والبندر فوانيسوالبيوقْدن وقَدَن : ما وراء رسالة عبد الله

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

والبندر فوانيسوالبيوقْدن وقَدَن : ما وراء رسالة عبد الله

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


والبندر فوانيسو البيوقْدن وقَدَن

ما وراء رسالة عبد الله على ابراهيم إلى المؤتمر السادس: المثقف والحزب


*عبد الجبار عبد الله

أعلم أنه مما لا يجوز التنحُّل أو التصرُّف في نصوص التراث الشعبي مثلما فعلتُ للتو بقولي في صدر هذا المقال "والبندر فوانيسو البيوقدن وقَدَن"وهي في الأصل "ماتن" كما أوردهاعبد الله على ابراهيم -في استدعائه لذلك البيت الشعري من تراث الدوبيت- في وصفه لانطفاء "نور المعرفة" في سائر الأحزاب السياسية السودانية بجريرة آفة الاستهانة بالمثقف و"غربة المثقف في حركة سياسية اختارها رافعة لاجتهاداته في ترقية الوطن". هكذا استهلّ عبد الله ومضى مستطرداً في تبيان أسباب خروجه عن الحزب الشيوعي الذي انتمى إليه وعمل في صفوفه منذ 1960 وحتى 1978. غير أن في ذلك التصرُّف ما قد تمليه الضرورة الشعرية -بل ديالكتيك الشعرإن شئت- بدالّة الحجة ونقيضها في الإمساك بالخط الرفيع الفاصل ما بين الحقيقة والوهم في ما قال به عبد الله عن سيرته في الحزب وخروجه "دفاعاً عن حرية المثقف الذي استدعاه الحزب ليعمل كمثقف" في صفوفه.

وأول ما يلفت النظر والانتباه في هذه الرسالة أن عبد الله قد أجزل العطاء وسخا كثيراً بتوجيهها إلى الزملاء في المؤتمر السادس، ثم عموم أهله من الشقتاب والإزيرقاب وقراباتهم، إلى أبنائه وبناته وإخوته وأخواته بحي الداخلة بعطبرة وسائر أهل المدينة، ومن بعدهم تأتي كتلة اليسار والديمقراطيين التاريخية، ثم سائر شباب السودان وشباب العمال خاصةً. ولا ضير في كل ذلك بمفهوم عبد الله الخاص للعبة توازنات القوى في هذه المنازعة بينه وبين الحزب الشيوعي في مؤتمره السادس وهو يسعى إلى تأسيس القضية الجوهرية في رسالته: ألا وهي علاقة الحزب الشيوعي بمن عرض أن يعمل كمثقف في أروقته و"بشاتن حاله" بعدها.

ولكن كيف تسنى لعبد الله أن يستثنى بين تلك الفئات العريضة المترامية الأطراف التي وُجّهت إليها الرسالة "فئة المثقف" لب القضية وصاحبة "الوجعة" التي بنى وأسس عليها مرافعته ضد الحزب في علاقته بالمثقين في صفوفه؟ هل هذه مجرد صدفة أو زلة قلم فاتت هكذا على عبد الله سهواً –وهو ما يستعصى ترجيحه وقبوله بما نعرف عنه من حذق وحرفية لا خلاف حولهما في ممارسته لفنون الكتابة بجميع أشكالها وألوانها- أم أنه سهوٌ أملاه عليه وعيه الباطني ورؤيته الذاتية الخاصة لهذه العلاقة الجدلية المعقدة المتشابكة بين المثقف والحزب الشيوعي الذي انتمى إليه؟ وفي معرض هذا التناسي أو النسيان لفئة المثقف بين الفئات التي وُجِّهت إليها رسالة عبد الله خصيصاً، تداعت إلى ذهني فجأة معلومة نقلتُها ذات مرة من الإنجليزية إلى العربية من طبيب أخصائي عيون كندي إلى مريض كان يعاني من حَوَل في عينه اليسرى وشكا من أنه قد سعى إلى العلاج من ذلك الداء على مدى سنين طويلة وفي عدة بلدان دون جدوى. وكان أن طلب مني الطبيب الكندي أن أقول له أن لمرض الحَوَل علاقة عضوية بالعصب البصري وبالإشارات الصادرة له من الدماغ، وأن الأخير ينصرف عن إرسال الإشارات إلى العين الحولاء بمرور الوقت فتبقى الحالة كما هي وقد تسوء مع طول مدة الإصابة. ومن يقرأ ما تحت النص الصريح في رسالة عبد الله ويغوص في ثنايا وتلافيف مستواه الضمني الخفي سيدرك أن المثقف الذي يعنيه عبد الله ليس أحداً آخر سوى عبد الله نفسه، تماما كما جاء في تعريف قاموس أدبي رصين للكاتب الفرنسي الشهير "كان بلزاك يسكن في بيت لا يوجد فيه إلا بلزاك نفسه " وإن كان الفارق هنا غرض التلميح إلى فقر بلزاك وإملاقه وخلوّ بيته حتى من الفئران. ولذلك فإن من الطبيعي أن ينصرف ذهن عبد الله عن بقية المثقفين الآخرين في حزبه، والذين لم يُخفِ ازدراءه وتعريضه بهم أحياءً كانوا أم أمواتاً لا فرق عنده. وبذلك لم يكن أولئك المثقفون في نظر عبد الله سوى تلك العين الحولاء التي يهملها الدماغ ويكف عن إرسال الرسائل البصرية إليها فتبقى حولاء كما هي، إن لم تصبح أكثر سوءا بمرور الوقت. والذي يقرأ بوضوح ودون لبس في ما وراء لغة مراوغة مخاتلة يبرع فيها عبد الله براعة الحاذق العارف بأسرار المخاتلة وفنونها هو: أنا ومن بعدي الطوفان. وهذا ما سأقف عند تبيانه وتوضيحه خيفة أن آخذه جزافا بضربة لازب لا رافع أو مسوغ لها سوى وقود الحماس الآيديولوجي الأعمى في معارج العلم وملكوته وفي ثُريا المعرفة وإشراقاتها التي لا مجال فيها للحَوَل الآيديولوجي من أي شاكلة أو لون.

ويلفت النظر أيضاً في رسالة عبد الله ما يثير في الذهن والخاطر تساؤل شكسبير الفلسفي المعقَّد في مسرحيته ذائعة الصيت: "لماذا تلكأت يا هاملت؟". وهو السؤال الذي لم يُجِب عنه هاملت ولم يُجِب عنه صراحةً عبد الله في رسالته هذه، وإن فعل ذلك من باب المداراة والاستماتة في تبرير هذه "الحكمة المؤجلة": إنني لسعيد الحظ أن امتد بي العمر إلى اليوم الذي اتفق لي أن أوان مثل هذا البيان عن خروجي عن الحزب الشيوعي قد آن. وهنا أدعو لعبد الله صادقا من كل قلبي بوافر الصحة والعافية والعمر المديد وأن ينفعنا بعلمه الوافر الغزير بما يُذهِب عنه الزبد جفاءً ويُبقى ما ينفع الناس وبلادنا ومثقفيها، ويسهم في تحقيق حلم الارتقاء بها وتقدمها. غير أن ذلك لن يكسفني أو يصرفني عن مواجهته بذلك السؤال الوجودي الفلسفي المُلح: لماذا تلكأت يا هاملت؟ ما الذي جعلك تنتظر طوال هذه الفترة الممتدة منذ عام 1978 الذي خرجت فيه عن صفوف الحزب لتعلن على الملأ أسباب ذلك الخروج ومسوغاته؟ ويستتبع هذا سؤال آخر: كيف آن لك في هذا الوقت بالذات -ساعة وظروف وملابسات انعقاد المؤتمر السادس للحزب، بما فيها من احتقان وتوتر وصراعات تهدد بقاء الحزب نفسه واستمراره، ظروف هذه الأزمة الوجودية وما شابها من نُذر انقسام وتفكك واضمحلال- أن ترى أنه الأوان المناسب لأن تخرج على الملأ ببيانك هذا في هذا التوقيت المريب لحكمتك المؤجلة المفرزنة المبيَّتة منذ عام 1978؟ أليس هذا مما يندرج في تأويل آخر مشروع ضمن مهارات الحنكة والحذق في فنون الصيد في الماء العكر؟ ثم ألم يكن أنسب وأكثر وقعاً أن تدفع برسالتك هذه إلى المؤتمر الخامس للحزب الذي عُقد قبل سبع سنوات بحضور الزميلين الراحلين نقد والتيجاني الطيب، خاصةً وأن كليهما شاهدٌ وعارفٌ بتفاصيل وأسباب خروجك عن الحزب وإنهاء تفرغك فيه؟ وبهذه المناسبة أسألك: هل تقتصر أسباب خروجك عن الحزب على ما سقته من احتجاج على زراية الحزب بمثقفيه فحسب، أم أن لها صلة وثيقة أيضا بمنازعة داخلية بينك وقيادة الحزب حول دعوتك إلى ضرورة مشاركة الحزب في المصالحة الوطنية التي ما عقدها نظام مايو في 1977 إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته (لاحظ أنك أنهيت علاقتك بالحزب بعدها بعام واحد فقط هو عام 1978)؟ هذا هو السؤال الذي ينكأ الجرح القديم ويقلّب المواجع التي يشيح عنها عبد الله بوجه المثقف الثوري الماركسي، يداري عنها ويخبئها في تلافيف اللغة البلاغية المخاتلة قدر المستطاع.

وفي السياق نفسه لا بد من السؤال البسيط المباشر الأهم: هل دفع عبد الله برسالته هذه إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس، التي باشرت مهام التحضير لهذا المؤتمر طوال فترة السنوات السبع الممتدة بين المؤتمرين 2009-2016 قد يبدو هذا السؤال إجرائيا شكلياً بسيطاً في مظهره، غير أنه يستبطن الكشف عن نوايا الرسالة برمَّتها ومدى صدقيتها إزاء الحزب الشيوعي ومثقفيه في أفق مسعى عبد الله المؤجل على مدى 38 عاماً للتصدي للاستهانة بالمثقف في سائر الأحزاب السودانية. وعبد الله يدرك مدى أهمية الجانب الإجرائي من هذا السؤال بحكم خبرته وعمله الطويل في مجال الأكاديميا. فهو سيد العارفين وأميرهم في التحضير للمؤتمرات والسمنارات وبما يُعرف في لغة الفرنجة بتقليد Call for Papers حتى وإن كان المؤتمر أقل شأناً بكثير من مسألة عصية شائكة كاستجلاء مصير الماركسية وقضايا الثورة السودانية وما يرتبط بها من رؤية الحزب الشيوعي لمسألة الثقافة ودورالمثقفين في صفوفه. لقد استقصيت بنفسي قبل كتابة هذه السطور ما إذا كان عبد الله قد قدّم رسالته هذه قبل وقت كاف أثناء التحضير للمؤتمر السادس لكي تدرجها اللجنة التحضيرية ضمن البنود التي سيناقشها المؤتمر، ولكن تأكد لي أنها قد وُجِّهت إلى الحزب بغتةً لحظة انعقاد المؤتمر عبر شبكة الإنترنت –سوق الله أكبر الإلكتروني المفتوحة أبوابه على مصراعيها للجميع- في 29 يوليو2016 وأن الحزب المعني بمناقشة الرسالة لم يكن نصيبه من مهنية عبد الله واحترامه لتقاليد تنظيم المؤتمرات وتراث العمل الحزبي أوفر حظاً من عموم أهله من الشقتاب والإزيرقاب وقراباتهم! وعبد الله سلطان العارفين بأنه لو كان مؤتمراً من شاكلة إسهالات مؤتمرات الإنقاذ "أحكام ما يخرج من السبيلين" لأُرسلت الأوراق التي سيناقشها إليه قبل وقت كافٍ كي تُدرج ضمن المواضيع والبنود التي سيناقشها المؤتمر وينظر فيها!

لماذا لم يفعل عبد الله؟ هل حدث ذلك سهواً وبمحض الصدفة يا ترى؟ "الغافل من ظن أن الأشياء هي الأشياء" على قول الفيتوري. والحقُّ أن عبد الله قد أراد متعمداً مع سبق الإصرار والترصد أن تأتي رسالته هذه فرقعة إعلامية مدوية -حشد لها عموم أهله وكتلة اليسار الديمقراطية التاريخية برمتها وسائر شباب العمال خاصة- ضد الحزب ومثقفيه ومن لفّ لفهم. وعلى الرغم من النص الصريح الوراد في خاتمة الرسالة "ولا أريد من رسالتي هذه للحزب الشيوعي سوى استصحاب هذه الخبرة في تعزيز الثقافة والمثقفين"، فإنَّ توقيت وطريقة الإعلان عنها ما يؤيدان عزم اكتفائه بقوله قبل ذلك "اتلوم الحزب فيّ وفي سائر كادره الثقافي. والفيهو اتعرفت". فالنية الحقيقية التي طالما سعى عبد الله إلى إخفائها ودغمستها على طريقة "شملة كنيزة هي تلاتية لكن قدَّها رباعي" في شعرية محمد طه القدال، أي الرسالة المثقوبة حمّالة الأوجه التي تُقرأ بأكثر من وجه وتفسير، ليست شيئا آخر سوى هذه الفقاعة الإعلامية المدوية الفاضحة للحزب في علاقته بالمثققين وتأكيد مغزاها الرئيسي "الفيهو اتعرفت" وكفى. ويبدو أن ضمن حسابات عبد الله وتقديراته وراء هذا الإعلان المدوي المفرقع المثل الشعبي القائل "التور إن وقع كترت سكاكينه" فلم يقصّر في طعن الحزب الذي انتمى إليه وأسهم إسهاماً مقدراً في تشييد منارات وعيه واستنارته بين عامة الشعب وفي غمرة الجماهير ....ويقصِّر الملح كما قال في موضع آخر من رسالته. ولم يخفَ على عبد الله أن الأجواء التي أحاطت بالمؤتمر السادس كانت سماؤها ملبدة بغيوم الانقسام والتفكك ونُذر وقوع الثور أخيراً وبعد ترقب وانتظار طويلين من جانب خصومه التقليديين والمحدثين على السواء. إنها بعضُ ما في النفس من شيءٍ من حتى.... بعضٌ من بوارق وتهيؤات الحلم التصفوي المخادع الدفين أيها الرفيق عبد الله.

وفي معرض التعليق والملاحظات عن عموميات الرسالة وشكلها ومبناها، استوقفتني تلك الضربة الخاطفة والمساواة المجانية الرخيصة المُغرِضة التي عقدها عبد الله بين الحزب الشيوعي وسائر الأحزاب السودانية في النظر إلى الثقافة ودور المثقفين في صفوفها. ففي ذلك طمسٌ متعمدٌ للحقيقة والتاريخ وهدمٌ لناصية الثورة الثقافية في برنامج الحزب القائم بدوره على أساس المعرفة العميقة الباطنة بالواقع السوداني وسبر أغوار صيرورة تحويله وتغييره. بل إن في ذلك إنكاراً لدور الحزب وإرثه واجتراحاته الجسورة في توطين منهج التحليل الماركسي وغرسه عميقا في تربة الواقع الذي يعمل فيه الشيوعيون السودانيون. ولو كانت المساواة بين الحزب وبقية الأحزاب السودانية الأخرى في علاقتها بالمثقف –بما في ذلك في ما وصفه بآفة الاستهانة بالمثقف- لما كان عبد الله على ابراهيم نفسه هذا الكاتب والمثقف الماركسي السامق القامة والمقام الذي دفع برسالته هذه كما أراد من باب المنِّ والأذى وازدراء التاريخ الحافل للحزب –على علاّته ونقائصه - في علاقته بالثقافة ومثقفيه.

وفي سِفر الماركسية وقضايا الثورة السودانية، ومن بعده وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر –التي يطرب لها كثيراً عبد الله مثلما تُطربنا جميعاً بما حفلت به من بريق الأفكار وناصعها - ما ينفي ذلك "الدرون المجاني" الذي أخرج به عبد الله الحزب في مباراته مع بقية الأحزاب الأخرى في النظر إلى أمر الثقافة وتحديد دورها ومكانتها من مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي يصبو إليها بلوغاً بها إلى أفقها الاشتراكي البعيد. وفي ثنايا تلك الوثيقتين ما يشي في سيرة الحزب وعلاقته بالمعرفة بما كتبه الشاعر والمسرحي الشيوعي الألماني برتولد بريشت في قصيدته المعنونة "شاهد على قبر غوركي":

هنا يرقدُ سفيرُ الأزَّقة
الرجلُ الذي وصف معذَّبي الشعب
وأؤلئك الذين حاربوهم.
الرجلُ الذي تعلَّم في جامعاتِ الطُرق
الرجل ذو الأصل الوضيع الذي ساعد على الإطاحة
بنظام الرفيع والوضيع
معلمُّ الشعبِ
الذي تعلّم من الشعب.


هناك يا عزيزي عبد الله يسمو في ذلك الأفق "معلِّم الشعب الذي تعلَّم من الشعب" صعود عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق البطولي الجسور إلى أعواد المشنقة وجميع شهداء يوليو من طلائع المثقفين السودانيين البواسل. هناك تبرق صورة الشفيع العامل المثقف في صفوف العمال ومن بعده وعلى دربه أجيال من طلائع العمال ومثقفيهم، ليس آخرهم الشهيد على الماحي السخي. وهناك في ذات الأفق أيضا تنطلق حناجر الرجال والنساء بالهتاف والزغاريد في إعلاء سيرة المثقف الطبيب الشيوعي على فضل الذي اغتاله زبانية الإنقاذ تحت بطش التعذيب حتى الموت، وتعلو أصداء ذكرى وسيرة المعلم الشيوعي المنارة السامقة شهيد سجون الإنقاذ، عبد المنعم سلمان.

وليس هذا سوى لمحة سريعة من تاريخ الحزب وعلاقته بمثقفيه في المعنى العضوي الأوثق والأعم في رحاب ممارسته الثورية العملية–على النحو الذي قال به أنطونيو غرامشي- والذي جسَّده عبد الخالق في محاكمته بقوله إنه يكفيه أن قدّم لشعبه ولو نزراً يسيراً من قبس المعرفة والوعي. ولن تمنعني هذه الإشارة السريعة العابرة إلى وظيفة الثقافة ودورها في أدبيات الحزب وبرنامج عمله بهذه الأمثلة التي ذكرتها من العودة إلى موضوع المناقشة ولبِّها: عمل المثقفين في الحزب كمثقفين كما أشارت إليه وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر التي خطّها الشهيد عبد الخالق ونال استناداً إليها عبد الله من حزبه في رسالته هذه التي رمى بها قفازاً في وجه الحزب يعضُّ بها يد المؤسسة التي أطمعته وأغدقت عليه في بواكير صباه بحسن الرعاية وغذاء الأفكار ومنهج التحليل الماركسي الذي يزهو به ويختال كما الطاؤوس اليوم، في تعاليه واستنكافه عن الممارسة الثورية كما "سماحة جمل الطين" .

أنا ومن بعدي الطوفان

ومن حواشي الرسالة وعمومياتها وشكلياتها أدلف إلى متنها مستصحباً وضوح وصراحة صديقي الشاعر القدال في قوله "أبيت الكلام المغتغت وفاضي وخمج". أبيت الدغمسة والمداراة والتواءات الخطاب المفضي إلى طمس الحقيقة وصُنع الأوهام وتغبيش الوعي بأنصاف الحقائق الموشاة بتلافيف الكلام وزخارف اللغة ومنمناتها الرشيقة الشيّقة.

والحق يقال أني قد طربت لخيال عبد الله الجامح ولغته الشعرية البديعة وهو يصف ويلّخص محنة المثقفين وزرايتهم في الحزب تأسيساً وانطلاقاً من تجربته الشخصية التي انتهت به إلى مشهد خروجه التاريخي من الحزب فبات "ينظر وراءه في غضب" كتلك المسرحية الشهيرة لكاتبها جون أوزبورن Look Back in Anger. وقد صوّر عبد الله ذلك الخروج بما يشبه ملاحم الخروج الكبرى في تجليات الأساطير وسِفر الأحداث الكونية المزلزلة من جنس أقاصيص "سدرة المنتهى" و "نهاية التاريخ" ذات الطابع التوراتي القرآني الإنجيلي الكوني الشامل. قرأتُ في توصيفه من طرفٍ بعيدٍ خفي تفاصيل سِفر الخروج العظيم الواردة في قصص التوراة والإنجيل، وتراءت لي فيه صور قرآنية مهيبة ترتعش لها الفرائص وتقشعر لها الأبدان خيفةً وذعراً من قبيل "وإذا الجبال سُيِّرت" و"إذا السماء انفطرت" و"يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش" في مقابلاتها البلاغية الدنيوية الطاغية على خطابه من شاكلة "وصار الحزب بعدنا كلنا "خالي ذهن". وتذكرتُ في سياق التداعيات نفسها قصيدة "الأرض اليباب" لشاعرها تي.إس. إليوت، وتجسَّدت أمامي كاملةً مأساة الشاعر الكبير الموهوب المتنبي بدالّة استنجاد عبد الله ببيته الشعري وهو يعلن خروجه النهائي المهيب من الحزب متمثلاً إياه:

وإذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قَدَروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ

ولكن جاء أبلغ ما في ذلك الوصف قوله "كنت الضحية الأولى لانقلاب الحزب بواسطة كادره السياسي والتنظيمي على تعاقده مع الكادر الثقافي الذي تقرر أن يعمل كمثقف في رحابه. وهذه ردة عظمى أطفأت فانوساً أراد الحزب إيقاده ليتخطى به عموميات الماركسية التي اقتحم بها الساحة الوطنية في آخر الخمسينيات". فتقاطرت متدفقة إلى ذهني وذاكرتي شهادات أندريه جيد وريتشارد رايت وإيغنازيو سيلون وآرثر كويستلر وستيفن سبيندر ولويس فيشر عن علاقتهم بالأحزاب الشيوعية التي انتموا إليها كمثقفين وخرجوا عنها حسبما هي واردة في ذلك الكتاب الذي أعدّ مادته في شكل حوارات وقدَّم له ريتشارد كروسمانThe God that Failed. وفيما قيل عنه أنه سِفر وقفت من خلفه أصابع دوائر المخابرات الغربية الخفية لتدفع به إلى ساحة حربها الباردة في جبهة الفكر والثقافة والصراع الأيديولوجي مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي المتحالف معه حينها، بالنظر إلى خلفية كاتبه المعادية للشيوعية وتصيّده لتلك الكوكبة من رموز المثقفين والمبدعين الشيوعيين المنسلخين من أحزابهم. وفي وصف عبد الله لنفسه كونه ضحيةً لما وصفه باعتداء الحزب عليه وخروجه متنكباً سبيل المتنبي ما يذكّرني بقول كويستلر في وصف تراجيديا علاقته بحزبه "لقد كنت دائما لأجلك هناك ..ولكنك آثرت الإلقاء بي في قارعة الطريق في أول منعطفات التاريخ ومنحنياته".
وكما قرأنا فإن مربط الفرس في هذه الاستقالة –حسبما زعمه عبد الله- هو ذلك الخرق الذي أوردناه لحينه. وسأقف عنده مطولاً وبالتفصيل. ولكن دعوني أوضح أولاً سبب اختياري للعنوان الفرعي لهذا الجزء من المقال "أنا ومن بعدي الطوفان". وبهذه الأنا أشير إلى كاتب الرسالة موضوع المناقشة.


العك التاريخي


قال عبد الله في معرض استقصائه لاستمرار هذا الخرق أثناء تناوله لملابسات إنزال الحاج وراق من عضوية سكرتارية اللجنة المركزية المؤقتة ومسؤوليته القيادية في مديرية الخرطوم
(كل ذلك تمهيداً لأن يمارس (وراق) مسؤوليته في جبهة الثقافة وإعادة تنظيم هذه الجبهة التي اندثرت تماما في حياة الحزب". وفي سياق آخر متعلق بالخاتم عدلان قال عبد الله "لم يرد في خطاب الحزب الشيوعي حول خروج الخاتم ووراق تعييناً لصفة الخاتم في الحزب كما تم بخصوص وراق الذي قالوا عنه أنه كادر ثقافي ضل طريقه إلى القيادة السياسية).

وهنا أسأل الدكتور عبد الله على إبراهيم المؤرخ وأستاذ التاريخ الإفريقي في جامعة ميزوري عن أي منهج في علم التاريخ استخدم في استقصاء هذه المعلومات اليقينية القطعية التي أوردها عن استنجاد الحزب بالحاج وراق لقيادة العمل الثقافي فيه تأسيسا على قوله باندثارها تماما في عمل الحزب–بعد خروجه عنه في ما لم يصرح به عبد الله؟ أليس استقصاء الحقائق والتحقق من صدقيتها وموثوقيتها سواء كانت في مصادرها الشفوية أم المكتوبة هما الأساس الذي يقوم عليه علم التاريخ بشتى مدارسه واتجاهاته التحليلية أم أنني مخطئ يا بروف؟

وبطبيعة الحال فإن الدكتور عبد الله في غنىَ عن أسئلتي اللّحوحة هذه في أبجديات هذا الفرع من فروع المعرفة الذي وخط الشيب فيه رأسه وتمددت فيه صحراء صلعته اللامعة تحكى عن خبرات مكنونة راسخة لا يطالها الشك في كتابة التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي واقتفاء أثر كل شاردة وواردة في التراث الشعبي لبلادنا. وما دام الأمر كذلك، فما الذي منع عبد الله من التحقق من مدى صحة وصدقية معلومة جزئية كهذه في مسار تاريخ الحزب ومآلات ظاهرة الثقافة والمثقفين العاملين في صفوفه؟
وفي الإجابة، فقد استعذب عبد الله تناسي تلك القاعدة الأساسية في تقصي وتدوين حقائق التاريخ بدافع من الاستجابة الملحّة لغواية وهوى في نفس يعقوب. ذلك أن الحقيقة العارية التي سأذكرها ستفسد على عبد الله جملةً وتفصيلاً ذلك الإهاب الأسطوري التوراتي الإنجيلي الوهاج الذي كسا به خروجه العظيم من الحزب وكأنه الخروج الذي ليس من بعده سوى الطوفان وتوالي سنوات المحل الثقافي العجاف في صحراء الحزب التي ستنطفئ فوانيسه ويسدل الليل عليه ستوره لا محالة بعد ترحُّل حارس محرابه الثقافي الأوحد في مأثرته التي عنوانها "والخاسرون همُ" على لسان المتنبي وعلى طريقة صناعة الوهم وتضخيم دور الفرد في التاريخ. ولك مني سؤالٌ لحوحٌ آخر يا بروف: متى كان زوال الفرد -أياً كانت قدراته وإسهاماته ومواهبه- نذيراً ومؤشراً على خسران الجماعة و"نهاية التاريخ" بمنهجية وجدل علم التاريخ نفسه بمنظوره الماركسي الذي لا أشك بمعرفتك به؟ ما هذي "الخرابيط" المنهجية المعرفية كما يشيع القول في عامية أهل الخليج؟

نزع الإهاب الأسطوري عن رحلة الخروج


حتى لحظة السقوط المدوي لديكتاتورية نميري كان للمبدعين والمثقفين عامة، والديمقراطيين والشيوعيين منهم على وجه الخصوص، دور ملحوظ ومشهود في سِفر المقاومة السودانية الباسلة لعسف نظام العسكر وبطشه ودمويته. وفي إطار تلك المقاومة كانت ليالي الشعر والسينما والعروض المسرحية والتشكيلية والمنتديات الثقافية في الجامعات والمعاهد العليا، وكانت الأماسي الموسيقية وحلقات النقاش والنشاط النابض إبداعاً وفناً وثقافة في شتى مدن السودان، في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، في مدني وعطبرة وكسلا وسنجة وسنار والفاشر ونيالا، في واو وجوبا وبورتسودان وغيرها. وكانت كلية الفنون الجميلة والتطبيقية ومعهد الموسيقى والمسرح منارتين للوعي والاستنارة في ظلمة ليل العسكر الطويل البهيم. وكانت مجلتا الخرطوم والثقافة والملاحق الثقافية في صحيفتي الأيام والصحافة من النوافذ المشرقة الوضيئة التي أطل منها العشرات من أبرز رموز المثقفين السودانيين، بمن فيهم رموز أبادماك. وكان فيها بارزاً دور الأخوان الجمهوريين في حلقات النقاش ونشر الاستنارة والوعي بمقارعة الحجة بالحجة والمنطق في وجه الإرهاب الفكري الأخواني المتطرف للطفيلية الإسلامية الناشئة المتمددة حينها كما السرطان في جسد الحياة السودانية ومفاصلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في خواتيم عقد السبعينيات ومطالع عقد الثمانينيات التي شهد منتصفها قبيل اندلاع انتفاضة مارس أبريل 1985 اغتيال شهيد الفكر وحرية الضمير الأستاذ محمود محمد طه. وقد كان المثقفون الشيوعيون والديمقراطيون حضوراً في كل ذلك المشهد الثقافي المحتدم بعنفوان الصراع الاجتماعي الطبقي الفكري الحاسم رغم غيابك وترحُّلك عنهم أيها الرفيق عبد الله في زمان الشدة والمحنة التي أحكمت قبضتها الخانقة بتلابيب الوطن ومناراته وطلائع فكره ومثقفيه.

وحناجر الهتاف والنشيد والزغاريد لم تهدأ بعد عقب سقوط نظام الفرد في عام 1985، دعت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب إلى عقد اجتماع للأدباء والكتاب والمبدعين الشيوعيين. وخاطب الاجتماع الزميل السكرتير العام محمد ابراهيم نقد الذي استهل حديثه بالتحية والثناءعلى دور المثقفين وصمودهم في معركة الدفاع عن حرية الثقافة والإبداع وتمسكهم بأدوات عملهم في وجه عسف وعنف نظام حكم الفرد. ثم تحدث نقد عن ملابسات استقالة عبد الله على إبراهيم وإنهاء تفرغه وخروجه عن الحزب بقوله (لم يوضح لنا عبد الله أسباب استقالته من الحزب، ونعلم أنّ له أسبابه، ولكنه سلّم ما لديه من وثائق وممتلكات للحزب وخرج فجأة، وقررنا من جانبنا أن لا نعاديه وأن لا نهاجمه). ثم مضى الاجتماع إلى مناقشة البنود المدرجة على جدول أعماله وعلى رأسها إعادة تشكيل مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين.وبالفعل أعيد تشكيل المكتب الذي غادره عبد الله منذ عام 1978 في ذلك الاجتماع بقيادة الزميل الراحل الخاتم عدلان وعضوية كل من الزملاء كمال الجزولي ود. بشرى الفاضل وسليمان محمد ابراهيم والزميل الموسيقي الراحل عبد الرحمن عبد الله والتشكيلي صلاح حسن عبد الله وشخصي، عبد الجبار عبد الله.

وهنا أكرر السؤال: من أين أتى عبد الله المؤرِّخ الحاذق بقوله الأكيد القاطع باندثار هذه الجبهة تماما في عمل الحزب منذ عام 1978 وحتى لحظة استغاثة الحزب بالحاج وراق لإعادة تنظيمها قبل خروجه عن الحزب بقليل في خواتيم عقد التسعينيات؟ ثم من أين أتى بنفي الصفة الثقافية عن الخاتم عدلان في أروقة الحزب عدا ما التبس عليه من بيان حزبي وبعض كتابات أخرى ليست الثقافة هماً أساسيا لها في عمل الحزب اليومي؟ لست أدري والله ماذا سيفعل عبد الله بهذا العك التاريخي الذي لا يليق ولا مسوِّغ له سوى مأرب الحفاظ على السَّمْت الأسطوري الملحمي لخروجه عن الحزب وانطفاء فوانيس البندر من بعده فيما يشبه أسطورة الطوفان وحلول السنوات الطوال العجاف تأتي على كل شيء ويحطوطب فيها عشب إشراقة الذي يزعم أنه هو الذي غرسه وحده في حديقة الحزب.

ولم تكن إعادة تشكيل المكتب الذي غادره عبد الله سوى نقطة الانطلاق لجهد واسع مثابر ممتد طوال سنوات الديمقراطية الثالثة القصيرة التي سبقت انقلاب الإنقاذ في يونيو 1989 وما بعده في جبهات التشكيل والموسيقى والمسرح والكتابة الإبداعية بمختلف أشكالها. ولعلَّ عبد الله على علم بدور الزميلين كمال الجزولي وبشري الفاضل إلى جانب على المك والياس فتح الرحمن وغيرهما من المبدعين الوطنيين والشعراء والكتاب والنقاد الشباب في تأسيس اتحاد الكتاب السودانيين الذي كان موضع اهتمام ونقاش مستمر في اجتماعات المكتب بما كان يمور به من حيوية ونشاط أسبوعي شمل ضمن ما شمل تقديم الأصوات الجديدة للشعراء الشباب: حافظ محمد خيروالصادق الرضي، وأمسيات الفيتوري ومظفر النواب ومحمود درويش ومرسيل خليفة وليالي الطيب صالح وجيلي عبد الرحمن، فضلا عن النشاط الأسبوعي المنتظم لعضوية الاتحاد . وفي السياق نفسه أنشئت دار الوسيلة للطباعة والنشر، التي تولى رئاستها الخاتم عدلان حتى ساعة الانقلاب وسرعان ما داهمها عسس الإنقاذ واستولوا على كل ما فيها من كتب ومخطوطات للنشر. وبالمثل كان الاهتمام من جانب المكتب بشتى مؤسسات ومنابر المبدعين القائمة حينئذ: دار الفنانين، الإذاعة والتلفزيون والمسرح القومي، مصلحة الثقافة، المجلس القومي للآداب والفنون، مركز دراسات الفولكلور، معهد الموسيقى والمسرح، كلية الفنون الجميلة، وحدة أفلام السودان، نادي السينما السوداني ومؤسسة الدولة للسينما..إلى آخره. وتابع المكتب إصدار صفحة "فنون" بجريدة الميدان في طبعة التابلويد الأولى، ومن بعد إصدار الملحق الثقافي لجريدة الميدان الذي أشرف عليه ابتداءً الزميل محمد عثمان مكي، ثم توليت أنا وصديقي الزميل عبد الله محمد عبد الله "عبد الله فلوت أو عبد الله ود السجانة" مهمة الإشراف عليه حتى عدده الأخير الذي صدر يوم الجمعة 30 يونيو 1989 وتلقفته أيادي القراء والمهتمين من المكتبات أثناء المارشات العسكرية التي كانت تؤذن بقدوم جحافل تتار الإسلاميين الأوباش.

وكانت مناسبة الاحتفال بالعيد الأربعين للحزب تظاهرة ثقافية إبداعية دلت على مدى عمق جذور الحزب الممتدة في أوساط المبدعين: الفعل الإبداعي التشكيلي الباهر وكتاب العيد الأربعين، الكورال الموسيقي الذي غنى وعزف فيه ألمع نجوم الموسيقى السودانية وفنانيها بمن فيهم أعضاء الحزب، عروض الفرق الشعبية الموسيقية الراقصة، ليلة المسرح التي شارك فيها المسرحيون بجميع اتجاهاتهم وتياراتهم الفنية، الليالي والقراءات الشعرية التي ازدهت بعبقرية محجوب شريف وحميد، كل ذاك الزخم الإبداعي الذي ميز الحزب عن غيره من سائر الأحزاب السودانية من حيث علاقته الراسخة بالمبدعين.

ولم يكن مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين وحده العامل في جبهة الفكر والثقافة في إطار الحزب، بل كان هناك مكتب التعليم الحزبي الذي أسهمت في جهوده الرامية إلى تعميق المنهج الماركسي وترسيخه عميقا في آفاق الثورة السودانية كوكبة من ألمع مفكري الحزب ومثقفيه: د. سعاد ابراهيم أحمد، د. فاطمة بابكر، د. محمد سعيد القدال، د. محمد سليمان، الخاتم عدلان، الأستاذ محمد عثمان مكي العجيل وغيرهم كثيرون. واتقدت فوانيس البندر التي زعم عبد الله انطفاءها في مسار الحزب أيضا بإسهامات الدكتور عبد السلام نور الدين والحاج وراق وأحمد الفكي بمشاركة الزميل خاتم عدلان في حقل الدراسات الإسلامية. وفي لجنة الدراسات الاقتصادية أشرقت شمس الزميلين صدقي كبلو وفاروق كدودة ود. فرح حسن آدم ود. كامل إبراهيم حسن وغيرهم من كوادر الحزب العاملة في حقل الدراسة الاقتصادية للواقع السوداني وآفاق تطوره وتحولاته في مسار الثورة الوطنية الديمقراطية. وفضلا عن ذلك، واصلت مجلة الشيوعي الداخلية إصداراتها المنتظمة بما عُرفت به من اهتمام نظري بتحليل ورصد أداء الحزب ومسار خطه التنظيمي السياسي في ضوء تحولات الواقع السوداني ومتغيراته.

المثقف وصخرة سيزيف

لقد أسستُ منازعتي هذه على فكرة تمايز الحزب الشيوعي ثقافياً عن بقية الأحزاب السودانية، وخصوصا التقليدية واليمينية منها، وعلى تقاعس عبد الله على ابراهيم عن الدفاع في حينه عن دور المثقف ومكانته وفضاء حريته حتى في إطار الحزب الشيوعي، ناهيك عن بقية الأحزاب السياسية السودانية الأخرى بإيثاره أقصر الطرق وأسهل الخيارات: الخروج احتجاجا على الإزراء بدور المثقف ومكانته في الحزب كما ذكر.

وفي الرد على الشق الثاني المتعلق بما أراه تقاعسا من جانب عبد الله في النهوض بدوره في تعزيز دور المثقف ومكانته في صفوف الحزب تحضرني قصيدة أخرى من بريشت في غنائية مديحه للرمز الثوري:

الضعفاء لا يقاتلون الأقوى منهم
ربما قاتلوا ساعةً،
أما من هم أقوى فيصمدون في القتال سنينا عديدة،
ولكنَّ أقواهم جميعا من يقاتلون طوال عمرهم،
وهؤلاء لا غنىً عنهم.


وهذه تقابلها في الشعر السوداني تغريدة مبارك بشير "نكحل اليوم مآقينا بمرواد الصلابة" في قصيدته "عرس الفداء". وتقع هذه الصورة الجمالية الشعرية التي تَغنَّى بها بريشت ومبارك بشير عن الروح القتالية للمناضل الثوري –المثقف بالضرورة- وقع الحافر على الحافر مع السؤال المحوري الذي أثاره المفكر الرفيق الشيوعي اللبناني الشهيد مهدي عامل: كيف يمكن للمثقف أن يستقيل من نضال ينتصر للديمقراطية، هو أوكسجين الفكر والأدب والفن؟ وبالمثل كيف جاز لعبد الله –وهو رمز المثقفين الثوريين في الحزب- أن يرفع عن كاهله تلك الصخرة الأسطورية التي كُتِب عليه الشقاء بحملها عن مثقفي الحزب–والمثقفين عموما بحكم مسؤوليته القيادية التاريخية في جبهة العمل الثقافي الثوري. من الذي أطفأ الفانوس الذي كُلّف بحمله في هذه الحالة: الحزب أم عبد الله؟ وهل يجوز الفرار بالجلد سالماً منذ الوهلة الأولى في مواجهة البيروقراطية الحزبية وعسفها الإداري الذي حكى عنه عبد الله في روايته أحادية الجانب التي ساقها في معرض تبرير استقالته –التي تخفي وراءها في واقع الأمر غوايات ومآرب أخرى-؟

وإذا ما استبعدنا في هذه المناقشة –لأسباب وتدابير تكتيكية مفهومة في فن المحاورة قصة دعوته الحزب إلى الانخراط في مصالحة نميري 1977- والعَوْدُ أحمدٌ وآمن إلى رحاب العلم والمعرفة وحدهما- فإن للمفارقة أن لتلك الاستقالة صلة بكتاب من كتيبات التعليم الحزبي قدَّم فيه عبد الله إسهاماً عن "الانقسام وقانون تطور الحزب" وما دام الأمر كذلك، أليس الصراع الفكري داخل الحزب أحد أهم ركائز القانون الباطني لتطوره؟ إذن ما الذي منع عبد الله من خوض الصراع الفكري في حينه وفاءً بمسؤوليته التاريخية وتعزيزا للمثقف ودوره داخل الحزب نفسه الذي أتى يحدثنا عن انطفاء فوانيس المعرفة فيه من جراء الاستهانة بالمثقف بين صفوفه بعد هاءِ سَكْتٍ ربطت حلقه وراوحت مكانها دون أن تبرحه على امتداد 38 عاماً حسوماً اليوم؟

أليس الأحرى أن ينتفض في وجه ذلك التعدي وأن يواجهه عوضاً عن التوضؤ من مسؤوليته ونفض اليد عنها في مواجهة ذلك العسف الذي لم يكلف نفسه حتى عناء تبرير منعه نشر ذلك الكتيب عن التعليم الحزبي؟ أعلم وأثق بأنه كان في مقدور عبد الله أن يفعل ذلك لولا أن تعكّر مزاجه و"مسخ" عليه الحزب بعد رحيل عبد الخالق الذي ارتبط به ارتباطا شخصيا ووجدانياً فلم يجد في الحزب مكاناً يطيب له فيه المقام من بعده، ولولا أن له مآرب أخرى حكى لي عنها الأستاذ التيجاني الطيب وعن ذات البيت الذي حكى عنه عبد الله ، ولولا أن طغى كبرياء "أناه"الثقافي الجريح على الشعور بالمسؤولية الثورية التاريخية إزاء دوره وسائر رفاقه في الحزب من المثقفين الذين كان لهم راية وعنوانا ورمزاً.

ويفسر ذلك أيضا مأزق عبد الله في ما يتعلق بمسألة الصراع الفكري كما سأبيّن ذلك في خواتيم هذه المنازعة.

ونغني للجسارة

وهنا أعني بذلك الاستشهاد الجسور طرفا من تجليات القَدَر السيزيفي للمثقف حتى في صفوف الحزب نفسه كما بيّنه الشهيد عبد الخالق محجوب في وثيقته (قضايا ما بعد المؤتمر). ففي معرض حديثه عن دور المثقفين في صفوف الحزب جاء في صفحة 30 من تلك الوثيقة قوله:
(كان المؤتمر-والإشارة هنا إلى المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني المعقود في عام 1967- قد طرح هذه القضية باقتضاب وأكد على دور المثقفين الماركسيين في هذه الفترة، دور المثقفين الماركسيين في داخل الحزب وفي داخل الحركة الثورية. ويهمنا في المقام الأول دور المثقفين في داخل الحزب الشيوعي، لأنه إذا اتضح هذا الدور، وإذا تغلبنا على المصاعب التي تقف أمامه، فإنه من الممكن أن نوفر تطورا لحركة الفكر الماركسي بين الحركة الثورية ككل).

ومضي عبد الخالق في توصيف تلك المصاعب والعقبات بالقول: (إن ما يقف في هذا السبيل هو بؤس نظرتنا للمثقفين في بعض الأحيان وعدم إدراكنا للميزات التي تلتصق بهذه الفئة من العاملين في حركة الثورة). واستنتج عبد الخالق في هذا الصدد حاجة الحزب إلى كثير من الاحتمال لهذه الفئة حتى يأخذ بيدها بالتدريج إلى مواقع الماركسية وضد الاتجاهات الفردية لديها حتى يوضع المثقفون في وضعهم السليم داخل الحزب.

وأول ما يوحي به هذا النظر إلى فئة المثقفين في صفوف الحزب أن عليهم أن يحملوا صخرة سيزيف التي شقوا بها طوال عمرهم وأن طريقهم إلى تبوؤ مكانتهم كمثقين في الحزب ليس معبّداً ولا مفروشا بالورود والأحلام كما توخى عبد الله ، وأن عليهم أن يصارعوا ضد عقابيل التخلف وممارسات البيروقراطية التي تعترض سبيل عملهم ودورهم. وفي ذلك وعي وإدراك مبكر من عبد الخالق لطبيعة الحزب الذي تولى قيادته، والذي هو نتاج تاريخي للواقع الاجتماعي الذي نشأ فيه، بما فيه من ركام تخلف وأوجه قصور في النظر إلى المثقف ودوره في العمل بتلك الصفة في صفوف الحزب.

ولئن كان عبد الخالق قد تناول في الوثيقة المذكورة ضرورة التعاقد مع المثقفين الماركسيين لكي يعملوا في الحزب بصفتهم مثقفين، فإن لذلك ارتباطا وثيقا بحاجة الحزب في تلك المرحلة في مسار تطور حركته إلى التعامل مع المثقفين على ذلك الأساس، وليس معنياً به أن يتحول ذلك إلى قانون عام أزلي مطلق يحيل المثقفين إلى كهنة معزولين في صوامعهم عن حركة النضال الثوري كما نرى في هجاء عبد الله على ابراهيم الضمني والصريح لسيرة الخاتم عدلان والحاج وراق وفاروق كدودة. فبحسب مهدي عامل (منذ أن التحمت النظرية بالثورة، لم تعد الثقافة حكراً على نخبة من الكهنة. فلقد عمَّت ضرورتها حتى بات على العامل، كي يكون عاملا،ً أن يكون بأدوات إنتاجه المادي مثقفا،ً وعلى المثقف، كي يكون كذلك، أن يكون بأدوات إنتاجه الفكري كادحا.ً والإنتاجان واحد في سيرورة التاريخ الثوري، هذا الذي يؤسس لحرية اليد المبدعة. (انظر محاضرة مهدي عامل عن الثقافة والثورة).

هذا حديث يطول ويتشعب الجدل فيه على امتداد تاريخ الفكر الماركسي والنضال الثوري العملي سواء كان في السودان أم في غيره. ولكني أود أن أسرد سريعا جانباً من تجربتي الشخصية في العمل الثقافي في صفوف الحزب على طريقة "حقاً تحرسو ولا بيجيك حقك تلاوي وتقلعو" على قول محمد الحسن سالم حميد.

فبالرغم من أن الحزب لا يجيز قصيدة أو عملا موسيقياً أو لوحة تشكيلية أو غيرها من أشكال التعبير الجمالي الإبداعي للفنانين والأدباء بين عضويته، وبالرغم من فضاء حرية الفكر والبحث الذي تتيحه أشكال عمله التنظيمي في هذه الجبهة، ما تزال العقبات والعراقيل البيروقراطية ورواسب سطوة السياسي على الثقافي قائمة وما برحت تطل برأسها من حين إلى آخر في التعامل مع الإنتاج الفكري والإبداعي الجمالي والنظر إليه، وهو بالضبط ما ألمحت إليه وثيقة "قضايا مابعد المؤتمر" باستباقها النظري المبكر لطبيعة هذه العقبات والعراقيل التي تعترض عمل المثقفين والتي يتعين على الحزب مواصلة العمل على تذليلها وإزالتها بما يمكّن المثقفين من مزاولة نشاطهم بأريحية بأدوات عملهم الفكري والإبداعي. وذلك أمرٌ يطول أمده بطبيعة الحال، ولن يتحقق بين ليلة وضحاها في مسار المعافرة والصراع الفكري اليومي ضد مظاهر وموروثات التخلف ومحمولاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية بجميع أشكالها في عمل الحزب وأدائه، ولا بد من الصبر والمصابرة عليه. وإلا ما صدح الرفيق الفلسطيني توفيق زياد بشعريته الملهمة على الصبر على "طويلة العمل الثوري " هذه بقوله:

طويلٌ كالمدى نفَسي
وأتقنُ حرفةَ النملِ.
على مهلي
لأن وظيفة التاريخ...
أن يمشي كما نُملي!




أقول هذا وأنا استعيد ذكريات تجربتي في تحرير "صفحة فنون" في جريدة الميدان خلال الفترة التي سبقت إصدار ملحق "الميدان الثقافي" فيما بعد. حينها كان يتولى مهمة سكرتير تحرير الجريدة المرحوم الأستاذ مكي عبد القادر. وكما هو معلوم، فإن خلفية مكي وسيرته في الحزب تحمل كثيرا من ملامح وعناصر عقلية العمل السري التي راهنت على الحفاظ على بقاء الحزب والدفاع عنه في وجه الحملة التصفوية الدموية الشرسة التي شنها نظام جعفر نميري وأجهزة أمنه على الحزب عقب انقلاب 19 يوليو 1971. بل يعود تكوين مكي الحزبي إلى ظروف العمل السري التي سبقت ثورة اكتوبر 1964.

وقد سيطرت تلك العقلية على أسلوب وطريقة إدارته للعمل التحريري اليومي للجريدة في عهد الديمقراطية الثالثة، بما في ذلك صفحة "فنون" التي كنت أتولى تحريرها حينئذ. كان مكي –شيوعيا صلداً أصمّاً صارم القَسَماتِ والروح، وقد كرّس حياته كلها لهدف الدفاع عن الحزب ضد أي خطر كان. ومن سوء الطالع أن طال ذلك ذات يوم لوحة تشكيلية للزميل الصديق التشكيلي الطاهر بشري وكانت شبيهة بأعمال الفنان عمر خيري في تكوينها وخطوطها ومساحاتها البيضاء والسوداء البديعة الباهرة. ارتاب فيها مكي فتحرك قرنا استشعاره: وضع نظارته على عينيه ثم رفعها ثم وضعها ثانية وهو يملي النظر في اللوحة ثم رفع رأسه موقناً واثقاً مما كان يود التأكد منه ثم قال لي: في هذه اللوحة هناك صورة بعيدة لامرأة عارية ولن نتمكن من نشرها ولا بد من استبدالها بلوحة أخرى يا زميل! ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الثانية التي يعترض فيها مكي على محتوى المادة المنشورة على الصفحة بذرائع شتى، استعنتُ فيها عليه في الأقل منها بالأستاذ التيجاني الطيب رئيس التحرير، واضطررت في إحداها للاعتذار للدكتور محمد أحمد محمود على مقال تحليلي مستنير رفض مكي نشره بذريعة فزاعة الدين وتجربة حل الحزب في عام 1965. ولكن كان اعتراضه الصارم العنيد الذي لا أرى أي مبرر له على نشر تلك اللوحة التشكيلية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ كان قد فاض بي الكيل فتركت الصفحة أمامه بموادها كلها وخرجت من باب الجريدة لا ألوي على شيء احتجاجاً –ولكن ليس كما خرج الزميل عبد الله على ابراهيم ولم يَعُد-.

وطال بي الغياب لبضعة أشهر متوالية غير أني عدتُ إلى الاستمرار في تحرير الصفحة نفسها بتدخل من الزميل صدقي كبلو والأستاذين التيجاني ونقد وفق شروط جديدة رُفِعت بموجبها عني سطوة الزميل مكي وتدخلاته الفظة الغليظة التي تتنافى وحرية العمل الإبداعي التي لا خلاف فكري عليها في الحزب.

كانت تلك معركة هامة حاسمة كسبتها لصالح حرية العمل الثقافي الإبداعي في إطار الحزب ومنابره الجماهيرية حتى تُوّجت بانتصار أكبر وفي ذات الاتجاه والشروط لصالح "الميدان الثقافي" فيما بعد، الذي توليت تحريره كما أسلفت بالاشتراك مع الزميل عبد الله محمد عبد الله. ولإدراك الأستاذين نقد والتيجاني بتلك التجربة المريرة مع "صفحة فنون" ما زلت أذكر ذلك الاجتماع المشترك بين سكرتارية اللجنة المركزية ومكتب الكتاب والفنانين الذي قررت فيه السكرتارية تعييني نائبا لرئيس تحرير "الميدان" لتولي مهمة تحرير الملحق الثقافي. وكان الهدف الرئيسي من ذلك القرار إعلاء شأن العمل الثقافي وتحريره من سطوة سكرتارية التحرير الخانقة وتدخلاتها فيه. وتلك خطوة نحو البراح والأريحية الثقافية. واليوم، يزاول جميع الزملاء والزميلات مختلف أشكال نشاطهم بقدر وافر من الرحابة والحرية بقيادة "هيئة المبدعين" التي خلفت في التسمية وتولي المهمة "مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين" الذي أُوكل أمره في عهده الباكر للزميل عبد الله علي ابراهيم. بل يجري الحديث الآن عن ضرورة إنشاء مركز للدراسات والبحوث بهدف الارتقاء بمستوى الكدح النظري الفكري داخل الحزب.

وقد رُمتُ القول من وراء هذا السرد أن "السايقة واصلة" وإن كانت "سايقة" مثقفي الحزب في صراعهم الفكري الداخلي ابتغاء تحرير إنتاجهم الفكري الإبداعي من هيمنة البيروقراطية وطغيان السياسي الحزبي على عملهم. وقد كان العشم في أن يصابر عبد الله على ذلك الصراع وأن يكحل عينيه بمرواد الصلابة في الدفاع عن عرينه الثقافي الذي كُلِّف بحراسته والذود عنه ونال ثقة الشهيد عبد الخالق المطلقة في أهليته للقيام بذلك الدور.


ولم أقصد بالطبع من هذ السرد الانتقاص من قدر مكي ولا النيل من سيرته وسمعته وهو غائب عنا في عليائه، إنما أوردته نموذجا لأشكال وتجليات البيروقراطية الإدارية الحزبية التي تنتقص-بل تصادر أحيانا- حرية العمل الثقافي الإبداعي المتفق عليها في إطار الحزب.

وهأنذا أسمو بنفسي بعد كل تلك السنين الطوال على كل ما سببته لي تلك التجربة من عنتٍ وضيق لأتغنى بسيرة ثبات مكي وإخلاصه وتفانيه في خدمة الحزب التي ليس أدلَّ عليها من استشهاده في مدفعه مثلما استشهد عبد الفضيل، وأعني بمدفعه هنا جريدة الميدان السرية التي كان يتولى تحريرها وتأمينها إلى أن فارق الحياة في تلك الظروف المأساوية العصيبة التي فرضتها عليه ديكتاتورية الإنقاذ الفاشية في باكر عهدها وعنفوان هجمتها على المعارضة إجمالا، وعلى الحزب الشيوعي وجريدته السرية على وجه الخصوص.

فعندما تسلّمنا راية الدفاع عن عرين الميدان السرية، كانت تتناهى إلى مسامعنا تهديدات الرائد ابراهيم شمس الدين حينها ووعيده وأوامره المتكررة لعناصر جهاز الأمن بأن يسلِّموا إليه شخصيا كل من يُشتَبه مجرد اشتباه بأنَّ له علاقة بالميدان السرية.

وكان الزميل الراحل مكي على علم بذلك المصير الجهنمي الذي نصبه له السفاح ابراهيم شمس الدين، ولكنه لم يتوانَ في فضح ممارسات وبطش نظام الإنقاذ، وواصل عبر صحيفة حزبه السرية إضاءة أحد الفوانيس الجسورة الباهرة في ليل ظلام الإنقاذ الكالح وفي غمرة هجمته الشرسة على حرية الفكر والتعبير وحرية الضمير، وهي ذات الهجمة التي أُزهقت فيها روح الطبيب المثقف الشيوعي على فضل الذي تعرَّض للتعذيب الوحشي حتى الموت. وها نحن نغني للجسارة وللموت الفدائي النبيل في تخليد ذكرى هذين الشهيدين وفي الوفاء لما قدماه لهذا الوطن.

وفي حُلكة تلك الأيام المقيتة التي وسمتها فظاظة حملة الدفتردار الانتقامية الإسلاموية الشرسة، بادر مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين إلى تنظيم حملة تضامن واسعة مع المعتقلين وضد التعذيب بأدوات الفن والإبداع والتعبير الجمالي . فعلى أساس الوقائع والإفادات التي رواها المعتقلون –ومن ضمنها وقائع تعذيب الدكتور فاروق محمد ابراهيم- التي نشرت في "الكتاب الأسود" الذي أصدره الحزب حينها- ومن بيانات التضامن والتنديد الإقليمية والعالمية، بما فيها بيانات منظمة العفو الدولية ومجلة New Scientist وغيرها تحولت تلك تلك الوقائع والشهادات المروعة إلى مادة شعرية غنائية عبر ورشة عمل شعرية خُصِّصت لذلك الغرض والهدف تحديداً وأسهم فيها عدد من شعراء الحزب وأصدقائه، ثم مضى المكتب إلى تشكيل فرقة موسيقية غنائية كاملة بعازفيها ومغنييها –بمشاركة عدد من الزميلات المبدعات اللائي يسقينَ الفولاذ، يأكلنَ النار ويَقدِلْنَ في هُوجِ الرياحِ جسارة وتحدياً- وتمكنت هذه الفرقة من إجراء بروفاتها المنتظمة سراً وبعيداً عن أعين العسس وصولا إلى اليوم الختامي الذي سُجِّلت فيه تلك الأغاني وصدرت في شريط كاسيت كان له أثر جمالي تحريضي واسع في رفع الوعي وحس التضامن مع المعتقلين وضد التعذيب وعسف أوباش الإنقاذ وزبانيته. وما يزال أثر تلك التجربة الموسيقية الجريئة ماثلاً في المشهد الموسيقي السوداني اليوم. وفي جنح ذلك الظلام أيضا مضينا في إنتاج شريط فيديو حتى مرحلة المونتاج أسهم في إعداد مادته أبرز الفنانين التشكيليين والمسرحيين والمصورين وعدد كبير ممن لهم علاقة بفنون الإبداع المرئي في تنفيذ السيناريو القائم على فكرة "مسرَحَة" مشاهد التعذيب وأجواء التحقيق وممارسات العنف وإهانة المعتقلين. وكان يلزم ذلك حشد العمل الدرامي وتكثيفه بعناصر التشكيل والرقص الحركي الإيمائي والموسيقى التصويرية إلى آخره. وشارك فيه ممثلون من خارج الحزب على الرغم من أنني أعلمتهم مسبقا عند مناقشتهم فرداً فرداً بأن مخاطرتنا تلك تحتمل أول ما تحتمل أن يُزج بنا جميعا في بيوت الأشباح نفسها وأن تُمارس علينا مشاهد التعذيب ذاتها التي كنا نحاكيها رقصاً وتمثيلاً وأداءً حركياً كما هي بحذافيرها. لن أذكر الأسماء حرصا على سلامة المشاركين في تلك المخاطرة الإبداعية الجريئة في ظل استمرار نظام الإنقاذ وعسفه حتى الآن. ولكن أذكر ضمنها المساعدة التي لا تقدر بثمن التي قدمها لنا عدد من الأصدقاء من خارج الحزب على مختلف المستويات وأشكال التضامن والعطف والمؤازرة، وأذكر من بين المشاركين في تمثيل تلك المشاهد وتحويلها إلى عمل درامي خلاّق صديقي الفنان المسرحي الراحل مجدي النور–الذي لم تكن تربطه أي صلة بالحزب- والزميلين الموسيقيين الراحلين عازف الكمان عبد الرحمن عبد الله والفنان مصطفى سيد أحمد الذي كنت أتحرَّج كثيرا في الذهاب إليه طلباً لتلحين الأشعار مراعاة لحالته الصحية حتى زجرني ذات مرة وقال لي بنبرة حازمة قاطعة: "شوف يا عبد الجبار: العمل ده حقنا كلنا وحق الشعب السوداني علينا وحق المعتقلين. مُش بس نصوص القصائد دي.. إذا قرر الحزب أن نلحن الكتاب الأسود كله ونغنيه بمادته النثرية نفسها... بس قول لي". وهذه شهادة مني للتاريخ في حق مصطفى سيد احمد، وتأكيد آخر لمعنى نبل الفنان المبدع وسخائه وبسالته غير المحدودين في الانحياز إلى شعبه في وجه حكم العسس الظلاميين أعداء الإنسان والفكر والثقافة ، ولمعنى أن يكون الفنان والمثقف ثوريا وضد أي ظلامية كانت بالضرورة. وفي جنح ذلك الدجى وليالي العسس الكالحة ذاتها -وهذا للتاريخ أيضا- كان يحرص الزميل السكرتير العام الراحل نقد على لقائي خارج مخبئه السري مخاطراً بحياته وأمنه الشخصي وأمن مركزه القيادي الحساس–وهو المختفي المطارد دوماً- لكي يتابع معي ما يدور في جبهة العمل الثقافي في حينه وبتفاصيله كاملة غير منقوصة. وقد كان بإمكانه أن يجنب نفسه أخطار تلك المجازفة المتكررة بمجرد الاضطلاع على تقارير النشاط الثقافي وهو جالس آمن في مخبئه لولا اهتمامه الذاتي بالتواصل الحي المباشر والمتابعة بنفسه لما يدور في جبهة العمل الثقافي. وهو اهتمام عرفته فيه منذ عهد الديمقراطية وأيام "صفحة فنون" و"الميدان الثقافي" يسنده شلالٌ من الذكريات التي لا تنسى، ليس مكانها هنا ولكني أورد لمحة سريعة منها لما لها من أهمية ودلالة وصلة بموضوع هذه الكتابة: حسين شريف جاء ليهو ثلاثة أيام وقاعد في البلد خلينا نمشى نزوره بعدين الليلة.. ودي ممكن تكون مناسبة نشوف معاهو فيها طريقة عمل ملف عن السينما بمشاركة كل السينمائيين، إنت عارف إنو حسن عطية عيان ليهو مدة؟ ليه ما تجري حوار مع بروفيسور عبد الله الطيب في الملحق الثقافي؟ ما في أصوات نسائية جديدة في مجال الكتابة الإبداعية؟ وين أحمد الطيب زين العابدين ودكتور حيدر ابراهيم من عملنا الثقافي؟ إيه رأيك نمشي يوم الأربعاء الجايي لافتتاح معرض عثمان وقيع الله في قاعة الصداقة؟ مصطفى سيد أحمد حيسافر للعلاج بعد يومين أحسن تحصلوا ولو بحوار قصير، Dynamics of Identification لفرانسيس دينق كتاب مهم ولا بد من عرضه وتلخيصه في الملحق الثقافي، وبرضو ديوان السر أناي Tears of Juba لا بد من ترجمة بعض قصائده ونشرها مع تقديمه، لقيتوا ليكم سكة تواصل مع عبد الله بولا وحسن موسى؟ ابراهيم اسحق موجود في البلد ولا مسافر؟ ضروري الاهتمام به، وعلى المك ..إلى آخره. وبينها وفي تفاصيلها الحية الطرية النابضة بالحياة في الذاكرة كيف لي أن أنسى تلك الرسالة الخطية التي سلمني إياها في قصاصة ورقية صغيرة استهلّها بمقطع الأغنية "والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في إيدا جواز سفر" عقب وصول جثمان مصطفى سيد احمد وذلك الموكب الجماهيري المهيب الذي سدّ شوارع الخرطوم ومضى في تشييعه حتى ود سلفاب. وقد كانت كلاب الأمن مسعورة وناشطة في تلك الأيام بالذات إلا أنه وبرغم ذلك أصرّ أن يلتقيني في جنح الظلام ليسلمني رسالة العزاء تلك التي نشرتها الميدان السرية ضمن عزائها المؤثر لجماهير مصطفى وعاشقي فنه حينئذ. ولي في عالم الموتى مودةٌ وأحزانٌ وأشجانٌ، ويشدني إليه حبلٌ قويٌّ متينٌ من مدادِ الروحِ والوجدان والذكريات..الذكريات. فالذكرياتُ أمامي أراها دائما وليست خلفي بأية حال.

ذلك فانوس آخر أضأناه في حلكة الليل في ذات الوقت الذي كان يؤازر فيه عبد الله حكم العسس على إطفائه، وإن لم يكن يقصد إلى ذلك مباشرة بمشاركته في باكورة مؤتمرات الإنقاذ ومنتديات حوارها الظلامية البائرة.


أحرامٌ على بلابله الدوح؟


ولما كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد شقّ عليّ كثيرا أن أتجرّع مرارة هجاء عبد الله على ابراهيم وهجومه الشرس على من لم يعودا بيننا ليدافعا عن سيرتهما وسخاء عطائهما خلال مسيرتهما النضالية والفكرية الطويلة في صفوف الحزب. وأعني بهذين الزميلين فاروق كدودة والخاتم عدلان. فقد سدد عبد الله إلى صدرهما سهما مسموما قاتلا في رسالته هذه بدعوى تخليهما عن دورهما الأساسي بصفتهما مثقفين في صفوف الحزب وسماحهما بإزراء الحزب بهما من جهة، ثم لتهافتهما –في ما غمز إليه عبد الله من طرف خفي في رسالته- على بريق السلطة السياسية وأضوائها تاركين بذلك مهمتهما الأساسية التي تعاقدا عليها مع الحزب. وأزرى بهما عبد الله أيما زراية بحجة انقطاعهما عن التأليف والنشر. وبلغ به الحد أن وصف حالة فاروق كدودة بالمأساة نظراً لغياب أي كتب منشورة باسمه.

وفي معرض التعليق السريع على ذلك أقول عن علمٍ ويقينٍ أن ما أسهم به فاروق كدودة وصدقي كبلو وغيرهما من الزملاء في لجنة الدراسات الاقتصادية منذ فترة نظام نميري وخلال فترة الديمقراطية الثالثة وما بعدها في ليل الإنقاذ الكالح، لو نشر بأسمائهم لدبّج عدة مجلدات رصّعتها أقلامهم بأحرف من نور. وعلى المنوال ذاته صدق الدكتور الباقر العفيف فيما قال به عن الخاتم من أن إسهاماته المتناثرة هنا وهناك في أدبيات الحزب تعادل مجلدات بكاملها وتشهد على سيرة مفكر عظيم. وليس أدل على ذلك من إسهاماته الوضيئة النيرة في مجلة الشيوعي النظرية الداخلية ودوره في تحريرها. ولكنها حقيقة وقَدَر مثقفين من طراز آخر يستخف بهم عبد الله ويستعلى عليهم، نشأوا على قيم –لا يستسيغها عبد الله فيما يبدو- مدادها الإيثار ونكران الذات وتقديم العام على الشخصي والخاص، وترعرعوا بدوافع تخليق الوعي النظري الذي يتحول بفعل الممارسة العملية في مجرى النضال الحقيقي إلى قوة مادية تزعزع أركان القهر والاستبداد أياً كانت. وقد أفنى كلاهما أزهى سنوات العمر في إضاءة الممارسة السياسية الجماهيرية للحزب بوقود الوعي النظري وتجلياته وإشراقاته المعرفية الوضيئة. وبالنسبة لكليهما لم يكن ثمة انفصام في النهوض بدور المثقف بين المعرفة والفعل الثوري الخلاق. وهو ما يهمله دماغ عبد الله فتنصرف عينه عنه ويتجاهله تماما في منازعته هذه!

ثم من قال سوى عبد الله إن الثقافة هي فعل الكتابة والنشر وكفى؟(فليست الثقافة كتابة، وإن كانت الكتابة من أركانها. إنها تمَلَكٌ للعالم في حلم أو حقل أو مصنع. أما المثقفون، فهم المنتجون بأيديهم وأدمغتهم ضد أنظمة القمع والاستغلال والجهالة فكراً فنا وجمالاً هو حبٌ للحياة) على حد قول مهدي عامل الذي يردف ذلك بالدعوة مباشرة إلى (إذن، فليدخل الفكر المناضل في صراع يستحث الخطى في طريق الضرورة الضاحكة. فهو اليانع أبدا،ً وهو اليقَظِ الدائم، في الحركة الثورية ينغرس ويتجذرّ. يستبق التجربة بعين النظرية، ولا يتخاذل حين يفُاجأَ : يتوثبّ على المعرفة ويعيد النظر في ترتيب عناصره ليؤمِّن للنظرية قدرتها على التشامل، ورحابة أفق تتسع لكل جديد. هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعا نضاليا،ً ويتوق كل نشاط ثوري إلى التَعقلُن في النظرية) وذلك من لُحمة وسداة تأويلات ماركس وفهمه لدور الثقافة في مجرى الصراع العملي.

وما أوردت هذا إلا لأن أصل إلى الاستنتاج بأن ذلك هو ما تسنّى للخاتم عدلان وفاروق كدودة النهوض بقسط منه في تاريخ سيرتهما الناصعة في الحزب. وهو دور لا يمكن بخسه بأي حال إلا بعين الجحود والإجحاف بحق من أصبحا في حكم الغيب عن دنيانا. (أرأيتم أحدكم يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).

وترى عبد الله يقدح في سيرة الخاتم عدلان وفاروق كدودة واصفا إياهما بالتخلي عن دور المثقف والتهافت إلى مواقع القيادة السياسية في الحزب، متجاهلا في ذلك الضمور الذي حدث في عضوية الحزب وكادره الأساسي بفعل السرية المطلقة والقمع وحملات الاعتقال والتشريد والملاحقة المستمرة المثابرة التي تعرَّض لها الحزب خلال حكم الإنقاذ، عاقداً في الوقت نفسه مقارنة غير متكافئة الطرفين بسيرته هو التي يصفها باتساق الذات وتخندُقها في صومعة العمل الثقافي وحده.

"لا تنه عن خلق وتأتي مثله..." يا عبد الله، إذ ما تزال ذكرى ترشحك لتولي منصب رئاسة الجمهورية في انتخابات الإنقاذ قبل الأخيرة –والتي لا غاية منها كما تعلم سوى تزوير الإرادة الشعبية وإضفاء طابع شرعي على انقلابيي الإنقاذ- حيةً متقدةً في الذاكرة، وهو ما يتنافى وكل القدح الذي كلته في سيرة الخاتم وكدودة والحاج وراق بدعوى التخلي عن دور المثقف والتطلع إلى بريق السلطة الحزبية ووجاهتها.


ثم لا أظن أن في جلوسك في مؤتمرات نظام الإنقاذ وخوض غمار انتخاباته المزورة سلفا، ومسامرتك لرموز الإنقاذ من كارهي البشر وأعداء الشعب وجلاديه الأوباش المبغوضين ما يخدم قضية تعزيز الثقافة وحرية الفكر، ويصب في أفق الحلم الإنساني المشروع إلى العدالة والحرية والمساواة والسلم والديمقراطية في بلادنا. ولا ريب ولا تثريب في أن تلك المجالسات والمسامرات تعزز مآرب وغوايات أخرى لا صلة لها البتة بالثقافة والفكر، ولن ينخدع فيها أهل الفن والثقافة من القابضين على جمر إبداعهم يتلظون به وهم يتطلعون إلى ذلك الحلم اليوماتي ويسعون إليه حثيثاً بأدوات إبداعهم وفنهم الحر. ذلك (إنها البداهة في ضرورة أن يكون المثقف ثائرا، أو لا يكون، وفي ضرورة أن تكون الثقافة للفرح الكوني،ّ ضد كل ظلامية، أو لا تكون) في اقتطاف ختامي أخير مني لمهدي عامل.


كيف نقرأ مغزى رسالة عبد الله بعين أرسطو؟


قال عبد الله في رسالته: ولكني أردت أن يكون بياني عن هذا الخروج في وقتي المناسب لأؤسس للقضية الجوهرية فيه وهي علاقة الحزب الشيوعي بمن عرض أن يعمل كمثقف في أروقته و"بشاتن حاله" بعدها.

وبعد أن استطرد في تناول مصيري الخاتم عدلان وفاروق وكدودة نعى كليهما بقاسم مشترك واحد هو عدم نشر أي كتاب ذي قيمة تُذكر، لا فاروق في مجال الاقتصاد ولا الخاتم في مجال الفلسفة. وقال عن الخاتم حرفياً: وهذه جناية كبيرة من الحزب بحق مشروع مثقف قرأنا له في سنواته بجامعة الخرطوم جدله الراقي مع الفكرة الجمهورية.

ثم يستنج مستطردا: وهي الجناية التي وصمت تربية الحزب لكادره الثقافي الذي جاء ليعمل كمثقف فمسخوه.
وهي جناية هذا الكادر على الحزب لأنه لم يتمسك بالعروة الوثقى من وصفه الوظيفي في التعاقد معه.
وصولاً إلى: (ولا داعٍ بالطبع للقول بأن جنايتهم على أنفسهم أفحش. فيوصف في عرف المهنة بالإلحاد من لا ينشر بينما لا يقوم عمله بغير الكتابة). واللافت للنظر هنا أن الخاتم عدلان قد تكلّس معرفيا وفلسفيا في نظر عبد الله منذ جدله الراقي مع الفكرة الجمهورية في سنوات دراسته بجامعة الخرطوم كما قال، في حين جفت ينابيع المعرفة الاقتصادية لدى فاروق كدودة فلم يعد منتجاً لها بدليل عدم نشر أي كتاب يذكرك باسمه!

وفقاً لمعادلات المنطق الصوري Formal logic الذي يضرب بجذوره التاريخية الفلسفية في تعاليم أرسطو ومنهجه القائم على الاستنباط والاستقراء في الوصول إلى كبد الحقيقة يُقرأ المغزى الرئيسي لرسالة عبد الله كما يلي:
*الكفيل السياسي في الحزب (وكلمة كفيل كما نعرفها في مصادرها الخليجية مقصودة هنا في رسالة عبد الله بكل ما تحمل من دلالات علاقات السُخرة والاسترقاق بشكله الحديث في سوق العمل) هو الذي يحدد للمثقف أين يكون ومتى شاء، وله وحده السلطة المطلقة في تسخير المثقف وفق هواه ثم يردف ذلك بالسخرية منه. "يسخرهم ثم يسخر منهم".

 يخضع المثقفون في صفوف الحزب طوعا وإرادة لسلطة الكفيل السياسي وهيمنته عليهم.
 يتخلى المثقفون في الحزب تدريجيا عن مهامهم الثقافية التي تعاقدوا عليها ويهجرونها طوعا وإرادة إلى موقع الكفيل السياسي.

 الحزب الشيوعي لا قوام له دون أن يؤسس عمله على تملُّك الواقع نظريا وتعميق المعرفة به ليتجاوز بذلك عموميات الماركسية التي ولج بها إلى ساحة العمل السياسي الجماهيري في باكر نشأته، على نحو ما جاءت به وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" وأورده عبد الله في رسالته.

فإلى ماذا نخلص من هذه الأطراف الأربعة لمعادلة المنطق الصوري التي نقرأ بها مغزى رسالة عبد الله؟
 ليس الحزب الشيوعي السوداني مكاناً لائقا بكم أيها المثقفون لأنكم ستُمسخون فيه واحدا تلو الآخر وتتحولون فيه إلى غرباء عن الثقافة والحزب الذي اخترتم أن تعملوا فيه كمثقفين بجريرة هيمنة الكفيل السياسي الذي دأب على خرق تعاقده معكم على وظيفة المثقف. ولذلك فقد كنتُ أنا أول الخارجين.

 سيكون الحزب بلا مثقفيه "خالي ذهن" وتنطفيء فوانيس المعرفة فيه بعد أن يهجره مثقفوه لا محالة.
 لا داعٍ لوجود حزب "فوانيسو البيوقدن ماتن" ففقد بذلك علة وجوده (raison d'être) وقوته الفكرية المحركة لنشاطه القائم على "فوانيس المعرفة الضوايات" أساسا.

وبذلك فهي رسالة يتعارض مغزاها الضمني المخبوء مع خطابها الصريح المعلن الذي يبدو عليه الحرص على تعزيز الثقافة والمثقفين في أروقة الحزب. و"هي تلاتية لكن قدّها رباعي" زي شملة كنيزة!


كعب أخيل

أعلم مسبقاً أن عبد الله سيزج بي زجاً بفعل هذه المناكفة إلى أسفل سافلي زمرة أولئك الذين وصفهم في ختام رسالته بقوله (وقد وقف في طريقي من الأقربين الأشقياء ما محنني في بعض خلق الله مَنْ هُم أذى الطريق) وأنه سيدعو لي مثلهم بأن (لعنهم الله في الدارين). وهذا مفهوم وله العتبى حتى يرضى، إن كان مربط الخلاف مع عبد الله شخصياً أو أنّ له أدنى صلة بما يتلاوم فيه الناس ويتراضون ويتسامحون فيما بينهم في سفاسف أمور دنياهم وحياتهم اليومية العادية.

ولكن ما محَّن خلق الله أجمعين –وليس بعضهم- أن كيف اتسق لكاتب ومفكر مبدع مرموق في مقام عبد الله على ابراهيم أن تكون نظرته إلى النقد والصراع الفكري معه بهذا البؤس الذي ينحدر بمن يجادلونه فكرا ورأيا عنده إلى ختمهم بوصمة "أذى الطريق" و"لعنة الله عليهم في الدارين". وأين يجد عبد الله مكانا لكل هذا التبرُّم من النقد والخلاف الفكري من منهج الجدل الماركسي في صراع الأفكار وتشكُّل نظرية المعرفة وتخلّق الجديد من رحم القديم على مستوى النظرية والممارسة في مجرى الإنتاج الفكري الهادف إلى تملُّك الواقع وتغييره منذ أن نشر ماركس بيانه الشيوعي الشهير؟ وأليس الصراع الفكري والنقد والنقد الذاتي من أبجديات توطين تلك الفكرة وغرس جذورها عميقا في نظرية الثورة السودانية، بما في ذلك ركيزتها اللائحية التي أسهم عبد الخالق في إرسائها منذ بواكير نشأة الحزب؟

كنتُ قد ذكرتُ آنفا أن بعض الأسباب المحتملة بقرائن الأحوال لترحُّل عبد الله وخروجه –غير قصة المصالحة الوطنية مقطوعة الطاري حقة جعفر نميري ديك "لعنها الله في الدارين"- أنه قد "مسخ" عليه الحزب بعد رحيل عبد الخالق الذي ارتبط به ارتباطا شخصيا وأولاه فيضا من الإعزاز والتقدير والعناية، وأردفتُ ذلك بالقول إنه مضى احتجاجاً على كبرياء "أناه" الثقافي الجريح، أكثر منه احتجاجاً على زراية الحزب بالمثقف، وإلا لوقف ودافع عن هذا المثقف بأدوات احتجاج أخرى غير الخروج.

على أنّ "كعب أخيل" الأزلى في سيرة عبد الله هو هذه النرجسية المتعالية على النقد والخصومة الفكرية، وكأنه وحده الممسك بناصية المعرفة والحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها. وذلك هو مكمن الضعف الذي أدى به إلى ذلك الخروج التوراتي الملامح والرمز والدلالة.

ولئن كنتُ –بين منتقديه- قد نثرتُ "عناقيد الغضب" هذه كلها عليه، فإن لي العذر في ما ينطوي عليه جام الغضب هذا وحممه الحارقة من عميق إعزاز وتقدير لإسهاماته وقدراته الفريدة، آهِ لو يدرك غورهما هذا المثقف الذي كان أحرى به أن يتكئ ويصعد إلى ذروة جبل شامخ يسمونه الشعب–كما قال أمل دنقل-في مواجهة عصور الظلامية والطوفان والاستبداد الفاشي، عوضاً عن عقلنة الاستبداد ومؤازرته فكراً وتسويغاً نظرياً.

ومكمن غضبي كله عليه أنه مثقف توفرت له من مقومات المعرفة وكنوزها ونواصيها، ومن الطاقة الإبداعية الخلاقة ما يكفي ويزيد لتجنيبه شر الانزلاق إلى عالِمٍ من طراز "فاوست" في كثير من ملامح تشوهاته وانمساخه. فكلما رأيته في انزلاقاته وتقلبات أحواله و"بشاتن حاله" هذه، طفقتُ أسألُ نفسي محتاراً مفغور الفاه مشدود الحاجبين: كيف له هذا الفصام والانحدار المريع المدوِّي من ذُرى أبادماك وإشراقات سلسلة كاتب الشونة، وحار جاف مترامي الأطراف، والسكة حديد قرّبت المسافات وكثيرا، والجرح والغرنوق، ووثيقة "نحو حساسية شيوعية" الباهرة وكل زخم ذلك التاريخ الشخصي الناصع الوضيء إلى مصارع "الإنقاذ" وأغوارها السَبِخة المُوحِلة؟ كيف يكون هذا بالله عليك يا رفيق الدربِ والضوءِ وحادي ذلك الحُلُمِ السَّماويِّ النبيل؟

يا عين يا عين يا عين!
يا ليل يا ليل يا ليل!
ويا لليالي العسس وعذابات الشاعر وسفور السلطان!


وختاما، لا يفوتني تعميماً للفائدة وإثباتاً لمصدر
المقتطفات التي أوردتها في إشاراتي إلى مهدي عامل، أن أحيل القارئ إلى هاتين الوصلتين لمن يرغب في قراءة نص المحاضرة أو مشاهدتها كاملة. فهي محاضرة في صميم الصميم، تماماً كالضرب بالعصا على الرُكبِ المستكينةِ الخائرة.

https://www.youtube.com/watch?v=bE39Tm1V_00
مهدي عامل –محاضرة الثقافة والثورة
https://sawtechaabe.com/?p=21884
نص المحاضرة كاملاً
[color=Font Color] [/color][color=Font Color] [/color][color=Font Color] [/color]
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في السبت سبتمبر 24, 2016 6:10 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام جبار
شكرا لك على هذه الاضاءات النيرة وانت ترصد اسئلة تتجاوز عبد الله وتفتح ابواب نحو المثقف ودوره
هذه الاسئلة ضرورية حتى وان اختار عبد الله عدم المشاركة
لماذا صمت طوال السنوات الطويلة الماضية
ما مغزى هذا الاوان لكتابة الرسالة
لماذا استثناء المثقف من المرسل لهم
لماذا صمت ولم يصدر اى احتجاج على مهانة المثقف واختار اقصر الطرق
هل كان من اسباب الخروج رايه فى مصالحة نظام نميرى((له كل الحق والحرية فى مواقفه السياسية ولكن لماذا لم يكتب مع كثرة ما يكتب عن رايه فى المصالحة))
((علمت مؤخرا انه كان مع المجموعة التى دعت لتاييد نظام مايو داخل الحزب وايضا لم يكتب عن ذلك الموقف))

انتقاده لانخراط الخاتم وكدودة فى العمل السياسى على حساب العمل الثقافى وتاليف الكتب وهو الذى ترشح لرئاسة الجمهورية

نرجسيته من نوع انطفاء الفوانيس بعد مخارجته
وخلو الذهن بعد ما فحط
ان فكرة منظر او مثقف الحزب على شاكلة ساسلوف فكرة لاتشبه الحزب الشيوعى السودانى

المثقف الحر والرافض لتغول السياسى هل مكانه المناسب مؤتمرات الانقاذ
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

شكرًا عزيزي محمد سيد احمد على اهتمامك بهذا الموضوع وقراءته والتعليق عليه . معذرة على عودتي المتأخرة إليك . اعجبني تلخيصك وتاكيدك لاهمية الأسئلة المثارة هنا لانها كما قلت تتجاوز عبد الله الى تعميق النظر الى ظاهرة الثقافة ودورها في بناء وطن نصبو اليه ونعمل لاجله. [font=Arial]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الزميل سيزيف

مشاركة بواسطة حسن موسى »









الزميل سيزيف

سلام يا عبد الجبار
و شكرا على مكاتيبك العامرة بالتفاكير،و قد استرعى انتباهي بينها مفهومك للعمل الثقافي و دور المثقف الثوري في السودان، و هي كما تعلم اسئلة عويصة ليس بيننا من يسطيع حزمها في اسطر نكتبها وسط زحمة المشاغل الدنيوية المتلاحقة[ سوى محمد سيد أحمد و قلة من أهل الرأي اللينيني .سلام يا محمد سيد أحمد].لكني ـ كما جاء في الأثر ـ أعمل بما أعلم و أطمح أن يرزقني الله علم ما لم أعلم و كدا.ـ
و في " ما أعلم"، يا عبد الجبار، أمور شتى في مركزها توجّسي من هذا الـ " ماأعلم" الغميس لكن الله كريم .ـ


كتبت يا عبد الجبار :ـ

"لكن كيف تسنى لعبد الله أن يستثنى بين تلك الفئات العريضة المترامية الأطراف التي وُجّهت إليها الرسالة "فئة المثقف" لب القضية وصاحبة "الوجعة" التي بنى وأسس عليها مرافعته ضد الحزب في علاقته بالمثقين في صفوفه؟"

لا أدري كيف فهمت أنت كلام عبد الله، لكني لم أفهم منه استثناء" فئة المثقف" من جملة الفئات التي توجه إليها بخطابه، ذلك أن " فئة المثققف" هي، في تعريفها الإبتدائي، فئة فضفاضة يمكن أن تشمل كل من يأنس في نفسه الكفاءة لتحمل تبعاتها[ طبعا "العافية درجات" و "ما كل مصقول الحديد يماني" كما جاء في حكمة الشعب و كذا].و في هذا المنظور فكل فئة من الفئات الواردة في مطلع رسالة عبد الله تملك أن تقدم مثقفيهافي ساحة المناقشة العامة فيتحدثون باسمها و يعقلنون مطالبها الرمزية و المادية و لا جناح و لا حزن.طبعا الجناح حاصل في حالة كونك تجعل " فئة المثقف" قاصرة على رهط الأدباء و الفنانين الذين هم ـ مشكورين ـ واظبوا على تصدّر محافل العمل العام منذ بدايات الحركة الوطنية التي تخلّقت في منتديات الجمعيات الأدبية في الحواضر السودانية.


كتبت يا عبد الجبار :ـ كثيرون" سوى عبد الله" قالوا و يقولون بأن الثقافة كتابة و نشر. و قولك ينطوي على شبهة جور في حق عبد الله الذي تشهد مساهماته النظرية [ و العملية]في الأنثروبولوجيا و الأدب و المسرح و السياسة عن سعة و تنوع نظرته الثقافية للواقع السوداني. و ربما قد ساقتك نحو هذا الإستنتاج مؤاخذة عبد الله للرفاق الشيوعيين على قلة كتابتهم و ندرة نشرهم.لكني عجبت من حرصك على إغلاق " فئة المثقف" في دائرة الأدب و الفن ،والذي يبدو في إصرارك على تعدادالمحافل الجمالية التي علا صوت قادتهافي معارضة الديكتاتورية العسكرية، أو كما قلت :ـ"

حتى لحظة السقوط المدوي لديكتاتورية نميري كان للمبدعين والمثقفين عامة، والديمقراطيين والشيوعيين منهم على وجه الخصوص، دور ملحوظ ومشهود في سِفر المقاومة السودانية الباسلة لعسف نظام العسكر وبطشه ودمويته. وفي إطار تلك المقاومة كانت ليالي الشعر والسينما والعروض المسرحية والتشكيلية والمنتديات الثقافية في الجامعات والمعاهد العليا، وكانت الأماسي الموسيقية وحلقات النقاش والنشاط النابض إبداعاً وفناً وثقافة في شتى مدن السودان، في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، في مدني وعطبرة وكسلا وسنجة وسنار والفاشر ونيالا، في واو وجوبا وبورتسودان وغيرها. وكانت كلية الفنون الجميلة والتطبيقية ومعهد الموسيقى والمسرح منارتين للوعي والاستنارة في ظلمة ليل العسكر الطويل البهيم. وكانت مجلتا الخرطوم والثقافة والملاحق الثقافية في صحيفتي الأيام والصحافة من النوافذ المشرقة الوضيئة التي أطل منها العشرات من أبرز رموز المثقفين السودانيين، بمن فيهم رموز أبادماك.

« 

و قد استبشرت خيرا، و أنا أقرأ تنويهك بدور الرفاق الذين حملوا بعض التنويع المعرفي لجبهة العمل الثقافي، حين كتبت مشيدا بدور الخاتم عدلان و عبد السلام نور الدين و الحاج وراق و أحمد الفكي " في حقل الدراسات الإسلامية" أو دور "صدقي كبلو و وفاروق كدودة ود. فرح حسن آدم ود. كامل إبراهيم حسن وغيرهم من كوادر الحزب العاملة في حقل الدراسة الاقتصادية للواقع السوداني".ـ و كنت أتوقع أن تستطرد في تفصيل مساهمات المثقفين " العلوميين"[ لو جازت عبارتي] الذين مازجوا الموهبة بالتجربة السياسية التقدمية و بالمعرفة الأكاديمية، سيّما و الشعب السوداني لا يعرف الكثير عن مساهماتهم في هذا الحقل البالغ الحيوية. لكنك يا عبد الجبار استغنيت عن صحبة الإقتصاديين و بقية " العلوميين" بصحبة الأدباء و الفنانينن لماذا؟.مندري؟ ربما لأنهم يتمتعون بحظوة حامل المسك الذي يطربك مجانا و أنت راقد تسمع ميتة ساكت ، و ربما لأنك في دخيلتك فنان شاعر يكدرك النظر في رطانة الإقتصاديين و جداولهم و إحصائياتهم، لكن شاعريتك لم تعصمك من استنكار عزوف عبد الله عن شقاء" سيزيف ».
« وبالمثل كيف جاز لعبد الله –وهو رمز المثقفين الثوريين في الحزب- أن يرفع عن كاهله تلك الصخرة الأسطورية التي كُتِب عليه الشقاء بحملها عن مثقفي الحزب–والمثقفين عموما بحكم مسؤوليته القيادية التاريخية في جبهة العمل الثقافي الثوري.  « . و هسع كان جيت للجد يا عبد الجبار، فأنا ذاتي ، لو كانوا خيروني بين قضاء أمسية سماع لمحمد الأمين ،أو سماع محاضرة للدكتور" سيزيف"، عفوا، أقصد الدكتور صدقي كبلو، عنوانها "تحولات الإقتصاد السوداني في منظور العولمة الرأسمالية " ، تفتكر حأختار شنو؟ما تقول لي " صخرة سيزيف"و حجر العسل و بتاع. و الله العمل الثقافي العام دا في الحركة الشعبية السودانية القدامنا دي ما مشى إلا بفضل الجماعة الطيبين الماشين ، مش " في طريق لينين"و خلافو ، لكن في " طريق الضرورة الضاحكة " القالو مولانا مهدي عامل في كلمته السديدة.[ معليش يا صدقي لكن كمان إقتصادكم دا ما بنقري للشعب السوداني لو ما رفعتوا عن كواهلنا عجمتكم البريطانية و صلّحتوا لفظكم العربي. بالله تصور كتاب فاطمة بابكر عن " الرأسمالية السودانية" صدر بالإنجليزية عام 1984 و انتظرت طبعته العربية 22سنة لتصل لعيال المسلمين في لغة القرآن. لكن دي كمان فولة تانية ].ـ
و الله يا عبد الجبار أنحنا، كفنانين تشكيليين منخرطين في العمل العام، الصخرة بتاعةالزميل "سيزيف" دا ما عتـّرت لينا و لا شفناها.و خلاصة أمرنا أننا شغفنا بصناعتنا و مازلنا بها شغوفين و مستمخّين. و كونو شغلنا الفني ظابط مع مسار حركة الثورة البروليتارية و مسار الحركة الديموقراطية، و مسار حقوق الإنسان السوداني و حقوق عيال المسلمين الواقفين في وجه غول رأس المال المعولم، فدي نعمة نحمد الله عليها، و لو ـ لا قدّر الله ـ بكرة لقيت روحي قدام قياس أقرن بين طريق الثورة الماركسية و طريق الفن [و هيهات و ستين هيهات]فدا طرفي من طريق الثورة الماركسية و " الله ما شق حنكا ضيّعو".


دفن عبد الله أب كراعا برة :ـ

دا كلّه كوم وتحاملك المتسرّع على عبد الله علي إبراهيم كوم تاني.عشان عبد الله دا ، يا عبد الجبار، ممكن الناس يؤاخذوه في الكثير من أوجه عمله العام ، لكن ما ممكن تلفـّق ليهو تهم جزافية و تدفنوا و كراعو برة، و أنحنا واقفين نراعي.و أنا بقول ليك كلامي دا عشان أول مرة قريت كلامك بتاع " الجراح القديمة" ديك، قلت"واو"، و ترجمتها في لسان أهل السودان :ـ " يا النبي نوح" :ـ

"..بهذه المناسبة أسألك: هل تقتصر أسباب خروجك عن الحزب على ما سقته من احتجاج على زراية الحزب بمثقفيه فحسب، أم أن لها صلة وثيقة أيضا بمنازعة داخلية بينك وقيادة الحزب حول دعوتك إلى ضرورة مشاركة الحزب في المصالحة الوطنية التي ما عقدها نظام مايو في 1977 إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته (لاحظ أنك أنهيت علاقتك بالحزب بعدها بعام واحد فقط هو عام 1978)؟ هذا هو السؤال الذي ينكأ الجراح القديمة ويقلّب المواجع التي يشيح عنها عبد الله بوجه المثقف الماركسي، يداري عنها ويخبئها في تلافيف اللغة البلاغية المخاتلة قدر المستطاع. »  
و بعدها قلت :ـ " تو مطش يا عبد الجبار" ، و ذلك حين قرأتك تعيد نفس إتهامك لعبد الله بإبتدار الدعوة للمصالحة مع النميري، بصيغة أخرى تبدو فيها متأكدا من حقيقة دعوة عبد الله للمصالحة مع النميري، حتى أنك تبذل لنا هذا الإتهام بطريقة عرضية كما لو كان حقيقة بديهية لا تحتاج لإثبات لدرجة أنك تستبعدها من هذه المناقشة" لأسباب و تدابير تكتيكية مفهومة في فن المحاورة" كما تقول :ـ
وإذا ما استبعدنا في هذه المناقشة –لأسباب وتدابير تكتيكية مفهومة في فن المحاورة قصة دعوته الحزب إلى الانخراط في مصالحة نميري 1977- فإن للمفارقة والعودُ أحمدٌ وآمن إلى رحاب العلم والمعرفة وحدهما- فإن للمفارقة أن لتلك الاستقالة صلة بكتاب من كتيبات التعليم الحزبي قدَّم فيه عبد الله إسهاماً عن "الانقسام وقانون تطور الحزب".. »

أمّا حين وقعت عيني على نفس الإتهام، للمرة الثالثة، فلم أتمالك من الدهش فصحت :" ثري مطش يا عبد الجبار" [و ترجمتها : »مون ديو » و شرحها: « لا حول و لا قوة إلا بالله »].لأنك يا عبد الجبار ثبّتّ «  قصة المصالحة » الخاينة، مع النميري بشكل نهائي، لدرجة أنك اكتفيت بإيرادها كجملة أعتراضية ثانوية يمكن للقارئ اسقاطها دون أن تختل الجملة الرئيسية المتعلقة بعواقب إعزاز عبد الله لعبد الخالق بعد رحيل الأخير.و أنا أقرأ تدرّجك من مقام " الإشاعة"و " القوالة" الفالتة بلا سند ،لمقام الإتهام الصريح الذي يستغني عن التحقيق، لمقام التنويه العرضي الساخر الذي يستدعي الضحك،[ عند محمد سيد أحمد على الأقل] كتعبير عن حنقك الكبير على هذا الخائن الشيطاني السامي ، و الذي أوقعك في شر أعمالك.
هاك أقرأ كلامك :ـ
"كنتُ قد ذكرتُ آنفا أن بعض الأسباب المحتملة بقرائن الأحوال لترحُّل عبد الله وخروجه –[color=red]غير قصة المصالحة الوطنية مقطوعة الطاري حقة جعفر نميري ديك لعنها الله في الدارين[/color]- أنه قد "مسخ" عليه الحزب بعد رحيل عبد الخالق الذي ارتبط به ارتباطا شخصيا وأولاه فيضا من الإعزاز والتقدير والعناية،"


ووقوع الكاتب في شرأعماله يحصل حين يكتب قلمه ما تمليه العاطفة العمياء التي تتخفف، بالغضب، من أثقال المسؤولية الأخلاقية و الأدبية و تستبيح قواعد الكتابة النقدية الرشيدة.بالله عليك إقرأ كلامك دا تاني و قول لينا ضرورته الموضوعية في منظور المناقشة حول علاقة الحزب بالمثقفين :ـ"
ويقلّب المواجع التي يشيح عنها عبد الله بوجه المثقف الماركسي، يداري عنها ويخبئها في تلافيف اللغة البلاغية المخاتلة قدر المستطاع. « .. »
..ـ

 إنها بعضُ ما في النفس من شيءٍ من حتى.... بعضٌ من بوارق وتهيؤات الحلم التصفوي المخادع الدفين أيها الرفيق عبد الله. »".."
...ـ
يعضُّ بها يد المؤسسة التي أطمعته وأغدقت عليه في بواكير صباه بحسن الرعاية وغذاء الأفكار ومنهج التحليل الماركسي الذي يزهو به ويختال كما الطاؤوس اليوم، في تعاليه واستنكافه عن الممارسة الثورية كما "سماحة جمل الطين" .
ّ"

«
 فيا عبد الجبار ياخي لا تنه عن عمل و تعمل شنو كدا ما عارف. لكن جاييك راجع في موضوع" تزوير الإرادة الشعبية" و شرعنة نظام الإنقاذ و غيره.فاصبر علي حتى أعود.
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

شكرًا حسن موسى على المرور من هنا والتعليق . كما ذكرت، فان لحديثك وتعليقاتك بقية يسرني اكتمالها كي اعود اليك
صورة العضو الرمزية
ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã
مشاركات: 814
اشترك في: الأحد أكتوبر 23, 2005 4:48 am
مكان: الخرطوم/ 0911150154

مشاركة بواسطة ÚÕÇã ÃÈæ ÇáÞÇÓã »

مرحبا الاستاذ عبد الجبار
قبل أن يعود الاستاذ حسن موسى، أرجو أن يكون في وسعك أن تتيح لنا ما يؤكد كلامك حول منازعة ع ع إ مع قيادة الحزب حول الاستجابة لمايو في موضوع المصالحة 1977؟ هل من وثائق أو شهادات على هذا الأمر، وثانياً لما تطور الأمر إلى أن ينهي عبد الله علي إبراهيم علاقته بالحزب لمجرد اختلاف حول امر كهذا ولما تجد ان خروج عبد الله من الحزب بعد عام واحد من تلك الواقعة ما هو " إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته"؟ مع جزيل الشكر
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


كنت آمل أن يكمل حسن موسى "تفاكيره" وتعليقاته على ما كتبت في ردي على رسالة عبد الله على ابراهيم موضوع هذه المناقشة لكي أعود إليه بتعليق أشمل وأوسع. وإذ أعلّق على ما جاء به حسن موسى في معرض هذه المناقشة، فإنني لا أفعل ذلك بدافع مواصلة الحوار مع عبد الله في صمته وغيابه من "وراء حجاب" لأن محور المناقشة ما زال ولم يبرح بعد حوش عبد الله ورسالته المعنية إلى الحزب.

وقد بدا لحسن موسى –مثلما هو الحال بالنسبة للكثيرين غيره- أن أكثر ما يثير الجدل والخلاف فيما حاورت فيه عبد الله هو موقفه من مصالحة نميري الوطنية في عام 1977، وهو ما لم يشر إليه عبد الله ضمن أسباب خروجه عن الحزب.

وفي هذا السياق كتب حسن موسى تحت ما أسماه "دفن عبد الله أب كراعاً برة"

دا كلّه كوم وتحاملك المتسرّع على عبد الله علي إبراهيم كوم تاني.عشان عبد الله دا ، يا عبد الجبار، ممكن الناس يؤاخذوه في الكثير من أوجه عمله العام ، لكن ما ممكن تلفـّق ليهو تهم جزافية و تدفنوا و كراعو برة، و أنحنا واقفين نراعي.و أنا بقول ليك كلامي دا عشان أول مرة قريت كلامك بتاع " الجراح القديمة" ديك، قلت"واو"، و ترجمتها في لسان أهل السودان :ـ " يا النبي نوح".

ولكي يشدد على "واو" دهشة الفرنجة هذه استدلّ بما أوردته في أصل ردي على رسالة عبد الله بهذه الفقرة:

"بهذه المناسبة أسألك: هل تقتصر أسباب خروجك عن الحزب على ما سقته من احتجاج على زراية الحزب بمثقفيه فحسب، أم أن لها صلة وثيقة أيضا بمنازعة داخلية بينك وقيادة الحزب حول دعوتك إلى ضرورة مشاركة الحزب في المصالحة الوطنية التي ما عقدها نظام مايو في 1977 إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته (لاحظ أنك أنهيت علاقتك بالحزب بعدها بعام واحد فقط هو عام 1978)؟ هذا هو السؤال الذي ينكأ الجراح القديمة ويقلّب المواجع التي يشيح عنها عبد الله بوجه المثقف الماركسي، يداري عنها ويخبئها في تلافيف اللغة البلاغية المخاتلة قدر المستطاع".


ثم استطرد حسن إلى القول:

و بعدها قلت :ـ " تو مطش يا عبد الجبار" ، و ذلك حين قرأتك تعيد نفس إتهامك لعبد الله بإبتدار الدعوة للمصالحة مع النميري، بصيغة أخرى تبدو فيها متأكدا من حقيقة دعوة عبد الله للمصالحة مع النميري، حتى أنك تبذل لنا هذا الإتهام بطريقة عرضية كما لو كان حقيقة بديهية لا تحتاج لإثبات لدرجة أنك تستبعدها من هذه المناقشة" لأسباب و تدابير تكتيكية مفهومة في فن المحاورة" كما تقول :ـ

وإذا ما استبعدنا في هذه المناقشة –لأسباب وتدابير تكتيكية مفهومة في فن المحاورة قصة دعوته الحزب إلى الانخراط في مصالحة نميري 1977- فإن للمفارقة والعودُ أحمدٌ وآمن إلى رحاب العلم والمعرفة وحدهما- فإن للمفارقة أن لتلك الاستقالة صلة بكتاب من كتيبات التعليم الحزبي قدَّم فيه عبد الله إسهاماً عن "الانقسام وقانون تطور الحزب"


وصولاً إلى قاع حفرته التي أوقع نفسه فيها بقوله:

أمّا حين وقعت عيني على نفس الإتهام، للمرة الثالثة، فلم أتمالك من الدهش فصحت :" ثري مطش يا عبد الجبار" [و ترجمتها : »مون ديو » و شرحها: « لا حول و لا قوة إلا بالله »].لأنك يا عبد الجبار ثبّتّ « قصة المصالحة » الخاينة، مع النميري بشكل نهائي، لدرجة أنك اكتفيت بإيرادها كجملة أعتراضية ثانوية يمكن للقارئ اسقاطها دون أن تختل الجملة الرئيسية المتعلقة بعواقب إعزاز عبد الله لعبد الخالق بعد رحيل الأخير.


وبلغ بك يا حسن موسى طول اللسان الفالت المتجاسر والاسترسال في كيل الاتهامات الجزافية في الفاضي وخَمَج بحقي حد قولك:

و أنا أقرأ تدرّجك من مقام " الإشاعة"و " القوالة" الفالتة بلا سند ،لمقام الإتهام الصريح الذي يستغني عن التحقيق، لمقام التنويه العرضي الساخر الذي يستدعي الضحك،[ عند محمد سيد أحمد على الأقل] كتعبير عن حنقك الكبير على هذا الخائن الشيطاني السامي ، والذي أوقعك في شر أعمالك.

وصولاً على ذات المنوال إلى قولك –لهثاً وراء السراب وقبضاً للريح- هاك أقرأ كلامك :ـ

"كنتُ قد ذكرتُ آنفا أن بعض الأسباب المحتملة بقرائن الأحوال لترحُّل عبد الله وخروجه –غير قصة المصالحة الوطنية مقطوعة الطاري حقة جعفر نميري ديك لعنها الله في الدارين- أنه قد "مسخ" عليه الحزب بعد رحيل عبد الخالق الذي ارتبط به ارتباطا شخصيا وأولاه فيضا من الإعزاز والتقدير والعناية،"


وفي خزائن مكنونات التراث الشعبي وحكمته الجمعية المتوارثة كلها عبر آلاف السنين ومض في ذاكرتي كما خطفة البرق المثل الشعبي الدارفوري السديد في التصدي لمثل هذا الافتئات والتجديف الذي لا مسوغ له "أَلْـمِـي حار ولا لِـعِب قَـَعـُونْج" الذي يترجم داخليا في عامية وسط السودان الشائعة إلى أن "الماء الحار ليس مكاناً صالحاً للعب الضفادع ونقيقها". فسمعة الأشخاص وعرضهم –كل الأشخاص حتى من نختلف معهم جوهرياً ونعاديهم فكرياً وسياسياً وطبقياً- هما مما يقع في محيط الماء الحار الذي لا يصلح لأن نلعب ونتقافزفيه مثلما تفعل الضفادع بخفة اليد واللسان والتسرع إلى تلفيق الاتهامات زوراً بحقهم ليس لشيء آخر سوى صب جام غضبنا عليهم! ولم يوجّه إلى طوال حياتي قط اتهام بترويج الشائعات ونقل القوالات وترفيعها إلى مقام الاتهام الدامغ الصريح، لا في حالة عبد الله على ابراهيم، ولا في حالة أي كان غيره. وهاهو سهم حسن موسى الذي رماني به يرتد منطلقاً إليه بسرعة الضوء كما سيتضح الآن فيما يلي.

ذلك أن ما أوردته فيما يتعلق بأسباب خروج عبد الله على ابراهيم وإنهاء تفرغه فيه، بل على رأسها في واقع الأمر دعوته الحزب إلى الدخول في مصالحة نميري الوطنية في عام 1977 ، ليس شائعة أو اتهاما ملفقاً بذريعة الخصومة السياسية الفاجرة معه، إنما هو واقعة ثابتة في سيرة تاريخه السياسي الشخصي وتاريخ الحزب الذي انتمى إليه وعمل في صفوفه . ومن يصدح بصحة هذه الواقعة ليس ما ظننته أنت يا حسن موسى من "قوالات وإشاعات فالتة لا سند لها" وإنما يجهر بها لسان جهيزة نفسها التي قطعت قول كل خطيب في هذا السجال الحامي. وكما يقول فقهاء القانون ومشرعوه فإن "الاعتراف سيِّـد الأدلة" في إجراءات الإثبات. وهو ما نعبّرعنه ببداهة وفصاحة القول المأثور السائد بعبارة "سمح الغنا في خشم سيدو". وهاكم سمح غناء عبد الله على ابراهيم نفسه بعظمة لسانه في برنامج "ساعة حرة مع عبد الله على ابراهيم" وهي حلقة تلفزيونية مرئية مسموعة وقد بُثّت علنا على الملأ، فاستمعوا إليه وهو يتحدث عن موقفه الداعي للحزب إلى قبول المصالحة وخروجه من الحزب بعد رفض الحزب المشاركة فيها. وهو عين ما أوردته في كتابتي عن منازعة داخلية بينه وقيادة الحزب حول هذا الموقف ضمن ملابسات خروجه المفاجئ من الحزب بعد المصالحة بعام واحد فقط في عام 1978.


https://youtu.be/NghFdWTvqM8


وتقول "واو" يا حسن موسى رابعاً وخامساً وعاشراً هذه المرة. ولك أن تزيد عليها من آلاف بنات واوات الاندهاش الأفرنجيات وأخواتها الكُثر المتناثرة في شتى لغات العالم إن شئت.

وإلى ذلك الاعتراف القوي الثابت بصحة الواقعة بعظمة لسان صاحبها، تضاف رواية الأستاذ الراحل التيجاني الطيب الذي يظل صادقاً عندي ميتاً وحياً إلى الأبد فيما قال به عن ملابسات خروج عبد الله المفاجئ من الحزب وإنهاء تفرغه فيه، وتأكيد قدامى الأعضاء المعاصرين لتلك الفترة في قيادة الحزب صحة الرواية ذاتها بتفاصيلها التي لا داعٍ لذكرها هنا، فضلا عن إفادات شهود أحياء يعرفهم عبد الله، منهم من ناقشه مطولاً وكثيراً في خطأ تقديره للوضع السياسي ودعوته إلى المصالحة مع نظام نميري في عام 1977.

ولذلك فقد أوردت ما أوردت بخصوصها –وهو ما أخفاه عبد الله في رسالته الموجهة إلى الحزب- وكنت موقنا من صحتها تماما. ولكن السؤال: إلى ماذا استند حسن موسى في تعجِّلهِ إلى اتهامي بترويج الشائعات وتلفيق الاتهامات المزورة الفالتة بلا سند؟ مندري؟

ومن "حفر حفرة لأخيه"... شنوه كده ما عارف يا حسن موسى، وأمانة ما وقع كاتب في شرّ أعماله حقاً وحقيقة جزاء تحامُلِه وتسرُّعِه في غير ما هُدىً أو دليل.

وإن فعل حسن موسى خيراً بمداخلته في هذا الشأن بالذات، فهو وصفه لتلك المصالحة بالخيانة وأن من يقدم عليها لا بد أن يكون "خائنا شيطانيا سامياً" من باب السخرية اللاذعة مني والإزراء بي ورميي بالتخفف من المسؤولية الأخلاقية والأدبية بملء الفم وطول اللسان في حين أن ليس لحسن موسى من الحقيقة المزعومة سوى السراب وقبض الريح. لماذا؟ مندري؟

تكتيكات خشلعة الأشخاص والنصوص عند حسن موسى

وأعني بهذه الخشلعة –خلافا لتفكيك النص والقراءة الوظيفية النقدية الخلاقة للكتابة كما هو معروف في تاريخ النقد الأدبي الحديث وغيره من طرائق التحليل والتفكير في مجالات وتخصصات معرفية أخرى- ما يفعله النجار بباب الخشب كأن يخلع بعضا من أعمدة الإطار ويضع الترباز محل الأكرة ويرمي الأكرة بعيدا في عِدَّة الشغل وينسى المفتاح في البيت أو في المطعم أو يرمي به في المزبلة فلا ينفتح الباب المغلق أبداً أمام صاحبه.

ولهذه الخشلعة في فنون الإزراء بالمحاورين والكتاب طرائق واستراتيجيات معروفة في علم اللغويات الاجتماعي socio-linguistics تستند إلى ما اُصطلح عليه بأفعال أو سلوكيات القول. وهي أفعال وسلوكيات يمكن استخدامها سلباً وإيجاباً ولها تاريخ طويل في فنون الهجاء والسخرية والإزراء بالخصوم أيا كان موضوع الخصومة أو الخلاف معهم. وتقع في نطاقها الكثير من هجائيات الحطيئة الشهيرة في تاريخ الأدب العربي التي لطالما تأبَّط فيها شراً بالآخرين إلى حد قوله ذات مرة :

أبت شفتاي اليوم إلا تكلُّماً
فما أدري لمن أنا قائله

إلى أن وجد ضالته أخيرا حين رأى وجهه معكوسا على سطح الماء فمضى قائلاً:

أرى اليومَ لي وجهاً فلله خلقُهُ
فقبَّح من وجهٍ وقبَّح حامِلُه

ومما ورد في سيرة الحطيئة أن عمر بن الخطاب قد اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم وأخذ منه عهداً بألا يهجو أحدا بعد ذلك. وقد فعل إلى أن توفي عمر فعاد إلى وصف الناس وهجائهم بمقذع القول والألفاظ.

على أن أفعال أو سلوكيات القول هذه لا تقتصرعلى اللغة العربية وحدها بل تجدها أيضا في تراث نقاد وكتاب كثيرين في الأدب الإنجليزي مثل بن جونسون وجورج برنارد شو وأوسكار وايلد وغيرهم. وهي تفعل فعلها وتجدها رائجة أيضا في ساحات العراك الفكري والسياسي في شتى أنحاء العالم ، بما في ذلك سلوكيات القول القبيح المقذع عند أهل الإنقاذ الحاليين وفي خطابية مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي الرئاسي الحالي دونالد ترامب .

أما في السياق الذي أتحدث فيه هنا، فنجد الكثير من تلك الأدوات قابعاً في "صندوق عدة الخشلعة" عند حسن موسى، كأن يمسخك أو يحيلك إلى صورة كاريكاتورية ليجعل منك موضوعاً للسخرية والهزء، أو يقطع فيك لقباً يدمغك به ابتداء من "قولة تيت" من شاكلة "الزميل سيزيف" ليمهد بذلك السبيل إلى الزراية بك وخشلعة النص الذي كتبت والنظر إليك من علِ وباستخفاف وكأنك تلميذاً مبتدئاً في مدرسته الأولية فيتلذذ ويستمِخ بإلقاء الدروس عليك فيما يتعلق بعمق معرفتك بالموضوع الذي تتناول وتقيدك بآداب وسلوكيات الكتابة والنقد الرشيد!

انظر إلى قولك هنا بالله عليك يا حسن موسى:


"ووقوع الكاتب في شرأعماله يحصل حين يكتب قلمه ما تمليه العاطفة العمياء التي تتخفف، بالغضب، من أثقال المسؤولية الأخلاقية و الأدبية و تستبيح قواعد الكتابة النقدية الرشيدة".

ومنها أيضا تعليقه:

لا أدري كيف فهمت أنت كلام عبد الله، لكني لم أفهم منه استثناء" فئة المثقف" من جملة الفئات التي توجه إليها بخطابه، ذلك أن " فئة المثققف" هي، في تعريفها الإبتدائي، فئة فضفاضة يمكن أن تشمل كل من يأنس في نفسه الكفاءة لتحمل تبعاتها[ طبعا "العافية درجات" و "ما كل مصقول الحديد يماني" كما جاء في حكمة الشعب و كذا].و في هذا المنظور فكل فئة من الفئات الواردة في مطلع رسالة عبد الله تملك أن تقدم مثقفيهافي ساحة المناقشة العامة فيتحدثون باسمها و يعقلنون مطالبها الرمزية و المادية و لا جناح و لا حزن. طبعا الجناح حاصل في حالة كونك تجعل " فئة المثقف" قاصرة على رهط الأدباء و الفنانين الذين هم ـ مشكورين ـ واظبوا على تصدّر محافل العمل العام منذ بدايات الحركة الوطنية التي تخلّقت في منتديات الجمعيات الأدبية في الحواضر السودانية.


وفي الرد على هذا أقول أن بوسع أي من كان أن يخشلع أي نص يريد بانتزاع أجزاء أو فقرات بعينها من سياقها وتعليقها في الهواء بعد تعريتها وبترها من بنائها وتماسكها المنطقي الداخلي في سياق الشكل والمضمون المحددين اللذين وردت فيهما تلك الفقرات أو الأجزاء، تماما مثلما فعل حسن موسى بنهش كبد الفقرات الواردة في ردي الأصلي نهشاً وإفراغها من المحتوى الذي كتبت لأجله لكي يعزز استنتاجه بعدم موضوعيتهاومجافاتها لقيود الكتابة الرشيدة.

فمثلا في الحديث عن استثناء المثقف، فإن المقصود بهذا الاستثناء هي فئة المثقف التي عناها عبد الله برسالته كلها وأسس عليها مرافعته ضد الحزب، ألا وهي المثقف الذي استدعاه الحزب لكي يعمل في أروقته كمثقف، و"ليست تلك الفئة الفضفاضة التي تشمل كل من يأنس في نفسه الكفاءة لتحمُّل تبعاتها" كما قال به حسن موسى والذي ابتدره تكتيكا تمهيديا لخشلعة النص كله على طريقة قوله بحصري لمفهوم الثقافة والمثقفين في فئة الأدباء والفنانين لا غير. وهو أيضا مما يندغم في أفعال وسلوكيات القول المسيء المقصود.

فإن لم يكن كذلك، لماذا اجتزأ حسن موسى ما أراد وصمي به زراية واستخفافا، ثم حذف بقية الفقرة التالية الواردة في كتابتي الأصلية والتي تعزز عمق ورحابة فهمي للثقافة ودورها مثلما فعلت في أكثر من موضع وتعليق:

"ثم من قال سوى عبد الله إن الثقافة هي فعل الكتابة والنشر وكفى؟(فليست الثقافة كتابة، وإن كانت الكتابة من أركانها. إنها تمَلَكٌ للعالم في حلم أو حقل أو مصنع. أما المثقفون، فهم المنتجون بأيديهم وأدمغتهم ضد أنظمة القمع والاستغلال والجهالة فكراً فنا وجمالاً هو حبٌ للحياة) على حد قول مهدي عامل الذي يردف ذلك بالدعوة مباشرة إلى (إذن، فليدخل الفكر المناضل في صراع يستحث الخطى في طريق الضرورة الضاحكة. فهو اليانع أبدا،ً وهو اليقَظِ الدائم، في الحركة الثورية ينغرس ويتجذرّ. يستبق التجربة بعين النظرية، ولا يتخاذل حين يفُاجأَ : يتوثبّ على المعرفة ويعيد النظر في ترتيب عناصره ليؤمِّن للنظرية قدرتها على التشامل، ورحابة أفق تتسع لكل جديد. هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعا نضاليا،ً ويتوق كل نشاط ثوري إلى التَعقلُن في النظرية) وذلك من لُحمة وسداة تأويلات ماركس وفهمه لدور الثقافة في مجرى الصراع العملي".

ثم لا أظن أن أيا من عبد الخالق والشفيع وجوزيف قرنق والطبيب علي فضل وعلى الماحي الساخي أو الخاتم عدلان أو فاروق كدودة وصدقي كبلو ود. فاطمة بابكر ومحمد عثمان العجيل ود. عبد السلام نور الدين كان شاعرا أو ممثلا أو رساما أو موسيقيا، وقد وصفتهم جميعا بكونهم مثقفين.

ولولا تكتيكات خشلعة النص المبيتة عند حسن موسى لما فات عليه سبب تركيزي في الكتابة على جبهة الفنون والتعبير الجمالي أكثر من غيرها ليس كما قال حسن:

"لكنك يا عبد الجبار استغنيت عن صحبة الإقتصاديين و بقية " العلوميين" بصحبة الأدباء و الفنانينن لماذا؟.مندري؟ ربما لأنهم يتمتعون بحظوة حامل المسك الذي يطربك مجانا و أنت راقد تسمع ميتة ساكت ، و ربما لأنك في دخيلتك فنان شاعر يكدرك النظر في رطانة الإقتصاديين و جداولهم و إحصائياتهم"


وإنما لسبب بسيط هو أنني قدمت سردا تاريخيا لنشاط ذات المكتب الذي غادره عبد الله وهو مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين المعني بالفنون والكتابة الإبداعية الموسومة بطابعها الجمالي. وأظن أنه لا يخفى على حسن موسى أن هناك جهات وهيئات حزبية أخرى تُعنى بالثقافة وإنتاج المعرفة في حقول التعليم الحزبي والدراسات الاقتصادية والدراسات الإسلامية في حين تتولى مجلة الشيوعي الداخلية المعنية بالمسائل النظرية والفلسفية السياسية الأخرى ذات الصلة بعمل الحزب. وقد عرضت لها جميعا وقلت أن مصابيح المعرفة فيها لم تنطفئ لمجرد خروج عبد الله وترحُّله عن الحزب. وهل بمحض الصدفة والحظوة السعيدة وحدها كنت قد أوردت كل تلك المقاطع والمقتطفات من محاضرة مهدي عامل عن الثقافة واصفاً إياها بأنها محاضرة في صميم الصميم، بل حرصت على إيراد الرابط المؤدي إلى نصها كاملاً أو مشاهدتها حية على اليوتيوب، إن لم أكن أرمي بذلك لأن أجعل منها إطارا مرجعيا نظريا استضأت به فيما كتبت؟

وما أن بلغ حسن موسى قوله:

"و قد استبشرت خيرا، و أنا أقرأ تنويهك بدور الرفاق الذين حملوا بعض التنويع المعرفي لجبهة العمل الثقافي، حين كتبت مشيدا بدورالخاتم عدلان و عبد السلام نور الدين و الحاج وراق و أحمد الفكي " في حقل الدراسات الإسلامية" أو دور "صدقي كبلو و وفاروق كدودة ود. فرح حسن آدم ود. كامل إبراهيم حسن وغيرهم من كوادر الحزب العاملة في حقل الدراسة الاقتصادية للواقع السوداني..إلى آخر الفقرة"


حتى علمت المقصود وأدركت حينها أن هناك من يرمقني من علياء قمة جبل الأولمب، ربما كانت إلهة الحكمة أثينا أو أبولو أو كبير الآلهة زيوس نفسه بمنظاره الذي يريد، يتفحص أفكاري "يفتشها" ويقيسها بالمسطرة اكتمالا ونقصانا كي يردها إلى –حسب حظوظي بين عيال المسلمين وغير المسلمين المجتهدين في مكابدات المعرفة والوعي- فإما تسلمتها بيميني أو شمالي حسب حظوظي مع حكمة الآلهة ..مندري؟

وقد شعرتُ من تعليقات حسن موسى الفوقية المتعالية على ما كتبت وكأنه يقول لي خلسةً أن "المعرفة قسمة ونصيب" والفَـهَـم مقامات ودرجات لا يبلغ شأوها إلا الممسكون بناصيتها والمتربعون بسحرها على قمة جبل الأولمب من أمثاله العمالقة الأساتيذ الجهابيز! فألفيت نفسي فجأة أعزي النفس وأواسيها بترديد كلمات أغنية سودانية دارجة قديمة من القرن الماضي: "وين وين وين تلقوا زي دا..الله كريم نلقى زي دا"والحمد لله من قبل ومن بعد على كل حال. [color=red]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الشخلعة العميا و البطارية في القمرا

مشاركة بواسطة حسن موسى »




«  الجمل ما بشوف عوجة كتابته"
[ مثل سودانفوراولي]

« 


سلام يا عبد الجبار و مثله للصحاب المتابعين.ـ

شرح الشخلعة" :ـ  
جاء في الأثر :"الشخلعة العميا زي البطارية في القمرا"، و شرحها في بلاغة الأهالي أن شخلعة المكاتيب نقديا نافعة كما البطارية في الليلة الظلماء ، كونها تضيء عيوب المكتوب كما البطارية في ادهمام الليل لكن الشخلعة العمياء فارغة بلا نفع.ـ
و قد وجدت معنى
شخلعة [أو خشلعة]في قاموس اللهجة العامية لعون الشريف قاسم في معاني " تبّذل و تثنّي، و هي من التخلّع و الإستهتار و التبذل". لكنك يا عبد الجبار جدت علينا بمعان جديدة تطال الأشخاص فيما وراء المكاتيب :ـ
« 
تكتيكات خشلعة الأشخاص والنصوص عند حسن موسى

وأعني بهذه الخشلعة –خلافا لتفكيك النص والقراءة الوظيفية النقدية الخلاقة للكتابة كما هو معروف في تاريخ النقد الأدبي الحديث وغيره من طرائق التحليل والتفكير في مجالات وتخصصات معرفية أخرى- ما يفعله النجار بباب الخشب كأن يخلع بعضا من أعمدة الإطار ويضع الترباز محل الأكرة ويرمي الأكرة بعيدا في عِدَّة الشغل وينسى المفتاح في البيت أو في المطعم أو يرمي به في المزبلة فلا ينفتح الباب المغلق أبداً أمام صاحبه.

ولهذه الخشلعة في فنون الإزراء بالمحاورين والكتاب طرائق واستراتيجيات معروفة في علم اللغويات الاجتماعي socio-linguistics تستند إلى ما اُصطلح عليه بأفعال أو سلوكيات القول. وهي أفعال وسلوكيات يمكن استخدامها سلباً وإيجاباً ولها تاريخ طويل في فنون الهجاء والسخرية والإزراء بالخصوم أيا كان موضوع الخصومة أو الخلاف معهم.
« 
« 
.أها يا عبد الجبار اسمعني ضحى :ـ
أولا بالتبادي أنازاهد في خشلعة شخصك الذي لا أعرف عنه سوى ما أوردته أنت في مكتوبك عن تاريخك السياسي الشخصي، و ليس بيننا سوى أدبك المبذول للقراء هنا. و في مقام الأدب فأنا أقرأ المكتوب ـ أي مكتوب ـ على افتراض أن الكتابة [ و القراءة] مخاطرة يتنكبها الكتاب لأسباب لا تحصى، وجيهة كانت أم مرذولة. و لو وجدت قراءتي في المكتوب شقّا أو طقّا فأنا لا أتردد في شخلعته و حكه لامن يجيب الدم أو يكورك حمار الوادي .ذلك أن المكتوب الفاسد يستفزّني و يحفّزني على شخلعته.و الزول الماعجباه شخلعتي يختاها. فبالله عليك شوف شغلك و أنا بشوف شخلعتي.و بعدين ياخي إنت الكتابة المدغمسة دي مالك خايف عليها من الشخلعة؟
و ثانيا يا عبد الجبار أنت تفهم نقدي لمكتوبك كـ " خشلعة "و كطريقة في الإزراء بالمحاورين و تحيل منازعتنا لصورة النجار الشرير الذي يخرب باب الخشب عامدا.لماذا؟ مندري؟،ياخي أنحنا في عز خصومة العقلاء التي ابتدرتها، و قاعدين نتداول في ندية كاملة ،بس أول ما يجي زول يقول ليك كلام ما يعجبك تقوم على جنك تتخلى عن هوية الخصم التي تشرّفك ،و تنبطح ضحية زي باب الخشب التعيس الذي لا يملك من أمره نفعا و لا دفعا، وتتشكّى : حسن موسى قلع أكرتي و فلان بشتن بروازي و علان قلب دين ترباسي إلى آخر عمايل النجار العبثي الذي لا يوجد إلا في خيالك؟ مالك؟؟
نهايتو يا عبد الجبار، و قبل أن أعود لموضوعنا بتاع "علاقة المثقف و الحزب"، أنا عندي ملاحظة ممكن تغنينا عن فضول القول الطافحة على سطح هذه المناقشة. ياخي اقرا مكتوبك و فكر قبل أن تبذله على الملأ.
كتبت يا عبد الجبار :
« 

وقد بدا لحسن موسى –مثلما هو الحال بالنسبة للكثيرين غيره- أن أكثر ما يثير الجدل والخلاف فيما حاورت فيه عبد الله هو موقفه من مصالحة نميري الوطنية في عام 1977، وهو ما لم يشر إليه عبد الله ضمن أسباب خروجه عن الحزب.

«
و فعلا، بدا لي ـ مثلما بدا لغيري ـ أن ما ذكرته أنت حول موقف عبد الله من المصالحة الوطنية بتاعة نميري في عام 1977 ، مسألة تثير الجدل. لا لأن موقف عبد الله من المصالحة مع نميري من الكبائر التي ترقى لمقام الخيانة إلخ ، و إنما لأنك بذلت للقراء إتهاما في حق عبد الله بدون أن تسند مكتوبك بأية أسانيد يعول عليها بخلاف تكرارك للإتهام. و فوق ذلك كله تأخذك العزّة بالإثم فتكتب من جديد :
« 

ولذلك فقد أوردت ما أوردت بخصوصها –وهو ما أخفاه عبد الله في رسالته الموجهة إلى الحزب- وكنت موقنا من صحتها تماما. ولكن السؤال: إلى ماذا استند حسن موسى في تعجِّلهِ إلى اتهامي بترويج الشائعات وتلفيق الاتهامات المزورة الفالتة بلا سند؟ مندري؟
« 
يا خي في ما يتعلق برسالة عبد الله للحزب ، فدي ما عندنا طريقة نخوض فيما أخفى كاتبها و ما أظهر. و عبد الله و حزبه بطريقتهم، طالما مكاتيبهم بقيت في حرز السرية التنظيمية. لكن يا عبد الجبار ما ممكن تجي تسألني :يا حسن موسى إلى ماذا استندت في إتهامي بتلفيق الإتهامات بدون سند؟
و الله يا عبد الجبار أنا استغربت الطريقة التي رددت بها الإتهام" بدون سند" لّمن قلت : " واو" . و الليلة أنا مستغرب" واوين" من سؤالك، و في البداية خطر لي أن أنشر تعليقي هذا في خيط " إياك و الكتابة" كونه يمثـُل كنموذج كفء لنوع الكتابة التي لا تحترم حساسية القراء فتخمّهم هلمجرا ساكت و الأجر على الله.ـ
و " الجدل" القلته يا عبد الجبار وارد في هذا المقام لأننا ،في منبر سودان الجميع دا، لا نقبل بأية كتابة فالتة عن ضوابط المسئولية التي نتوسمها في من يكتبون معنا في المواضيع التي تهم قراء منبرنا.و عشان ما تجي تقول :ـ حسن موسى خشلع لي طهورتي و شنو و شنو، فمن باب أولى إنك ما تجيب لينا الكتابة المخشلعة.يعني لو ما جيت أنا و قلت ليك :يا زميل كتابتك مخشلعة و إتهامك البدون سند لا يعوّل عليه، كنت حتنتظر كم سنة قبل ما تعدل عوجة كتابتك بجلب رابط مقابلة عبد الله التليفزيونية ؟

. و على كل حال شكرا على رابط المقابلة التليفزيونية التي سننتفع بها في مسار المنازعة القادمة.
سأعود
صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

سلام استاذ عبدالجبار

الكتابة هى بنت خبرات الحياة يعاد توظيفها ضمن النص سوى كان نص مفاهيمي فكري فلسفي أدبي الخ وفى كل ذلك تتطلب أنسجاماً بين النص والمحتوى لأن هتاك قارئ ينتظر عند أخر خط المكتوب , قارئ هو بالضرورة مساهم فى عملية أنتاج المعنى بعملية القراءة نفسها . انت كتبت ترد على د. عبدالله على ابراهيم فى كتابة طويله وعميقه متناسقة ومنسجمة أنسجام معنى ومفرده مما يؤكد يا استاذنا أن صاحب حساسية عاليه فى شأن أمر اللغة ورصفها بتناسق فى سياق القول الذى يريد خطابك أن يقوله.

لكن وحاة الله (خشلعة الرد) دى لم أهضمها على الرغم من محاولتك ربطها وأنباتها من تراث قديم وكما يقول الكيزان (تأصيلها) منذ زمن عمر ابن الخطاب والخشلعة ويتخشلع كما تعلم وصف يلحق بالنساء وأظنها من جنس الدلال وحين يوصف به رجل فيكون هذا الرجل يتشبه بالمتخشلعات وهي بدأت لى هنا مقحمه ومفارقة لنص الرد ولا أود أن أقول موتوره ومفاجئه ,
الكتابة عمليه ذهنيه تقع فى أرقى الأشكال التى يبديها الوعي أى وعي هنا أعنى ؟ هو وعي المثقف الماركسي الديمقراطي الذى يتحدث عنه مهدي عامل فى سياق حديثه عن المثقف ومهدى عامل حين سئل عن صعوبة لغته قال أنها لغة المفاهيم والمفاهيم لاتبسط فكيف نزلت بنا من فضاء مهدى عامل التجريدى الفخيم ذاك للغة الخشلعه المحقونة باشارات ذكوريه يلقي بها المرء كعقاب وازدراء بالمحاور حين يلحق فعله باالنساء وهن يمارسن الخشلعة . يمنى العيد تقول أن المفردات تحوم فى فضاء ايدلوجي هو فضاء العبارة وحين توظف فى الخطاب تكشف طبيعة ذلك الخطاب من حيث موقعه الأيدلوجي وكيف يقهم العالم

وسياق وصفك هنا بلاشك هو سياق خطاب أيدلوجي ذكوري حتى ولو جاء فى مقام الدفاع عن نبي الله ماركس لأن اللغة كمايقال اٍن كانت حمالة أوجهه فى هى حمالة وعي أيضاً ولا أعتقد أن هذا هو الوعي السديد الذى ننتظره للدفاع عن مؤسسة ديمقراطية ماركسية اسمها الحزب الشيوعي السوداني حين نتبنى فى قضايا الحوار لغة الهنكشه والخشلعه والمحلسه والدحلسه الى أخر التصنيفات
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

سلام حسن موسى وجميع القراء والمتابعين
إن أفضل ما جئت به يا حسن في هذا التعليق هو هذا المثل السودانفوراولي "الجمل ما بشوف عوجة كتابته" وإلا لكان قد شافها في هذا "التزاكي" على الجميع والحرفنة المذهلة التي حاولت بها قلب الحقائق رأسا على عقب في أسوأ استخدام لمبدأ ماكيافيلي الشائع في غير المقام العسكري "إن خير وسيلة للدفاع الهجوم" فيما يتعلق باتهامي بتلفيق الاتهام جزافا بحق عبد الله على ابراهيم.

ومهما "تحرفنت" فلن يخفى على كل المتابعين والقراء هنا رهانك على عدم صحة الواقعة نفسها في الفقرات الست المتتابعة التي تلت هذه الفقرة الافتتاحية:

دا كلّه كوم وتحاملك المتسرّع على عبد الله علي إبراهيم كوم تاني.عشان عبد الله دا ، يا عبد الجبار، ممكن الناس يؤاخذوه في الكثير من أوجه عمله العام ، لكن ما ممكن تلفـّق ليهو تهم جزافية و تدفنوا و كراعو برة، و أنحنا واقفين نراعي.و أنا بقول ليك كلامي دا عشان أول مرة قريت كلامك بتاع " الجراح القديمة" ديك، قلت"واو"، و ترجمتها في لسان أهل السودان :ـ " يا النبي نوح".

انظر إلى مغزى عبارتك "دا كله كوم وتحاملك المتسرع على عبد الله على ابراهيم كوم تاني!!!

وفيما أعلم علم اليقين فلن تسود في أفق المعرفة وأديمها سوى شمس الحقيقة الساطعة مهما خبأناها وأَهِـلْنا عليها من ركامِ الكلام.
[size=18]
[/size]
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

حاتم الياس ..لك التحايا


أشكرك على الاهتمام وحسن القراءة لما كتبت في هذا الحوار مع عبد الله وأقف عند تعليقك هذا:
(لكن وحاة الله (خشلعة الرد) دى لم أهضمها على الرغم من محاولتك ربطها وأنباتها من تراث قديم وكما يقول الكيزان (تأصيلها) منذ زمن عمر ابن الخطاب والخشلعة ويتخشلع كما تعلم وصف يلحق بالنساء وأظنها من جنس الدلال وحين يوصف به رجل فيكون هذا الرجل يتشبه بالمتخشلعات وهي بدأت لى هنا مقحمه ومفارقة لنص الرد).

وكما تعلم فإن لكل مفردة في قاموس اللغات معانٍ عديدة بعضها بعيد وبعضها قريب وبعضها مباشر وضمني، غير أن كل مفردة لا تفسر أو تفهم إلا في سياقها المحدد الذي وردت فيه. وليس في مضمون عبارة "خشلعة" النصوص ولا "خشلعة" كاتبي تلك النصوص ما يحمل الذهن إلى الذهاب إلى محمولاتها في تلك المنطقة الجنسية البعيدة التي ذهبت إليها. فهي لم تتعدَّ هنا في سياق هذا الرد سوى معنى خلع النصوص وتشويهها وابتذالها وإفراغها من مضامينها ومعانيها تماما مثلما يفعل النجار بأبواب الخشب. وفي ذلك ما يسيء إلى النصوص وكتّابها في بعض مما أراه في تعامل حسن موسى في حالتي وغيرها مع كتاب آخرين لفتت نظري وانتباهي في الموقع نفسه.
ومن المهم أيضا أن أوضح أن "الخشلعة" بمعناها الآخر الذي فهمته أنت مسيئة وحاطةً للكرامة الإنسانية عموماً لكلا الجنسنين وليس للمرأة وحدها. وغني عن القول أنني لم أصف أحدا بهذا المعنى لا حسن موسى ولا غيره، إنما عنيت الطريقة التي يتم بها ابتذال النصوص وتشويهها بما يشمل ذلك بالضرورة ابتذال الأشخاص أنفسهم وتشويههم.

وإذا ما تابعت تعليقات حسن موسى على ما كتبت –في نص الرد على رسالة عبد الله الذي أثنيت عليه أنت- لأدركت مغزى استخدام تلك العبارة التي أثارت حساسيتك عند إحالتها إلى معناها الجنسي البعيد الذي أترفع عنه ولا يشبهني من قريب أو بعيد. وأتفق معك تماما أن مؤسسة كالحزب الشيوعي السوداني تستحق أن نربأ بمستوى خطابها عن مقذع الألفاظ وبذيئها وأن نرقى به عن فاحش القول، حتى عندما نحمل اسمها كأفراد.وهذا ما أحرص عليه شخصيا حرصي على اسمي وسمعتي بين الناس.
ولك جزيل الشكر، أستاذ حاتم، على إتاحة الفرصة لي لتوضيح ما قصدت باستخدامي لتلك العبارة في سياق الرد على مكتوب حسن موسى.

صورة العضو الرمزية
حاتم الياس
مشاركات: 803
اشترك في: الأربعاء أغسطس 23, 2006 9:33 pm
مكان: أمدرمان

مشاركة بواسطة حاتم الياس »

أشكرك على الرد أستاذ عبدالجبار وأنت لاتعرف أننى أدين لك شخصياً ولأخرين ألتقيتهم فى بواكير نشأت وعينا ودروب الثقافة بعد أنتفاضة أبريل التى هيأت لتجربتنا الكثير اٍن كنت تذكر دار أتحاد الشبابا السوداني بالحاره التاسعة المجاور لمنزل المرحوم الفنان التجاني مختار فقد كنا من الحضور الدائمين حيث كان الدار يواجه منزلنا فى الحاره السابعةولكم كانت نقاشاتك معنا ثره وكبيره لنا فى ذلك العمر, على ذكر الثورات يبدو أننى أستعرت تأويلي لمعنى الخشلعه من ذاكرة الحارات..فأعتذر عن هذا الأفراط فى التأويل
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

يا حاتم الياس.... يا صديقا قادما من جوف العتامير والذكريات البعيدة
هأنتذا تثير فيَّ لواعج وأشواق تلك السنين والأيام البعيدات اللائي طالما ازدهين واخضررن بوجود محجوب شريف وحضوره المؤثر بيننا. وَيَا لها من أيام وذكريات!
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في الاثنين سبتمبر 26, 2016 4:33 pm، تم التعديل مرة واحدة.
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

سلام للجميع، والشكر للأستاذ عبد الجبار عبد الله الذي فتح هذا الخيط؛ وأرجو منه ألا ينساق وراء الظن الذي يحمله على الاعتقاد أنه كتب أو سيكتب السطر الأخير في نزاع المثقفين الشيوعيين مع حزبهم، أو أنه هو الأقدر على القراءة السديدة لرسالة ع. ع. إبراهيم إلى المؤتمر السادس، إذ لا يملك أي أحد أن يفعل ذلك، و" كل يؤخذ منه ويرد، بمن فيهم عبد الخالق صاحب ذاك القبر". وكل مافي الأمر أن فضاء النقد والتناول مفتوح أمام الجميع، (شيوعيين على ما شيوعيين)! وطالما اختار عبد الله أن يرسل رسالته لتضيء المعتم من (بشاتن) حال المثقف الشيوعي، سنقول له: (ياخي كتر خيرك)، ولا ينبغي أن نجره إلى تبني موقف سياسي مستبطن لخروجه على الحزب، هو نفسه أهمله في متن الرسالة. صحيح، ربما كان لعبد الله موقف معين من مصالحة نميري، لم يقبله الزملاء، وقرأت له عدة مرات إنه هو (ابن المساومة السياسية) ومكجن لـ(السردبة) التي التزمها الحزب في نضالاته التي أعقبت مقتلة الشيوعيين في 1971م، وما زال يسردب إلى يوم الناس هذا. ومن الممكن أن يراجعه الناس في هذا الموقف السياسي. أما الآن، فلا مبرر لاتهامه بأنه غادر الحزب لهذا السبب، ثم جاء ليتدثر بعباءة المثقف المحتج!

من رأيي أن عبد الله كتب رسالة موفقة ومهمة، ولا أريد أن أشطح وأقول إن رسالته (عملت شغل)؛ لكنني ربطت بينها، ولو بخيط واهٍ، وبين دخول كمال الجزولي ليكون ضمن أعضاء اللجنة المركزية، ويكون المسؤول عن مكتب الكتاب والأدباء الشيوعيين! استبشرت بوجود كمال المثقف في اللجة المركزية، وفي ذهني مقولة مهدي عامل "... الثقافة إنتاج للعالم في حقل أو مصنع، أما المثقفون، فهم المنتجون بأيديهم وأدمغتهم"، وأأمل أن يوفق كمال في سد الثلمة التي انسرب منها عبد الله علي إبراهيم، والتي كاد أن ينزلق منها عبد الجبار نفسه أيام صفحة (فنون) في الميدان.
شكرًا مجددًا يا عبد الجبار
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

ويوسف حمد.. يا لفرحتي!

فمن خلال كتابتك عن سيد عبد الله صوصل وأحاديثك وذكرياتك في أيام المعهد العلمي وكتابات أخرى تعشَّمْت في أن تكون بيننا وشيجة من رحم المعرفة ومدادها.
ولتطمئن يا صديقي على ما يهجس بك من أن أزعم لنفسي أن أكون القارئ الأوحد الأعظم الذي ليس بعده ولا قبله لرسالة عبد الله إلى الحزب. إذ وحدهم الأصوليون يميناً ويساراً من يزعمون لأنفسهم المعرفة المطلقة والكلمة الفصل التي لا يُعلى عليها في كل ما يتعلق بالمعرفة وفنون الكتابة وآداب القول. وما رسالة عبد الله سوى نص مثل غيرها من النصوص يظل مفتوحا أمام تعدد الرؤى والقراءات والتأويلات.
وأوافقك الرأي أيضا على الأهمية البالغة لرسالة عبد الله، لكونها تتجاوز حدود عبد الله إلى تأمل أفق العلاقة بين المثقفين الشيوعيين وحزبهم، بل علاقة السياسي بالثقافي على نطاق أرحب.
غير أني لا أوافقك الرأي على دعوتك لإهمال الشق السياسي من خروج عبد الله، لا بغرض محاكمته سياسيا، بل لكونه عنصرا رئيسياً بين ما ساقه عبد الله من أسباب دعته إلى الخروج من الحزب، ولما له من صلة بالتنازع السياسي الثقافي الذي ذكرته أنت.
.
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

سلام للجميع والشكر لك عبد الجبار عبد الله

لا ارغب القسمة مع/ضد عبد الله على إبراهيم. طبعا لو كان الامر اختيارا.
اما رأيي حول الوضع الثقافي داخل الحزب الشيوعي فاراه مريعا، بل وله عنوان ضخم (السودان بلد مجهول) ويمضي لينتهي عند(السودان دولة فاشلة). فهو اذن يتعدى الحزب الشيوعي أيضا. والدليل امامنا، فدوننا الثمرة المرة الحروب ومعسكرات النزوح. انهيار القبائل وفشلها في تحقيق امنها. وفشل الدولة.
عرف الناس حقيقة التنوع لكن بدون الواجب والعمل الثقافي الذي ينشط العلوم الاجتماعية التي تتقصي في دخيلة التنوع.
وهذا مقتطف حول الازمة في علاقة الحزب بالريف. نجده في
اصيل الماركسية.
الماركسية والريف، المفاجآت غير السارة. ع.ع.ابراهيم
https://www.sudaneseeconomist.com/?p=329
(ونجد هذا المصطلح المثبط عن الريف في وثيقة شيوعية عمدة هي الماركسية وقضايا الثورة السودانية فهي تصف الريف وحياته في القطاع التقليدي فتقول ان اقتصاده متخلف تابع للنفوذ الأجنبي, فهذا القطاع الذى ينتج 56فى المية من الإنتاج الأهلي, في قول الشيوعيين,, يعتمد على الآلات القديمة التي نكتشفها بين حضاراتنا القديمة. فهو يحط بثقله على اقتصاديات البلاد ونجد أنفسنا حياله نرتد الى عهود ما قبل القرون الوسطي، وبالتالي يحبس اغلبية شعوبنا (89 في المية من السكان) في عهود غابرة لا علاقة لها بالنور او التقدم. وهذا القطاع الاثري بحيطانه الغليظة، يكتم انفاس الجماهير فيه.)
هذا المقبوس الذي قبسه وصاغه د.ع.ع. إبراهيم لم يبق للحزب واشجة تشجه بقضية الريف. وهي ولا شك ازمة في صميم العمل الثقافي للحزب. بل هي كارثة.
وللاحجام عن الريف جذر في فهم لمبدأ ماركسي هو مبدأ المرحلية.
Stagism
وهو ما جمد الحزب وكرسه للحركة العمالية التي ابلي فيها بلاءه الحسن المشهود. لكن ما الفائدة كل شيء ينهار.
وهي المشكلة التي تشكي منها الحزب الشيوعي الكندي. واعتقد انها وراء محنة وزوال الأحزاب الشيوعية العربية. واللبناني كذلك، انظر نبوءات مهدي وتفاؤلاته الوردية كلها انعكست حتى يصعب ان نجد لمقاله الذي تفضلت به، اية قيمة.
هذه أحلام مهدي.
(والثورة في لبنان ما تزال فاعلة في سيرورة حرب أهلية فجرتها الرجعية لإنقاذ نظامها الطائفي وفرض الفاشية، فانقلب عليها، وعلى نظامها، ثورة وطنية ديمقراطية تخلخل وتصدعّ، لا يخيفها عائق فهي التي تخُيف، بها ينهار عالم بكامله، ويشرئب إلى الولادة آخر.)
وهذا مايراه الحزب الشيوعي اللبناني اليوم.26/09/2016:
(لقد تطبّع اللبنانيون بالفساد، فباتوا يبايعون العتمة السياسية. هل نحتاج إلى أربعة قرون، أو أربعة عقود أو أربعة أعوام، لنهتدي إلى غير الطائفية؟ التشاؤم موضوعي. آلان بيرنيت يقول إن قانون التقدم نادر. التخلف هو القاعدة... لعله على حق في بلادنا ومشرقنا!) https://www.facebook.com/lcparty.org/

الازمة فوق الازمة هل سيبقى السودان متماسكا. ويفعل النقد فعله لانطلاقة ماركسية وغير ماركسية، وحاتم الياس.

ان قراءات كاتب البرزخ د. النور محمد حمد تبقي املا ضعيفا، او لا امل. ربما حقا نحن في حال برزخ. وهو حال الدولة الفاشلة. هل يجعلنا ذلك الحال أكثر لطفا ببعضنا ام اشد جفاء؟


سلام
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

الفاضل البشير، لك التحايا

فوق جزيل الامتنان لتعليقك هذا، فقد أتيت إلى هذه المناقشة بما يثمر ويفيد ويمضي بها في الطريق الذي ابتدرته أساساً. فليس القصد منها أن تؤسس لفرزٍ من أي نوع أو بأي دافع كان بين المثقفين الديمقراطيين والوطنيين عموماً –وليس الشيوعيين وحدهم- على أساس ضد ومع عبد الله على ابراهيم. فهذه حماقة الحماقات كما ألمحت أنت في مبتدأ تعليقك. فعبد الله مثقف عملاق وطاقة فكرية هائلة جبارة يحتاج هذا الوطن المنكوب لأمثالها اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل هذه الأزمة الوجودية المهددة لبقاء الوطن نفسه ولوحدة ما تبقى منه وصون سيادته وحريته واستقلاله عبر تخليصه من براثن الغول الإسلاموي الطفيلي واسترجاعه على خطى الديمقراطية والتنمية والسلام. وهو ما يستلزم حفز همة وطاقة جميع مثقفيه الوطنيين الذين قلبهم وعقولهم عليه إعمالاً للفكر والرؤية النقدية الوقّادة وتملُّكاً نظرياً سديدا وملهماً لواقعنا السوداني في شتى تمظهراته وتجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية في سبيل تحويله وتغييره إلى وطن خيِّر ديمقراطي سلمي ناهض مستقر تزول عن وجهه بثور الظلم الاجتماعي بكافة مظاهره، وتخرس فيه أصوات البنادق والحروب الأهلية الذميمة، وتغرب عن سمائه إلى الأبد أجنحة طائر الشؤم ونعيق الكراهية والنزعة العنصرية البغيضة.
وهي مهمة –كما ألمحت يا الفاضل- تستوجب من حزب الشيوعيين ومثقفيه- استنهاض همة الكدح النظري بما يؤهل هذه المؤسسة الوطنية التي ما زلنا نعوّل عليها ونتعشم فيها خيراً مثلما هو حال الكثير غيرنا من أبناء وبنات الشعب السوداني المقهور، لذات الدور القيادي الطليعي الذي اضطلعت به في مراحل سابقة من تاريخها ما جعل منها –وهي ذاك الحزب الصغير- هادياً لدروب الحداثة والتنمية وبوصلة سياسية تهتدي بها الجماهير في قراءة واقعها ومواقفها وتتلمس بها الطريق الصحيح المؤدي بها إلى تحقيق أحلامها وتطلعاتها إلى شمس الحرية والعدالة.
وهو واجب ليس فرض كفاية على المثقفين الشيوعيين والديمقراطيين وحدهم، إنما تتقاسمه معهم جميع فئات المثقفين الذين قلبهم وعقلهم على الوطن كما قلت آنفا.

وفي هذا، كم أطربني تساؤلك في ختام التعليق: هل يجعلنا ذلك الحال أكثر لطفاً ببعضنا أم أشدّ جفاءً؟
لست أذكر ذلك الشاعر الشيوعي الذي دعا الرفاق المتخاصمين في عزّ وحُمَّى حزازاتهم في خضم صراعهم مع غول الرأسمال إلى أن يكونوا رحماء فيما بينهم..من هو؟ لست أدري الآن، غير أنه نبّه إلى ذلك ودعا إلى نزع فتيل الخصومة في صفوف الرفاق بدافع من النُبل همُّه وقلبُهُ على إنقاذ سفينة الوطن الغارقة.

وأخيراً، فقد أسعدتني جداً إحالتك إلى كتيّب "أصيل الماركسية" الذي ليس سوى واحد من رؤى عبد الله واستبصاراته السديدة التي سبق وأن أشرت إلى حاجتنا الماسة إليها في مكابداتنا لإعادة بناء سفينة الوطن الحطام.
ومع ذلك، فلا غنىً عن النقد والصراع الفكري بين المثقفين وداخل مؤسساتهم، كونهما أداة ضرورية ولازمة لتقويم مسار الأفراد والمؤسسات معاً، ومنعاً لهم ولها من مخاطر الحيد والانزلاق عند تنكُّب السير الشاق الوعر الطويل على طريق "الضرورة الضاحكة" التي تغنَّى بها الرفيق مهدي عامل .

وهذا لُحمة وسداة ما تطمح إليه هذه المناقشة التي حفزتنا إليها رسالة عبد الله.

آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في الثلاثاء سبتمبر 27, 2016 9:43 pm، تم التعديل مرة واحدة.
íæÓÝ ÍãÏ
مشاركات: 71
اشترك في: الاثنين مايو 18, 2015 4:29 pm

مشاركة بواسطة íæÓÝ ÍãÏ »

الأستاذ عبد الجبار عبد الله
شكرًا لسمتك وللباقتك المعبرة، والشكر، أيضًا، لاهتمامك بما أكتبه هنا.. ولاشك أن الوشيجة متوفرة، وأنا شديد الإيمان بمقولة، لا أذكر من أين لفحتها، لكنها تقول إن معرفة شخص جديد تعني فتح نافذة جديدة على الحياة. وسيغريني شخصك لأضيف إليها "... وتعني فتح نافذة جديدة على المعرفة"!
ويبدو لي أنه من المفيد أن نختلف حول عبد الله علي إبراهيم؛ ففي ذلك رحمة (لعيال المسلمين)!
مودة ترقى إلى صلة الرحم
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

الأخ عصام أبو القاسم
تحياتي لك
أرجو قبول اعتذاري عن هذا الرد المتأخر غير المقصود على تعليقك، كونك أول المعلقين.
كنت قد ابتدرت التعليقات بقولك:

([size=24]قبل أن يعود الاستاذ حسن موسى، أرجو أن يكون في وسعك أن تتيح لنا ما يؤكد كلامك حول منازعة ع ع إ مع قيادة الحزب حول الاستجابة لمايو في موضوع المصالحة 1977؟ هل من وثائق أو شهادات على هذا الأمر، وثانياً لما تطور الأمر إلى أن ينهي عبد الله علي إبراهيم علاقته بالحزب لمجرد اختلاف حول امر كهذا ولما تجد ان خروج عبد الله من الحزب بعد عام واحد من تلك الواقعة ما هو " إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته"؟
وعلى الرغم من أني قد أجبت عن سؤالك الأول فيما يتعلق بوجود ما يثبت دعوة عبد الله على ابراهيم إلى المصالحة بإتاحة هذا الرابط المؤدي إلى المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع عبد الله وبثت لعامة الجمهور قبل أن يكتب رسالته إلى الحزب موضوع هذه المناقشة، وقبل أن أرد عليها هنا خلال ردي على تعليق حسن موسى:

وهو https://youtu.be/NghFdWTvqM8

فأرجو قبول اعتذاري عن السهو عن الرد عليك مباشرة.
أما ما يخص حديثك عن أن "خروج عبد الله من الحزب لم يكن إلا لضرب طوق من العزلة على الحزب إلى آخر العبارة" فلم أقل أنا بذلك إنما قلت أن نظام نميري لم يعقد تلك المصالحة إلا لضرب طوق من العزلة على الحزب ومواصلة تصفيته. فأرجو الملاحظة
مع خالص التقدير لاهتمامك ومتابعتك للموضوع.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

في سيرة الفوانيس

مشاركة بواسطة حسن موسى »




سلام يا صفوة
و عفوكم على نكأ هذه القرحة التي يصونها الزميل عبد الجبار على محاور الدغمسة و الخشلعة و ما خفي بينهما.
ابدأ ب تعليق الصديق عصام أبو القاسم الذي طنـّش منه عبد الجبار في مطلع هذه المناقشة، والذي سأل فيه عصام عبد الجبار عن الوثائق أو الشهادات التي تسند اتهام عبد الجبار لعبد الله بالدعوة لمصالحة النميري .



و الليلة عبد الجبار جاي يقول لعصام :ـ
« 
وعلى الرغم من أني قد أجبت عن سؤالك الأول فيما يتعلق بوجود ما يثبت دعوة عبد الله على ابراهيم إلى المصالحة بإتاحة هذا الرابط المؤدي إلى المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع عبد الله وبثت لعامة الجمهور قبل أن يكتب رسالته إلى الحزب موضوع هذه المناقشة، وقبل أن أرد عليها هنا خلال ردي على تعليق حسن موسى:

وهو https://youtu.be/NghFdWTvqM8

فأرجو قبول اعتذاري عن السهو عن الرد عليك مباشرة.
ّ"
يا عبد الجبار ياخي الموضوع حساب ما كوار. و في الحساب كلامك في حق عبد الله قعد قدامنا لمدة ثلاثة أيام أمفكّو ساكت بدون أي سند.و أنا يا عصام سألت عبد الجبار نفس سؤالك دا يوم الأربعاء 21 سبتمبر.لكن عبد الجبار لمن كتب كلامو دا ما كان قايل في زول بيجي يسألو عن بينات و أسانيد و خلافو.و يوم سألناه حار بيهو الدليل، لمن الله هوّن ليهو زول نكت ليهو فيديو عبد اللله في برنامج " ساعة حرة" جابوا لينا يوم السبت 24 سبتمبر.فيا زميل اعتذارك دا يا تسحبه أو تعتذر عنه، بس اعفينا من هذه الـ " على الرغم من أني قد أجبت عن سؤالك الأول " بلا بلا بلا بلا. عشان فيها مكابرة غليظة لا تليق بالفطنة التي نتوسمها في شخصك.
طبعا المشكلة مع عبد الله إنو ما عندو حاجة بسيطة و ماممكن يجاوب ليك بلا أو نعم. و قد نوّهت أنا في تعقيبي على إتهام عبد الجبار لعبد الله بالخيانة العظمى، بأني لا أستبعد أن يكون عبد الله ـ في بطن السياسي الغريقة ـ قد تبنى الدعوة للمصالحة مع نظام مايو .لكن إجابة عبد الله على سؤال الصحفية النبيهة تنفتح على تعقيد ملابسات الواقع السياسي السوداني.لأن عبد الله يعقلن موقفه من المصالحة ضمن منظور "المساومة" التي يعتبرها" تكتيك مسموح بيهو في السياسة" على حد قوله.و عبد الله يقول أن الحزب، حسب وجهة نظره، كان مفروض يقبل بالمصالحة. «  و لكن لمّا خرجت لم أؤسس فعلا سياسيا قائما على قبول المصالحة. ». » عشان كدا لما خرجت ما كان مشروعي أعمل في إطار المصالحة.طلعت بأسبابي، في أشياء نفّرتني منهم، لكن ما مرقت عشان أنا عندي رأي مختلف عنهم في المساومة.. ».ـ
كل هذا التركيب السياسي المبذول في كلام عبد الله لم يلهم عبد الجبار أكثر من تبسيط الرجل لصورة خائن زنيم يتربص بالحزب و يؤازر عليه العسس الظلاميين. 
يا عبد الجبار أنا قرأت مآخذك السياسية على عبد الله كونه، بعد حوالي عقد من الزمان من تركه صفوف الحزب، لبّى دعوة نظام الإنقاذ للمشاركة في مؤتمر للحوار الوطني.و رغم أن عبد الله صرف جهدا كبيرا في شرح و عقلنة موقفه من نظام الإنقاذ إلا أن هذه المشاركة ، التي فجعت الكثيرين من رفاق " الزمن الجميل"، لصقت بعبد الله كوصمة متجددة عند كل منازعة تجمعه و المعارضين اليساريين لنظام الإنقاذ. بل أن الشيوعيين ـ حتى بعد إنخراطهم الغميس في" مصالحة"سياسية لا تقول إسمها صراحة، ما زالوا يعيّرون عبد الله بمشاركته في مؤتمر الحوار الإنقاذي أو في ترشيحه لنفسه لإنتخابات رئاسة الجمهورية ضد عمر البشير التي تشرعن سلطة النظام و تسوغ قبوله ،أو كما كتبت يا عبد الجبار :ـ

«...
 لا تنه عن خلق و تأتي مثله... »يا عبد الله، إذ ما تزال ذكرى ترشحك لتولي منصب رئاسة الجمهورية، في إنتخابات الإنقاذ قبل الأخيرة ـ و التي لا غاية منها كما تعلم سوى تزوير الإرادة الشعبية و إضفاء طابع شرعي على إنقلابيي الإنقاذ ـ حية متقدة في الذاكرة.. « 

و قد حيرتني مؤاخذتك لعبد الله كونه رشح نفسه لرئاسة الجمهورية ، ذلك أنك تعلم أن عبد الله لم يكن وحده الذي رشح نفسه لرئاسة الجمهورية في تلك الإنتخابات التي قلت أن غايتها" تزوير الإرادة الشعبية إلخ".فقد تكاثر المرشحون في تلك الإنتخابات و من بينهم مرشح شيوعي اسمه محمد إبراهيم نقد، فهل تعتقد أن نقد كان يعمل على "تزوير الإرادة الشعبيةو إضفاء طابع شرعي على إنقلابيي الإنقاذ »؟

أنظر الرابط
https://www.bbc.com/arabic/middleeast/20 ... _tc2.shtml

بل أنك تذهب أبعد من مجرد استهجان مشاركة عبد الله في مؤتمر الخيانة إياه، لأنك تقرأ مشاركة عبد الله في ذلك المؤتمر كمؤازرة لحكم العسس و كمحاولة للنيل من نضال الحزب الشيوعي و من حركة المعارضة السياسية للنظام و ذلك في قولك :ـ

«  ذلك فانوس آخر أضأناه في حلكة الليل في ذات الوقت الذي كان يؤازر فيه عبد الله حكم العسس على إطفائه،و إن لم يكن يقصد إلى ذلك مباشرة بمشاركته في باكورة مؤتمرات الإنقاذ .. »

يا عبد الجبار كدي أدينا " بريك " من ولّيع الفوانيس في حلكة الليل و أسمع كلام اليبكّيك و اعرض عن كلام اليضحّكك :ـ
يا زميل إذا لمت عبد الله على تواطؤه السياسي الذي يشرعن نظام الإسلاميين فلا يمكن أن تشيح بوجهك بعيدا عن مواقف الحزب الشيوعي الذي تواطأ مع إنقلابيي 25مايو لحد الإنقسام و، مثلما تواطأ مع إنقلابيي 19 يوليو لحد الموت،مثلما تواطأ مع إنقلابيي الجبهة الإسلامية لحد أن جعل أعلاما [من وزن فاطمة أحمد إبراهيم و آخرين] يجلسون على مقاعد نيابية في برلمان عمر البشير. و دا كله كوم ،لأن الحزب الشيوعي منظمة سياسية لينينية [ ترجم : "ميكافيلية » و سجن سجن غرامة غرامة]، يوم يصالح فلان و يوم تاني يخاصم فلتكان ، و ذلك حسب بُعد[ أو قصر ] نظر قادته و تفهمهم لمصلحة الحزب و تكتيك إدارة الحركة الثورية ،مما يندرج في ما سماه عبد الله بمفهوم " المساومة". لكن الكوم التاني، "الحيّر فكري و الشغل بالي"، يتعلق بما كان من صورة الزميل محمد وردي و هو قعود لتطريب مجلس السلطان الجائر، و تلك حزّة رمزية كبيرة في خاطر الشعب الصابر الممكون الله بسألكم منها يوم القيامة، كما أن الشعب يسألكم اليوم يا عبد الجبار عمن سوغوا لوردي هذه العملة المهببة التي زلزلت رفاق نضاله و جملة معجبيه.و قبل فترة، حين ساءلنا الرفاق الشيوعيين ، على صفحات هذا المنبر، عن المنفعة السياسية المنتظرة من عثرة قيادي من وزن فاروق كدودة في موضوع "ظرافة" صلاح قوش و "وُد" حسن الترابي،مما كان يتباهى به ضمن الزعم الكذاب بأن إختلاف الرأي لا يفسد قضية الود [ الطبقي]، لم ينالنا منهم سوى "جزا المعروف عشرة كفوف" و غبائن صبيانية فارغة لا نستحقها. أنظر الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 8609407845

ـ
يا عبد الجبار، رغم كونك من الكوادر المثقفة في الحزب الشيوعي لكننا لم نقرأ لك نقدا يعالج مخازي الرفاق التي هزت الحادبين على قضية الديموقراطية في السودان.و لو سألناك : يا زميل إنت واقف وين من الحاصل دا كله ؟ ففي الغالب لن نجد عندك إجابة غير : " دا كله من راس عبد الله علي ابراهيم إلخ ". وفي روتين غيّك لا بد أنك ستجد بين الرفاق من يدعم وجهة نظرك ،و ربما يتحفوك بفيديوهات مناسبة للتلبيس المفهومي في حق عبد الله و التشنيع به كخائن أعظم ضروري لصيانة بطولة مولّعي الفوانيس في حلكة الليل البهيم إلخ..
و الله يا عبد الجبار" لو ما العمر تكليف" كنت واصلت معك " خشلعة" نسختك من سيرة الخيانة في مشهد الحركة الشيوعية السودانية. لكني أفضل عليهاالنظر في إشكالية العلاقة القائمة بين الحزب الشيوعي و المثقفين السودانيين .ـ.

سأعود
أضف رد جديد