والبندر فوانيسوالبيوقْدن وقَدَن : ما وراء رسالة عبد الله

Forum Démocratique
- Democratic Forum
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


[color=red]تلفيق حسن موسى

ليس هذا رد ولا تعقيب على ما قال به حسن موسى لتوه، بل المقصود إمساكه متلبساً بالفبركة والتلفيق الصريح بأن نسب لي ما لم أقله في هذا المقتطف الذي "لفحه" من حوار جريدة التيار مع عبد الله علي ابراهيم. ويعود هذا المقتطف إلى الصحفي محمد إبراهيم نصر الدين عبد القادر الذي أجرى الحوار مع عبد الله. فهذا هو حسن موسى الذي يحاضرني ويرميني بسوء الكتابة و"كلفتة المكاتيب" كما يقول.

قال حسن معلقا على كتابتي وكتابة عصام علي ما يلي:

و حتى لا أطيل عليك ، هاك هذا المقتطف من كلام عبد الجبار و قول لي لو فهمت حاجة :ـ

كتب عبد الجبار :ـ"

التحليلات الخاصة للمثقفين ولوظيفتهم في المجتمع التي قال بها أنطونيو غرامشي المفكر الماركسي البارز قادته إلى نتيجة مهمة: وهي ضرورة الهيمنة الثقافية من أجل نجاح أية سلطة ، وهو مايدافع عن هذا الدور الجوهري للمثقف السياسي والأكاديمي البارز الدكتور عبد الله علي إبراهيم في دفاعه المستميت عن دوره كمثقف داخل الحزب وهو الإشكال الذي أجبره أن يخرج من الحزب الشيوعي في العام 1978م عندما منع الحزب نشر كتاب له ".ـ

وقال حسن مستطرداً في التعليق:

أنا غايتو خمّنت من كلام عبد الجبار أن عبد الله ، حين يدافع عن دور المثقف داخل الحزب، إنما يدافع عن سلطته هو كمثقف، في الهيمنة الفكرية داخل الحزب.يعني عبد الله و غرامشي بقوا واقفين في معسكر مضاد لمعسكر الكادر السياسي القيادي الذي هو بالضرورة مارق من جنة الثقافة و سقطها. شفت كيف؟بالله يا عصام لو شفت حاجة أشرح لينا، و لو ما شفت فقل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، و متأسفين على الإزعاج

والصحيح كما ذكرت تجدونه في الرابط التالي:
https://www.altayar.sd/play.php?catsmktba=13110

لابد من حل الحزب الشيوعي
والمؤتمر السادس "خيبة" كبيرة

""""""""""""""""""""""""""""""""
أنا قنعان من الحزب الشيوعي "خالص خالص" ورسالتي الأخيرة لم تكن موجهة إليه بل إلى الجماهير
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
الحزب لايحترم مثقفيه وغير قادر على استيعابهم داخله و حالياً لا يوجد مثقف بالحزب إلا كمال الجزولي
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

التحليلات الخاصة للمثقفين ولوظيفتهم في المجتمع التي قال بها أنطونيو غرامشي المفكر الماركسي البارز قادته إلى نتيجة مهمة: وهي ضرورة الهيمنة الثقافية من أجل نجاح أية سلطة ، وهو مايدافع عن هذا الدور الجوهري للمثقف السياسي والأكاديمي البارز الدكتور عبد الله علي إبراهيم في دفاعه المستميت عن دوره كمثقف داخل الحزب وهو الإشكال الذي أجبره أن يخرج من الحزب الشيوعي في العام 1978م عندما منع الحزب نشر كتاب له ،في حواره المفتوح مع (التيار) أخرج لنا عبد الله الهواء الساخن الذي ظل يجثم على صدره.. فإلى التفاصيل:

وهذا يعطيني مسوغا أخلاقيا كافيا لتجاهل حسن موسى تماما في كتابتي هذه من الآن فصاعداً




[/color]
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

No body is perfect

مشاركة بواسطة حسن موسى »


يا عبد الجبار دي عندك فيها حق، و أنا أسحب كلامي الذي ينسب إليك المقطع الذي لم تكتبه. فقد تشابهت علي أبقار البلاغة الجرائدية و العجلة كما جاء في الأثر أم الشيطان.
بس كمان ما دايرنك تتسبّل و تحرد و تزوغ من محل الدواس. تعال أدينا نظر في باقي الكلام عشان المنازعة البديتها هنا دي ما ملكك و لا ملكي. و أنا بالمناسبة ما عندي أي مسوّغ لتجاهل الخصوم في قضايا العمل العام. يعني سيك سيك معلق فيك.
سأعود
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


من هزلية حسن موسى إلى رسالة عبد الله

هذه كلمة قصيرة أوجهها إلى جميع القارئات والقراء والمعلقين، شاكرا لهم الاهتمام وحسن الصبر والمتابعة.

قال حسن اعترافا بتلفيق المقتطف إياه ودسه في كتابتي :

"يا عبد الجبار دي عندك فيها حق" وأسأله عرضاً بمناسبة منحي هذا الحق مشكوراً: وأين ذلك "الزميل الكَلس" الذي لم يتشرف القُراء بمعرفته بعد؟ أليس لي حق شرف فيه وأخريات كثيرات غيره؟

تعرف لو كنت مكانك يا حسن موسى، كنت سأعتذر عن فعلتي الشنعاء هذه مباشرة ودون مواربة، ولما غلّفتُ اعترافي بالتلفيق بإساءة مبطنة أكثر لؤما من جنس "فقد تشابهت عليَّ أبقار البلاغة الجرائدية" فأنت لم تتشابه عليك الأبقار -جرائدية كانت أم صحف تابلويد صفراء عديل- بل ذهبتَ بنفسك إلى زريبة المواشي وعزلت البقرة السمينة التي طاب لك لحمها فأردت أن تقيم به وليمة دسمة للقراء وتشتري به وتبيع سوءات الكتابة والنصوص المكلفتة جميعا باسمي وعلى حسابي. ولم تكتفِ بإساءة قراءة كل حرف كتبته منذ ردي الأساسي على رسالة عبد الله فحسب، بل انفتحت شهيتك للفح نصوص من مواقع إلكترونية أخرى ودسّها في نصي تدليساً وغشّا على عينك يا تاجر في ذات الوقت الذي ما زلت ترميني فيه بتهمة الكذب والتلفيق. ولو كنت أزعم لنفسي سلطة "حارس بوابة" سودان فور أول والقيام على صون آداب وقواعد الكتابة فيه لما ترددت لحظة في التخلي طوعاَ وإرادة عن مهمتي هذه لأني لم أعُد أهلاً لهاً بهذه الفعلة وحدها.

يا زول إنت أحرس بوابة نصوصك ومكاتيبك وقراءتك أولا قبل أن تنصِّب نفسك وصياً على نصوص الآخرين. دعني أنا وقل للقراء بالله عليك كيف تكون "العجلة من الشيطان" حلالا عليك إلى حد اللفح واللزق والتدليس ثم هي كلفتة محرمة شرعاً على الآخرين؟ وألا ترى في تعليقك الأخير على مكتوبي ومكتوب عصام علي أنه قد بلغ بك الاستهزاء والاستخفاف إلى حد تحويل الآخر ونصوصه إلى ما يشبه حديقة الحيوانات البشرية Human Zoo التي قصصتَ شريط افتتاحها لتوّك ودعيت جمهور القراء إلى زيارتها والسياحة فيها ابتغاء التسلية والترفيه؟ هذه صورة كاريكاتيرية ساخرة تلتقطها فطنة القراء بعين بصرية تشكيلية مثلما قصدتَ رسمها أنت بمكر الكلمات في تعليقك الأخير.

فكل الذي تحتاجه يا حسن هو وصم stigmatizing محاورك ومخالفك في الرأي ومسخه إلى أضحوكة ومهزلة ومن ثم دمغ نصوصه بالركاكة كتلة واحدة فتتخلص منه بركلة واحدة مثلما فعلت بتعليقك المستخف مثلاً عن دماء شهداء يوليو. فقد بنيت سخريتك على قولي بأن دماءهم لم تجف من الأرض المحروقة بعد منذ يوليو 1971 وحتى 1978. فماذا سيكون تعليقك لو قلت لك أن دماءهم ما تزال حارةً لم تجف حتى الآن، وأن أصوات ذلك الرصاص الذي اخترق أجسادهم ما زالت تلعلع في أُذن وروح الأستاذة الخنساء عمر صالح وكمالا وسائر أفراد أسرة الشهيد بابكر النور وبقية أفراد أسر شهداء يوليو؟

وكنت قد قلتُ سابقا ومنذ وقت مبكر من هذه المنازعة إن من نافلة القول أنه لا يقوم حوار نزيه أمين رصين على حالة ذهنية مغلقة ومتحفزة سلفا ضد الآخر. وهذه هي حالتك أنت بالضبط يا حسن، وحالة الدكتور عبد الله علي ابراهيم.
وأما فيما يخص الدُواس فدعني أقل لك يا حسن موسى أنني داوست وما زلت أداوس طيلة عمري في ميادين النزال التي يحلّق فيها الموت حقيقة لا مجازاً وفي قلب مخاطر العمل العام التي لا يجازف كثيرون بمجرد الاقتراب منها.
أما إذا كنت تقصد بالدواس هذا الوحل الذي تصطنعه اصطناعا هنا لتعطيل المناقشة الأساسية لرسالة عبد الله على ابراهيم، فهأنذا أكرر القول بأني سأواصل كتابتي في غنى عن رفقتك التي لا تلزمني في شيء ولا تثمر معرفة يتطلع إليها القراء الصابرون المتابعون .
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في الأربعاء أكتوبر 26, 2016 7:54 am، تم التعديل مرة واحدة.
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

ليس كل ما يلمع ذهبا"

في نقد المفاهيم (2)

أي منهج في علم التاريخ وفسلفة التاريخ يا بروف؟

دور الفرد في التاريخ: ماركس مرتدَّاً إلى نيتشة ..ونيتشة منزلقاً إلى أغوارِ اللاهوت!


يذكر القراء أن الدكتور عبد الله على ابراهيم قد اقتصر محتوى استقالته من الحزب في عام 1978 على هذا البيت للشاعر أبي الطيب المتنبي ولم يزد عليه:

إذا ترحلّتَ عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ

والملاحظة الأولية التي سأقرأ بها هذا البيت هي أن البروفيسور أستاذ التاريخ الذي يزعم أنه فقيه الماركسية وأنه الوحيد الذي يحمل التراث الفكري للأستاذ عبد الخالق محجوب لم يكلف نفسه لحظة واحدة مشقة إعادة النظر في عوار هذا البيت الشعري وتناقضه مع الفهم الماركسي لدور الفرد في التاريخ، ليس حينما جعل منه عنوانا لخروجه من الحزب في عام 1978 فحسب، بل وبعد مضي 38 عاما على ذلك الحدث حين بعث برسالته موضوع هذه المناقشة إلى الحزب في 29 يوليو 2016. ولو أنه سعى لإنتاج معرفة نظرية فلسفية ماركسية جديدة حوله لاطمئننا لاستدراك الرجل لذلك العوار وأدركنا أنه قد تراجع وارعوى عن غيه في السير على هدى رهط المفكرين والفلاسفة المثاليين الذين خاض ماركس وإنجلز صراعا فكريا ضاريا انصبّ هدفه الرئيسي على تقويم الفهم المثالي للتاريخ وإقامته على قدميه بعد أن كان مقلوبا على رأسه في الفكر المثالي. ولكنه لم ينهض بتلك المهمة اللازمة للأسف حتى عندما أعلن عن أسباب استقالته القائمة على منازعة قوامها الثقافة والمعرفة كما يزعم.

وعليه، يكفي هذا البيت وحده لتأليف كتاب كامل في نقد بنية الوعي المثالي التي ينظر منها وعلى أساسها الدكتور عبد الله على ابراهيم إلى التاريخ، في تضاد تلك البنية وتعارضها القاطع والجذري مع الفهم الماركسي للتاريخ.

ولكن المشكلة أن ذلك البيت الشعري ليس وحده الذي يرمز إلى الفهم المثالي للتاريخ عند عبد الله ، إنما تتشابك معه وتؤازه عناصر وزوايا أخرى في مفاهيمه النظرية ومواقفه العملية إزاء دور الفرد في التاريخ.

وعلى رأس تلك العناصر التباس وازدواجية العلاقة التي ربطت بين الدكتور عبد الله على ابراهيم وعبد الخالق محجوب في تشابكها مع الإرث الفكري والسياسي لعبد الخالق. ومنها أيضا الصيغة التي أعلن بها دعوته مؤخرا إلى حل الحزب الشيوعي عبر اللقاء الصحفي الذي أجرته معه جريدة التيار في سياق السجال الدائر هنا حول رسالته إلى الحزب :

https://altayar.sd/play.php?catsmktba=13110

ماهى وجهة نظرك فيما ينبغي أن يكون عليه الحزب؟

ورده على سؤال الصحفي بالقول: لابد من حلِّه (ثم أردفها بضحكة مجلجلة).. أنا حلّيته قبل 40 عاماً . والآن يجب أن يأتي منهم راجل ويحله.

هذه الدعوة الصريحة الجهيرة إلى حل الحزب ليست موضوع مناقشتي هنا في هذا الجزء من النظرإلى جانب ملفت للنظر في مفاهيم عبد الله، وسأعود إليها في موضع آخر من هذه المناقشة. ولكن الذي يهمني مباشرة وتحديداً منها قوله:


أنا حلّيته قبل 40 عاماً . والآن يجب أن يأتي منهم راجل ويحله

فهذه عبارة مركزية في ما نناقشه في هذه الجزئية من مفاهيم البروفيسور عن التاريخ. وسأصرف النظر حاليا عما تعجُّ به تلك العبارة من ذكورية عارمة ساحقة للمرأة ولاغية لدورها حتى في صفوف الحزب الشيوعي نفسه. ودعك عن هذا أيضا لأنه ليس موضع تركيزنا واهتمامنا في الوقت الحالي. ولئن تابعنا الثقوب المعرفية الفكرية لأستاذ التاريخ الذي يزعم امتلاكه واحتكاره لناصية المعرفة ومنهج التحليل الماركسي وحاولنا الوقوف عليها في كل مرة تعترض طريق تناول موضوع بعينه –مثل فهمه لدور الفرد في التاريخ موضوع هذه الكتابة- فستشرق علينا شمس الضحى ونحن نراوح في المكان ذاته ليكون بذلك حالنا كحال المُنبَتْ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، إذ ما أكثر الفتوق والثقوب والشقوق في فكر الرجل.

ويضاف إلى ذلك نفيه مؤخرا وجود أي مثقف في الحزب عدا عن كمال الجزولي. وهذه لن أناقشها هنا أيضا، وسأكتفي بدلالة الفرد فيها وألفت النظر إليها متسائلا: ما علاقة البروفيسور بالفرد الواحد الأحد دائماً وما سرّها يا ترى؟ فهي على أقل تقدير مثيرة للاهتمام والتساؤل الحافز على البحث والفضول المعرفي.

ويقودني هذا الفضول إلى القول ابتداءً بأن في هذه العناصر مجتمعة ما يشكّل بنية وعي نظري متماسكة تعبّر عن تجلياتها في حقل النظرية والممارسة الذي ينشط فيه عبد الله نشاطا لا تخطئه العين.

فأين تتردد أصداء ذلك البيت الشعري للمتنبي في تراث فلسفة التاريخ؟

ليس في "مقدمة بن خلدون" التي سنقرأه بها في سياقه الثقافي اللغوي المعرفي الذي ينتمي إليه لساناً ومنتجاً إبداعيا فكرياً في وقت لاحق، وليس لها من أثر أو صدى قطعاً في منظور فهم ماركس للتاريخ، ولا حتى في منظور وتراث هيغل وفيورباخ أو المفكر الفرنسي إميل دوركايم. فأين إذن تتردد أصداء بيت المتنبي هذا الذي جعل منه عبد الله على ابراهيم عنوانا وشعاراً لخروجه الأسطوري التوراتي السمت والملامح عن الحزب في ذلك الأمس البعيد؟

قبل أن نمضي للإجابة عن السؤال، تلزمنا وقفة قصيرة عند الشطر الثاني من بيت المتنبي الذي يقع موقع جواب الشرط إعراباً في اللغة " فالراحلون همُ". وهي عبارة لها دلالتها العميقة في نظرعبد الله إلى ميزان التاريخ ومساره أين يميل ويتجه، إلى حيث يمضي الفرد؟ أَم إلى حيث تمضي الجماعة؟ والدلالة الضمنية التي تُقرأ في تشبُّث عبد الله ببيت المتنبي هذا إلى اليوم -باجتراره كما هو في رسالته إلى الحزب- هي أن ميزان التاريخ يميل وتنوء كفته تحت وطأة ثقل الفرد وليس ثقل الجماعة "فالراحلون همُ" تأمّل!

تعزيزاً لهذه الفكرة، وتأكيداً للخسارة الثقافية الفادحة المفترضة التي تكبّدها الحزب بسبب "رحيل" عبد الله عنه–حسب تهيؤاته وأوهامه الذاتية- لم يجد عبد الله حرجاً ولم يطرف له جفن حين أطلق كذبته البائنة في رسالته إلى الحزب بالقول باندثار جبهة العمل الثقافي فيه منذ خروجه عنه في عام 1978 وحتى لحظة استغاثة الحزب بالحاج وراق لإحياء العمل الثقافي فيه قبيل استقالته منه. وبما أن عبد الله مؤرخ وأستاذ في التاريخ، فقد طرحتُ عليه مرارا وبإلحاح ذات السؤال:

من أين أتى عبد الله المؤرِّخ الحاذق بقوله الأكيد القاطع باندثار هذه الجبهة تماما في عمل الحزب منذ عام 1978 وحتى لحظة استغاثة الحزب بالحاج وراق لإعادة تنظيمها قبل خروجه عن الحزب بقليل في منتصف عقد التسعينيات؟

وموضوع السؤال كما هو واضح ليس بيان السكرتارية المركزية للحزب عن خروج الخاتم عدلان والحاج وراق في إبريل 1996 الذي نشرته جريدة السودان الحديث في 19 يونيو 1996 -كما أجاب معنّفاً إياي "بألا أجادل مرة أخرى أستاذ شرف في التاريخ في جامعة ميزوري " – وإنما هو تزييف هذا الأستاذ للتاريخ وكذبته الداوية المجلجلة التي تدحضها حقيقة استمرار العمل الثقافي في الحزب طوال سنوات غيابه وخروجه عنه إلى يومنا هذا!

ولن أطالب الدكتور مرة أخرى بما تجاهله وصمت عنه متعمداً فليهنأ بصمته، ولكن ستبقى له كذبته وتزييفه للتاريخ هذا وصمة أدبية أخلاقية مهنية تاريخية هي الأخرى، لن تمحوها من سِجلِّه مياه محيطات العالم قاطبةً وإن سعى إليها.

ومع ذلك، فهي كذبة وتزييف أملتهما على عبد الله –فيما يبدو- حاجته الذاتية الملحّة إلى تقديم البرهان الملموس على خسران الجماعة "التي هي الحزب" نتيجة لخروجه هو عنه.
والآن...أين نجد أصداء بيت المتنبي ذاك في تراث الفكر الفلسفي كما تساءلت آنفاً؟

إنها تكمن هاهنا في أنشودة زارا:

"أنا لا أعرفكم أيها الناس.. وتلك ظُلمتي أتلفَّعُ بها في غروبي....
أين هواللهب الذي يمتد إليكم ليطهِّركم؟ أين هوالجنون الذي يجب أن يستولي
عليكم؟

هأنذا أنبئكم عن الإنسان المتفوق.
إن هو إلا ذلك اللهب وذلك الجنون.
ومافرغ زارا من كلامه حتى ارتفع صوت من الحشد قائلًا
"لقد كفانا ما سمعنا عن البهلوان، فليبرز لنا الآن لنراه"

فضحك الجميع مستهزئين بزارا، وتقدّم البهلوان ليقوم بألعابه وهويعتقد أنه كان
موضوع الحديث.

وبُهِت زارا مجيلًا أنظاره في القوم ثم قال: ما الإنسان إلاحبلٌ منصوبٌ بين الحيوان
والإنسان المتفوق فهو الحبل المشدود فوق الهاوية.

إنَّ في العبور للجهة المقابلة مخاطرة، وفي البقاء وسط الطريق خطرًا، وفي الالتفات
إلى الوراء وفي كل تردد وفي كل توقف خطراً في خطر.

إن عظمة الإنسان قائمة على أنه مَعْبَرٌ وليس هدفًا، ومايُستَحبُّ فيه هوأنه سبيلٌ
وأفقٌ وغروبْ.

إنني أحب من لاغاية لهم في الحياة إلاالزوال، فهم يمرون إلى ماوراء الحياة.
أحبُّ من عَظُم احتقارهم لأنهم عظماء، أحبُّ المتعبدين يدفعهم الشوق إلى المروق
كالسهمِ إلى الضفة الثانية.

أحبُّ من لايتطلبون وراء الكوكب معرفة ما يدعو إلى زوالهم أوما يهيب بهم إلى
التضحية؛ لأنهم يقدمون ذاتهم قربانًا للأرض، لتصبح هذه الأرض يومًا ميراثًا للإنسان
المتفوق.

أحب من يعيش ليتعلم، ومن يتوق إلى المعرفة ليحيا الرجل المتفوق بعده، فإن هذا
مايقصد طالب المعرفة من زواله.

أحب من يعمل ويخترع ليبني مسكنًا للإنسان المتفوق فيهيئ مافي الأرض من
حيوان ونبات لاستقباله، فإن هذاما يقصد طالب المعرفة من زوال.

(هكذا تكلم زرداشت، فريدريك نيتشة).

وفي رد مفهوم عبد الله عن الفرد إلى جذوره الفلسفية لدى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة (1844-1900) الذي وصف مؤلفه الفلسفي الشعري الشهير "هكذا تكلم زرادشت" بأنه يمثّل الركيزة الأساسية لنظامه الفلسفي، ما يساعد على توفير الوضوح النظري الفلسفي الذي يعيننا على فهم عبد الله علي ابراهيم لموقع الفرد ودوره في التاريخ، بدءاً بعبد الله نفسه.

وليس من سبيل هنا لاختزال أثر هذا الفيلسوف الشاعر في سطرين أو كلمتين أو عدة صفحات متتالية. ولكن مما لا جدال فيه أن التراث الفلسفي الثر لنيتشة قد ألقى بثقله ليس على الحقل الفلسفي الأوروبي وحده، وإنما طال ذلك إلى مجالات الأدب والثقافة ونظرية المعرفة والدين والأخلاق وعلم الاجتماع..إلى آخره، حتى جعل منه ذلك التراث نبياً للفكرالحداثوي ومصدر إلهام وتجديد لعصر بأكمله.

على أنّ ما يعنينا من تراثه هو فكرته عن الفرد التي صاغها في مفهوم "الإنسان المتفوق" أو السوبرمان. ويشخُص هذا الإنسان المتفوق في فكرنيتشة بوصفه معادلاً موضوعياً وجودياً للإله الذي دعا إلى موته في سياق تأملاته الفلسفية، وإلى موت إنسان عصر التنوير الذي لم يعد قادراً على المضي خطوة واحدة للأمام .

ويعطي نيتشة بعداً اجتماعياً أخلاقياً لنظرية التطور عند داروين، فينظر من خلالها إلى ما قال به داروين في نظرية الانتخاب الطبيعي. ولكن هل يقف التطور عند الإنسان الدارويني أم أن له آفاقا أخرى في تأملات نيتشة الفلسفية؟ في تخوم هذا السؤال الوجودي الفلسفي تومض في ذهنه فكرة "السوبرمان" أو الإنسان المتفوق استناداً إلى مفهوم الانتخاب الطبيعي الدارويني والبقاء للأصلح. وعليه، فلا مجال إلا لبقاء الإنسان المثالي الذي تتوفر له كل المقومات الاستثنائية الفريدة التي تمكّنه وتنتخبه طبيعيا للبقاء. ومن المنطقي عقلياً وفلسفياً أن يرتبط بقاء هذا الإنسان المثالي الخارق بإرادة القوة will to power التي بنى عليها نيتشة مفهومه عن الأخلاق. وهذا تحديداً ما يعيد نيتشة إلى رهط الفلاسفة المثاليين الألمان على الرغم من حربه الضروس ضد الميتافيزيقا والتراث الفلسفي المثالي إجمالاً.

وليس غريباً أيضاً أن جعل القائد النازي أدولف هتلر من فلسفة نيتشة عن الفرد إنجيلاً خاصاً به يهتدي ويستقي منه فكرة"إرادة القوة" التي صعد بها وحزبه إلى سدة الحكم في ألمانيا في عقد ثلاثينيات القرن الماضي، جاعلاً منها سلاحاً فكريا سعى به إلى غزو العالم بأسره وإخضاعه لسطوة النازية وتفوق الجنس الآري. ذلك أن من المعروف عن فلسفة نيتشة أيضاً احتقارها للديمقراطية والاشتراكية وقيم العدالة الاجتماعية. وليس غريبا أن اهتدى بفلسفة نيتشة أيضا القائد الفاشي الإيطالي موسوليني مستمداً منها نزعته الاستبدادية المستلهمة من فلسفة "إرادة القوة".

لست أُلمِّح هنا إلى أن فهم عبد الله عن الفرد يمثل تجسيداً سودانويا موازياً تماما لذلك الفهم عند نيتشة وتأثيراته على سياسة القوة power politics التي جسّدها النظامان النازي والفاشي في أوروبا في أبشع صورهما وأكثرهما قتامة في تاريخ الإنسانية المعاصر، وليس في التاريخ الأوروبي وحده، إذ لا سبيل إلى ذلك أصلا بحكم تباين شروط تطور الواقعين الأوروبي والسوداني. غير أن في نظر عبد الله وفهمه عن الفرد ودوره في التاريخ، ما ينشئ بينه والإرث الفلسفي النيتشوي وشيجة ملحوظة تعيننا على فهم وتفسير نشاطه في حقل النظرية والممارسة معاً في السياسة السودانية المعاصرة.

ولنعيد قراءة بيت المتنبي مرة ثانية من منظور زرادشت وعين نيتشة:

إذا ترحّلتَ عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارهم فالراحلونَ هُمُ


فمن هذا الذي "ترحل الجماعة" نتيجة لرحيله هو "الفرد"سوى الرجل السوبرمان؟ ومن هذا الذي تنوء بحمله وثقله كفة ميزان التاريخ في مقابل الكفة الأخرى التي تشغلها الجماعة سوى "الرجل المتفوق"؟

وهي ذاتها العين التي ننظر بها إلى علاقة عبد الله على ابراهيم الفصامية الملتبسة بأستاذه الشهيد عبد الخالق وما خلَّفه من تراث فكري سياسي يقف الحزب الشيوعي السوداني –بما له وعليه- تجسيداً حياً له.

ففي رأيي الشخصي، وانطلاقا من منظور فلسفة نيتشة -وليس ماركس- يمكن تفسير تلك العلاقة بين عبد الله علي ابراهيم وعبد الخالق على أن الأخير يستحيل أو ينمسخ في نظر عبد الله إلى "سوبرمان" ذي خصائص وقدرات ومميزات فريدة خارقة تجعله كائنا سياسياً فكريا منبتّ الأصل والجذور، مغتربا عن ماضيه ومنقطعاً عن مستقبله في آن. وإلى ذلك القائد الشيوعي السوداني الخارق وحده ينتمي عبد الله وليس إلى أحد غيره.

وبهذا الفهم أقرأ مقولة عبد الله عن عبد الخالق: "إنه بطلي ومشكلتي". كونه بطلاً له فذلك بحكم تعلُّق عبد الله وتطلُّعه إلى "الأقوى الخارق" دائما تماما كتعلّقه وتطلعه النرجسي إلى ذاته الفريدة "الأقوى" التي لا يكف عن تزكيتها و"انتخابها"سراً وعلانية. أما كون عبد الخالق مشكلته، فهذا مما تدخل فيه أزمة عبد الله الشخصية مع الحزب والتراث الفكري السياسي الذي خلّفه عبد الخالق وراءه، بل دفع حياته مهراً غالياً لبقائه واستمراره.

وإن لم يكن الأمر كذلك، فكيف لنا أن نفسّر أن مديح عبد الله لعبد الخالق لا يكتمل ولا يستقيم إلا بحزمة من الهجاء والقدح والتشنيع بالحزب الشيوعي وقيادته طوال مرحلة ما بعد عبد الخالق؟ وكيف أنّ هذا الحزب الذي أسّسه وفداه عبد الخالق بروحه ودمائه قد استحال بغتة وفي لحظة من أفول شمس التاريخ المتوهَّم في مرآة عبد الله المهشمّة إلى "كلب أجرب" يعافه عبد الله ولا يقترب منه أبداً إلى حد بلغ به الدعوة العلنية الجهيرة إلى حلِّه مثلما ذكرت آنفاً.

لست أدّعي أن هذا هو التأويل الوحيد الممكن لتلك المقولة "عبد الخالق بطلي ومشكلتي" ولكنه التأويل الأقرب إلى الحقيقة بالنظر إلى بنية الوعي والممارسة وسياق هذا اللبس البادي على عبد الله في علاقة عداء الحراز والمطر التي تربطه وتفصله عن الحزب في ذات الوقت. فعبد الخالق بذلك المنظور يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة تطور الشيوعيين السودانيين، ويقف وحده "المنتخب طبيعياً" في تلك السلسلة تماما كما هو تصور نيتشة عن الإنسان المتفوق. وبرحيله يعلن عبد الله عن "موت الإنسان الشيوعي" في السودان، تماماً مثلما أعلن نيتشة عن موت إنسان عصر التنوير الأوروبي مع الأخذ في الاعتبار بتباينات الواقع التاريخي كما أسلفت. ومن هنا يُفهم نظرياً وعمليا قوله بـ"موت الحزب" منذ 40 عاماً.

وبالمنظور النيتشوي ذاته لدور الفرد في التاريخ نقرأ عبارته آنفة الذكر:

والآن يجب أن يأتي منهم راجل ويحلّه

وفي حديثه عن المثقفين في الحزب يُفهم قوله أيضا: ليس فيه سوى مثقف واحد هو كمال الجزولي.


ولك أن تتأمل كم هو ماثلٌ هذا الرجل الخارق "السوبرمان" في جميع سكنات عبد الله وحركاته، وكم هو حاضِرٌ ومتمركزٌ في بنية وعيه النظري وسلوكه العملي!

• سأواصل الكتابة في الجزء الثاني من مفهوم عبد الله على ابراهيم عن دور الفرد في التاريخ
[/color]
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في الخميس أكتوبر 27, 2016 6:19 am، تم التعديل 4 مرات في المجمل.
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

التفكير الانقلابى

مشاركة بواسطة Isam Ali »


"إن الشيوعيين لا يقبلون ايديولوجيا نظرية القلة التى تقبض على السلطة
ثم بعد ذلك ترجع للجماهير . إن الشيوعيين يرفضون التكتيك الذى يهمل
العمل الحماهيرى ويتراجع امام مشقاته ويتغاضى عن المفهوم الشيوعى
للثورة بوصفها قمم النشاط الجماهيرى ولا يعترف بمبدأ الازمة الثورية
– شروطها وعوامل نجاحها ، وان التكتيك الانقلابى
هو ايديولوجيا غير شيوعية ."

عبدالخالق محجوب




سلام با حسن
وشكرا ليك بمتابعة كتاتبنا وعنايتك الكريمة بها
اظنو انو وصلنا حدود مناسبة لتوضيح موقفينا بصدد فكرة الانحياز . ونمشى نشوف الكيمان الكتيرة ومتوالدة .

انطلق الشهيد عبدالخالق من مفهوم للبنية الطبقية للمجتمع فى الصراع مع البرجوازية الصغيرة الموجودة فى سدة اللجنة المركزية للحزب . وانطلق من سعة فهم لوقائع الحياة الاجتماعية والسياسية للبلد ، بدلا من اخلاص لنصوص كلاسيكية ( ما انتجت نظرية كاملة للبنية الطبقية للمجتمع الرأسمالى كما عرفه ماركس ) , وانتاج نظرية للبنية الطبقية للمجتمع هى واحدة من اساسيات /شروط انتاج نظرية للصراع الاجتماعى والتغيير الاجتماعى . فى الثمانينات أثارت واحدة من وثائق الحزب مسألة الفنيين خريجى المعاهد الفنية وهل هم جزء من الطبقة العاملة ام لا . لست متاكد ا من ماّلاتها ا لا ان فكرتى هى ان المسالة تتأسس على علاقات الانتاج الاجتماعية وتقوم منطلقة منها الى نوع علاقات التبادل الاجتماعية ، اى ما تجلبه الفئة الاجتماعية المحددة من موارد يشتركون بها فى علاقات التبادل .. على اى حال هى موضوعة للنقاش المستمر يفرضة استمرار تطور القوى المنتجة ( وسائل الانتاج ) ، ينخرط فيها التفكير الماركسى داخل الاحزاب وخارجها ( الاكاديميا ) فى تناول الفئات الاجتماعية المنخرطة فى الصراع الطبقى وتعبيراته السياسية ، بالذات هؤلاء الخلق الى اسمهم الطبقة الوسطى المشهورة فى خطب السياسيين من اليمين والليبراليين وبعض اليسار بالذات فى مواسم الانتخابات .
كانت فكرة الشهيد عبدالخالق واضحة فيما يخص البرجوازية الصغيرة و موضوعة قيادتها لعملية التغيير الاجتماعى الثورية ، فهو دور رهين بالطبقة العاملة وتنظيماتها الثورية فى تحالف قوى الكادحين . وتناول بالتعليق مسألة المثقفين الثوريين باعتبارها وصف سياسى لفئة اجتماعية هى البرحوازية الصغيرة وليس تحديدا اجتماعيا ياتى من صفحات العلم المادى التاريخى يحدد الطبقات الاجتماعية للبنية الاقتصادية الاجتماعية ، وعنى بذلك تلك الفئات التى انجزت الانقلاب فى مايو ، وتلك الموجودة فى كراسى اللجنة المركزية . المؤتمر الرابع خلص الى ضعف القيادة وعملها وطرح خطة لتجاوز ذلك بتطوير العمل القيادى والكادر القيادى وتحسين البنية الطبقية للحزب . مساهمة الشهيد عبدالخالق فى كل ذلك انطلقت من مساهمة لينين و من حقيقة موضوعية خصتنا عكسها التركيب الطبقى للمؤتمر الرابع حيث مثلت الطبقة العاملة ال 64% من المناديب فى الجمع العمومى للمؤتمر . قال الشهيد عبدالخالق بحزم : نرفض ان تقود البرجوازية الصغيرة برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية ، واسس على ذلك عبارته بان الانقلاب المايوى هو من فعايل البرجوازية الصغيرة ، فامتعض عمر مصطفى المكى وقال : هذه عبارة سلبية معيبة .
الجيش لايقع خارج البنية الطبقية للمجتمع وله نصيبه من البرجوازية الصغيرة ، والجيش خائض فى الصراع الاجتماعى مما جميعه ووالغ فى السياسة من البوت ولحدى الكاب ، وبلغت عدد الانقلابات فى البلد ال 13 انقلاب – يا كاف البلا -. بين الاستقلال وانقلاب مايو تعددت لتبلغ الاربعة . المذهل ان اول انقلاب كان فى 1957 فى فى السنة الاولى بعد الاستقلال بقيادة اسماعيل كبيدة وفشل الانقلاب ! (ولطالما اثارنى الفضول : الناس دى كان ح تقول شنو فى البيان الاول ؟!) ، انقلاب مايو قام بعد 8 سنوات ونصف ( يكاد) من الاستقلال ، وياله من صراع طبقى على التركة الاستعمارية . 13 انقلاب بما فيها الانقلابات المضادة لانقلاب الاخوان المسلمين فى 1989 .
اتجه انقلاب الكيزان الى تغيير بنية الجيش - ليس فقط بدواعى ايديولوجيا التمكين - وتحويله بالذات فى فئاته العليا الى جيش عقائدى ؛ وانما تفريغ خصائص اساسية وفرت له بنية القوة الضاربة بامتلاكه السلاح وبنية الاخضاع/الانضباط العسكرى ، وذلك بتعدد الجيوش المتكاثرة فى البلد من جيش الجهاز الامنى ، قوات الدفاع الشعبى ، مليشيات المجاهدين و"الجنجويد " .. الخ , ليكون الجيش اضعفها ، ولكنه لم يقنع من السياسة ولم يقنع من الانقلاب لتكون اخر محاولة قام بها ود ابراهيم .
التفكير الانقلابى فى الجيش نابع من وجوده فى هذه البنية الطبقية للمجتمع تتصارع لتقترب او تبتعد ماّلات صراعاتها عن مصالحه . كما أن له مصادره الخارجية تجئ من تقاطعات الاستراتيجية الدولية فى المنطقة ترسم ملامح الجيوبوليتكا . فى ذاك الوقت صراعات الحرب الباردة بين ما سمى بحركة الثورة العالمية والامبريالية علّمت العديد من الملامح الايديولجية واسس التفكير السياسى لحركات التحرر الوطنى فى المنطقة العربية والافريقية وباقى العالم ، وظهرت الاعلانات بالتوجهات الاشتراكية للسلطة فى البلاد المستقلة حديثا او السلطات الانقلابية شيدتها البرجوازيات القومية فى العالم العربى باشتراك ذيلى وتابع من الاحزاب الشيوعية . ففى اسيا اندلعت الحروب والانقلابات ، سوهارتو قتل مليون شيوعى ، واستمر ما تبقى من الالاف فى سجونه تحت التعذيب المستمر حتى نهاية السبعينات . في ما يسمى بالشرق الاوسط تمدد التوسع الاسرائيلى وانتصر فى حروبه وشكلت هزيمة (نكسة ) 67 - واسباب اخرى – دوافع للانقلابات الداخلية جاءت بصدام فى العراق وحافظ الاسد فى سوريا وجبهة الصمود والتصدى .. الخ . بدائل وخيارات السياسة فى افريقيا تأثرت بعامل الصراع العالمى بين المعسكرين ، احتلت الصومال واثيوبيا مواقع مهمة فى الصراع تحت مسمى امن القرن الافريقى والانقلابات اتت بسياد برى ومنقستو . سيرة الحداثة ، تاثرت البدائل التى طرحتها بصراع الجيوبوليتكس فى افريقيا وتمثلت فى خيارات بين الدولة القومية او اشكال يمكن اتابعها تقترحها البان افريكانزم ... الخ .
للتفكير الانقلابى فى السودان ايضا اسبابه فى ادارة السياسة بواسطة الاحزاب السياسية . يمكن الاضطلاع على نص الاستاذة رشا عوض يرصد اسوأ التفاصيل للممارسة السياسية ( ديمقراطيات بلا ديمقراطيين – موقع التغيير فى الانترنت (https://www.altaghyeer.info ) . دفع الصراع الطبقى وتعبيراته السياسية قوى اليمين الى تسليم السلطة الى كبار قيادة الجيش بعد سنتين من الاستقلال ، تصاعدت فيها حركة الجماهير الديمقراطية مقتربة من جهاز السلطة ،ولما لقت قدامها انقلاب عسكرى اسقتطه واستأنفت اقترابا من جهاز السلطة حتى اجلست عاملا ومزارعا فى كراسى الوزارة .
مأساة او ملهاة الديمقراطية الثانية ( اختار ال يعجبك ) شهدت 5 حكومات بواقع حكومة كل سنة (يكاد) ، طرد الحزب ، عدل قانون الانتخابات ، الغت دوائر الخريجين .. الخ من السيرة المعروفة . الازمة السياسية المستفحلة طرحت بند الانقلاب فى الاجندة السياسية ، ورفضه الحزب بشكل قاطع وحسم امره فى المكتب السياسى ولم يطرح فى اللجنة المركزية ( لانو الموضوع خلص ) . الموضوع دة معروف وموثق ومنشور بشكل جيد . وح اتناول موقفك وقراءتك لخطاب الشهيد عبد االخالق فى مؤتمر موسكو فى 1969 .
المقتطف غير كاف للوصول للاستنتاج فى قولك " ورهان عبدالخالق المتفائل بمستقبل شراكة الشيوعيين فى سلطة البرجوازية الصغيرة التقدمية (..) وبفرص "استكمال بناء الجبهة " قد يبدو غريبا وقيل مستهجنا " . اول ما خطر لى هو تساؤل : مالذى قاله الشهيد عبدالخالق فيما غاب من النص ( ومافى اتهام ليك بقطع السياق – كما انى لم اجد النص الكامل) . كل الذى قاله هنا إنه وباعتبار ظروف الصراع السياسى فى البلد فان انقلاب مايو فتح الطريق لتحولات فى الجبهة تحقق استكمال وحدتها . وقال إن هذا سمة مهمة فى تطور ظروف الصراع السياسى فى السودان . وتسألت هل تكلم الشهيد فى جزء خطابه هذا عن موقف الحزب ؟ هل قال مثلا : وموقفنا فى الحزب فى التعامل مع الانقلاب هو كذا وكذا ، او تقيمنا كذا او قررنا كذا وكذا .. و تساءلت اى العبارات فى الاقتطاف كانت حاسمة تتيح الوصول لاستنتاجات بصدد التفكير الانقلابى فى الذهن الوقاد . وبعدين انت مالك ماشى لحدى موسكو البعيدة ديك ، ما مساهمته موجودة وموثقة فى اجتماع المكتب السياسى و المؤتمر التداولى وفى الردود على احمد سليمان على صفحات الجرائد .
اعتقد ان عباراتك التى تلت المقتطف مثل " إن المضمون الإنقلابي في حديث عبد الخالق محجوب أعلاه، بالنسبة للفرص التي يتيحها إنقلاب " البرجوازية الصغيرة التقدمية" واضح، لا لبس فيه و لا يحتاج لإثبات " ابدا ، ما واضح ويحتاج لاثبات ، ولم يكن واضحا من النص ويبدو انك لجأت الى المضمون ، حيث إن المضمون استنتاج ياتى من فهمك للنص وبالتالى يقع عليك عبء إثباته . وتقول ايضا ” و رهان عبد الخالق المتفائل بمستقبل شراكة الشيوعيين في" سلطة البورجوازية الصغيرة التقدمية" و بفرص "إستكمال بناء الجبهة " قد يبدو غريبا ، وقيل مستهجنا " رهان ومتفاءل ؟ يالهما من مترادفات ، مشكلتهما إنهنا زى اختهم " المضمون الانقلابى " هما استنتاج متحمس برغبة النقد ويحتاجان كما المضمون الى اثبات ؛فالنص مباشر مختصر وتحمله لغة سياسية سهلة مُحددِة.
وتقول ان الشهيد كان واقعا تحت ـاثير ثقافة سياسية بحالها تحبذ العمل الانقلابى كوسيلة ناجعة لاحداث التغير الاجتماعى " والحقيقة ان الشهيد كان هو المنتج الاول لثقافة سياسية ضد العمل تلانقلابى " والادب الوافر الذى بذله الشيوعيون فى نقد السلوك السياسى الانقلابى " بذله اساسا الفكر النضير للشهيد . ومسالة التعامل مع إنقلاب مايو من الموقع المستقل تعززه مواقف الحزب العملية ( برضو المسجلة باستفاضة فى ادب الحزب ) يمكن رفدها بشاهد واحد (اختصارا) وهو الموقف من قرار حل الاحزاب ، كتب الشهيد :
" ان مفهوم (حل جميع الأحزاب) هو في واقع الأمر تصور خاطئ، تصور انقلابي، وهو يعبر عن قصور حقيقي في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية بوصفها مرحلة انطلاق وتعميق للصراع الطبقي الاجتماعي في بلادنا بما يكفل انجاز الثورة الديمقراطية، وحسم هذه المرحلة لصالح استقبال الثورة الاشتراكية، لهذا فالموقف من هذه القضية مبدئي، وعلينا أن نناضل بحزم من اجل حق الطبقة العاملة في الديمقراطية والتنظيم والنشاط المستقل " .
يتبع
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

جراح الضحايا فم

مشاركة بواسطة حسن موسى »




سلام يا عصام
و شكرا على مواصلة الكلام في سيرة التفكير الإنقلابي وسط حركة اليسار السوداني..ـ
و في انتظار عودتك سأحاول معالجة " فانوس" الزميل سيزيف الأخير في خصوص دماء الشهداء التي لم تجف بعد من الأرض المحروقة سنة 1971.سيّما و قد وعدته بمتابعة مكاتيبه «  سيك سيك معلق فيك »، رغم أعلانه الباسل بمواصلة الكتابة دون الإلتفات لما أقول
أو كما قال
« 
 فهأنذا أكرر القول بأني سأواصل كتابتي في غنى عن رفقتك التي لا تلزمني في شيء ولا تثمر معرفة يتطلع إليها القراء الصابرون المتابعون
«  .ـ.
و هأنذا أكرر بأني سأواصل العناية بمكاتيبك يا زميل و ذلك لاني أقرأ فيها نوع الغبائن الأدبية و السياسية المسوّفة في خواطر " الأعدقاء"الذين يتشاغلون عن مكاتيبي حتى يلمسهم راس السوط.طبعا أنحنا في ونسة الأسافير دي ما عندنا غير سوط البكاسل دا، أمحّط بيه المستحقين محطة محطتين ياكلوها و يمشوا يشوفوا أشغالهم، لكن لو يوم هفّت ليهم يقوموا ينبشوا لي الحزازات القديمة من نوع إنت زمان شتّمت فلان الشاعر الكبير أو كسّرت فلتكان الأديب النحرير و بيزينيس آز يوشوال.ـ
كتبت يا عبد الجبار أنني سخرت من قولك بأن "دماء شهداء يوليو" لم تجف من الأرض المحروقة منذ يوليو 1971ـ " و سألتني :ـ
« 

فماذا سيكون تعليقك لو قلت لك أن دماءهم ما تزال حارةً لم تجف حتى الآن، وأن أصوات ذلك الرصاص الذي اخترق أجسادهم ما زالت تلعلع في أُذن وروح الأستاذة الخنساء عمر صالح وكمالا وسائر أفراد أسرة الشهيد بابكر النور وبقية أفراد أسر شهداء يوليو؟
« 
و بما أني وعدت بعدم تجاهل مكاتيبك فهاك إجابتي :ـ
أولا بالتبادي أنا لم أفهم الأسباب التي حفزتك لأن تزج بأسماء أشخاص ينتمون لأسر قتلى حركة 19 يوليو في هذه المناقشة ،طبعا أنا لا أستبعد ميلك للكسب الرخيص بتأجيج العواطف بحيلة إقحام الميلودراما المشخصنة في ثنايا هذه المناقشةالتي تتعلق بقضية عامة. لكن يا عبد الجبار لو قعدنا نحسب قتلى "ثورة" مايو ،" حارسنا و فارسنا و جيشنا ومدارسنا"، فهم يتجاوزون ـ من بعيد ـ قتلى حركة 19 يوليو 1971 التصحيحية لأن العنف السياسي، الذي كانت أنظمة الطبقة الوسطى العربسلامية تصونه لعقود طويلة في الهامش الجنوبي، و الذي أودى بأرواح مئات الآلاف من المواطنين العزل في وقت وجيز، طال المركز الشمالي في مارس 1970 في الجزيرة أبا و في قلب العاصمة في «ود نوباوي».طبعا هؤلاء «الشهداء» لا يهمون الناشط اللينيني من شاكلتك، ربما لأنك لست معنيا بغير شهداء حزبك. و لو شئت قل:«شهداء طبقتك»من ثوريي البورجوازية الصغيرة. لكنك لو نظرت للسودانيين من حولك لوجدت عند كل سوداني قائمة طويلة من " شهداء" السياسة السودانية المعاصرة.للإستزادة في سيرة الـ «  شهداء » من خارج دائرة اليسار راجع كتاب د. الصادق الهادي المهدي المعنون "مجزرة الجزيرة أبا"1991.لقد جفّت دماء كثيرة تحت الجسور يا عبد الجبار و لكن فضاء السياسة السودانية ما زال يتوعّدنا بالمزيد من الدماء و بالمزيد من الرصاص فـ " ما العمل؟".لو سألتني هذا السؤال فلا عمل ممكن بدون المراجعة و النقد الذاتي حتى تتم المحاسبة ، على داير المليم،على رؤية واضحة للجميع.
ـ"
قال الجواهري

أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جراح الضحايا فم
فم ليس كالمدعي قولة و ليس كآخر يسترحم.
فم الضحايا سيسائلكم يا عبد الجبار عن مسئوليتكم في هذه الحماقة الإنقلابية التي احتفيتم بها و غنيتوا لها سميتموها بـ " الخلاص" [ "أنت يا مايو الخلاص"]،ثم خذلت أوهامكم و عصيت توقعاتكم فانقلبتم عليها بماسميتوه بـ"حركة 19 يوليو التصحيحية ». و ضمير الجماعة السياسية في هذه العبارة عائد ليك و لعصام علي و لعبد الله علي إبراهيم و لمحمد إبراهيم نقد و للتيجاني الطيب و الخاتم عدلان و لجملة قبيلة الماركسيين اللينينين السودانيين الذين تسببوا في هذه الكارثة ثم أنكروها و صمتوا عن نقدها بحيلة في بؤس " إنقلاب 19 يوليو تهمة لا ننفيها و شرف لا ندعيه ". و الأنكى و أمر هو أن العزة بالإثم استبطنت أفئدتكم فتمترستم وراء دم الضحايا و اخترعتم للحركة الديموقراطية السودانية صناعة غير مسبوقة في التقليد الثوري ، و هي صناعة البكاء على الشهداء و الصديقين من أبناء و بنات الشعب المنفيين ،في جنات الخلد، خارج طائلة الخصومة الفكرية المشروعة.طبعا في هذه الصناعة الركيكة يستقيم عنك ـ و عند من شايعك ـ أن تستعين عليّ بأحزان أبناء و بنات و زوجات القتلى و تلك آية اللؤم غير المسبوق. لا يا صاح ، فم الضحايا سيسائلكم عن مركّب المخازي السياسية المتناسلة،كل واحدة تخرج من بطن سابقتها،كما عرائس الماتروشكا الروسية . لأنكم يا" زميل" ـ بدلا من النقد الثوري الذي يضيئ المواقف بالفكر، هرّبتم جريمة اغتيال رفاقكم و التنكيل بالحركة الديموقراطية المتعاطفة مع حزبكم ،لمقام مهرجان جنائزي عبثي يتجدد عند الذكرى السنوية لمذابح حركة 19يوليو .هذا الفم المدمّم ليس هو فم أولاد و بنات الطبقة الوسطى الحضرية،[ فلانة أو فلان من بنات و أبناء و زوجات الأشخاص الذين قتلوا في أحداث يوليو 71 ]و إنما هي أفواه كافة الرجال و النساء الذين قتلهم نظام البرجوازية الصغيرة العربسلامية المستبدة ، في الجنوب و في الجزيرة أبا و في ود نوباوي إلخ. هذه البورجوازية الصغيرة التي انتحلت لنفسها حق القوامة السياسية على شعوب السودان.هذه الأفواه لم تنطق بعد بمطالبها لأن أرتال اللينينيين، من اليسار و من اليمين ،يخرسونها و ينطقون باسمها .لكن العالم يتغير و الأسئلة الحارقة ستكويكم بنارها من أفواه نفس الأشخاص الذين تعودتم على اعتقالهم في دور الضحايا السرمديين.ـ
سأعود
صورة العضو الرمزية
Isam Ali
مشاركات: 230
اشترك في: الأحد مارس 04, 2007 11:37 pm

مشاركة بواسطة Isam Ali »

سلام للجميع
سلام ياحسن
كنت بصدد الحديث عن لينين وعلاقة الحزب/الشهيد بمساهمته لما كتبت "يتبع " فى اخر مداخلة لى، لكنى اعتقدت انو من شان التركيز الانتظار لكتابتك الوعدت بيها- فى بداية مداخلاتك هنا- بالكتابة عن اللينينية الحنيفة والاخرى الميكافيلية والانتهازية والانواع الاخرى ؛ مما يمكن ان يلم المناقشة على بعضها .
سالتنى عديد من الاسئلة فى مداخلاتك ، وانا ما ناسيهن ولا متجاهلن و حارجع ليك بالاجابة كما يليق
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سمحة المهلة

مشاركة بواسطة حسن موسى »


سلام يا عصام
يا زول علي مهلتك
و كويس إنو الزميل سيزيف دخّل المناقشة في حوش نيتشه ، عشان نقد اللينينيات كلها إنما ينطلق من منصّة سيدنا نيتشه كرم الله وجهه
سأعود
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

"ليس كل ما يلمع ذهبا"

في نقد المفاهيم (3)

أي منهج في علم التاريخ وفسلفة التاريخ يا بروف؟

دور الفرد في التاريخ: ماركس مرتدَّاً إلى نيتشة ..ونيتشة منزلقاً إلى أغوارِ اللاهوت
!


استكمالا للنظر الذي بدأته في الحلقة الثانية من نقد المفاهيم إلى علاقة الدكتور عبد الله على ابراهيم الفصامية الملتبسة بالأستاذ عبد الخالق محجوب، أود أن أعرِّج سريعا على ظاهرة تنظيمية فكرية كثيرا ما تصاب بها الأحزاب الشيوعية، وهي على ارتباط وثيق بهذا الشكل من العلاقة بين عضوية الحزب الشيوعي وقيادته.

وأمضي مباشرة إلى القول بأن في تلك العلاقة ما هو أعظم وأشد خطرا على نمو الحركة الثورية . وأعني بها طقس عبادة الفرد والظاهرة الستالينية.

ولنبدأ مناقشة بذور هذه الظاهرة وتجلياتها في العلاقة إياها من مدخل تحليلي تجريبي . يجيب عبد الله عن سؤال وجّهه إليه صحافي صحيفة (الراكوبة) الذي أجرى معه الحوار:

https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-228820.htm

د.عبدالله علي إبراهيم : لم اكون (حٌوار) لعبدالخالق وتعلّم مني الكثير وعلّمني(الضكاره)

وفاة الترابي خساره للسودان وهذا أكبر أخطاءه ....لايوجد حزب شيوعي (ديل ناس زعلانين ساي )..نقد حفظ ماء وجه الحزب والخطيب خلوق

ولا تعليق من جانبي هنا أيضا على وعلّمني (الضكارة) هذه، وليهنأ الدكتور بعلمه هذا، ولا تعليق لي أيضا على بقية رؤوس عناصر الحوار وعنوانه.

ولكن هل صحيح أن عبد الله ليس (حُواراً) لعبد الخالق كما أجاب نفياً للسؤال؟

قلت في كتابتي السابقة:

انطلاقا من منظور فلسفة نيتشة -وليس ماركس- يمكن تفسير تلك العلاقة بين عبد الله علي ابراهيم وعبد الخالق، على أن الأخير يستحيل أو ينمسخ في نظر عبد الله إلى "سوبرمان" ذي خصائص وقدرات ومميزات فريدة خارقة تجعله كائنا سياسياً فكريا منبتّ الأصل والجذور، مغتربا عن ماضيه ومنقطعاً عن مستقبله في آن. وإلى ذلك القائد الشيوعي السوداني الخارق وحده ينتمي عبد الله وليس إلى أحد غيره.

وأضفت إلى ذلك قراءتي الخاصة لمقولة عبد الله المأثورة عن عبد الخالق "إنه بطلي ومشكلتي".

ومثلما فعل "زارا" في ترحُّله "منفرداً" بصحبة حكمته وحدها إلى واديه السعيد في أدب نيتشة الفلسفي، فقد ترحّل عبد الله أيضا وحيداً "منفرداً" مستصحباً معه حكمة عبد الخالق، هذا الذي مسخه عبد الله إلى "صنم" معبود يخصه وحده دون سواه. فهاهو عبد الله لا يكف عن الإعلان مرة تلو الأخرى عن موت الإنسان الشيوعي وعن "نهاية التاريخ" بعد رحيل بطله في عام 1971.

ولكن ما ذا لو كان عبد الخالق حياً إلى اليوم؟ على الأرجح أن ليس لعبد الله من حاجة تقتضي ترحُّله وحيدا إلى ذاك الوادي السعيد، وبين ظهرانيه وفي أروقة حزبه ذلك الصنم الأوحد الذي يكاد يعبده ويلهج بذكره ومدحه في غسق الدجى وآناء النهار.

وبمفردات الفكر الفلسفي السياسي في تاريخ التجربة الشيوعية العالمية، لكان عبد الله قد بذر في تربة حزبه الشيوعي السوداني ذات الظاهرة الستالينية المسماة بطقس عبادة الفرد. وإلا فكيف يمكن تفسير تلك البطولة الفصامية التي لا يكف عبد الله عن تأكيدها في مقولته "إنه بطلي ومشكلتي". ولنتأمل معاً هذه الـ"أنا" المشددة في ضمير المتكلم في كلا طرفي هذه المعادلة الفلسفية السياسية التي يصوغ بها عبارته. ولننظر كيف يُختزل فيها عبد الخالق بهذا النحو الشائه إلى ملكية خاصة، إلى كائن فكري سياسي سكوني يحلّق فوق التاريخ، لا وجود له إلا في سديم عبد الله الضبابي السرمدي المطلق، ولا جذور له في أرض الواقع الاجتماعي السياسي الذي أنبته، ولا صلة له بحاضر ومستقبل الحركة التي أسّسها بنفسه وضحّى بروحه فداءً لها.


وبذلك المنظور، يبدو الفيتوري وقد تسربت من بين أصابعه حقيقته الشعرية وخانته جماليا فيما قال به في رثاء عبد الخالق:

لا تحفروا لي قبرا،

سأرقدُ في كل شبرٍ من الأرضِ

أرقدُ كالماءِ في جسدِ النيلِ

أرقدُ كالشمسِ فوق حقولِ بلادي

مثلى أنا ليس يسكنُ قبرا.

وفيما يلي أترجم بعض المقتطفات لما جاء في نقد الظاهرة الستالينية في تجربة الحزب الشيوعي السوفيتي في ذلك الخطاب الذي ألقاه نيكيتا خروتشوف أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي.

"بعد وفاة ستالين، شرعت اللجنة المركزية للحزب في تطبيق سياسة قوامها أنّ من المستهجن والغريب على روح الماركسية-اللينينية أن يُعلَى من مكانة شخص أياً كان شأنه وقدراته وملكاته، على نحو يحيله إلى "سوبرمان" ذي صفات وخصائص خارقة تجعل منه أقرب إلى الإله. ذلك أن من المفترض أن شخصاً كهذا قد اختزن كنوزالمعارف كلها ولا تفوت عليه شاردة ولا واردة، وبوسعه أن يرى كل شيء ويفكر بالإنابة عن الجميع، كما أن له من القدرة والجبروت ما يؤهلانه لفعل كل شيء، وهو المحصّن من جميع الأخطاء ولا يغشاه الباطل من بين يديه".

"إن ما يهمنا في هذا التقرير هو هذه المسألة التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للحزب الشيوعي الآن وفي المستقبل: كيف تنامت الظاهرة الستالينية هذه –عبادة الرفيق ستالين- في صفوف حزبنا تدريجياً، حتى أنها أصبحت في مرحلة بعينها مصدراً خطيراً لسلسلة كاملة من الأساليب التي عصفت بمبادئ الحزب والديمقراطية الحزبية والشرعية الثورية؟".

هذا وقد عزا بقية التقرير تلك الظاهرة إلى انتهاك مبدأ العمل الجماعي والقيادة الجماعية في الحزب، وإلى إبراز سطوة الفرد في العمل الحزبي، وتركيز كل السلطات والقرارات بيده، بالإضافة إلى نهج ستالين في وصم كل من يخالفه الرأي، وكل من يعتزم تصفيته والتخلص منه بصفة "عدو الشعب" التي تكفي وحدها لإدانة الأشخاص وإعدامهم أو رميهم بالرصاص.

وبطبيعة الحال، فإن ثقافة كهذه لا تنمو كما السرطان في جسد الحزب الثوري دون أن تتوفر لها قاعدة عريضة من حواريي القائد الأسطوري الخارق "السوبرمان" الذين يلهجون بتمجيده ومدحه في آناء الليل وأطراف النهار، دون امتلاك الجرأة اللازمة لانتقاده ومواجهة عيوبه وأخطائه.

وإن لم يكن –بل ما يزال- عبد الله علي ابراهيم حوارا لعبد الخالق، فليبيّن لنا كيف أنّ هذا الحزب الذي أسّسه وفداه عبد الخالق بروحه ودمائه قد استحال بغتة وفي لحظة من أفول شمس التاريخ المتوهَّم في مرآة عبد الله المهشمّة إلى "كلب أجرب" يعافه عبد الله ولا يقترب منه أبداً إلى حد بلغ به الدعوة العلنية الجهيرة إلى حله، على الرغم من أنه أعلن عن موته –أو حله- منذ 40 عاماً؟

كيف يفسر عبد الله هذا التناقض الحاد في نظرته إلى فكر عبد الخالق وإرثه السياسي الماثل في حزبه الشيوعي؟
وسنرى في كتابة لاحقة في سلسلة نقد مفاهيم الدكتورعبد الله على ابراهيم عن التاريخ ودور الفرد في التاريخ كيف أن هذا الأخير يمضي يميناً بماركس ونيتشة معاً إلى وادي ظُلمات اللاهوت.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

نيتشنو دا؟

مشاركة بواسطة حسن موسى »






نيتشنو دا؟


قال لقمان الحكيم لإبنه:ـ يا ولد، أوعك من ميتة نيتشه .ـ
قال و لماذا؟ـ
قال :ـ موت الناس واحد و موت نيتشه كثير بلا نهاية.ـ
قال :ـ و لماذا؟
قال :ـ لقد تضامنت عليه غضبات الآلهة من كافة الأديان السماوية و الأرضية.ـ
قال :ـ ولماذا؟
قال :ـ لأنه تجاسر على تقويض أسس الإيمان و هدم دوغما الخير و الشر،و فضح اسطورة الحب و إنتهازية الإحسان الديني و طرد الروح من ملكوت الواقع المادي و لعن ذاكرة الغبائن الطبقية و ورفض خرافات العناية الإلهية العليا و ضحك من خرافات العناية الإنسانية السفلى و سخر من فكرة الجنة الإلهية كما سخر من فكرة السعادة الإشتراكية ،لأنهما تعتمدان على مبدأ الإعتقاد الديني. و باسم الحرية أدخل بني الإنسان في شعاب ذلك الحيص بيص الواسع المسمى بـ " الإختيار" .و في هذا الوعر ، يترك نيتشة الإنسان وحيدا مستفرداو على كاهله مسؤولية ثقيلة تجاه أهواء الوجود المنفتح على الخير مثلما هو منفتح على الشر في آن معا.ـ
قال :ـ و كيف كان موت نيتشه؟
قال :ـ كثير.ـ
قال :ـ وكم مرة مات؟
قال :ـ لا أعرف، لكنه مات المرة الأولى بداء السفليس ، ثم مات المرة الثانية حين دفنته أخته إليزابيث فورستر نيتشه دفن النصارى و جعلت الأعيان و الأغراب يصلّون عليه خلافا لوصيته لها، ثم مات للمرة الثالثة حين وضعت أخته يدها على مخطوطة " إرادة القوة" و عدلت و بدلت فيها و مسختها أدبا للبروباغندا الآرية المعادية للسامية قبل أن تقدمها هدية للنازيين أبان صعود نجم هتلر في ألمانيا.بعدها مات نيتشة مرة أخرى حين انتحل النازيون الألمان نص "إرادة القوة" الممسوخ لتسويغ حماقاتهم السياسية المجرمة في أكبر لبس آيدويولوجي متعمد في تاريخ الفكر الأوروبي .و من حينها ظل نيتشة يموت في كل مرة يختزل فيها خصومه الآيديولوجيون تفاكيره الإنسانية الأصيلة لمجرد بروباغاندا نازية و عرقية و إنتخابية تسوّغ شرع الأقوى.ـ[ميشيل أونفري، الحكمة التراجيدية. رسالة في الإستخدام الجيد لنيتشه،2006].ـ
Michel Onfray,La Sagesse Tragique, du bon usage de Nietzsche.Librairie Générale Française,2006).
و لا تنس موت الرجل على يد بعض تراجمة نيتشه العرب الذين واصلوا قتله في مقدمة ترجماتهم التي تحرص على الإعتذار للقراء المسلمين عن نقل تفاكير هذا المفكر الكافر الملحد، في لغة القرآن.ـ
و هاأنت اليوم يا عبد الجبار عبد الله تمثل بيننا كآخر عنقود قتلة نيتشه الذين يهبرون في ظلام مُولد الأسافير و يضربون خبط عشواء و لا يبالون بالعواقب . و الأجر على الله.ـ

و " من يغسل عنا هذا الدم؟".ـ

نبهني أدب نيتشة لضيق الأفق الإنساني للتنظيم الينيني المبني على النموذج الهرمي، لأن الشخص أو الأشخاص الذين يتسنمون قمة الهرم يتمتعون ـ بحكم الضرورة الآليةـ بحظوة الإستفراد بالسلطة.و هي حظوة وخيمة لا سبيل لتجنب عواقبها بغير التمسك بأولوية الحضور الفاعل في تقاطع" الآن" و الـ" هنا".و من يملك حظوة تعريف " الآن/هنا"فهو ـ في لحظة ما يملك أن يحكّم رغبته الفردية فوق رغائب القطيع.ـو في هذا المربط، مربط فرادة الرغبة،يطرح نيتشه معارضته لكل تدبير لينيني يصادر فردية الإنسان باسم أولويات التنظيم الجمعي. و في هذا المربط ايضا ينعقد حلف اللينيين ، مثاليين كانوا أو ماديين ، ضد أدب نيتشه. مفكرو البورجوازية النصرانية الأولى لم يغفروا له «موت الله»، و مفكروا الإشتراكية النصرانية لم يغفروا له موت الإنسان فأدركه «شقاء حنّا» النصراني الذي هجر دين أهله النصارى لكن المنية عاجلته قبل أن يدخل دين المسلمين فصارت أمه تنوح على قبره:"يا حسرتي عليك يا حنا، عيسى غضبان عليك ومحمد ما سمع بيك ..»ـ
و ماذا ينتظر اللينينيون من رجل ينكر أسس المشروع البورجوازي للإشتراكية؟[ سأعود لموضوع مولانا "جورج لوكاش" لاحقا فصبرا]، بل و ما ذا ينتظر النصارى من رجل يتهمهم بقتل الله؟

« 
الله مات و يظل ميتا و نحن قتلته
فكيف عزاؤنا؟ نحن القتلة بين القتلة
تحت ضربات نصالنا نزف دم القداسة العظمى
من يغسل عنا هذا الدم؟
و بأي ماء نتطهر؟
و كيف نكفر عن خطيئتنا؟و أي لعبة مقدسة سنضطر لإختراعها؟
هل جسامة هذه الفعلة أعظم منا؟
و هل سنضطر للتألّه بدورنا لمجرد أن نكسب جدارة الآلهة؟
« 
العلم الحبور، الكتاب الثالث،125


و موضوعة "موت الله" عند نيتشه من عواقب الفكر الحداثي الذي واكب استقرار الرأسمالية في المجتمع الأوروبي النصراني.و هو حدث جلل يمثل زلزلة كبرى للحضارة النصرانية و يعني إنهيار منظومة القيم الروحية و الأخلاقية التي أسس عليها النصارى مجتمعهم.["أفول الأوثان أو الفلسفة بالمطرقة" ] . و بعد " موت الله" يصبح هم نيتشه و شاغله هو كيف يبني الناس منظومة قيم أخلاقية تقوم مقام نظام القيم الربانية البائدة؟ـ

من هذا الشاغل استنتج بعض مفكري النصرانية الحديثة ـ و هم قلة ـ أن موقف نيتشه من الوجود ينطوي ، بطريقة غير مباشرة ، على وجه من وجوه البحث الديني و وجدوا له جذرا في التقليد النصراني كبحث عن خلاص نهائي يليق ببني الإنسان.ـ لكن هذه النظرة النصرانية تظل نظرة قلة ـ
بينما تنظر الكثرة النصرانية شذرا و تكتفي بتكفير " نيتشه"و إحالته لعذاب جهنم و بئس المصير.ـ


ماذا نصنع باللينينية؟
أها يا عبد الجبار ، دا كلو كوم و مستوى كلاماتك في حق سيدنا نيتشة ،كرم الله وجهه، كوم تاني.طبعا لا أحجر عليك الخوض في أدب نيتشه، فالزلابيا مبذولة لمن يانس في نفسه الشجاعة.و أنت لست سوى واحد بين شجعان كثر أدمنوا توليع الفوانيس في حق نيتشة كلما اضطرتهم عوارض الزمان.و لا جناح عليك، فالعافية ـ كما يقال " درجات". و في درجتك الأنا شايفها دي كان أولى بيك تمشي تفتش حاجة أحسن من تلاقيط انترنيت البايخة، ذلك أن أدب نيتشه بعيد عن السطح و موكّر في حرز المكاتيب التي لا يقرأها إلا المغرود في الحقيقة [ و هيهات].و قد تنبهت أنا ،قبل سنوات ،لأدب نيتشه ضمن بحث طال حتى "خشم البقرة" الدينية، يحدوني أمل في تخليق مضمون لموقف الفنان الفرد في ـ "حزب الفن". مضمون لكائن متحول و متفردـ و قيل مستوحش ـ يتحرى إستقامة تليق بقدر الإنسان الخلاق و بفرصته الفريدة في الوجود على شرط الحرية وسط عالم متغير ملغوم بإشتباهات الخير و الشر في آن معا.عالم محفوف بالتناقض و الحرب المستديمة بين الأخوة الأعداء في الإنسانية،أو كما قال:ـ«أهبطوا بعضكم لبعض عدو». [الأعراف و البقرة]. وجدت عند نيتشه مفهوم عالم المخاطرات الذي هو كل يوم ـ بل كل لحظة ـ في حال مغاير، مثلما وجدت عنده حال الإنسان المتحول صعودا نحو الوعي بحظوة الإبتداع فيه[أو هبوطا نحو الإستكانة في راحة الإتباع] .فتح أدب نيتشه أمامي "دريب قش" جمالي و سياسي لمغادرة المصيدة اللينينية الحنيفة المنصوبة في فضاءات العمل الجمعي، تتربّص كل طلع ثوري بريء بآلات الخصاء الفكري، و تفرغ المبادرات المبدعة من مضمونها الإنساني ، و هي تفعل ذلك على يقين ديني مريب اسمه تنظيم أولويات الواقع و تعريف مضمون الخصومات وغايات الأحلاف و «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». و مأثرة مولانا" لينين " الفكرية الكبرى تتلخص في أنه أعاد قراءة "أمير" "نيكولا ميكافيللي"، الذي قنن علم السياسة في مشهد تناقضات القرن الخامس عش في أوروبا.أعاد لينين قراءته ضمن تناقضات أوربا مطلع القرن العشرين . و من ينظر في مبادئ علم السياسةاللينيني يلمس بسهولة أنها لا تفلت عن طائلة تناقض المصالح الطبقية.فهي مجرد أداة بين أدوات السياسي. و في يد البورجوازيين الصغار الذين صنعوا الثورة السوفيتية ، تماهت اللينينية مع طموحهم الطبقي مثلما تماهت في السابق مع طموح أمراء آل مديتشي الفلورنسيين.اللينينية ـ كأداة ـ هي بنت الطبقة التي تصطفيها وتتبناها[ و لو تسنى لي براح لبذلت تأملاتي في لينينيات أقطاب السياسة السودانية]، و غدا، حين تتملك البروليتاريا المعولمة نسختها من التدبير اللينيني فهي ستجعل منها وسيلتها في حماية مصالحها. و قد يغريني النظر في مؤاخذات اللينينية بالقول بأنها لا تبالي بالأخلاق إلا من زاوية نفع ـ أو ضررـ الموقف الأخلاقي على الغاية العليا. لكن اللينينية تخلص إلى تعريف أخلاقيتها الخاصة من طبيعة المصالح التي يفترض فيها أن تحميها .و في غيها البراغماتي تعرض اللينينية عن المعركة الحقيقية ذات الأولوية القصوى ، معركة ود ابآدم ضد غوايات نفسه الطبقيةالأمارة بالخير و بالشر ـ لتشغل الناس بمعارك جمعية مفخّخة بمصلحة الطبقة المهيمنة. و إن كان لهذا الواقع المعقد لللينينية أن يلهمنا موقفا واضحا من استخداماتها الممكنة [و هيهات] فهو يبدأ من ضرورة القبول بمحدوديتها في مشهد الإشكالية الأخلاقية المترتبة على حضورها في الجهاز المفهومي للسياسي ، لكن لا مبالاة اللينينية بالأخلاق السائدة ضمن الثقافة الطبقية المهيمنة يمكن أن يفتح دربا جديدا لتحري أخلاقية مغايرة أكثر إنسانية.و في ما وراء الإشكالية الأخلاقية لللينينية لا أعتقد أن الشخص المنخرط في العمل العام المعاصر يملك ترف استبعاد اللينينية من عدّة الشغل التي في جراب السياسي النابه. ما العمل؟ مندري؟ لكن الله كريم و نيتشه معانا. يا عصام علي أنا عارف إنو كلامي دا لا يشفي الغليل لكنها قحة أفضل من صمة الخشم، و غايتها فتح أضنين أعدقائي اللينيين الذين هم "سايرين سايرين في طريق لينين " دون أن يخطر ببالهم أن الدرب الذي عبّده لينين للبلاشفة الروس ، قبل قرن من الزمان، قد لا يؤدي لنفس الثورة التي يطمح لها الناس في سودان القرن الواحد و عشرين..ـ

سأعود
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

سلام يا عبد الجبار
ومثله لبقية المشاركين في هذا الحوار الذي أتابعه منتزعة دقائق قراءته من زمن مزدحم.
لي منذ البداية مآخذ على نص عبد الجبار من ناحية منهجية. وأعتقد أن هنَّات المنهج أدت بالضرورة إلى مجافاة المنطق في نواحٍ عديدة من نصه. ثم بعد ذلك في تعقيباته. أأمل أن بساعدني الوقت على الإدلاء بدلوي.
ولي يا عصام علي أيضاً ملاحظات على مداخلاتك.

وصلتني من عبد الله علي إبراهيم هذه الكلمة. قال لي في رسالته بعد السلام لي ولبولا: "تجدين طيه كلمة عن عبد الجبار فتكرمي بنشرها".
وكان قد أرسل لي من قبل كلمته التي سبقني ـ ببضع دقائق ـ على نشرها عصام أبو القاسم. فأرجو أن تعلم عزيزي النور أحمد علي أن عبد الله لم يتأفف عن المشاركة. أقول هذا التوضيح من باب واجب الأمانة.
فإلي كلمة عبد الله.

نجاة



صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

[font=Tahoma]

عبد الجبار عبد الله: مثقف قدر ظروفك

عبد الله علي إبراهيم


يقول علماء المسلمين لا اجتهاد في ما فيه نص. ولا يبرع عبد الجبار عبد الله إلا في الاجتهاد في المنصوص عليه. فقد كتبت في مناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي السادس كلمة عن السبب الذي دفعني للاستقالة عنه في 1978. وتغاضى عبد الجبار عن هذه السبب بصورة مطلقة سوى أنه تأخر أربعين عاماً وكأنه لم يسمع أن تتأخر خير من ألا تأتي بتاتاً. خلافاً لذلك راح من خبث طويته يبحث عن أسباب أخرى لخروجي وإن عازته كذب بغير تحرج.

سبق لي القول إنه كان بوسع عبد الجبار أن يقف على أسباب خروجي على الحزب في اجتماع له بمحمد إبراهيم نقد، سكرتير الحزب الشيوعي السابق، في مكتب الكتاب والفنانين الشيوعيين الذي كانت لي قيادته. فحدثهم عن ملابسات استقالتي قائلاً: "لم يوضح لنا عبد الله أسباب استقالته من الحزب، ونعلم أنّ له أسبابه، ولكنه سلّم ما لديه من وثائق وممتلكات للحزب وخرج فجأة، وقررنا من جانبنا أن لا نعاديه وأن لا نهاجمه". وواضح من اجتهاد عبد الجبار الأخرق في ما فيه نص (وهو استقالتي لسببي الذي ذكرته) أنه كان للحزب أسباب احتفظ بها للنسنسة من وراء ظهر الهيئة الحزبية مناط المعلومة. فأرخى عبد الجبار أذنه لهذه النميمة وأقعى لها ك"مثقف" ملازم للفروة منشرحاً "وقايم سداري" بما يخصه القادة البواسل من النفايات اللدنية. فقال عن التجاني الطيب، قدس الله سره، إنني خرجت لعشمي في مصالحة نميري في 1977. ولم يعرف عبد الجبار إلا بعد "مساعدة رفاقية ما" أنني تداولت هذا الأمر مع عفراء عبد الرحمن طوعاً كبعض سيرتي في برنامج تلفزيوني لها بقناة الخرطوم. ونشرت في ردي على عبد الجبار رسالتي للسكرتارية المركزية عن وجوب قبول الحزب بالمصالحة. وفيها طعنت منطق بيان الحزب الذي استنكف دخولها بمطاعن جدية. وبالطبع ساء عند الشيوعيين فقه المصالحة منذ أزرى بهم أعداؤهم بعد ثورة أكتوبر 1964 لقبولهم دخول المجلس المركزي خلال عهد عبود في 1963. وبلع بهم الهوان أمام عقائدهم "عن المصالحة" وممارستهم أن اعتذر التجاني الطيب، قدس الله سره، رسمياً عن اشتراكهم في ذلك المجلس. ولم يكن مأذوناً في هذا التنصل بغير مراجعة حزبية مسؤولة ومنشورة للتجربة كما بينت في كتابي "صدأ الفكر السياسي السوداني". وأصبحت المساومة عندهم عاراً ماركسياً بنص الشاعر أمل دنقل:

لا تصالحْ!

..ولو منحوك الذهب

وهجروا فقهها الماركسي. فلم يُرَوح عليهم شعر فردريك إنجلز فيها:

البعض يقول لا مساومة أبداً. إنها سذاجة أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهانا نظريا.

ناهيك عن قبس اللينينية التي اسعفتنا خلال الممارسة فسوغت لنا دخول المجلس المركزي بفقه قد يجده عبد الجبار في "كتاب ثورة شعب". لقد قرأنا "عن المساومة" للينين على معلمها الأول راشد فلا تأتيني بسيرة ناس متلك متلك. ثم لمّح في معرض أسباب خروجي إلى نسنسة أخرى من التجاني، قدس الله سره، وأنتظر منه بياناً أوفى ليعرف الظالمون أي منقلب ينقلبون.

وعاد عبد الجبار في رده عليّ بمزيد من نسنسات من لازم فروتهم. فقال عن التجاني الطيب، تقدس سره، إنني تركت الحزب بضغط أسري مارسه عليّ أخي الزين على إبراهيم الذي "كان عضواً نشطاً في الاتحاد الاشتراكي أثناء المصالحة وبعدها". خسئت يا عبد لجبار وخسيء التجاني الطيب. لقد سد الزين الفرقة في الأسرة بقوة حين تورطنا في عقوق الوالدين "ممن ربياني صغيراً" في صحبة الأراذل ممن نزعت حياة السرية الطويلة السدى عنهم الحياء والأدب والحفاظ. وسيسألك الملكان يا عبد الجيار يوم الحساب إن لم تأت بمستند عن انتظام المرحوم الزين في الاتحاد الاشتراكي. ولن تعدمه طالما كان المرحوم نشطاً في ذلك التنظيم نشاطاً بلغ التجاني ممن بسمعه وعقلة وقر. و"سوادانيزفوراول" تقيف ليك إن لم تنشر فيها مثل هذا المستند.

ثم روى عبد الجبار عن التجاني الطيب، قدس الله سره، أنه اكتنف استقالتي عن الحزب وعودتي للعمل بجامعة الخرطوم (وبعثتي الدراسية بفضلها) شغل أمني رعاه كمال حسن أحمد. وكمال بلدياتي ولم أتعرف عليه بعد مع أنني دخلت أكثر بيوته لزيارة والده وبصحبة أخيه عثمان وابن عمه وخالد الكد. ولم التمس منه بهذه الصفة بواسطة خالد سوى أن يعيد لي من مصادرات الأمن من منزلي أشرطة كاسيت حملت تسجيلاتي الحقلية لرواة تاريخ الكبابيش وشعرائهم ومغنيهم. وهي عهدة جامعية. أما عودتي لجامعة الخرطوم فقد حكمتها إجراءات المصالحة الوطنية التي احتفظ الأمن القومي فيها بحق التعليق على عودة أمثالي إلى مواقع عملهم القديمة. واجتزت إجراءات الأمن كما اجتازها محمد سعيد القدال وجلال الدين الطيب وعلى محمد خير. ومذ صرت في الجامعة استحققت التدريب أو استكماله مثل غيري.

وبدا لي أن عبد الجبار لم يسعفه تكتيك "قدر ظروفك" ليتفادى الأخذ بسبب استقالتي كما هي في نصها بجد فأراد أن يزيدنا بيتاً من خياله الأشر. فاتفقت له قراءة خاصة "لما حدث لي على الصعيد الشخصي الوجداني". فجاء بقصة سقيمة مفادها أنني تيتمت بعد رحيل أستاذي عبد الخالق محجوب في سياق هزة يوليو 1971. ولم يطب لي المقام بين وجوه قادة بواسل وسموا تلك الفترة الحرجة بمثل "بصمات التجاني الطيب الأسطورية". وود لو أنني صرحت بلين ركبي في حضرة "أهل الوجوه الصارمة" من مثل التجاني الطيب قدس الله سره. ولا أدرى لما احتاج عبد الجبار لهذه القراءة "السيكولوجية" (غير المأذونة) "على الصعيد الشخصي الوجداني" لشخصي ليقول إنني "انفنست" كما يقول عامة الشيوعيين. قولها وخلصنا يا عمي. ولكن لمثقف "قدر ظروفك" تفانين وادعاءات وقراءات غميسة ألهمها له مجمع الآلهة وأنصافهم في س م.

بسحروك يا عبد الجبار

وحاة أمل دنقل بسحروك

وحاة مهدي عامل بسحروك

ووحاة نيتشه بسحروك

ووحاة ماركيز المنتظر (لأنه لم يستشهد به بعد في مضمضته بالأسماء) بسحروك

"بسحروك يا ولد" كما قال عبد الله عبيد أحمد ذات عمود صحفي قديم.



صورة العضو الرمزية
الصادق إسماعيل
مشاركات: 295
اشترك في: الأحد أغسطس 27, 2006 10:54 am

مشاركة بواسطة الصادق إسماعيل »

أدهشني كم العنف اللفظي ومحاولة الإرزاء بالمحاور في خطاب ع ع إبراهيم
كان يمكن له أن يُوصِل ما يريده بلغة أقل عنفاً، لكن يبدو أن اختياره لتلك العبارات
والألفاظ جاء مقصوداً ربما لإحساسه بفداحة القراءة الخاطئة (حسب وجهة نظره)
لموضوعة استقالته من الحزب.
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

عبد الله النيتشوي و عبد الله اللينيني

مشاركة بواسطة حسن موسى »


و
سلام يا الصادق
ياخي العنف اللفظي و الهجاء الركيك و الإزراء و الشتائم المقذعة في حق عبد الله صارت أرضا لعقد التحالفات الأدبية السياسية الأسفيرية بين كل من هب و كتب ، و من وجهة نظر الكتابة فشتم عبد الله صار نوعا أدبيا قائما بذاته في مشهد الأدب السياسي السوداني.و عبد الجبار ما قصّر و لم تعصمه معرفته بتاريخ عبد الله السياسي و الأدبي عن النباح مع القطيع. وفي نظري الضعيف فمن الأقوم لنا جميعا أن نتعامل مع العنف اللفظي الطافح في الأسافير باعتباره طريقة في تخليق الأدب السياسي و ربما نفعنا التروي و دراسة الأمر من وجهة نظر الخلق الأدبي ، و شيطان السياسة يسكن في تفاصيل الأدب. و قديما سارت الركبان بقولة منسوبة لمولانا إدوارد مونيه رائد الرسم التأثيري ، فحواها أن الطريقة التي نرسم بها تقول ما هو أهم من المضمون الذي نحمّله الرسم.
أرجو أن أجد براحا للتأمل في " الطريقة" التي يكتب بها خصوم عبد الله غضباتهم عليه و الموضوع واعد.



نيتشوية عبد الله

ـسلام يا عبد الجبار
[ سيك سيك معلق فيك]

.ـ و بمناسبة " الحقيقة النيتشوية" لعبد الله علي إبراهيم، و التي تنتفع بها يا عبد الجبار، في تسويغ "خيانة" عبد الله، أرجو أن تسخى و تقعد حتى نشرح لك أمر عبد الله النيتشوي ـ ليس بالقراءة البوليسية التي قدمته بها أنت في كلامك عن " بنية وعي"نيتشوي أناني و متعالي على عباد الله اللينينيين ، و لكن بطريقته هو، «حنك البليد البوم» المتقافز أبدا بين لا نهايتي الشعر النيتشوي و اللينينية السودانية. و أنا لست متأكدا مما إذا كان عبد الله [ أبو بطن] واعيا بنيتشويته ـ و كل شي في الحيا جايز ـ لكني شايف لينينيته تتراجع و تترك المكان لنيتشويته كلما حاصرته ملابسات السياسة اللينينية في مضيق.ـفعبد الله لينيني حين تجود بصيرته السياسية بمكتوب في قوة " الماركسية و قضايا اللغة في السودان"أو " نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع و المبدعين"،ذلك لأنه يضع نصب عينه حساب الكسب السياسي حين يخاطب الحزب و كوادره و جماهيره. لكن عبد الله نيتشوي حين يكتب " الجرح و الغرنوق" أو " السكة حديد قربت المسافات"، لأنه يدير ظهره للجماهير و يعكف على إشراقات ذاته الشاعرة المفردة المستوحشة في تيه الوجود.[ لي عودة لعبد الله النيتشوي فصبرا].ـو أظن ـ غير آثم ـ أن عبد الله اللينيني لم يغادر «خط الحزب» قيد أنملة لأنه ظل لسنوات طويلة يساهم في المناقشة السياسية من منظور الحركة الشعبية الديموقراطية و يطرح أمامها من الأفكار ما يعتقد أن فيه صلاحها، و ذلك من منظور الأدب الماركسي اللينيني .ـ و يا عصام علي ، الكائن اللينيني المقيم في دخيلة عبد الله هو المسؤول عن رسائله الأخيرة الموجهة لفئة « الشباب» و للمؤتمر السادس أو للديموقراطيين و الشيوعيين السودانيين داخل و خارج الحزب الشيوعي السوداني.ـ و من يتأمل في الوثيقة التي كشف عنها عبد الله مؤخرا ، و التي تتعلق بموقفه من سؤال «المصالحة الوطنية» الذي طرحه النميري على المعارضين في 1977، يلمس فيها سداد رؤيته اللينينية بالمقارنة مع موقف التشدد اليساري الإنعزالي البائن في موقف خصومه الذين أعمتهم الغبائن العاطفية المدممة عن رؤية الأولويات السياسية لذلك الظرف. بل أن لينينية عبد الله تبلغ غايتها في موقفه المنضبط الذي ألهمه الإستمرار في تكاليفه الحزبية لمدة عام، بعد أن رفضت اللجنة المركزيةرؤيته للمصالحة. عام بحاله و هو تحت نظر الرفاق المغبونين الذين لا بد أنهم كانوا يشيعونه بنظرات لاعنات صامتات و هو يسعى بينهم في أداء مهامه الحزبية اليومية بهمّته المشهودة .ـ
يقول عبد الله في تلك الرسالة أكثر من مجرد الدعوة لقبول المصالحة مع النظام.لأنه يبذل للرفاق منهجية لينينية في المساومة باعتبارها وجها رفيعا من وجوه التدبير السياسي الذي لا يكون بدون تعريف أولويات الحزب في البقاء على شرط الفاعلية، و ذلك في مواجهة حالة الموات التي حاقت به بعد عسف و ملاحقات يوليو1971. و " فقه المصالحة" اللينيني في رؤية عبد الله، يجد سنده المفهومي عند عبد الخالق في تسويغ دخول الشيوعيين لـ " المجلس المركزي" في عهد ديكتاتورية الفريق عبود ،1963 و الذي "تنصّل" عنه التيجاني الطيب ـ حسب عبارة عبد الله ـ، و في ما وراء عبد الخالق يجد عبد الله لفقه المصالحة  اللينيني سندا عند "إنجلز"، و ذلك في قوله :ـ"
. وبالطبع ساء عند الشيوعيين فقه المصالحة منذ أزرى بهم أعداؤهم بعد ثورة أكتوبر 1964 لقبولهم دخول المجلس المركزي خلال عهد عبود في 1963. وبلع بهم الهوان أمام عقائدهم "عن المصالحة" وممارستهم أن اعتذر التجاني الطيب، قدس الله سره، رسمياً عن اشتراكهم في ذلك المجلس. ولم يكن مأذوناً في هذا التنصل بغير مراجعة حزبية مسؤولة ومنشورة للتجربة كما بينت في كتابي "صدأ الفكر السياسي السوداني". وأصبحت المساومة عندهم عاراً ماركسياً بنص الشاعر أمل دنقل:

لا تصالح

..ولو منحوك الذهب

وهجروا فقهها الماركسي. فلم يُرَوح عليهم شعر فردريك إنجلز فيها:

البعض يقول لا مساومة أبداً. إنها سذاجة أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهانا نظريا.

ناهيك عن قبس اللينينية التي اسعفتنا خلال الممارسة فسوغت لنا دخول المجلس المركزي بفقه قد يجده عبد الجبار في "كتاب ثورة شعب". لقد قرأنا "عن المساومة" للينين على معلمها الأول راشد فلا تأتيني بسيرة ناس متلك متلك. »ـ
ـ
  "فقه المصالحة" ، عند عبد الله ، يشترط إعمال النظر في الواقع السياسي الذي يتحرك في إطاره الفرقاء الآخرين بغية تحديد طبيعة التحالفات و الخصومات و التناقضات الطبقية المحتملة و تحت شرط الملابسات السياسية لتلك اللحظة التاريخية الحرجة.ـ
فحين يقرأ خصوم عبد الله في الحزب الشيوعي " شرط إنحلال الأحزاب في التنظيم الجامع، الماعون" الذي يطرحه النظام، قراءة عاطفية متحاملة، فإن بصائرهم تعمي عن رؤية فرصة المناورة السياسية الثمينة التي يتيحها هذا العرض لمعارضي النظام، فيركلونها و يعتزلون مسرح الأحداث،في حين أن عبد الله يطرح أمامهم الدخول في المصالحة و العمل في إطارها كمعركة سياسية مرموقة لـ" تعبئة الرأي العام لجعل هذا الماعون جبهة أحزاب ومنظمات وتيارات وشخصيات
للمصالحة الديمقراطية ».ـ

ـ"
الرابط
https://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... a3be3ff6ea

هذه المعركة السياسية التي كان عبد الله ينتظر من الشيوعيين تقحّمها ـ من ثغرة " المصالحة الوطنية التي فتحها نظام مايو ـ هي في حقيقتها معركة بناء الجبهة الديموقراطية الوطنية التي كانت و ما زالت تهجس خواطر الشيوعيين و الديموقراطيين السودانيين في مجمل أحوال حركتهم و سكونهم.و بناء " الجبهة الديموقراطية" حلم سياسي شيوعي يملك أن يتجسد في ملكوت الواقع بشريطة أن يتمكن أنصاره من العناية بمعطيات هذا الواقع السياسي السوداني. و عبد الله ـ في رسالته ـ يطرح على قادة الحزب الشيوعي رؤيته اللينينية لفقه المساومة ـ ليس مع نظام النميري وحده ، و إنما مع مجمل الفرقاء المعنيين بتعريف حد أدنى للعمل السياسي المشترك في خدمة الصالح الوطني.و في طرحه يظهر خطر " تبذير" القوى المحتمل انخراطها في قاعدة الجبهة الديموقراطية الوطنية. و عبد الله يطرح " إقتصاد التبذير السياسي" هنا استنادا على قراءته لضعف القوى التي تنتظر من الجبهة الديموقراطية الوطنية التدرج بالجماهير نحو " الإنتفاضة الشعبية" و " الدستور الديموقراطي العلمانيـ".و حرص عبد الله على التدرج الحذر نحو بناء الجبهة الديموقراطية يلهمه التنبيه لضرورة إحترام مركز قيادات الأحزاب التقليدية و تجنب استمالة جماهيرها من وراء ظهر القيادات .بل هو يذهب أبعد من مجرد " إحترام " قيادات القوى التقليدية لأنه يقبل المساومة ، مع قوى المعارضة السياسية اليمينية، حتى على الشعارات التي ظل الحزب يرفعها لعقود طويلة و هي شعارات " الإنتفاضة الشعبية"و " الدستور العلماني".يقول عبد الله في رسالته :ـ
"
فإذا أمسكنا بشرطي "الانتفاضة الشعبية" و "الدستور العلماني" لأخرجنا أحزاب الجبهة الوطنية جملة واحدة لما نعرفه من تكتيكاتها وأيدولوجيتها. وسنخرج تباعاً كيانات فئوية وإقليمية كثيرة قد لا ترغب، بما نعرفه مستواها، التقيد بأيٍ من هذين الشرطين.
وانتهى بنا هذا التبذير في القوى إلى جبهة "الديمقراطية" وقد وضح أن نقطة ضعفها الرئيسة هي غموض القوى، خلاف الشيوعيين والديمقراطيين، التي يمكن أن تنتسب إليها وخاصةً أن برنامجها الوارد في الصفحات 32-34 لا يعدو كونه Elaboration (زيادة في التوضيح) لبرنامج المعارضة على صفحات 15-18.
وأتيح لي أن أعرف توقعاتنا للأحزاب والاتجاهات المدعوة لجبهتنا. وهي أحزاب لا يؤبه بها (بعث) أو بيننا وبينها سوء تفاهم تاريخي (أحزاب الجنوب وما يسفر عنه أهل النوبة والبجة). أما الاتجاهات فهي أقسام من الأحزاب الحالية والتي نأمل أن نتعامل معها من فوق جدران أحزابها مستعجلين خروجها إلينا. وهذا مما يسئ إلينا لأن قواعد اللعبة الديمقراطية تقتضي منا التعامل معهم (الأحزاب) كجسد قبل السعي لهزيمتهم من نقاط ضعفهم. تجربتنا في تحريش جناح صالح محمود إسماعيل ما نفعته وما نفعتنا. وعوقبنا عليها في شخص جناح معاوية. إن مخاطبة جماهير الأحزاب فوق الحائط الحزبي شيء آخر. وكذلك اعتبار المنابر داخل الأحزاب ومساعدتها بأشكال شتى لتؤثر في خط حزبها العام بالمكوث فيه لا الخروج المعجل. لقد بدأنا سريعاً جداً الكلام عن قادة الجبهة الوطنية في تعارض مبكر مع جماهيرهم.
"
و يلوم عبد الله رفاقه في الحزب على  ضيق أفقهم السياسي الذي جعلهم يتجاوزون محدودية الثغرة السياسية التي فتحها نظام النميري أمامهم بعرضه «  المصالحة الوطنية » و يطالبونها بما ليس في إمكانها و يخلصون إلى إدانة نتائجها المحتملة بسبة الديكتاتورية العسكرية، و ذلك في قوله:ـ " ـلقد تخطينا إمكانيات المصالحة المطروحة لما رأيناها لم تحقق في مبتدئها عناصر تعريفنا للمصالحة ص 19-20. وهو تعريف مزيج مطابق للتغير الثوري بدون نشاط ثوري وقوى فاعلة.
لقد استبقنا حتى الشكل الذي قد تسفر عنه (المصالحة) وتبرعنا له باسم هو الديكتاتورية العسكرية (ص 30 وص 31) ودعونا إلى إسقاطه. " ـ

و في ختام رسالته يخلص عبد الله لضرورة مراجعة تكتيك الحزب حول المصالحة "
• باعتبار أنها ثمرة إعياء قومي. لم تستهلك في الصراع أطراف اليمين الحاكم والمعارض بل الطرف
الثوري أيضا".ـ .ـ هذا الـ " إعياء" القومي هو الأفق الذي يفتحه عبد الله ، لا أمام قادة الحزب الشيوعي فحسب و إنما أمام كل قادة الرأي المعنيين بإختراع الإجابات الخلاقة لأسئلة الواقع السياسي السوداني.و بدلا من العناية برسالته و طرح أفكارها للمناقشة الواسعة بين الشيوعيين و الديموقراطيين تكتم الجميع على الأمر و تركوا الجماهير نهبا لأدب الغبائن البائدة. و إذا ساغت لي مؤاخذة الرفاق الشيوعيين الذين تكتموا على رسالة عبد الله و صادروا فرص المناقشة الثمينة المحتملةـ فحيرتي كبيرة تجاه صمت عبد الله [ ابو بطن] و قبوله بتأجيل المناقشة في هذا الأمر كل هذه السنوات.

سأعود
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

سلام يا نجاة والصادق اسماعيل وكل المتابعين. شكرا على المرور من هنا والوعد بالتعليق وإبداء المآخذ على مكتوبي يا نجاة. شكرا يا الصادق على تعليقك وملاحظتك عن العنف اللفظي ولكن كما ترى، لا طائل في أن تحاول مخاطبة من لا يسمع ولا يرى ما تقول. فالناس عند البعض خيار وفقوس يا صديقي.

نجاة ، لقد تشككت في احتمال قراءتك لرسالة عبد الله الأخيرة التي تفضلتِ بتقديمها بمقدمتك القصيرة تلك. لأن ما يحفزني على الشك أنها مثيرة لكل ألوان المآخذ والملاحظات من "ساسا لي راسها" كما يجري القول الشعبي.
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


سقوط الأقنعة[/b]

استهل الدكتور عبد الله على ابراهيم مكتوبه آنفا تحت عنوان [b](عبد الجبار عبد الله: مثقف قدّر ظروفك)
بالقول:

"يقول علماء المسلمين لا اجتهاد في ما فيه نص. ولا يبرع عبد الجبار عبد الله إلا في الاجتهاد في المنصوص عليه".

وما يلفت الانتباه ابتداء ومنذ الوهلة الأولى أن عبد الله قد رفع نصه من مقام الجدل في أمور الفكر والسياسة الدنيويين مباشرة إلى مقام النص الديني في مسعى منه لإضفاء طابع ديني مقدّس على ما يقول. وهذا ركن أصيل من أركان بنية العقل الديني السلفي الذي يلجأ إلى قمع الخصوم والرأي المخالف بذريعة قدسية الدين. وهي صنعة كما نعلم، برع فيها أهل نظام الإنقاذ الحاكم منذ أن كانوا تنظيماً يشق طريقه إلى سدة الحكم منذ منتصف عقد الخمسينيات. وبذلك يضع الدكتور عبد الله نفسه في مقام واحد مع حسن المهلاوي والمكاشفي طه الكباشي ومحمد محجوب حاج نور ومحمد سر الختم ماجد، وهم قضاة محكمة الردة الثانية التي حكمت بإعدام الشهيد محمود محمد طه في يناير 1985، وتمكنت أخيراً من الاقتصاص منه بعد ملاحقة بدأت منذ محاكمة الردة الأولى في بورتسودان عام 1968. وفي كلتا الحالتين كان موضوع المحاكمة بتهمة الردة هو الاجتهاد في تأويل النص الديني تأسيساً على مشروعه الفكري الأصيل القائم على مؤلفه الرئيسي "الرسالة الثانية من الإسلام" وبقية مؤلفاته ومحاضراته ومنشوراته الأخرى، فضلا عن مواقفه العملية –التي عارض فيها نصوص قوانين سبتمبر 1983 المسماة بقوانين الشريعة الإسلامية- وهي المواقف والمؤلفات التي جعلت منه مفكراً إسلامياً معاصراً على المستوى العالمي. وعلى جملة عبد الله هذه أيضا تقوم أركان "فقه الضرورة" التي جعلت من معارضة الظلامية الديكتاتورية الفاشية الحاكمة في إيران، معارضة للذات والإرادة الإلهية.
ويقول عبد الله بين فقرات عديدة متلاحقة في كلمته هذه:

ثم روى عبد الجبار عن التجاني الطيب، قدس الله سره، أنه اكتنف استقالتي عن الحزب وعودتي للعمل بجامعة الخرطوم (وبعثتي الدراسية بفضلها) شغل أمني رعاه كمال حسن أحمد. وكمال بلدياتي ولم أتعرف عليه بعد مع أنني دخلت أكثر بيوته لزيارة والده وبصحبة أخيه عثمان وابن عمه وخالد الكد. ولم التمس منه بهذه الصفة بواسطة خالد سوى أن يعيد لي من مصادرات الأمن من منزلي أشرطة كاسيت حملت تسجيلاتي الحقلية لرواة تاريخ الكبابيش وشعرائهم ومغنيهم. وهي عهدة جامعية. أما عودتي لجامعة الخرطوم فقد حكمتها إجراءات المصالحة الوطنية التي احتفظ الأمن القومي فيها بحق التعليق على عودة أمثالي إلى مواقع عملهم القديمة. واجتزت إجراءات الأمن كما اجتازها محمد سعيد القدال وجلال الدين الطيب وعلى محمد خير. ومذ صرت في الجامعة استحققت التدريب أو استكماله مثل غيري. 

حسناً، هذه رواية شفوية حكاها عبد الله عن ملابسات خروجه من الحزب وانتقاله فجأة من أقبية السرية إلى رحاب العلنية وفضاءاتها حراً طليقاً دون مضايقات أمنية! والسؤال هنا: ما الذي يجعل من روايتك الشفوية أنت مصدراً تاريخياً موثوقاً ليس بأدني حاجة إلى سند أو دليل في حين تنحدر الروايات الشفوية المحكية عنك مباشرة إلى مجرد نسنسة وقوالات، بل وأكاذيب؟ وليس هذا سوى مثال واحد على الطريقة التي تفكر بها بنية الوعي الديني السلفي التكفيري التي تزعم لنفسها وحدها امتلاك ناصية المعرفة والحقيقة المطلقة في ذات الوقت الذي تنفي فيها المعرفة النسبية عن الآخرين:

وعاد عبد الجبار في رده عليّ بمزيد من نسنسات من لازم فروتهم. فقال عن التجاني الطيب، تقدس سره، إنني تركت الحزب بضغط أسري مارسه عليّ أخي الزين على إبراهيم الذي "كان عضواً نشطاً في الاتحاد الاشتراكي أثناء المصالحة وبعدها". خسئت يا عبد لجبار وخسيء التجاني الطيب

ثم يردف ذلك بالقول:

وسيسألك الملكان يا عبد الجيار يوم الحساب إن لم تأت بمستند عن انتظام المرحوم الزين في الاتحاد الاشتراكي. و"سوادانيزفوراول" تقيف ليك إن لم تنشر فيها مثل هذا المستند.

وفي هذا أسألك أنت أولاً عن الأسانيد التي قدَّمتها على أكاذيبك المتتابعة التالية:


-اندثار العمل الثقافي تماما في الحزب منذ لحظة خروجك منه وحتى قبيل خروج الحاج وراق منه في عام 1994. وهي كذبة مهنية منهجية تفسر على أنها حذف متعمّد لفترة كاملة من تاريخ الحزب وعمله في جبهة الثقافة التي كنت تتولى قيادتها.

-أضحوكة "المساعدة الرفاقية" التي قدمها أحدهم لي للعثور على حلقة اللقاء التلفزيوني الذي أجرته معك المذيعة عفراء، والتي ترد أحيانا في هذا الحوار تحت مسمى "الزميل الكلس". وهي أضحوكة لأن عبد الله على ابراهيم على "قفا من يشيل" في شاشات تلفزيون الإنقاذ ومحطاته الفضائية وصحفه اليومية حتى أني قلت سابقاً إن نجوميته فيها لا تقل عن نجومية المغنية الشهيرة "ليدي قاقا" في شبكات وشاشات التلفزيون الأمريكي.

- مجموعة الأكاذيب التي أطلقتها في كلمتك الأخيرة هذه بنسبة كل الرواية والشهادات الحزبية المحكية عن ملابسات خروجك عن الحزب إلى التيجاني الطيب وحده، بالرغم من أنني نسبتها في مجموعها إلى الحزب وليس إلى التيجاني.

القول في آخر هذه الرسالة "ولكن لمثقف قدر ظروفك تفانين وادعاءات وقراءات غميسة ألهمها له مجمع الآلهة وأنصافهم في س م. 

والاختصار "س. م" يرمز في هذه الفقرة إلى سكرتارية اللجنة المركزية للحزب.
فأين هي أسانيدك على ما تقول؟

أما فيما يخص شقيقك الزين –رحمه الله- فأنا لست مثلك ممن أصبح دأبهم وشغلهم الشاغل التعريض بالموتى والإساءة إليهم والتشنيع بهم –كما فعلت في سيرة التيجاني الطيب وفاروق كدودة والخاتم عدلان وغيرهم في هذا السجال. وكما تعلم يا عبد الله، فإن من يحيطون بكادر الحزب المختفي في تلك الظروف والأيام الحالكة، يحرص الحزب على معرفتهم جيدا والتأكد من اتجاهاتهم الفكرية والسياسية. وكما تعلم أيضا، يُعرف الأشخاص في فضاء الحياة السودانية عامة بشتى ميولهم واتجاهاتهم، بما في ذلك ميولهم الرياضية. وهناك من لا يزال حيا يرزق في الحزب ممن كان على صلة بالكادر المختفي ويعرف شقيقك الزين بميوله واتجاهاته الرياضية والسياسية، معرفة حقة لا تشوبها أية دوافع تخفي وراءها شعورا بالغبن أو الإساءة.


على أنني لا أخفي شعوري بالصدمة والدهشة الكبيرة لخلعتك وصحو الضمير المفاجئ المتأخر هذا عند قراءتي لهذه العبارة الواردة في مكتوبك الأخير:

وعاد عبد الجبار في رده عليّ بمزيد من نسنسات من لازم فروتهم. فقال عن التجاني الطيب، تقدس سره، إنني تركت الحزب بضغط أسري مارسه عليّ أخي الزين على إبراهيم الذي "كان عضواً نشطاً في الاتحاد الاشتراكي أثناء المصالحة وبعدها". خسئت يا عبد لجبار وخسيء التجاني الطيب.


"آآآ زول ها.. تعال أقعد وألزم معاي الجابرة دي. يا ولد... أجري على الزير الساقط داك جيب لي عمك ده كوز موية خلي اليقرطعو ويبل ريقه وينجَمْ شوية ويهدا. إت يا عبد الله، فاكر دعوتك للمصالحة الليلة النميري ديك بتوديك للكعبة الشريفي ولا بتزوَّرك شباك قبر النبي؟...مي ياها بتوديك دربك عديل على الاتحاد الاشتراكي مقطوع الطاري ده. والله كان الحزب الشويعي ما قوّا راسو وقلبو كجّنا وأباها كُت إنت ونقد والتيجاني وكلكم انحشرتو في الاتحاد الاشتراكي وبقيتو متلكم ومتل ناس النميري وأبو القاسم محمد ابراهيم وغيرهم. والله كنتو انجعصتو وقعدتو هناك وحزبكم راح شمار في مرقة ساكت لحدي ما تجي عليكم ثورة إبريل وتاخدكم كلكم في داهية. وإت فاكر الحزب أباها وقلبو كجّنا ليه؟ مي يا هو لي شان خُلعتك إنت دي ونطّتك من اسم الاتحاد الاشتراكي مقطوع الطاري ده وبشاتن ثورة إبريل الما تفضّل فيكم نفّاخ النار" .

هكذا يأتيك صوت الحكمة الشعبية البسيطة من وسط الحقول أو المصانع دون ما حاجة إلى أشعار أمل دنقل ولا اجتراحات مهدي عامل ولا يحزنون.

ويلفت نظري في كتابة عبد الله هذه والتي قبلها، ذلك الوجه الآخر الذي يتخفى من وراء قناع العلم والفكر بما يقتضيه من رصانة وسمو ونبل في أدب الجدل والحوار والخصومة. وأراني مندهشاً مفغور الفاه مشدود الحاجبين وأنا أتطلع إلى قامته الفارعة الباتعة في أدب الابتذال والإسفاف وسقط القول، وأستكشف في كل مرة يكتب فيها سعة وغنى ذخيرته اللغوية بمفردات السباب والشتيمة ومقذع الألفاظ ورخيصها. وفي كل ذلك ما لا يمتُّ إلى العلم والفكر والمعرفة بصلة.

ولمَ الدهشة على أية حال؟ فهذا أيضاً جزء أصيل من مكونات بنية الوعي السلفي الديني التكفيري الذي لا يتورع عن استخدام كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة لقمع الرأي الآخر واحتقاره وإسكاته.

ومن وراء قناع العلم والمعرفة يختفي وجه الشخصية الأخرى للدكتور عبد الله
"إياك أن تصارع نديد أمك بيفكك ضُلَعك". وهي شخصية أخرى شديدة العمق والولوغ في أدب السفور والابتذال والركاكة إلى حد استخدام المفردات اللغوية الدالة على معاناة أهلنا ومكابدتهم لشظف العيش في مواجهة الغول الإسلاموي الرأسمالي الطفيلي "قدّر ظروفك" إلى مزحة سخيفة يقصد منها احتقار الآخر والسخرية منه. وبقامته الفارعة هذه في أدب الابتذال، لا أستبعد أن يكون عبد الله قد استخدم المفردة في إهانتي بمعناها الأصلي أيضا المستمد أصلاً من قاموس كريمات ومساحيق التجميل في عهد ثقافة الاستهلاك الطفيلي الرأسمالي. وكله جائز ومشروع عند عبد الله.

وحين قرأت هذا الجزء الأخير من مكتوبه:

بسحروك يا عبد الجبار 

وحاة أمل دنقل بسحروك 

وحاة مهدي عامل بسحروك 

ووحاة نيتشه بسحروك 

ووحاة ماركيز المنتظر (لأنه لم يستشهد به بعد في مضمضته بالأسماء) بسحروك 

"بسحروك يا ولد"


قفزت إلى ذاكرتي مشاهد سينما أمدرمان الوطنية –سابقاً- حيث ترى أولئك الذين يضعون أصابعهم في أفواههم يطلقون منها صفارات عالية طويلة مزعجة إما تعبيرا عن دهشة وإثارة، أو تحرشاً بإحدى ممثلات العرض السينمائي أو الفتيات الحقيقيات الموجودات في دار العرض.

ومن شخص بهذا الإسفاف والسقوط، لم أستغرب ولم أندهش لوصفه التيجاني الطيب بصفة الخسة والنسنسة وأخواتهن المقذعات. ومن مفردات هذا الأدب نقرأ عبارته:

لقد سد الزين الفرقة في الأسرة بقوة حين تورطنا في عقوق الوالدين "ممن ربياني صغيراً" في صحبة الأراذل ممن نزعت حياة السرية الطويلة السدى عنهم الحياء والأدب والحفاظ.

ولنتأمل جانبا واحدا فحسب، هو مدى نأي عبد الله وغربته عن قيم الزمالة والصداقة ورفقة الدرب والحياة وأبسط معاني العشرة السودانية السمحة مع من تقاسموا معه مخاطر الاختفاء وقسوته ومصاعبه، ومن حرصوا على أمنه وسلامته!

وفي عبارته تلك التي وصف فيها رفقته مع زملائه في الاختفاء بصحبة الأراذل ممن نزعت عنهم حياة السرية الطويلة السدى عنهم الحياء والأدب والحفاظ، وجدت نفسي أتساءل مجرد سؤال: من يقصد بهؤلاء؟ يا ترى زملاء من أمثال محمد محمود السنجك الذي أفنى عمره كله اختفاء وراء صحيفته "الميدان السرية" إلى أن فارق الحياة، أم زميل مثل الجزولي سعيد الذي عاش ومات ممسكا بجمر قضيته في وفاء الأنبياء أم محمد ابراهيم نقد الذي يجمع على حسن سيرته حتى ألد أعدائه السياسيين والفكريين، أم زميل مثل يوسف حسين، الذي أمضى جل حياته اختفاءً وبين سجن وسجن ليس إلا وفاء غير منقطع لقضية الثورة السودانية التي آمن بها ونذر نفسه لها؟ من يقصد عبد الله بهؤلاء الأراذل؟

ومما لا يعلمه عبد الله أنه كم يخصم من سمعته الشخصية ووزنه واسمه بإساءته هذه لرفاق دربه بالأمس وعلى رأسهم التيجاني الطيب الذي يخصه بكيل من الحقد والشتائم. وهو إسفاف كما قلت من قبل، لم يجرؤ عليه حتى خصومه السياسين والفكريين، بل لم يجرؤ عليه حتى الطيب مصطفى، أسفه سفهاء الإنقاذ قاطبة بلا منازع!


آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في السبت نوفمبر 12, 2016 9:05 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


"ليس كل ما يلمع ذهبا"  

في نقد المفاهيم (4) 

[size=24]أي منهج في علم التاريخ وفسلفة التاريخ يا بروف؟ 


[b]فراق الطريفي لي جمله
[/b]

على نقيض ذلك البيت الشعري للمتنبي، الذي جعل منه عبد الله على ابراهيم شعاراً لخروجه من الحزب، فلنقرأ البروفيسور أستاذ التاريخ ابتداءً بعين أخرى هذه المرة هي مقدمة ابن خلدون، كونها السياق النظري الأقرب لما ننظر فيه.

جاء في الباب الأول من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة وفيه مقدمات، نقلا عن المقدمة:

الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضروري. ويعبّر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركّب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه. ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ. وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حدّاد ونجار وفاخوري. وهَبْ أنه يأكله حباً من غير علاج، فهو أيضا يحتاج في تحصيله أيضا حبّاً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد والدِراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد. فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت لهم له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف. وكذلك يحتاج كل منهم أيضا في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه ...إلخ

ويستكمل ابن خلدون فكرته هذه بالقول:

ولما كان العدوان طبيعيا في الحيوان جعل لكل واحد منها عضوا يختص بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره، وجعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر واليد. فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر، والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب عن الجوارح المعدّة في سائر الحيوانات للدفاع مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة والسيوف النائبة عن المخالب والتراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى غير ذلك مما ذكره جالينوس في كتاب منافع الأعضاء.

فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني، وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم. وهذا هو موضوع العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم.


تكفي هذه الفقرات وحدها من مقدمة ابن خلدون –بالنظر إلى المفهوم الذي رسخه البروفيسور عبد الله على ابراهيم عن دور الفرد في التاريخ على لسان المتنبي- للقول بأن عبد الله قد فارق العلم "فراق الطريفي لجمله" في مجرى المثل الشعبي، وأن برزخا شاسعاً ممتدا من المعرفة ومنهجية التاريخ يفصل ما بينه في هذا القرن الحادي والعشرين وذلك المؤرخ العالم التونسي الذي عاش وخطّ مقدمته الشهيرة في الأعوام من 1330 إلى 1404 ميلادية.

ففي المنظور العلمي للتاريخ لا يكون الفرد –الإنسان- إلا بشرط كينونته وهويته الاجتماعية اللتين هما العمران، و لا هوية لهذا الفرد إلا من جهة كونه حضريا بالفطرة والطبيعة. ثم يستتبع ذلك أن عمل الإنسان ونشاطه هما العاملان الرئيسيان اللذان يحققان جوهر إنسانيته وطابعه البشري الذي يميز بينه والكائنات الحية الأخرى.

وفي ذلك يقول مهدي عامل في كتابه (في علمية الفكر الخلدوني) عن موضوع التاريخ "انطلقنا من سؤال: ما هو موضوع "المقدمة"؟ وكان جواب ابن خلدون أنه أنشأ في التاريخ كتاباً. ثم قادنا السؤال إلى سؤال آخر: ما علاقة التاريخ بعلم العمران؟ فرأينا أن هذه العلاقة تتحدد بتحديد موضوع التاريخ وتتضح بإيضاحه كما يقول (حقيقة التأريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحُّش والتأنُّس والعصبيات وأصناف التغلّبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك من العمران بطبيعته من الأحوال) بكل ما يعنيه ذلك من كون التاريخ علما لدراسة الواقع الاجتماعي وتحولاته التاريخية في نظر ابن خلدون.


ولما كان النص الخلدوني يفتقر إلى القول صراحة بعلاقات الإنتاج كونها القاعدة المادية التي تشكّل الكل الاجتماعي البشري، فإنه يعوض عن ذلك في منطقه الداخلي بما يوليه من أهمية مركزية لمفهوم العصبية في قراءته للأسباب الباطنة التي تفسر تقلبات وتغيرات أحوال العمران. هذا علاوة على أن مفهوم "العمران بحد ذاته، يشخص بوصفه تصورا ماديا للاجتماع البشري.


ولنشير في ما يتعلق بمفهومه للعصبية التي تؤدي إلى تغيرات العمران إلى ما جاء في تفسيره للمنحول في التاريخ عن أسباب نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر بن يحيى بن خالد مولاه.

"وإن ما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة واحتجافهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه ولم يكن منهم تصرُّف في أمور ملكه، فعظمت آثارهم وبعُد صيتهم وعمروا مراتب الدولة وخططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم واحتازوها عمن سواهم من وزارة وكتابة وقيادة وحجابة وسيف وقلم. يقال إنه كان بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة وعشرون رئيساَ بين صاحب سيف وصاحب قلم زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب ودفعوهم عنه بالراح .." إلى آخر تفسيره للأسباب السياسية الاجتماعية الداخلية التي أدت إلى تفسخ سلطان البرامكة وأفول ملكهم.

وبذلك لا يكون التاريخ علما إلا بكونه تاريخاً اجتماعيا ماديا عند ابن خلدون.


لنقارن ذلك بلمحات سريعة خاطفة من "الآيديولوجية الألمانية" بوصفها مرجعا أساسيا كلاسيكيا لفلسفة التاريخ ولأسس المادية التاريخية لدى ما ركس وإنجلز:


"ليست المقدمات التي ننطلق منها أسساً اعتباطية، أو معتقدات، بل هي أسس واقعية لا يمكن تعليقها إلا في الخيال، أولئك هم الأفراد الواقعيون، نشاطهم وشروط وجودهم المادية، الشروط التي يجدونها قائمة وكذلك الشروط التي نشأت عن نشاطهم الخاص.

ومن الطبيعي أن الشرط الأول لكل تاريخ بشري هو وجود كائنات بشرية حية. فأول حقيقة يجب تقريرها هي إذن جبلة هؤلاء الأفراد البدنية والعلاقات التي تخلقها لهم هذه الجبلة مع بقية الطبيعة. وإن من واجب كل تاريخ أن ينطلق من هذه الأسس الطبيعية وما يطرأ عليها من تعديل من جراء فعل البشر في سياق التاريخ.

يستتبع ذلك أن أفرادا معينين، أصحاب نشاط إنتاجي وفق نمط معين يدخلون في علاقات اجتماعية وسياسية معيّنة، هي التي تشكّل الرابطة بين البنية السياسية والاجتماعية والإنتاج....وصولا إلى القول بأن البنية الاجتماعية والدولة تنشآن باستمرار من التطور الحيوي للأفراد في ظل علاقات إنتاجهم وشروطهم المادية المحددة لوجودهم.

وبذلك فإن المقدمة الأساسية التي ينطلق منها ماركس وإنجلز في مواجهة الفلاسفة الألمان المجردين من أية مقدمات –على حد قولهما- هي مقدمة الوجود البشري بكامله، بما يشمل التاريخ بأسره، التي تنص على أنه لا بد للبشر من أن يكونوا في مركز يمكّنهم من العيش كي يتسنى لهم صنع التاريخ.
ويلي ذلك أن تلبية الحاجات وضرورات العيش الأولى تؤدي إلى نشوء احتياجات جديدة بما يدفع البشر إلى صنع حياتهم وتغيير أشكال وجودهم وعلاقاتهم تبعا لتطور أدوات الإنتاج وتعقيد شروطه وصولاً إلى نشأة تشكيلات المجتمع الطبقي وتفسخها تاريخيا.
غني عن القول في هذه المقارنة بين البناء النظري للنص الخلدوني والمادية التاريخية لدى ماركس وإنجلز بأن التاريخ ليس علماً لمجرد تأمُّل العالم وتفسير حركته بقدر ما هو علم لتغيير العالم وتثويره، أو على حد قولهما بأن الثورة لا النقد هي القوة المحركة للتاريخ.
وليس هذا سوى وجه واحد فحسب من وجوه مقاربة مفهوم الفرد في النص الخلدوني وتراث الفكر الماركسي. ولا سبيل هنا للخوض في ما تعنيه صناعة الأفراد لأنفسهم في مجرى التاريخ، ولا لما يعنيه التحرر الروحي والمعنوي الكامل للفرد من جميع القيود التي تكبّله في سياق الحلم الثوري الماركسي بتطلعاته وأشواقه الشيوعية البعيدة.

وأما الأفراد من أشباه روبنسون كروزو وطرزان وباتمان وسوبرمان وغيرهم فلا وجود لهم إلا في جموح المخيلة الأدبية السينمائية.











آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في السبت نوفمبر 12, 2016 9:11 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.
عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »


ليس كل ما يلمع ذهبا" 

في نقد المفاهيم (5) 

أي منهج في علم التاريخ وفسلفة التاريخ يا بروف؟
 
دعوة عبد الله على ابراهيم إلى قبول المصالحة ... دعوة إلى حل الحزب الشيوعي منذ عام 1977

قلت في ردي الأساسي على رسالة عبد الله فيما يتعلق بموقف الحزب الرافض لمصالحة نميري "الوطنية" في عام 1977 إنها لم تعقد إلا لضرب طوق من العزلة الخانقة على الحزب ومواصلة تصفيته على رأس الأهداف الاستراتيجية الرئيسية التي سعت المصالحة إلى تحقيقها.

وظللت أتابع ما دفع به عبد الله علي ابراهيم من حجج لتسويغ دعوته هذه التي "بارت" وماتت في حينها، استنادا إلى خطابه الموجّه إلى اللجنة المركزية للحزب، الذي تجدون نصه كاملا في هذا الرابط:

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic ... e9d27b79a7

وعبد الله إذ يأخذ على الحزب معارضته للمصالحة إنما يتعمد تجاهل شروط الإذعان التي طرحت على أساسها المصالحة ويغض الطرف عن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بها، مختزلا بذلك موقف الحزب منها إلى مجرد الاستنكاف الأدبي الأخلاقي عن المصالحة والتشبث بما يسميه بالغبائن السياسية والعاطفية الموروثة من الأحداث الدموية العائدة إلى يوليو 1971. وفي حين يزكّي عبد الله موقفه المعبّر عنه في خطابه الموجّه إلى اللجنة المركزية–وفي ما كتبه هنا أيضا- ويعليه على موقف الحزب الذي يدمغه بمثل هذه الأوصاف الواردة في كتابته الأخيرة هنا في هذا الرابط مثل:

وأصبحت المساومة عندهم عاراً ماركسياً بنص الشاعر أمل دنقل: 

لا تصالحْ! 

..ولو منحوك الذهب 

وهجروا فقهها الماركسي. فلم يُرَوح عليهم شعر فردريك إنجلز فيها: 

البعض يقول لا مساومة أبداً. إنها سذاجة أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهانا نظريا. 


ناهيك عن قبس اللينينية التي اسعفتنا خلال الممارسة فسوغت لنا دخول المجلس المركزي بفقه قد يجده عبد الجبار في "كتاب ثورة شعب". لقد قرأنا "عن المساومة" للينين على معلمها الأول راشد فلا تأتيني بسيرة ناس متلك متلك.

وفي مقابل هذا اللغو الذي لا يرمي إلى شيء سوى "تسويق الذات" self- promotion and marketing وهو ما لا ينازع فيه عبد الله أبرع مندوبي مبيعات الشركات الرأسمالية الكبرى، والتسويغ لحكمة سياسية مزعومة مدعّاة لم يبلغ شأوها العقل الجمعي للحزب في ذلك الظرف التاريخي المعقّد الذي تضافرت فيه كل العوامل الداخلية والإقليمية والعالمية للانقضاض عليه وتصفيته، أنشر هذا الجزء من وثيقة

الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة السياسية
جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن


دورة اللجنة المركزية
أغسطس 1977م

فترة سياسية جديدة في أزمة النظام



بإعلان فتح باب التفاوض للصلح بين السلطة وقيادة أحزاب الجبهة الوطنية تحت شعار المصالحة الوطنية، تدخل بلادنا فترة سياسية جديدة، في إطار أزمة النظام القائم، تؤذن بميلاد تحالف سياسي بين قوى التنمية الرأسمالية، لتحقيق الأهداف التالية:-

إنقاذ سلطة مايو من العزلة والفشل، بعد أن ثبت عجزها لثماني سنوات متصلة في أن تستقر وتكسب ثقة الشعب.

- توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام، بتوحيد الفئات الرأسمالية القديمة والحديثة، وإعادة تنظيم أجهزة السلطة وهياكلها بما يخدم مصالحها مجتمعه، ويحمي طريق التطور الرأسمالي.

- خلق الاستقرار السياسي الذي تشترطه دوائر الاستعمار الحديث والسعودية ودول البترول والاحتكارات المتعددة الجنسيات، لحماية استثماراتها وقروضها، فوق الضمانات التي وفرتها لها قوانين الاستثمار في الصناعة والزراعة والخدمات.

-المحافظة على نمط الجمهورية الرئاسية ونمط الحزب الواحد، مع تعديلات في القوانين والدستور تسمح بحرية حركة عناصر الجبهة الوطنية في إطار التنظيم السياسي الواحد، بعد حل كيانها.

-ضمان فعالية دور السودان في الصراع الدولي في المنطقة، وفق أهداف محور الرياض القاهرة وعلاقته بالولايات المتحدة، ودول السوق الأوروبية المشتركة لتمهيد الجو السياسي لفرض التسوية الاستسلامية لأزمة الشرق الأوسط وقضية فلسطين، وضرب مواقع الثورة العربية. إعادة النظر في الدستور ليصبح دستوراً إسلامياً.

لنترك جانباً التصريحات من أطراف التفاوض، وتفاصيل ردود الفعل، وندخل في جوهر القضية:

إمكانية المصالحة بين قيادة السلطة وقيادة الجبهة الوطنية، ليست وليدة مفاوضات ومحادثات بدأت في مطلع العام الحالي، وتُوّجت بلقاء رئيس الجبهة ورأس الدولة، في 26/6/77 في بورتسودان. جذور الإمكانية كامنة في الطبيعة الطبقية للسلطة وما أفرزته من فئات رأسمالية جديدة صعدت من صفوف البرجوازية الصغيرة-البيروقراطية العسكرية، المدنية، التكنقراط، المجمعات الطفيلية- وفيما تمثل الجبهة الوطنية من كيان سياسي أوسع للرأسمالية السودانية بفئاتها الواسعة- كالتجار- ومجموعات شبه الإقطاع القبلي والطائفي التي انتقلت بثروتها ونفوذها لميادين النشاط الرأسمالي.

هذا ما ظلت ترصده اللجنة المركزية لحزبنا في دوراتها المتعاقبة منذ ردة 22 يوليو 71. ففي أول صفحات وثيقة دورة يوليو 1972م جاء ما يلي:-


"نظام ردة 22 يوليو هو تجسيد للانتصار الكامل لمصالح وأهداف قوى اليمين والثورة المضادة في السودان والمنطقة المحيطة به، في صراعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري ضد قوى الثورة الوطنية الديمقراطية السودانية- انتصار لمنهج وبرنامج طريق التنمية الرأسمالية وخضوعها لسيطرة وتمويل ودفع الاستعمار الحديث، ومصادرة الديمقراطية، وسياسة العداء للشيوعية، واستغلال الدين، واستخدام العنف بشقيه- عنف القانون والعنف الدموي- لقهر وتصفية الحركة الثورية، وتوثيق التحالف مع الأنظمة والدوائر الرجعية في المنطقة وعلى النطاق العالمي، والسير في طريق العداء للاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية وحركة التحرر الوطني.

وفي ص9 و10 من الوثيقة: "ليس هناك تناقض أساسي بين السلطة ونظامها وكل دوائر التنمية الرأسمالية في البلاد. ففي الميدان الاقتصادي قدمت السلطة أفضل ما يمكن توفيره من شروط للتنمية الرأسمالية، سواء لرأس المال الأجنبي أو المحلي..... وبقليل من التعديلات والتغيرات الثانوية في الوجوه والمناصب، والاستعانة بكوادر أكثر كفاءة، يمكن التوصل لاتفاق شامل...."

وعالجت دورة يناير 1974م موقف المعارضة اليمينية، ممثلة في الجبهة الوطنية، وبإسهاب أشارت في ص4 من تقريرها إلى:-

"المعارضة اليمينية تهدف إلى تغيير محدود من أعلى، ينحصر في إزالة قمة السلطة –نميري وزمرته- والصعود إليها بديلا عنه، مع المحافظة على الأركان الأساسية للنظام الاجتماعي"

وأشارت الدورة في ص10 إلى احتمال الصلح بين السلطة والمعارضة اليمينية فقالت: "وقد تفرض دوائر الاستعمار والرجعية العربية والأفريقية صيغة مصالحة بين دوائر اليمين في الحكومة وقسم من المعارضة اليمينية كجزء من عمليات التسوية في المنطقة العربية...."

وأكدت دورة يناير ما سبق وأشارت إليه دورتا يوليو 72 ومايو 73، من أن الجبهة الوطنية لا تطرح برنامجا مختلفا عن برنامج السلطة، وأن بياناتها مواثيقها: تتفادى الحديث عن القضايا الأساسية لتطور البلاد وجوهر أزمتها –أي قضايا التطور الاجتماعي- وهو محور الصراع الحقيقي. كذلك تتفادى المطالب الأساسية والعاجلة التي تتوحد حولها الجماهير في النضال اليومي، مما يرفع قدرتها النضالية. ولكن المعارضة اليمينية بحكم مصالحها الطبقية وأهدافها، ليست فقط لا ترغب في توسيع نضال الجماهير بل وتخشاه".

وعقب محاولة انقلاب 2 يوليو 76، لخصت سكرتارية اللجنة المركزية، في الخطاب (الداخلي) لأعضاء الحزب والبيان الجماهيري حول تلك الأحداث، ما توصلت إليه دورات اللجنة المركزية على النحو التالي:-

"برنامج ومنهج قيادة أحزاب الجبهة الوطنية ضار بتطور ونجاح معركة المعارضة الشعبية، ولا يقدّم البديل الذي تنشده الجماهير، ويخشى إن تساعد الحركة الديمقراطية الجماهيرية، لأنه في جوهره يهدف لإنقاذ طريق التطور الرأسمالي ويسعى لإقناع دوائر الاستعمار الحديث الذي تموله وتدفعه. إن قيادة الجبهة الوطنية أكثر قدرة من زمرة السفاح نميري وفئة البيروقراطية الرأسمالية والمغامرين الطفيليين على تحقيق الاستقرار المنشود وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الرأسمالي".

العوامل الداخلية والخارجية التي عجلت باتفاقية الصلح:

العامل الأول: والحاسم، نضال شعب السودان بفئاته وطبقاته الوطنية ضد تسلط مايو وطغيان حكم الفرد المطلق: ضد مصادرة الحقوق الأساسية والحريات الديمقراطية، وقهر الدولة البوليسية، ضد تجويع المواطن وتخريب الاقتصاد الوطني والعبث بثروات البلاد لمصلحة الرأسماليين والاحتكارات الأجنبية وأبُّهة الحكم، ضد التفريط في استقلال الوطن وسيادته، ضد الجدب الروحي والثقافي والتفسخ وانحدار القيم، ضد صعود الحثالة وشذاذ الآفاق لمواقع المسئولية.

وقد وجد ذلك النضال سنداً ومؤازرة من حملة التضامن العالمي، التي ما خبت لها جذوة، وما لعبته من دور فعال في تعرية نظام مايو أمام الرأي العام العالمي، وتعريف شعوب العالم بتضحيات شعب السودان لاستعادة حقوقه الأساسية.

وفي هذا النضال أسهمت أطراف كل المعارضة على اختلاف الطبقات والانتماء الحزبي والمذهبي، وتباين التصور والبرامج للمستقبل. تدافعت جموع إثر جموع من الرجال والنساء، المدنيين والعسكريين، وبكافة أشكال الصراع السياسي والعسكري، توجه اللطمة تلو اللطمة لديكتاتورية مايو: ما فت في عضد أبناء السودان وبناته حبل المشنقة وفرق الإعدام، مهانة الاعتقال ومرارة السجن، قهر الاستجواب والتعذيب.

وكانت الحصيلة النهائية، أن مايو أصيبت بالشلل والعقم والجمود، وضاقت أمامها مساحة الحركة، وما عاد لها من سبيل سوى القهر والإرهاب.

الحزب الشيوعي السوداني، يتوقف في هذا المنعطف الجديد، ويحي ذكرى كل شهيد جاد بالروح دفاعاً عن الوطنية السودانية الديمقراطية، ويقدّر صمود كل سجين ومعتقل ومشرد أسهم بقسطه في زعزعة أركان ديكتاتورية مايو.

العامل الثاني: الضعف والإرهاق أصابا الجبهة الوطنية –قادة وجماهيراً- عقب فشل محاولاتها لاقتحام السلطة، في سبتمبر 75، يوليو 76، وفبراير 77، وما تكبّدته من خسائر كبيرة في الكادر والقيادات الوسطية المدنية والعسكرية، وما لحق بقيادتها من هبوط وسياسي وأدبي وسط جماهيرها التي ظلت تتلقى الوعد صباح مساء بأن الضربة القادمة قاضية. وواجهت الجبهة الوطنية مصاعب أمام مصادر دعمها الخارجي، التي مهما بلغ استعدادها للعطاء، فإن لها مشاغلها وأسبقيات قضاياها في السياسة الخارجية، والأوضاع الشائكة المعقدة في المنطقة العربية والأفريقية.

وقد أشار (الخطاب الداخلي) الذي وجهته سكرتارية اللجنة المركزية للأعضاء حول أحداث يوليو 76، إلى هذا الجانب بقوله:

"خرجت قيادة أحزب الجبهة الوطنية من محاولة الانقلاب، خاسرة وجريحة من الناحية السياسية للأسباب الآتية: فشلها للمرة الثانية في أقل من عام في تحقيق وعدها القاطع لشعب السودان بأنها ستنقذه من تسلط السفاح نميري... وربط مصيرها بمحاور صراعات الدول العربية وهي محاور متحركة ومتقلبة لا يحكمها مبدأ... ومصادر التمويل الأجنبي لتجهيز قوة عسكرية متكاملة عدة وعتادا... وبقاء القيادة السياسية للجبهة خارج الوطن.

العامل الثالث: والذي أخذ زمام المبادرة في تقريب الطرفين نحو الصلح، واستخدام ثقله السياسي والمالي: السعودية، بدورها المباشر وبوزنها في محور الرياض القاهرة، والتنسيق بينه والسياسة الأمريكية في المنطقة، والاحتكارات الكبرى المساهمة في الاستثمارات في السودان. تضافرت جهود هذه الدوائر من مواقع منفردة ومجتمعة، وعبّرت عن تخوفها من عزلة السلطة وإرهاق الجبهة الوطنية بعد يوليو 76، وطرحت المصالحة بوصفها الترياق الوحيد أمام اتساع المعارضة التي قد يفلت زمامها وتتجه وجهة يسارية فترتبك الحسابات الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة.

لم تخرج مبادرة هذه الدوائر عن المشروع الذي تقدم به ملك السعودية الراحل فيصل في مطلع عام 72، من أن أسباب الخلاف بين النميري والجبهة الوطنية كانت الشيوعية المحلية والنفوذ السوفيتي. وبما أن النميري وجّه ضربة قوية للشيوعية (المحلية) وللسوفييت فقد زالت أسباب الخلاف والصدام. وواصل الملك خالد من حيث توقف سلفه، فأضاف حجة جديدة هي أن الجبهة الوطنية تدعو لتحكيم الإسلام، والنميري ارتضى الإسلام حكماً.

ومن منعطف آخر دخلت القيادة الليبية ضمن الدوائر الخارجية، بحكم تحالفها مع الجبهة الوطنية، وأصبح لموقفها وحساباتها في المنطقة تأثير في سير تنفيذ المصالحة، علها تخفف من أعبائها وتساعد تحركاتها.

ظروف موضوعية غير مواتية:

اصطدام تنفيذ الصلح بعقبات موضوعية، أفقدته بريق الأمل لإقناع الشعب، وأثار من الأسئلة أكثر مما قدم من من إجابة. وقفز للمقدمة سؤال كبير: ما هي الحلول العملية التي يطرحها التحالف الجديد للمشاكل المعقدة التي يواجهها البلد؟

من بين أهم العقبات:

أن نميري شخصياً أصبح مركزا لحقد مجموع الشعب، ومسئولا عن كل الجرائم والكوارث التي حلّت بالوطن. ومن ثم فإن النميري غير موثوق به كحامل لراية جمع الشمل وتضميد الجراح، ولا تؤخذ كلمته مأخذ الجد لكثرة تقلباته وأهوائه وتناقضاته.

العزة الوطنية لشعب السودان، دفعت به نحو التوجس والشك والارتياب عندما اكتشف الدور السعودي والقوى الأجنبية التي تحرك خيوط المصالحة.

الخوف والفزع اللذان أصابا الحلقات الأساسية في أجهزة السلطة والجماعات الطفيلية المنتفعة وهي تتساءل عن مصيرها وضمانات امتيازاتها ومكاسبها بل وحياتها عندما تندمج الجبهة الوطنية بقياداتها وجماهيرها في التنظيم السياسي الواحد وأجهزة الحكم المختلفة.

في أوساط أحزاب الجبهة الوطنية، وبرغم الارتياح الذي شعرت به فئات رجال الأعمال –خاصة التجار- ومشاعر الابتهاج التي عمّت الأسر التي استقبلت أبناءها وأولياء أمرها من السجون والمعتقلات بعد طول غياب، بدأ الهمس المتحفظ: لمصلحة من هذه المصالحة؟ ولماذا دخلنا كل تلك المعارك وقدمنا التضحيات؟ أين الضمان من تقلبات وغدر النميري؟ ماذا جنينا وجنت البلاد من العفو عن عبود في ثورة أكتوبر؟ صبرنا وتحملنا كل الأهوال الماضية، لماذا لا نصبر قليلا والسلطة تفقد مقومات البقاء... وسادت حالة من القلق بين جماهير أحزاب الجبهة الوطنية، وهي تكتشف خلافات وتناقضات في مواقف وسلوك قيادتها: الأخوان المسلمون يتهافتون نحو التعاون مع السلطة. وصراع الإمامة والرئاسة يطل برأسه من جديد في حزب الأمة، ويبدو الاتحادي الديمقراطي وكأنه متنازع بين قيادتين.

وتبلورت بين مجموعة كادر الجبهة ومقاتليها الذين خرجوا من المعتقلات والسجون،، وبين جماهيرها المستنيرة سياسيا، تيارات تطرح قضايا سياسية كبيرة منها:

قبول قانون العفو العام بالصيغة التي صدر بها، يعيّن ضمنا أنهم ارتكبوا جريمة يغفر لهم نميري وزرها.

قانون أمن الدولة الذي اعتقلوا وشردوا وسجنوا وعذبوا واعدموا بمقتضاه، مازال ساري المفعول، ويمكن أن يعيدهم إلى حيث كانوا.

سلطات رئيس الجمهورية في الدستور، كفيلة بإحداث انقلاب جديد يصادر كل شروط المصالحة.

إن دعوة الصلح مع الأنانيا في الجنوب لم تكن شعارات عامة ونوايا طيبة، بل شروطاً تنفذ في وقت معلوم، وبضمان دستوري، وبضمان عسكري باستيعاب الأنانيا في القوات النظامية، وإدخال ممثليها السياسيين في أجهزة السلطة.

ما هي الضمانات ضد تدخل عسكري مصري؟

حاولت السلطة تبديد هذا المناخ السلبي الذي احاط باتفاقية المصالحة، بأن أعلن رئيسها ومن بعده أجهزتها ما زاد البلبلة والتوجس، بين المواطنين، والشكوك والتحفظ في أوساط جماهير الجبهة الوطنية: خطاب 22 يوليو وخطاب 29 يوليو: مايو باقية، الاتحاد الاشتراكي باق، الدستور، الميثاق، القيادات.... وأن الجبهة الوطنية لم تقدم شروطا، وأنها قبلت الانصهار في مايو.


واستخدمت قيادة الجبهة الوطنية ترسانة كاملة من الحجج لتبديد مخاوف مؤيديها: أن الجبهة الوطنية داعية للإسلام وللسلم وقد اضطرت لحمل السلاح اضطراراً، فإذا جنح الخصم للسلم، جنحت له –أن تقاليد السياسة السودانية فيها تقاليد التسامح والصلح: تصالح السيد عبد الرحمن المهدي مع الإدارة البريطانية فرعي شئون الأنصار وحافظ عليهم من الشتات ثم بنى حزب الأمة وحقق الاستقلال، وأن ثورة أكتوبر المجيدة أعطت عبود وأعوانه كلمة الشرف بالعفو عنه وقبلته رئيسا للدولة في الفترة الانتقالية، وأن الصلح تحقق بين الأنانيا وجيش السودان وحكومته بعد حرب دامت 17 عاما –أن قبول مبادرة المصالحة يسجل لقيادة الجبهة صفة المرونة والتعقل، ويزيل الصورة الدموية التي ظلت مطبوعة في أذهان جماهير المدن عن حزب الأمة، وعن الجبهة الوطنية، عقب أحداث 2 يوليو 76، كما أن قبول المصالحة يساعد على تحييد الرأي العام داخل القوات المسلحة بعد صدامات 5 سبتمبر 75، و2 يوليو 76 –أن السودان يواجه مخاطر صراعات الدول الكبرى وواجب الجبهة حماية الوطن بأي ثمن. أن قبول الصلح يساعد على كسب الرأي العام العالمي والدوائر المالية التي ترغب في استثمارات كبيرة، خاصة في التنقيب عن البترول والمعادن –أن مايو خلقت مؤسسات للحكم طالما سعت أحزاب الجبهة الوطنية لبنائها كالدستور الرئاسي وإسلامية التشريع والحزب الواحد، وتصفية أي أثر للديمقراطية الليبرالية ولن تجد الجبهة فرصة لبناء هذه المؤسسات إذا انهار النظام بثورة شعبية –أن الدخول في مؤسسات السلطة على علاّتها يساعد الجبهة أولا في تجميع قواها والسيطرة بالتدريج على التنظيم السياسي وتسيير دفة الحكم دون صراعات دموية.

هكذا واجه الطرفان صعوبات غير متوقعة، ومناخا سياسيا فاترا ومرتابا، لكنهما يشقان طريقهما بصعوبة لاستعادة التوازن لصيغة المصالحة، ويبحثان عن بدائل للانتقال من جولة إلى أخرى، وتخطي الشد والجذب وإعادة صياغة الشروط المصاحبة لمثل هذا النوع من المفاوضات.


المصالحة وأزمة القوات المسلحة:

يتهرب طرفا المصالحة من الإفصاح عن حقيقة موقفهما من وضع القوات المسلحة، بوصفها السند الرئيسي للديكتاتورية العسكرية، لا يغير من طابعها هذا تحالف الجبهة الوطنية مع السلطة، ولا سحب الألقاب والرتب العسكرية من الضباط الذين يحتلون مناصب مدنية –سيان في الخدمة كانوا أو المعاش.

مصير القوات المقاتلة التابعة للجبهة الوطنية وأسلحتها وعتادها في المعسكرات خارج الوطن، أو في داخله –كما أعلن قادة الجبهة أكثر من مرة –مسألة ليست سهلة كالعفو العام وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء ونشاط الطوائف الدينية. إنها عقبة قائمة بذاتها، تذليلها يتطلب حل تناقضات لا حصر لها. هل تتجرد من أسلحتها طائعة مختارة وتدخل أرض الوطن؟ هل تبقى في المعسكرات في الخارج؟ هل تستوعب داخل القوات النظامية أسوة بمقاتلي الأنانيا؟ أم يتقدم أفرادها للتجنيد كلما فتحت القوات المسلحة والنظامية باب التجنيد؟ والمجموعات الكبيرة من الضباط والصف والجنود الذين سرحوا من القوات المسلحة والبوليس منذ 25 مايو 69 بتهمة ارتباطهم بالأحزاب، كيف السبيل لإعادتهم للصفوف مرة أخرى.

كشفت هذه القضية، من قضايا المصالحة، الخطر الداهم الذي أصبح يشكّله الوضع في الجيش والتخريب الذي ألحقته مايو بوظيفته القومية الطابع في حدود مفاهيم المجتمع الرأسمالي والدولة البرجوازية الحديثة:


حطمت مايو القواعد والقوانين العسكرية في التجنيد والترقيات وتوزيع القادة والوحدات بما يؤمّن بقاءها، وحولت الجيش إلى قوة للقمع المباشر لإرهاب الشعب، وحطمت الوحدة المهنية داخل الصفوف بالصلاحيات التي أضفتها على أجهزة التجسس والحلقات الموالية لها. كما سممت رفقة علاقة السلاح بالصراعات الدموية في محاولات الانقلابات المتكررة، وما خلفته من مرارة وأحقاد ومشاعر الانتقام والثأر.

وباستيعاب قوات الأنانيا وفق اتفاقية سياسية، دون مراعاة للقواعد العسكرية، أحدثت مايو شرخا في جسم القوات المسلحة والنظامية.

وتواجه الآن إيجاد صيغة وحل لمصير الجبهة الوطنية لاستكمال أسس التحالف.

هكذا نشأ وضع خطير على مستقبل تماسك الجيش وأمن الوطن، حيث يقوم الحكم، في حالة نجاح المصالحة، على تحالف سياسي لثلاث قوى: مايو، والأحزاب الجنوبية، وأحزاب الجبهة الوطنية، ولكل منها سندها الذي يحمي ظهرها في القوات النظامية.

أمام هذا الوضع تتكشف الحقائق التالية:-


المصالحة ليست ضمانا ضد الصراعات الدموية. فاتفاقية أديس أبابا سالت بعدها أنهر الدم في أحداث تمرد متعاقبة وصلت قمتها في محاولة انقلاب عسكري متكامل للاستيلاء على السلطة في الجنوب.
شعار عودة الجيش إلى ثكناته، يفقد مدلوله المقبول للجماهير، التي تفهمه كدليل على تصفية الديكتاتورية العسكرية والعودة للحياة السياسية الديمقراطية.

المصالحة والموقف من الحزب الشيوعي:


يسعى الطرفان لتصفية أي شكل أو مظهر لبقاء مستقبل للحزب الشيوعي. كلاهما يشترط حل الحزب والانصهار في التنظيم السياسي الواحد، وإلا تعرَّض من جديد للملاحقة والردع. ويخشى الطرفان، في حالة استكمال التحالف أو فشله، بقاء الحزب الشيوعي كمركز لاستقطاب معارضة ديمقراطية ثورية. وشأن الصراعات السياسية في مثل هذه الفترة القلقة المتوترة، يستخدم كل طرف أساليب الترغيب والتهديد –كلٌّ من موقعه. فالسلطة مثلا تعتبر إطلاق سراح المعتقلين والسجناء الشيوعيين والديمقراطيين ورفع أمر الاعتقال عن المختفين، ثمناً يجب أن يقبله الحزب لحل صفوفه والانخراط في الحوار والمصالحة، أما إذا رفض ذلك، يبقى المعتقلون والسجناء حيث هم، ويزداد العدد. وقيادة الجبهة الوطنية تسعى لشل نشاط الحزب الشيوعي وتحييده، ثم إرغامه فيما بعد على الانصهار في حزبها الواحد، أو الخروج من الحياة السياسية.

سأواصل

[b]
آخر تعديل بواسطة عبد الجبار عبد الله في السبت نوفمبر 12, 2016 8:52 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة العضو الرمزية
نجاة محمد علي
مشاركات: 2809
اشترك في: الأربعاء مايو 04, 2005 1:38 am
مكان: باريس

مشاركة بواسطة نجاة محمد علي »

سلام يا عبد الجبار
كتبت لي: "لقد تشككت في احتمال قراءتك لرسالة عبد الله الأخيرة التي تفضلتِ بتقديمها بمقدمتك القصيرة تلك. لأن ما يحفزني على الشك أنها مثيرة لكل ألوان المآخذ والملاحظات من "ساسا لي راسها" كما يجري القول الشعبي."
والله أن جد محتارة في فهم قصدك. أعطيتني انطباعاً بأنك تنظر إلى هذا النقاش وكأنه هلال مريخ. ياخوي أنا لا مع الأحمر ولا مع الأزرق ولا حتى مع البنفسجي. وأنا قد قرأت بالفعل نص عبد الله بمجرد أن فتحت رسالته قبل أن أنزلها هنا. فهل تريد مني أن أمتنع عن توصيل هذه الأمانة التي طلب مني عبد الله إيصالها لك وللمشاركين، لأنها في رأيك "مثيرة لكل ألوان المآخذ...إلخ؟". إن كان هذا قصدك (وهو ما تقوله كلماتك)، فهو يعبِّر عن رغبة في إسكات المخالف. وهذا شكل من أشكال القمع.
إنت موش من البداية أسميت مشاركتك هذه "منازعة"؟ إذن أقبل الدواس.
أما كلامي مع النور (إذا كان هو الذي دفعك لكتابة تعليقك)، فهو توضيح من باب الأمانة، كما أسلفت القول. فالنور، كما نلاحظ، ينتقد عبد الله في أكثر من موضع ـ وهذا شأنه ـ بأنه لا يشارك في المنبر إلا لأغراض خاصة، وهذا في رأيي غير صحيح. كثير من الأعضاء يرسلون مشاركات لهم عبر أعضاء آخرين. ولا أنشغل لمعرفة الأسباب التي تدفعهم لذلك، سواءً كانت تكنولوجية أم غير ذلك. المهم، أن المشاركات، مهما كان طريق عبورها، هي إثراء للنقاش، وتعبِّر عن حرص العضو على المشاركة.
ولعبد الله خلاف المشاركات في المنبر التي يناولني إياها أو يناولها غيري من الأعضاء، له مشاركات عديدة في أقسام الموقع المختلفة، مما ينفي مآخذ النور عليه في رأيي. مما استوجب التوضيح من جانبي، من باب الأمانة.
أتوقف هنا في ما يخص "تشكك في....إلخ". ليس زهداً في التبادل، ولكن ظرفي لا يسمح لي، وسأعود لما وعدت به.
لك وللمتداخلين مودتي

نجاة

عبد الجبار عبد الله
مشاركات: 46
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 6:54 am

مشاركة بواسطة عبد الجبار عبد الله »

سلام يا نجاة
ولك ولبولا والبنات مودة وتحايا مثلها وتزيد

شكرا على المرور والتوضيح. ولم تخطر لي بالطبع مجرد خاطرة أن أوحي بعدم نشر رسالة عبد الله ولا بإسكات رأيه لأن هذا هو عين ما ظللت أعترض عليه في أكثر من موضع من كتابتي. ولسنا جميعا في عجلة من أمرنا في موضوع هذا الحوار أو الدواس كما تسمينه
[size=24]
أضف رد جديد