إتحاد الكتاب الشاقية

Forum Démocratique
- Democratic Forum
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

2
أتفق معك في قضية منهجية هامة تتعلق بدراسة الواقع الإجتماعي، فلايكفي الإكتفاء بالتحليل الجزئي الذي يقف عند درجة ما من التجريد ولا يكمل المحدد فيعطي تصور مفهومي خاطئ للواقع، بينما المقصود منهجيا بالإنتقال من المجرد للمحدد هو محاولة إعادة تركيب الكل وفقا للعلاقات التي تكشف عن كنهه أو جوهره لذا ينبغي عند دراسة الطبقات الانتقال من تجريد الطبقات، للطبقات المحددة في الواقع، الطبقات الكلية الملموسة بكل مفرداتها الثقافية والإثنية والدينية والآيديولوجية والسياسية، فالطبقة العاملة في تجريدها هي نتيجة لتحول قوة العمل لبضاعة، بينما الطبقة العاملة السودانية، هي مجموعة الناس السودانيين باختلافهم العرقي وخلفياتهم القبلية والدينية، ولربما الطائفية، وهي في نفس الوقت نتاج تاريخ حركة الطبقة العاملة السودانية وتجاربها في التنظيم ووجود نقابات وحزب شيوعي، وهي نتيجة للصراع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من اجل حق التنظيم والاستقلال وزيادة الاجور والاجازات المدفوعة الأجر ... الخ. إن الاكتفاء بالنظر لمخطط الطبقات المجرد في السودان، لا يعطي إلا وعيا زائفا يولد تيارات يمينية ويسارية غير مدركة للواقع الملموس وغير قادرة على الاقتراب من الواقع وخوض الصراع الطبقي وسط الناس الحقيقيين لا وفقا لتصورات في رؤوس مناضلين معزولين عن جماهيرهم.
والتركيب الطبقي لأي مجتمع هو نتاج لعملية تطور المجتمع أو التغيرات التي تحدث فيه، إما نتيجة لتطوره الباطني المستقل، أو نتيجة لما يحدث من تغييرات تفرض عليه من خارجه مثل الغزو الخارجي أو الاستعمار، أو نتيجة لمحصلة من مؤثرات داخلية وخارجية معا كالتجارة الخارجية غير الممكنة الا بوجود فوائض يمكن تبادلها أو الاستثمار الأجنبي الذي يتطلب وجود شروط محلية تحقق له اقصى ربح ممكن.
ان التركيب الطبقي في السودان، مثله ومثل المستعمرات السابقة، هو نتاج لإلحاق الاقتصاد السوداني واقتصاديات تلك الدول التي كانت مستعمرة، بالسوق الرأسمالي العالمي وما تطلبه ذلك الإلحاق من سياسات مفصلة اسلوب الإنتاج الرأسمالي واساليب إنتاج ما قبل الرأسمالية التي كانت تتواجد في السودان والمستعمرات السابقة ( مفصلة هي الترجمة العربية الحرفية لمفهوم Articulation والذي يعطي معنىً أغنى من المعنى اللغوي لكلمة مفصلة يعبر عن عملية يتم من خلالها إنشاء مجموعة من علاقات التشابك في مجالات الإنتاج والتبادل والقوى المنتجة والسياسية بين تشكيلة اقتصادية اجتماعية أو اكثر تؤدي لخدمة أغراض التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الأكثر تطورا.).
ولكن التركيب الطبقي لاي مجتمع لا يتم في لحظة تاريخية واحدة ويظل ثابتا، حيث أن تكوين الطبقات وفرزها عملية تاريخية مرتبطة بتطور عملية الانتاج واعادة وتقسيم وتراكم الفوائض الاقتصادية وتقسيم العمل واعادة انتاج القوى العاملة وتدريبها وما يصاحب كل هذه العمليات من تحركات سكانية بفضل اعادة تقسيم العمل القطاعي أو الاقليمي (داخل القطر الواحد) أو الاقليمي (بين دول مختلفة في الاقليم الجغرافي السياسي أو الاقتصادي) أو الدولي. لذا يصبح مفهوم التركيب الطبقي لاي مجتمع هو مفهوم تاريخي متغير، وعند محاولة تقديم صورة ما للتركيب الطبقي فانها تعكس فترة تاريخية محددة.
ودون الدخول في تفاصيل الطبقات في السودان دعنا نأخذ من الكل الطبقي مسألة الإثنية كأحد مكونات الطبقة في السودان، فالتطور غير المتوازي الموروث من الإقتصاد الكولونيالي لم يترك طبقة واحدة تتشكل من كل الإثنيات إلا الأرستقراطية القبلية (زعماء الإدارة الأهلية وبيوتاتها)،في قمة الهرم والمزارعين والرعاة في أسفل الهرم الطبقي، ولكن حتى طبقة المزارعين، فالتطور غير المتوازي ترك شرخا واضحا بين مزارعي الزراعة المروية والزراعة المطرية، ونستطيع أن نزعم أن المزارعين في الزراعة المروية ظلوا يشكلون مجموعة إثنية متقاربة، بينما الزراعة المطرية التقليدية يشكل غالبيتها مجموعات إثنية أفريقية أما الزراعة المطرية الآلية فمزارعيها ضمن الرأسمالية الزراعية ومعظمها ذات أصول شمال وسطية تتبنى ثقافة عربية إسلامية.
أما الأرستقراطية الدينية فإن أقواها وأوسعها نفوذا هي الأرستقراطية العربية الإسلامية الممثلة في الطائقية، رغم وجود أرستقراطيات دينية محلية مرتبطة بإثنياتها. أما الرأسمالية السودانية فهي بشكل غالب شمال وسطية، عربية أو مستعربة (رغم وجود أعداد ضخمة من نوبة الشمال محس ودناقلة) ولقد بدأ ظهور عناصر ذات جذور أفريقية في الربع الأخير من القرن العشرين (زغاوة، زاندي) وخاصة في فئات الرأسمالية التجارية.
أما الطبقة العاملة فإن طلائعها في قطاع السكك الحديدية والوابورات والأشغال وقطاعات الخدمات الأخرى فكانت ذات أصول شمالية أساسا حيث كانت العوامل الطبيعية (الهدام، تفتيت الأرض بحكم الوراثة ونمو السكان) والتسليع والضرائب تقوم بمهام التراكم البدائي، ولكن كانت هناك مجموعة من الأرقاء المحررين يغذون سوق العمالة، ولم يكن العمل ألمأجور جاذبا للمجموعات الإثنية في غرب وجنوب السودان لأن سكان تلك المناطق كانوا ما زالوا يملكون وسائل إنتاجهم وأهمها الأرض للزراعة والمرعى. وقد إضطر ذلك الإدارة الإستعمارية لمحاولات جلب عمال للزراعة المروية من الخارج، وعندما فشلت المحاولات الأولى، لجأت لإستخدام أسلوب الشراكة ووضع أسس نظام "فوردي" Ford )) للعمليات الزراعية في الجزيرة وأستخدمت الدعاية والمفتشين وأجهزتهم من مآمير وغيرهم والإدارة الأهلية في جلب العمال الزراعيين من غرب السودان وغرب أفريقيا وتشجيع إنشاء كمبوات العمال الزراعيين والعمالة الموسمية من مزارعي البلدات بين عمليات مزارعهم المختلف توقيتها عن تلك في الجزيرة المروية.
وعندما ووجهت الإدارة السودانية بعد الإستقلال بقضية العمالة الزراعية عند التخطيط لامتداد المناقل لم يجد مدير مصلحة العمل غير غرب السودان مصدرا لتلك العمالة وكان الشرط الأساسي أن يبقى غرب السودان على مستوى تطوره أو على الأقل أن تستمر الدورة الزراعية به وعملياته الزراعية في نفس المواعيد ختى تتيح لمزارعيه أن يبيعوا قوة عمل رخيصة لإمتداد المناقل والجزيرة.
الطبقة العاملة السودانية تغيرت تركيبتها الإثنية كثيرا خلال الخمسين عاما من الإستقلال بفضل عوامل كثيرة أهمها التراكم البدائي لراس المال بإعتباره تجريد مزيد من المنتجين من وسائل معيشتهم بالذات (والحرب الأهلية أحد أدوات، ومن بينها التعليم الذي ينزع الشخص من بيئته فلا يتعلم زراعة ولا رعي ولا حرفة تحافظ عليه في بيئته فيضطر للهجرة بحثا عن عمل يعيش منه، لا حظ كيف يصير التعليم أداة تراكم بدائي جديدة لم يتخيلها ماركس، إذ أن النتيجة واحدة طلاق المنتج عن وسيلة إنتاجه، ولا يهم إذا نزعت منه أو نزع منها، فهو في النهاية يضطر لبيع قوة عمله).
المسألة هي هل الإستقطاب الطبقي في السودان يأخذ طابعا إثنيا: الارستقراطية الدينية والرأسمالية من مجموعات شمال وسطية مستعربة/ واغلبية المزارعين والعمال (والنازحين الذين يشكلون قوة إحتياطية للعمل تحافظ على مستوى منخفض للأجور) التي تضم كل الإثنيات مع أغلبية غير عربية؟ خاصة إذا ما أضفنا أن فئات الأفندية والمتعلمين الذين شكلوا فئات مثقفي الطبقات السائدة وبيروقراطية وقيادات دولتها اللمدنية والعسكرية يشكلون في أغلبيتهم لأسباب التنمية غير المتوازنة والتقسيم غير العادل - غير المتوازن لخدمات التعليم، إثنيا إنتماءا للمجموعات العربية والمستعربة. ولكن لو إفترضنا أن ثمة إستقطاب موضوعي وفقا للإنتماء الإثني، هل هذا الإستقطاب الإثني هو جوهر علاقة السيادة او الهيمنة /الإلحاق أو الإخضاع؟ أم أن جوهرها هي المصالح الإقتصادية؟ هل حافظت أرستقراطية وبرجوازية وسط وشمال السودان على مناطق مهمشة لأنها تريد إطضهاد أهل تلك المناطق لأسباب إثنية؟ لأن لديها شعور بالإستعلاء العرقي فقط؟ أم لأن مصالحها أستوجبت الحفاظ على تلك المناطق كمنتج للغذاء ومصدر للعمالة الموسمية الرخيصة؟ وهل عندما لجأت للإبادة الجماعية كانت تريد أكثر من الأرض وثرواتها؟
هل إنعكست الإثنية في الصراع الإجتماعي والسياسي، بمعنى هل أستخدمت كأيديولوجية لتبرير الإستغلال أو لمناهضته؟ هل أستخدم كايديولوجية لنظام السيادة او الهيمنة /الإلحاق أو الإخضاع أو لمقاومته؟
نواصل
آخر تعديل بواسطة صدقي كبلو في الثلاثاء ديسمبر 19, 2006 1:28 am، تم التعديل مرة واحدة.
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

إذا عدنا لمنهجنا الذي يرى الغابة مثلما يرى الشجر، فلا بد لنا الإجابة بالإيجاب ذلك أن التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية التي تتطور عبر مفصلة أساليب إنتاج، لا تتم المفصلة على مستوى الإقتصاد فقط، وقد ناقشت هذه المسألة من قبل في رسالتي للدكتوراه حيث عرضت أن المفصلة تتم في البنية السياسية والثقافية إلى جانب بنيتي الإنتاج والتوزيع حيث قلت
a) Political articulation that subordinate the pre-capitalist modes of production through the incorporation of its politically and economically dominant social groups, stratum and class, the articulation of tribal and religious aristocracy in the Sudan is an example of that (Chapter 2),
b) Institutional articulation which involves reorganisation, legislation and introducing managerial or administrative organs to capture, control and achieve the goals of the articulated system, the Gezira Scheme in Sudan is a good example, (see Chapter 2 below),
c) The articulation through exchange, which is not only a relation between merchant and commercial capital and the pre-capitalist producers (peasants, nomads craftsmen and women, the latter is very important where most of the domestic crafts industry was dominated by women), but it is a process in which the state plays a great role (taxation, organisation of markets, construction of infra-structure, etc.),
d) Articulation on the cultural and ideological level, in which despite the supremacy of the capitalist ideology and culture, the coexistence of social elements of the two kind of modes, leads to both modes adopting some aspects of the other's culture and ideology.

فبينما المفصلة السياسية أدت بالإحتفاظ بالأرستقراطية القبلية والدينية، نجد أن المفصلة الثقافية حافظت على قيم الأرستقراطية التي كانت سائدة في التشكيلات قبل الرأسمالية التي كانت الأرستقراطية هي الفئة الطبقية المهيمنة وهذه القيم هي التي يتحدث عنها الصديق الدكتور أبكر، بالنسبة لهذه القيم التراتب والمكانة الإجتماعية تقوم على أساس الأصل العرقي والوراثة (يعني الشخص ود منو وبت منو) ومثل أثينا وروما هناك ثلاث فئات طبقية الأرستقراطية والنبلاء، الفقراء الأحرار، والعبيد، كانت قيم الأرستقراطية السودانية تقوم على عدة تمايزات أولها بالنسبة للأرستقراطية الدينية هي الأشراف (السادة) ومرجعيتها عربية إسلامية بإيجاد نسب يوصل للنبي محمد الهاشمي القرشي، وهذه قيمة يعود إنتشارها لدخول العرب المسلمين السودان وإنتشار الصوفية، ثم ينقسم الناس لأولاد بلد أو أولاد قبائل وعبيد، وما يدعو للملاحظة أن متعلمي البرجوازية الناشئة، رغم شغفهم بأفكار البرجوازية الأوربية، ظلوا يتبنون بعض تلك القيم فأول مظاهر الصراع بين الأرستقراطية الدينية والجلابة ومثقفيها في جانب وأبناء الإثنيات الأفريقية ظهر في رد فعلهم على جمعية الإتحاد وثورة 1924، وفي تشجيع أرستقراطية الكبابيش وتعاونهم لفتح دارفور (وقد أستحق ناظرهم أن تمنحه الإمبراطورية لقب سير على ذلك)، ثم كان رد الفعل تجاه كل التحركات الإقليمية بإتهامها بالعنصرية والتعامل مع المجموعات غير العربية والمستعربة التي تحاول الإستيلاء على السلطة بإعتبارها عنصرية وإنفصالية، وهذا يصور المجموعات العربية والمستعربة على أساس أنها الوحيدة الوطنية وغير العنصرية والمهمومة بالوحدة، أي أن الوطنية السودانية توافق ما تشعر به المجموعات العربية، وقد إنعكس ذلك في كتابة التاريخ السوداني وتدريسه بحيث أهمل تاريخ المناطق الأخرى، بل أن كتابة تاريخ مقاومة الإستعمار نفسها لم يؤرخ فيها للمقاومة مثلا في الجنوب.
لم يكن غريبا أن تلجأ المهدية الجديدة لفكرة البيعة والهجرة والأنصارية والإشارة ولكتاب الراتب للإلحاق والتهجير للعمل في مشاريع الدائرة وفي معية الإمام وكلها سبل وقيم تعود لبنية قبل رأسمالية بينما الدائرة (أقصد دائرة المهدي هي شركة تجارية رأسمالية مسجلى بموجب قانون الشركات لسنة 1929) ورغم أن الختمية أساسا هي طريقة تجارية شمال وسطية إلا انها في علاقاتها بمزارعي الشمالية (الشايقية بالذات) و بقبائل البجة، لجأت هي الأخرى للفاتحة والمولد والذكر كغطاء أيديولوجي للإستغلال الأرستقراطي. صحيح أن كل من المهدية الجديدة والختمية سعيا لإستخدام وسائل حديثة في سعيهما لبناء هجمنة، بدأت منذ سعيهما لتأسيس الصحف الأولى، وفي تجنيد الخريجين ومن ثمة إنشاء الأحزاب وتنظيمات الشباب وإنشاء الصحف الحزبية. ولقد إحتفظت الأرستقراطية طوال التاريخ بجوامعها وزواياها الدينية كأحد الأدوات لبسط النفوذ الإيديولوجي، ومثلما أستعملت المهدية وكيل الإمام كمنظم وقائد في التراتيب الأنصارية، أستعملت الختمية الخليفة وكبير الخلفاء لنفس المهام (طبعا وأنت تقرأ هذا تذكر غرامشي والمؤسسات التي تستخدم لبناء الهجمنة مثل الكنيسة والإذاعة ألخ).

ونعود للحديث عن الخريجين وعن الحركة العمالية والوعي المناقض.
آخر تعديل بواسطة صدقي كبلو في الثلاثاء ديسمبر 19, 2006 1:33 am، تم التعديل مرتين في المجمل.
ÈßÑí ÇáÌÇß
مشاركات: 8
اشترك في: الأربعاء مارس 22, 2006 1:37 pm

مشاركة بواسطة ÈßÑí ÇáÌÇß »

سلام للجميع

شكر لادارة الموقع

فقط للتأكيد علي ان الموضوع فى غاية الثراء و حتما لي عودة قريبا


بكري الجاك
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

لقد تعرض مثقفون يساريون غيري لفكر الأفندية من خريجي كلية غردون ولعل أبرز المساهمات هي تلك التي تعرض فيها عبد الخالق محجوب لنشأة هذه الفئة كمعبر عن آمال وطموح فئة التجار التي توسعت بتوسع التبادل السلعي، يقول عبد الخالق في لمحات (وهو عبارة عن محاضرات عن تاريخ الحزب قدمها بقسم البحريات بسجن كوبر في يناير 1960):
"افتتحت الإدارة الاستعمارية كلية غردون التذكارية لتخريج موظفين سودانيين يعملون بأجور منخفضة في القطاعات الدنيا من أجهزة الدولة و كان خريجو هذا المعهد يمثلون آمال الطبقة الجديدة وهم متأثرون بالشعارات الوطنية العامة التي يتردد صداها في البلدان العربية وفتئذ، ونتأثرون بما يقرأون من الثقافة الغربية التي تتحدث عن الديمقراطية والحرية" ( ص 16).
وعبد الخالق في مخططه العام لم يحاول النظر لتكوين الفئة وتناقضاتها بل نظر للتأثير العام للحركة الوطنية المصرية وأثار حركات الشعوب بعد الحرب العالمية الأولى وتعامل مع جمعية الإتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض أنها "لم تخرج من حدود حركة الطبقة الوسطى في تكوينها وفي طبيعتها" (ص 18) وكيف أنها تراجعت للتحلق حول نفسها بعد فشل ثورة 1924 وكيف أن بعض أفرادها أصيب باليأس وأصبح مهتما بتطوره الوظيفي، والبعض لجأ للنشاط الأدبي الذي كان "يتجه نحو التمسك بالتراث العربي وهو بذلك كان يمثل عملا لمقاومة للإتجاه الإستعماري لهدم اللغة العربية وأدابها في السودان" (لمحات ص 24).
ويتناول عبد الخالق فشل الطبقة الوسطى في تنظيم الجماهير وإعتمادها "إعتمادا تاما على اشكال التنظيم الطائفي" حتى أن "أقساما من الجماهير اختلطت أمامها القضية فلم تعد تنظر اليها بوصفها نضالا ضد المستعمرين ومن أجل الاستقلال الوطني بل كتجمع طائفي وولاء ديني" (لمحات ص37)
ثم جاءت حلقة مثقفي ما بعد الحرب، الذين خطوا منهجا جديدا في النضال يعتمد تنظيم الجماهير في تنظيمات حديثة.
وقد لخصت أنا ذلك في أكثر من مكان، فقلت مثلا في موسم الهجرة لليمين:
" فلو نظرنا مثلا لمسالة المثقفين والسياسة منذ إتفاقية الحكم الثاني وحتى الاستقلال، فإ ننا نجد ثلاث اجيال من المتعلمين تعرضوا لظروف تاريخية، بما في ذلك النظم التعليمية، مختلفة، أدت الى تباين في موقفهم من قضية العمل الوطني عموما والعمل السياسي على وجه التحديد. فالجيل الأاول والذي تلقى تعليمه بكلية غردون و هي لم تزل مدرسة إبتدائية ووسطى، وتأثر بظروف الحرب العالمية الأولى والثورة المصرية (1991)، ووجه بخطط الاستعمار الأاولى لإستغلال إمكانيات البلاد بالتخطيط لمشروع الجزيرة وبناء خزان سنار، هذا الجيل الذي كان جل تأثره بالثقافة المصرية ولم ينفتح بعد على الثقافات العالمية، هو الذي قادت طلائعه ثورة 1924 وإنكفأ على نفسه بعد الهزيمة، ولاحقته السلطات الاستعمارية بهجمة منتظمة على المؤسسات التعليمية وبسياسة تعليمية أثرت على الجيل التالي وتكوينه الطبقي والمعرفي، وهذا الجيل الثاني أثرت فيه سياسات متناقضة: سياسة السير مافي Maffey المعادية للتعليم والمتحالفة مع شيوخ القبائل ورجالات الطائفية، وسياسة سايمز Sir Stewart Symes (Governor-General between 1934-1940) الذي ووجه بالحاجة العملية لتطوير التعليم ليمنع عودة الاداريين المصريين بعد إتفاقية 1936 . وهو نفس الجيل الذي عانى وشهد معاناة الشعب خلال الأزمة الإقتصادية العالمية الكبرى (1929-1933)، والذي نظم جزء منه إضراب الكلية الشهير، وهو جيل الفجر والمدارس الفكرية في الهاشماب وابي روف، وهو الذي أإنشأ مؤتمر الخريجين وشهد الحرب العالمية الثانية وقدم مذكرة الخريجين، ولكنه في نفس الوقت هو الجيل الذي رهن الحركة الوطنية للطائفية عندما ووجه بصعاب تنظيم الجماهير بعد رفض الادارة الاستعمارية لمذكرة الخريجين عام 1942، والذي إنقسم على نفسه بين الطائفتين مكونا حزبي الأمة والأشقاء. أما الجيل الثالث من المثقفين فهو الجيل الذي تفتح وعيه بعد الحرب العالمية الثانية وأشترك إشتراكا فعالا في مقاومة مخططات الاستعمار كالجمعية التشريعية وساهم في بناء الحركة الجماهيرية والديمقراطية الحديثة مثل الحزب الشيوعي واتحادات الطلاب والنساء والشباب والحركة النقابية، وهذا جيل تمتع اليسار بنفوذ واسع فيه."
,ونواصل
آخر تعديل بواسطة صدقي كبلو في الثلاثاء ديسمبر 19, 2006 1:37 am، تم التعديل مرة واحدة.
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

وجاءت مساهمة الراحل الدكتور خالد الكد في صياغ أكثر دقة من تقسيم الأجيال، فقد ذهب خالد للبحث عن التناقضات والإنقسام داخل الجيل الواحد، بل حتى منسوبي تنظيم واحد مثل جمعية الإتحاد السوداني.
سواء تابعت الإختلاف بين الأجيال أو ذهبت مذهب خالد فالشاهد بالنسبة لهذا الخيط من المناقشة، هو لا يمكن محاكمة المثقفين(وحتى معشر المتعلمين) بأنهم يمثلون وحدة (حتى لو إفترضنا وحدة إثنية، بل ووحدة تراث)، فالمتغيرات الإجتماعية والسياسية والثقافية أثرت على أولئك المثقفين وأدت إلى تغييرات في تركيبهم الثقافي وفي إنتماءاتهم، وبالطبع تبقى المخلصون بوعي او بدون وعي للإرث الثقافي قبل الرأسمالي، والممثل في كثير من الأحيان عن أيديولوجيا الأرستقراطية الدينية والقبلية. بل أن حتى بعض المستنيرين من مثقفي البرجوازية السودانية أرتدوا للفكر الديني للدفاع عن إمتيازاتاهم في مواجهة نهوض اليسار في الستينات، بل أنهم كانوا بصدد فرض الدستور الإسلامي في مسودة الدستور المسمى بالدائم في عام 1968.
ولقد إستعان اليسار في محاولاته لهزيمة الفكر اليميني وفي إستنهاض الجماهير ببناء منظمات للمجتمع المدني حديثة، كان عبد الخالق يقول للشيوعيين: أعطوا الجماهير نافذة يطلون عن طريقها للمستقبل، اعطوهم فرصة ليدركوا إمكانية قوتهم عندما يأخذوا مصيرهم في أيديهم، لذا كانت إتحادات الشباب والنساء والتنظيمات الإقليمية والقبلية وإتحادات الفنانين والكتاب والجمعيات والأندية الثقافية والجمعيات التعاونية والخيرية تنشأ بمبادرة وتجد التأييد منهم عندما تنشأ بمبادرة الجماهير.
إتحاد الكتاب السودانيين الذي تأسس بمبادرة مثقفين ديمقراطيين وشيوعيين ومبدعين لا ينتمون لفكر سياسي أو تنظيم سياسي، هو احد هذه التنظيمات الحديثة، التي تسعى للتحرر من التراث الأرستقراطي القبلي والديني ، رؤساءه الثلاث: جمال محمد أحمد، علي المك ويوسف قضل أرجلهم ثابتة في البحث في التراث الأفريقي تاريخا وأدبا.
ولكن ليست القضية من يرأس الإتحاد ومن في لجنته، يظل أمام الإتحاد واجب نقل الوعي بقضية الهوية لبرنامج عمله، فأنا رغم كل ما كتبته لا أرى سببا لهيمنة نشاطات المثقفين العرب المدعوين من الخارج على نشاطات الإتحاد في السابق، المسألة ليست سوء نية، إنما إستسهال وعوم مع تيار ما يطلبه الجمهور، بينما الدور الريادي يتطلب الوعي بالتعددية الثقافية التي تتطلب تعدد العلاقات الثقافية.
في تقديري هذه المسألة يمكن طرحها بدون إتهام الإتحاد بأنه إتحادا للشايقية.
آخر تعديل بواسطة صدقي كبلو في الثلاثاء ديسمبر 19, 2006 1:42 am، تم التعديل مرة واحدة.
صدقي كبلو
مشاركات: 408
اشترك في: الأربعاء مايو 11, 2005 9:02 pm

مشاركة بواسطة صدقي كبلو »

أرفع هذا البوست حتى يتسنى للأستاذ محمد حسبو والأصدقاء المشاركين في نقاش الطبقات معرفة بعض آرائي في مسألة الطبقات وطبعا هذا لا يغني عن مشاركتي في النقاش هناك.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[quote="حسن موسى"

نهايتو، لا تعليق على تعليق عصام جبر الله سوى أن " حسد الناس مذاهب" و فيهم من يحسد البرنس على سواد وقعته.
لقد شنّعتما ، يا أبابكر على كمال الجزولي، أنت و أخوك الكاشف البرنس، أسوأ تشنيع حين طاب لكما استخدامه ضمن استعراض أخرق فحواه اقتسام المشهد بين من يدافع عن كمال الجزولي و من يهاجم كمال الجزولي. عشنا و شفنا كمال الجزولي الذي أنفق زهرة العمر يدافع عن الشرفاء في السودان، و في أحلك شروط القهر السياسي، ينمسخ رهينة طيّعة تتنازعها أيدي حماة العربنة و حماة الزنوجة المتحالفين سرا بذريعة الانتماء للجيل" البان جديد"، و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
لكن يا" أبابكر"( تزوغ وين من اسم زي ده؟)، ده كلو كوم ،و قولك بأنك لم تقرأ أبراهيم اسحق الاّ في الالفية الجديدة ،كوم تاني. فهذا اعتراف لا يليق بقدر من يتنكب الدفاع عن ابداع أهل الهامش لأن ابراهيم اسحق في المشهد الادبي المعاصر يَمثُل كأحد أنصع ايقونات "ادب الهامش"، ان سلمنا بهذا المصنّف المريب في حق ابراهيم اسحق. تقول :" و كاتب مثل ابراهيم اسحق مثلا فأنا لم أقرأ له الا رواية واحدة في الالفية الجديدة و بحكم عملي في مركز الدراسات السودانية ".
ترى من أي هامش " جاء هؤلاء الناس؟" الذين يتأففون من ماركس و ينظّرون في ما بعد الحداثة ثم يجاهرون بجهلهم بأدب السودانيين؟
و كيف أوكل اليك حيدر ابراهيم علي ـ الشاقي القح ـ مسئولية التحرير في" كتابات سودانية" و أنت لم تقرأ شيئا لكاتب سوداني في أهمية ابراهيم اسحق؟
أبكر يا أخانا الذي في امريكا الشمالية ذات العماد..
لعلك لاحظت اني قاومت رغبة عارمة في قفل هذه الفقرة من كلامي بعبارة أمي المفضلة " يا النبي نوح"، و ما ذلك الا لقناعة خفية من كونك ، مع الزمن ، قمين بتجاوز كل هذه المؤاخذات التي لمستها بين ثنايا نصوصك المبذولة على محاور السياسة و الادب في بلادنا.و أنا في انتظار ما قد يجيء من طرفك و سلام.
حسن

[/quote]
ياله من رد
صورة العضو الرمزية
محمد أبو جودة
مشاركات: 533
اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2012 1:45 pm

مشاركة بواسطة محمد أبو جودة »

ياله من رد



أتعني أنّه قد ألقـَمـَه حجرا ...؟

الأكرم عبدالله، لك التحايا
وأذكر أنني حينما كنتُ أطالع تلك المحاورة في فجرها أو فلنقُل رُبع ال2006 الأول، كثيراً ما افتَهمتُ ما استشكل عليَّ من رائعة "الحسن" ..

صاقعة النّجِم ال بحمي الشهادة والنَّضِم! هو "أو" داك الليلة" من السوط ما بِهِم! وحَميان الشهادة "غير التّامّة، ليسه بِمُضِرٍّ! وكذلك ال"نضمة" ..

ومَنْ يدري، أن السّوط، ربما كان تلك: "الهوينة"؛ والتي ما تزال تُزيد واقعنا إمراراً على إمرارِه ..!


يالنّبي نوح..





ودمتَ




---
صورة العضو الرمزية
ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí
مشاركات: 433
اشترك في: الجمعة سبتمبر 11, 2009 12:33 am

مشاركة بواسطة ãÍãÏ ÚÈÏ ÇáÎÇáÞ ÈßÑí »

العزاء الحار لال مدثر وللشعب السودانى .
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

محمد أبو جودة كتب:
[color=red][size=18]ياله من رد



أتعني أنّه قد ألقـَمـَه حجرا ...؟

الأكرم عبدالله، لك التحايا
وأذكر أنني حينما كنتُ أطالع تلك المحاورة في فجرها أو فلنقُل رُبع ال2006 الأول، كثيراً ما افتَهمتُ ما استشكل عليَّ من رائعة "الحسن" ..

صاقعة النّجِم ال بحمي الشهادة والنَّضِم! هو "أو" داك الليلة" من السوط ما بِهِم! وحَميان الشهادة "غير التّامّة، ليسه بِمُضِرٍّ! وكذلك ال"نضمة" ..

ومَنْ يدري، أن السّوط، ربما كان تلك: "الهوينة"؛ والتي ما تزال تُزيد واقعنا إمراراً على إمرارِه ..!

يالنّبي نوح..

ودمتَ


---


الأكرم الأستاذ " محمد أبو جودة "
تحية طيبة وود كثير

لم أتعجب بقدر ما تعجبت من غياب الروائي المخضرم ( إبراهيم إسحق ) من ذواكر الأدباء السودانيين .مما حفزني من فتح ملف عنه في سودانيزأونلاين بعدما
حصلت على تسجيل يو تيوب كامل لحلقة في النيل الأزرق مع الروائي " إبراهيم إسحق " على هذا الرابط :
https://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/s ... 1350318293[/color]*
دمت بألف خير



.
عمر التجاني
مشاركات: 228
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:28 pm

لكم التقدير

مشاركة بواسطة عمر التجاني »

يدور هذه الايام تفاكر اكثر حدة في مواقع اخرى لا أرغب في نقلها هما أو الإشارة إليها وقد يكون البعض قد صادف جزء منها وبما ان هذا الخيط هو مساهمة جد راقية آثرت أن أنقله لكم واضعه في الواحهة اتمنى على الدكتور ابكر أن يتمكن من المداخلة.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


كتبت في ردي على ( أبكر ) عام 2005 في سودانيزأولاين :
عزيزنا

إنك تكتب بالعربية هنا وتكتب بعض المصطلحات الإنجليزية ،
أين هي لغتك المحلية ، لتعرضها لنا في السماء ،
إذ لا يوجد من يقهر ثقافتك أو لغتك أو طعمك الثقافي ؟


رد (أبكر )

بعدين ليه حكم قرقوش دة يا شقليني ياخي!
أكتب بالعربية والإنجليزية عشان لغة العبد لله المسكين اتلحست بين الآولانية بتاعة الاستعمار القديم والتانية بتاعة الاستعمار البعديهو
عايز تعمل إثبات ضدي بجنية غيري!؟
يا شقليني ياخوي التكتيك بتاعك دة صدقني ما بنفع - دة كان نافع زمان لأنو ناس أبكورة ديل كان إسمهم "عبيد السيد عبد الرحمن المهدي"
وبالمناسبة دي لسة في ناس قاعدين هناك في الدايرة ما تساعدونا يا جماعة عشان نحررهم - مش تجو تدينوهم عشان صوتوا لي سيدهم: إنتو عايزنهم يصوتوا لي منو؟


https://sudaneseonline.com/board/43/msg/ ... 32801.html
أضف رد جديد