كيف تبدو جارتنا من خلف الزجاج؟

Forum Démocratique
- Democratic Forum
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

عزيزي الدكتور النور حمد
طابت كل أوقاتك.. وشكرًا لفتلك المتقن في هذا الخيط.

أدناه جزء أول من مقالة للدكتور عبد الله علي إبراهيم، وجدتها منشورة في مجلة الخرطوم، العدد الثالث، 1993- 1414هـ، ورأيت أن أنقلها هنا لتوسيع المناقشة، وهي مليئة بما هو مفيد لهذا الخيط الذي انفتح، و(إن شاء الله ما يقفل) قبل أن يقضي وطره!!
سألصق الجزء الثاني قريبًا جدًا!


نص المقالة:


دفع الإفتراء: جنس في الخطاب السوداني حيال مصر

د. عبد الله علي إبراهيم

يعالج هذا المقال جنسًا في الخطاب السوداني يدفع في الكاتب عن السودان ما عده "الإفتراء" صدر عن قلم مصري. وقد سميتُ هذا الجنس الخطابي "دفع الإفتراء" تيمنًا بكتاب النداء في دفع الإفتراء (1925) "1" للمؤرخ محمّد عبد الرحيم، الذي حوى جملة من تلك الدوافع السودانية ما تضمنه كتاب النداء من تلك الدفوع هو نقض محمّد عبد الرحيم لكتاب محمد حسنين هيكل المسمى (عشرة أيام في السودان). وهو النقض الذي سماه محمّد عبد الرحيم نفسه "هدمًا" لكتاب هيكل. وتجليات هذا الجنس الخطابي السوداني عديدة. ويحضرني هنا الردود التي تزاحمت تهدم تعليقات الصحافي محمّد حسين هيكل عن ثورة أكتوبر 1964 في السودان، وتلك الكلمات التي تصدت في السبعينيات للنقد الذي نشره حلمي هويدي في صفحة "الأهرام" الدينية لكتاب في التصوف نشره الشيخ عبده زعيم الطريقة البرهانية في السودان ومصر.

وبالنظر إلى النداء في دفع الإفتراء فإن مظالم السودانيين في هذا الجنس الخطابي هي كما يلي:
1- يقع الإفتراء من جراء عجلة المصري في تناول الشأن السوداني؛ فقد كتب هيكل كتابه ولم يمكث بالسودان إلا عشرة أيام، وهي مدة غير كافية ليحيط ببلد في اتساع الرقعة وتنوع القاطنين كالسودان "2".
2- وترتب على عدم تثبت المصري في الحكم على خصائص وأداء السودانيين أن اسم المصري مقترن بجهل مطبق بصدد السودان "3".
3- واحد من مصادر هذا الإفتراء تجاهل المصري أن بعض الصور السلبية التي ينشرها عن السودان هي ما يقع في مصر ذاتها. فقد نوه هيكل، مثلًا، بقذارة "تكلات أي بيوت السودانيين المبنية من الطين، بينما يرى محمد عبد الرحيم أن تلك التكلات ليست بأقذر من أحياء الدراسة والإمام الشافعي "4".
4- ومصدر آخر للإفتراء المصري هو تركيز النظر على النقائض السودانية غاضًا الطرف عن الشمائل "5". ففي السودانيين شمائل يقصر عنها المصريون أنفسهم "6".
5- ولعل أكثر شكاوي هذا الدفع خطرًا هو تخطي المصري للمثقف السوداني حين يتناول أمرًا سودانيًا. فالمصري يأخذ تاريخ السودان من غير الثقاة "7". فقد اشتغل هيكل بالسمر مع المصريين والسوريين في الخرطوم ولم يكلف نفسه التماس معرفة السودانيين؛ وخلافًا للمصري، فالإنجليزي أكثر رغبة في الاستنارة بمعرفة السودانيين ببلدهم. وقد ضرب محمد عبد الرحيم مثلًا بالسيدة الإنجليزية التي زارته وقد قضت ثلاثة أشهر بالسودان ولم تأنس، مع ذلك، الكفاءة في نفسها للكتابة عن السودان، في حين يجرؤ هيكل على الكتابة وهو الذي قضى بالسودان، باعترافه، عشرة أيام "8".

خطاب "دفع الإفتراء" محض دفاع، ولذا اتصف بخصائص ضارة بطلاقة وديمقراطية الفكر السوداني. وأجمل هذه الخصائص في ما يلي:
1- في جنس "دفع الإفتراء" يتطابق المصري الفرد مع الأمة والدولة المصرية بصورة مطلقة، وفي هذا السياق يتلاشى الملمح الخاص للرأي المصري الفردي، ولذا يصبح في تقاليد مثل هذا الخطاب شكوى الكاتب المصري المتهم بالإفتراء إلى حكومته، لتمنعه من الإساءة إلى السودانيين؛ فقد تساءل محمد عبد الرحيم، مثلًا، إن كان وزير شئون السودان بمصر قد علم برداءة الكتاب وأقر هيكل عليها "9".
2- في خطاب "دفع الإفتراء" عزة بالخصائص السودانية واعتبارها خصالًا قارة، لا تجليات محكومة بالزمان والمكان. وهي عزة مؤدية إلى انسداد البصيرة التاريخية؛ فمحمّد عبد الرحيم يعيب على المصريين غشيان الفنادق في حين أن كل بيت في السودان فندق. وهو يغالط حقائق الحياة نفسها حين يستنكر قيام البعض، ممن سماهم بالانتهازيين، ببناء لكوندات في الخرطوم وأم درمان، ضاربين بعادات الأمة عرض الحائط "10".
3- وفي خطاب "دفع الإفتراء" ميل غير خافٍ من جانب الكاتب السوداني العربي في شمال السودان إلى أن يحاكم السودان بشقه العربي المسلم الذي لا يقل عن سكان القاهرة، لا بشقه الأفريقي الذي يجتذب عين الزائر "11".
حالة "دفع الإفتراء" التي يتناولها المقال هي الكتابات السودانية التي تصدت بالرد على كلمة كتبها الدكتور عبد العظيم رمضان لمجلة الوادي في يونيو 1971م، وعنوانها "احترسوا.... في إعادة كتابة تاريخ السودان"، وهي كلمة موجهة إلى المؤرخين السودانيين في مناسبة صدور قرار حكومي بتعيين لجنة لإعادة كتابة تاريخ السودان. فعبد العظيم يقر بمشروعية خطة إعادة كتابة التاريخ العربي إجمالًا، إلا أنه يرى أن لتلك الخطة بالسودان محاذير أكثر من غيرها، نظرًا للصلة غير العادية التي ربطت السودان على مدى التاريخ بمصر، والتي لا مثيل لها في علاقة مصر بهذه الأوطان. وهي صلة من شأنها أن تجذب المؤرخين السودانيين إلى معالجة علاقة السودان بمصر في الفترة الزمنية من 1820- 1953م "13".
ويخشى عبد العظيم أن يعيد المؤرخون السودانيون النظر في تلك العلاقة بصورة لا تساهم مساهمة إيجابية في بناء مستقبل على أسس وحدوية تتطلبها تحديات العصر. فعبد العظيم يخشى أن يقع المؤرخون السودانيون في تجديد النظر للتاريخ المصري السوداني أسرى تطرف شوفيني ضار بتطور ومستقبل العلاقات الوحدوية بين البلدين. وضمن عبد العظيم كلمته ثلاثة محاذير تحف بإعادة كتابة تاريخ السودان متعلقة بـ:
1- طبيعة الفتح المصري للسودان.
2- فكرة جلب العبيد من السودان.
3- فكرة الاستعمار المصري للسودان.
فعبد العظيم لا يرى الفتح المصري للسودان غزوًا من دولة أجنبية، كغزو إنجلترا لمصر مثلًا. فالروابط التاريخية قد جعلت السودان عمقًا لمصر، والعكس صحيح. فحين جاء بعض زعماء السودان يسألون محمد علي باشا فتح السودان؛ فإنهم إنما تصرفوا بوعي تاريخي مناسب بالروابط التاريخية المصرية. وهذا المطلب السوداني من محمد علي باشا برهان أكيد على أن فكرة القومية بمعناها الحالي لم يكن لها وجود. ولم يرتح عبد العظيم لوصف المؤرخ السوداني الدكتور حسن أحمد إبراهيم في كتابه (محمد علي في السودان)، 1972، للزعماء الذين دعوا محمد علي لفتح السودان بأنهم قد جافوا مصالح البلاد العليا خدمة لمآربهم الشخصية؛ فعبد العظيم يرى أن تعبير "مصالح البلاد العليا" تعبير عصري لا مكان له في أعراف تلك الفترة التاريخية التي لم يكن للسودان فيها كيان قومي موحد، ولا يرى عبد العظيم أن دافع محمد علي باشا لجلب العبيد من السودان، مما يسئ إلى دوافع الفتح المصري، لأن جلب العبيد لم يكن اختراعًا مصريًا؛ فتجارة العبيد كانت قائمة في السودان قبل [الفتح] المصري. ففي رأي عبد العظيم أن جلب العبيد كدافع للفتح المصري ليس مؤشرًا على أكثر من حقيقة تاريخية تدرس في ظروفها التاريخية.
والفتح المصري للسودان عند عبد العظيم لم يكن (استعمارًا) في المدلول الحديث للمصطلح؛ لأن الاستعمار الحديث ظاهرة ارتبطت بظهور الطبقة البرجوازية الرأسمالية الأوربية، ولم تشهد مصر مثل هذه الطبقة الرأسمالية إلا بعد قرن كامل من فتح السودان. وقد فصل عبد العظيم هذه النقطة في مقال لاحق نشره بمجلة "الوادي" أيضًا، في عددها نوفمبر 1979م، كان عنوانه (أكذوبة الاستعمار المصري). وقد وصف مفهوم الاستعمار المصري للسودان كفرية إنجليزية اجتهدت إنجلترا لتدخلها في روع السودانيين، فتصم الروابط القومية الوطنية بين الشعبين ولتستأثر بالسودان. فرق عبد العظيم في المقال بين الفتح المصري للسودان الذي استكمل به محمد علي للدولة وحدة ترابها وامتدادها العضوي إلى حدودها الطبيعية، وبين الفتوحات الاستعمارية في القرن التاسع عشر التي قامت بها طبقات برجوازية بقصد استنزاف ثروات الشعوب، بغض النظر عن قرب أو بعد تلك الدول التي خضعت لنفوذها.

تواترت الدعوة إلى إعادة كتابة تاريخ السودان تواترًا يشير إلى عظيم منزلتها الروحية الوطنية. ففي أقل من عقد من الزمان تجددت هذه الدعوة أربع مرات. ففي أبريل 1977م عقدت الجامعة الإسلامية بأم درمان ندوة عن مشاكل كتابة التاريخ السوداني وحلولها، تحدث فيها أميز المؤرخين السودانيين عن ضرورة إعادة كتابة ذلك التاريخ، أو مراجعته، أو التمسك بالموضوعية في كتابته "13". وفي فبراير 1979م انعقد مؤتمر التخطيط الثقافي الذي نظمته أمانة الإعلام والتوجيه بالاتحاد الإشتراكي السوداني المنحل، وخصصت إحدى جلسات المؤتمر لمناقشة موضوع إعادة كتابة تاريخ السودان، وفي أعقاب المؤتمر وخلال شهري مارس وأبريل أدارت جريدة الصحافة حوارًا واسعًا مع المؤرخين السودانيين حول إعادة كتابة تاريخ السودان "14". وفي فبراير 1983م عقدت جمعية التاريخ بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ندوة عن إعادة كتابة تاريخ السودان "15". وفي يناير 1984م جدد أحد [؟] مسألة كتابة تاريخ السودان في مناسبة مرور 28 عامًا على استقلال السودان، واستغنى نفر من المؤرخين السودانيين عن غايات تلك الإعادة "16".

كان لكلمة عبد العظيم ردة فعل قوية بين المؤرخين السودانيين المهتمين بالتاريخ من السودانيين؛ فقد علق عليها حسن أحمد إبراهيم وإدريس محمد موسى وكمال دقيل فريد "17" والدكتور مبارك بابكر الريح "18". واضطر عبد العظيم إلى الرد بشكل جامع على منتقديه "19". ثم إلى بيان وافٍ ينفي فيه أن يكون النظام المصري في السودان (1821- 1881) استعمارًا بالمعنى المتداول، ويؤصل القول بالاستعمار في فرية إنجليزية "20". وكتب الدكتور محمد عبد الحي عن الأخطاء المصرية في تفسير المسألة السودانية "21". ولم يشر عبد الحي إلى أفكار عبد العظيم، بل علق [على] كلمة جديدة عن الثورة المهدية نشرها الدكتور محمد عمارة "22". ولم يمنع إنصاف محمد عمارة الثورة المهدية أن يشارك عبد العظيم بعض الآراء التاريخية المصرية الدارجة عن السودان، ولذا تساوقت أصداء قوية من كلمة عبد العظيم في مقالة عبد الحي. وكتب الدكتور أحمد إبراهيم دياب يعلق على اقتراح من مصري يدعو إلى تكوين لجنة ضمن برتكول التكامل المصري السوداني لكتابة التاريخ المصري السوداني. وقد أشار دياب إلى كلمة عبد العظيم بنفس نقدي قوي "23".

وضح من مدى الصدى النقدي لكلمة عبد العظيم أن نصحه بهذا الشأن التاريخي السوداني لم يصادف توفيقًا. فحركة مراجعة التاريخ السوداني في واقع الأمر حركة عميقة يعتقد السودانيون أنهم يصدرون فيها عن مشروعية وكفاءة وإقامة على نقد الذات أيضًا. فإدريس محمد موسى يرى أن الندية والثقة هما اللذان يدفعان بحركة مراجعة الماضي، ولذا باخت سياسة "المحاذير والمناطق المحرمة والسياسات" "24".

وجدير بالذكر هنا أن حركة مراجعة الكتابة التاريخية عن السودان هي هم عميق للمؤرخين السودانيين، لم تبلغ أو تنحدر بعد لتكون عقيدة صلدة متفقًا على شعائرها. فهي ما تزال حوارًا بين من يعتقد في إعادة كتابة تاريخ السودان ومن يعتقد في الاقتصار على مراجعة ذلك التاريخ، ومن يعتقد أننا نحتاج إلى الاستمرار في كتابة ذلك بموضوعية. وهناك في هذه الحركة من يحمل الأجانب وزر تشويه التاريخ السوداني، وهناك من يعتقد أننا قد نبالغ بمثل ذلك التحمل "25". وصفوة القول إن إعادة كتابة تاريخ السودان دعوة قائمة ولم تتحول إلى طقس فكري، وقد ظلت تقتحم ذاتها مرة بعد مرة في سبيل نظر محيط وشفيف وجذري لكتابة تاريخ السودان. فالحركة ما تزال [؟] تستجيب لكلمة عبد العظيم إنتاج خصائص "دفع الإفتراء" التي ألمحنا إليها في الماضي. فقد عد أهل الردود كلمة عبد العظيم "وصاية" لا مبرر لها. وقال حسن أحمد إبراهيم إن ما صدر عن عبد العظيم أداء مصري نمطي حيال تاريخ السودان؛ فهي طريقة مصرية معهودة لإصدار التوجيهات للمؤيدين السودانيين "24" وقوام هذه الوصاية المصرية يمكن إيجازه في ما يلي:
1- خرق مبدأ الندية

قال إدريس محمد موسى بتوافر الندية بين المؤرخين السودانيين والمصريين، بحيث تصبح مراجعة الماضي عملية مشروعة بغير حساسية أو مناطق محرمة "25" واستغرب دياب أن تكون مسألة إعادة كتابة تاريخ السودان موضوعًا للإثارة وتكرار الإثارة في الصحف، في حين لم تثر دعوة كتابة التاريخ المصري التي سبقت الدعوة السودانية، أي تساؤل من السودانيين؛ فقد عد السودانيين أمر كتابة التاريخ المصري شأنًا مصريًا، ومن حقهم على المصريين أن ينظروا إلى إعادة كتابة التاريخ السودان كمسألة سودانية قومية أكاديمية "26".
2- الجهل ببواعث الأداء السوداني:

قال حسن أحمد إبراهيم أن مخاوف عبد العظيم من أن تتجه الدعوة إلى إعادة كتابة تاريخ السودان إلى الشوفينية، أو مصادمة الحقيقة التاريخية، هي محض سوء فهم؛ فالأصل في إعادة كتابة تاريخ السودان هي أنها دراسة عملية قائمة في الوثائق والموضوعية لبيان أخطاء من كتبوا عن تاريخ السودان.


3- جدل الوصاية والتباين:

لعل أكثر أجزاء "الإفتراء" الكائل استفزازًا للمعلقين السودانيين هو علامة الاحتراس التي وضعها عبد العظيم أمام حركة إعادة كتابة تاريخ السودان حول تقويم الفترة الممتدة بين (1821- 1881) في السودان، وهي الفترة التي حكم فيها محمد علي باشا وذريته السودان حتى أجلتهم ثورة المهدي عنه. وهي فترة يسميها عامة السودانيين "التركية" ويسميها خاصتهم "جريًا وراء الدقة وتبعًا لبعض المؤرخين الإنجليز الذين لا بأس بموضوعيتهم" فترة الحكم المصري- التركي، مع اعتراف بأن المصريين أنفسهم كانوا مغلوبين على أمرهم في بلدهم. ومع ذلك لا يجد عبد العظيم غضاضة في وصف الفترة بالعهد المصري في السودان، أو الفتح المصري للسودان "28".
يتبع...



صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

أعتقد أن الأسئلة التى طرحها الصديق يوسف حمد هنا جيده ولكنه مهما تسترت خلف المجاز والعبارات واللغة اللطيفه والجميله أظنها أيضاً تاتى من تلك الزاوية التى تعبر عن بعض أسئلة الأتجاهات الجديده والقديمة فى الفكر السياسيى السوداني سيتم رصفها ببساطة مع مقولات مثل ( كأن بأمكانهم أن يكونوا أحسن الأفارقة فاصبحوا اسوأ العرب) ولماذا لايسمع العرب الغناء السوداني بينما يلاقي أنتشاراً فى أفريقيا ولماذا تنشر صور اطفال سوريين قتلى أليس هذا تمييزاً ضد أطفال جبال النوبه ودارفور وغيرها من جملة أسئلة الذوات المجروحة فى وجودها الثقافي والسياسي أى السعى المحموم لتكريس ابدلوجيا الفصام بين العوالم العربي والأفريقي. هنا يوسف حمد ينتقل فقط لدرجه أخرى من هذا الخطاب نحو المنتوج الأدبي للجاره اثيوبيا وسيتطور السؤال قطعاً حول المنتوج الأدبي لتشاد وافريقيا الوسطى وحوض النيجر وبوركينا فاسو الى أخر مظنة الوهم الأفريقاني المتعسر.

تعجبنا أسئلتكم والله فى لطافتها ومرورها بين تخوم التعابير المختلفه سياسياً وأدبياً بحثاً عن تعريف يملأ فراغ هذاالصدع النفسي والوجداني ,لكنها مقبوله دون شك عند حدود مشروعية طرح السؤال وتفيد أثراء التجارب الأنسانية بمنتوج الشعوب المختلفه المجاوره منها والبعيده ..لكن يايوسف حمد أنت فرشت مائدة القول هنا واضمرت تقصيرك وتقصيرنا فى معرفة أحوال الجاره الأدبية لا أنا لا أعتقد أنك كنت بالبراءه كى لاتتوقع الى أين سيذهب الحوار وياتينا د. النور حمد بجهده هنا ورايه حول (عقلية الخديوية الأستعمارية) وتذكرت هنا الأخ بشاشا الذى كان يتسخدم هذه التعابير كثيراً في ناحية سودانيز أون لاين لكننى حقاً أندهشت لتلك التعابير التى تصدر من د . النور حمد وتسلخ جلد التاريخ القاسي بلاهواده فى جهة منظومة ثقافية تاريخية وحضاريه اسمها وادي النيل حتى تصبح مجرد تدابير استعمارية فقط للنخب المصرية.

أعتقد أن التاريخ لايقول بهذا وان أشكال المثقف السوداني أو تلك الطبقة البرجوازية التى نشأت فى أعقاب الأستعمار الأنجليزى من كتبه صغار وافندية ظل الأشكال الأساسي أو العُقده الحقيقة تجاه مصر هى عقدة تلك النشأة اللاحقه والحديثة لهذه الطبقة فى مقابل طبقة مصرية قديمة الصله بالعالم وبالحضاره فى مفهوم التحضر البرجوازي نهضت وقامت منذ حركة التحديث التى أسسها محمد على باشا و هذه النشأة الحديثة لطبقة الأفندية السودانية ظلت تلازمها كحالة نقصان دائم وكأنها حرج تاريخي أزاء طبقة مصرية قديمة فى صلتها بالعالم لكن ذلك يحدث فى مجال نفسي مشبع بالغيره وداخل أطار استعماري ولايعكس كامل تعقيدات وتفاصيل العلاقات بين مصر والسودان أوشعب وادي النيل (وشعب وادي النيل هنا ملمح تاريخي حضاري وليس جزءاً من التراث السياسى الحديث ناس التكامل ومجلة الوادي وعاشت وحدة وادي النيل الخ الشعارات)

عليه تبدو فكرة عدم معرفتنا بالمجال الثقافي الأثيوبي وهى ليست أمر قاطع فى دروب الفن المختلفه من غناء لتشكيل وموسيقى لاتتعلق بأختيارات سياسية بحته أو أمر تم تكريسه بشكل أيدلوجي مقصود وانما يعود لأشكالات تتعلق بطبيعة المجال الثقافي والحضاري وحاجز اللغة وهى أمور تدخل فى بنية الهوية التاريخية والحضارية السائده فى السودان والتى لم توجد كحاله سياسية منبته عن ترسيم التاريخ لمسارها بل معطى تاريخي..
ترى هل كان بالأمكان أن نعرف ماركيز القادم من امريكا الجنوبية اٍذا تمت ترجمته للتقرنجه أو الأمهريه ؟
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


عزيزي حاتم

أراك أعجلت نفسك دونما موجب. هذا الخيط لا يزال في بداياته الأولى، ولسوف نشبع موضوع العلاقة بإثيوبيا ومصر تفصيلا، فلو انتظرت قليلا لكان خيرًا لك، ولنا أجمعين. العلاقة بمصر وبإثيوبيا علاقة شائكة، وتقف وراءها معضلات تاريخية كبيرة وعويصة. والنقاش فيها ليس نقاشا سيتسيًا، ولا ينبغي أن يكون، وإنما نقاش أكاديمي. والجزء القصير من ورقتي، الذي اقتطفته ونشرته في هذا الخيط، وعلقت عليه أنت، هو جزء من ورقة علمية محكّمة، جرى تقديمها في مؤتمر علمي جامع ضم كبار الأكاديميين المصريين. وقد ناقشها أولئك الأكاديميون من مصريين وغيرهم، بموضوعية تامة، واختلفوا معها بموضوعية، ولم يشبهوها بما يقوله الآخرون، سواءً كان هؤلاء الآخرون الأخ بشاشة، أو غيره. تضمنت الورقة 58 إحالة مرجعية، من ضمنها ثمانية وعشرون مرجعًا عربيًا وإنجليزيًا معتمداً. وحتى النصوص القليلة التي أوردتها أنا، في هذه الجزئية التي نشرتها هنا، لم تلق منك تعليقًا. فأنت لم تقل، لا من قريب ولا من بعيد، ما إذا كان قامت به مصر في السودان عام 1821، قد كان استعمارًا، أم لم يكن، وقد قرأت ما نشرته أنا، وما نشره الأخ يوسف حمد مما كتبه د. عبد الله علي ابراهيم. . ما كتبته، عزيزي حاتم، ليس نقاشا علميًا موضوعيًا، وإنما مجرد اكتفاء بالجلوس على منصة إصدار الأحكام، استنادًا على ادعاءٍ لملكيةٍ حصريةٍ لها. كان من الممكن أن تطلب مني إرسال نص الورقة كاملاً، لترى ما إذا كنت أتحدث حدثيًا سياسيًا، أو أردد هتافاتٍ غوغائيةٍ، أم ما إذا كنت أطرح طرحًا أكاديميًا علميًا يستحق الوقوف المتأني عنده.

وجهة نظري أن ما جرى للسودان كان استعمارًا مصريًا قحًا، بل كان من أسوأ أنواع الاستعمار. فقد كان أساسًا لجلب العبيد السودانيين لتجنديهم من أجل توسيع الامبراطورية الخديوية. وكان السبب الثاني هو المال، لمقابلة تكاليف هذا التوسع الإمبراطوري. ولقد قرأت أنت في هذه الجزئية القصيرة التي أوردتها أنا، ما قاله عمر طوسون، وما قاله عبد الرحمن الرافعي، وما قاله محمد فؤاد شكري. ولكنك لم تعلق عليه ودوافع استعمار السودان قيلت لنا في المدرسة الأولية: "المال والرجال". وهذا مثبتٌ في كل المراجع التي تناولت دوافع الغزو الخديوي للسودان. هذا الغزو العسكري صحبه غزو ثقافي. أرسل محمد علي ثلاثة من العلماء مع القوة الغازية وثبت لأول مرة في سودان ما بعد دخول الإسلام المؤسسة الدينية التي تعمل ذراعًا للسلطة القائمة. اعتبرت المؤسسة الدينية الخديوية الدين الشعبي السوداني الصوفي مجرد شعوذة وخرافات وأقصته، ومكنت للدين الرسمي. ومن هنا تدرب قطاع من السودانيين على يد المصريين وأصبحوا جزءًا من هذه المؤسسة الداعمة للوجود الأجنبي. فقد مُنحوا الأراضي، ومُنحوا المرتبات، وقدمت لهم كساوي الشرف الخديوية، ومنحوا الكثير من الاغراءات والتسهيلات. هذه الفئة من علماء الدين السودانيين العاملين في المؤسسة الدينية الخديوية الرسمية في السودان، هم من عارضوا الثورة المهدية، وأخرجوا ضدها البيانات والفتاوى، وعملوا على تثبيط الثوار لمصلحة خديو مصر.

خرج الاستعمار المصري العسكري، ولكن الاستعمار العقلي المصري لا يزال موجودا. ونحن لم نعمل على تفكيك هذه التركة الاستعمارية المصرية. لذلك لا يزال بيننا من يحدثنا "بلسان المصريين" عن منظومة وادي النيل المزعومة. العلاقة بين السودان ومصر كانت علاقة نزاع منذ الأزل. لم ير الشعبان نفسيهما شعبًا واحدًا قط. بل كانت مصالحهما متقاطعة على الدوام. فمصر منذ عهد الفراعنة كانت تضع عينها على خيرات السودان. والدولة المصرية الفرعونية والدولة الكوشية لم تكونا على وفاق، وقد تبادلتا الغزو وسيطرتا على بعض. غير أن السيطرة المصرية على الدولة الكوشية كانت أطول بكثير من سيطرة الدولة الكوشية على مصر.

هذا بعض مما يتعلق بمصر التاريخية، أما مصر الخديوية، فهي دولةٌ مختطفةٌ عثمانيًا، وأسرتها الحاكمة وفدت إليها، عبر تداعيات التمددات العثمانية من ألبانيا جهة بحر الإدرياتيك. ولم تكن الأسرة الحاكمة الخديوية في مصر تتحدث اللغة العربية. فالحديث عن "التحديث" و"النهضة" التي قام بها محمد علي في مصر، ليست أكثر من أطروحة مفبركة، أخفى بها المصريون عجزهم وخنوعهم عن مكافحة ذلك الاستعمار. إن آثار الاستعمار الخديوي لمصر والقهر الإقطاعي، لا تزال سائجة في ثقافة الشراع المصري، وفي لغته، حتى يومنا هذا. أما الجمهوريات التي أعقبت انتهاء حكم الأسرة الخديوية على أثر انقلاب عبد الناصر، الذي يحمد له أن قضى على الاقطاع، وعبودية الاقطاع، فقد ظلت تلبس نفس الخوذة العقلية الخديوية، في ما يتعلق بالنظرة إلى السودان. بل لا تزال هذه الخوذة معتمرة، ولن يخلعها المصريون قط، ولا يملكون إلى خلعها سبيلا، بحكم الجغرافيا والديموغرافيا والموارد.

بالإضافة إلى المؤسسة الدينية الرسمية التي أنشأتها الخديوية في السودان، وهي مؤسسة داعمة بطبيعة تكوينها لأنظمة الحكم القائمة، كان المعلمون الأوائل الذين قاموا بتعليم جيل الرواد السودانيين في كلية غردون من المصريين. وحين نشأت المدارس الثانوية في السودان كانت مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية مناهج مصرية. فغالبية الأشعار التي كانت تدرس إنما هي لشعراء مصريين، إضافة إلى قصائد لقلة من بقية الشعراء العرب. يعرف طلاب السودان من الشعراء المصريين، شوقي، وحافظ، والبارودي، ومحمود غنيم، وعلي الجارم، وسيد قطب، ومحمود حسن اسماعيل، كما يعرفون معروف الرصافي، وإيليا أبو ماضي، وخليل مطران، وأبو القاسم الشابي. لكنهم، لا يعرفون كثيرا عن التجاني يوسف بشير، ولا الناصر قريب الله، بل لا يعرفون شيئا عن المجذوب، ولا عن إدريس جماع، إضافة إلى الحداثيين كمحمد المكي إبراهيم ومحمد عبدالحي، وغيرهم. وكذلك، كانت مواضيع كتب القراءة كلها أجنبية، وكأن ليس في السودان نثرًا يستحق أن يُقرأ. أما التاريخ الكوشي السوداني فقد أهمل، بل جرت "دغمسته" وإلحاقه بالتاريخ المصري، فأصبحت الأسرة الحاكمة الكوشية بقيادة بعانخي وتهراقا، التي غزت مصر وحكمت حتى حدود فلسطين، أسرةً مصريةً خالصة، مُنحت اسم "الأسرة 25". إن آثار الاستعمار العقلي المصري للسودانيين فادحةٌ، فادحة.

أما دروس التربية الإسلامية وزرع سردية وتعاليم الفقه السني الأزهري العثماني فهو المَرْكِب الذي حمل بذور فكر الإخوان المسلمين إلى السودان. فهو الذي نشر شُعب اللغة العربية والتربية الإسلامية، ممن درسوا في الأزهر ودار العلوم، في مدارس السودان الوسطى والثانوية وفي مساجد البلاد بطولها وعرضها. هذا هو الجسد الذي حمل فكر السلف، وعبادة النص، وبث هذه السردية السنية العثمانية المنغلقة في كل مكان في السودان، وغير خصائص البلد الكوشية، وألحقها بالتزمت المشرقي، وهيأ الأرض فيها لغول الإسلاميين الذي أحال البلاد كلها اليوم إلى خراب. مرة أخرى، إن آثار الاستعمار الثقافي المصري في السودان فادحة، فادحة.

ليست هناك غيرة من السودانيين تجاه المصريين، كما قلت يا حاتم، "يا ريت لوكان في غيرة". كانت هناك تبعية وخنوع وانبهار وتعلّقٌ طفوليٌّ غِرٌّ بالمصريين وبما ينتجه المصريون، أعمى عن الذات، وعن حقيقة طاقاتها، ولا يزال. وسنأتيك عزيزي حاتم بالأدلة، لاحقًا، ومنها انبهار السودانيين بالعقاد وشعورهم بالصغار والهوان وقلة الشأن تجاهه، حين زار السودان، مما أورده حسن نجيلة. ومن ذلك أيضا، تفريطنا في مياهننا وأراضينا لصالح المصريين.

تحتاج الأمة السودانية أن تعيد تعريف ذاتها بعد أن تصفى التركة الإستعمارية الثقافية وتتخلص من التبعية والالحاق الذي أصبح طبعًا بعد أن كان تطبيعًا قهريا. ولسوف نأتي على الأفكار الأممية الحالمة، الترابية منها والماركسية. ولا يزال الليل طفلاً في ما يتعلق بشؤون وشجون العلاقة مع مصر وإثيوبيا. فلسوف نستخدم هذه العلاقة للنظر إلى التاريخ من جديد. ومن يرد أن يعرف المزيد عن كوش الباذخة يمكنه مطالعة كتاب: Wonderful Ethiopians of the Ancient Kushite Emprie لدورسيلا هيستون، فالكتاب موجود على صيغة، بي دي إف، على هذا الرابط:
https://www.thecarafcentre.org.uk/pdf/wo ... opians.pdf

أصبروا علينا.
إعلان:
من يريد ورقة "من الاستتباع إلى الشراكة: نقد رؤية مصر لجوراها الجنوبي"، يمكنه أن يرسل لي بريده الإلكتروني على هذا العنوان: [email protected]
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

خالص التقدير والاحترام لمساهماتك الفكريه التى نتابعها يادكتور وأرجو ان لاتكون قد وجدت فى مداخلتي اي امر يخل بموجبات أحترام الحوار او شخصكم الكريم.
لى عوده للحوار
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

سلام يا حاتم
أبدا، ابدا، لم يكن فيها ما يخل اطلاقا وأعتذر إن كان في لهجتي شيء من الشدة.
من حق أي أي انسان أن يثير من النقاط ما يرى ومن حق الآخر أن يعقب فهو اختلاف رؤى لا أكثر
مع كامل الاحترام والتقدير والمودة
آخر تعديل بواسطة Elnour Hamad في الأربعاء سبتمبر 14, 2016 12:24 am، تم التعديل مرة واحدة.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


مواصلة في هذا الخيط الذي افترعه الأخ يوسف حمد أثبت بعض وقائع تاريخنا السياسي التي سبق أن نشرتها لي صحيفة الأحداث قبل سنوات تحت عنوان: "عبدالرحمن علي طه: كيف أقصى الملتوون المستقيمين".

هذه الفرشة التاريخية ضرورية لنفهم صلتنا بمصر على حقيقتها وهي خلاف للحقيقية التي يظهرها الإعلام الحكومي في البلدين وخلاف للمنهج التعليمي المصري الذي بموجبه تعلم السودانيون منذ بداية الحقبة الاستعمارية. وبعد أن نفرغ من تبين "كيف تنظر مصر إلينا" وكيف أفسدت مصر سياستنا وسياساتنا، خدمة لأغراضها الضيقة، نعود إلى جارتنا التي ظللنا نراها من خلف الزجاج، وهو زجاج معتم.

جاء في تلك السلسلة من المقالات التي نشرتها لي الأحداث:

كتاب "السودان للسودانيين"، الذي أصدره الأستاذ عبد الرحمن علي طه، في العام 1955م، كان جزءاً من حملةٍ استهدفت مقاومة الدعاية المصرية المكثفة، والأموال المصرية التي تدفقت على السودان من أجل التأثير على السودانيين في مسالة تقرير المصير قبيل إعلان الاستقلال. هذا الكتاب المتميز بحق، يعكس وضوح رؤية عبد الرحمن علي طه تجاه مستقبل السودان. ففي الوقت الذي كان فيه كثيرٌ من السياسيين السودانيين يتغنون بوحدة وادي النيل، مرددين ما تردده أبواق الدعاية المصرية، كان عبد الرحمن علي طه يضع يده، وبوضوح شديد، على إستراتيجية الهيمنة المصرية الثابتة تجاه السودان. في ذلك الكتاب، ذكر عبد الرحمن علي طه أن زيادة النسل المتسارعة في مصر، وتناقص الغذاء مقابل تلك الزيادة، تمثل إحدى أهم ركائز اهتمام مصر بالسيطرة على السودان. فمصر، تريد من ناحية، أن تضمن لنفسها سيطرةً مطلقةً على مياه النيل. كما تريد، من ناحيةٍ أخرى، للمصريين، أن يجدوا حقاً في الهجرة غير المقيدة إلى السودان، بغرض تخفيف الضغط المتزايد على القطر المصري. (عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، مطابع شركة الطبيع والنشر، الخرطوم، السودان، 1955، ص 13).

ولتأكيد النظرة الاستعمارية المصرية تجاه السودان، يورد عبد الرحمن علي طه مقتطفات مما جرى به قلم الكاتب المصري، عبد الرحمن الرافعي بك، الذي تحسر على خروج الحكم التركي المصري من السودان، قائلاً: ((لو أن الموظفين الذين تولوا حكم السودان قبيل ظهور الثورة كانوا مثالاً للعدل والاستقامة والرغبة في الإصلاح لسعد الشعب السوداني في عهدهم ولما وجدت دعوة المهدي من يستمع إليها من الأهلين فهؤلاء الحكام يقع عليهم نصيبٌ كبيرٌ من تبعة نشوب الثورة المهدية، مما أدى إلى ضياع الإمبراطورية العظيمة التي بذلت مصر ما بذلت من الدماء والأرواح والأموال في سبيل تأسيسها)). (المصدر السابق ص 13). ويرى عبد الرحمن علي طه، أن السياسة المصرية تجاه السودان سياسةٌ ثابتةٌ، لا تتغير بتغير الحكومات، فهي مبنيةٌ على مخاوف تزايد النسل، وضرورة السيطرة على مياه النيل، وتثبيت حق المصريين في الهجرة إلى السودان، والتملك فيه. يقول عبد الرحمن علي طه إن هدف مصر الثابت هو: ((ألا تسمح إطلاقاً بقيام دولة مستقلة في السودان ربما تعاديها في وقتٍ من الأوقات فتحرمها فيما تحرمها السيطرة التامة على مياه النيل وهجرة أبنائها إلى السودان))، (المصدر السابق، ص 14). ويضيف عبد الرحمن علي طه أيضاً: ((رسمت مصر هذه السياسة من زمنٍ بعيد لتسير على هديها كل الحكومات المصرية مهما كان لونها، واحتلت هذه السياسة العقل الباطن المصري، ولن تبرحه إلى الأبد)). (المصدر السابق، ص14).
مصر تضع حقوقها في السودان فوق حقوق أهله!!

ويورد عبد الرحمن علي طه النقاط التي احتجت بها الحكومة المصرية، حين فكر البريطانيون في إقامة خزان سنار على النيل الأزرق في السودان، لزراعة القطن، في العام 1913م. أورد عبد الرحمن بعض النقاط التي رفعتها الحكومة المصرية في اعتراضها على تشييد خزان سنار، وهي تقرأ كما يلي:

1. لا يجوز للسودان أن يستعمل قطرة من ماء النيل إلا إذا فاض ذلك الماء عن حاجة مصر وخاصةً في زمن التحاريق.
2. السودان قطر يعتمد على الأمطار، فلا يجوز أن يتجه للزراعة بالري الصناعي، إلا إذا بُحثت إمكانيات الري بالمطر بحثاً وافياً.
3. إن مشروع الجزيرة قد يزرع القطن طويل التيلة، وفي هذا ما فيه من مضاربة للقطن المصري في الأسواق العالمية.
4. إن مصر في حاجة للتوسع الزراعي لضمان المعيشة لنسلها المتزايد وللمحافظة على ميزانها التجاري.

ويعلق عبد الرحمن علي طه على هذه النقاط المصرية تعليقاً نبيهاً جاء فيه: ((هكذا رأت مصر ألا يستعمل السودان قطرة من الماء إلا إذا فاض ذلك عن حاجة مصر، وأن يظل معتمداً على الأمطار فلا يلجأ للزراعة بالري الصناعي إلا بشروط، وأن تستمر مصر وحدها في التوسع الزراعي لتحافظ على ميزانها التجاري ولتضمن المعيشة الرفيعة لنسلها المتزايد!! نسيت مصر، أو تناست أن في السودان نسلاً متزايداً أيضاً، على مر السنين، وأن للسودان ميزاناً تجارياً يجب أن يحافظ عليه بالمثل. ولعلها نسيت في ما نسيت أن السودان ـ كما تدعي ـ جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأن السودانيين والمصريين شعب واحد، يعيش على نيل واحد. لماذا إذن تأبى التعمير لهذا الجزء من أراضيها؟ ولماذا تفكر في الرخاء للنسل المتزايد في بقعة معينة من أرض الوطن الواحد، وتأبى أن يشمل الرخاء الاقتصادي من في البقعة الأخرى من نسل متزايد؟))!! (المصدر السابق، ص 25). هكذا كان عبد الرحمن علي طه صاحياً، في الوقت الذي كان فيه كثيرٌ من طلائع المتعلمين السودانيين الأوائل، مُخَّدِرين، يرددون في غفلةٍ شديدة، هتافات وحدة وادي النيل، مما ترسله إلى مسامعهم أبواق الدعاية المصرية. (يتواصل).
6
مأزق العلاقة بمصر:
مأزق علاقتنا بمصر ليس مأزقاً سياسياً كما يبدو، في ظاهر الأمر، وإنما هو مأزق حضاري. وأعني بذلك أنه مأزق سببه في الأساس انبتاتنا عن جذرنا الحضاري، وعن حقيقة شخصيتنا القومية، وأهم من ذلك كله، توهاننا عن هويتنا الروحانية. هذا الانفصال عن الجذر الحضاري هو الذي سوَّل لنا اعتناق الشعارات العاطفية من جنس "وحدة وادي النيل"، وما شاكلها مثل "نيلٌ واحد شعبٌ واحد". غلَّفت لنا جارتنا مصر رغبتها في استعمار بلادنا، في لفائف الإسلام والقومية والعربية. فانصرفنا بالدثار عن حقيقة ما احتوته تلك اللفائف. ولا نزال نحن السودانيين، حتى هذه اللحظة، ذاهلين عن حقيقة المطامع المصرية في بلادنا. والسعي الملحاح، بل والمهين، الذي يجري الآن للاستعانة بمصر لحل الإشكالات العالقة بيننا وبين إخوتنا في جنوب السودان، ونحن نواجه خطر الانفصال الوشيك المخيم على سماواتنا، ليس سوى دليلٍ ساطعٍ على هذه الحالة من الذهول المزمن. ولابد لي من أجل التدليل على حقيقة الكيفية التي تفكر بها مصر في السودان، من أن أُذَكِّرَ القراء الكرام، مرةً أخرى، باعتراض مصر على إنشاء حكومة السودان خزان سنار. فهو اعتراض كشف، وبلا مواربة، أن مصر، رغم رفعها شعار أن البلدين بلدٌ واحد، وأن الشعبين شعب واحد، لا تنظر، في حقيقة الأمر، إلى السودان بوصفه جزءاً من قطرٍ واحد، كما هو مزعوم. ولا تنظر إلى شعب السودان بوصفه جزءاً من الشعب المصري، كما هو مزعومٌ أيضاً. وقد خط قلم السيد عبد الرحمن علي طه ملاحظةً قوية، وهو يعلق على اعتراض مصر على بناء خزان سنار، حيث قالت مصر لاينبغي للسودان أن يستخدم قطرةً من ماء النيل إلا بإذن مصر! فعلى السودان أن يستنفد كل فرص الري بالأمطار، قبل أن يفكر في استخدام مياه النيل. ولم يستح الاعتراض المصري من القول إن التوسع الزراعي في السودان، يجعل من القطن السوداني طويل التيلة، منافساً للقطن المصري في الأسواق العالمية، وأن كل ذلك يهدد رفاه الشعب المصري!! وهذا يعني بصريح العبارة أن تبقى أراضي السودان غير مستغلة بالطرق الأحدث، والأكفأ، وأنَّ على شعب السودان أن يبقى في الفقر، وفي أساليب الزراعة المطرية، الموسمية، جادت السماء بالغيث، أم لم تجد به! فالأولوية في الرفاه إنما هي للشعب المصري، في المقام الأول!!

الشاهد، أن السودان، وأهل السودان لم يمثلوا في الوجدان المصري امتداداً طبيعياً لمصر وشعبها، كما هو الزعم المعلن. وإنما ظل السودان، ولا يزال، ولن ينفك، بالنسبة للوعي المصري مجرد "فضاءٍ" يسكنه شعبٌ لا يستحق ذلك "الفضاء". ومن ثَمَّ، لابد من استغلال ذلك "الفضاء" لمصلحة مصر. مثَّلَ السودان على الدوام، بالنسبة لمصر، الحل السحري لمشكلتي الانفجار السكاني والغذاء. وكل ما تفوَّه به المصريون من سياسيين، ومفكرين، وكتاب، وأدباء، وفنانين، في شأن العلاقة مع السودان، ظل يدل، على الدوام علي تصوِّرٍ فوقي يأتي من جانبٍ واحد. ملخص ذلك التصور أن حل مشاكل مصر ينبغي أن يتم على حساب السودانيين، وليس في إطار نظرةٍ تشاركيةٍ، تعاونية، صادقةٍ، تضع السودان، والسودانيين، على قدم المساواة مع مصر والمصريين!!

يتواصل

((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

أواصل عرض مقتطفات عن سلوك المصريين تجاه السودان
من مسلسلتي الصحفية "عبد الرحمن علي طه: كف أقصى الملتوون المستقيمين"

الصاغ صلاح سالم:
للتعريف بالصاغ "المثير للجدل" صلاح سالم، لمن عساهم يحتاجون التعريف به من الأجيال السودانية الجديدة، نقول إنه أحد ضباط حركة 23 يوليو التي أتت بالرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر في العام 1952م. وقد أسندت إليه حكومة الثورة في مصر ملف السودان، لكونه الملف الأكثر تعقيداً في المباحثات التي سبقت خروج كل من مصر والسودان من الهيمنة البريطانية. ولقد تم إسناد ملف السودان إلى الصاغ صلاح سالم لأنه مولودٌ في السودان، وعاش طفولته وشبابه فيه. فهو، حسب تقدير المصريين، الشخص الأنسب من بين أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو ووزرائها لتولي ملف السودان، لكونه الأكثر معرفةً بالسودان والسودانيين. عُرف الصاغ صلاح سالم بجولاته المكوكية بين القاهرة والخرطوم في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي. فقد شهدت تلك الفترة نشاطاً مصرياً محموماً استهدف ألا يقرر السودانيون مصيرهم بمعزل عن مصر، وأن يقبلوا الاتحاد معها. وقد نجح المصريون في استمالة كثيرٍ من القيادات الاتحادية إلى جانبهم، خاصة تلك التي اشترت منهم شعار "وحدة وادي النيل" وآمنت به واعتنقته. غير أن جهود الصاغ صلاح سالم في إبقاء السودان تحت الهيمنة المصرية باءت بالفشل، في نهاية الأمر. فقد نفر السودانيون من أسلوبه الذي اعتمد فيه على سلاح "الرشوة". غير أن الصاغ حقق وعيده لعبد الرحمن علي طه، أقوى صوتٍ استقلالي عرفه المصريون في السودان. فقد تمكن الصاغ صلاح سالم ومعه حلفاؤه من الاتحاديين من إغراق دائرة المسلمية بالأموال ومن ثم إسقاط عبد الرحمن علي طه في أول انتخابات برلمانية تجري في البلاد.

روى الأستاذ محمد خير البدوي طرفاً من أنشطة الصاغ صلاح سالم في السودان قائلاً: ((شهدت تلك الفترة حملةً مصريةً جارفة من الدعاية لوحدة وادي النيل والحزب الوطني الاتحادي أشرفت على تمويلها المؤسسات المصرية العاملة داخل السودان: مكتب الخبير الاقتصادي والبعثة التعليمية والمفتش العام للري المصري وقائد القوات المصرية في الخرطوم ... ووراء كل هذه المؤسسات الصاغ صلاح سالم الذي تتالت زياراته إلى السودان حتى كادت الخرطوم أن تصبح مقراً دائما له بدلاً من القاهرة. كان يأتي في صحبة عدد من المسئولين والسياسيين المصريين بالإضافة إلى بعض السودانيين)). ويقول الأستاذ محمد خير البدوي عن الصاغ صلاح سالم إنه ((مقامرٌ مدمن))!!، وأن ((حظه على المائدة الخضراء لم يكن بأحسن من حظه في معترك السياسة))!! ويقدم لنا الأستاذ محمد خير البدوي شهادة شديدة الأهمية عن أنشطة الصاغ صلاح سالم الاجتماعية مع بعض نخب تلك الحقبة من السودانيين، قائلاً: ((كنت شاهد عيان على زيارات الصاغ صلاح سالم إذ كثيراً ما أذهب مع العم (.......) لاستقباله في مطار وادي سيدنا ونصطحبه من هناك إلى منزل العم (........) في حي العرضة بأم درمان حيث يجد الصاغ المائدة الخضراء عامرةً في انتظاره فيأمر مدير مكتبه "أبو نار" بفتح واحدةٍ من الحقائب الحديدية التي أحضرها معه ووضْعِ محتوياتها أمامه على المائدة دفعةً واحدة أو على أقساط حسب ما يمليه سير اللعب كسباً أو خسارة))!! (محمد خير البدوي، قطار العمر في أدب المؤانسة والمجالسة، مصدر سابق، ص 298، 299). هكذا كان يأتي صلاح سالم إلى السودان، من مطار وادي سيدنا إلى حي العرضة بأم درمان مباشرةً، للعب القمار ولعرض النقود الوفيرة التي يجيء محملاً بها على أعين السودانيين الذين كانوا يتهيأون لحظتها لاستقلال بلادهم!!

توثيق بشير محمد سعيد ومنصور خالد:
أورد الدكتور، منصور منصور خالد طرفاً من مذكرات عبد اللطيف البغدادي، التي ذكر فيها أنه استمع إلى شهادة بعض المصريين العاملين في السودان، فيما يخص دخول أموال مصرية للتأثير على مجريات الانتخابات السودانية التي جرت في العام 1953م. وكان صاحب إحدى الشهادات التي استمع إليها البغدادي هو مدير الري المصري، وكانت صاحب الشهادة الأخرى صحفي مصري كان في زيارةٍ للسودان. ذكر البغدادي، أن الانطباع الذي خرج به من الاستماع إلى هذين الشخصين، أن ما قام به الصاغ صلاح سالم قد أضر بسمعة مصر، وأثار الشكوك حول الأحزاب الاتحادية. وقد أورد الدكتور منصور خالد، أيضا، أن محاكمة جريدة "الناس" الأسبوعية، التي تم رفع دعوى ضدها في قضية نشر، وتولى فيها الدفاع عنها الأستاذان، محمد أحمد محجوب، ومحمد إبراهيم خليل، قد شهدت إقراراً من شاهدي دفاعٍ عرضا عليها هما: خلف الله خالد، وميرغني حمزة. وقد جاء في إقرارهما أن حزبهما، "الوطني الاتحادي"، تسلم أموالاً من صلاح سالم، ومحمد أبو نار. (منصور خالد، السودان أهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين، دار تراث، لندن، 2003م، ص 187). أيضاً علق الأستاذ بشير محمد سعيد، رئيس تحرير صحيفة الأيام، على فوز عبد الرحمن علي طه في دائرة المسلمية في انتخابات م1958، بعد أن خسرها أمام حماد توفيق في العام 1953م، بقوله: ((ويلذ لي هنا أن أذكر أن السيد عبد الرحمن علي طه ما كان ليفقد دائرته المسلمية في انتخابات عام 1953م لولا أن حكومة مصر في ذلك الوقت قد سخرت كل إمكانياتها لإسقاطه ....... أرسلت الدرديري أحمد إسماعيل واليوزباشي أبو نار وغيرهما لشراء الذمم والضمائر وإفساد الناخبين وأنفقت مصر عشرات الألوف من الجنيهات لإسقاط عبد الرحمن علي طه))، فدوى عبد الرحمن علي طه، مصدر سابق، ص 320- 321.

في العام 1946م سافر وفد الأحزاب السودانية للمشاركة في المحادثات البريطانية المصرية بشأن مصير السودان. وحين وصل الوفد إلى القاهرة، وقد كان بقيادة السيد إسماعيل الأزهري، أصدر حال وصوله بياناً، ذكر فيه أن الوفد إنما جاء ليكون طرفاً في المحادثات البريطانية المصرية، وأنه جاء ليطالب بإنهاء الوجود الأجنبي في السودان. والذي ذكره الوفد في بيانه ذاك كان هو التفويض الجماهيري الذي ذهب به الوفد إلى القاهرة. أزعج ذلك التصريح المصريين إزعاجاً شديداً. ورفضت كل الأحزاب المصرية إشراك الوفد السوداني في المفاوضات، باستثناء حزب الإخوان المسلمين. وتعرض الوفد جراء ذلك التصريح إلى ضغوطٍ مصريةٍ رهيبة. ويؤكد الأستاذ محمد خير البدوي، الذي ذكر أنه كان وقتها في السودان، يقرأ الصحف المصرية التي ترد إلى الخرطوم، ويتلقى رسائل عن سير الأمور في القاهرة، من أصدقائه الذين رافقوا الوفد، أن الوفد تعرض لضغوطٍ مصريةٍ شديدة. كتب الأستاذ محمد خير البدوي عن تلك الأحداث قائلاً: ((استجاب الوفد السوداني للضغوط فأصدر بياناً زعم أنه تفسيرٌ لما ورد في بيانه الأول، لكنه في الواقع اعتذارٌ وإلغاءٌ صريحٌ لدوره. كان من الطبيعي أن يلقي البيان قبولاً في الأوساط المصرية، لكنه من ناحيةٍ أخرى، أفضى إلى انسحاب حزب الأمة من الوفد، ولحق به بعد قليلٍ حزبا الأحرار والقوميين))، (محمد خير البدوي، قطار العمر في أدب المؤانسة والمجالسة، مصدر سابق، ص 116). وعن نفس واقعة انسحاب حزب الأمة من ذلك الوفد ومعه حزبا الأحرار والقوميين، كتب عبد الرحمن علي طه ما نصه: ((لم يقبل الاستقلاليون بالطبع هذا الإملاء العجيب والتحدي الساخر فعادوا أدراجهم إلى السودان، وبقي من بقي من الأحزاب الأخرى بالقاهرة)). (عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، طمعٌ فوثبةٌ فجهاد، مصدر سابق، ص 34 ).

لم يكن عدم الرضا عن الأزهري وبقية الاتحاديين حصراً على كتلة الاستقلاليين وحدها، وإنما كان هناك عدم رضا من تغيير الوفد لخطه الذي تم رسمه له في الخرطوم، وتم إيفاده على أساسه، من كتلة الاتحاديين نفسها. فقد أورد الأستاذ محمد خير البدوي، في كتابه "قطار العمر" الذي سبق ذكره، طرفاً من رسالة بعثها من القاهرة عضو وفد الأحزاب السودانية، الأستاذ أحمد خير المحامي إلى إبراهيم يوسف سليمان. في تلك الرسالة، كتب أحمد خير ما نصه: ((إن وفدكم الذي جاء إلى القاهرة لتحقيق الحرية للسودان مصحوباً بمباركة الشعب وتأييده المطلق، أصبحَ وفدَ ولاءٍ لمصر والجالس على عرشها، كما أصبحت وثيقة الأحزاب التي أُؤتمن عليها سِفْرَ ولاءٍ للفاروق ملك مصر والسودان))، (محمد خير البدوي، قطار العمر، مصدر سابق، ص 118).
الأزهري يصحب صدقي إلى لندن!!

فشلت المفاوضات البريطانية المصرية، التي كان على رأسها من الجانب المصري رئيس الوزراء إسماعيل صدقي، ومن الجانب البريطاني اللورد ستانسغيت. ويقول الأستاذ محمد خير البدوي: ((تمسك المفاوض المصري بالسيادة المصرية على السودان الذي لا يمكن، كما قال إسماعيل صبري، أن يشكل وحده كياناً سياسياً قائماً بذاته، وإنما ينبغي أن يكون تابعاً لدولةٍ ثابتة الأركان كمصر الحريصة على رفاهية أهله. ومن ناحية أخرى رفض المفاوض البريطاني قبول سيادة مصر على السودان، وبالتالي وحدة وادي النيل لتعارضها مع حق تقرير مصير السودان)). (محمد خير البدوي، المصدر السابق، ص 118،119). وبعد أن تعثرت مفاوضات القاهرة، لم يجد إسماعيل صدقي مناصاً من التوجه إلى لندن للتفاوض مع آرنست بيفن، وزير الخارجية البريطانية آنذاك للفوز بالسيادة على السودان. وبشر صدقي المصريين قبيل مغادرته القاهرة، قائلاً إنه سيعود وفي جيبه السيادة على السودان!! وتوصل صدقي بالفعل إلى اتفاقٍ فضفاضٍ مع البريطانيين، جعله يحس بأنه حقق لمصر أهدافها في السودان، الأمر الذي حدا به لأن يبرق القاهرة من لندن، مبشراً المصريين بأن تاج مصر قد ازدان بدرةٍ جديدةٍ، وإن ملك مصر قد عاد إلى حدوده التاريخية الطبيعية!! وما يهمنا تسليط الضوء عليه هنا هو أن السيد إسماعيل الأزهري، الذي صحب صدقي في رحلته تلك إلى بريطانيا، رحب بتلك الاتفاقية التي عُرفت باتفاقية صدقي بيفن. وهي، وفقاً لرؤية مفاوضها الأول إسماعيل صدقي، اتفاقيةٌ أعادت ملك مصر إلى حدوده الطبيعية!! أما في السودان فقد رحب بتلك الاتفاقية ترحيباً حاراً السيد يحي الفضلي، بل قام بتحريض طلبة كلية غوردون على الخروج في تظاهرةٍ ابتهاجاً بتحقيق وحدة وادي النيل!!

موقف السيد إسماعيل الأزهري الذي خالف بموجبه التفويض الذي غادر به وفده الخرطوم إلى القاهرة، ووقوعه في يد المصريين على ذلك النحو، لم يكن في حقيقته أمراً مفاجئاً. ففي الفترة التي تولى فيها السيد إسماعيل الأزهري رئاسة مؤتمر الخريجين، أرسل عدة خطابات تحمل توقيعه، إلى حكومتي مصر وبريطانيا، وإلى حاكم عام السودان. في تلك الخطابات تكررت عبارة: ((قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري))!! ويؤكد ما قلته هنا، ما ذكره الأستاذ محمد خير البدوي في كتابه "قطار العمر" المشار إليه، وذلك حيث قال متحدثاً عن تجربة وفد الأزهري إلى القاهرة في العام 1946م: ((في هذه المرحلة لم يكن ثمة جدالٍ في أن إسماعيل الأزهري ومن ورائه حزب الأشقاء، كان مؤمناً بوحدة وادي النيل إلى حدٍّ أصبح فيه أداةً في يد السياسيين المصريين يديرونها كما يشاءون للضغط على بريطانيا. وتكشف كل تصريحات الأزهري آنذاك عن إنكاره حق تقرير المصير للسودان باعتباره قضيةً محسومةً تاريخياً وعرقياً وجغرافياً)). وينفي محمد خير البدوي أن اعتناق إسماعيل الأزهري لمبدأ وحدة وادي النيل كان اعتناقاً تكتيكياً مرحلياً، مؤكداً أنه كان عقيدةً راسخةً لدى الأزهري، ظل مؤمناً بها أشد الإيمان. يقول محمد خير البدوي: ((ولا أعتقد أن الأمر كان مجرد سياسة مرحلية في الطريق إلى الاستقلال التام كما يتوهم الكثيرون. وإنما كان إيماناً راسخاً لا نفاق فيه ولا خداع. ومن هنا يمكن القول بأن اعتناق إسماعيل الأزهري لمبدأ الاستقلال بعد سنوات كان تحولاً ظاهراً في فكره وعقيدته. وهذا ما حدث لسائر دعاة وحدة وادي النيل دون استثناء. ولا أعرف سبباً لذلك غير إرادة الشعب)). ويواصل البدوي قائلاً: ((فليس في الخضوع لإرادة الشعب ما يعيب إسماعيل الأزهري أو ينتقص من قدره بل إنه أكرم له مما يُساق من مبررات أخرى))، (محمد خير البدوي، قطار العمر، مصدر سابق، ص 123).
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

سلام للجميع.. وكل سنة وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى
وشكرًا لكل من تداخل أو نوى أن يتداخل!

متعة هذا الخيط أنه يأتي على طريقة إجابة الطالب الذكي في امتحان التاريخ: للحديث عن سياسة بسمارك الخارجية، لابد أن نتحدث عن سياسته الداخلية! وها نحن الآن: للحديث عن علاقتنا بالجارة أثيوبيا، لابد أن نتحدث عن محنتنا لكوننا جيران لمصر!

وقبل أن نأتي إلى تقريرية حاتم إلياس الطويلة، أعلاه، التي قال فيها: "ظل الأشكال الأساسي أو العُقده الحقيقة تجاه مصر هى عقدة تلك النشأة اللاحقه والحديثة لهذه الطبقة فى مقابل طبقة مصرية قديمة الصله بالعالم وبالحضاره فى مفهوم التحضر البرجوازي...) قبل أن أعود إليها اسمحوا لي بإيراد الجزء الثاني من مقالة للدكتور عبد الله علي إبراهيم، قلت في المرة السابقة إنني وجدتها منشورة في مجلة الخرطوم، العدد الثالث، 1993- 1414هـ، ورأيت أن أنقلها هنا لتوسيع المناقشة، وهي مليئة بما هو مفيد لهذا الخيط الذي انفتح.

النص

لقد رأينا كيف نفى عبد العظيم أن يكون الفتح المصري للسودان استعماراً عاديًا تديره طبقة رأسمالية أجنبية غايتها استنزاف موارد الشعب الذي تخضعه لحكمها. وقد رتب عبد العظيم حجته في مفارقة الفتح المصري للاستعمار العادي، على اعتبارات لم تجد قبولًا من مناقشيه من السودانيين. قال عبد العظيم إن ذلك الفتح جرى في ملابسات كان السودان فيها مفككاً ناقصاً في شعوره القومي الذي لم ينهض على دولة مركزية. وبناءً عليه، كان الفتح المصري استكمالًا عضويًا للحدود الطبيعية للدولة المصرية. وهذه الحدود قائمة في الحوار التاريخي للسودان ومصر، وفي شيوع الفكرة الإسلامية للبلدين، وفي استغلالها لها معًا بواسطة طبقة حاكمة واحدة. (29)

جاء مناقشو عبد العظيم باعتراضات كثيرة على تفسيره للفتح المصري للسودان على ضوء نقص الشعور القومي في السودان وغياب الدولة السودانية المركزية.. ففي سياق المماثلة (التي هي خصيصة هامة في "دفع الإفتراء" كجنس خطابي) كان من رأي كاتب أن نقص الشعور القومي في مصر ذاتها لم يمنع المصريين من وصف قدوم العثمانيين إليهم كغزو (30)، كما قال آخر إن طلب جماعة من الحكام السودانيين الخاسرين عروشهم في ملابسات محلية على فتح السودان لا تضفي أي شرعية على ذلك الفتح والتملك المترتب عليه. فإذا آمنا أن السودانيين قد طلبوا قدوم محمد علي فلماذا قاوموه طويلًا وثارت ثائرة المهدية على دولته. ومن رأي هذا الكاتب أننا ربما انتهينا إلى وصف المهدية وبؤرة الوطنية السودانية بالتمرد كما فعل مؤرخ مصري سابق، إذا أسبغنا أي مشروعية على فتح محمد علي للسودان (31). فليس للفتح مشروعية في مبتداه ولم يكتسب تلك الشرعية بالأيادي البيضاء التي تنسب له في السودان من مثل بناء دولة ممركزة أو بأوجه العمران والعناية المختلفة التي أولاها السودان والتي فصلها عبد العظيم في مقاله الآخر بمجلة الوادي (32). ومن رأي هذا الكاتب أيضًا أن عمومية الفكرة الإسلامية لا تضيف أي شرعية على فتح محمد علي لأن ملك دولة المسبعات كتب إلى الدفتردار، القائد الذي بعثه محمد علي لفتح إقليم كردفان، يستنكر أن يغزو مسلم بلدًا للمسلمين لحجة الشريعة.
يتبع...
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

الأخ العزيز يوسف حمد

أنت رجل صاحب لغه فخيمه وجميله لاشك فى ذلك وتطربني كثيراً فى نواحي التأمل , فالتأمل فسيح للغايه ترتع اللغة (الشبعانة) فيه وتقفز من سهل الى سهل خلف غواية الكتابة, وهى غوايه نستعذبها ونحبها كثيراً , لكن ياحبيب المسألة ليست اقاصيص وأدب فحسب فى مستويات النظر لمتنها أى متن هذه الغواية المفخخة بالطرب وبياليل ياليلى هوي فخلف ذلك ووراءه يكمن سعي خفي لأشاعة البداهة وتقليم أظافرالأسئلة. وشوف هسع أنت بشطارتك دي كلها لم تجد فى قولي هذا سوى السهل من قصص المدارس السودانية ونكات فسحة الفطور..لاياعزيزي الماركسي المعهدي.
فقد جئت بمقولتي هنا لتقارنها بماكتب د. عبدالله علي ابراهيم ود. عبدالله علي ابراهيم صاحب مساهمة مهمة وكبيره لاشك فى ذلك ود. النور حمد وغيرهم الأساتذة الأجلاء لكن أرجو أن لاتهون من قدر ماسقته هنا حول عقدة النشاة المتأخره للبرجوازية الطرفيه السودانية (الأفندية)من النشأة القديمة للطبقة البرجوازية المصرية التى برزت منذ حركة التحديث التى قام بهامحمد علي باشاوكان طموحها أن تكون بمستوى الطبقة البرجوازية الأوربية لكن كما تعلم أن الرغبات وحدها لاتكفي أمام القوانين الموضوعية التى تحكم السياق فى ظرفه التاريخي فالعائق اصلاً عائق بنيوي (راجع مهدي عامل فى نشأة الطبقة الوسطى فى لبنان ومصر كتاب مقدمات نظرية )
لذادعني اقول لك أن دكتور عبدالله على ابراهيم له مايقدمه من طيب الفكر وشهي الأطباق فى هذه المائده ولكم تتبعنا اثره بحب فى جهات كثيره ود. النور حمد كذلك , لكن كمان ماتستهين ببليلة حاتم الياس دي ياخ مع المسبك والفراخ والثريد وكل(عضات) سادتنا الأفاضل هؤلاء...عندها برضو حقوق الطبخ والتعب

سأعود حتماً لهذا الحوار
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

عزيزي حاتم إلياس
معاذ الله يا أنيس الروح.. لا أجد في نفسي ما يحملني على الاستهانة بتفاكيرك، بل بالعكس، أنا شديد الفرح بما تنشره. وأرجو ألا تتوقف؛ فأنت مهم لهذا الخيط!! هيا يا صديقي
صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »


أواصل تبيين بعض من فصول مسلك المصريين تجاه استقلال السودان

مسلك المصريين تجاه السيد عبد الرحمن:

بروتوكول صدقي بيفن الفضفاض الذي رأى المصريون فيها نصراً لهم لكونه قد جعل التاج المصري، يزدان بدرةٍ جديدة، ولكونه قد أعاد ملك مصر إلى حدوده القديمة، حسب تعبير رئيس الوزراء المصري، إسماعيل صدقي، أثار ثائرة الاستقلاليين في السودان. يقول عبد الرحمن علي طه، في كتابه "السودان للسودانيين" إن السيد عبد الرحمن المهدي أرسل برقية إلى رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي، على أثر بروتوكول صدقي بيفن، يعرب فيها عن نيته زيارة مصر لمقابلة الحكومة المصرية لكي يتباحث معها حول مسألة السودان. وأخبر السيد عبد الرحمن المهدي المصريين في تلك البرقية، أنه سوف يذهب إلى انجلترا لنفس الغرض، أيضاً. غير أن الحكومة المصرية تجاهلت برقيته. لاذت حكومة صدقي بالصمت، ولم ترد على السيد عبد الرحمن المهدي بالطرق الدبلوماسية المتبعة التي يلجأ إليها الدبلوماسيون عادة في أحوال الرفض.

وصل السيد عبد الرحمن المهدي إلى القاهرة، ونزل بأحد فنادقها، غير أن المصريين تجاهلوه. ولم يأت لمقابلته أحد، لا إسماعيل صدقي شخصياً، ولا أي فرد آخر من أفراد حكومته. بل شنت عليه الصحافة المصرية حملةً شعواء، ونعتته بشتى النعوت، وكالت له السباب والشتائم. وذهبت إحدى هذه الصحف إلى القول، إن الإمام عبد الرحمن يجب أن يٌحكم عليه بالإعدام بوصفه ثائراً متمرداً على التاج المصري!! (عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، مصدر سابق، ص 39). وقد أورد عبد الرحمن علي طه في كتابه المذكور أعلاه، المقتطف التالي مما كتبته إحدى الصحف المصرية: ((أكد لنا مصدر كبير جداً أن الثائر عبد الرحمن المهدي كان على وشك أن يصل إلى مصر في أوائل هذا الصيف الذي انتهى، لتقديم خضوعه للتاج المصري الذي جعله "باشا" وأضفى عليه نعمة مما جعله يرفل في جاهٍ عريض ..... ولكن الاستعمار الإنجليزي أشار إليه بإصبعه أن يلزم مكانه فلزمه))، ( السودان للسودانيين، ص 40).

صادف وجود السيد عبد الرحمن المهدي في القاهرة، وجود السير هيوبرت هدلستون حاكم عام السودان، الذي وصل إليها وهو في طريق عودته إلى الخرطوم عائدا من لندن. زار السير هدلستون السيد عبد الرحمن المهدي في الفندق في القاهرة، وأخبره أنه سيجد ترحيباً من الحكومة البريطانية. كما شكره أيضاً على ما قام به من تهدئة لثورة الجماهير في السودان، عقب إعلان المصريين اتفاقية صدقي بيفن. ومن أهم النقاط التي أبرزها السيد عبد الرحمن المهدي للمستر إتلي بمقر الحكومة البريطانية، عقب وصوله إلى لندن، تذكيره بتلميح البريطانيين للسودانيين بمنحهم حق تقرير المصير، لوقوف السودانيين معهم في الحرب العالمية الثانية. وقال السيد عبد الرحمن المهدي للمستر إتلي أنه لم يطلع على مقررات لقاء صدقي بيفن باستثناء الجانب الذي أذاعه منها صدقي، حين اندفع في تبشير المصريين بحصولهم على السيادة على السودان. وذكر السيد عبد الرحمن أيضاً أن ما ذكره صدقي أثار ثائرة السودانيين، لكونه أوضح أن مصر لا تقر للسودانيين بحق تقرير المصير، وإنما تقر لهم فقط بالحكم الذاتي، تحت التاج المصري. وذكر السيد عبد الرحمن للمستر إتلي أنه لولا تصريحه في مجلس العموم البريطاني، الذي قال فيه إن تصريحات صدقي غير حقيقية وأنها مضللة، لما أمكن تهدئة خواطر السودانيين.

غير أن للأستاذ محمد خير البدوي رأي مغاير، وقد صاغه على النحو الآتي: ((ويجب أن أذكر للحقيقة والتاريخ أن موقف الاستقلاليين وحزب الاتحاديين ما كان ليؤدي وحده لسقوط مشروع صدقي بيفن، وإنما كان هنالك أيضاً الموقف المتشدد الذي اتخذه الإداريون البريطانيون في السودان ضد الحكومة البريطانية، إذ وصلوا في رفضهم حداً هدد فيه الحاكم العام سير هيوبرت هيدلستون وعدد من كبار أعوانه بالاستقالة من مناصبهم، ما لم تؤكد بريطانيا تمسكها بحق السودانيين في تقرير مصيرهم))، (محمد خير البدوي، قطار العمر في أدب المؤانسة والمجالسة، ص 121). غير أنه يمكن القول أيضاً إن البريطانيين لم يتنكروا لتلميحهم للسودانيين، بمنحهم حق تقرير المصير عقب نهاية الحرب، ولا يبدو أنه كان نيتهم التنكر لذلك التلميح. هذا، وإن أمكن القول إن البريطانيين لم يكونوا يتوقعون الخروج من السودان بالسرعة التي حدثت. فما جرى في محادثات صدقي بيفن التي جعلت صدقي يبشر المصريين بالحصول على السيادة على السودان، لم يكن في تقديري سوى عثرة بريطانية عارضة، سرعان ما صححها البريطانيون. ويمكن أن أضيف إلى ذلك أيضاً، أن العالم برمته قد كانت متجهاً في ذلك المنعطف التاريخي إلى منح الشعوب حق تقرير مصيرها. فالحرب على الفاشية والنازية، وانتصار الديمقراطية على النازية والفاشية جعل الدول الغربية التي لها مستعمرات في موقف حرج. ولم يكن لهذه الدول من مخرج سوى أن تشرع في إخلاء مستعمراتها والبحث عن سبيل آخر للإبقاء على مصالحها في تلك المستعمرات، مستخدمةً وسيلة أخرى غير وسيلة الاحتلال العسكري، والسيطرة الإدارية المباشرة. وبالفعل تخلت انجلترا في العام 1948م عن الهند التي كانت تمثل أكبر وأهم مستعمرة للتاج البريطاني في العالم، وأخذت الشعوب المستعمَرة تخرج من ربقة الاستعمار، واحدةً تلو الأخرى.

محاولة مصر فرض سيادتها على السودان:

نتيجة لتداعي الأمور في وجهة نيل السودان لاستقلاله التام، حاول المصريون فرض السيادة على السودان من جانبٍ واحد، دون أخذ رأي السودانيين. فبعد أن يئس المصريون من المفاوضات وأحسوا بأنها لن تُفضي إلى تحقيق أغراضهم لجأوا إلى جعل أئمة المساجد يدعون للملك فاروق عقب الصلاة في مساجد السودان. غير أن أعضاء المجلس التنفيذي من السودانيين احتجوا على ذلك الاتجاه. كما كتبت سكرتارية حزب الأمة خطاباً إلى السكرتير الإداري، ممهوراً بتوقيع السيد أمين التوم، السكرتير العام لحزب الأمة، في 4 أغسطس 1950م، تلخص في تحذير السكرتير الإداري من السماح بالدعاء للملك فاروق من منابر مساجد السودان. وجاء في الخطاب أن الدعاء لملك مصر من منابر المساجد السودانية، يعني الإيحاء للمصلين من السودانيين أن السيادة المصرية على السودان أمر واقع قائم. وذكَّر الخطاب السكرتير الإداري أن حكومة السودان سبق أن منعت هذا الدعاء منذ أكثر من عشرين عاماً، من تاريخه، لنفس السبب.

عقب ذلك قفز ساسة مصر قفزةً كبيرةً أخرى في الظلام، فقرروا إلغاء اتفاقية 1899م، ومعاهدة 1936م، وقرروا تقنين فرض التاج المصري على السودانيين دون استشارتهم. فصدر القانون رقم 176 لسنة 1951م بتعديل المادتين 159 و 160 من الدستور. وأعلن فاروق ملك مصر، في 16 أكتوبر 1951م ما نصه: ((تلغى المادة 159 من الدستور، ويستعاض عنها بالنص التالي: "تجري أحكام هذا الدستور على المملكة المصرية جميعها، ومع أن مصر والسودان وطن واحد، يقرر نظام الحكم في السودان بقانون خاص")). وورد في ما جرى تقريره أيضاً: ((تلغى المادة 160 من الدستور ويستعاض عنها بالنص التالي: "الملك يُلَقَّب بملك مصر والسودان")). غير أن الجمعية التشريعية السودانية رفضت ما حاولته حكومة رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس من فرضٍ للسيادة المصرية على السودان. فتقدم عضوها السيد ميرغني حسين زاكي الدين باقتراح يستنكر تلك الخطوة المصرية، أحادية الجانب، وقد فاز ذلك الاقتراح بأغلبية ساحقة.

((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

إمعانًا في تشبيك الخيوط، اخترت لكم هذه المقالة

السعودية تسعى للسيطرة على نهر النيل


مقالة رأي*

هذا المقال جزء من "سارقو المياه: الاندفاع العالمي على المياه العذبة"، ملف خاص عن المياه العذبة بواسطة ناشيونال جيوجرافيكس لمناقشة كيف يمثل الاستيلاء على الأراضي – والمياه – من الفقراء والحكومات اليائسة والأجيال القادمة، خطرًا على الأمن الغذائي والموارد البيئية والثقافات المحلية.

تظهر الأبقار في الأفق كسراب. إذا قدت سيارتك حوالي مائة ميل (١٦٠ كم) خلال الصحراء العربية جنوب شرق الرياض، فإنك سوف تمر بواحدةٍ من أكبر قطعان الأبقار الحلوب في العالم. فنحو أربعين ألفًا من الأبقار الفريزيان تعيش في أحد أكثر المناطق جفافًا على وجه الأرض، بدرجات حرارةٍ تصل عادةً إلى ١١٠ درجة فهرنهايت (٤٣ درجة مئوية).

تعيش الأبقار في ست حظائرٍ عملاقة مكيفة الهواء، يكتنفها الضباب الذي يبقيها باردة. وتضخ نحو ٥٣ مليون جالون (مائتي مليون لتر) من اللبن في العام الواحد، وهو ما يملأ الطريق السريع بدفق متصل من الشاحنات.

مرحبًا في "الصافي"، أحد أكبر وأغرب مزارع الألبان في العالم؛ أنشأها الأمير الراحل عبدالله الفيصل، الابن الأكبر للملك فيصل، الذي حكم السعودية في الفترة بين 1964 و1975. وهي ليست الوحيدة في واحدة من أكبر مناطق الرمال في العالم، أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة تكساس. فعلى الطريق إلى الجنوب، هناك مزرعة ألبان "المراعي"، في نفس حجم "الصافي" تقريبًا، أسسها أمير سعودي كان مهتمًا بتربية الخيول الأصيلة مع صديقه الأيرلندي، قطب صناعة الألبان "ألاستير ماكجيكان.


إذا حلّق أي شخص فوق المملكة العربية السعودية اليوم، فإنه سيرى الصحراء المكتظة بمراعي الأبقار والدوائر الضخمة من اللون الأخضر، حيث تتزايد المحاصيل التي تطعم كلا من الأبقار والسعوديين. ولا تأتي المياه التي تسقي تلك الحقول، وتبرد الأبقار، من الأنهار، فلا توجد أنهار هناك. وإنما تأتي مما كان يوما أكبر مخزونات المياه الجوفية في العالم. فعلى عمق يتجاوز الميل تحت الرمال، قبعت المياه، منذ عشرات الآلاف من الأعوام، خلال العصر الجليدي الأخير، حين كانت الأمطار تهطل على الجزيرة العربية.

اعتاد مشايخ المملكة العربية السعودية على زراعة الصحراء على هذا النحو منذ ثلاثين عامًا، وأنفقوا مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط لتحقيق حلمهم بالاكتفاء الذاتي من الغذاء. وكانت الحكومة السعودية تدفع للمزارعين خمسة أضعاف السعر العالمي للقمح، ولا تتقاضى شيئًا عن المياه، وتوفر الكهرباء اللازمة لضخ المياه إلى السطح مجانا تقريبا. لقد تم تحصيل ثروات مع انتشار المساحات الخضراء في الصحراء، ورعي الأبقار في الحظائر الممتلئة بالضباب.

ولكن الآن، يتم تعطيل العديد من المضخات وتغلق الكثير من الصنابير. وتقول الحكومة السعودية أن إنتاج القمح يجب أن يتوقف بحلول عام ٢٠١٦، وربما يتم التخلي عن حظائر الأبقار المبردة بالمياه بعد فترة وجيزة.

فالمياه تنفذ.


عندما بدأت الزراعة، قبل أربعين عاما، كانت هناك كميات هائلة من المياه تحت الصحراء السعودية، تقدر بحوالي مائة وعشرين ميلا مكعبا (خمسمائة كيلومتر مكعب)، وهو ما يكفي ليملأ بحيرة إيري. ولكن في السنوات الأخيرة، بلغت كمية المياه التي يتم ضخها سنويا لاستخدام المزارع خمسة ميلات مكعبة (عشرين كيلومتر مكعب). وعمليا لا يتم تعويض أيٍ من ذلك بمياه الأمطار، بسبب عدم هطول أمطار كافية.

ووفقًا لمعدلات استخراج المياه الجوفية، التي تم تفصيلها في ورقة بحثية صدرت عام ٢٠٠٤ عن جامعة لندن، فإن السعوديين كانوا على وشك استنفاذ أربعمائة كيلومتر مكعب على الأقل من مياههم الجوفية بحلول عام ٢٠٠٨. ولذلك يقدر الخبراء أن أربعة أخماس مياه السعوديين "الجوفية" قد نفذت بالفعل. لقد تم استنفاذ إحدى أعظم وأقدم موارد كوكب الأرض من المياه العذبة، في إحدى أشد مناطقه حرارة وأكثرها جفافا، خلال ما يزيد قليلا عن جيل واحد.

وبالتزامن مع ضخ المياه الجوفية للأغراض الزراعية، فقد اعتادت السعودية لفترة طويلة على تحلية مياه البحار لتوفر مياه الشرب. إلا أنه حتى بالنسبة للأغنياء من السعوديين، وبتكلفة تقدر بنحو دولار لكل 35 قدم مكعب (متر مكعب واحد)، فإن العملية كثيفة الاستهلاك للطاقة تعد باهظة الثمن لتستخدم في الحصول على مياه الري.

ولكن السعوديين لم يتخلوا عن حلمهم بزراعة ما يكفيهم من الغذاء. وإذا لم يعودوا يمتلكون مياههم الخاصة، فإنهم يتطلعون لمياه الغير، فهم الآن يجوبون العالم بحثا عن أراضٍ غنية بالمياه حيث يستطيع مزارعو الصحراء السعوديون الذهاب إليها لزراعة القمح والأرز وغيرها من المحاصيل التي من الممكن أن يتم شحنها للوطن. ولكن هل ستتسبب أفعالهم هذه في مأساة أخرى؟ مأساة إنسانية، هذه المرة، بقدر ما هي مائية أيضا؟

الاستيلاء على منابع النيل؟

كي أكتشف الأمر، سافرت في منتصف ٢٠١١ حوالي ١٥٠٠ ميل (٢٤٠٠ كم) جنوبي الرياض، لأعبر البحر الأحمر، وألتقي ببعض الأفارقة الفقراء الذين يقولون أنهم يدفعون ثمن الحلم السعودي. فهم يعيشون في غامبيلا، أفقر مناطق إثيوبيا، على منابع نهر النيل، أطول أنهار العالم. غامبيلا هي إحدى مناطق (كيليلوتش) إثيوبيا التسعة، التي تأخذ شكل قرن يخترق جنوب السودان. (انظر خريطة المنطقة.)

فهنا، وسط المراعي والغابات المطيرة، يبدو أن الاضطرابات قادمةٌ لا محالة. إذ يقول السكان المحليون أن السعوديين يريدون مياههم.

لقد التقيت بأوموت أوتشان، أحد الأعضاء الطوال وداكني البشرة في قبيلة "أنواك". كان يرتدي سروال القتال ويجلس على جلد ظبي ماء قديم في غابة تتم إزالتها. لقد كان غاضبًا حين قال أن الغابات والمستنقعات الخصبة التي اعتاد هو وأجداده الصيد فيها، تم الاستيلاء عليها من قبل "سعودي ستار"، شركة مملوكة لأحد أغنياء المملكة العربية السعودية، الشيخ محمد حسين علي العمودي.

على مسيرة خطوات من كوخه، كانت الشركة تحفر قناةً قال أوتشان أن من شأنها إفساد الأراضي الرطبة المجاورة، حيث كان يصطاد السمك. وبالقرب من هناك، استولت مزرعة العمودي التي تبلغ مساحتها ٢٤٧١١ فدان (عشر آلاف هكتار) على خزان بناه المهندسون السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي.

وقد قال مسئولون حكوميون لأوتشان ومئات آخرين أن عليهم مغادرة الغابة والانتقال إلى القرى الحكومية. ظاهريًا، كان الغرض المعلن هو تقديم خدماتٍ أفضل، ولكن أوتشان يعتقد أن السبب الحقيقي هو إخلاء الأرض للعمودي، صديق رئيس الوزراء الإثيوبي في ذلك الوقت، مينيس زيناوي، وممول حملته في وقت ما.

بعد نصف ساعة، شربت الشاي في ظل شجرة مانجو ضخمة مع أحد العجائز القبليين الذي تحدث إليّ بهدوء حول كيف تم ترحيله هو ورفاقه قسريا من حقولهم. ولكنه أخبرني قائلا: "لقد قرر كل منا أننا سنعود في موسم الأمطار ونزرع أرض أجدادنا. وإذا ما حاولوا منعنا، فليبدأ الصراع."

وقد كانوا عند كلمتهم. فبعد شهور من زيارتي، في أبريل من هذا العام، اقتحم مسلحون مجهولون من السكان المحليين معسكر شركة "سعودي ستار" بالقرب من مدينة أبوبو. وقتلوا على الأقل خمسة عمال. وفي محاولة لردع الجناة، قيل أن الجنود الحكوميون عاثوا فسادا في القرى المحلية، باعتقال وتعذيب الرجال واغتصاب النساء.

وقد أجرت منظمة "هيومان رايتس واتش" مقابلات مع بعض أولئك الذين فروا بعد ذلك إلى دولة جنوب السودان المجاورة. وقال السكان أن غارتهم الأصلية كانت انتقاما من استيلاء الشركة على أرضهم ومياههم. وقال لي قس محلي: "لقد ذهب ابني ولكنه يريد أن يعود ويقاتل."

هل الحياة البرية في خطر؟

ربما تكون هناك مأساة أخرى تتعلق بالحياة البرية. فمياه غامبيلا ضرورية لملايين من الظباء بيضاء الأذنين، وهي الظباء التي تعبر الحدود من جنوب السودان في موسم الجفاف بحثًا عن المياه المفتوحة والأراضي الرطبة عند منابع النيل. لقد كانت هذه الحيوانات –إلى جانب الفيلة المتناثرة والظباء المهددة بالانقراض والتي تدعى "أبو عق" (ليتشوي النيل) واللقالق العملاقة المنتشرة حذاء النيل الأبيض – السبب الرئيسي في إنشاء "حديقة غامبيلا الوطنية" في نهاية سبعينيات القرن الماضي. ولكن الحديقة لم تكن مؤمنةً بالكامل وتم منح الكثير من أراضيها لشركة "سعودي ستار". وتواجه الحيوانات المهاجرة الآن الجرّافات والقنوات والمراعي المسيجة.

كل هذا من أجل المياه؟ السعوديون عاقدون العزم على الاستمرار في توفير الغذاء لشعبهم. إنهم يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي، ولكن لا توجد مياه. وهم يخشون أنه مع انعدام المياه، لن ينقذهم نفطهم من مستقبل محفوف بمخاطر انعدام الأمن الغذائي. ومثلما قال لي أحد كبار المسئولين السعوديين: "لا يمكننا أن نأكل النفط." لذلك، فإنهم مصممون على شراء أرض أجنبية تتمتع بوفرة في المياه.

وعندما سئل عن استيلاء "سعودي ستار" على المياه في غامبيلا في وقت سابق من هذا العام، قال وزير الزراعة السعودي، فهد بن عبدالرحمن بالغنيم: "إنني، بكل صراحة، لم أسمع مطلقا عن أي شكاوى من أفريقيا. كل ما قرأته كان بعض المقالات التي يكتبها مراسلون أجانب حول أشياءٍ تحدث في أفريقيا، ولكنني لا أراها حقيقية."

ومن جانبها، رفضت "سعودي ستار" التعليق على هذا المقال.

مغازلة الحكومات الأجنبية

تقدم مباردة الملك عبدالله لـ"الاستثمار السعودي الزراعي في الخارج"، والتي أطلقها عام 2008، ضمانا حكوميا ودعما دبلوماسيا للشركات السعودية التي تشتري أراض ومياها أجنبية لتوفر الطعام للسعوديين. وتجري المخططات على قدم وساق من ضفاف نهر السنغال في غرب أفريقيا وحتى الغابات المطيرة في غينيا الجديدة. وفي معظم الصفقات، يحظى المستثمرون السعوديون بميزة الوصول السهل إلى المياه والحق في تصدير ما لا يقل عن خمسين بالمائة من الحصاد إلى المملكة العربية السعودية.

وبعض الحكومات المستضيفة سعيدة بهذه الشروط. ففي إثيوبيا، قد كان لدى زيناوي، الذي توفي في أغسطس، ردا فوريا على أولئك الذين انتقدوا سخاءه مع صديقه السعودي. كان يقول: "إننا نريد أن ننمي أرضنا لنطعم أنفسنا، لا أن نظل مأخوذين بجمال الحقول الخاوية بينما نتضور جوعا."

قد يكون ما يقوله منصفًا، ولكن تقرير عام٢٠١٢ لأحد أكبر البنوك الأفريقية، ستاندارد بنك في جنوب أفريقيا، يشير إلى أنه كان مخطئا وأن الاستثمارات السعودية قد تكون ذات أثر سلبي على القارة. إذ يرد في التقرير أن "الدول الأفريقية، التي تغازلها شركات الأعمال الزراعية السعودية، ينبغي عليها أن تقدر بشكل واضح الأصول التي تمتلكها." ويرد أيضا أن "بيع الأصول الزراعية (كلٍ من الأراضي و، ربما الأكثر أهمية، المياه) يمثل تهديدا عميقا."

يقول أوتشان ورفاقه في الغابة أنهم متفقون مع ذلك.
___________
• نقلًا عن موقع (راقب) على الإنترنت- الثلاثاء, ديسمبر 18, 2012
• ترجمة فريق موقع (راقب)

صورة العضو الرمزية
Elnour Hamad
مشاركات: 762
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:18 pm
مكان: ولاية نيويورك

مشاركة بواسطة Elnour Hamad »

شكرا يا يوسف
ما تفضلت بإيراده عن الاستثمارات السعودية، والعربية عامة، في السودان وفي إثيوبيا وغيرهما من الدول الإفريقية يقع في قلب موضوعنا. إن الاستعمار لا ينفك يعيد نفسه في صور جديدة. لقد انحصرت عقولنا في الاستعمار الغربي وانصرفنا بسبب هذا "التكييف" الذهني عن صور الاستعمار الأخرى؛ أعنى الاستعمارات الإقليمية، ومنها الاستعمار الخديوي الذي هيأ عقولنا وقلوبنا للتعاطي مع العرب بعاطفة فجة، ومنحهم مواردنا ودعمنا، وكل شيء، ببلاهة متناهية. هذا، في حين أنهم يفكرون في أنفسهم، لا غير. وحين يفكرون في أنفسهم ينطلقون من منصة أنهم أعلى منا في هرم الخليقة، وفي هرم الدين الإسلامي، ويستحقون أفضل مما نستحق. نصح علماء كثيرون السعوديين بألا يسرفوا في استخراج المياه الجوفية وألا يزرعوا ويقيموا المزارع الضخمة المنتجة للألبان، وغيرها من المنتجات الحيوانية الأخرى، غير أنهم لم يستمعوا إلى النصح. اعتقدوا أن ثروة النفط دائمة وأن أسعاره ستبقى في ارتفاع مضطرد. كما لم ينتبهوا إلى مؤامرات الغرب، خاصة أمريكا، التي ظنوها صديقا دائما". قادتهم هذه السذاجة السياسية وقلة القدرة على التخطيط الاستراتيجي إلى الوقوع في براثن تمويل حروب الوكالة. فدخلوا مرتين في الحرب ضد العراق. غير أنهم صحوا على حقيقة أنهم أتوا بإيران إلى حدودهم الشرقية. والآن يواجهون اضطرابًا من جميع الجهات؛ من الشرق والشمال والجنوب. يضاف إلى ذلك أن المسرح قد برمته؛ اقتصاديا وجيوسياسيا وجيواستراتيجيا.

حاول السعوديون زراعة القمح، فجاء قمحهم أعلى تكلفة من القمح المستورد، وبما لا يقاس. وقد كان في وسعهم أن ينتجوه في السودان منذ عقود بأسعار زهيدة ووفق اتفاقات يستفيد منها السودان ويستفيدون منها هم. لكنهم لا يريدون للسودان أن ينهض. هم يعرفون طبيعة السودانيين وحبهم للديمقراطية واستعدادهم الفطري للانطلاق. هم لم ينسوا أن أكبر، وأقدر، حزب شيوعي في إفريقيا والعالم العربي كان الحزب الشيوعي السوداني. بخلوا على السودان بالاستثمارات الزراعية، فجربوها في أراضيهم القاحلة الحارة عديمة المياه، فواجهوا الفشل. انصرفت أكثريتهم إلى الاستثمارات العقارية والتجارية في أوروبا وأمريكا، واتضح لهم أن أموالهم هناك ليست بمأمن، مثلما كانوا يظنون. عادوا جميعا والتفتوا مؤخرا إلى إفريقيا، ولكن بذات العقلية الاستغلالية. ولكن للأسف، وجدوا في إفريقيا الآن مجموعة من الحكام الديكتاتوريين الفاشلين الذين يصارعون أحوالا مدمرة من اليأس، فاندفعوا في استغلالهم. بدأو في استئجار الأراضي لمدد طويلة، تصل إلى تسعة وتسعين عاما. كما أملوا، من موقع قوتهم المالية، شروطا مجحفة. فقد وجودوا بسبب اضمحلال القوة، وتراجع الشعور بالعزة الوطنية، وسط هذه الحكومات الإفريقية، وفساد حكامها، فرصا للاستغلال. خاصة أن الاتفاقات التي تجرى لا تستشار فيها الشعوب، بل لا يعرف المواطنون شيئا عن تفاصيلها. يضاف إلى ذلك، أن رأس المال القوي يستطيع الآن أن يستخدم التقنيات المتقدمة في الزراعة وفي الانتاج الحيواني، الأمر الذي يقلل من الحاجة إلى استخدام الأيدي العاملة المحلية. (هناك نماذج من هذا النوع من الاستثمارات العربية في ولاية نهر النيل في السودان، يقول البعض أن هذه الاستثمارات لا توظف من السودانيين سوى الخفير الذي يحرس المدخل).

لقد كان للاستعمار في كل الأوقات وكلاء داخليون. وللعولمة الرأسمالية المتوحشة التي تسعى لاحتكار الانتاج والتوزيع في كل شبر من أشبار الأرض، وكلاء محليون أيضا. لقد دخلنا حقبة النخب الديكتاتورية اليائسة التي يمكن أن تبيع كل شيء لمن يغذي حساباتها في البنوك الأجنبية. وهكذا تواجه الشعوب الإفريقية هجمة استعمارية جديدة، تقول كل المؤشرات أنها أخطر بكثير من سابقاتها، هذا في حين لا يزال بيننا وبين الاستيقاظ بقايا ليل يتطاول أمده.
((يجب مقاومة ما تفرضه الدولة من عقيدة دينية، أو ميتافيزيقيا، بحد السيف، إن لزم الأمر ... يجب أن نقاتل من أجل التنوع، إن كان علينا أن نقاتل ... إن التماثل النمطي، كئيب كآبة بيضة منحوتة.)) .. لورنس دوريل ـ رباعية الإسكندرية (الجزء الثاني ـ "بلتازار")
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

سلامي للجميع
وهاكم (بتصرف)* هذا التخطيط المبكر للاستحواذ على مياه افريقيا.
فكرة تحويل مياه نهر الكنغو:
تقع روافد بحر العرب في جنوب السودان بالقرب من روافد نهر الكنغو، الاوبنجي والبوميو، ولا تفصلهما مسافة كبيرة اذ لا تتعدى أكثر من 50 كم.
وعليه (وهنا تظهر الشيطنة المحيرة) يمكن شق عدد من القنوات لرفع منسوب روافد نهر الكنغو لتصل الى روافد بحر
العرب لتأخذ طريقها عبر المجاري المائية الى نهر النيل ومن ثم الى مصر.
تخيلتم المنظر نهر النيل رادف نهر الكنغو. وهناك في اقصى الشمال الحساب ولد.
ويضيف:
وفى حال شق قناة ثانية تتجه شمالا عبر غرب السودان الى جنوب الصحراء المصرية يمكن من خلالها تزويد جنوب ليبيا..
وعليه فان المشروع يمكن ان تستفيد منه ثلاث دول عربية.
ويضيف:
وفى حال تم تنفيذ الإجراءات السابقة فان فكرة احياء مشروع نقل المياه الى السعودية من السودان بأنابيب عبر البحر الأحمر ستكون واردة.
هو يشير هنا الى فكرة قديمة يتم(هو) احياءها. وللإنصاف، فقد ختم بإشارة لعامل سيادة السودان.

الكتاب.
صراع المياه وأزمة الحقوق بين دول حوض النيل. صفحة 134
المؤلف صاحب الربيعي عراقي شارك في مؤتمرات عالمية للمياه مقيم في السويد ابان طباعة الكتاب 2001.

بالقطع العالم يحتاج بعضه البعض والعلاج الواضح هو توازن الأطراف المتفاهمة من جانب القوة والسيادة. وغالبا ما يكون
التعاون بعيدا بالكامل عن هذا التخطيط.
الخبرة متوفرة كيف تتم الاتفاقات بعدالة وتتوازن. لكن الدمار وضياع الحقوق يأتي من السلطات المرتشية والفاسدة.
-------------------------------------------------
*الأصل قبل التصرف بدا لي خاطئا أو غير واضح وهو:
تقع منابع نهر النيل الأبيض بالقرب من روافد بحر العرب في جنوب السودان ولا تفصلهما مسافة كبيرة عن روافد نهر الكنغو .
الاوبنجي والبوميو ولا تتعدى المسافة اكثر من 50 كم.

فقدت كلمة الدخول وفقدت لزمن ايميل الهوت ميل الذى اتلقى عبره الكلمة البديل,عندما تحول للاوت لك.
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

سلام للجميع، وشكرًا للدكتور النور حمد "ما سار ركب أو ترنـم حـادي" يا قول السماني أحمد عالم، والشكر موصول إلى الفاضل البشير، ولكل منكما من اسمه نصيب وافر، حفظكما الله!!

الموضوعة أدناه كتبها الصحفي موسى حامد في أغسطس 2013م حول اهمال سائر الانتلجنسيا السودانية لحدث مهم، هو: الخرطوم عاصمة للثقافة الأفريقية، ونشرت في صحيفة (القرار) المتوقفة عن الصدور، ثم، موقع الشروق على الإنترنت!

النص:
الخُرطوم تلعنُ نصفها الأفريقي

سؤالٌ واحدٌ، سألته لعددٍ من المهتمين بالشأن الثقافي، والإعلامي. بل والفاعلين في الحقل الثقافي. تلخيص السؤال هو: هل تعلم أنّ هذا العام "2013"، هو عام "الخرطوم عاصمة الثقافة الأفريقية؟".
الإجابات تفرّقت إلى فريقين: الأول أثبت علمه بالمناسبة، لكنه ذهب إلى أنّ الواقع ليس فيه مصاديق لهذه المناسبة، منذ بداية العام، وحتى يوليو الجاري. إذْ لم يشهد حِراكاً وأنشطةً ثقافية وفنية، ولمْ يسمع بها.

أما الفريق الثاني، فنفى علمه جملةً أنْ يكون قد سمع باختيار الخرطوم، عاصمةً للثقافة الأفريقية، للعام 2013م. قائلاً: "يطرشني".

نوفمبر من العام الماضي "2012"، شهد اختيار الخرطوم؛ لتكون أول عاصمةٍ للثقافة الأفريقية، حسبما خلص إلى ذلك مؤتمر وزراء الثقافة الأفارقة، الذي اختتم أعماله في العاصمة الكنغولية "كنشاسا". بمشاركةٍ من "28" دولةٍ. وحضور منظمتي الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة.

حيث نقل موقع "شبكة الشروق" وقتها، تصريح وزير الدولة للثقافة مصطفى تيراب، الذي أشار إلى أنّ مؤتمر وزراء الثقافة الأفارقة اختار الخُرطوم، لتكون عاصمةً للثقافة الأفريقية للعام المقبل "2013"، مع موافقة المؤتمر على مقترحاتٍ تقدَّمت بها الخرطوم، تمثّلتْ في إنشاء قرى للتراث الأفريقي في كلِّ دولةٍ، يُعرض فيها التحف والمصنوعات اليدوية. بجانب تخصيص أماكن للغناء. انتهى.

هذا الرفض، الذي تُمارسه الخُرطوم الرسمية، والثقافية؛ لنصفها الأفريقي، المشكّل لهُويتها. ليس على مستوى رفض الخُرطوم الرسمية لنصف وجهها الأفريقي فحسب، لكنه أيضاً رفضٌ لامتدادات السودان "الجغرافيا" في محيطه الأفريقي.

وتهافتها بالمقابل، "تُقرأ هرولتها لمنْ أراد"، على الأمصار العربية. هذا يُمارس رغماً عن الروابط القوية، والوشائج الوثيقة التي تربط السودان بهذا الامتداد الأفريقي.


هذه الروابط والوشائج تقول بها حقائق التاريخ والجغرافيا، ويرويها بأكاديميةٍ، باحثٌ في قامة د. جعفر ميرغني، الذي أثبتْ أنّ هجرات السودانيين منذ القدم، كانت تتم شرقاً وغرباً، أكثر من كونها شمالاً وجنوباً، وهو ما يُفسّر الامتدادات الثقافية والإثنية المشتركة والمتداخلة بين كل من السودان، أرتيريا، أثيوبيا وتشاد.


فلِمَ يُضيّع السودان مساحةً للتمدد الثقافي/ السياسي/ الاقتصادي، ويُهرول نحو العربية كُليةً، على الرغم من أنّه يصلح في حالة السودان، أنْ يلعب في ميدانَيْنِ، وبامتياز، "العربية" و"الأفريقية".

عليه، لا بد من إيراد جملةٍ من الأسئلة، لا تخلو من حرجٍ، وهي: هل تستحقُ الخُرطوم، بهذه الرؤية الرسمية، أنْ تُصبح عاصمةً للثقافة الأفريقية؟ وإنْ كانت الإجابةُ بـ"نعم"، هل هي مؤهلةٌ فنياً لاستضافة هذا الحراك الثقافي الأفريقي؟

ومالذي يعرفه السودانيون عن ثقافة أقرب جيرانهم الأفارقة؟ مثلاً: مالذي يعرفه السودانيون عن ثقافة الأرتيريين والأثيوبيين، أكثر من الرقص المحموم، والأغنيات المحمولة عبر حوامل الكاسيت، والإم بي ثري؟

أعني بشكلٍ أدقْ: مالذي يعرفه السودانيون عن حضارات مملكة أكسوم في أثيوبيا؟ وعن مصوَّع بلد الإسلام في أفريقيا؟ ومالذي يعرفه الكُتّاب والمفكرون عن حالتي الكتابة والتفكير في كينيا ويوغندا مثلاً؟ وهل ينجحُ أيٌّ من مثقفينا أنْ يُعدّد على أصابعه عشرة من مثقفي كل بلدٍ في "أثيوبيا" و"كينيا" و"تشاد" مثلاً؟

ومالذي كانت ستُقدّمه الخُرطوم عاصمة الثقافة الأفريقية لتُعبّر عن أفريقيتها أكثر من الرقصات الشعبية المحفوظة؟ وإلى أي مدى يتسقُ إهمال الأفريقية وما ظلّتْ تُردده قياداتٌ رسمية وإعلاميةٌ بالدولة، بشأن الخُلوص العربي الإسلامي للسودان بعد انزياح هم الجنوب الأفريقي بالانفصال؟

اللاجدوى من الاهتمام بالثقافة، وعدم إفراد حيزٍ رسمي وشعبي للاهتمام بها، وبنقاط اللُقيا في ثقافات الآخرين؛ هو قناعةٌ لدى الكثير من التنفيذيين، صرّحوا بها جهرةً، وقالت بها أعمالهم.
وفات على قناعتهم "الممحوقة" أنّ علاقات الدول ودبلوماسيتها، تتكئُ كثيراً على الثقافة، وليس على الاقتصاد والمواقف السياسية وحدها.
فقد خسرتْ مصر الرسميةُ كثيراً، حين أهملتْ علاقتها بجوارها الأفريقي، وظهرتْ نتيجةُ الإهمال بشكلٍ جلي، في أزمة بناء "سد النهضة" الأثيوبي، مايو الماضي.

فلم يجد الإعلام المصري ما يُشير إلى علاقةٍ تربطُ مصر بأثيوبيا ويوغندا، إلا عند محطة جمال عبدالناصر، ستينيات القرن الماضي!!
هبْ لو أنّ علاقة مصر بدول المنبع جيدة، هل كانت ستخسر، وتتعرى مواقفها، ويتعالى عويلها من سد النهضة بهذه الفجاجة؟
أتوقّع في حالة إهمالنا لعُمقنا الأفريقي، أنْ تتقيّح أزماتنا أكثر.

هل تفقدُ الخُرطوم فرصةً ثمينةً، وهي تُهملُ الاهتمام بنصفها الأفريقي؟ الإجابةُ، وبشكلٍ سريعٍ، يُمكن أنْ تكون "نعم".
لكن، وبهدوء دعونا نناقش قبل السؤال، قبل الإجابة عنه سريعاً. فعديدُ الاحتفالات، والكرنفالات الفنية والثقافية، التي تُقام دورياً، أو موسمياً في السودان، لم تكن تولي أمر ما يربطها بأفريقيا، إلا قليلاً.


ولنأخذ على ذلك مثالاً: فمناسبةٌ دوليةٌ مثل معرض الخرطوم الدولي للكتاب، تُقيمه الخُرطوم الرسمية بشكلٍ راتبٍ، يكادُ يخلو من عناوين لكُتّاب أفارقةٍ، دع عنك جناحاً لدولةٍ أفريقيةٍ، ودع عنك أيضاً، إفرادُ منشطٍ يدور حول الثقافة الإفريقيةِ.
يُخطئ العديدون، وهم ينظرون إلى سطح القضية، دون الولوج والتمعُّن في عمقها، فالدبلوماسية، والعلاقات السياسية والاقتصادية مثلاً، تُشكّلُ العلائق الثقافية والفنية ممهداً، ومحضناً كافياً لنموّها ورعايتها.


وعليه، من الممكن أنْ تُشكّل الخرطوم عاصمة الثقافة الأفريقية فرصةً لمناقشة الكثير من القضايا العالقة بين الخرطوم الرسمية، وبين العواصم الأفريقية الرسمية الأخرى.

وما أحوج الخرطوم الرسمية -بالتحديد- إلى وجود علائق أفريقيةٍ مريحةٍ، تستعينُ بها على قضاياها المطروحة للتفاوض الآن على طاولاتٍ أفريقيةٍ.


من طرائف وساخر الحديث عن الخرطوم، عاصمة الثقافة الأفريقية، ليس جهل المهتمين بأمرها، دع عنك العامة، ولكن حتى قيادات العمل الثقافي في السودان.

فقد نفتْ الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الآداب والفنون الأستاذة فاطمة بليّة، في إفادةٍ لها لـوسائل إعلامية، أنْ يكون لمجلسها علمٌ باختيار الخرطوم عاصمةً للثقافة الأفريقية. لكنّها في ذات الوقت أبدتْ استعدادها للمناسبة، متى طُلب منها ذلك.


أنْ يتم اختيار الخُرطوم عاصمةً للثقافة الأفريقيةِ أمرٌ ليس بالهيّن، ويجب الاستفادةُ منه على سُبلٍ كثيرة، سياسياً، دبلوماسياً، اقتصادياً... ألخ.


الآن: هل يجوز لي أنْ أجيب على سؤال فقدان السودان فرصةً ثمينةً بإهمالها الاهتمام بالخُرطوم عاصمة الثقافة الأفريقية لهذا العام بـ"نعم"؟ نعم، سأُجيبُ على السؤال بـ "نعم".
أضف رد جديد