المصير والحرّيّة

[إبراهيم جعفر]

المصير والحرّيّة



ما أن يتأملَ في صورة ما كانه في علاقته بما يكتب ، خصوصاً إن كان ذلك فلسفةً، حتى تستولى عليه موجةٌ من الغيظِ الرثِّ والاتِّهامِ والحزن الذي يبدو– ظاهرياً– ألاّ مبرر له، لكنه، مع ذلك، هو الحزن الأقوى والمتمكن من النفس. هل هي الحرية:- أن يهفو المرء للتملُّصِ من جلده ومن " حالته " نهائياً وبلا احتمالٍ إطلاقاً للعودة إلى ما هو قد شُكِّلَ عليه من هيئةٍ أليفة؟

ليس يعني هذا أن يتخلّص المرء من هواه، من تنفُّسه بامرأةٍ (نساءٍ) بذاتها (بذاتهنّ) فتلك (أو أولئك) قد صارت (صرن)– بطريقةٍ لا محالةَ ليس هناك من رادٍّ لتجذُّرها إلى تفكُّكٍ، هلامٍ أو "هيولى"- هي (هنَّ) هو وهو هي (هنَّ):-
ذلك المصير الذي ينسج ذاتهُ في قلبِ حريّته لحظةً فلحظةً ونولاً فنولاً في هيئةِ رداءٍ فانٍ- مطلقٍ ما عاش في هذه الدنيا الفانية – المطلقة كذلك. كما أنه ليس يعني أن ينقطع المرءُ عن كلِّ ما يناقضه (فكراً وشعوراً) ممّا قُذِفَ فيه من " تاريخٍ " معيَّنٍ – تجارب، علاقات، أناس، حضارات، تقاليد، فنون.... الخ ، الخ، فذلك كلُّه لن يكفَّ عن أن يكونَ "هو" و"هو عينَهُ" ما دام منسوجاً على جسده – نفسه أو حامله المستمر في هذه الدنيا والمتهيئ له، أوّلاً، ثمّ للناسِ والآخرين، "من ليس هم هو"، بمختلفِ ما هو محتمل من معانٍ لهذه العبارة، على أنه "شخصية متناسخة في جسد"– بحسب ما يقول قابرييل مارسل. فليس من مهربٍ من هذا التناسخ، كما وهو، ببساطةٍ، بارزٌ في حالةِ كلِّ بشريٍّ يتبدّى على أنه بشريٌّ ولا غير– هذا يستثني "حالات" الإِنمياز الروحيّ للشخص آنَ، مثلاً، يتجاوز جسدهُ في تجربةٍ "روحيّةٍ" ما مثل تجربة "الانفصال عن الجسد" ومثيلاتها من تجاربٍ ليس من مثبتٍ (أو نافٍ) لها سوى حقيقية اليقين أو اللاّ يقين (بالأحرى اللا أدريّة) التي يُعايُنُها المرءُ آن تجربتها.

إن لم يكن ما بدأتَ به يعني "شيئاً" من كلِّ هذا، فما هو عانٍ إذاً؟ ذلكَ ما يمتّع ويعذّب– في آنٍ– المرءَ من أمره:- كونه سرَّاً أنطولوجيّاً يقفُ دونهُ السُّؤال، مهما كان عميقاً في وضعِ ذاتِهِ وتأكيدها إزاءَهُ، محتاراً وحسب.


[align=left] الخميس 27 نوفمبر1997.



* من مسوّدة كتابي المُسمّى "تداعيات أنطولوجيّة".........

[إبراهيم جعفر]

...