وإلـتــقــيـــتُ .. بـــــــــــــــولا ..

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

وإلـتــقــيـــتُ .. بـــــــــــــــولا ..

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



وإلتقيتُ .. بــــــــــــولا


لم أحظى بالجلوس والحديث مع بــولا خلال زياراته السابقة للسودان، وحدث ذلك لأول مرّة قبل يوم 21 يناير 2016 بيوم واحد، وإلتقينا مرّة أخرى بعد هذا التاريخ بيومين. ووجدتُ فى وقوع يوم 21 يناير بين اللقائين أكثر من مجرّد صُدفة، فهذا اليوم هو يوم ميلادى، فإعتبرت اللقاءين أجمل هديَّة وأعمق أثراً من جملة الهدايا والتهانى التى تلقيتها هذا العام من الأصدقاء بهذه المناسبة.

ولكن فى الحقيقة لم يكن هذا لقاءنا الأول، فقد تأكد لى أننى كنت من بين حضور معرضه الشهير بالمجلس البريطانى بأمدرمان سبعينات القرن الماضى، ولأن تفاصيل هذا الحدث لم تعد فى الذاكرة بذاك الوضوح، إحتجت لتأكيدٍ من الخال قبل كتابتى لهذه السطور، وفعلاً لقد كان هذا المعرض هو أحد المعارض التى شهدتها بصحبة الخال فى الخرطوم، ولهذا السبب بالذات ذكرت لنجاة أنه لدىّ إحساس قوى بأن مطبّق الدعوة لهذا المعرض موجودٌ فى مكانٍ ما بين أوراق منزلنا القديمة.

لا أدرى أهو بسبب ذاك اللقاء القديم الأول أم لأمرٍ آخر .. أنه وبمجرّد تصافحنا، ذابت المسافة الإفتراضية التى كانت تفصل بيننا عبر الإنترنت، وحلّت محلها فى الواقع الملموس إلفة وحميميَّة ومحبّة، لم أرح نفسى من عناء البحث عن تفسيرٍ لذلك إلاّ حين قال بــولا وهو يتوجه بالحديث إلىَّ: " نحنا "، يُشير إلى نفسه ولى، " فى حاجة مُشتركة بيناتنا ".

سأعـــود ..

ÚãÑ ÅÏÑíÓ ãÍãÏ
مشاركات: 72
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 9:44 pm

مشاركة بواسطة ÚãÑ ÅÏÑíÓ ãÍãÏ »

أنه وبمجرّد تصافحنا، ذابت المسافة الإفتراضية التى كانت تفصل بيننا عبر الإنترنت، وحلّت محلها فى الواقع الملموس إلفة وحميميَّة ومحبّة

أنا برضو والله .. نفس الشعور

شكرا ياسر

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

بــــــولا يرسـمُنى

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


سلامات يا عمر .. وشكراً على الإهتمام. وتجدنى سعيداً أن يكون هناك مَنْ يُشاركنى ذاك الإحساس.

ـــــــــــــ


بــــــولا يرسـمُنى


شدَّت ملامح وجهى إنتباه بـــولا، فإعتبرت أن ذلك هو حال التشكيليين دائماً ما تستهويهم ملامح الوجوه، ولكن نجاة لفتت إنتباهى إلى أن إهتمام بــولا يعودُ لتجربته الطويلة مع رسم الوجوه أو "البورتريه". ولرسم الوجوه علاقة وطيدة بالنفاذ لشخصية صاحب الوجه المَرسوم، لذلك تأكد لى ما أعرفه عن نفسى وتعلمت الكثير عنها .. وأنا أستمع لحديث بـــولا وهو يستقرئ صفات شخصيتى من ملامح وجهى.

عاد بى كل ذلك إلى أول "بورتريه" أحصل عليه وأنا فى حوالى الرّابعة من العُمر، كان ذلك بحى السكة الحديد بـ"ودمدنى". تزاحم من حولى فى غرفة الصالون شقيقى وشقيقاتى الثلاثة الذين يكبرونى بسنوات .. فى محاولة منهم لخطب وُد الخال حتى يقع على أحدهم الإختيار فى الحصول على "بورتريه" من رسمه، لم تفدهم أحجامهم الكبيرة فى إبعادى، أنا الصغير مهيض الجناح، عن الواجهة .. ذلك أن الخال حسم هذا الإقـتـتال بإعلانه أن أصغرهم سنّاً هو مَنْ سيكون هذا اليوم صاحب الحَظوَة، فإفرنقعوا من أمامى، وقد خاب فألهم، مُفسحين لى المجال .. ولم يبق لهم إلاّ أن يواصلوا تزاحمهم من خلف الخال ليشهدوا عملية تخلّق ملامح وجهى على الورق.

لا أذكر ما إذا كان الخال قد خيّرنى بالتموضع كما أرغب أم أنه هو مَنْ موضعنى فى ذاك الوضع. كان علىّ أن أستند على ساعدى الأيمن فى وضعٍ مستقيم بينما أميل برأسى على كتفى. وأنا فى ذلك الوضع كنت أشعر بنظرات الخال تحوم فى كل بقعةٍ من وجهى .. وحين تلتقى نظراته بعينىَّ أعلم أنه يرسم العينين، وحين تنزلق قليلاً إلى أسفل أعلم أنه يرسم الأنف، وإذا إرتفعت علمت أنه صعدَ إلى حيث الحاجبين وإلى أعلى فالجبهة والشعر، وعندما تهبط مرّة أخرى أعلم أنه قد عاد إلى منطقة الشفاه والذقن والعنق، وإذا أصبحت تـتـنقَّـل على الجانبين فهو لابد كان يرسم الأذنين. وفى كل ذلك كنت أشعر بدغدغة فى المواضع التى تحوم حولها نظرات الخال بل وببعض الخِدْر اللذيذ من طول التموضع دون حراك. وكان الخال، كل فترةٍ من الوقت، يسألنى ما إذا كان قد نال منى الـتَّعب .. فيطلب منى أن أستريح قليلا. ولكنى رغم ما بدأت أشعر به من "تعسيمةٍ" فى العنق .. إلاّ أنى كثيراً ما كنت أجيبه، مُتسمّراً فى مكانى دون أن أغيّر من وضعيتى، بأنى لم أتعب، فقد كنت، كلِّى شغف، أتحرّق شوقاً لمشاهدة رسمى مُكتملاً.


سأعـــــود ..

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

بـــــــــــولا يرسمُـنى 2

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



لم يـُـثِر إنهِماك بـــولا فى رسمـى خواطر تجربتى مع " البورتريه" أو حين كنت " موديلاً" فقط؛ وإنما إستعادت نظراته الفاحصة الودودة .. التى حامت حول تضاريس وجهى .. تجربتى مع رسم "البورتريه" حين كنت شاهداً على رسمه. غابت عن ذاكرتى بعض تفاصيل هذه التجربة الفريدة والتى تخصَّ "موديلاً" من سودانيى الجنوب، ما جعلنى أتجاوز ذكرها فى "بوست": (إحياء الذاكرة الجمعية للسودانيين من خلال التماثيل)، فإنتهزت فرصة مكالمتى الأخيرة مع الخال الذى عزّز لى ما علق بذهنى من ذكريات وأكمل ما سقط عنها من حواشى وتداعيات.

لم يكن وقتها لرابطة التشكيليين بود مدنى مقرَّاً يخصّهم، فإتخذوا من المسرح القومى مقرّاً لهم، وكان "موديلنا" يسكن بمبنى هذا المسرح. ولأن أعضاء الرّابطة كانوا وقتها مشغولون بالتحضير لمعرضٍ ما، لم يكن الخال دوماً متفرّغاً لرسم "الموديل"، فكنت أشعر بالإستياء عند قدومنا مساءً إلى المسرح القومى .. حين يتوجّه "الموديل" إلينا بسؤاله المعهود وهو يستقبلنا بطلعةٍ مِلؤها الأمل: ما إذا كان الخال سيواصل رسمه اليوم حتى يقوم بالإستعداد لجلسة الرَّسم، فتكون إجابة الخال النفى. ولكن حين تكون إجابته بالإيجاب، يكون هذا يوم سعدنا .. أنا و"الموديل". إذ يُسارع هو بأخذ حمّام ثم يدخل غرفته فيمسح جسده بدهانٍ لامع، بعدها بمقص حديد خاص يحمِّيهِ على النار، يجلس أمام المرآة ويقوم بكىْ شعره المجعّد شعرةً شعرة إلى الخلف بهدوءٍ وإهتمامٍ، بعدها يتأنّق بزىَّ الدينكا التقليدى ولوازمه من إكسسوارات الحَلق والخَتَمْ والسُكسُك والعاج حول العنق والذراعين والساقين .. وأشياءً أُخر. ثم يخرج بعدها من غرفته حاملاً بيمناهُ رمحاً .. ويأتى فيجلس ملؤهُ العَظمَة والفِخار فى مكانه المعهود خلف حامل اللوحة الكبير المُنتصب على مساحة نجيلة صغيرة يكون قد مال عليها ظل العصر أمام غرفته.

كانت أخر مرحلة من هذه الإستعدادات المثيرة، التى كنت أنتظرها بشوقٍ وأنا أتخذ موقعى خلف الخال بزاويةٍ تسمح لى رؤية "الموديل" واللوحة معاً، هى عندما يمسك بيدهِ اليسرى "كدوس" تقليدى .. وبذراعه المُلتف والمُتكىء على ركبته يُريح، بكل عَظمَة وكبرياء، مبسمه الطويل على إبتسامة تُزيّن فمه .. كان الخال قد سمح له بالتدخين فى وضعه النهائى ذاك وقد بدا كزعيمٍ دينكاوىٍ ينفثُ فى هدوءٍ ومُتعة دُخان "كدوسه" المُقدّس.

سألت الخال فى مكالمتى الأخيرة معه عن مَنْ هو تلك الشخصية "الموديل" التى إرتسمت فى مخيلتى رغم تعاقب السنين ؟ .. قال لى: إنه الفنان "عبد الله دينق" ! .. فقلت له: هناك شخصين يحملان هذا الإسم وكلاهما فنّان، الأول "عبد الله دينق" عازف الساكسفون الشهير بفرقة بوليس السكة الحديد، والذى لازلت أذكره فى بروفةٍ صاخبة للفرقة بنادى بوليس السكة الحديد بالخرطوم يتلوّى بقامته الفارعة تلك أمامنا نحن صبيان الحّىْ بآلة الساكس العجيبة:


صورة

[font=Sakkal Majalla]الفنّان والمُلحِّن والمُغنى "عبد الله دينق" عازف الساكس. الصورة بمسرح النيل بعطبرة بتاريخ 6 /6/ 2011 ، فى تكريمه خلال إحتفال منظمة عطبرة الخيرية باليوبيل الفضى للفنان خوجلي هاشم. [عن موقع التوثيق الشامل].



والآخر هو "عبد الله دينق" الفنّان الذى حيّر سودانيى الوسط والشمال النيلى .. حين غنّى فى مهرجان الثقافة الثانى سبعينات القرن الماضى على خشبة المسرح القومى أغنية " عازة فى هواك":



[flash width=640 height=495]https://www.youtube.com/v/oVNWuVYaTSE




سأعـــــود ...

ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

بـــولا يرسمنى 3

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »



كان ذلك "الموديل" الذى أثار ذكراهُ فى مخيلتى إنشغال بـــولا فى رَسمى، هو الفنان "عبد الله دينق" مؤدِّى أُغنية "عازة فى هواك" على خشبة المسرح القومى بمهرجان الثقافة الثانى سبعينات القرن الماضى. عند إنتهاء المعرض أهداهُ الخال، كما وَعد، اللوحة الزيتية البديعة .. والتى لشد ما كان "عبد الله دينق"، وأنا الشاهد على مراحل تخلُّقها، معجبان ومُتعلَّقان بها.

لم تتوقف تداعيات إستغراق بـــولا فى رسم ملامح وجهى عند هذا الحد فقط، وإنما إستدعى ذلك تجربة رسمى، دون أن أقصِد ودون أن أنظر فى المرآة، "بورتريهاً" لنفسى .. كان ذلك ذات ليلةٍ موحشة بفندق "تارودانت" الشعبى بـ" سويقة" مدينة الرِّباط .. حين إكتشفت، عند إكتمال الرَّسم، أن ليس هناك مَنْ يمكن أن يُنسب إليه هذا "البورتريه" غير شخصى:





صورة



.. لدّى الآن ثلاثة "بورتريهات"، الأول من صنع الخال، والثانى من صُنع نفسى، وما كنت لأحظى بـ"بورتريه" ثالث بريشة عبد الله بــــولا .. لولا الأصدقاء الأعزاء عادل القصاص وعاصم الصويِّم اللذان وفّرا لى فرصتين نادرتين للقائه، لهما .. ولنجاة وبــــولا كل المحبّة والمعزّة والتقدير:






صورة



ـــــــــــــــــــــــــ


[font=Sakkal Majalla]* معذرة لهذه الصورة الوحيدة والسيّئة التصوير، فقد إلتقطها صديقنا نصر الدين المحامى، ولابد أن نجد له العذر، ذلك أن القانونيين، حسب طبيعة عملهم الجافة والرّتيبة، ضعيفين فى "الفـنـيِّات"، وقيل " مَلْهُمش فى الطيِّب نصيب !".

أضف رد جديد