الرقيق ، و هو سبب وجودكم اليوم في هذه القاعة . و إلا لكنتم قد هلكتم منذ مائتين سنة .

ثانياً : طالت الحرب كذلك بسبب انقسام الضمير السياسي السودانى القائم على أساس تعارض المصالح بين المستفيدين من المركز العروبي الإسلامي و المهمشين المتضررين من هذا المركز من جهة . إضافة إلى انقسام الوجدان الجمعى القائم على أساس التباين الثقافى و صراع الهوية و هل هي عربية أم أفريقية ؟ من جهة أخرى . الواقع أن الشعوب السودانية انقسمت إلى فريقين في الصراع الذي بدأ منذ 1955 و الذي اتخذ طابعاً مسلحاً منذ البداية بسبب عنف المركز . فريق مع رؤية السودان الجديد الذي يسع الجميع و فريق آخر مع المشروع العروبي الإسلامي الإقصائى الذي يحارب من أجل تثبيت الوضع القائم و الامتيازات التي و فرتها لهم دولة الجلابة عبر استنزاف الأطراف . و لا يوجد محايد في هذه الحرب .. حتى دعاة الجهاد المدني هم عملياً جزء من قوى المركز و السودان القديم مع تفاوتات ” لأن الجاك سوف لن يرضى بتفكيك البيت الذي بناه أو يتعاون في ذلك حتى و لو من أجل إعادة تأهيله وتطويره ” . و المنطق يقول طالما أن المركز أقام شرعيته على القوة و العنف المجسد في الجيش السوداني و عدوانيته على المواطنين العزل ، إضافة لكل ترسانة القوانين و مناهج التعليم المختلة و الإعلام المنحاز، فإنه لا يستقيم عقلاً أن يسمح هذا المركز بتغيير بنية دولته جذرياً عبر التظاهرات و العصيان المدنى لوحدهما. و لنا عبرة في تجارب الماضي لانتفاضتي أكتوبر 1964 و أبريل 1985 . هل تمكنت تينك الانتفاضتين من إنجاز التغيير الجذري المطلوب في بنية المجتمع السوداني أم كانتا امتداداً و استمراراً و مواصلة لنفس ترتيبات و ترابية دولة الجلابة القائمة منذ 1954 ؟ لم يجنِ السودان و على الأخص الهامش من تلك المسرحيات شيئاً مفيداً . سواء كان تحولاً ديموقراطياً حقيقياً أو عدالة تذكر . كان هناك عملية تغيير للوجوه الحاكمة نعم، و لكن لا شئ تبدل و لا تغيير جوهري في أسس النظام ، بل استمرار لنفس السياسات الإقصائية و استبدال الدكتاتوريات العسكرية بدكتاتوريات مدنية أشرس ، زادت من تسعير الحروب ضد الهامش في الحالتين . و نقول إذا كان لا بد من تحالفات مع تلك القوى فليكن ، و لكن لا بد أن ترتكز على أسس مشروع السودان الجديد .

و هنا يجب التأكيد على أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لا زالت تعمل من أجل بناء سودان علماني ديمقراطي موحد على أسس العدالة و المساواة و الحرية . و إذا تعذر ذلك و تمسك المركز بثوابته المتمثلة في تحكيم قوانين الشريعة الإسلامية و كل القوانين الأخرى التي تفرق بين السودانيين على أساس العرق و الدين و اللون و الثقافة و اللغة و استمرار الإبادة بشكليها الثقافي و الحسي، فإن شعب النوبة ، قد سبق أن طالب بحق تقرير المصير في مؤتمر كل النوبة في عام 2002 عندما تأكد من أن الاتفاق الإطار لمشاكوس لم يلغِ الشريعة الإسلامية في الشمال و الذي يمثل أداة الاضطهاد الأولى . و ذلك المطلب بحق تقرير المصير ليس منقصة أو عيباً أو جريرة يقوم بها شعب مضطهد في وطنه ، بل هو حق ديموقراطي للشعوب و منصوص عليه في كل المواثيق و المعاهدات الدولية و مورس بواسطة عشرات الشعوب بما فيها السودان في العام 1955 من داخل البرلمان للتحرر من الاستعمار . و هو أداة للتحرر حتى من المركزية الداخلية عندما تفقد عقلانيتها و تتحول لمستعمر كما تم في حالة جنوب السودان .

لذلك فإن التصريحات التي تصدر أحيانا بأن الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ليست مع حق تقرير المصير و لا تريد جيشين .. نؤكد أن تلك التصريحات لا تعبر عن رأي أو رؤية الحركة الشعبية و ذلك لأن الحركة الشعبية تحارب من أجل العدالة و لا تستثني أياً من الوسائل التي تحقق العدالة . و أن أي مناضل من أجل الحرية و العدالة ووقف الإبادة و الفصل العنصري لا يمكن أن يرفض حق تقرير المصير كآلية ديموقراطية لفض النزاعات سواء كان تقرير مصير خارجي أم داخلي . أما جيش التحرير فهو كذلك أحد و أهم آليات و وسائل النضال من أجل الحرية وتحقيق التحول الديموقراطي و لا يمكن حله في ظل ما يجري الآن من عنصرية مزدوجة و عنف الدولة المركزية الذي قتل ملايين السودانيين العزل .

و هنا أرى أنه من حقكم أن تحصلوا عليَّ توضيحٌ من جانبي ، ذلك بأننا أي الضباط التنفيذيين الثلاثة في المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لدينا خلافات، و الخلاف شيئ طبيعي في العمل ، و لكن عندما يتجاوز خلاف الرأي المسائل الثانوية إلى المبادئ و التوجهات أي الحد المعقول تبدأ المشكلة ، و أكرر من حقكم كمجلس تحرير و ممثلين للشعب أن تعرفوا بعض نقاط الخلاف بيني و بين الرفاق رئيس الحركة و الأمين العام . و منها :

1- المنفستو و الدستور :

لقد مرت قرابة الستة سنوات الآن و الحركة الشعبية تسير بدون منفستو . لماذا؟

بعد فك الارتباط كان هناك منفستو كتبه د. الواثق كمير يدعو لتغيير اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الحركة الشعبية للديموقراطية و المواطنة إضافة إلى تغيير الأهداف و الوسائل . و لم أتفق مع الأمين العام على ذلك لأن الحركة الشعبية و الجيش الشعبي عندهم تاريخ امتد لثلاثين سنة من النضال و ملايين الشهداء و الأيتام و الأرامل و عندهم وثائق و متطورة، فلا يمكن أن نقوم بإلغاء ذلك كله و توليد حركة جديدة . خاصة و أن المواطنة مسألة مرحلية مربوطة بمرحلة الدولة الوطنية ولم تكن موجودة من قبل و يمكن أن تزول مستقبلاً أو يتم إلغاءها ، لكن مشروع تحرير الإنسان سيستمر و سيظل موجوداً حتى لو تحول العالم كله لدولة واحدة . كما أن الديموقراطية نفسها مرحلية و عبارة عن وسيلة فقط لكن الهدف من ممارستها هو تحقيق الحرية و الحرية كهدف ليس لها حد … و أن البشرية ما زالت تناضل و تبحث عن نظم حكم تمثيلية أرقى و أعدل مما هو قائم الآن . و لذلك لا يوجد سبب للتخلي عن مبدأ و هدف التحرير و هو لانهائى فى اسم الحركة الشعبية و تبديله بأهداف مؤقتة . و لذلك طلبت من د. أبكر آدم إسماعيل و مركز دراسات السودان الجديد بمراجعة مسودة د. الواثق و العمل لتقديم مسودة أخرى . و تم ذلك و قمنا بتكوين لجنة برئاسة ياسر جعفر للخروج بمسودة واحدة للمنفستو . و لم تظهر تلك المسودة المنتظرة حتى اليوم .

و فى عام 2013 أثناء أنعقاد اجتماع المجلس القيادي بكامل هيئته (12) عضو ، فوجئت بقيام الأمين العام بطرح مسودة الدستور لإجازتها قبل الاتفاق على المنفستو . و قمت بالاعتراض على ذلك الإجراء ، و قلت في ذلك الاجتماع إن الدستور يجب أن يستند على المنفستو كمرجعية فكرية و طالما أننا لا نملك منفستو الآن ، علينا أن نعمل بدستور الحركة الشعبية القديم لحين الاتفاق على منفستو جديد يأخذ التطورات التي طرأت بعد استقلال الجنوب في الحسبان . و لكن مع إصرار الأمين العام و مساندة رئيس الحركة له ، تمت مناقشة الدستور بواسطة المجلس و إجازته . و كلكم تعرفون ما حدث من جلبة بعد ذلك . و بعد إجازة الدستور تم قتل مشروع كتابة المنفستو حتى اليوم . و الحركة تسير بدون منفستو إلا من اجتهادات الأفراد و هذا أساس المشكلة .

و أنبه أن كتابة منفستو للحركة الشعبية ضروري و أن أي منفستو للحركة الشعبية يجب أن يرتكز على رؤية السودان الجديد و يعبر عن مصالح و أولويات الهامش و المهمشين عموماً بمختلف درجات تهميشهم .

2-المؤسسية :

في عام 2012 اتفقنا على ضرورة إحياء أو بناء الهياكل القيادية للحركة الشعبية – شمال بعد استقلال الجنوب و بدء الحرب الثانية فى يونيو 2011 .

أولاً : المكتب السياسي/المجلس القيادي :

بعد استقلال الجنوب و فك الارتباط تبقى سبعة من أعضاء المكتب السياسي في الشمال . و لكن بعد أن بدأت الحرب الثانية في 2011/6/6 كان الحضور من أعضاء المكتب السياسي أربعة فقط . فقمنا بتعيين 8 أعضاء جدد ليرتفع العدد إلى 12 عضو و على أن يتم تكملة العدد إلى 27 عضو فيما بعد . و لم نتفق على التكملة حتى اليوم .

ثانياً : مجلس التحرير القومي :

نتيجة للاختلاف حول نسب التمثيل تم تشكيل لجنة لحصر العضوية الموجودة بعد الحرب و على أن ُينظر في تكوين المجلس بعد الحصر على أسس عادلة تأخذ في الحسبان المشاركة الفعلية في النضال، و لكن لأسباب كثيرة ظل الأمر معلقاً منذ 2012 و حتى اليوم و لم يتم تكوين مجلس التحرير القومى .

ثالثاً : الأمانة العامة للحركة الشعبية :

هي الجهاز التنفيذي الذي تقع على عاتقه مسؤليات سياسية كبيرة و تحتاج لمتابعة و عمل يومي . لذلك قمنا بتعيين أربعة مساعدين للأمين العام و لكنه لم ينجح في تفعيل هذه المكاتب الأربعة ، رغم تذكيرنا المتكرر له بضرورة الاستعانة بالمساعدين، و لكنه لم يستمع و ظل يعمل لوحده و كانت النتيجة، إما الانفراد بالقرار أو العمل عبر أفراد أو مساعدين شخصيين باختياره هو ، و عددهم أكبر من عدد المساعدين الدستوريين الأربعة .

و فى جانب آخر تم الاستعاضة عن بعض المؤسسات كمجلس التحرير القومي بالعمل عبر أجسام تفتقر للصفة الدستورية، كبدعة اجتماع قيادة موسع و مفتوح بلا سلطة قانونية و لا حق في اتخاذ أي قرار عبر التصويت في القضايا و المسائل الهامة . و هذا قلل من قدرة الأمانة العامة على إنجاز كثير من مهامها الأساسية ، مثل بناء الحزب في المناطق المحررة و مناطق سيطرة الحكومة ، و فروع الحزب بالخارج ، العلاقات الخارجية ، التدريب ، الإعلام ، المالية إلخ .. إلخ ..

رابعاً : الإعلام :

الإعلام أداة هامة في النضال لشرح رؤية الحركة الشعبية ، أي رؤية السودان الجديد . و رغم ضيق الإمكانات و المساحة المتاحة كان يمكن أن يتم تسخيرها لتقوية الموقف التفاوضي للحركة الشعبية مع النظام . و لكن كانت معظم التصريحات التي تصدر في تلك المساحة الضيقة المتاحة ، لا تعبر عن رؤية السودان الجديد أو الخط السياسى للحركة الشعبية و الأمثلة كثيرة منها : (لا نريد حق تقرير المصير في تجاوز و اضح لمبدأ الوحدة الطوعية و خيار شعب جبال النوبة في مؤتمر كل النوبة 2002 . و مثال آخر : لا نريد جيشين رغم معرفتنا التامة لبراعة النظام في خرق الاتفاقيات و عدم الالتزام بتنفيذها ، و ما زاده عليها من ممارسة للإبادة و التطهير العرقى) . و أحياناً تصل هذه التصريحات لدرجة تغيير شعارات الحركة الشعبية التي تنادي بالعدالة و المساواة و الحرية بشعارات أخرى مثل، السلام و الطعام و المواطنة بلا تمييز إلخ .. إلخ .. و ما يعني ذلك من تضييق لمطالب و أهداف الحركة الشعبية الأصلية في المساواة و العدالة و الحرية الأوسع و الأشمل .

خامساً : العلاقات و المكاتب الخارجية :

صار اختيار و تعيين ممثلي الحركة الشعبية لدى الكثير من الدول مسألة خاضعة للمزاج الشخصي و إلا فإن هناك معايير سرية لا علم لي بها في اختيار جزء من أولئك الممثلين .

سادساً : التفاوض :

لا حوجة لإضاعة الوقت في مسألة تجاوز رئيس وفد التفاوض لتقاليد تكوين لجان التفاوض في الحركة الشعبية منذ تأسيسها و عدم وضوح المعايير التي اعتمدها في ذلك، خارج شرط العضوية و الالتزام بمبادئ الحركة ، التي تم ابدالها بمعيار الخبرة . بل سأركز على استمراء عادة تخفيض سقف مطالب الحركة الشعبية في المفاوضات و باستمرار دون مقابل أو تنازلات من جانب وفود الحكومة التي ظلت تتمسك بثوابت الإنقاذ ، مثل حكم الشريعة و تجريد الجيش الشعبى من السلاح . سيكون تركيزي على الاختلاف حول المواقف التفاوضية و خاصة في بند الترتيبات الأمنية . لأن التنازل في الترتيبات الأمنية يعني في نظري تجريد الجيش الشعبىي من سلاحه عبر وسيلة استيعابه في جيش المؤتمر الوطني ، و إنهاء دوره كضامن لتنفيذ أي اتفاق ، أو كأداة ضغط لتحقيق التحول الديموقراطي و السلام العادل . و يتمظهر ذلك في الآتي :

1- بعد 22 يوم فقط من بداية الحرب الثانية فى 2011/6/6 ، عرض عليَّ الأمين العام و رئيس الحركة مسودة الاتفاق الإطاري ، المسمى نافع/عقار أو 28 يونيو . و اعترضت عليه بسبب الفقرات الخاصة بالترتيبات الأمنية ، لانها كانت تهدف لاستيعاب الجيش الشعبي في جيش المؤتمر الوطني . لكنهم تجاهلوا رأيي و قاموا بالتوقيع على الاتفاق الإطاري نافع/ عقار . و في اعتقادي أن السبب في تجاهلهم لرأيي كان بسبب وجود عدد من الضباط من جبال النوبة معهم في الوفد بأديس بجانب اسماعيل جلاب . و بذلك اعتبروا أن رأيي غير مهم .

2- بعد أن رفض البشير الاتفاق الإطاري و مزقه ، اتفقنا على إلغائه و البدء فى عمل إعلان مبادئ أو اتفاق إطاري جديد بعيداً عن اتفاق 28 يونيو . و ذلك وهو الذي استغرق خمسة سنوات و ما لا يقل عن 14 جولة تفاوض بسبب تعنت النظام .

3- في أثناء وجودي بالإقليم في 2015 طرح الوفد التفاوضي للحركة مطلب الحكم الذاتي للمنطقتين دون مشاورتي أو أخذ رأيي . و عندما التقيت الرئيس و الأمين العام بعد ذلك و سألتهم لماذا تم ذلك ؟ قالوا إن البشير سوف لن يقبل مطلب تقرير المصير أو الكنفدرالية ، و لكن يمكن إقناعهم بمنح سلطات كنفدرلدالية من دون أن نسميها كنفدرالية تحت اسم الحكم الذاتي ، كما حدث مع جنوب السودان في مشاكوس . و أمام الأمر الواقع و ثقتى فيهم ، وافقت على طرح الحكم الذاتي شريطة أن يظل الجيش الشعبي واقفاً لمدة 20 سنة ، حتى يتم التأكد من تنفيذ الاتفاقيات و التحول الديموقراطي ، و بعدها يمكن ننظر في خلق جيش سوداني جديد حسب نموذج الترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام الشامل 2005 .

4- فى يناير 2016 طلب منا الأمين العام بوصفه رئيساً لوفد التفاوض ، و بدون مقدمات أن نحددوا له موقفنا التفاوضي الخاص بالترتيبات الأمنية لأنه يواجه ضغوط من الوساطة و وفد الحكومة لمعرفة موقف الحركة في الترتيبات الأمنية . و قلنا له إن الترتيبات الأمنية مربوطة بالحل السياسي الشامل ، ثم بعدها تُناقش الترتيبات الأمنية . و لكنه قال هو يريد موقفنا ، لأنه قد تحصل مفاجآت في التفاوض و لازم يكون جاهز . و أمام إصراره اتفقنا معه على التمسك بالعشرين سنة ، ونموذج الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام الشامل أي أن يتم تقسيم الجيش الشعبي في هذه العشرين سنة لثلاثة أقسام . الأول و هو الجيش الأم يبقى في المنطقتين وعلى أن ينسحب الجيش السوداني خارج المنطقتين . القسم التاني للقوات المشتركة المدمجة ليشكل نواة لجيش السودان الجديد في حالة تنفيذ الاتفاق ، و القسم الثالث للقوات النظامية الأخرى و التسريح . و على أن يلتزم باتفاقنا ، بأن أي واحد من الضباط الثلاثة للمجلس القيادي لا يتخذ قرار بمفرده في أي ملف يعمل فيه إلا بعد الرجوع للضابطين الآخرين للحصول على موافقتهم .

و لكن فوجئت في جولة أغسطس 2016 بأن قام رئيس وفد التفاوض بتجاهل اتفاقنا معه الذي تم في يناير 2016 و أعاد طرح نفس الموقف التفاوضي حول الترتيبات الأمنية لاتفاق 28 يونيو – نافع/ عقار دون علمي أو أخذ رأيي ، و دون مناسبة ، لأن الجولة كانت خاصة بالمساعدات الإنسانية و وقف العدائيات فقط، إضافة لإنه لم يتم التوصل فيها لأي اتفاق سياسي يستدعي طرح موقف حول الترتيبات الأمنية ، و يتضمن تنازل يقضى بدمج الجيش الشعبي في جيش المؤتمر الوطني أو بالأحرى استيعابه . و لكن الأسوأ و الأخطر هو أن قام رئيس الوفد بإيداع هذا الموقف التفاوضي حول الترتيبات الأمنية لدى الوساطة أو الآلية رفيعة المستوى ليكون مرجعية في أي مفاوضات قادمة حول الترتيبات الأمنية ، و بصورة لوفد الحكومة . و في اجتماع التنوير الذي قدمه لنا وفد التفاوض قمت بالاحتجاجات على مسلك رئيس الوفد لعدم أخذ رأيى قبل طرح هذا الموقف التفاوضي الجديد ، والتنازل الكبير الذي قدمه للوفد الحكومي ، زائداً إيداعه للورقة لدى الوساطة . لكن رئيس الحركة تدخل و رد على احتجاجي أمام الاجتماع و قال إن وفد التفاوض قد حسم هذا الأمر و لا مجال لمناقشته أو تغييره و أنه غير متخوف من تلك الصيغة .

و كتبت له بعد ذلك رسمياً لسحب تلك الورقة الخاصة بالترتيبات الأمنية المودعة لدى الوساطة و لكنه رفض .


و بناءاً على ما ذكرت أعلاه من أسباب و أسباب أخرى لا يسمح المجال لذكرها ، إضافة إلى تجربتي الطويلة في العمل مع رئيس الحركة و الأمين العام كضباط تنفيذيين للمجلس القيادي للحركة فقد توصلت للقناعات التالية :

1- لا أستطيع العمل مع رئيس الحركة و أمينها العام كتيم واحد ، لانعدام المصداقية لديهم ، و تآكل عنصر الثقة بيننا . وأن هناك أشياء غامضة و لا أفهم كل دوافعهم .

2- عدم اتفاق أبناء النوبة على تمثيلى لهم في القيادة بسبب الإثنية ، فتح الباب للرئيس و الأمين العام لتجاهل آرائي باستغلال بعض ضباط جبال النوبة من وراء ظهري لخدمة أجندتهم و تمرير قرارات مصيرية خطيرة على مستقبل الثورة ، كما فعلوا في اتفاق نافع /عقار ، و عندما طرحوا مطلب الحكم الذاتي في 2015 ، و التنازل في الترتيبات الأمنية في أغسطس 2016 .

3- عدم الاتفاق حول تمثيلي للنوبة في القيادة ، مكن المؤتمر الوطني من شق صفوف النوبة باستخدام هذا الكرت ، و خلق عدة تنظيمات معارضة للحركة الشعبية باسم الأغلبية الصامتة مرة ، وأهل المصلحة مرة ، و أهل الشأن مرة ، و الحركة الشعبية جناح السلام و غيره ، استناداً على حقيقة أنني لا أنتمي لإثنية النوبة ، وأصبح لديَّ قناعة بأن هذه التنظيمات التي يتم تفريخها يومياً قد تؤدي إلى أضعاف الحركة الشعبية في جبال النوبة ، بل و إلى هزيمة المشروع ، كما حدث في مؤتمر كمبالا فى 2002 . وكل ذلك بسببى . لذلك هناك ضرورة لوضع حد لهذه المشكلة و لمصلحة الثورة . خاصة و أن مرحلة التطور الاجتماعي التي نمر بها في السودان يجعل للإثنية دور أساسي في القضايا التي تتعلق بالقيادة و القضايا المصيرية للشعوب المختلفة .

4- تجربتي منذ 2001 أثبتت أن البعض يلومني دائماً على أخطاء ارتكبها آخرين .. مثلاً أنا لم أكن موجوداً عند التوقيع على إعلان المبادئ في 1998 ، و كذلك لم أكن موجوداً عند توقيع الاتفاق الإطاري في مشاكوس 2002 ، الذي حرم جبال النوبة من حق تقرير المصير . و كان الممثل هو دانيال كودي في مشاكوس . و الحقيقة الأخرى ، هي أن مؤتمر كل النوبة في 2002 قد فوض القائد الدكتور جون قرنق للتفاوض نيابة عن شعب النوبة . و لكن بعد توقيع اتفاق نيفاشا قام الكثيرين بمحاولة إلقاء اللوم على شخصي ، لأن النوبة لم يحصلوا على حق تقرير المصير ، رغم علمهم بالحقيقة ، و لكنهم يعملون على تضليل الشعب .

5- بعد اتفاق السلام في 2005 ، تم تعييني كرئيس لقطاع الشمال على المستوى القومي ، و عندما سافرت لأمريكا لأسباب معينة ، قام المغرضين بالترويج ، بأن عبد العزيز سافر و تخلى عن جبال النوبة . رغم أن جبال النوبة كانت تحت قيادة جلاب تنفيذياً و سياسياً و عسكرياً في ذلك الوقت . أي أنني لم أكن مسؤولاً عن الجبال وقتها ، إضافة إلى أن الجبال كانت تتبع لقطاع الجنوب و ليس للقطاع الشمالي على مستوى الحزب كذلك .

6- في انتخابات 2011 تواطأ تلفون كوكو مع المؤتمر الوطني ، و رشح نفسه لمنصب الوالي بغرض تقسيم أصوات جماهير الحركة الشعبية لصالح مرشح المؤتمر الوطني . إضافة لتوقيت سفر جلاب و دانيال لفرنسا إبان الحملة الانتخابية ، و إبعاد نفسيهما عمداً لإفشال مرشحي الحركة في تلك الانتخابات ، و ما يتعلق بها من المشورة الشعبية و مصير الشعب .

7- فى 2010 تنازل دانيال كودي للمؤتمر الوطني بالتوقيع على اتفاق بانسحاب القوات المشتركة المدمجة للجنوب أو تسليم سلاحها في 9 أبريل 2011 بدلاً عن 9 أبريل 2012 ، كما هو وارد في اتفاق السلام الشامل ، و حاولنا مع الرفيق جقود تصحيح ذلك في أديس أبابا ، و لكن وفد الحكومة برئاسة الفريق/ عصمت عبدالرحمن قام بالانسحاب من المفاوضات بمجرد أن قمت بفتح الموضوع للنقاش أمام الآلية رفيعة المستوى لتفادي مراجعة و تصحيح الاتفاق المغلوط . و ذلك التنازل من جانب دانيال و اتفاقه مع المؤتمر الوطني ، هو سبب اندلاع الحرب الثانية في 2011/6/6 لرغبة المؤتمر الوطني في تجريد السلاح من الجيش الشعبى . و رغم ذلك ، فإنه إلى الآن ، هناك من يقول أن هذه الحرب هي حرب عبد العزيز . كأنهم يريدون أن يقولوا ، كان علينا أن نسلم سلاحنا للعدو لتفادى الحرب .

8- ارتكابي كشخص و كبشر لأخطاء قيادية و إدارية بسبب طول المدة التي قضيتها في القيادة بجبال النوبة من حاكم قبل الاتفاقية إلى نائب والي في 2009 بعد الاتفاقية ، و حاكم و رئيس أركان و نائب رئيس بعد الحرب الثانية ، كلها قللت من أهليتي لقيادة هذا الشعب و ثورته العظيمة .

9- احترام حق شعب النوبة في تمثيل كافي على مستوى القيادة القومية ، للحركة الشعبية و بما يتناسب مع التضحيات التي قدمها و ما زال يقدمها من أجل التحرير .


و أخيراً و نبذاً لروح الوصاية القديمة من جهة و احتراماً لمبدأ الحرية و الديموقراطية و حق التمثيل العادل الذي نقاتل من أجله ، زائداً كل الأسباب التى ذكرتها آنفا ، فقد اكتشفت أن سلبيات وجودي في القيادة أكبر من الإيجابيات ، بل هي خصمٌ على الثورة بدلاً من أن تكون دعماً لها . و لهذا قررت أن أكون صادقاً معكم ، و أرد لكم الأمانة التي حملني لها القائد يوسف كوه مكى في 2001 ، بصفتكم ممثلي شعب النوبة و أعلى سلطة سياسية له ، حتى تتمكنوا من ترتيب البيت الداخلى لمواصلة النضال بروح جديدة ، و بصورة أقوى مما سبق ، من أجل تحرير هذا الشعب من التهميش بكل أنواعه . و توصيتي لكم أن تتمسكوا بالآتي :

1- رؤية السودان الجديد .

2- عدم التفريط فى البندقية التى عرف قيمتها أجدادكم، الذين كانوا يهربون بالبنادق (أبو جقرة ، مرمطون الخ.. ) من جيوش الجهادية أيام التركية و المهدية، للدفاع عن الأهل ضد تجار الرقيق وقتها. لهذا فإن شعب النوبة هو الشعب الوحيد فى العالم الذى يستخدم البندقية كمهر فى الزواج تقديرا لدورها و قيمتها فى استمرارية وجودهم. و معلوم أن قانون الحكم الثنائى،؛ قد استثنى النوبة لوحدهم، و سمح لهم بحمل السلاح علنا دون سائر الشعوب الأخرى فى السودان .

3- وحدة شعب النوبة على أساس مشروع السودان الجديد .

4- الوحدة مع الشعب المناضل فى النيل الأزرق .

5- وحدة الحركة الشعبية لتحرير السودان .

6- التمسك بالمؤسسية والقيادة الجماعية .



و بهذا أعلن استقالتي من موقعي كنائب لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال اعتباراً من اليوم 7/3/2017 ، لتقوموا بملئه ، لأنه ملك لكم . و ليستمر النضال .



والنصر حليفكم ،

عبدالعزيز آدم الحلو



عاشت الحركة الشعبية لتحرير السودان

عاش كفاح شعب النوبة

عاش السودان الجديد




صورة لـ:

1- رئيس مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/ ج كردفان

2- رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال

3- الأمين العام للحركة الشعبية – ش
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

البيان التالي يتضمَّن الرد الأوَّلي الرسمي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، الذي أصدره مالك أقار، على استقالة نائبه، عبد العزيز الحلو، وعلى ما صاحبها من تأويلات متباينة:



تستغل بعض الدوائر المشبوهة الاستقالة التي قدمها نائب رئيس الحركة الشعبية لتصفية حسابات مع الحركة الشعبية وقيادتها ومواقفها السياسية، واود توضيح الآتي:-

*أولا:* استقالة نائب رئيس الحركة الشعبية صحيحة وسيتم التعامل معها بما تستحقه من تعامل لائق ومناقشة كل القضايا التي وردت بها داخل أطر الحركة الشعبية وقيادتها وعلى راسها المجلس القيادي، بمافي ذلك أكبر القضايا التي طرحتها حول "حق تقرير المصير لجبال النوبة".

*ثانيا:* لايوجد أي تغيير في هياكل الحركة الشعبية السياسية أو العسكرية بمافي ذلك وفدها التفاوضي ومواقفها السياسية الرافضة لحوار الوثبة والإملاءات الداخلية والخارجية، والجهة الوحيدة التي ستتعامل مع القضايا السياسية هي المجلس القيادي، ومع الوضع العسكري هو رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش الشعبي.

*ثالثا:* الحركة الشعبية والجيش الشعبي ملتزمان بوقف العدائيات الا في حالة الدفاع عن النفس ورد عدوان النظام إذا أخطأ الحسابات وظن إن بإمكانه أن يحقق مالم يحققه طوال السنوات الماضية.

*رابعا:* تحالفات الحركة الشعبية مع الجبهة الثورية ونداء السودان وعلاقاتنا مع قوى المعارضة الحقيقية خارجهما تظل ثابتة ونطورها ولا ننتقص منها.

*خامسا:* قضايا المنطقتين المتعلقة بالتراتيبات السياسية والأمنية والحل السياسي الشامل لا تفريط فيهما وسنواصل الدفع بهما داخليا وخارجيا مثلما فعلنا طوال السنوات الماضية.
*وأخيرا* مشروع الحركة الشعبية السياسي هو مشروع السودان الجديد وهو مفتوح لكل السودانيات والسودانيين للمساهمة فيه من أي موقع أرادوا.

*القائد مالك عقار آير*
*رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان*

*18 مارس 2017م*

*الأراضي المحررة*
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »


البيان التالي صُدِرَ بنفس تاريخ استقالة الحلو. وقد حمل هذا البيان، الذي يحتوي على قرارات راديكالية، توقيع رئيس مجلس التحرير بإقليم جبال النوبة، كوكو آدم كودي:




صورة
صورة
صورة


أضف رد جديد