اجْتِيَاحْ- قِصَّة قصيرة- كِتابَة...

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

اجْتِيَاحْ- قِصَّة قصيرة- كِتابَة...

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

اجْتِيَاحْ
قِصَّة قصيرة- كِتابَة


1

"أنا يا ياقوتة أكتَرْ من بَحِبِّكْ! " هكذا كان يقول لنفسه، في فُجائيَّاتٍ مُتَواتِرَةَ الجَّريان، تطلع منه، فقط هكذا، من عِنْدَ رُغْمٍ جاَرحٍ، رومانطيقيٍّ وشَجِىٍّ، لمشيئةٍ متجاوزِةٍ، transcendental، ما، أو أُخْرَىْ، كانت تتلبَّسُهُ وكأنَّمَا هو، بل بالكَادِ قابَ-قوسينَ جَزْماً، ليس هُو من يُظَنُّ بشأنه أنَّهُ هو الذي يَمرُقُهَا منهُ! فجأةً كانت نفسُهُ تحتَجُّ، في ديمُومَةٍ شديدَةً في تواصُلِ جَذبِهَا الآنِيِّ-العينِيِّ، على نفسِه بها، بذاتِ عَيْنِ تلكَ الـ"أنا يا ياقوتَة أكتَرْ من بَحِبِّكْ!" هو، آنَاءَ تلك الآناتِ العينِيَّاتِ، لم يُكنْ، بعبارةٍ أقلَّ إلغازَاً، مثل ذاكَ الذي "بكى [بعضُهُ] على [بَعضِهِ] مَعَه "1" " بل، بالأَشْجَرِ الأَشْجَىْ، مثلَ من قَدْ يَمْرُقُ، بمَشِيئَةِ رُغْمٍ مُخْتَارٍ، بَعْضُهُ من نسجِ بعضِهِ، مِنْهُ، مُتجاذِبَاً مَعَاً، وليس معهُ، ليسَ مَعَهُ!

2

كانت صباحاتُ أيَّامِهِ تبدأُ بتقبيلِ جِهاز القراءةِ الإلكترونيَّة الذي أهدتْهُ إيَّاهُ، بشَغَفٍ يكادُ يكون باكِيَاً. كان يُقبِّلُ غطاء ذاك "الكِنْدِلْ" البَرَّانِيَّ البَنَفْسَجِيَّ الباريسيَّ التَّصميمِ فيما هو يتخيَّلُ أصابعَهَا، الطَّويلة، الجَّمِيلَة، الرَّفيعَةَ الرِّقَّةِ، وهي تَمُسُّهُ برفقٍ وعينين مُتأَمِّلَتَين تنظُرَانَ إليهِ وإلى الأصابعِ الرَّفيعَةِ العازِفَةِ كأنَّمَا هُمَا تنظران إلى جِمَاعِ ذلكَ كُلِّهِ للمرَّةِ الأولى في حياتهِمَا؛ في حَيَاتِهَا.

3

"قد قُضي على أنفَاسِكَ بأمر كُنْ الإلُوهِيِّ الذي لا رادَّ لقضاءِ تصاويره، يا أنتَ، بلا عَمَدِ تَسْمِيَةٍ!" تلك واحدةٌ من تمتَماتِ أيَّامِه الأخيرةِ الأثيرةَ، الغاصبةَ الشَّجَى الاختيارِيِّ، لهُ، لنفسِهِ، أو تمتماتُهُ هُوَ، الأخيرَةَ الأثيرةَ الغاصبةَ الشَّجى الاختِيَارِيِّ، لأيَّامِهِ، لهُ، لنفسِهِ. كيف إذاً، وشأْنُهُ الآنَ مَا قد يبدو أنَّهُ لم يَكُنْ هُو َأبَدَاً ما قد انْفَكَّ أو كادَ من شَأْنُهِ في عَهْدِ ما قَدْ كانْ، لا ينقلبُ كلامُهُ عليه، الآنَ، كانقلابِ بُحيرةٍ على سطحِهَا على هيئةِ سَمَكَةٍ شَهوانِيَّةٍ لا منتهى لاحتدام عنفوانها القسري الحُرِّ وهو على هذا اللَّظى اليومِيِّ الغنائيٍّ الخافِتْ؟ هل يُشعِلُ سيجارة بنقُو قويَّةً الخُضْرَةِ علَّها، ببساطَةٍ لا مُتناهيَةَ الأسْرِ، تُذيبُهُ في تَوَهَانِ أَشْجَارٍ نائيةَ الحضور عندَ شاطئها وخُضْرَتِهَا أم هل هو يكتفي فقط بِنَهْنَهَاتِ دَمْعِ هَيْنَمَاتِ صَعْقِ/"صَقْعِ" نَفْسِهِ بـ"تاجٍ مُصطَفَىً"2" " من عَتِيْقِ الأغاني الماحقَةَ البساطةِ والاكتمالْ؟

4

يراها، بعينيه السَّاهِمَتَين، المُسهَّدَتَينَ سنينَاً ودِنِيْنَا، كثيرَةً عليهِ، هو البدائيُّ الوَحشِيُّ البوهيميُّ اللا مُعَرَّفَ بأيَّةِ "أل" عينيَّة مُخصَّصَةً ومُفَخَّمَةً، خَالِصَاً وشَدِيْدَاً جِدَّاً، كما كَثَرَةُ الضُّوءِ الجَّمالِيِّ الخَافِتِ والرَّحيقِ الطَّبيعِيَّ الفَوحُ والنَّكْهَةُ، معاشَاً ومَعَادَاً، على كينُونَةٍ إنسانيَّةَ الطَّلْعَةِ، في هذا العالمِ، وحيدَةً و"مَشْكُوكَةً" جِيُوبُ نفسِها، الرَّهِيْفَةَ كما نُثراتِ دقيقِ غِيُومٍ دَاكِنَةَ الإِبْيِضَاضِ، بكِبْرِيْتِ حُرَقٍ عتيقَةٍ تفوحُ فيها- قَوِيَّةً- برائحةِ دِبَاغَةِ سِيُورِ جِلْدٍ كانت مُخصَّصَةً لإنشاءِ مَرْكُوبٍ فَاشِرِيٍّ غِنَائيٍّ بُنِّيَّ الحُمْرَةِ الخَفِيْفَةِ، بِشَكٍّ ذَاتِيٍّ عريقٍ وخطرفاتٍ يُظَنُّ بها تَفَلْسُفَاً وتفاكِيرَ خطيرةَ الشأن... ها هاها... مع ذلكَ، ومع كُلِّ "سَجَمِهِ" الآنفَ الذِّكْرِ، هو لا يُخْفِقْ في أن يَرَى، في ما بين مَشَاهِدِ عيَانِ بيانِ فَضَّاحِ فَصِيْحِ كلامِ نَفْسِهَا/نَفَسِهَا الشَّجِيِّ العفَوِيِّ إليهِ، وَجْهَهَا كُلَّهُ، وجسَدَهَا ورُوحَهَا المُفْعَمَةَ، جمِيعَاً، بِتعابيرِ الجَّمَالِ الكُوشِيِّ، بِبَهاءِ "تِلْكَ التي فَاحَ طيبُ رَيَّاها "3" "، بحلُولِ رُوحِ قُدْسِ آمُون رَعْ فِيْهَا، يقولُونَ لهُ: أنتَ لسْتَ واحِدَاً يا هَذَا، أو بل أنتَ واحِدٌ "ولَكِنِّي أَرَاكَ العالمين". هو يراها، في جَسَدِهِ ونَفْسِهِ ونَفَسِهِ المُهَوِّمَ بهَا، كَثَرَةً جَمالِيَّةً رَاعِشَةً ومَاحِقَةَ الحَيَوِيَّةِ والشَّبَابِ ولا يَرَاهُ هُوَ بِجَنْبِهَا سوى "عجوزِ غابرين" عتيقٍ يَتَهَلْوَسُ، لَيْسَ إِلا، عِنْدَ شَفَقِ مَغِيْبِهِ الوَشِيْكِ، بالبَحْرِ وقَطائِفِ سَوَادِ المَلاءات التِّي تَتَوشَّحُهَا النِّجُومُ البَعِيْدَةُ، بالرُّوحِ والعُمْرِ الذي قد لا يَتَجدَّدُ بانقضائِهِ! مع، وفِي، ذلِكَ كُلِّهِ لن يكِفُّ هو عن ضِبْطِ نَفْسِهِ وهو لا يَنْفَكُّ يَكْتُبُ، مُتَلَهْوِجَاً، مُتَهَدِّجَاً، على خارجِ بابِ شقَّتِهِ الأُسْتُدْيُو الكائنة عِندَ ذاك الحيِّ الذي سمَّاهُ نيلسون مانديلا "عاصمة بريطانيا السَّوداء"، عِنْدَ كُلِّ وُلُوجٍ مِنْهُ إلى داخلها، وفي آنِ كُلِّ خِرُوجٍ منهُ، كذلَكَ، إلى خارِجِهَا، أن"[ويصيحُ هنا مُتَهَدِّجَاً-مُتغَنِّيَاً في نفسه، بل في داخلِ ذاتِ "شَحَّةِ" قلبِهِ المُبَاغِتَة، باسمِهَا النُّوبِيِّ-المِصرِيِّ-التُّركِيِّ العُثْمَانِيِّ العريق] يا رُوحْ رُوْحِيْ" !

هَلْ يُحْسَبُ هذا، يا هؤلاء، مِنْ بعدِ جِمَاعِ كُلِّ هذا الهَذَيَانِ، جِمَاعِ كُلِّ ذاكَ الذي هو جِنُونِهِ الجَّنُوحِ المُتَدَاعِيَ مَلِيَّاً عِنْدَ سَفْحِ سفَهِ الأَمَلِ المُضْمَرِ فيهِ رُغْمَاً عن كُلِّ حِيَلِ تِلْكَ التِّي يُسمُّونَها "النَّفْسُ الواعيَةُ" فِيهِ، إنْسَانَاً مُسْتَقِيْمَاً على جُوْدَى السَّوِيَّةِ ونَهَارِ السَّعْيِ الزَّمْكَانِيِّ اللَّذَّانِيِّ العادِيِّ والدُّنْيَوِيِّ الشَّغُوفْ؟

5

لُمَعٌ جُوَّانِيَّة أو مُثُولاتٌ جُوَّانِيَّةٌ خاطِفَة الإيجاز "1":

من تهيُّؤاتِ الذَّهابِ والإيَّابِ/الغُدُوِّ والرَّوَاحِ أو عن المركبةِ العامَّةِ التي، مُتَذَمِّرَةً أو غَيْرَ مُتَذَمِّرَةً، تُمْضِي به إلى، وتؤُوب به من، مكانِ عملِهِ:


كان، وما يزالُ، قد يَقْفِزُ، بمُنتهى اللامبالاة القلقة، المُسَهَّدَة، بغالب الضَّرُورَةِ الغنائيَّةِ المعتادة، عِندَ صباح كلِّ يومٍ، من عِنْدَ سريرِ مبيتِهِ (وليس على الأدقِّ "نَوْمِهِ"!)، إلى أرضيَّة شقته الأستوديو المكسُوَّة برقائقٍ خشبيَّةٍ سميكة سنديَانِيَّةَ اللَّونِ، تَامَّاً في عريِهِ وشهادتِهِ الجَّسَدِيَّةِ النَّزِقَةِ الأولى. من سريره الحديدي الكبير الذي قد يتَّسِعُ (وقد لا)، غيابيَّاً، لشخصين، كان هو، إذَاً، ينزلُ، تامَّ العِرْيِ والشِّهادةِ الجَّسَدِيَّةِ النَّزِقَةِ المَحْرُوقَةِ/المجْرُوحَةِ الأولى، إلى أرضِ دُنيَا، "أبيتُ اللَّعْنِ"، ما انفكَّ يومُهَا، على وجه تقريبِ الحكم الشِّعُوريِّ الغريزيِّ الذي لا رادَّ لقضائه الخاتَمِ الصَّحيحِ، من قبلِ ومن بعد قول وفعل كلِّ شيءْ في هذه الدُّنيا، مُوغلاً، بصناعته النَّاصِعَةَ الزَّهْوِ، المزهُوَّةَ، في ما هُو لا عِريٍ فردوسيٍّ ولا شهادة جسديَّة نزقَةً وأولى. ذلك كان، وما يزالُ، يحدثُ لهُ عِندَ، أو على، أطرافِ الساعة التاسعة صباحاً، أو أحياناً عِندَ، أو على، أطرافِ الساعة السابعةِ صباحاً، ويُبْتَغَى به، "موضُوعِيَّاً"، كما قد يقُولُون، الذهاب إلى مقر عمله الكائنَ قريباً من شارع "أوكسفورد استريت" الكائن عِندَ الوسطِ الغربيِّ من لندن.

السَّبيلُ إلى محلِّ العمل يُبتَغَىْ بوسيلةِ ركوب المركبة العامة ذات الرقم "2" من قرب محطة باصاتٍ قائمة في "شارع بركستون" الرئيس بجنوب لندن، ناحيةَ اليد اليمنى للآتي من عند الشارع الصغير المتفرع من "شارع بركستون"، والذي هو ينسى اسمه دوماً، غير أنه لا يفشل في أن يحضُرَهُ أنَّهُ ينتهى، عند ملتقاه بـ"شارع بركستون"، عند ناحية يده اليُمنى، بمَحلِّ مبيع أدوات ولوازم الزينة والتجميل المُسمَّى "ذا بودِيْ شَوبْ"، وعند ناحية يده اليُسرى بمحلِّ مبيع الملابس المسمَّى "مورلي". سُحناتُ رُكَّابِها مختلفةٌ، تلك المركبة العامة، ما بين شرق أوربا والكُرد وغرب أفريقيا والقرن الأفريقي وجزر الهند الغربية التي من أصل أهلها أولادُ وبناتِ "الكاربِ" اللواتي تغنَّى، قديماً، بحُسنِهِنَّ ولون خشب الفورمايكا اللامع على جِلودهِنَّ البريَّة الطريَّة، علَّامة اللغة العربية في السُّودان وعالم العرب المغربي والمشرقي د. عبد الله الطيِّب المجذوب. تنتهي رحلةُ تلك المركبة العامة، في ساعةِ ظَرْفِ زمانٍ واحدةٍ، تقريباً، عِنْدَ مَحَطَّةِ ماريليبون لقطارات السكك الحديدة السريعة بشمال غرب لندن. أما هو فيحلُّ نازلاً عن مِعْدَنِ بَدَنِ تلك المركبةِ المَطلِيِّ بلونٍ غيرَ ضَاجٍّ بحُمرَتِهِ- تلك المركبة ذاتَ الطابقين، القادمة من جهة محطة ماربل آرش لقطارات الأنفاق السريعة-عِندَ موقفِ الباصات الأول بأولِ شارع بورتمان الفرعي الذي تلجُ إليهِ المركبَةُ إِيَّاهَا من عِندَ ناحيةِ الأيدِي اليُسرى لمُستقِلِّيْهَا، ثُمَّ يهرَعُ من أسفل تلك المركبةِ ماشياً، على قدميه، غرباً، وملقيَاً بحقيبته الشخصيَّة الجِّلْدِيَّة (لم يكُن متأكِّدَاً من كون جِلْدِهَا صِنَاعيَّاً أم عُضُويَّاً طبيعِيَّاً) البُنيَّة الغامقَة من عِنْدَ "سَيْرِهَا" على كتفيهِ ومن ثَمَّ وراء ظهره كي يلتفُّ، من بعد ذلك بشارعٍ فرعيٍّ صغير، يسَارَاً، إلى الشارع العرضيِّ الذي يسُوقَهُ إلى المكتب الذي يُودِي به، من بعد ذَلكَ، إلى ("كدتُ أن أُضِيفُ هُنا، تلقائيَّاً، كلمة "تُهْلَكَةِ"، غير أنِّي شِئْتُ إمساكَ نفسِي عن ذلكَ، مُلْهَمَاً، في ذلكَ، رُبَّمَا، بحافزِ استجابَةٍ مَسِيْحِيَّةٍ خاتَمَةٍ لهاتِفِ لحظةِ تَعَفُّفٍ، أخيرَةً، عن الحُكم"!) طاولةِ شُغْلِهِ اليوميِّ الدَّوامِ (مع فَضْلِ بَرَاحِ الوحدةِ المُمْكِنَ لهُ نَوَالَهُ في يومي عطلتِه في الأحد والأثنين من كل أسبوع) الكائنَةَ على صَدرِ أول حجرةٍ بطابقه الأول.

صورةٌ قلميَّةٌ/أنموذجٌ قلمِيٌّ مُهَوَّشٌ لصباحِ يومٍ من أيام التهيؤاتِ الهَذَيَانِيَّة للمَرْوِيَّ عنهُ آناءَ "اندِفاسٍ" بمركبة النقل العامة ذات الرقم 2

هدر صوت المركبة العامة رقم 2، إذاً، في أحد تلك الصباحات التي، مع كُلِّ كَوْنِ حالِ تَلَهْوُجِهِ وتهدُّجِهِ الحاضرَ فيها، لا تبدُو أبدَاً، بالنِّسْبَة لخَاطِرِهِ، مُوغلةً، على أيَّة صُورةٍ ما أو أخرى من صُور الرَّبطِ أو التداعي أو التذكُّر التَّوثيقي الاسترجاعي، في أيِّ عراقةِ ماضٍ رومانسيِّ شَبَابِيِّ يافِعٍ غائبٍ (... طبعَاً!) وبعيدٍ أو حتَّى في أيِّ شيءٍ ما أو آخرَ قد يكن كائنَاً، على مَهَلَةِ راحتِهِ، الغافيَةِ السَّاهِيَةِ الغَافِلَةِ، عِنْدَ جِهَةِ ذاكَ القُبَيْلِ من الحنين.

"لَيَّا لاح نُور اخْدَرَانِي يبقى بَسَم المحبُوب طِرَانِي "4" ". كانت مركبَةُ النَّقلِ العامَّة رقم "2" تتأرجَحُ، مُتَكَئْكِئَةً بالهسيس والزئير والكَرِيْرْ، بالضبط فوق كبرى شارع فوكسهول القائم على نهر التَّيمز من عند جهة حي فوكسهول اللندني، قادمةً من جنوب النَّهر، عندما لهجت نفسُهُ، على حينَ غَرَّةٍ قَاطِعَةٍ، غير أنَّها ساهيةً، قليلاً، أو كثيراً (بحسب موقف الرائي الخارجي الممكن)، بذلَكَ اللَّحن. كان لذلك اللَّحنُ طعمُ طحنيَّةٍ طازجَةٍ خارجةٍ للتَّوِّ من تَعتِيْقِ صفيحتِهَا وحريقُ المِعدنِ الخفيفِ بأطرافِ طَعْمِهَا يلدَغُ لسانَهُ بِلَذَّةِ فُجاءَةِ النَّفَسِ الأوَّلِ مِن عِنْدَ طرفِ الدُّكْنَةِ البُنِّيَّةِ المُشْتَعِلَة للُفَافَةِ حشيش تُرْكِيٍّ أخضر.

6

لُمَعٌ جُوَّانِيَّةٌ أو مُثُولاتٌ جُوَّانِيَّةٌ خاطِفَةَ الإيجاز "2":

نُثَاراتُ/"نُشَارَاتُ" تَمَثُّلاتِ رحلة إياب، بالمركبة العامة رقم "2"، إلى جنوب لندن، من "تباريحِ" عَمَلِهِ ذاتَ خريفٍ سبتمبريٍّ بريطانِيْ:

هكذا كان جُواؤُهُ في تلك المركبة العامَّة:


غُرُوبُ الحياةِ يسألُ مِنْهُ ويُناديهِ، على هيئةِ وعدٍ غامضٍ مُلِحٍّ، من وراءِ حُجُبِ الغيابِ السَّرمَدِيَّةِ، الآنَ، إلى شِهُودِ الشَّفَقِ/شفَقِهِ الأخيرِ، إلى حُمْرَةِ وهجِ الشَّمِسِ الأخيرةِ الغاربَةِ، إلى انطفاءِ الوَدَاعِ الدُّنْيَوِيِّ الأخيرِ، شَفَقِ حدِّ تَخْمِ الغِيَابِ فيما "ياقُوتَتُهُ"، العارِمَةَ بشَرَخِ الحياةِ، شابَّةٌ سمْهَرِيَّةٌ طَريَّةَ العُودِ، على فَرْقِ دُونِ النِّصْفِ من عُمْرِهِ بقليلٍ، عَلَيهِ تكُنُ الحياةُ فيها، وفي ما بها، بل وفي تَمامِ حَوْلِ وطَوْلِ ما هو إليها مجذُوبٌ ومُنْجذِبٌ، ما تنفكُّ، في إغوائِهَا المُلتَبِسِ، تُناديهَا إلى الإنفعَامِ/الإنفغامِ بلَذَّةِ الآتِي المُباغِت المُنشَأَ على انسراباتِمآلاتٍ مفتُوحَةٍ، ما تزالْ، أو هي قد تُظَنُّ، فَقَطْ بمُجَرَّدِ مُطلقِ قُوَّةِ يَقِيْنِ أخْذِ كِتابِهَا "اليَحْيَوِيِّ"، فحسبْ، مفتُوحَةً، ما تزال.

ما أَنْ، بلازبِ ضربة حظٍّ ما كان يظنُّهَا مواتيةَ، أفلحَ، من بعد صعودِهِ على دَسْتِ مركبة النَّقل العامة رقم "2" من عِنْدَ موقف "ماربل آرش" للباصات، في الجلوس عِنْدَ مقعدهِ، الأوَّلَ في التفضيلِ، القائمَ على الرُّكنِ اليساريِّ الأخيرِ من مَطيَّةِ المَرْكِبَةِ إيَّاهَا، حتى "رَزَعَتْ" جَسَدَهَا الأُنثَوِيَّ، النَّابِحَ بِعِطْر صَاخِبٍ بِنِدَاءٍ شهوانِيٍّ بَمْبِيٍّ فاقِعٍ بـ"فضيحَةِ" وَعْدِ إِشْبَاعِ لَذَّةِ شَبَقٍ مُبْهَمَةْ، بِقُرْبِهِ، باصْطِفَاقٍ، من عِنْدَ جِهَةِ يَدِهِ اليُمنَىْ طَبْعَاً، إحدى أولئك البَنَاتِ الإرتريَّات البُنِّيَّاتِ الحسناوات وشَرَعَتْ، بما بَدَا له أنَّهُ أَعْجَلَ حَتَّىْ من "التَّوِّ" الآنِيِّ المُبَاشِرْ ذَاتِهِ، في دَفْنِ يَدِهَا اليُمنَىْ، بِعَصَبِيَّةٍ مُنْتَفِضَةٍ عَجُوْلَةٍ، في عِقْرِ جَوفِ حقيبَتِهَا السَّوداء الـ"حضَارِيَّةَ" الخشونةِ المنشأَةِ، من الجِّلْدِ الاصطناعيِّ المَدَنِيِّ المَيَّاسْ، على هيئةِ بدت له أنَّها لا غَرْوَ هُناكَ في كَوْنِهَا "ما بَعْدَ حداثِيَّةِ" الطِّرَازِ إذْ هي قد كانت مؤتلقةً بوحشِيَّتِها الأوروبيَّة المُصنَّعَةَ سَارِقَةَ النَّارِ الخَالِدَةِ في حشَىْ جوى بروموثيوس الأفريقيِّ الخالق. وقد خَرجَتْ، في "سَحْبَةٍ" تَاليَةٍ، اليَدُ اليُمنَىْ للبِنْتِ الإرتريَّةِ البُنِّيَّةْ، في بغتةٍ وامضةٍ، من حقيبة يَدِ البِنْتِ الإرتريَّةِ البُنِّيَّةْ، بِهَاتِفِ سَامسَونْغٍ ذكيٍّ لامعَ الشَّاشَةِ مُلَوَّناً بأيقوناتٍ مضيئةٍ، مَسْطُورَةً ومَرقُومَةْ.

ها ها ها... يا للنُّكْتَةِ الشَّهَوِانِيَّةِ السُّدَىْ! ثُمَّ ها ها ها... هِئْ هِئْ هِئْ... لم تفلح التضمينات الإغوائيَّة للبنتِ الإرتريَّةِ الفارِهَةِ، بكُلِّ الغَانِيَةِ التِّلقائِيَّةِ فِيها (و- هاهاها- غَيْرِ التِّلقائِيَّةِ، كذلك، بموجِبِ غالبِ الجَّزْمِ الضَّرُورِيِّ العَصْرِيِّ القَاطِعِ طَبْعَاً!)، في استثارةِ أيٍّ من أعضاءِ الرَّغْبَةِ الحيَّةِ فيهِ، لا عَيَانَاً كاشِفَاً وظاهِرَاً- لهُ، على الأقل- ولا كَذلكَ عَيَانَاً باطناً وخفيَّاً، حتَّى وإن يَكُن ذلك الخفاءُ طَلْسَمِيَّاً ومُكايِدَاً له هو؛ هُوَ َنفْسُهُ!

ثُمَّ، ها ها ها ... ويا لَبَوَاءُ المُلْحَةِ الشَّهوانيَّةِ السُّدى، المركُوزَةَ، تاريخيَّاً، في اللاشعور الجَّمعِي لسُّودانيِّين وسطِيِّين موشُومِيْنَ بِسَدَانَةِ كَعَبَةِ "فَلاحَةِ" أصحاب "النِّيَاكاتِ القديمةِ "5" " ذاتِهَا، بالخُسْرَانْ! فقد خابت تأويلاتُ مُنَجِّمَةُ الشَّهْوَةِ الإرتريَّةِ-"الحَبَشِيَّةِ" ولم تَفُرْ، في الجَّسَدِ الكَهْلِ المَوشُومِ، منذُ ما قد يبدُو دهرينَ من الزَّمانِ، أيُّ تَوفُّزَاتٍ لعصائرٍ قد تَتَرَقَّبُ، يأسَاً أو أملاً مُوَارَبَاً بالنَّفْيِ والمُدَاوَرةِ/المُخَادَعَةِ في سائرِ مُعتَادِ الوقائِع، سُمَّ عُذُوبَةِ نَشْوَةِ لَوْنِ القَهْوَةِ العَسَلِيَّةِ البُنِّيَّةِ التي كان قد أحَسَّ، واقِعَاً كان ذَلِكَ أم وهْمَاً وأضغاثِ/أطيافِ خيالٍ مُرَاوِغَةَ الالْتِبَاسْ، أن قد تَنَادَى به إليها الجَّسَدُ الأُنْثَوِيُّ البُنِّيُّ الحَبَشِيُّ الذي كان كائِنَاً، بعطرِهِ..، بجوارِهِ بالمركبة العامة رقم "2"، التي كانت ذاهبَةً به من "تباريحِ" عَمَلِهِ، ذاتَ خريفٍ سبتمبريٍّ بريطانِيْ، إلى "شِعْبِ بُوانِـ(ه)" بمدينةِ لندن الجَّنُوبيَّة.

7

لُمَعٌ جُوَّانِيَّةٌ أو مُثُولاتٌ جُوَّانِيَّةٌ خاطِفَة الإيجاز "3":

زُهَيْرَاتٌ وِحْشِيَّة:


* وردتانُ في القلبِ، أنتِ وطيفُكِ العَصِيَّ الحِضُورِ، تُزهِرانَ بِثِمَارِ الوَصْلِ الزُّعفُرَانِيَّةِ في فؤادِيَ اليَتِيْمِ، يا غَالِيَةْ... رَعْشَةُ خَيْطِ إِبْرَةِ ارتِجَافَةِ الماءِ تُقَرْقِرُ في النَّفَسِ الأَوَّلِ لخَرِيْفِ بَرِّيَّةِ رُوحِيْ. لَمْ أَعُد أَخَالُنِيْ، وأَنْتِ مَعِي، على خُلُوصِ عُهْدَةِ مَواثِيقِ عَهْدٍ مُطْلَقَ الأسىْ، يا "يَاقُوتَتِيْ"...
* المركبةُ رقم "2"، اليَومَ، خَفِيْفَةَ الوَطءِ على أديمِ أرضِ جَسَدِي الحَيِّ، بِكِ يا "يَاقُوتَتِي"، فقد نفذَت عينَاكِ الثَّمِلَتَانِ إلى عَيْنَيَّ مُفْعَمَتَيْنَ بأثِيرِ سحائبِ رَغِيْفِ رَغائِبِ الرُّوحِ السَّرْمَدِيَّةِ، بِشَمِيمِ زَهْرَةِ الأَزَلِ الوِحشِيَّةِ التي هي أنتِ، يا "يَاقُوتَتِيْ".

[align=left]"هٌو"، مساء الأربعاء، 16. 12. 2015م
* ثَمَّةُ مَللٍ، قَشْعَرِيْرَيَّ التَّأَسِّيَ في النَّفْسِ، مُفْعَمٌ بِغِيَابَكِ، يَا "يًاقُوْتَتِيْ"...
[align=left]
"هُوَ"، الأربعاء، 23. 12. 2015م

شَجَىْ نَفَسِ الخَاتَمَةْ:
تَهَدُّجَان دَارِجِيَّا اللَّعْثَمَةْ:


"أنا أكتر من بَحِبِّك شديد يا "ياقَوتَةْ" وبحب كل البعزُّوكِي وبحبُّوكِي، مهما كانوا وأينما كانوا في هذا العالم... وكمان بحترم خياراتك كلها، على أي سبيل تمشي عليهُو، وبشوف كل البتدوريهو لي أكتر من جميل، يا جميلة، حتَّى لو كان بيقتضي تخليني عشانو عديييل كده...! مِصدِّقانِي ولا أحلف ليكِيْ؟"...

[align=left]"هُوَ"، 6 أكتوبر، 2015م
اعتراف مُفاجئ لَهُ لـ"يَاقوتَة" فيما يخصُّ مسألة "امرأة قريبَةَ المُضِيِّ"، قد لا يُرسل إليها مُطْلَقَاً أو هو قد يُرسل إليها، وِفْقَ حُكْمِ ضَرْبَةَ لازِبٍ ما أو أخرى!، عِنْد مُستَقْبَلٍ أجلُهُ غَيرَ مًسَمَّىً:

تلكَ "الامرأة القريبَةَ المُضِيِّ" أنا كُنْتَ بَرِيْدَا شديد، صاحْ، يا "ياقوتَة"ْ، وكُنْتَ "بحبَّهَا" بْمعنى ريدة شديدة وبسْ، أيوه، لكن إنْتِيْ، يا "ياقوتَة"، أنَا بَقيتْ بَحِبِّكْ عَدِييييلْ كِدَهْ، حُبْ شَدِيْدْ وأكتَرْ من عَوِيْرْ كِدَهْ! فِهِمْتِيْ حاجَةْ؟! على أيِّ حال هي (أقصُد "الامرأة القريبَةَ المُضِيِّ") حَسَّعْ مَرَقَتْ مِن بالِي بي درجة كبيرَة، وأكاد أقول مَرْقَة فاصلة عدييييل كده، وقَعَدْتِ إِنْتِيْ فيهُو بي درجة أكبر من درجة مَرْقَتَا هي وزِيَادَةْ كتِيْرَةْ كَمَانْ!...

[align=left]"هٌوَ"، 30 مايُّو، 2015م-8 سبتمبر، 2015م

تَهَدُّجٌ لِمَنْ قد يُشْبِهُ الحكيمَ فِيْهِ:

"ينبغي عليَّ، مِن عِنْدَ جِهَةِ الوِجُوبِ الأَخْلاقِيِّ الخَالِص، فَحَسْبْ، أو رُبَّمَا فَحَسْبَ، إلا قليلاً من الرَّجَاءْ، تَحَمُّلَ، في ما قد يَتَبَقَّىْ لِيْ مِن حَفْنَةِ تَمْرِ سِنِيْنٍ غَارِبَةٍ، ثِقْلَ رِزْءِ عَيْشِ وُجُوْدِيَ الزَّمْكَانِيِّ هذَا... وأَنْتِ، فَقَطْ لِمُجَرَّدِ كَونَكِ صِرْفَةَ الحِضُوْرِ في ذَا الوُجُودِ الزَّمْكَانِيِّ وفِيَّ، جُمْلَةً، تُجَمِّلِيْنَ لِيْ ذَاكَ التَّحَمُّل".

[align=left]"هُو"، السَّاعة 5.49 صبَاحَاً، الأحد، 27 ديسمبر، 2015م



[align=left] [align=left]سبتمبر، 2015م- 29 ديسمبر، 2015م
إبراهيم جعفر


[size=24]"1" [size=24]جَلِيٌّ أنَّ أصل التَّصَرُّف والتَّخريجِ المُخَالِفِ هنا هو المِصراع الثاني من بيت الموشَّح الأندلسيُّ الشَّهير، "أيُّهَا السَّاقِي إليكَ المُشْتَكَى"، لابن زَهْرٍ الأندلُسِيِّ، القائل: عَشِيَتْ عَيْنَايَ من طُولِ البُكا/ وبَكَىْ بَعْضِيْ على بَعْضِيْ مَعِيْ...
"2" الإشارةُ هنا، بِضَرُوْرَةِ الطَّبْعِ، هِيَ إلى "تاجُوج الأغاني"، كما يعشِقُ الكاتبُ تسميتَهُ: المطربُ السُّودانيُّ، الغيرَ راحلٍ عَنْهُ مُطلقاً، التَّاج مُصْطَفَىْ...
"3" بتصرُّفٍ من أغنية سودانية قديمة ("حقيبة")، "يا من فاح طيب ريَّاهُو"، كلمات صالح أبو السِّيد ("أبو صلاح") ولحن وغناء عوض وإبراهيم شَمبَاتْ ("أولاد شَمْبَاتْ")...
"4" من أغنية لرائد غناء "حقيبة الفن" السوداني عبد الله الماحي: "نور جَنَانِي وقِبلة حَنَانِي"، كلمات: محمَّد أحمد ودَّ الرَّضِيْ...
"5" الإشارةُ هنا تُومئُ، فيما يبدُو، مع إِضفاءِ تحريفٍ مَقْصَدِيٍّ يَخُصُّنِي وحدِي على "معنى" العبارةِ إيَّاهَا في الشُّغل الشِّعريِّ الذي "سُيِّقَتْ" هي فيه، إلى المقطع التالي من شغل نادر جِنِّي الشعري المسمَّى "موسيقى أرواح الأوانِي- إكسير، الكُرَّاسَة الثانية، مارس 2013م، الخُرطُوم": "أخيراً تَبَوَّلتْ السَّماءُ وقَمَّزَتْ المَنَازِلَ في كُوبِ الشَّايْ، وأَلْقَمَتْهَا شَهْوَةَ العَطَالَةِ، لا تعرف الصِّكُوكَ، ولا الغُفْرَانْ، ولا تَسْمِحُ لنا بالهُرُوبِ عبرَ الجِّسْرْ. فَقَطْ من لَمْ يُداعبُوا ذُكُورَهُم بالنِّيَاكَاتِ القَدِيْمَةِ هُم النَّاجُونْ... ولَمْ يَنْجُ أَحَدْ".
آخر تعديل بواسطة إبراهيم جعفر في السبت فبراير 27, 2016 5:52 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

...
صورة العضو الرمزية
إبراهيم جعفر
مشاركات: 1948
اشترك في: الاثنين نوفمبر 20, 2006 9:34 am

مشاركة بواسطة إبراهيم جعفر »

...
أضف رد جديد