أوان التغرير..إلى الخاتم عدلان و آخرين

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أوان التغرير..إلى الخاتم عدلان و آخرين

مشاركة بواسطة حسن موسى »



أوان التغرير

إلى الخاتم عدلان و آخرين

1
الخاتم
يا أخانا الذي في السموات
لعلك على أحسن حال و لعل تفاكير السودانيين الشيوعيين الأخيرة تروّح عنك ضجر الحياة الأبدية الذي قيل أنه قدر المخلدين في الأعالي.ذلك أن السودانيين الشيوعيين ـ في الآونة الأخيرة ـ ظلوا يجودون بالتفاكير و التساؤلات السياسية العجيبة التي لا بد أنك كنت ستنشغل بها لولا أن الأقدار الإلهية أخذتك بعيدا عن حلبة المنازعة الأرضية.
عفوك يا صديق على إزعاجك ـ من وراء الماوراء ـ بخطاب مباشر لشخصك الفرد الفريد، لكني انتهز سانحة الصداقة التي كسبناها ـ قبل آلاف السنين ـ من شاغل العمل الديموقراطي لأسائلك في أمور تهم السودانيين عامة و تهم اليساريين على وجه الخصوص .ـ
لقد احتفى محبوك كثيرا بوثيقتك الشهيرة المعنونة " آن أوان التغيير"حتى صعدوها لمقام "خلو طرف" ناجز [ و هيهات] من تركة الماركسية اللينينية، يتقاسمه جل المغادرين لصفوف الحزب الشيوعي مع المستبعدين المغبونين و المتذمرين و مناهضي الفكر المادي من عيال المسلمين، لغاية الملولوين و ونـّاسي منابر التواصل الإسفيري العنقالة الشامتين على حال الشيوعيين السودانيين بذريعة «اللعبة الحلوة» لا غير.و رغم أني قرأت نص " آن أوان التغيير" قبل عقد من الزمان إلا أنني عدت لقراءته مؤخرا على أثر تواتر الإحالات الذي حفـّزت عليها المناقشة المستعرة بين نفر من اليساريين أثر استبعاد الحزب الشيوعي السوداني لبعض القادة " الشباب"[؟] من صفوفه.ـ
ذلك أن بعض المستبعـَدين ـ و أنصارهم في وسائل التواصل الإجتماعي صاروا ـ " يدوّرون" ـ بطريقة أو بأخرى ـ الحجج التي دفعت بها أنت في وجه رفاقك السابقين و مسخوها "فرمالة" ينتفعون بها في تكبير كومهم المفاهيمي المتواضع.ـ
في الأسطر القادمة أحاول قراءة" آن أوان التغيير" مع بعض وثائق المعارضين بغاية" فرز مويات" هذه المنازعة على أمل أن تساعدنا في إضاءة واقع الصراع الطبقي داخل هذه الطائفة الماركسية اللينينيةالسودانية التي كنت أنت بين أعيانها الفكريين لعقود. ـ

و عنايتي بتجليات الصراع الطبقي، داخل الطائفة الماركسية اللينينية السودانية، مهمة في نظري لأن عواقب هذا الصراع القديم/المتجدد لا تمس طائفة الماركسيين اللينينيين فحسب بل تتعداهم نحو كافةالتكوينات الديموقراطية الحاضرة في مسرح السياسة السودانية.و أنا ـ في هذا المشهد ـ أتحدث من واقع كوني شيوعي غير نظامي يعوّل كثيرا على ميراث ماركس و يستهدي به في عقلنة تناقضات الصراع الطبقي في شرط العولمة الرأسمالية في السودان و في غير السودان.و الشيوعية عندي هي الأفق المفهومي الذي أستشرف ضمنه يوتوبيا العدالة الإنسانية و الرفاه الإجتماعي على الأرض. و رغم وضعيتي كفنان تشكيلي مستفرد بخصوصيتي و بأنانيتي الرعناء المشاترة، إلا أن تعويلي على ميراث ماركس منحني ـ عبر عقود إنخراطي في العمل العام ـ نوعا من صلة قربى آيديولوجية مع الشيوعيين السودانيين داخل و خارج المؤسسة الحزبية النظامية. و تنويهي بنوعية الصلة التي تربطني و الجماعة الماركسية السودانية ، في مطلع هذه الأسطر، مهم في نظري لأني اسوّغ عليه مساءلتك أنت و مساءلة الشيوعيين السودانيين[ و من لفّ لفهم من المهمومين بأمر الديموقراطية في السودان] عن مرامي الإشكالية الفكرية و الأخلاقية التي تعصف بالقوى الديموقراطية السودانية و في قلبها حزب الشيوعيين السودانيين.و وعيي بأهمية الدور الذي لعبه و يلعبه حزب الشيوعيين السودانيين في فضاء العمل العام السوداني يحفزني على العناية بما يدور داخله من صراع لأن هذا الحزب صار ،من جهة أولى، يستقطب عناية المراقبين الأراذل من أعداء التقدم المتعرّصين في دوائر رأس المال و حلفاء الإمبريالية المحليين و الإقليميين، باعتباره يمثل رأس الحربة في مقاومة آيديولوجية الهيمنة الرأسمالية في السودان ، و من جهة ثانية، فعنايتي بما يدور بين الشيوعيين النظاميين تشغل حيزا مهما من نشاطي السياسي لأني أرى عواقب المنازعة الطبقية الدائرة داخل هذا الحزب السوداني، تبدو لي أكثر أهمية من أن نتركه نهبا لحزازات الشيوعيين النظاميين وحدهم.ـ

2
و على هذا أبدأ فرزي بمحاولة تلخيص الأفكار الرئيسية في كلامك الوارد في وثيقتك " آن أوان التغيير" ،و ليعف عني حراس تفاكيرك لو "فجغتهم" غلظة تلخيصي المغرض بالضرورة ، في مواجع عاطفية فلتت عن حساسيتي ،و الشينة مرجوعة و الزعل مرفوع.ـ
كتبت يا الخاتم ، في مدخل الورقة تتساءل:ـ
« ..

مالذي حدث للشيوعيــة ؟ للأحزاب الشيوعية ، والشيوعيين الأفراد ؟ ماذا حدث لعالم بكامِله ، كان ، حتى الأمس، ملء السمع والبصر ، وأضحى أثراً بعد عين ؟ . إنهارَ انهياراً مأساوياً يُذَكِّر المرء بالقَـصص التوراتي والقرآني، حيث تختفي أقوام بكاملها من على وجه البسيطة وفي لمحِ البصر !؟
« 


و من قولة تيت تبتدر تفاكيرك بتساؤل تراجيدي عن اسباب هذا الإنهيار غير المسبوق الذي حل بقوم "النبي ماركس" الذين كانوا حتى الأمس ملء السمع و البصر فأضحوا" أثرا بعد عين"، فكأنما صعقتهم تلك" الصيحة" الجبارة التي عصفت بقوم ثمود فاندثروا بين عشية و ضحاها و"أصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها"[ هود، 61ـ68].ـ
أو كأنهم قوم نوح أفسدوا فأغرقهم الطوفان ، أو كأنهم قوم فرعون كفروا فأدركهم" الجراد و القمل و الضفادع و الدم".ـ[ الأعراف133].ـ

فما الذي حدث للخاتم عدلان صديقنا الشيوعي الماركسي اللينيني، الذي تربى على استخدام منهج الفكر الماركسي،أحد أكثر الأدوات المفهومية كفاءة في عقلنة ظواهر الواقع الإجتماعي ، حتى يسعى لفهم الصراع الطبقي بأدوات الميثولوجيا الدينية ؟
و أي شيطان ألهمك،و أنت المفكر العارف بإلتواءات الصراع الطبقي، أن تتساءل عن اسباب إنهيار العالم الشيوعي من مشهد المراقب الأمي البريئ الذي أخذه الحدث على حين غرة؟.لا،لا شيطان و لا يحزنون، فأنت ، كما عرفناك لا تعول على عمل الشيطان كما لا تعول على القصص التوراتي و القرآني، و ذلك ببساطة لأنك سياسي " واقع من السما تسع مرات"[ و قيل أكثر] و ليس في" ما حدث" ما يخفى على بصيرتك التاريخية أو على خيالك السياسي. ذلك لأنك يا الخاتم تعرف جيدا لماذا انهار الإتحاد السوفييتي و مجموعة الجمهوريات الإشتراكية التي كانت تدور في فلكه.ـو اختيارك تقديم التحولات التي حدثت في البلدان الإشتراكية من منظور الميثولوجيا الدينية بعيد عن البراءة السياسية لأنه يتيح لك تغبيش الملابسات التاريخية التي حصل فيها انهيار الإتحاد السوفييتي و منظومة البلدان الإشتراكية، بحيث يبدو أمر سقوط منظومة البلدان الإشتراكية كنوع من البلاء أو العقاب الإلهي الذي وقع من السماء على الفكرة الشيوعية و على الأحزاب الشيوعية و على الأفراد الشيوعيين . و فكرة العقاب الإلهي تضمر في ثناياها مفهوم الخطيئة الدينية التي تستدعي العقاب. من هذا المدخل، مدخل الأدب الإلهي، تهيـّئ قراء نصك لقبول العقاب الديني كنتيجة منطقية و كقدر واقع لا مناص من الإمتثال له ، و في نفس الوقت "تكاور" الفكرة الشيوعية و الأحزاب الشيوعية و الأفراد الشيوعيين و تسقطهم ـ بدون فرز ـ على ديكتاتورية البيروقراطية اللينينية السوفييتية قبل أن ترميهم ـ " في لمح البصر" ـ في مقبرة التاريخ الديني .ـ

3
لماذا؟لماذا يدفن الخاتم عدلان الحلم الشيوعي في قبر الإتحاد السوفييتي؟ مندري؟ لكنك يا صديق انفقت جل سنوات عمرك في خدمة المؤسسة الماركسية اللينينية السودانية، و أنت أدرى مني أن الحلم الشيوعي هو الدينامو الذي ظل يلهم الناس العاديين ، في كل مكان، بأن تجاوز الشقاء الرأسمالي ممكن و مطلوب و حتمي. و "أوان التغيير" الذي تبشرنا به إنما يتكشـّف عن أوان للتغرير بالحلم الطوباوي الشيوعي، و بالجماهير التي صدقت الوعد الشيوعي و تعاطفت مع الشيوعيين السودانيين و انخرطت في رؤيتهم للعمل العام.و أنا اقرأ نصك كأقصى درجات اليأس من قدرة الناس على بناء مشروع إجتماعي حداثي يتجاوز أفق حداثة رأس المال المعرقنة المُدَيَْونـَة المخيّمة على المجتمع المعاصر .بالله شوف بساطة شرحك لأسباب سقوط و انحطاط الثورة الروسية و الأسلوب الذي سحبت به هذا الشرح على ما اعتبرته اسباب سقوط الشيوعية و انحطاط النسخة السودانية من الماركسية اللينينية. تقول يا الخاتم :ـ
"
رغم الهزائم والإنكسارات، التى واجهتها في بداية مسيرتها، فقد تمكّنت هذه القوى في عام 1917، في روسيا القيصرية، من الإستيلاء على السُلطة ، والشروع في بناء المجتمع الجديد . وقد تجلـَّتْ في عملية الإستيلاء على السُلطلة وفي مواجهة التدخل الخارجي والحرب الأهلية ، بطولاتٌ خارقة ، إعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء . وقد ظهرت إثر انتصار الثورة في روسيا ، بوادرٌ باهرة لإجتياح العالم بأكملِـه ، ولم يكن الإعتقاد بإمكانية وواقعية ذلك الإجتياح وِفقاً على الشيوعيين وحدهم ، بل شاركتهم فيه شعوب بكامِلها ، وارتعدت له فرائص البرجوازيين ووجَفتْ قلوبهم . ولكن! بعد الشروع في معارك الإستيلاء على السُلطة في بعض البلدان، إتّضح أنّ تحقيق الحُلم لم يكن بالسهولة التى تَـخَـيَّله بها الشيوعيون وقادتهم .
"
..

« 
ومن المؤكّد ، أنّ تلك التشويهات كانت واضحة وجليـّة لقادة البلدان الإشتراكية الجديدة ، ولكنّ إمكانية نقدها وفضحها ، دع عنكَ إمكانية الخروج عليها!، كانت مُغلَقة ، حيث كان " قانون البقاء " يتكفَّل بإخراس الألسـنة . ولا يُمكن لأحدٍ أن ينكر أنّ هذه النُّظُم قد حقَّقتْ إنجازات باهرة وكبيرة بكلِّ المقاييس ، في بُلدانٍ كان أغلبها يتّسمُ بالتخلف ،ولكنّهم كانو يحققون هذه الإنجازات والنَّيْرُ الروسيُّ الفادح يثقِلُ أكتافهم !. وكنتيجة ، لامفَـرَّ منها لعملية طويلة من التدجين والإخضاع والإرهاب والإفساد والتشويــه، عبرتْ هذه الأحزاب مرحلتها البطولية الى مرحلة الإنحطاط والإذعان والمناقضة

 »ـ
في نظرك إذن ،فالثورة الروسية نجحت كإستثناءا لقانون الثورة في أدب ماركس و انتكست كتأكيد لهذا القانون، ذلك أن ماركس كان ينتظر الثورة البروليتارية في مجتمع صناعي تسود فيه الوفرة ـ مثل إنجلترا أو ألمانيا ـ فتقوم البروليتاريا، التي تستولى على السلطة في مجتمعات الوفرة، تقوم بإعادة التوزيع العادل للثروة و تبني المجتمع الإشتراكي. لكن الثورة الروسية حصلت في بلد فقير لا يعرف الوفرة لأن أنصارها استثمروا تناقضات السياسة المحلية في روسيا القيصرية و بذلوا التضحيات البطولية العظيمة و استولوا على السلطة السياسية من خلال الحزب الطليعي اللينيني و سعوا لبناء مجتمع الرفاه بوسيلة هذا الحزب الثوري الذي يهيمن على القوى الإجتماعية ـ بما فيها قوى الطبقة العاملة ـ كما يهيمن على مؤسسة الدولة و يوجه عجلة الإقتصاد.و قد علقت يا الخاتم على " الإستثناء الثوري الروسي" و نوّهت بالتعقيد الإجتماعي في عبارات واضحة، رغم أن تنويهك لم يمنعك من الهجوم المتحامل على هذه الثورة البورجوازية التي كان قدرها الإنحطاط عن المعاني السامية التي كانت تستشرفها في مبتدأ الثورة.

هذا الإستثناء الروسي لقانون الثورة الإشتراكية هو المسؤول عن التطورات السلبيةغير المتوقعة التي لم يكن الثوريون يتوقعونها في هذا التحقق الروسي للثورة الإشتراكية.هذ الواقع انتج وضعية إجتماعية و سياسية بالغة التركيب هي وضعية نصف الكوب الفارغ أو الممتلئ.ذلك أننا لو نظرنا ـ معك ـ للنصف الممتلئ فسنرى إنجازات التنمية الإجتماعية و الإقتصادية" الباهرة و الكبيرة بكل المقاييس" في المجتمع الجديد الذي خلقته الثورة البلشفية. و التي تتمثل في الخروج بالمجتمع الروسي من شرط القرون الوسطى لشرط مجتمع حداثي ينعم أهله بمجانية العلاج و التعليم و السكن و الإنتفاع بتسهيلات الحياة المادية الحديثة للجميع ، ناهيك عن التأثير الإيجابي للثورة الروسية على جملة المجتمعات و الشعوب الأخرى الواقعة تحت نير قوى رأس المال، و التي استخلصت من الدرس الثوري الروسي أن التمرد على قوى رأس المال ممكن سياسيا و مثمر إجتماعيا.أما لو نظرنا ـ معك أيضا ـ للنصف الفارغ من الكوب فسنرى كوارث" النير الروسي الفادح" من مصادرة الحريات و تغييب الديموقراطية و إقصاء المعارضين ،لقتل مئات الآلاف ـ و ربما الملايين ـ من المواطنين الذين لا يقاسمون السلطة السياسية قناعاتها الآيديولوجية ــ .

«

و.
عندما بدأت وقائع هزيمة الثورة في هنغاريا ، وتأجيلها في ألمــانيا، وإجهاضها في بلدانٍ أخرى، تفعلُ فعلها وتُشكِّل وعياً جديداً ؛ إضطرّ البلاشفة الى توقيع صُلح " برست ليتوفسك " ،و قبول اقتطاع مساحات هائلة من أراضيهم لصالح المعتدين الألمان . ومن شيوعية الحرب وطموح التنفيذ الفوري للبرنامج الشيوعي، تراجعوا الى السياسة الإقتصادية الجديدة التى يُمكن أن تؤدي الى بروز فئات برجوازية صغيرة جديدة في المستقبل ، تنافس البروليتاريا . وشيئاً فشيئاً ، حلّت الوقائع الصّارمة محلِّ الأحلام المُجـَـنَّـحة !

 »
في المقتطف أعلاه تفسر إنمحاق المشروع الثوري الروسي بالجزر الثوري الأوروبي ضمن جيوبوليتيك أوروبي موسوم بتراجع قوى الثورة في أكثر من بلد أوروبي.ـو حين تختم تفسيرك بتغوّل " الوقائع الصارمة" على " الأحلام المجنحةفعبارتك تضيئ عمق مفهومك للثورة الروسية كحلم طوباوي " مجنـّح"،[ إقرأ " غير مسئول"] .ـو هو تحليل جائر في حق الشيوعيين الروس الذين صنعوا ثورة أكتوبر كونه ينكص عن العناية بالنصف الممتلئ من الكوب فيلغي ـ بجرة قلم ـ كل الأدب الثوري الجليل الذي انتجته العبقرية السياسية للبلاشفة لعقلنة واقع فرص التغيير الثوري في بيئة إجتماعية لا تستجيب لأي من شروط صناعة الثورة حسب مواصفات الميراث النظري الماركسي . ـ


تكتب يا صديق :ـ
« »

هذه اللمحات العابرة ، ليست محاولة لتفسير ما حدث في الإتحاد السوفييتي وغيره من البلدان الإشتراكية ، بل هي محاولة لتوضيح حقيقة ، في غاية البساطة، وهيَ أنّ أيِّ حزب يُمكن ان ينحدر من ذُرى البطولة الى سِـــفوح الإنحطاط ، ويمكن ان يتحوَّل قادته من مناضلين يقتحمــون السماء ، الى حِفنةٍ من القَــتَـلة الأشرار . 
« 


و هكذا في تقرير إعتباطي عجول لا يستند على أكثر من" اللمحات العابرة" تمرّر فكرتك الدينية الثانية التي تلغي التركيب الكبير لعملية التحول الثوري و تشيح عن جملة الظروف المادية و الرمزية التي حكمت تطور مؤسسة سياسية في فرادة حزب البلاشفة الروس، لتخلص إلى نتيجة" في غاية البساطة " فحواها أن الإنحطاط السياسي و الأخلاقي قدر محتوم يتربص بأي حزب و بأي قائد، و لو شئت قل هو «مصيبة معلقة بسبيبة» فوق رؤوس الأحزاب و المناضلين على وجه الإطلاق [ بما فيهم الحزب الذي اسسته لتلك "القوى الحديثة ، بل بما فيهم أنت الخاتم عدلان الغلب الهدّاي هيمسيلف]. و في نهاية التحليل الديني تبشرنا يا الخاتم بأن " الإنسان لفي خسر"،و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.ـ طبعا لا أحد يستبعد إحتمال الإنحطاط و السقوط الأخلاقي عن القادة و الأحزاب السياسية المتحركة في فضاء الصراع الإجتماعي، لكن معالجة الصعوبات السياسية و الإقتصادية والعسكرية التي انحطت بحزب البلاشفة الروس لمقام" حفنة من القتلة الأشرار" لا يجوز بالخفة المفهومية التي تنكبتها في تقريرك الفادح ، سيما و أنت ، بعدها، تسقط تحليلك لإنحطاط حزب البلاشفة الروس على " إنحطاط" مزعوم لحزب الشيوعيين السودانيين فتأخذهم بجريرة غيرهم و" كله عند العرب صابون ».ـ

تكتب يا الخاتم :ـ
« « »

هذا العبور من عصر البطولة الى عهد الإنحطاط، هل يخُـصّنا نحن في الحزب الشيوعي السوداني ؟ هل يُمكن ان يكون مصيرنا كمصيرِ الآخرين ؟ وهل سنشترك يوماً في قمع شعبنا وقهره بالسلاح ؟ وهل في مآسي الأحزاب الشيوعية الأخرى ومصائرها، شيئـاً نتعلـَّمه منها ؟ وهل في استطاعتنا أن نُديرَ ظهورنا لما حدث ونتعامل كأنّ شيئاً لم يكُنْ ؟..

هذه هيَ بالضبط ، الأسئلة التي كتبتُ هذه الورقة للإجابة عليها ، بل إنّها كُتِبَـتْ لِتفادي مثل ذلك المصير الذي حلَّ بغيرِنا . فَثمَّة نغمة بدأت تتـّــسع الآن بأنّــنا حزبٌ من نوعٍ خاص ، لم يعرف عِبادة الفرد، ولا حَجْب الرأي الآخر ، ولا نَفي المخالفين في الرأي ؛ دع عنكَ إعدامهم . وما دامت المقدِّمات المختلفة تقود الى نتائج مختلفة ، فلا يُمكن لأحدٍ أن يتّهمنا بشيئ أو يُحاسبنا بأخطاء غيرنا . وربما يتساءل البعض : كيف يُمكن لحزب عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ ، أن يصبح كحزب شاوشيسكو ؟ .
« 


« 
صحيحٌ أنّنا حزب سودانيٌّ شديد الإعتزاز بسودانيـَّتِه ، ولكن الأحزاب الشيوعية الأخرى، كانت أحزاباً وطنية هيَ الأخرى ، شديدة الإعتزاز بانتماءها القومي من دون شك . وقد كانت لها مآثرها وتضحياتها وأبطالها وقد حاولتْ ، كما حاولنا ، أن تُخضِع الماركسية لمُقتضيات واقعها، ربما أقلّ قليلاً أو أكثر قليلاً . ولكـنّــنا ، كحزب شيوعي، لو وُضِعــنا في نفس الظروف التى وجدتْ هذه الأحزاب نفسها في خِضَـمِّها ، لفعلنا مثلما فَعلوا ، مع أنّ البصمات السودانية لن تكون معدومة
«

 
تقول أنك كتبت " هذه الورقة"لتجنيب حزب الشيوعيين السودانيين " مثل ذلك المصير الذي حل بغيرنا «. و في هذه الـ "غيرنا" يمثل ستالين و بريجنيف و شاوشيسكو .أي و الله ، يا الخاتم تريد تجنيب الشيوعيين السودانيين مصير شاوشيسكو فتأمل..طبعا الخاتم عدلان المفكر العارف بتاريخ حركة الثورة لا يجهل الإختلاف النوعي الكبير بين حزب البلاشفة الروس الذي كان حزب سلطة تخلقت على تميز التاريخ السياسي الذي انتج الحزب الشيوعي الروسي، و حزب النخبة اليسارية السودانية المعارضة ، الذي خرج من تلافيف حركة النضال ضد المستعمرين ليحيي « الناس في غابات كينيا و الملايو و باندونغ الفتية» [ تاج السر الحسن].لكنك يا صديقنا بنيت بأسك السياسي كقيادي يساري داخل حزب الشيوعيين السودانيين، فكيف ساغ لك أن تشيح بوجهك عن الصعوبات الأنثروبولوجية السودانية ، التي تعرفها كما جوع بطنك، والتي ظلت تحيق بحزب الشيوعيين السودانيين على طور السنين، لتستورد لهم صعوبات بلشفية إضافية من ترسانة أدب معاداة الشيوعية المبذول للغاشي و الماشي في أعلام دوائر رأس المال الأوروأمريكي ، إبتداءا بمقولة " نبوءة ماركس الكاذبة" بصدد الثورة الإشتراكية في المجتمعات الصناعية، لمقولة إضمحلال البروايتاريا الصناعية بفضل التقدم التقني،و إستحالة التنمية الإقتصادية غير الرأسمالية ، فضلا عن الإسقاط المجحف للمشروع الشيوعي على التجربة السوفييتية، لغاية فرية "موت الآيديولوجيات" و «نهاية التاريخ» على مذبح السوق الرأسمالي. من يتأمل في مآخذك على حزب الشيوعيين السودانيين لا يقاوم التساؤل البريئ :ـ
لماذا لا ينظر هذا الجمل الشيوعي السوداني لـ "عوجة رقبته" في مرآة الحزب اللينيني الطليعي الذي شارك في صناعته كـ " أفندي شيوعي" لعقود من الكفاح العصيب المدمم ، بدلا من التأمل في عوجات رقبة حزب البلاشفة الروس؟ مندري؟.ـ
شخصيا، تعود معرفتي بشخصك لمطلع السبعينيات حين كنا نساسق [ بصفتنا "ديموقراطيين ساكت" ] بين كلية الفنون و الجامعة كلما نظم الزملاء في "الجبهة الديموقراطية" بالجامعة تظاهرة سياسية أو ثقافية ،أو واحدة من تلك الندوات التي لم تكن تتغيب عن المساهمة فيها، بوصفك القوميسيير السياسي للحزب الشيوعي في الوسط الطلابي. » كوميسير سياسي" بتاع شنو يا زول؟ و الله كان الناس يرمقونك كما يرمقون " فتى الشاشة الأول" في ذلك المسرح الجامعي
الذي كانت صفوة الطبقة الوسطى الحضرية تلعب عليه أدوار اللعبة السياسية السودانية في "ويكلو"روتيني مقفول
huis clos
لكني لم أعرف عنك ـ طوال تلك الفترة ـ نقدا يطال حزب البلاشفة الروس أو حلفائهم في منظومة البلدان الإشتراكية. في ذلك الزمان[ الجميل؟] أدرت ،ياحضرة الناشط الشيوعي السوداني،أدرت ظهرك لما كان يحدث في الإتحاد السوفييتي" البريجنيفي"،و لم يفتح الله عليك بكلمة في التنويه بموقف الشيوعيين الروس من قهر الطبقة العاملة في ألمانيا عام 1953 ،أو موقفهم من قهر الطبقة العاملة في المجر عام 1956 أو قهر الطبقة العاملة في تشيكوسلوفاكيا عام 1968،أو قهر الطبقة العاملة في بولندا أيام حركة نقابيي "سوليدارنوس" أو قهر شاوسيسكو للطبقة العاملة الرومانية أو التنكيل بالمثقفين و الكتاب و الفنانين الروس الذين تجاسروا على نقد السياسة السوفييتية إلخ، مثلما أدرت ظهرك لما كان يحدث في الحزب الشيوعي السوداني" العبدالخالقي"، من ظاهرة عبادة الفرد و الإزراء بالمعارضين التقدميين و تسويغ التكتيك الإنقلابي على أثر إنقلاب " ثورة " مايو69 ، كما في االإنقلاب الثاني المسمى بـ "حركة 19 يوليو التصحيحية" التي دخلت على الحركة الشيوعية السودانية بالساحق و الماحق حتى يومنا هذا. تقول ،عن إنقلاب 19 يوليو :ـ
"
وأُجـْــبِرَ الحزبُ ، ساعة الإقتضاء، أن يُحارب السـُّلطة المايوية بسلاحها ذاته – سلاح الإنقلاب العسكري- أعطــى موافقته ، بصرف النظر عن كون تلك الموافقة صريحة أو ضِـمنية ، لتفجير حركة 19يوليو 1971، علـَّه بذلك ، يفتح الباب لحُكم الجبهة الوطنية الديمقراطية ، وإنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، ومُـفَضـِّلاً ، في كلِّ الأحوال، مواجهـة كل احتمالات الهزيمة على الأستسلام دون قِتال

"
"لقد تأنّيت يا صديق سنينا طويلة قبل الإدلاء بنقد ذاتي خجول في إلتواء " إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جبانا".هذا النقد المايع المخاتل لمن حفزوا على إنقلاب يوليو، داخل الحزب الشيوعي، الذيكنت يا الخاتم في صدارة قادته و مفكريه، هذا النقد المتأخر المتسربل بسرابيل الشجاعة يتناسى أن القتل و السحل و الملاحقة التي طالت الشيوعيين النظاميين عقب فشل حركة إنقلابيي 19 يوليو قد شملت أيضا قطاعا واسعا من الديموقراطيين السودانيين الذين كتب عليهم أن يدفعوا فاتورة الحماقة الإنقلابية الشيوعية من لحم أكتافهم فعرفوا الملاحقة و الإهانةو التشريد و الإعتقال لا إيدهم و لا كراعهم .و أنا أسألك هنا :ـ لماذا انتظرت يا الخاتم أكثر من عشرين عاما لتقول لنا:ـ يا حضرات الديموقراطيين و يا حضرات الشيوعيين و يا عموم عيال المسلمين، أن الحزب الذي ظلت أمثله قد شاخ و دلوكتي " آن أوان التغيير" و كدا ؟؟لماذا؟ مندري؟ .ـ

5

، لقد ظللت يا صديق سادرا في كفاحك اللينيني السعيد حتى جادت عليك العناية التاريخية بإنهيار الإتحاد السوفييتي، فإذا بك تصحو من نومة اهل الكهف الماركسي اللينيني الطويلة و تهرع لحانوت "حركة القوى الحديثة" لتبتاع منه ما يقيم اودك السياسي، لكنك نسيت أن العملة اللينينية القديمة التي أخرجتها من جيبك قد فقدت صلاحيتها و أخنى عليها الذي أخنى على" أمّات طه".ـ
أظن ـ غير آثم ـ أنك يا الخاتم عدلان ـ مثل كثيرين ممن تخرجوا في مدرسة الحزب الماركسي اللينيني ـ قد استغنيت بالفكرة اللينينية ـ في بعدها الماكيافيللي ـ عن الفكر الماركسي .ـفالفكر الماركسي يطرح نفسه كمشروع مفتوح يسعى بمنهج العلم لعقلنة فعل الثورة بوصفه ضرورة يتمخض عنها الصراع الصاعد نحو أنسنة المجتمع التناحري . و أعني بـ "منهج العلم" تلك الطريقة الخلاقة في معانقة الواقع و تحليل معطياته ، و التي استنتج عليها ماركس بعض المبادئ العامة في خصوص حركة التاريخ الإجتماعي [ التاريخ هو تاريخ صراع الطبقات ،التناقض الرئيسي هو بين العمل و رأس المال، الرأسمالية ليست نهاية مطاف التطور الإجتماعي..] لكن الفكر الماركسي يتوقف عند التحليل و لا يشرح الكيفية العملية التي يمكن أن يتم عليها التغيير ضمن ملكوت الواقع المتغير بتغير الأمكنة و الأزمنة.و في هذا المشهد،مشهد ملكوت الواقع، تمثل الفكرة اللينينية ـ في بعدها الرسالي النصراني ـ كتجسيد لينيني لأفكار ماركس على أرض الواقع الروسي . هذا التجسيد ـ في معنى نفخ الفكرة[ إقرأ نفخ "الكلمة"] في جسد حي يكون بها في تقاطع الزمان و المكان ـ هذا التجسيدالذي جادت به عبقرية لينين و شركاه البلاشفة المفكـّرين،[ و المكفـّرين]، لم يحدث في صوامع المكتبات أو داخل حلقات المفكرين العاكفين على مباحثهم النظرية بعيدا عن الناس، لكنه تم و تطور ضمن جدل الصراع مع معطيات الواقع الحي و بين الناس الحقيقيين الذين يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق و الذين هم ـ بسبيل تحقيق مشروعهم و حماية مصالحهم ـ ما كانوا يتورعون عن التضحية بحيواتهم مثلما ما كانوا ليتورعوا عن سفك دماء من يقف في طريقهم.و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.ـ
و اللينينية ـ في نهاية التخليل ـ فكرة صفوية تنهض على مبدأ الإمتياز الطبقي للبورجوازية التي تنطلق من حظوتها الطبقية الظرفية[ التعليم و الإمكانات المادية] لتمنح نفسها حق القوامة على مجمل حركة التاريخ .ـ في هذا المنظور الطبقي، فالفكرة اللينينية تفترض طليعة مسلحة بالوعي التقدمي الثوري،تنسلخ عن طبقتها لتقوم بحقن الوعي الثوري في جسم الطبقة العاملة لكي تستكمل هذه الطبقة العاملة، الجاهلة بقدر نفسها و بدورها ، لكي تستكمل بالوعي تأهيلها الآيديولوجي و التنظيمي فتقوم بالثورة و تستولي على السلطة وتعيد توزيع الثروة و تحقق اليوتوبيا الإشتراكية و هلمجرا. هذه الطليعة الرسالية كانت تتجسد في مجموعة الرجال و النساء الذين صنعوا الحزب البلشفي تحت قيادة لينين و قادوا ثورة الشعب الروسي ملوحين بوعد السعادة الشيوعية الأبدية. طبعا الفكر اللينيني لا يشرح لماذا تتنكر هذه الفصائل الثورية البورجوازية لمصلحتها الطبقية و تتحالف مع البروليتاريا التي تتولى تحقيق القلب الجذري لعلاقات المجتمع البورجوازي.و الأدب اللينيني مضطر أمام هذه الـ «لماذا؟» للتذرع بالذرائع « الإنسانوية»[ الذرائع الأباها ماركس بتاع " آلتوسير"
أنظر المناقشة حول « لا إنسانية ماركس » على الرابط
https://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=5248
،]،
لغاية أدب البر النصراني الذي يصعد فعل التغيير الثوري لعلياء العقيدة الدينية و ما يتبع من الإيمان بالشعب و بالثورة الإشتراكية المحتومة بإذن الله و الله أكبر و لله الحمد ..و من خلال الترويج لأدب التضحيات و الإحتفاء بفعل الإستشهاد في سبيل العقيدة الثورية تخلص اللينينية لمسخ نظرية الثورة الماركسية لثيولوجيا تستغني بلإيمان عن التفكير النقدي العلمي.و يهيئ الخاتم عدلان اللينيني ـ و عينه على النصف الممتلئ من كوب الحركة الشيوعية السودانية ـ يهيئ خشبة المسرح السياسي اللينيني ليرجع الرفاق عن غيهم الشيوعي و يلزموا جانب الشعب السوداني المسلم في حظيرة الإيمان .ـ

6
كتبت يا الخاتم عدلان

« 
وعندما ينظرُ المرء الآن ويُجيلُ النّظر داخل الحزب الشيوعي الســوداني، فإنّه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبَّت في كلِّ شيئ وتخلـّلت جميع الخلايا . ولكنـَّه يرى ،مع ذلك، إمكانية هائلة للنهوض بالإستناد الى جديدٍ ينبتُ بين الأنقاض، وحياةٍ تتمخَّضُ من كوم الرّماد . هناك إمكانيات حقيقية لبناء مشروع جديد، عادل وخَـيـِّر ، ولكنـَّه أكثر تواضعاً ممّا كنّا نحلم ونتمنّى ، وأكثر واقعية وراهنية ، وأكثر التصاقاً بالأرض، وأكثر اهتماماً بإنسان اليوم، وقضاياه الحقيقية ومشاكله الطاحنة وآماله القريبة، منــه بإنسان خيالي لايعدو أن يكون مقولة ذِهنية ، لاننكر جمالها ومقدرتها الهائلة على الجذب، كما لاننكر أنّها يُمكن ان تتحقّق في يومٍ قادم من أيـّام الإنسانية . ولكنـّــنا فقط، في لحظتنا هذه من الزمان ، في بُقعتنا هذي من الأرض، في مرحلتـنا هذه من تطوُّر المجتمع، نتركها للأجيال القادمة . فهيَ ، وياللأسف الشديد، ليست في متناول أيدينا ، ليست في مُستطاعنا . كما أنّ الأجيال القادمة لن تتمكّن من الوصول إليها إلآ على أساس من هذا البناء المتواضع الذي نحاول أن نُـقِــيمَـه لأنفســنا . وفي هذا مصدرٌ عميقٌ للعزاء .


في هذا المقتطف أراك تعود لفكرة الكوب الممتلئ أو/و الفارغ لمنتصفه.فأزمة الحزب هنا تتلخص في " الشيخوخة التي دبت في كل شيئ و تخللت جميع الخلايا"،و ترجمتها بالعامية السودانية " يا عواجيز الحزب هوي، زمانكم فات و غنايكم مات، يلّا حلّوا عن حزبنا و خلوا الشباب يشوفوا شغلهم" و هنا يمكن لرفاقك العواجيز في الحزب الماركسي اللينيني أن يتنفسوا الصعداء، كون الأزمة لم تنتج عن عـلـّة نوعية من شاكلة العلل الآيديولوجية العويصة التي عصفت بحزب البلاشفة الروس حتى حقت عليهم «الصيحة» فأضحوا أثرا بعد عين. لإأنت هنا مازالت تأمل في استعادة " تلت المال" حسب حكمة الشعب التي تنصح صاحب الدين بـ" المال تلتو و لا كتلتو". و أضعف إيمانك في هذه المنازعة يتمثل في "الإستناد إلى جديد ينبت بين الأنقاض، و حياة تتمخض من كوم الرماد"و الله قادر على إحياء العظام و هي رميم ، و لو كانت في رمامة حزب الرماد المنثور بين الأنقاض . أنت هنا زاهد في الحلم الشيوعي الذي صار، في نظرك، مجرد زعم جمالي جذاب كذاب لا سبيل لإدراكه في المستقبل القريب،كما لو كان النكوص عن الحلم الشيوعي ينفتح بالضرورة على حل مشكلة العدالة الإجتماعية. لكنك يا صديق، هنا ، في مشهد نصف الكوب الفارغ، لا تكتفي بتبخيس الحلم الشيوعي كفراغ عبثي جميل و السلام، لأنك تعوّل على نصف الكوب الممتلئ أيضا. أنت تتخذ سمت المرشد الواقعي الذي يكتفي من الغنيمة الجمالية الشيوعية بـ" مشروع جديد، عادل و خير ، لكنه أكثر تواضعا مما كنا نحلم و نتمنى".و حين تقول بضرورة بناء مشروع" أكثر واقعية و راهنية، و أكثر إلتصاقا بالأرض، و أكثر إهتماما بإنسان اليوم و قضاياه الحقيقية..»فكلامك يضمر أن خصومك من عواجيز الحزب الشيوعي السوداني، " المعصومون من الإهتزازات "، يقضون سحابة يومهم في جدال بيزنطي/سوداني حول أسئلة الوجود الفلسفية الكبرى، من شاكلة " من أين أتينا؟ و إلى أين سنذهب؟ و منو البغسّل العدّة؟" [ ساشا غيتري طيب الله ثراه]. و هذا رجم جائر في حق الرجال و النساء الذين كانت أولويتهم صيانة جسم الحزب كمؤسسة سياسية متميزة ضمن مشهد سياسي محلي معادي للشيوعية ـ بل ضمن مشهد سياسي إقليمي[ بشقيه الإفريقي و العربي] لا يطيق أي حركة سياسية ديموقراطية .و أنا ـ بوصفي "ديموقراطي ساكت" ـ [و أعمل حسابك من صفة " ساكت " دي]ـ من خلال تعاوني مع الشيوعيين النظاميين الذي امتد لعقود، أشهد بأني تعاملت مع اشخاص متنوعي المشارب و [و المآكل]، رجال و نساء و شيب و شباب، عمال و أدباء و فنانين [و " حلاقين و ثرثارين"] في غالبيتهم لم يقرأوا « ما العمل؟» و لا " الماركسية و قضايا الثورة السودانية" أو " إصلاح الخطأ .." و غيرها من تجليات الأدب اللينيني، لكني تعلمت منهم هذا المبدأ اللينيني الجبار بكون " الحزب دائما على حق ».و هو مبدأ أظن أنهم خبروه و عجموه، إما بالغريزة الطائفية المغروزة في تكونهم الجيني [و جلهم عيال خلفاء و وكلاء و فقرا]، أو بالتجربة العملية في عمل الجمعيات و التنظيمات المطلبية ،أو حتى بالتلقين من خلال أهازيج التقليد الشفاهي الحضري. لكنهم، في كل الأحوال، حرصوا على تطبيقه في عملهم اليومي، ربما لأنهم وجدوا فيه منافع عملية و " نفسية" لا تحصى،كون هذا الحزب الفقير الضعيف الكحيان يمتاز على غيره من أحزاب السودانيين بكونه يملك تلك العصا السحرية غير المنظورة التي تتيح له أن يصنع من كل هذه الأشتات السودانية المنضوية تحت رايته شعبا فصيحا يجسد الشعب الكبيرالأبكم المستبعد في عتمات السياسة السودانيةأو كما قال محجوب شريف ، أقوى شعراء اللينينية السودانية و أعذبهم صوتا:ـ "الشعب حبيبي و شرياني أداني هوية شخصية ». هذا الحزب الذي يعطي الفقراء و المستبعدين و المهمشين هوية حديثة تتجاوز واقع الهويولوجيا العرقية و الدينية المهيمنة في الأحزاب السياسية السودانية الكبيرة، يصبح هو أيضا ضمانة رمزية لديمومة هذه الهوية لأنه تعلم أن يمزج روحه في روح الشعب "كما تمزج الخمرة بالماء الزلال"[ الحلاج] ـ [
و الشعب، هذا المصنف المفهومي الحديث ، هو من أخطر أساطير حزب الشيوعيين السودانيين. و قد احتكر الشيوعيون السودانيون إمتياز الحديث باسم الشعب لعقود ،بعد ثورة أكتوبر 1964 ،ثم استثمروه بنجاح في دعم "ثورة مايو" 1969 حتى انتزعه منهم النميري "العائد "بعد فشل إنقلاب 19 يوليو يوم أطلق قولته الشهيرة :ـ«  شكرا شعبي 
« 
هذا الشعب ،الذي يبدو أو يكون، أصبح اليوم أحد أفضل موضوعات المنازعة بين الشيوعيين داخل و خارج الحزب ، لكن ذلك الشعب الذي اخترعه الشيوعيون في الستينيات شب عن الطوق و رشد، بل و تفرقت به اشكال الشبوب، بين الشعب المغبون الذي خلص إلى حمل السلاح لإستعادة حقوقه المهضومة إلى الشعب القرفان الذي لم يعد يخشى الجهر بالحق رغم التكلفة الفادحة إلى الشعب المهاجر بعيدا عن واقع الكبت و الإفقار المادي و الروحي لغاية ذلك الشعب المتمترس وراء حصن اللامبالاة المستدامة.لقد شب الشعب و تطور في صيغة التعدد و صار ذاتا فاعلة تصنع المبادرات السياسية بغير إذن من أحد وتتخلق ، عفو الخاطر، في، إستقلال عن الحزب الشيوعي و عن غيره من المنظمات السياسية التقليدية . هذه الذات الشعبية الفاعلة تملك اليوم أن تنظر للحزب الشيوعي بحنو كجزء من ميراث" الزمن الجميل" لكنها تتوجس من خصومات الفرقاء المتنازعين على قوامة الحركة الشعبية و تتساءل عن مدى شرعيتهم السياسية و الأخلاقية. هذا الشعب الجديد هو إمتحان الشيوعيين المقبل ، و الذي سيترتب عليه الفرز السياسي الوشيك، لا بين الشيوعيين فحسب و إنما بين كافة أطراف المنازعة الإجتماعية السودانية. ـو خلاص هذا الواقع الجديد يكمن في كون الشيوعيين، لو أرادوا استعادة الثقة القديمة التي كان الشعب يوليها لهم أيام الزمن الجميل، فعليهم، أكثر من غيرهم ـ أن يطرحوا أفقا ثوريا يليق بتعقيد و جلال المهمة التي تنتظر القوى الديموقراطية.و إذا كان المطلب الديموقراطي يمثل اليوم كحد أدنى يلتقي عنده معارضو النظام الديكتاتوري الراهن. فالديموقراطية حافية ساكت لا يعوّل عليها، لأن أفضل نتائجها تتمثل في كونها تزج بالفرقاء في خضم منازعة جديدة قديمة هي المنازعة حول خيار التنمية الإجتماعيةـ الأفق الثوري الذي أتصوره لأي حركة سياسية تنشد استقطاب الحركة الشعبية لقضية التغيير في السودان اليوم هو بالضرورة أفق تعددي يمفصل المطالب الطبقية المتنوعة[ السياسية و الإقتصادية و الجندرية و الثقافية ] داخل خطاب آيديولوجي لا لبس فيه و لا غموض. ـ

7
و حين أتأمل في الطريقة التي تخاطب بها الشعب الذي تراهن عليه ضد خصومك في حزب الشيوعيين السودانيين اقرأ الآتي :ـ
« ..

كما أنوي أن أقول أنَّ السـَّيرَ بالطريقة القديمة ، لم يَعـُد ممكناً . فالآيديولوجية القديمة لم تَعـُد مُلهِمة للأجيال الجديدة، ولا مُفِـجِّرة لطاقاتها ، لا جامعة لِقوى التغيير . والنُّظُم الداخلية، عفا عليها الزمن، والديمقراطية يجب أن تدخل من جميع النوافذ والأبواب ، كما أنّ الوجوه يجب أن تتجـدّد .

أنوي أن أقول : أنّ ســــاعة التغيير قد أزِفَتْ ، وأرجـــو ألآ يفـــــوت الأوان .



و أفهم من قولك أعلاه أنك بصدد استبدال الآيديولوجية القديمة بـ «آيديولوجية» جديدة تلهم الأجيال و تفجر طاقاتها و تجمع قوى التغيير فيها و أن هذا التغيير حاجة ملحة اليوم.ـو حين أتأمل في البرنامج الآيديولوجي الذي صممته لإنجاز التغيير.أجد في ثنايا هذه الآيديولوجية الجديدة مراجعة نقدية لمواقف الحزب الشيوعي من القضايا الرئيسية التي طرحها في تاريخه.ـ
فالحزب الشيوعي قد " فشل" في" تحقيق " شــعاره الأساسي في التحوُّل إلى قوة إجتماعية كُبرى ، وإلى حزبٍ جماهيري مــؤثـِّر وفعـَّال على النطاق الوطني
«
و ذلك لأنه أدار ظهره للجماهير و انكمش لحزب قلة رغم أن الشعار الأساسي الذي خرج به الشيوعيون ، منذ المؤتمر الثالث في فبراير 1956 كان " تحويل الحزب الى قوة إجتماعية كُبرى " قــوّة تؤثِّر ثأثيراً بارزاً على منحَى تطوُّر الســودان ، وتُساهم في تعزيز الديمقراطية ، وتعطي الاستقلال أبعاده الإجتماعية والإقتصادية.. »
« .. »
لقد ذكرتْ وثائق الحزب في تقييم الأداء الحِزبي ، عند التحضير لثورة أكتوبر ، أنّ عدد أعضائه لم يكن يتعدّى بضع مئات وهوَ يواجـه الأحزاب السياسية . وهذا نفســه يُمكن أن يُقال عن الحزب بعد إحدى وعشرين سـنة ، وهو يواجه إنتفاضة أبريل ؛ كما يُمكن أن يُقال عنه حالياً ، وهو يُصارع الدكتاتورية العسكرية الثالثة . وقد حكى لي أحد قادة الحزب ، أنّـه مرّت عليهم لحظات أثناء دكتاتورية نميري ، كانوا يشعرون فيها أنّ وجود الحزب يتمثـّل فقط في وجود الأعضاء الخمسة لسكرتارية اللجنة المركزية ! ليست في حالة نشاط مشترك، بل كلٍّ على حِدة !! وإذا كان ذلك يُعبِّر عن الصلابة وقوة الإرادة والإستماتة في التمسـُّك والدفاع عن وجود الحزب ، فهو يُعبـِّر في نفس الوقت عن انكماش الحزب وتحوُّله في ذهن ذلك الشخص القيادي إلى قبضــة يد واحدة . ويُعبـِّر بعض القادة حالياً عن إســتهانة ظاهرة بأنّ عشرات الآلاف من أعضاء الحزب قد تركوا صفوفه أو جمـَّدوا نشاطهم أو خَفـَّضــــوه . ولا نحتاج إلى القول أنّ حزباً بهذا الحجم ، لايُمكن أن تُســاوره الآمال بتغطية السـّاحة الوطنية ؛ خاصـّة إذا كانت مُتَّســِـعة ومتنوِّعة ، إتِّـســاع وتـنـوُّع الســـــودان .

» .. »

و يأتي تفصيلك لـ "
أهمّ الأسباب التى أعاقت نمو الحزب وحالتْ بينه وبين صيرورته قــوّة إجتماعية كُبرى، وحِـزباً جماهيريا على النطاق الوطني " كما يلي :ـ :-

**/ القمع الشـّرس الذي وُوجـِــه به الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم . فَطِوال سبعة وأربعين عاماً ، لم ينعم الحزب بوجود قانوني إلاّ لخمســــة أعوام تقريباً . « .. » وإزاء هذا القمع الشـرس والمتواصل، إضـطـرَّ الحزب الشــيوعي إلى الحياة السـِّــرِّية المُطلقة وما يُصاحبها من أمراض الحَـلَـقية والإنكماش والإحجام ، ومن الإنفـلاق أمام الجديد وأمام الجماهير . وقد وَجَدتْ عناصر مؤثـِّرة ، كثيرة ، أنّ الحياة السـِّــرِّية لا تُناسبها ولا تتَّســع لها . كما وجدت عناصر أخرى، أنّ الأبواب أمامها مُغلـَـقة .

.. »

و قد حيرني المنطق الذي تنظم عليه مآخذك في صدد قصور الحزب عن التحول لقوة إجتماعية كبرى لأنك بالإضافة لواقع "القمع الشرس" الذي ووجه به الحزب من خارجه ،تشرح لقراء الوثيقة أن الواقع الأنثروبولوجي و الإقتصادي لم يكن مواتيا لأن يصبح الحزب " تنظيم وطني حديث"
« 
واقع تطوُّر بــلادنا المُـتـَّسِم بكون القطاع الحديث الذي يمـور بالنشاط والحيوية ، قِـطاعاً ضعيفاً نسبيـَّاً ، مع اتـِّـســاع القطاع التقليدي الذي يضمُّ الأغلبية السـاحقة للسـكان ، ويمـثـِّل قوة جذب هائلة إلى الوراء . وفي مثل هذا الواقع، يكون من العســير بناء تنظيم وطني حديث يتخطـَّى الإنتماءات القَبَـلية والطائفية والعِرقيــة والنِّــزاعات الإقليمية

« 
طبعا لا يمكن لوم الحزب على القمع الواقع عليه من قوى خارجية،مثلما لا يمكن لومه على لا مواتاة الواقع الإقتصادي و الثقافي الذي يتحرك ضمنه. ناهيك عن كون القمع الواقع على الحزب من أعداء حركة التقدم و تردي الشروط المادية و الرمزية التي يعمل الشيوعيون تحتها هي ، في حقيقتها ـ أفضل شهادة لصالح الحزب التي عرف كيف تصون بقاءه كجسم سياسي معارض لقوى رأس المال ضمن ظروف بالغة الصعوبة.أقول حيرني المنطق الذي تنظم عليه مآخذك في صدد قصور الحزب عن التحول لقوة إجتماعية كبرى لأن القراءة الوحيدة الممكنة لما بين سطور هذه المآخذ" البيضاء؟" هي أن الشيوعيين أخطأوا، أولا، حين عملوا حزبهم دون أن يأبهوا لـ " القمع الشرس" الذي ووجهوا به من طرف السلطات الإستعمارية و من طرف السلطات الوطنية المتحالفة مع دوائر رأس المال، مثلما أخطأوا حين عملوا حزبهم الساعي لتجاوز الإنتماءات القبلية و الطائفية و العرقية و النزاعات الإقليمية، وسط " القطاع التقليدي" الذي يضم الأغلبية الساحقة للسكان و يمثل قوة جذب هائلة إلى الوراء".ـ
طبعا هناك قراءة ثالثة ممكنة لمآخذك " البيضاء" يمكن استنتاجها على ضوء دعوتك لهجران " الموقف الفلسفي المادي للماركسية و الذي لا يمكن التوفيق بينه و بين التصورات الدينية حول الكون و الخلق".تقول هذا الكلام يا الخاتم و أنت عليم بالثقل الفلسفي الجبار الذي قعد مفاهيم الأستاذ محمود محمد طه، بالعمل التربوي الدؤوب، في أفئدة المسلمين العاديين الذين كانوا و ما زالوا يمشون في الاسواق و يجادلون مسلمين آخرين في موضوعات "الكون و الخلق » و الشريعة و المساواة و قانون الأحوال الشخصيةو الصلاة و الفنون إلخ. و كان من الممكن أن يستمر الاستاذ محمود و تلاميذه في توطيد التعاليم الفلسفية البالغة التركيب بين عيال المسلمين لولا أن تطورات جيوبوليتيك الإسلام الشرقأوسطي مكنت
الخصوم السياسيين للاستاذ محمود من اغتياله إرضاءا لكفيلهم الإسلامجي الواقف في كواليس الإسلام الشرقأوسطي المتحالف مع دوائر رأس المال .

تقول يا الخاتم :ـ
« ..



**/ قيام الحزب على أساس الماركسية اللِّينينية ، يتطلـَّب من المرء ليـكون عضــواً من أعضائه ، أن يتوصـَّل لِـتَبـَـنِّي موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف يصف نفسه بأنّه استــوعب أعظم مــا توصلت إليه البشرية في مجالات و حقول العلم و الفلسفة و الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة، و تخطاها تخطيا جدليا. إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا، لا تاريخيا و لا معرفيا. و هو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. و أنه لطموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي.

**/ الموقف الفلسفي المادي للماركسية، و الذي لا يمكن التوفيق بينه و بين التصورات الدينية حول الكون و الخلق إلا بمعجزة، قد سهل مهمة أعدائه في إنشاء حائط أصم بينه و بين أغلبية الشعب. إن تركيز القوى التقليدية و الرجعية، بمكر و خبث على هذا الجانب، قد وضع عقبات كئود بين الحزب و الجماهير، و ذلك في وسط اجتماعي يمثل الدين نسيجه المعرفي، و القيمي و الأخلاقي، و قد تعرض الحزب لحملات بالغة العنف و الفظاظة، اعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة، يقفها ضد الدين، و قد تصدى الحزب بفعالية لا تنكر في التصدي لتلك الحملات، و لكن المأساة التي صاغها التاريخ، و طوق بها الحزب، هي أن الأغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعال التي يغطيها الحزب بأقواله و أفعاله، سواء بفعل الأمية السياسية و الثقافية، أو العزلة الجغرافية، أو محدودية أداة البث ذاتها. هذا في الوقت الذي كان خطاب القوى الرجعية و اصلا لكل أقسام الجماهير، ولكل أنحاء القطر. و تستطيع أن تقول أن جيل المؤسسين و على رأسهم عبد الخالق محجوب، كان واعيا تماما بهذا الضعف الخطير في صلة الحزب بوطنه، و بشعبه، و بواقعه. و قد أشار عبد الخالق محجوب في حسرة، إلى أن الحزب ما يزال غريبا فكريا عن المجتمع، إذا كان في استطاعة القوى الرجعية أن تحاصره و تحله بالاستناد إلى حادثة مشبوهة، كحادثة معهد المعلمين العالي عام 1965، و التي فجرها طالب صغير، باع نفسه و ضميره، و استغلتها قوى لم تتعامل مع الدين إلا كذريعة لتحقيق مرام سياسية و معادية للديمقراطية و التقدم.
« 


لقد كان الأستاذ محمود محمد طه واعيا بعواقب المخاطرة الفكرية التي ابتدرها حين أنشأ الحركة الجمهورية مثلما كان واعيا بعواقب الموقف الذي اتخذه من الفكر الديني السلفي المتحالف مع نظام النميري، و يمكن القول بأن عبد الخالق محجوب و رفاقه الذين اغتيلوا على يد النميري كانوا واعين تماما بعواقب المخاطرة الفكرية التي ابتدروها من خلال الحزب الشيوعي.هذا الوعي بمخاطر الإنخراط في العمل العام لم يمنع أي منهم من تحمل مسؤوليته الإنسانية تجاه نفسه و تجاه أهله و مجتمعه .و تاريخ السياسة السودانية عامر بالأشخاص الذين وقفوا مع ما يعتقدونه الحق رغم وعيهم بأن الموت ينتظرهم في نهاية المضمار..ـ
و حين أقرأ تحذيرك" و أنه لطموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي" أجدك تتكشف عن مفهوم حرفي ضيق للفلسفة باعتبارها فرض كفاية يقوم بها المختصون من أهل الحظوة المفهومية فيسقط عن العامة و الأميين[ و لو شئت قل : عن البروليتاريا عديل كدا].يا الخاتم ياخوي إنت النبي حقنا دا أمي و لا ما أمّي؟ و أنا بسألك سؤالي دا عشان عارفك ولد فيلسوف و ماركسي وعارف إنو الفلسفة بتاعة حرفيي الفلسفة دي إختراع بورجوازي غايته إفراغ الفلسفة من مضمونها الإجتماعي كسعي لعقلنة المشكلات التي يطرحها الواقع الحي.و كمان الحزب الطليعي بتاعك دا [ كان القديم أو الجديد] هو حزب فلاسفة عشان الزول الجاي يدخله محتاج يفكر ـ و لو لدقيقتين ـ في الأسباب البتخليهو يدخل أو ما يدخل.و من اللحظة دي فهو يخطو خطوة أولى في درب الفلسفة الطويل .و خلاصة كلامي هي أن الفلسفة زي الزلابيا مبذولة لكل من يطرح على نفسه أسئلة و يسعى للبحث عن إجابات مقنعة لها.. بعدين " العافية درجات " كما تعبر فلسفة الأهالي.شايف؟



سأعود
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

[align=justify]

سلام يا حسن موسى،

ولاشك أنك امريء قادرٌ على الإدهاش، ولا أدري ما إن كانت الفجغة العنوانية (التغرير) مقصودة بكل مدلولاتها السالبة! أم أنها جاءت تجانساً مع كلمة الرجل، صديقك الخاتم عدلان: التغيير؛ وفي كل الأحوال، فإني أراها "عَتَبَة" مشرومة، إن لم تكن ملغومة عديل كدا، بل قُل مُفَخَّخَة قد تخدم - ربما - أهواء بعض الآخرين (بتوع ــكُم)، وببالي أنّ لكم آخرين يتمتّعون بــ"الآنا" خاصّتكم.

لا أنكر، ولا ينبغي لي، أنني قد قرأتُ كلمتك بغير قليلٍ من الشعور بالتغرير، بل وربما الخذلان؛ ذلك أن كلمات الشاعر المرحوم، والذي قال كلمته ومضى، كان قد تساءل: بعد إيه ..؟! وشاعر سوداني آخر، تناصّ مع إنشاء الأول: فقال:
بعد عِشرين ..!
حَسبتها يابا يوم فوق يوم.. وُ عام فوق عام ..إلخ,,,
أقول: ذلك أن كلمات الشاعر وأخيه التاني، قد وقفتْ أمام عينيّ بانشحاط بطّال.

لقد كنتُ من الضالعين برغبةٍ متغلغلة، في طباعةهذه الورقة قبل عشر سنوات تقريباً، من الآن، أعني أنني قرأتها بتمعّن، ووجدتني مقتنعاً بما حوت من حقائق وأفكار وطرائق تحليل إلخ,,, ثم استحوذتُ منها ما استحوذت بــ وعي مدروس وآخر مغروض ربما..! لتكون في المنتهى، واحدة من وسائل الأخذ والرّد، المنح والمنع، الجمع والطرح، بل والضرب والتّدِرِّق، ما دعى الحال.


أشكرك كثيراً بما أتحتَ من اطّلاع على رؤاك، والتي لا يُقلِّل خطرَها عندي، كونها بائتة!

وحتى أعود بعد يومين تلاتة، لابد لي من التوقف عند قول زُهير:

ولأنتَ تفري ما خَلَقتَ وبعضُ القوم يخلُقُ ثم لا يــَــفـري





..............
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



{1}


الأكرم الصديق : حسن موس

يعني كما يقول بعض أهل الشمال ( راقِد لكْ فوقْ راي )

*
تحليل مُدهش وراءه رأي نبيل وكله وفاء لتاريخ حزب أسهم في الاستنارة زمنا ، وقد استدعتك خبرتك النقدية أن تفضي بالكثير من أجل
حزب كان له قصب السبق في تعليم الحداثة والتقدم، وكلنا تتلمذنا على إرثه ، حتى
بانت على سكرتيره الراحل السابق أعراض الشيخوخة التي تلازم الأهرامات الطائفية عندنا، ولم يتم استبداله ! . مثل أهراماتنا الطائفية ،ينتظر الجميع حتى موت رأس الهرم الطائفي ، ومن ثمة يصير آخر بديل له ،
وهو في الحزب الشيوعي ليس ابنه .

*

لأن المرافعة والنقد الذي أفصحت ، وقد كتبت أنه لم يكتمل بعد ،فهو
عمل ثقافي وفكري جديد يتعين أن يكون كتاباً للأجيال التي لم تزل تقرأ الكُتب .
لك شكرنا الجزيل لأن كتاباتك دائماً تجبر القراء على التفكير، والمشاركة .
*
قال الشاعر :
إنني أؤمن بالشعب
حبيبي وأبي

وسوف نعود بعد انتهاء مشاغلي ، فنحن في شراكة صداقة الراحل الخاتم ،
رغم اختلافي معه ، فأنا طائر حُر لم ألتزم مع أي من الأحزاب السودانية .

*
عدلان عبد العزيز
مشاركات: 102
اشترك في: الخميس فبراير 02, 2006 6:52 pm

فن تراجيدية التساؤل

مشاركة بواسطة عدلان عبد العزيز »

حسن موسى، سلام..

في انتظار بقية تفاكيرك، لاحظ أن تساؤل الخاتم عدلان "ما لذي حدث للشيوعيــة؟ للأحزاب الشيوعية، والشيوعيين الأفراد؟ ماذا حدث لعالم بكامِله، كان، حتى الأمس، ملء السمع والبصر، وأضحى أثراً بعد عين؟" الذي وصفته بأنه"تساؤل تراجيدي"، في الحقيقة هو لا يقل تراجيديةَ عن أول جملة خطاها ماركس وأنجلز في البيان الشيوعي "شبحٌ ينتاب أوروبا – شبح الشيوعية. ضد هذا الشبح اتحدت في طراد رهيب قوى أوروبا القديمة كلها: البابا والقيصر، مترنيخ وغيزو، الراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني."

أعتقد أن لا ماركس ولا الخاتم عدلان بعباراتهم تلك كانوا يسعون "لفهم الصراع الطبقي بأدوات الميثولوجيا الدينية".. فهي "فنتراجيدية" لغوية فقط، والله أعلم!

في انتظار التكملة..

عدلان
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ" آل عمران 159

We cannot always oblige but we can always speak obligingly - Voltaire
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

سلام يا دكتور حسن
ليست لديّ مداخلة نجيضة، أو تعليق متكامل على رسالتك إلى المرحوم الخاتم عدلان، وبالغ ما بلغ المرء من تنظير؛ فإنه لن يأتي بالنجيض المتكامل، طالما أن الأمر متعلق بالحزب الشيوعي السوداني والماركسية، لذلك أكرر إن مداخلتي ليست متكاملة، وتأتي فقط لكوني عيِّل من (عيال المسلمين) الذين يعون، بدرجة ما، "الدور الذي لعبه ويلعبه حزب الشيوعيين السودانيين في فضاء العمل العام السوداني..." إلى آخر العبارات من فقرتك الموفقة. واسمح لي في البداية برفض أي دعوة إلى حفلات شواء الحزب الشيوعي القاجة هذه الأيام؛ فهي حفلات ماسخة وليست بالجديدة، ولنقرر من البداية أن الحزب الشيوعي سيوجد كضرورة طالما أن ثمة سودان ومجتمع بشري سوداني، وأن مصير الحزب الشيوعي ليس أبدًا في يد اللجنة المركزية، سواء شاخت أو تشبَّبت، بقدر ما أنه بيد أصحاب الضرورة، ولا أرى مبررًا للجري وراء دعوة المرحوم الخاتم إلى "... إمكانيات حقيقية لبناء مشروع جديد..." مواصفاته كما قال "عادل وخَـيـِّر (...) وأكثر تواضعاً ممّا كنّا نحلم ونتمنّى، وأكثر واقعية وراهنية، وأكثر التصاقاً بالأرض، وأكثر اهتماماً بإنسان اليوم، وقضاياه الحقيقية ومشاكله الطاحنة وآماله القريبة" إلى آخر شعرية الخاتم الواردة في (آن أوان التغيير). صحيح، قد لا تكفي الضرورة وحدها، وقد يحتاج الناس معها إلى نظرة نقدية في ما جرى داخل الحزب الشيوعي لإعادة تثبيت ما يحتاج التثبيت بطرق التثبيت العلمية، وإثبات ما هو صحيح وما هو شاخ بالفعل، مع الحذر من الركون والانحياز إلى القراءات الإيمانية للماركسية اللينية، لأن هذا أمر ترفضه المادية الديالكتيكية نفسها رفضًا باتًا.
لا استطيع، وليست لديّ الرغبة، ولا من اللائق التشكيك في العين النقدية للمرحوم الخاتم عدلان، إلا أن دعوته للتغيير كانت (شفقة) منه، ربما (الشفقة بنت اليأس) (اليأس المحرّم على الثوّار)؛ أقول شفقة لأنها جاءت في ضباب ما انجزته "الليبرالية الجديدة غداة انهيار الاتحاد السوفيتي"، والمتمثل في انتصارها المؤقت "على البديل الاشتراكي الذي صارعها، وأيضًا، انتصارها على الرأسمالية التقليدية التي كانت تأخذ باقتصاد السوق الحر دون أن تقيم القطع بين الاجتماعي والاقتصادي". وقد ذهب إلى ذلك فيصل درّاج في تقديمه المسؤول لسلسلة (بؤس العالم) التي أشرف عليها بيير بورديو [بؤس العالم- الجزء الثاني- نهاية عالم]. والزائر لمقدمة فيصل درّاج، سيجده قد أشار إلى أن "انهيار البديل التحرري (الاشتراكي) جلب معه انهيار الأحزاب السياسية المدافعة عن المصلحة الاجتماعية، بل جلب معه انطفاء فكرة السياسة" نفسها، وربما جلب لنا نحن، بشكل خاص، (آن أوان التغيير)! ولذا لا يكون غريبًا، بالنسبة لدرّاج "أن تعمل الليبرالية الجديدة على تهميش البنى الجماعية، سواء تمثلت في دولة وطنية أو أحزاب سياسية ذات مشروع اجتماعي".
سأعود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



{2}

https://www.youtube.com/watch?v=wuDfHPIVjlY


أعلاه :
رابط مقابلة السكرتير الراحل السابق الأستاذ محمد إبراهيم نقد عام 2010
وفيه ينسى تاريخ انقلاب مايو ( 25 مايو 1969 )

*
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »


سلام ياشقلينى
دى المرة الرابعة تمر مداخلتك دى , مربطوة دايما بملاحظين : الاولى انو نسيانه لسنة انقلاب مايو فى الانترفيو كان جدير بان ينزع تاهيلو لموقع السكرتير السياسى اللى كلفو بيهو الؤتمر الخامس , مبديا استغرابك
الملاحظة التانية : تفسير لاستغرابك , انو الحزب زيو وزى الاحزاب الطائفية , الرئيس لا يستبدل الا بالوفاة .

٤ مرات . المرة الاولى اللقيتا فى الارشيف هنا كانت بتارخ ٢٩ نوفمبر ٢٠١٠ والتانية فى ٢٨ مارس
٢٠١٦ ومرة تالتة اعتزرت عن فكرتك وكتابتك للبوستات دى بعد اتضاح معاناة نقد من مرض اودى بحياته .

بعدين تانى - وده بعد الاعتزار-كتبت نفس الفكرة وجبت نفس رابط الفديو فى بوست ما لقيتو لكنى متذكرو
واسع للمرة الرابعة نفس الموضوع .
دحين ات ما اعتزرت ?
واللا نسيت !?
وده سؤال اهم من السؤال الممكن :
المناسبة شنو ?
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[size=24]

أنا كنتبت في المداخلة السابقة :

كود: تحديد الكل

بانت على سكرتيره الراحل السابق أعراض الشيخوخة التي تلازم الأهرامات الطائفية عندنا، ولم يتم استبداله ! . مثل أهراماتنا الطائفية ،ينتظر الجميع حتى موت رأس الهرم الطائفي ، ومن ثمة يصير آخر بديل له ، 


الأكرم : عصام علي
تحياتي الطيبات

الذي أوردته سابقاً والآن ليس اعتذاراً ولكنه تتمّة للمداخلة رقم {1}

للحزب تاريخ نضير رغم العثرات ،ولكن حاضره بئيس وهذا جانب من هذا البؤس
لا أنكر للسكرتير فضله في تدريس المادية الديالكتيكية ولرأس المال في محاضرات عامة ،وكل حياته التي ضحى بها من أجل الحزب
وأقول لك قصة عن الفلسفة المبذولة للجميع تصدقها أم لم تصدقها ، فقد نقلها صديق كان نقابي شيوعي ومتطور ثقافياً ، كُنا مع بعضنا نتدارس بعد أن خرج من سجن مدني عام 1973 اثر اعتقاله في القطار المشهور القادم من سنار لإنقاذ 19 يوليو من الهلاك ،وتم القبض عليه في مدني ( 1971- 1973 ) وكان من قياديّ في
نقابة عمال هيئة الكهرباء في سنار قبل يوليو 1971 / ذكر لي الآتي :

بعد محاضرة عن رأس المال ألقاها الأستاذ نُقد في سنار ، طلبه أحد العمال وقال له

( ياأستاذ أنا سمعت المحاضرة وداير أشاورك ، أنا قد استلمت
تصديق " كُشك " لكن مشكلتي ( رأس المال ) فأعمل شنو يا أستاذ ؟

*
بالمناسبة لم أسرد " طرفة .
*
بالمناسبة أن كتبت مقال في رحيل الأستاذ نُقد ، ولا يؤثر على نقدي للحزب :
أطلع على الرابط :


https://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2 ... &func=next
وسنواصل بعد التفرغ
ولك شكري وتقديري


*
[/color]
الباقر موسى
مشاركات: 26
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:08 pm
مكان: Ottawa, Canada

مشاركة بواسطة الباقر موسى »

أوف ..
ألو .. واحد .. إثنين .. ثلاثة
(بجرب في باسووردي)

أنا حأكتب
صورة العضو الرمزية
عباس محمد حسن
مشاركات: 521
اشترك في: الاثنين أكتوبر 09, 2006 12:39 am
اتصال:

مشاركة بواسطة عباس محمد حسن »

مساهمة جادة وتحليل عميق ورؤيا منهجية منفتحة ومميزة ونقد مبدع تترابط فيه مختلف الابداعات المعرفية والمتغيرات العالمية .....
فشكرا د. حسن ........
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

حزب الفن و الفلسفة و خلافو

مشاركة بواسطة حسن موسى »





حزب الفن و الفلسفة و خلافو

سلام يا الخاتم و مثله للصحاب المتابعين لهذه الرسالة التي هي " ربع مشاهدة" مستحيلة أطمح لها أن تمكننا من فرز الكسور في حسابات الحزب الشيوعي من البواقي في حسابات السياسة السودانية المتشابكة مع غيرها من حسابات جيوبوليتيك العولمة الذي " بعثرنا في كل واد ».و قبل مواصلة فحص التفاكير المهمة التي تضمنتها ورقة" أوان التغيير"أحيي الأصدقاء [و الأعدقاء] الذين تجشموا مشقة قراءة مكتوبي وسلطوا الضوء على بعض جوانبه.

محمد أبوجودة

سلام جاك
و الله يا محمد، إنت زول كاتب و عارف إنو كل حاجة في مكتوبي ـ و في كافة المكاتيب ـ مقصودة و ملغومة و مفخخة،و مدلولاتها السالبة مقصودة، فأعمل حسابك.و لو كان لنا من عزاء في هذا الأمر فهو في كون موضوعنا كله أدب في أدب و السلام [أو "و الحرب »].أما سبب عنايتي بـ " أوان التغيير" بعد كل هذه السنين فذلك لأني رأيتها صارت زي مركب على الله، أي زول عندو غبينة مع الشيوعيين السودانيين يغشاها طالع و يغشاها نازل.و كونك كنت من المقتنعين بورقة الخاتم حتى أنك شاركت في نسخها، فهذا و الله مما يدهش، لكني عازم على إقناعك بتحييد نظرتك، و ربما ـ كان الله هوّن ـدمجك في زمرة ناقدي الورقة و كل شي في الحيا جايز.
عبد الله الشقليني
الأكرم..لا شكر على واجب.

.
عدلان عبد العزيز
سلام
كتبت يا عدلان :ـ
ّ
« 
في انتظار بقية تفاكيرك، لاحظ أن تساؤل الخاتم عدلان "ما لذي حدث للشيوعيــة؟ للأحزاب الشيوعية، والشيوعيين الأفراد؟ ماذا حدث لعالم بكامِله، كان، حتى الأمس، ملء السمع والبصر، وأضحى أثراً بعد عين؟" الذي وصفته بأنه"تساؤل تراجيدي"، في الحقيقة هو لا يقل تراجيديةَ عن أول جملة خطاها ماركس وأنجلز في البيان الشيوعي "شبحٌ ينتاب أوروبا – شبح الشيوعية. ضد هذا الشبح اتحدت في طراد رهيب قوى أوروبا القديمة كلها: البابا والقيصر، مترنيخ وغيزو، الراديكاليون الفرنسيون والبوليس الألماني."
« 

فعلا تساؤل الخاتم لا يقل تراجيدية عن تساؤل كاتبي البيان الشيوعي، لكن الفرق كبيير بين الخاتم و كاتبي البيان الشيوعي من حيث زاوية النظر للتحولات الكبيرة التي كانت تعصف بمجتمع القرن التاسع عشر و التحولات التي تعصف بالمجتمع المعاصر.ففي الحالتين نجدنا أمام جملة من الإنمساخات الإقتصادية و السياسية و الثقافية في القرن التاسع عشر ،و التي تمثلت في الثورة الصناعية و التوسع الإستعماري، و تطور التجارة الكبيرة. مقابل التحولات المعاصرة التي تمخض عنها واقع عولمة رأس المال، و التي تتمثل في اضمحلال الدولة القومية و نهاية الحدود و سيطرة مؤسسات رأس المال المعولم مثل مؤسسة التجارة الدولية و صندوق النقد و تطور الصراع الطبقي في مشهد العولمة ـ بعد نهاية الحرب الباردة ـ لمواجهة بين فقراء العالم و أغنيائه من وراء الواجهات السياسية و القومية و العرقية و الثقافية البائدة إلخ.و في الحالتين نجدنا في وضعية تحول كبير تتميز بأن البنى التي انتجت المجتمع القديم تتردّى و تنحط كل يوم ،في حين أن القوى الإجتماعية المتوقع ميلادها في العالم المعاصر لم يكتمل حضورها بعد. و في هذا البرزخ الكوني يتمخض العالم عن مسوخ سياسية و شناعات أخلاقية و حروب دينية و كوارث بيئية ما أنزل الله بها من سلطان.و نحن في الجنوب الفقير نقف في خط المواجهة الأول الذي يتلقى كل الهزات التي تجود بها تعقيدات الصراع الطبقي في زمن العولمة.و لو تأملت في حال الإنحطاط السياسي و الإقتصادي و البيئي و الأخلاقي الذي أدرك عالمنا " الثالث" لما غاب عن فطنتك أن ما اصطلحنا على توصيفه بـ " الصوملة" ، كإستثناء ،صار هو المصير الذي يتربص بأهالينا في كل مناطق الصراع على الموارد و المواقع الإستراتيجية من الكونغو لـ مالي و ساحل العاج ولنيجيريا و لليبيا و لسورياو للعراق و لليمن و لأفغانستان ..و غدا لو انفجرت حرب أهلية في مصر أو في السعودية فرماد التراجيديا كال حماد و جملة عيال المسلمين و من لف لفهم من عيال الآخرين.طبعا الفرق بين الخاتم و كاتبي البيان الشيوعي يبدو لي في كون الخاتم ، في عزّ هذا الواقع البالغ التعقيد، ينظر لتراجيديا العولمة من منظور تراجوكوميديا أنظمة البورجوازية الستالينية التي انتحلت الثورة الإشتراكية في زمن الحرب الباردة ، بينما كان ماركس و أنجلز في "البيان الشيوعي" يستشرفان آفاق ثورة طموحها الطوباوي بلا حدود.


يوسف حمد
سلام
يازول الحزب الشيوعي لو عاوز يتجنب "حفلات الشواء" التي ينظمها المستعجلون فعليه أن ينفض الغبار عن إمكاناته و اسلحته السياسية التي فرط فيها زمنا بذرائع التكتيك و التأمين و السرية و مداهنة الفئات الخيالية في الأركان المسلحة بخرصانة الجمود مثل " ركن المرأة" و " ركن الشباب" و " ركن المثقفين" و " ركن الطبقة العاملة" و " ركن المسلمين" و " ركن الجنوب" و"ركن الإنتفاضة المسلحة"و " ركن الجيش" و خلافه .أما عين الخاتم النقدية فهي عانت من هم الكسب السياسي القريب الذي غبّش أمامها حقل الرؤية فلم تنظر أبعد عن المنازعة الضيقة مع مجموعة الأشخاص الذين يقيمون داخل الحلقة السرية المغلقة "وي كلو"
huis clos ...
التي تنشغل بحزازاتها البيزنطية عن النظر للتناقض الرئيسي الجاثم على حياتنا السياسيةو لعل الجزء النقدي الذي يسترعي الإنتباه في مآخذ الخاتم على الحزب الشيوعي هو ذلك الذي طرح فيه إشكالية الديموقراطية المركزية في عمل الحزب. و هي إشكالية حقيقية تمس الممارسة الديموقراطية في حزب الشيوعيين السودانيين و في غيره من المنطمات السياسية السودانية.
سلام يا عصام علي
سؤالك للشقليني في محلو.يا بيكاسو تعال أشرح لينا «  المناسبة شنو؟ ».
الباقر موسى
«  إنت وينك وين ؟ »
سلام يا عباس محمد حسين
شكرا على القراءة و ننتظر نظرك النقاد في هذه المنازعة التي تمس الجميع..

…...

الخاتم، سلام
كتبت يا صديق أن ».
السـَّيرَ بالطريقة القديمة ، لم يَعـُد ممكناً . فالآيديولوجية القديمة لم تَعـُد مُلهِمة للأجيال الجديدة، ولا مُفِـجِّرة لطاقاتها ، لا جامعة لِقوى التغيير . والنُّظُم الداخلية، عفا عليها الزمن، والديمقراطية يجب أن تدخل من جميع النوافذ والأبواب ، كما أنّ الوجوه يجب أن تتجـدّد .
« 
و قد استرعى انتباهي قولك » الآيديولوجية القديمة لم تعد ملهمة للأجيال الجديدة ».

و قد استنتجت منه أنك بصدد آيديولوجية جديدة أكثر كفاءة من سابقتها.أقول أثار هذا القول اهتمامي لأني وجدته يتعارض مع نقدك للآيديولوجيا باعتبارها عقبة مبدئية تقف في طريق التقدم، حتى أنني أدرجتك زمنا في زمرة الداعين لـ"تخفيف الحمولة الآيديولوجية"من مؤسسات العمل العام في السودان. بما فيها حزب الشيوعيين السودانيين.


و أظنك تستند على استحالة استيعاب جماهير الحزب للنظرية المنسوبة لماركس ،و ذلك على زعم فحواه قصور عضوية الحزب، ناهيك عن الجماهير العريضة ،عن استيعاب التعقيد الكبير للماركسية اللينينية .و هو قول يتردد كما الصدى في جنبات مكاتيبك السياسية المبثوثة على ملأ الأسافير . و قد تسنى لي ، غير مرة،التعليق على دعوتك
لـ "استبدال الحزب الشيوعي بمسخ سياسي غميس [ إقرأ " انتهازي"] اسمه: " حزب عادي للإنسان العادي " كما لو كان في السودان شيء يمكن توصيفه بالعادية ، عجبي! و تقول
:" .. هذا المشروع سقط ونحن يجب أن نُفكر بطريقة جديدة وإنشاء حزب عادي للإنسان العادي، حزب يطلع بمهام النهضة الوطنية وتحقيق التنمية المتوازنة في البلاد والإستجابة لمطالب الناس، اليوم حزب غير مثقل بحمل أيديولوجي ثقيل مثل بناء الإشتراكيّة فالشيوعيّة. التي لا يمكن أن أتوجه بها إلى الناس في قريتي مثلاً للإيمان بها، أنا لم أكن أدعوا أهلي في قريتي للدخول الى الحزب الشيوعي لأنّ هذا يعني أشياءً ضخمة جداً لا أستطيع أن أناقشهم فيها دعك عن إقناعهم بها، لكن إذا كان الحزب خالياً من الأيدويولوجيا وموجهاً لخدمة الناس كما هم وفق احتياجاتهم الماثلة يمكن أن أدعوا كل الناس ويدخلوا زرافات ووحداناً في هذا الحزب، ليتحوّل الحزب إلى قوى جماهيرية كبرى كما كان يحلم عبد الخالق محجوب، ."
انظر بقية كلام الخاتم في الرابط
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=39225

تقول في ورقة " أوان التغيير.. »

 »**/ قيام الحزب على أساس الماركسية اللِّينينية ، يتطلـَّب من المرء ليـكون عضــواً من أعضائه ، أن يتوصـَّل لِـتَبـَـنِّي موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف يصف نفسه بأنّه استــوعب أعظم مــا توصلت إليه البشرية في مجالات و حقول العلم و الفلسفة و الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة، و تخطاها تخطيا جدليا. إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا، لا تاريخيا و لا معرفيا. و هو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. و أنه لطموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي. »
وقد حيرني هذا الشرط الذي تجيز عليه عضوية الحزب الماركسي اللينيني،أعني شرط 
» تبني موقف فلسفي متكامل من الوجود لا يستوعب خلاص المعارف الإنسانية فحسب و إنما ينتمي إليها تاريخيا و معرفيا. و هو طبعا شرط تعجيزي لو كنا طبقناه عليك أنت الخاتم عدلان الشيوعي المثقف المتكلم في الفلسفة و السياسة و الإقتصاد و غيرها لفشلت في إثبات استيعابك لـ » أعظم ما توصلت إليه البشرية » من معارف . و ذلك ببساطة لأن استيعاب "أعظم ما توصلت إليه البشرية من معارف" أمر مستحيل ، لا على " الأغلبية الساحقة من شعبنا" وحده ،و إنما على أي شعب ، و لو شئت قل على أي إنسان. و هو لعمري " طموح غير عقلاني" تسقطه جورا على الكائن الموصوف بـ " المثقف" الذي تراه موسوعة تمشي على قدمين ، في خلاياها تتراكم المعارف من كل لون.و هذا مفهوم للمثقف كشخص متعالي على الواقع مثلما هو مفهوم للثقافة كممارسة تهويمية حاصلة خارج فضاء الضرورة التاريخية.و لا أظنك تجهل قولة مولانا أنطونيو غرامشي المشهودة :ـ
« 
كل الناس مثقفون لكن ما كل مثقف فيهم يتمتع بالشروط الإجتماعية لدور المثقف".
.https://archive.wikiwix.com/cache/?url=h ... ntell1.htm
و غرامشي يقعّد المثقف ضمن شروط الواقع الإجتماعي كشخص واع بتناقضات الواقع الإجتماعي و متملك للمنهج الفكري الذي يمكنه من الفعل الثوري المعني بحماية مصالحه. هذا الفهم الغرامشوي للمثقف يعني أيضا أن المثقفين لا يفلتون من عواقب تناقضات المصالح الطبقية.
و كل مثقف يسلّح نفسه و أهله بالمعارف و الخبرات التي انجزتها البشرية و يوظّفها لحماية مصالح طبقته.و في هذه الحرب لا يحتاج المثقف المنخرط في الصراع الطبقي لكل الأسلحة المبذولة في فضاء المعارف و الخبرات الإنسانية.إنه ينتقي منها السلاح الذي يتوافق و احتياج ملابسات الصراع.أو كما قال "
Don't read the good books, read the best, there is no time ! »
[ بيرنارد شو، كان ما نخاف الكضب]
و بعدين ياخي، أنا غايتو ما وقع لي تنويهك بـمفهوم " حزب الفلاسفة" في تناولك للصعوبات التي تعترض طموح الشيوعيين السودانيين نحو توسيع القاعدة الجماهيرية للحزب، في عبارتك :ـ
« 
. و أنه لطموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي. 
« 
فيمكن قول الكثير في خصوص حزب الشيوعيين السودانيين لكن من الصعب القول بأنه حزب طمح يوما ما لمحاولة بناء حزب من الفلاسفة.و لعل طموحي الشخصي هو أن يلتفت هذا الحزب المشغول بأولويات البقاء ، أن يلتفت أيضا نحو شاغل الفلسفة لا ليبني بها عضوية من الفلاسفة[ و هيهات و ليه لا؟]، و لكن لأن الفلسفة أداة مفهومية بالغة الأهمية في إحكام شغل السياسي.
و في دي برضونقول مع مولانا غرامشي بأن " كل الناس فلاسفة" بطريقة عفوية. مثلما كل الناس ،مبدئيا، مبدعين و تشكيليين و شعراء و إقتصاديين و جغرافيين و مؤرخين إلخ لكن «  العافية درجات ».و ذلك في معنى أنهم يتمتعون بقابلية عفوية للإنخراط في أي من مباحث المعرفة عند مقتضى الضرورة.
https://www.marxists.org/francais/grams ... ntell1.htm

الخاتم يا أخانا الذي في السماوات
هذا الصباح و أنا أنقب أرشيفي بحثا عن نصوص قديمة لبولا، وقعت بالصدفة على كلمتك المشهودة الموجهة لعصابة تشكيليي السبعينيات. والتي عبرت فيها عن دهشتك من التشكيليين الذين كانوا يزعمون أن " كل الناس تشكيليين" في ذلك الزمان الغابر و هم يجهلون تفاكير غرامشي الثورية : كتبت يا صديق :ـ
« 

أيها الفنانون ـ التشكيليون ـ الفلاسفة :
ماذا تظنون انفسكم ؟
اجتمعتم من كل تشكيلة و لون ،
أقمتم على امتداد هذا الفضاء الطويل العريض ،
دارا كبيرة ، حميمة، عامرة ، 
" رحبة المثوى مطيّبة الجناب " ،

زينتموها بمواد مسروقة من السماء ، 
و لوحات أخفاها المستقبل في حرز أمين ،

أخذتموها دون استئذان من أحد ، 

و شرعتم دون ابطاء و بغير مقدمات ، 
تعرضون جمالكم الباهر المتجاوز ، 
في سفور مشع و فاقع ، 
علينا جميعا،

غير عابئين بعشى عيوننا ، و لا مبالين بطاقاتنا على التحمّل ، 
و الإستيعاب و المسلك الرزين، 

في لحظات الهوى و الطيش ! 
تخجلون البعض مما كتبوا ، 
تدفعون الأقلام إلى ابتلاع ما سطرت من كلام ،

ترفعون الحدود المعلومة " بالضرورة" ، 
و القائمة حتى مقدمكم ، 
بين الطالب و الأستاذ ، 
بين الصفوة و الدهماء ، 
بين البروفيسور و صانع العناقريب. 

ماذا تظنون انفسكم ؟

تعرضون علينا النسخ الأصلية ، 
من الوفاء و الأخاء ، 
و الحب و الصدق ،
و تتظاهرون 
بخبث عجيب ، 
بأنكم لا تتميزون عنـّا بشيئ ..

تمدون اياديكم عبر الآيديولوجيات و المذاهب ،

مشهرين علوية الإنسان ، 
على منتجاته ، 
الجديرة بالإعزاز و الإكرام و الصون ، 
و العيش من أجلها و الموت في سبيلها ،

و المفتوحة ، مع كل ذلك و قبله ، على التجاوز و الفوت .

إنني اتهمكم دون مواربة : 
بنفس التهمة التي وجهتها الجمعية الأثينية إلى سقراط ، 
و هي إغواء الشباب ،

و عقوبتها معروفة لديكم ،

فأنتم تحاولون الإيحاء أن الفتى و الفتاة ، 
بمحض الموهبة و العزيمة و الخرتاية ، 
يمكنهما أن يتجاوزا كزازة الظروف و لؤم المؤسسات ، 
و أن يسجلا حضورهما المضمّخ باللعطر واللون ، 
في سجلات الزمان المقدسة . 

أتهمكم بتضليل الشعب ، 

لإيحاءاتكم المكشوفة ، بأن الفن ليس جوهرا مفارقا ، 
بل هو ممارسته اليومية ، المرفـّعة و المهذبة و المصعّدة ، 

و أن زعيطا و معيط يهجع داخلهما فنان مرهف ، 
ينتظر من يربّت على كتفه و يوقظه .

أتهم كبيركم الذي علمكم السحر ، 
عبد الله أحمد البشير ، 
المدعو بولا ، 
الهارب من عدالة المشروع الحضاري ،

المتخفـّي وراء الأسماء المستعارة ، 
و الذي حوّل جراحه إلى وشم ، 
و صهر قيوده جاعلا منها أجنحة ، 
غزيرة الرياش ، 
لا تميزها من أجنحة الطيور الحقيقية ، 
إلاّ العين البصيرة الساهرة . 
مستعينا بسحره القديم في خلق الطبائع الثانية ، 
و صناعة التصاوير . 

لكم يوم أيها العصاة ،

لكم موعد أيها المارقون ،

لكم عودة ايها الغرباء ،

لكم جلسة حاشدة ، 
لكم قبـّة جامعة ، 
لكم افق واسع و مديد ، 
لكم زمن ... يكفي 
و زمن يفيض . 


« 
لا أذكر تاريخ كتابة هذه الكلمة، و من المرجّح أنك كتبتها في منتصف التسعينيات،. لكنها كلمة عامرة بالإعزاز لعصابة التشكيليين الذين تحلّقوا حول "المدعو بولا الهارب من عدالة المشروع الحضاري".
و الذين كانوا على قناعة صلدة بأن الخلق في متناول الجميع.أو كما قال  :ـ
 
" التشكيلي في فهمنا هو كل من يعمل في صياغة أشكال المرئيات إبتداءا من " صانعي المراكيب"، و تتسع الكلمة لتشمل السمكري، مصمم الأزياء النجار، المعماري، المشاطة و الكوافير إلى آخر ما يمكن أن يتسع له خيال القارئ".." و لا أشك في أن المسألة بصورتها هذه تغضب اخواننا التشكيليين الذين يعتمدهم النقد الرسمي و المؤسسات الأكاديمية البورجوازية عمدا أو المتبرجزة جهلا.ما العمل؟
ليس عندي ما يخفف وقع الفاجعة ، و أنت يا سيدي التشكيلي المتخرج من كلية الفنون الجميلة ، و ربما الكلية الملكية، و الحائز على شهادة الإمتياز الإجتماعي ، و التي تسمى دبلوما أو خلافه، أيضا لا فرق بينك و بين " الحسين ود مهيوب" صانع العناقريب او " حسن كلاش "السمكري.كلكن تشكيليون و كلكم مسؤول عن تحقيق إضافة خلاقة لموروث البشرية من تاريح صياغة الأشكال المرئية لتستحق لقب " فنان" و لا جدوى من شهاداتك و إن بلغ عددها مائة و نيف.".."و ذلك ان الرسام على سبيل المثال، ليس خلاقا لأنه رسام، كما هو شائع و معتقد،إنما الرسام الفنان هو الرسام الخلاق الذي يضيف لتاريخ الرسم إضافة خلاقة.و الأمر يكون كذلك مع بقية التشكيليين بالمفهوم الأكثر شمولا"
( ـ أنظر مداخلات بولا و حامد يحيى الباشا في صفحة "ألوان الفن " الأيام 7 سبتمبر 1979 .أنظر ايضا سلسلة مقالات عبد الله بولا " مصرع الإنسان الممتاز" في " الأيام" سبتمبر 1976 و مارس 1977
« 
غير أن إعادة قراءة إعزازك للتشكيليين، الذين يزعمون" أن زعيطا و معيطا يهجع داخلهما فنان مرهف ينتظر من يربت على كتفه و يوقظه"، إعادة قراءة هذه الكلمة على ضوء إدانتك طموح الشيوعيين المجنون لبناء " حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي" حيّرني كثيرا. ذلك أنك لو أشدت بمزاعم التشكيليين العصاة بأن لا فرق بين الفنان التشكيلي" ابو دبلومة" و صانع العناقريب، و أن الخلق الفني، مثل الزلابيا في متناول زعيط و معيط، فسيصعب عليك تسويغ معارضتك لمحاولة بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أميّي.أو أنك تدّي دلوكة التشكيليين عصا و تدّي حلّة الشيوعيين روراية. فـ "ما العمل؟"

سأعود
أضف رد جديد