ناس الخرطوم

Forum Démocratique
- Democratic Forum
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

أحمد ماطر

مشاركة بواسطة حسن موسى »



8 ـ
أحمد ماطر

طوال العقود الثلاثة الماضية كان حسن شريف مستوحشا وسط زحام الحروفيين من كل فج [ العروبيين و الإسلاميين]، لكنه ظل أمينا لمنهجه التعليمي و لصناعته الفريدة. و اليوم يبدو أن إنحسار المد الحروفي قد كسب لحسن شريف رؤية جديدة وسط الجيل الأصغر سنا من فناني بلدان الخليج.و أنا أقول قولي هذا من باب الرجم بالغيب، كون معلوماتي عن الأجيال الأصغر سنا ضعيفة أو قل: غائبة تقريبا . لكن جولتنا في صالات " مؤسسة الشارقة للفنون "
https://www.sharjahart.org/ar/exhibition ... ing-events

منحتني زاوية نظر جديدة لنموذجين جديرين بالتأنـّي بين فناني الجيل الأصغر المتحركين داخل المشهد الفني لمنطقة الخليج.
بين " العثور على 100 قطعة" ، معرض الفنان السعودي أحمد ماطر[ من مواليد 1979]،المهموم بأشياء الحياة اليومية كمستودع لذاكرة جمعية لمجتمع مكة ، و معرض عبد الله السعدي الطوبي المهموم بسيرة الأرض، نوع من قرابة جمالية تؤدّي بالمشاهد نحو عمل حسن شريف الذي عبّد الطريق لهؤلاء الشباب الجامحين، و بعفوية كبيرة ، عن قيود و عادات الفن القوموي. وهم ،على أثر حسن شريف ،أو على آثار غيره من الفنانين المعاصرين، يطرحون ذواتهم كفنانين ذوي سيادة جمالية عالية تجعلهم يتعاملون مع إنتاجهم كأولوية وجودية، قد لا يشكل الهم القوموي في ثناياها حظوة خاصة، دون أن يعني هذا الموقف ، البالغ التركيب، استبعاد هم الهوية القومية [ أو الدينية] بشكل نهائي من مكونات عملهم .
طبعا هذا التعميم يفرض علينا فرز هذا من ذاك. فمن جهة أولى هناك أحمد ماطر، الذي يدخل من بوابة الفن المفاهيمي الكبيرة،مستصحبا أدوات المؤرخ الآثاري و الباحث الأنثروبولوجي، ليطرح ، في هذا المعرض، عملا يحتفل بنوع من هوية ثقافية قومية سعودية نواتها المكان المقدس: مكة ، بكل العواقب السياسية و الرمزية و الجمالية المترتبة على نزوع الطبقة الوسطى السعودية للإنفلات من قبضة الطوائل الآيديولوجية الصارمة لحركة وهابية كونية التوجه،و ذلك لأن أحمد ماطر ، مثل معظم الفنانين و الأدباء السعوديين المعاصرين ينخرط في مباحث الهوية الوطنية السعودية ضمن زخم الدفع السياسي لطبقة وسطى حضرية تتحرق شوقا للإندماج في رفاه ثقافة معولمة تحبـّذ الإعتدال ضد إسلام التطرف العقائدي، و تعرف أن ثقافة العولمة ستفسح للنزعة الوطنية هامش تعبير مشروط باحترام مبادئ السوق كالإلتزام بإتفاقيات الطاقة الإستراتيجية مع القوى الصناعية و الإمتثال لمبادئ منظمة التجارة الدولية و احترام حرية التجارة و حرية التعبير و حرية الإعتقاد لغاية مراعاة حقوق الإنسان إلخ..و احمد ماطر هو ابن طبقته المخلص، يبحث و ينبش و يجمع و يصنف كل قرينة نافعة في تشييد صرح الهوية الثقافية لطبقة وسطى انتزعت لنفسها حق القوامة المادية و الرمزية لهذا المجتمع الجديد الذي تخترع له ماضية و مستقبله من واقع هيمنتها و من خامة امتيازها المتنامي. و لا عجب فأحمد ماطر من الفنانين السعوديين الذين ترعاهم السلطات السياسية لأنها ترى فيهم حليفا ثقله الرمزي مهم في المنازعة الآيديولوجية الجارية بين "المعتدلين" و حرس المؤسسات السلفية الذين يخوضون آخر معاركهم للحفاظ على امتيازات و سلطات في سبيلها للإضمحلال .فحين يفتتح الملك عبد الله بن عبد العزيز المعرض الفردي لأحمد ماطر و يلقي خطابا ييتوجه فيه بالقول لأحمد ماطربأن " الشبان مثلك يشكلون جزءا أساسيا من مستقبل المملكة العربية السعودية" فإن السلطات بمثل هذا الموقف تختار الفن كأرض مواتية للمواجهة مع حرس الثقافة السلفية، و هي أرض غريبة على القوم لأن خبرتهم بشعابها محدودة مثلما أن حيلتهم على المناورة السياسية داخلها منعدمة تماما.و موقف السلطات الملكية في مشهد الفن يمثل نوعا من إشارة خضراء لكافة القوى " التقدمية" [ أيوه التقدمية! ] في المجتمع السعودي المعاصر لتصطف في مواقعها وراء السلطة الملكية.[ أنظر المقابلة التي أجراها هنري هيمنغ مع أحمد ماطر في 2008 على الرابط
https://universes-in-universe.org/ara/na ... hmed_mater

تقول وثيقة المعرض أن " " العثور على 100 قطعة" يشتمل صورا و اشرطة فيديو و قطع مختلفة و مواد بحثية جمعها أحمد ماطر ليؤرخ ماضي مكة بالنسبة لهويتها الحالية ".."و هو عمل مستمر سينتهي بإنتهاء عمليات التوسع الشامل ". طبعا وثيقة المعرض متفائلة، أو بريئة ، لأنها لا تربط مشاريع التوسع في المدينة المقدسة بمصالح [ و بمطالح ] الجهات التي تستثمر في منظور توسّع بلا حدود. و في هذا الأفق فموعدنا مع أحمد ماطر في نهاية كل عقد، ذلك لأن أحمد ماطر ـ أطال الله عمرة ـ سيجد نفسه ، في نهاية كل عقد، أمام مشكلة إختيار أو/و إستبعاد الأشياء الأكثر كفاءة على حمل أثقال ذاكرة جمعية مُضْمـَحـِلـَّة و مذوَّبة بالتدريج في المواصفات الموحَّدة لثقافة العولمة .في هذا المنظور يبدو أحمد ماطر كمن ورّط نفسه في إشكالية بلا نهاية ، أعني إشكالية تعريف المنهج المناط به فرز الأشياء القمينة بتلخيص و تصنيف تخلـُّقات الذاكرة الجمعية لمجتمع سعودي معاصر يلهث وراء التغيير.ذلك لأن فرز أوعية الذاكرة الجمعية لمجتمع مسلم ملغوم بأسئلة الصراع الطبقي المعرقن،[ بين الكافلين و المكفولين ] و المجندر [ بين النساء و الرجال]، يفرض على الفارز تعريف موقفه بين الفرقاء.و هنا تفقد الأشياء العادية المبسوطة في المعرض،بوصفها قرائن أنثروبولوجيا مادية ، تفقد براءتها السياسية لتندمج في أدوات المنازعة الطبقية المكتومة ، باعتبارها آلات قتال آيديولوجي تستمد كفاءتها من قدرة كل فريق على استثمار محمولاتها الرمزية..
أنظر ايضا الروابط:
https://www.artsgulf.com/news.php?action=show&id=571


https://www.alwatan.com.sa/culture/News_ ... eID=117909

[ من "أثريات " مكة: صورة تمثل الحجاج في مكة في الخمسينات ]


صورة



سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

عبد الله الطوبي

مشاركة بواسطة حسن موسى »


9 ـ
عبد الله الطوبي:
" .
أما الفنان الأماراتي عبد الله السعدي الطوبي، فهو رغم انخراطه الظاهر في مسار الفن المفاهيمي المعاصر ،إلا أنه يطرح فرصة إحتمال نسخة " بدائوية " داخل فضاء الفن المفاهيمي الذي يقدّم الفكرة على الصناعة أو كما جرت عبارة مولانا "جوزيف كوزيوت" المفاهيمي المنظر:
« Art as idea as idea »
و ترجمتها " الفن كفكرة من حيث كونه فكرة ". و أنا أستخدم العبارة " بدائوية" أو " بريميتيفيزت " ، هنا ، بالإحالة لتيار الفن الـبدائوي" بريميتيفيزم "
primitivisme
الذي ظهر في القرن العشرين كأحد تعبيرات الفن الحديث [ و هو غير الفن البدائي " بريميتيف "] أنظر:
Colin Rhodes,Primitivism and Modern Art,1994, Thames&Hudson, London
والبدائوية المفاهيمية التي اتوسمها في عمل عبد الله الطوبي تجد مشروعيتها الجمالية في العفوية البريئة التي يصعـّد بها الطوبي اشياء والدته الأمية لمقام الآثار الفنية التي تستحق الإحتفاء. بل أن الطوبي يدمج أشياء والدته في مشهده المفهومي بأسلوب مفعم بعواطف الحب و الحنين بما يهيئ، المشاهدين،لأن يتقاسموا معه أمومة هذه الأم الفنانة التي اخترعت كتابة شخصية فريدة تقول ما لا تطاله الكتابة الرسمية. و هذا موقف نادر الحدوث في فضاء الفن التشكيلي المعاصر سواء في في بلدان الشرق الأوسط او في غيرها.
بعد وفاة والدته في 26/7/2013، يكتب الطوبي في كتابه " رسائل أمي"[1998ـ2013]: " ما تركته أمي للبشرية هو أكثر أهمية لهذا الإنسان من الإرث و الممتلكات. إنه وسيلة الإتصال القديمة، مبنية على عمق ثقافي و حضاري ضارب بجذوره في التاريخ في كل القارات و" أشياء" أم الطوبي المعروضة هي في الحقيقة حجارة أو أغصان أو أعواد جافة أو قطع من الكرتون أو البلاستيك أو المعدن، تعودت أم الفنان أن تتركها على الباب حين تزوره في فترات غيابه عن مرسمه ، كعلامة على مرورها.و كلما عاد الطوبي لمرسمه و وجد أمام بابه إحدى هذه القطع، فهم أن أمه حضرت و لم تجده. جمع الطوبي أشياء أمه و عرضها كشفرة خاصة بهما و كخطاب عامر بالعاطفة و برمزية عالية موغلة في القدم.


صورة


و مثلما كانت رسائل أم الطوبي نوعا مشاترا في كتابة الحضور العاطفي لهذه الأم الفنانة فإن خرائط الطوبي تطرح إحتمالا مفارقا في التأسيس لجغرافيا عاطفية ترسم صورة جديدة للأرض و تطعن في نزاهة الجغرافيا الرسمية المهيمنة.
و الطوبي الخرائطي يمثل، هنا ،كوريث تشكيلي معاصر لأدب الرحالة الذي يجوب الصخر بالواد و يغنم من الأسفار تلك الفوائد غير المتوقعة. فكأنه على هدي القديس أوغستين الذي قال : " العالم كتاب، و من لا يسافر لا يقرأ منه سوى الصفحة الأولى". و الطوبي مسافر نموذجي لأنه لا يكتفي بالسفر في صفحات كتاب الكون الكبير ، بل هو يجلب لنا الخرائط التي رسمها في رحلاته فننظر فيها و نسافر على أثره بدورنا. و خرائط الطوبي أكثر دقة من الخرائط الرسمية لأنها لا تكتفي بسرد سيرة الجغرافيا الطبيعية فحسب بل هي تسرد سير الجغرافيات الأخريات الرمزيات و النفسيات التي تتخلق في خاطر المسافر و تعلق بذاكرته. و خرائط الطوبي أكثر أكثر أمانة من الخرائط الرسمية لأنها خرائط بريئة من شبهات النهم السياسي الذي يلازم خرائط الجغرافيا السياسية التي تفرض فحشها الطبقي على المغلوبين في تجليات صراع الطبقات على الأرض.
و الخرائط ـ في نهاية تحليل ما ـ هي تصاوير مصنوعة و مبذولة لتأويلات المؤولين الذين يؤولون و يراعون مصالحهم المادية و الرمزية.و في هذا فهي ابعد ما تكون عن البراءة و الحيدة العلمية التي تتظاهر بها. فالناس عادة يرسمون الخرائط ليوضحوا عليها الأرض التي تحت سيطرتهم، أو الأرض التي يطمحون للسيطرة عليها.و تاريخ نزاع الشرق الأوسط ، مثلا،عامر بالشواهد على مركزية التصاوير الخرائطية في الصدامات الدامية بين اسرائيل و معارضي سياساتها التوسعية.و اسرائيل من أفضل الأمثلة على نوع الدول النادرة التي لا تملك خارطة نهائية لحدودها، لكنها ما زالت قادرة على ارسال جنودها ليموتوا أو ليقتلوا الآخرين بسبيل اعادة رسم خريطتها السياسية!.
لكن شهادة المسافر عند الطوبي لا تقتصر على خرائطه التي تسحر الناظر ببراءتها الظاهرة، ربما لأن الطوبي يسافر على اسلوب أهل البادية الذين يقطعون الفيافي مشيا على الأقدام. هذا المسافر المشاء يمنحنا مجموعة النعال الحجرية البديعة التي تتضافر فيها هشاشة البلاستيك مع صلادة الحجر لتهب المشاهد نوع من آليغوريا سامية لحال هذا المجتمع العربي الذي يزاوج ثقافة التقليد الشرقي قبل الرأسمالي مع قدر العولمة المسموم الذي ينتظرنا في نهاية مطاف النسخة الأوروأمريكية من حداثة رأس المال.
[ صور الخرائط]


صورة




صورة


[ صور النعال الحجرية] .




صورة


سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

مصطفى و نجوى و " ساندريللا".

مشاركة بواسطة حسن موسى »

صورة





10ـ
مصطفى و نجوى و" ساندريللا"

قال لي مصطفى في الهاتف أن الفندق قريب من البيت.و وصف لي حيث يسكنون بالطريقة السودانية تطلع على يمينك و تمشي لغاية محل الحلواني جنب القهوة بتاعة "ستاربك" و بعدها عمارة تحت التشييد و تمر تحت تعريشة بتاعة سقالات لغاية ما توصل مدخل العمارة و بعدين تاخد يمين و تطلع لغاية الطابق الالف.." و أنا في المصعد تذكرت نكتة الطفل الأمريكي الذي اصطحبه والده لزيارة نيويورك فأخذا المصعد لقمة مبنى الـ "أمباير ستيت". أثناء الصعود سأل الطفل والده:" الله عارف إنو أنحنا طالعين ليهو؟". حين حكيت هذه النكتة في مجلسنا العامر حكوا لي منها ثلاث روايات متنوعة. يبدو ان تجربة المصعد تنطوي على بعد روحي غميس يغمر الصاعدين أو الهابطين بطريقة لا يستطاع تجنبها. و لا عجب فنحن قوم نشأنا على هندسة كونية مضمونها الديني يجعل من فعل الصعود نجاة بينما الهبوط عودة لشرط "أسفل سافلين". طبعا هذا لم يمنعني من الإحساس بطمأنينة كبيرة كلما وصل المصعد الأرض .أو كما قال : " رأيت الأرض أثبت منك ظهرا " [ بشر بن عوانة ]. من شرفتهم تستطيع مشاهدة مواقع المدينة المهمة فكأنك تنظر لخارطة "قوقل إيرث" من عل. و يشرح لي مصطفى : هنا تحتنا مباشرة دي ميادين النادي العربي و أهو داك عمْر بلعب باسكت بول،[ معليش يا عمر ، ماعندك طريقة زوغان، بيق بروذر إز واتشنق يو.!] ..و هناك بعد العمارة العالية ديك، العمارة بتاعة ناس السر حسن، ممكن تكورك ليهو من هنا بسمعك، و من الناحية دي تميل شوية كدا حتة ناس عبد القادر المبارك ،و لو طلعت من هنا بي ورا عديل بتوصل لحي ناس النور و سيدة .و بينما نحن في "و هكذا دواليبك" ، كان الصحاب يتقاطرون و المجلس يتضخّم. أخرجت كاميرتي و شرعت في تصوير الجميع . شرحت لهم أن باتريسيا محتاجة لوثائق فتوغرافية واضحة عشان تقدر تفرز الناس " و تعرفهم بسيماهم " عشان حكاية الأسماء شبه المتطابقة تجعل البقر يتشابه عليها. و معها حق فهناك أربعة اشخاص يتحدثون معها في الهاتف جميعهم اسمهم " صلاح حسن! و أنا أحكي لها عن شخصين اسمهما عثمان الخير و اثنين آخرين يحملان اسم منعم الخضر أما عن محمد أحمد و محمد الحسن و محمد علي فحدث ولا حرج!
فجأة دخلت عزة بسفنجة حمراء عملاقة في شكل شوكة و ملعقة.


صورة


جاء في الأثر " لا يفل الحديد إلا الحديد"! و قد نجتني الفكاهة المضمنة في سفنجات عزة من وطأة نعال الطوبي الحجرية الثقيلة التي تعقبتني و ارهقت خاطري طيلة النهار.هذه و الله سفنجة تحفة، و قيل " ريدي ميد " على نهج مولانا "مارسيل دوشان" ،[ أمشي قوقلي مارسيل دوشان ينوبك ثواب]
Marcel Duchamp
، فحافظي عليها و و كمان عضي عليها بالنواجذ ، و لو لقيتي طريقة سوّي ليها برواز و قدميها للغاليريهات الفي مركز دبي التجاري بوصفها احتمال في الفن المفاهيمي المعاصر، و ما تنسي أعملي ليها عنوان ممكن يكون " سندريللا " . بس حافظي على جديتك و أوعك تضحكي ! عشان الفن المفاهيمي حاجة جادة ما فيها ضحك ، و لو قدرتي اظهري الحزن و الإكتئاب على مصير الكون و الرزق على الله.

سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

سيدة "الخدرا" و النور اللحمر

مشاركة بواسطة حسن موسى »



11 ـ
و سيدة الخدرا
اصرا على أن يلتئم الشمل في دارهم العامرة فذهبت مع مصطفى و نجوى و عرّجنا على السمّاك و انتقينا سمكا لسهرتنا و انطلقنا لا نلوي على شيء حسب العبارة العجيبة !طبعا في حي ناس النور لوينا على أكثر من موضع لنجد موطئ عجل لسيارتنا بعد لأي ، ثم دخلنا دار النور لنجد طُبطـُبْ في انتظارنا في الصالون الواسع فجلسنا و زاد عددنا بوصول اسمعيل الفحيل و سيدأحمد العراقي من أبوظبي، ثم وصل أحمد العربي و خالد كسلا و عبد الخالق، و في عز هذا الفرح الغامر الذي رد لنا شبابا كان قبل آلاف السنين دخل شاب "إخيدر " وسيم رياضي الطلعة تحت طاقيته الجامايكية تبدو ضفائر الراستا فحيانا بأدب و غاب. فقال لنا النور: دا فلان ،" ولدنا الصغير". يا رب إفريقيا و آسيا!فكأني أرى ميمان بسبب ذلك الشبه الغميس الذي أراه في اولاد اصدقائي! ترى ما الذي يجعل اولادنا و بناتنا يتشابهون لهذا الحد؟ هل هي التربية الروحية التي أورثناهم إياها من واقع تجربتنا الوجودية المشتركة؟ أم هي صدفة بريئة من صدف الوجود الكثيرة المتواترة كما النكات التي تتناسل عفو الخاطر؟ أم هي مؤامرة طفولية جمعية مقصود منها زغللة بصائرنا المتهالكة؟ ردتنا عبارة النور القصيرة لمفعول الزمن الواقعي المؤلم حيثنا مجرد عصابة من العواجيز في مجلس الذكريات البائدة نفتي في إصلاح العالم و نتوعد الطغاة بالثورة و الثبور ونراوغ الكوليسترول و نفاوض ضغط الدم و نحتال علي ضيق الفكرة بتوسيع العبارة، بينما الشباب الناهض ماشي على مهله يغني و يلعب و يعمل و يخلق و يجاملنا بالتحية قبل أن يختفي في شعاب الحواسيب و يتركنا مع كان و أخواتها و إنّ أخوانها! ألا ليت الشباب يعود يوما فنقبقبه و نفرض عليه الإقامة الجبرية بين ظهرانينا مدى الحياة! شايف؟
المهم يا زول كنا في بهجة مجلسنا المجيد و النور يصر علينا أن نتناول المزيد من عصير الليمون البارد و لم نلحظ غياب سيدة الذي طال. ثم حانت في مسلسل القفشات فجوة من النوع الذي تنفذ منه للحمام و تعود دون ان يفوتك شيئ من درر الونسة، فاسرعت، و في طريق عودتي لمحت سيدة و كأنها " سيفا"، الآلهة الهندية ذات الأذرع الثمانية، يد على لوحة مفاتيح الحاسوب تنجز بعضا من عمل مستعجل و أخرى تعالج محتويات المراجل التي تغلي و تشيع في فضاء الشقة روائح الطعام الشهي و ثالثة تبحث في خزانة معلقة قصادها .أدركني احساس مبهم بالخجل من كوننا استمرأنا مجلسنا في الصالون و في عقيدتنا الذكورية أن العشاء سيهيئ نفسه بنفسه و سيضع نفسه على المائدة و سيدعونا للأكل. قلت لسيدة إن كان في وسعي المساعدة فأنا رهن الإشارة " عشان انا و أخوي الكاشف[ " طبطب ] " عويننا" الخواجيات ديل أدّبننا بأدب حقوق الإنسانة و عوّدننا على" الخدمة". مرة ،في صيف 1984، دخلت أمي و أنا في مطبخها أعد لنفسي بيضا بينما باتريسيا ـ و قد خبلها كفاح الشمس و الغبارـ بقيت مجندلة على العنقريب و هي زاهدة في كل أكل أو شراب .تأملت أمي في مشهدنا ـ المشاتر من وجهة نظرها ـ و سألتني بهدوء:" إتـُّو عوينكم ديل ما بخدْمَن في فرنسا؟!". أجبتها ببرود:" لا"!، و ساد بيننا صمت ثقيل لثوان بدت دهرا قبل ان تستدير وتغادر المطبخ.كانت تلك واحدة من مواقف العقوق البراغماتي التي ساعدتني في وضع النقاط على الحروف التي بيننا بطريقة نهائية. و أظن أن امي اقتنعت من ذلك اليوم أن ابنها صار في حرز امرأة غيرها .
قلت لسيدة : إنتي عارفة المشكلة في إنو معمار البيت الشرقي متآمر عليكي. شوفي المهندس الصمم الشقة دي راجل طبعا، لأنه وكّر المطبخ في جُغب بعيد عن الصالون،و في اعتقاده أن الصالون محل رجال يتداولون في القضايا الجليلة، بينما محل النساء في الـ " تـُكـُل" يهيئن الطعام لبعولتهن، و لو انفجرت الحرب فمكانهن وراء الصفوف يعالجن الجرحى و يسقينا لعطشي و هلمجرا. و أظن ان أول خطوة للتحرر [ شايفة "التحرر" دي؟ دي بمناسبة يوم المرأة العالمي!] من عادات تقسيم العمل الشرقي هو أن تقومي بتفكيك الكاونتر بتاع مطبخك دا و تركّبيه في الصالون. و بعد داك تطبخي طبيخك بدون ان يفوتك شي من تفاصيل المناقشة الدائرة حول حقوق الإنسانة في السودان ، و لمن تحتاجي لزول يقشر ليكي البطاطس أو يقطع ليكي البصل تقولي ليهو :
" بالله هاك يا فلان قطـّع لي البتاعة دي وانت بتفكك في أزمة رأس المال المعولم!" و بالطريقة دي تكوني ضربتي حجرين بعصفور واحد.


صورة



سأعود
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

الفن الذي لا يقول اسمه

مشاركة بواسطة حسن موسى »



12 ـ
الفن الذي لا يقول اسمه


كانت أيام الشارقة فرصة لزيارة سودان الحنين الكامن في ثنايا العلاقة و في طيات الكلام ،بل و حتى في مذاقات الأطعمة . و على سيرة الأطعمة فلا شيئ أكثر كفاءة من ذاكرة الذوق في استنفار المشاعر المنسية. و نحن قوم في ذاكرتنا الجمعية نوع من التصالح ـ و قيل ـ المودة ـ مع الجوع ، ربما من واقع تعودنا على ندرة الطعام و على فقره الغذائي إن توفر منه ما يقيم الأود.و قد جاء في الأثر أن ابن آدم ما ملأ وعاءا شرا من بطنه. أي و الله !لقد نجحنا في أن نستنكر على الجسد حاجته الطبيعية في حين أن مجتمعات الوفرة، التي نفدت من قدَر البداوة العربية، تتفنن في تصعيد الأكل لمقام الفن الكبير و تشيد الموائد صروحا سامية في مشهد الفردوس الأرضي الفاني.[ غايتو،معليش ما بتدي حريف!].
أحوال الموائد عجيبة لأنها تنطوي على تراتب عفوي للأطعمة يصنعه الطاعمون بشكل غريزي لا يعرف أحد قانونه.تلك الظهيرة كنا [ طبطب و أنا] جلوسا على مائدة نجوى و مصطفى آدم. صنعت نجوى الطعام و غادرت وراء رزقها البعيد .و حين حضر الغداء كانت أمامنا مجموعة من أطيب الأطعمة من خضر و طيور و أسماك متنوعة و ويكاب و ملوخية و كسرة و رز و خبز و هلمجرا.توجهت الأيدي بعفوية نحو الويكاب و الملوخية، بينما الحوت يرمقنا بأعينه و الطير يعجب منا كيف لم نطر! ثم أظنني ، في لحظة غفلة منهجية، نوّهت بعلو كعب الملوخية، فإذا بالأيدي تطلبها في حماس متزايد جعلني اندم على عبارتي.المهم هجمنا على تلك الملوخية هجمة رجل واحد[ مصطفى و عمر و أحمد و أنا ] حتى أتينا عليها، ثم تأملنا في ما تبقى و انتابنا إثم على جرمنا الإنتهازي الشنيع، و طاب لنا أن نعزي النفس بذرائع من شاكلة:" و الله لو كنا عارفين كدا كنا خلينا لنجوى و عزة نصيبهم من هذا الكنز اللذيذ"..أو :" و الله نجوى ذاتها غلطانة في الأساس، لأنه مافي زول بيعمل ملوخية زي دي و يمشي يخليها بدون تأمين" .. و طافت بذهني حكمة أهلي الفرنسيس التي تقول :
« ne pas attacher son chien avec des saucisses ».
و ترجمتها :" ماتربط الكلب بحبل من سجوق " إلى آخر كلام الشعراء.
لكن نجوى زولة فنانة متمكنة من صناعتها ، تخلق ملاحها و تودع فيه اسرارا خفية تنسبها لأمها التي تحيلها ايضا لأمها.. وهكذا يتدرج السر ، أمّا عن جدة " حتى ينتهي عند ملوخية المنتهى، في ذلك الموضع الأثري العريق الذي تتقاطع عنده اسرار الوجود .
قلت لنجوى" على كل حال الملوخية حقتك دي لازم تسجلي ليها براءة إختراع قبل أن تكشفي اسرارها. عشان نوع ملوخيتك دي لازم عندها أسرار. و أنا شخص يعتبر أن الرسم و الطبيخ أولاد عم، عشان منهجهم واحد. و الفنانين الفرنسيين عندهم تعبير لطيف بيوصفوا بيهو مناقشات الفنانين في التكنيك و يقولوا: " بارلي كويزين"، أي" كلام الطبيخ ". قالت نجوى " كلامك عن الملوخية ذكرني صديقنا حامدوك في مانشستر.. كان يقول إنو الملوخية دي عندها سر، زي سر الفودكا ..
فعلا لكل ملوخية أسرارها التي لا يدريها سوى صانعها. مرة في منتصف التسعينات زرنا استاذنا ابراهيم الصلحي و قضينا معهم اياما في دارهم العامرة بأكسفور. و أكرمنا الصلحي بأن طبخ لنا ملوخية لا تنسى وضع فيها خلاصة فنه خبرته بكيمياء الطبيخ،و الطبخ وجه من وجوه الصناعة الكيميائية، فجاءت ملوخيته على صورة طعام أهل الجنة. في اليوم التالي لاحظت كاترين، و هي تنظم خطة الإطعام للضيوف، ان هناك بقية في الملوخية ما زالت قابعة في التلاجة، و تساءلت ماذا سنفعل مع الملوخية؟ و ذلك على منطق كريم فحواه أننا لا يمكن أن نأكل ملوخية يوميين متتاليين.طبعا روّعني سؤالها لأني استشعرت فيه إحتمال التخلص من كنز الملوخية التي تفنن الصلحي في تطييبها، فسارعت بالقول: كل شي و لا الملوخية ! خليها قاعدة في تلاجتها دي أنا بتولى أمرها حبة الصباح و حبة عند الظهيرة و حبة قبل النوم! تاني شنو؟
سأعود






صورة
صورة العضو الرمزية
ÎáÝ Çááå ÚÈæÏ
مشاركات: 487
اشترك في: الثلاثاء مايو 10, 2005 12:26 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة ÎáÝ Çááå ÚÈæÏ »


لم أطّلع على هذا البوست القديم إلا الآن... وأنا في رحلة علاجية لسلطنة عمان...

تحياتي للصديق العزيز الفنان حسن موسى... ممزوجة بحزن حقيقي لعدم الإلتقاء به في السودان، مع وجودي يه منذ عام 2011...
ماعارف دي من إهمالي أم من الظروف العجيبة التي أعيشها في الخرطوم؟

قبل أيام قال لي الصديق أحمد سيد أحمد الذي إلتقيت به في حضرة شيخنا الصلحي وفي بيت العوام وبدعوة كريمة منه، أنه إلتقى حسن موسى في نفس تلك الأيام...
شيء محزن... فقد كان عندي الكثير لأبو الحسن.
الحرية لنا ولسوانا
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

بلاد التفاؤل

مشاركة بواسطة حسن موسى »

سلام يا عبود و سلام للصحاب
أعود لـ " ناس الخرطوم" كل مرة و في الخاطر أشياء من حتى.
هذه المرة طالت إقامتي في السودان و تجولت و قطعت المسافات بين الخرطوم و كريمة و عطبرة و بورتسودان و شندي و عدت و في وفاضي زاد لا يفنى من تفاؤل الناس و كرمهم الدفاق و قدرتهم على الحلم.
أرجو أن أتمكن من فرز التصاوير و التصاويت و الذكر ا المتراكبة حتى أقوى على نقل اليسير مما يزدحم في الخاطر
سأعود
أضف رد جديد