رسالة قصيرة الى عشارى.....د محمد محمود

Forum Démocratique
- Democratic Forum
أضف رد جديد
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رسالة قصيرة الى عشارى.....د محمد محمود

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

الثلاثين لمذبحة الضعين: رسالة قصيرة إلى عشاري .. بقلم: د. محمد محمود
التفاصيل C نشر بتاريخ: 28 آذار/مارس 2017 <الزيارات: 145




عزيزي عشاري

اليوم الثامن والعشرون من مارس عام 2017 --- الذكرى الثلاثون لمذبحة الضعين. المذبحة التي كان من الممكن أن تمرٓ وكأنها حدث عادٍ من حوادث مناطق التماسّ القبلي التي تغطيها الصحف باقتضاب وعلى عجل لتدلق باقي حبرها على أخبار وقضايا المركز. إلا أنك يا عشاري قررت ومعك الأخ الدكتور سليمان بلدو أن تذهبا وتبحثا عن الحقيقة عندما سمعتما بأخبار الضعين. الكثيرون منّا سمعوا بالأخبار إلا أنها لم تحرّكنا ولم تُخرجنا من تفاصيل همومنا اليومية. وَقْع الأخبار كان مختلفا في حالتكما. قررتما الخروج من منطقة المألوف لتركبا مغامرة السفر لمنطقة غير المألوف. وكانت النتيجة أشجع تقرير كتبه أستاذان جامعيان في تاريخنا الحديث --- كانت النتيجة أن عرٓيتما وكشفتما ما ظللنا في الشمال نشيح النظر عنه ونتجاهله من استرخاص لحياة أهلنا في الجنوب وارتكاب لجرائم تقتيل واستعباد ظل مرتكبوها يدركون باستمرار بأنهم محصٓنون وأن يد المحاسبة والعدالة لن تطالهم.
ومن لحظتها أصبحتَ في وجه المدفع والاستهداف المستمر الذي شارك فيه زملاء لك من أساتذة جامعيين اختاروا أن ينحازوا لبنية التمييز والقهر. كان ذلك الهجوم الكاسح هو الظرف الذي عمّدك بالنار وجعلك ترتفع لمستوى التحدي ليصبح صوتك من أقوى الأصوات دفاعا عن المهمٓشين والمسحوقين. ظل هذا موقفك الثابت الذي تمسٓكت به ولم تتراجع قيد أنملة عنه في زمن غيٓر فيه الكثيرون ألوانهم وباعوا ضمائرهم أو لاذوا بالصمت. ولقد عانيتَ في هذا الكثير، كنت من أوائل المعتقلين عندما انقلب الإسلاميون على الديمقراطية وفقدت عملك كأستاذ جامعي، وهأنت اليوم تجد نفسك تعاني مرارة المنفى خارج وطنك.
إن وعيك المتٓقد وقلمك المشرع هما سلاحك الماضي في تحليل أزمتنا وتشخيص أمراضنا وتعرية فساد واقعنا وكشف القوى التي تعمل على الانحطاط بنا بل وسلب إنسانيتنا.
في هذه الذكرى الثلاثين المؤسية لمذبحة الضعين ونحن نقف لنتفكٓر في ضحاياها أحسست بواجب التقدّم بالتحية لعملك المتواصل الدؤوب مذكّرا إيّانا بضحايا مذبحة الضعين ومذكّرا إيّانا باستمرار بالعلاقة العميقة بين ما حدث في الضعين وما ظل يحدث من مذابح وانتهاكات متواصلة خاصة في ظل استبداد النظام العسكري الإسلامي الحالي. التحية لك ولكل الذين اختاروا الانحياز للمهمٓشين والمسحوقين.

محمد محمود أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم وحاليا مدير مركز الدراسات النقدية للأديان
الفاضل البشير
مشاركات: 435
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 7:56 pm

مشاركة بواسطة الفاضل البشير »

نعم محمد سيد احمد وشكرا وتحية للعزيزين عشاري ومحمد محمود.
اعتقد الذكرى مناسبة تناسب عرضا موجزا بل موسعا لحيثيات الاحداث وردود الأفعال. عبركما لدكتور عشاري.
ياسر عبيدي
مشاركات: 1157
اشترك في: الخميس مارس 27, 2008 1:51 pm

مشاركة بواسطة ياسر عبيدي »


ونعم أخرى منى يا الفاضل، مازلت أذكر كيف كان كتيب "مذبحة الضعين" حين وصلنا طازجاً بعد إنتفاضة مارس / أبريل مباشرةً، ونحن لم نزل بعد طلبة فى الخارج مع زملائنا العائدين من السودان، صدمةً أيقظت ضمائرنا ووعينا بظلامات أهلنا فى الهامش، وأرتنا مدى بشاعة الثقافة التى مازالت تنيخ بكلكلها فى "مثلث حمدى". التحية للدكاترة عشارى وسليمان بلدو فى الذكرى الثلاثين لـ"مذبحة الضعين"، يكفى لمؤلفهم هذا ما أثاره من وعى فى أوساط كثير من المتعلمين السودانيين، فعلاً لقد كان نقطة تحول فى مسار الوعى بقضايا المهمشين. والشكر موصول لدكتور محمد محمود.

صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

وأيضاً، بمناسبة مرور ثلاثين سنة على مذبحة الضعين، كتب عشاري أحمد محمود في سودانايل:


صمت المثقفين: في الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين

بقلم: د. عشاري أحمد محمود خليل



في هذه الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين – الرق في السودان، أَنشغِلُ بسؤال وحيد، وهو سؤال قديم يظل محيرا دون إجابة شافية: كيف يَتَخَلَّقُ وجودياً هذا المثقفُ الناطقُ الصامتُ --وأمام ناظريه وبين يديه، في الأوراق، هذه المُفْظِعات الجماعية في السودان، مثل جريمة الإبادة الجماعية، والجريمة ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، وعنف الدولة وإرهابها وفسادها؟ وهي المفظعات تاريخيةٌ وحاضرةٌ ومستمرةٌ في المستقبل؟
"كيف يتخلق ...؟"، بمعنى ما الكيفية التي بها يُركب هذا المثقف الصامت ذاتيتَه وهويتَه، مما كله يدور في سياق السودان في ظل الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة؟

...
(1)
في إهدار القدرة على التفكير
فلْيَنسَ شبابُ الرزيقات وغيرهم من الشباب في الجامعات وفي المدارس، من الذين وُلدوا بعد مذبحة الضعين 1987، فلينسوا أمر د. الوليد آدم موسى مادبو، أستاذ العلوم السياسية الذي لم يتجاوز إسهامه بشأن مذبحة الضعين عبارةً من كلمتين بدون معنى: "مذبحة الضعين يجب التحقيق فيها"، دفَنَهما الوليدُ في نص إحدى مقالاته الطويلة قبل أعوام، مسجلا على استحياء اختلافيته عن الجيل القديم من المثقفين المُنكِرين ومعلنا الثورةَ الفكرية في دار الرزيقات. وتجنب الوليد ملاقاة موضوع الرق في دار الرزيقات.
مرت ثلاثة أعوام نسي خلالها د. الوليد تلك عبارته وتلك ثورته. أذكرُه هنا لأنه مثقف كاتب في الشأن العام، وهو من "القبيلة"، هذه المُتَخَيَّلة ذات الخرافات عن حاكورتها وتاريخها وثقافتها وفرسانها وميلشياتها ومناجمها للذهب وحكمها الوراثي، القبيلة التي تكاد تكون دولة ذات سيادة داخل الدولة بخرافاتها هي الأخرى.
...
وللوليد قدرات تؤهله، إن أراد، للإسهام في دفع القبيلة استحقاقات مذبحة الضعين والرق، حتى بعد مضي ثلاثين عاما، وهو مسؤولٌ وعلى عِلم، وقد درس للدكتوراه في أمريكا فَتعرَّف، كمثقف، بصورة مباشرة على تراث مثقفين أمريكيين، وأوربيين أيضا، تراثهم الغني في الانشغال بتاريخ مفظعاتهم ضد السكان الوطنيين، وتعرف على انشغال مجال "العلوم السياسية" بقضايا العدالة والسلطة وحكم القانون والحداثة، وكلها قضايا مُجَسدَنةٌ في هذي وضعية مذبحة الضعين وفي هذي تاريخية مؤسسة الرق في "دار الرزيقات".
أخصُّ د. الوليد بالذكر لأني أحمل له احتراما وتقديرا، ولأن له تجربة شخصية أعرف كيف تكون وكيف تنتج مواقفَها السياسية، وهو كتب عنها، تجربة في جسده، مع إجرام القوة/السلطة وعدوانها الوحشي المباشر، عليه هو، في جسده. القوة/السلطة هنا ما يسميه الوليد "الكهنوت" وأبنائه، لكنها هي ذاتها القوة/السلطة بدون معرفةٍ في سياق السودان الحاضر وفي دار الرزيقات.

...
(2)
ولتنسوا المثقفين في سن الأربعين وما بعدها
وكذا فلْتنسوا أنتم شباب الرزيقات في عزلتكم أمرَ جميع المثقفين الرزيقات في سن الأربعين وما بعد الأربعين، الذين كانوا حاضرين بالوعي ومعاصرين بالتجربة حدث مذبحة الضعين، وغزوات قنص الرقيق بواسطة "فرسان" الرزيقات، واستغلال الأسر الرزيقية الرقيق الدينكا في البيوت بمدينة الضعين وفي كامل أرجاء "دار الرزيقات"، هذه المنطقة الجغرافية المتوهم صفاؤها العرقي وفيها أكثر من سبعين مجموعة عرقية من بقاع السودان المختلفة.
...
(3)
ابحثوا في مشاركة بعض المثقفين في المذبحة وممارسة الرق
ولتعرفوا أن من بين هؤلاء المثقفين الرزيقات في الأربعين وبعدها من كان شارك شخصيا في تنفيذ مذبحة الضعين، فثابت أن عددا مقدرا من الأطفال الرزيقات بمدينة الضعين نفَّذوا التقتيل المباشر حرقا لأجساد الأطفال والنساء الدينكا في حوش البوليس بمحطة السكة الحديد، في سياق ذلك الهجوم واسع النطاق والمنتظم.
وأَقرأُ في أوراقي عن شباب من الرزيقات في المدرسة الثانوية بالمدينة في ذلك الوقت في منتصف الثمانينات وكانوا يتركون مدرستهم للمشاركة في غزوات النهب وقنص الرقيق، دائما من دار الدينكا.

...
(4)
انظروا في دور تجارة الرق في دفع تكاليف تعليم المثقفين الصامتين
ولتعرفوا أن عددا مقدرا من هؤلاء المثقفين الرزيقات ما كانوا ليتلقَّوْن أيَّ تعليم في المدرسة الابتدائية، بَلهَ في الجامعة وما بعدها، ما لم يكن آباؤهم وأمهاتهم أفادوا من ريع تجارة الرقيق، ومن نهب ممتلكات الدينكا في الفترة بين 1986 ونهاية القرن الماضي.
فمن بين هؤلاء الآباء من كان عدة مرات ركب جوادا أو حمارا أو جملا أو هو كان راجلا وانضم إلى المليشيا الرزيقية الصغيرة أو الكبيرة المجهزة لقنص الرقيق والنهب في دار الدينكا جنوب نهر كيير-بحر العرب، في شمال بحر الغزال، وهم هؤلاء الآباء عادوا من تلك غزواتهم يَجُرُّون وراءهم الأطفال والفتيات والنساء الدينكا رقيقا، وعادوا مُحمَّلين بالممتلكات المنهوبة من الأسر والقرى ومن مراحات البقر في دار الدينكا. عدة مرات في العام، بصورة دورية خلال فترة يناير مارس وبعدها، عاما بعد عام. تعود المجموعة الإجرامية من غزوتها، وما هي إلا يوم أو يومان ثم تعود المجموعة إلى دار الدينكا في غزوة جديدة. ومن الآباء من شارك في تمويل الغزوات دون أن يشارك شخصيا في النهب المباشر أو التقتيل أو الخطف. لكنه كان يستلم نصيبه بعد عودة المليشيات من غزواتها.
ومن ثم تمكن هؤلاء الآباء، بعائد تجارة الرقيق، وباستغلال الأرقاء في الأعمال الاقتصادية كالرعي والزراعة وحفر الآبار، وبالممتلكات المنهوبة، تمكنوا من إرسال أبنائهم أولئك المثقفين اليوم الناطقين الصامتين إلى المدارس والجامعات. وأتحدث عن فترة قريبة تماما، فترة ثلاثين عاما فقط. والذاكرة حية.

...
(5)
ادرسوا دور المرأة الرزيقية في إنتاج المفظعات الجماعية
وكذا كان الحال حال الأمهات لعدد مقدر من هؤلاء مثقفي الرزيقات في الأربعين وما بعدها، هؤلاء النساء كن يَستفِدن بصورة مباشرة من اقتصاديات الرق، من حيث حصولهن على الخدمة المجانية لغسل الملابس والطحن والطبخ ونظافة البيوت والرعي والزراعة، وكلها كانت من مهام المرأة الرزيقية المُرْهَقة. وكانت الأم الرزيقية تفيد مباشرة من ممتلكات الدينكا المنهوبة، بما في ذلك الملابس المستعملة وأدوات الطهي، وحتى أكواب الماء.
...
قال لي محرر الرقيق مانجوك جييل مانجوك، من قرية قوق مشار، إن أهله الرزيقات، وهكذا كان يشير إليهم، "أهلنا دا"، فقد كانت أخت مانجوك الدينكاوية متزوجة من تاجر الرقيق الزريقي المعروف والمشهور آنذاك، عمدة أبو مطارق، فضل النبي سالم أبو كلام. قال لي مانجوك إن أهله الرزيقات في عدوانهم على الدينكا بهذه الغزوات الإجرامية كانوا ينهبون كل شيء، حتى ملابس النساء، بما في ذلك "الجَبون" المعروف، وإنهم اختطفوا آلاف الأولاد والفتيات، "بت الرَّبَّاي، والنساء من "الجنوب":
...
"أهَلنا دا لَمَّن قام شهر اتنين، جا بْشيل سُكر، بَشيل لِباس بِتاع نُسوان، جَبونة، خَلَق بتاعو كويس، شنو بتاعو كويس، ... مَرتَبة زي دا، كُلُّو بَشيلو. أنا بَراعِي في عيوني، أنا ما بَكدِب بقول ليهو سِمع في أداني، الشَّالا أنا بَراعِيْ.
"بشيل لحدي جَمْسِيَّة بتاعي، شالوا أي حاجة في بلدنا هناك ما خلوه، شالوا بِتاع الموية البَشرَب بي دا، كُلو هم شالوه. .... مشوا هناك جابوا ناس، أنا بسمع في، قالوا جابوا سبعة آلاف مَرَة وولد، لي بِتْ الرَّبَّايْ، دي جابوا في [من] الجنوب".
...
ولنتذكر المجاعة التي أحدثتها هذه الغزوات الإجرامية المدعومة من قبل حكومة الصادق المهدي.
وكذا وفرت مذبحة الضعين معينا للحصول على خدمات إضافية مجانية للمرأة الرزيقية بالضعين وخارجها، خدمات بواسطة الفتيات والأطفال الذين تم اختطاف عدد مقدر منهم في سياق دوران المذبحة.

...
(6)
تفكروا في تورط المرأة الرزيقية في تنفيذ المذبحة وفي الرق
كانت المرأة الرزيقية، كامرأة، متورطة في المشاركة المباشرة في تنفيذ الجرائم ضد المدنيين الدينكا في مدينة الضعين، وفي دار الرزيقات، وكذا بالامتداد في منطقة شمال بحر الغزال. فقد كانت هذه المرأة الأكثر استفادة من جرائم استرقاق الأطفال والفتيات والنساء الدينكا، وكانت الأكثر قربا من تثبيت علاقات الرق في المجتمع الرزيقي، بمعلاق تخليصها، كامرأة، من مشقة الحمل بأطفال إضافيين، ومن مشقة تربية الأطفال، ومن مشاق الأعمال المنزلية المتكثرة التي كانت المرأة الرزيقية مكلفة بها في سياق علاقات الجندرة السائدة.
...
وكذا خَلَّص الرقُّ المرأةَ الرزيقية من كثير الاعتداء الجنسي والاستغلال الجنسي وقد تمت إحالته نسبيا إلى الفتيات والنساء المسترَقَّات من قبيلة الدينكا. وسهَّلت بعض النساء الرزيقيات لأزواجهن اغتصاب فتيات الدينكا اليافعات المسترَقات أو المتروكات في عهدتهن في أوضاع السودان المعقدة.
...
وشاركت النساء الرزيقيات في مذبحة الضعين بتحريضهن الرجال وتشجيعهن لهم على تقتيل الدينكا المحاصرين في عربات السكة الحديد وفي حوش البوليس بالمحطة، وكذا كن شاركن بفعالية في حرق مساكن الدينكا في حلة فوق يوم الجمعة 27 مارس 1987، ثم منعن عربات الحريق من إطفاء النيران، وكن مستفيدات من توسعة بيوتهن بالبناء فوق الأرض المتروكة بعد طرد الدينكا منها. وهن شاركن مباشرة في مطاردة الدينكا وضربهم بالعكاكيز في تلك حلة فوق، وفي منع الجرحى الدينكا من دخول المستشفى يوم السبت، وفي التقتيل المباشر والحرق والنهب واختطاف الأطفال في محكة السكة الحديد.

...
(7)
فهاتان امرأتان: زهرة بت العمدة وتيجوك دوت أنيي
فللتمثيل لمشاركة المرأة الرزيقية في المذبحة، أعود إلى السيدة الرزيقية زهرة بت العمدة، أيقونة مذبحة الضعين. حين كانت زهرة متحزِّمةً ومرابِطة أمام العربات الحديدية المتوقِّفة على القضيب الثاني في محطة السكة الحديد، لتعتدي بسكينها على أفراد الدينكا الذين كانوا يضطرون إلى النزول من العربات المشتعلة بالنيران يريدون الفرار، وكانت زهرة تنتظرهم بسكينها، للطعن وللنهب.
نعرف أن هذه السيدة الرزيقية اعتدت بسكينها على الدينكاوية تيجوك دوت أنيي بأن طعنتها في جنبها ورأسها، وفرفَصَتْ من تحت فستان تيجوك المقاوِمة ومن قبضتِها محفظتَها، ونهبت منها مبلغ الألف جنيها في المحفظة. ثم خمشت زهرة من بين يدي تيجوك طفلتها الرضيعة، أدوانج وهربت بها خارج الضعين إلى قريتها كريو. مستغِلَّةً حالة الاستضعاف والرهق لدى تيجوك التي كان الرزيقات المسلحون المعتدون على الدينكا داخل العربة الحديدية الموقدة بالنيران قتلوا للتو زوجها دينق لوال.
...
فلنتوقف عند هذه الواقعة لتكييف الوضعية القانونية والموضوعية للمرأة الرزيقية كجانية مقترِفة للجريمة ضد الإنسانية. فهذه أفعال الرزيقية زهرة بت العمدة لم تكن من نوع الجريمة العادية، بل يتم تكييفها في القانون الجنائي الدولي على أنها من "الجريمة ضد الإنسانية"، تحديدا بسبب وقوع هذه الأفعال في سياق "الهجوم واسع النطاق أو المنتظم " ضد المدنيين الدينكا في محطة السكة الحديد، وفي المدينة.
ولأنه واضح من كل واحد من الأفعال المحددة التي أتتها زهرة بت العمدة أن زهرة، كرزيقية، كانت جاءت بسكينها إلى محطة السكة الحديد وهي على علم سبقي بهذا "الهجوم واسع النطاق أو المنتظم"، وبطبيعته، والمدنيين المستهدَفين به، وبمقاصده، فقصدها الجنائي ثابت في الإتيان بكل واحد من تلك الأفعال الشنيعة التي اقترفتها وسببت بها الضرر لتيجوك دوت آني التي عاشت بعدها حياة قاسية ليس فقط بسبب العذاب النفسي في البحث عن تلك طفلتها المخموشة التي استعادتها تيجوك بعد شهور عديدة من زهرة في قرية كريو، وإنما كذلك بسبب الأوجاع والأمراض الجسدية المستمرة المتأتية من تلك الطعنات في الكِلية والرأس بسكين زهرة بت العمدة، وماتت تيجوك دوت أنيي في العام 2010 في مستشفى بأم درمان بسبب ذات تلك الجراح التي لم تندمل من ذات تلك اليد الشريرة يد زهرة بت العمدة الرزيقية صاحبة السكين.

...
(8)
لاحظوا التماثل بين بين مذبحة الضعين ومذبحة بابنوسة
وينطبق كامل أعلاه على قبيلة المسيرية في علاقتها بالدينكا نقوك، وبالدينكا في شمال بحر الغزال. فالإضافة إلى مشاركة المسيرية مع الرزيقات في غزوات مشتركة ضد الدينكا في شمال بحر الغزال، في بداية العام 1986 والمفظعات الجماعية في دعم مليشيات المسيرية قطار الجيش بابنوسة - واو لقاء تسهيل الحكومة للمسيرية قنص الرقيق ونهب الأبقار، هنالك مذبحة بابنوسة ومذبحة المجلد. ويظل الجناة الأحياء الذين خططوا لتلك العمليات الوحشية ونفذوها وتستروا عليهما مفلتين من العقوبة حتى هذا اليوم.
...
كتب الدكتور عبد الباسط سعيد عن "مذبحة بابنوسة" فصلا في رسالته لشهادة الدكتوراه في علوم الأنثروبولوجيا بجامعة كنيتيكت الأمريكية في العام 1982. هذه الرسالة من أكثر الدراسات تميزا، وهي تعتمد المنهج الماركسي لتحليل الصراع بين المسيرية والدينكا نجوك في سياق التغييرات الاقتصادية الاجتماعية في المنطقة آنذاك.
فيما يلي ما كتبه د. عبد الباسط تقديما للظروف التي وقع فيها حدث المذبحة بتاريخ في نهاية فبراير 1965:
...
"في ذلك السياق المتوتر، أصبح الناس من الجنوب في هذه المدن [بابنوسة، الفولة، لقاوة، المجلد] أهدافا متاحة للاعتداء، والنهب، والقتل، والتخويف بواسطة الأغلبية الشمالية المقيمة بالمدينة (223-224).
"هرع الجنوبيون المفزوعون إلى الشرطة والسلطات المحلية طلبا للحماية. وطالبوا بأن يتم ترحيلهم من تلك المدن (بابنوسة، المجلد، الفولة، لقاوة) إلى الجنوب، وأن يكون الترحيل تحت حماية الشرطة.
"حاجج الجنوبيون بالقول إن حماية الشرطة لهم وترحيلهم إلى الجنوب كانتا الضمانة الوحيدة لسلامتهم من الهجوم بواسطة المسيرية في المدن ذاتها أو في الطريق إلى الجنوب.
"بينت الأحداث اللاحقة أن الجنوبيين لم يتلقوا أية حماية حتى حين كانوا في مراكز الشرطة، لكن السلطات المحلية انصاعت وبدأت في ترحيل جميع أولئك الذين كانوا تجمعوا في محطات الشرطة في الفولة والمجلد وبابنوسة، ترحيلهم إلى أبيي (224)".
....
ذلك كان ما جاء في رسالة د. عبد الباسط، كالمقدمات لوقوع مذبحة بابنوسة. فبعد إيراد المقدمات أعلاه، ترجم د. عبد الباسط "تقرير الشرطة" من أصله بالعربية، ولأنه لم يرفق صورة من الأصل العربي في رسالته، أُترجِمُ هنا إلى العربية ترجمته الإنجليزية:

...
(9)
ابحثوا عن تقرير الشرطة باللغة العربية عن مذبحة بابنوسة
"كان الوضع في بابنوسة أكثر خطورة وقابلية للانفجار. فقد اقتحمت جموع غفيرة من النساء والأطفال [المسيرية] مركز الشرطة الذي كان تجمع فيه الجنوبيون طلبا لحماية الحكومة. وكان هؤلاء الجنوبيون تحصلوا من الشرطة على وضعية كفلت حمايتهم داخل الغرف المتاحة في مركز الشرطة.
"كانت النسوة والأطفال مسلحين بالكيروسين والكبريت. وهم صبوا الكيروسين فوق الجنوبيين العزل وأشعلوا فيهم النيران.
"عندما وصل محافظ المديرية، وهو موظف الحكومة المحلية إلى المكان، في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، كان كل شيء قد انتهى. وكانت النار مشتعلة في الجثث داخل الغرف.
"وجد محافظُ المديرية كبيرَ رجال الشرطة رئيس المركز في معية ناظر المسيرية، وكانا جالسين تحت الشجرة أمام مركز الشرطة.
"حينئذ، كان المهاجمون عادوا إلى بيوتهم، فيما عدا قليلين منهم ظلوا واقفين بعيدا يتفرجون.
"رفض جميع سكان بابنوسة تقديم المساعدة في إطفاء النيران.
"ورفضوا أيضا تقديم المساعدة لحفر مقابر لدفن الضحايا. ولم يكن من سبيل إلا ترك النار تنتهي من مهمتها.
"اثنان وسبعون شخصا تم حرقهم حتى الموت. تم إنقاذ ستة أشخاص فقط منهم: منهم طفل كان أخفاه أحد العمال، وامرأتان وثلاثة رجال أنقذتهم الشرطة.
"كانت الشرطة مجهزة بسبعة عشرة رجلا مدرَّبا وكانوا مسلحين بالبنادق، وكان لدى رجال الشرطة أربعة قنابل مسلة للدموع. فتثور عدة أسئلة لكون رجال الشرطة لم يستخدموا القنابل المسيلة للدموع ضد المهاجمين".
...
هنا انتهت ترجمة "تقرير الشرطة" عن الجريمة المركبة، مذبحة بابنوسة.

...
(10)
أهمية التقرير في تبيين أن المذبحتين متشابهتان جزئيا
فتكمن أهمية تقرير الشرطة الذي أورد ترجمته د. عبد الباسط في أن بنية الحدث في التقرير هي ذاتها بنية حدث مذبحة الضعين بعد عشرين عاما. فبالرغم من أن كل مذبحة تختلف عن أخرى، إلا أن التباين محدود، بعلة كونية البنية الدماغية التي تولد ذات هذه المفظعات الجماعية في سياقات محددة بمكوناتها مثلما هو كان موجودا في مذبحة بابنوسة ومذبحة الضعين..
...
فهذه بعض أوجه التماثل العميق بين المذبحتين اللتين تفرق بينهما خصائص كذلك مهمة. ولعلنا نتعلم من ذلك كيف يمكن منع بعض المذابح في سياقات اجتماعية محددة.
أولا،
تماثل السياقين، في دوران كل مذبحة من المذبحتين في سياقِ ذاتِ العلاقات العنصرية الفظيعة، والحرب، وإجرام النظام الحاكم، والترتيبات السياسية الشائهة، والثقافة المحلية، والتاريخ. وقد أشار د. عبد الباسط في رسالته إلى البعد المتعلق بالأيديولوجية الإسلامية ونفاقها. وتندرج القبيلتان تحت إطار جماعات البقارة التي نزحت من غرب أفريقيا واحتلت أرض الحزام في المنطقة شمال نهر كيير الذي يسميه العرب البقارة "بحر العرب".
ونعرف من كتب التاريخ والرحالة أنه لكل واحدة من القبيلتين تاريخ عميق ذو جذور في ممارسة الرق، وفي النهب، وأن زعماء القبيلتين اندرجوا في تجارة الرقيق منذ القرن الثامن عشر وقبله وحتى بدايات القرن العشرين، وفيما بعد أيام حكومة الصادق المهدي، وخلال نظام الإنقاذ نفذت كل قبيلة لوحدها أو بالمشاركة مع الأخرى غزوات متتابعة لقنص الرقيق من مجتمعات قبيلة الدينكا.
وشاركت القبيلتان في المجهود الحربي مع جيش الحكومة، وهو كان جيش احتلال، شاركتا في محاربة قوات التحرير، فغضت حكومة الصادق المهدي وحكومة الإنقاذ الطرف عن عمليات الاسترقاق وتنفيذ المفظعات الجماعية.
وقد قدم د. عبد الباسط في متن رسالته أمثلة لعمليات النهب والتقتيل والعدوان بواسطة قبيلة المسيرية، وكذا تحدث عن تاريخ المسيرية وزعمائهم في تجارة الرقيق ضد أهل جنوب السودان وضد الفرتيت في جنوب غرب دارفور.
ولا يغير من شناعة ذلك أن العصابات الإجرامية الفاسدة من الحركة الشعبية في جمهورية جنوب السودان نفذت مفظعات جماعية شبيهة بل أشد هولا، بما فيها الاسترقاق والاغتصاب والنهب وتدمير المنازل والتقتيل والتمثيل بالجثث والتطهير العرقي.
ثانيا،
مشاركة المرأة والأطفال من الرزيقات والمسيرية في تنفيذ المذبحتين. فقد ركز د. عبد الباسط على ما رآه غرابةَ مشاركةِ المرأة والأطفال من قبيلة المسيرية في تنفيذ المذبحة في بابنوسة ضد الدينكا نجوك. حتى انه كتب في رسالته "من يُسَمُّون بالنساء والأطفال"، في إشارته إلى أن الجناة في مذبحة بابنوسة كانوا النساء والأطفال، بينما نعرف أن التخطيط لابد كان ذكوريا.

...
(11)
لا تنسوا مشاركة قبيلة المعاليا في تجارة الرقيق
وينطبق الأمر ذاته على قبيلة المعاليا التي يتحدث مثقفوها عن "الإبادة" بواسطة قبيلة الرزيقات ضدهم، وتتصنع قبيلة المعاليا البراءةَ بينما لها تاريخ موثَّق في أوراق منظمة اليونيسف عن دورها في تجارة الرق، ولنسم الأشياء بأسمائها، ففي زمان الفالصو لابد من الإفصاح عن المعاني المقصودة دون اكتراث لحساسية مصطنعة، تريد قبيلة المعاليا المبالِغة عبر خطاب مثقفيها في تصوير نفسها كالضحية دائما، تريد طمس ماضيها ومنه ما هو حاضر في مشاركتها في تجارة الرق في عديلة وأبو كارينكا وكليكيل السلام.
في العام 1999 كان المعاليا يحتفظون بألف وسبعمائة من الأطفال والفتيات والنساء الدينكا في وضعية الرق، من بين 3700 من الرقيق في ذات مناطق المعاليا، وكان يشاركهم في تجارة الرق الرزيقات الرعاة المترحلون والمستقرون.
وافقت قبيلة المعاليا على مضض، بعد أن فرضت اليونيسف عليها مشروع تحرير الأرقاء بواسطة هيئة سيواك، وأذكر من التقارير أثناء إدارتي برنامج حماية الأطفال في اليونيسف أن المعتمد الإسلامي حينئذ في عديلة رفض تحرير فتاة من الدينكا وادعي بالاحتيال الإسلامي أن البنت "أسلمت" فلا يمكن أخذها إلى دار الدينكا!
وذلك كاف لتبيين أسباب تعثر المشروع، فلم يتم تحرير جميع الأرقاء بسبب وضع الحكومة والقبيلة معوقات أمام التنفيذ.
عليكم أن تضيفوا معكم شباب المعاليا في الجامعات السودانية.
...
وكذا ينبغي الحذر إزاء التذاكي بالقول الساري إن "تجارة الرقيق" لا يمكن أن تكون كانت موجودة هنا، لأن "التجارة" هي فقط في "السوق العلني بيعا وشراء"، فأين "السوق"؟ فكم تم تجريب هذه الخدعة الخائبة.
يكفي أن نذكر أن "اتفاقية الرق"، وبعد أن عرَّفت الرق في المادة الأولى بأنه "حالة أو وضع أي شخص تُمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية، كلها أو بعضها"، التفتت في المادة الثانية إلى تعريف "تجارة الرقيق" بأنها "تشمل جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسْرُ شخص ما أو احتيازه أو التخلي عنه للغير على قصد تحويله إلى رقيق، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتياز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي، بيعا أو مبادلة عن رقيق تم احتيازه على قصد بيعه أو مبادلته، وكذلك، عموما، أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم".
...
وجاء في موجهات بيلاجيو للتعريف القانوني للرق بأن الرق ينطوي على "التحكم في شخص بالطريقة التي ستحرم هذا الشخص، بدرجة مقدرة، من حريته الشخصية، قصد استغلال هذا الشخص من خلال استعماله [استخدامه] وإدارته والربح منه وتنقيله أو التخلص منه. وتكون هذه الممارسة متحصلا عليها، في العادة، عبر وسائل القوة العنيفة والخداع و/أو القهر".
بالإضافة إلى تحديد موجهات بيلاجيو أن حق الملكية بشأن شيء، هنا الشخص المتحكم فيه، يعني "الاستحواذ" على هذا الشخص، ويصبح "الاستحواذ" أمرا تأصيليا لفهم الرق وتعريفه "حتى حين لا تدعم الدولة حقا في الملكية بشأن الأشخاص".

...
(12)
إليكم خطورة الموضوع
فهذا موضوع خطير يتعلق اليوم بتجلية الشباب حقيقةَ تاريخ المذابح والرق والمفظعات الجماعية في مجموعاتهم العرقية، وفي ذلك مدخل إلى القضايا الاجتماعية الاقتصادية والسياسية الأخرى، بما فيها قضية السودان الكلية، لأن هذه الموضوعات عن الرق والمفظعات الجماعية، بطبيعتها وتعقيداتها في مناطقكم الأولية وبعلاقاتها بما يسمى "المركز"، قد تستفزكم، وقد تشعركم بخجل قبيلي، لكنها تدرِّبُكم على التفكير الحر، وعلى الانتقاد، بل فيها انعتاقكم من قيود القبيلة، كالمقدمة لمقاومة الترتيبات الراهنة المصبوغة بالعنف، ولمقاومة "اللغة الفاشلة" عن تاريخ القبيلة وفرسانها وفرادتها وثقافتها وحساسية الموقف، بينما كله إن تمعنتم فيه تجدونه خرافات ومحض كذب وخدْعاً للذات.
فما "الفرسان" إلا مجرمون تافهون، وما تاريخ القبيلة إلا هو تاريخها في تجارة الرق والعنف والنهب، إلا إذا أردتم إلغاء التاريخ فيما يتعلق بهذا الموضوع المحدد محل المحادثة، والتاريخ هنا هو تاريخ المفظعات الجماعية.

...
(13)
في زمان الدولة الإسلامية
فها قد مرت ثلاثون عاما على الجريمة العالمية ضد الإنسانية في مدينة الضعين وفي منطقة الرزيقات، وهي تتطابق هنا مع جريمة الإبادة الجماعية، فجريمة مركَّبةٌ لا تُنسى، ولا تَنتهي بتقادم، ولا يُسقطها قيدٌ قانوني من أي نوع، مدى الحياة، وبعد الحياة، أي إن الجناة الأحياء يظلون موضوعا وقانونا مفلتين من العقوبة وفارين من العدالة. وهم:
(1) القيادات القبيلية الرزيقية التي شاركت في التخطيط لمذبحة الضعين ثم تغيبت هذه القيادات من المدينة أثناء التنفيذ، وهي كانت أيضا متورطة في الإتجار في الرق وفي الاحتفاظ بأرقاء في بيوتها، على نهج القيادات الرزيقية السابقة، وهي التي تسترت على الجناة الآخرين ودلست على حقائق المذبحة والرق؛
(2) الأجهزة القبيلية الحرابية مثل المليشيات ذات الكينونة المعروفة بفرسانها، ومثل روابط شباب الرزيقات المكلَّفة بمهام "النظافة والكنس"، ومثل الحَكَّامات المحرِّضات على الكراهية والعنف وبث المشاعر العنصرية، وهي الأجهزة القبيلية التي شاركت بتلك هيئاتها وبمواردها الخطابية والعضلية في تنفيذ المذبحة؛
(3) أعضاء القبيلة المحددون بأسمائهم الذين نفذوا بأيديهم أفعال حرق الأجساد الدينكاوية حية، والذين شاركوا في الغزوات المسلحة لقنص الرقيق ونهب الأبقار والممتلكات من الدينكا؛
(4) قبيلة الرزيقات، كقبيلة لها عقل شرير ويد شريرة حين تحركت بتلك قياداتها وأجهزتها الحرابية وبأفرادها المعتمدين، لتنفيذ مذبحة الضعين ولممارسة الرق والنهب.
(5) حكومة الصادق المهدي، أكثر الجناة شطنا، كذلك بقيادتها ومؤسساتها الإجرامية المركزية والمحلية، وبأفرادها المعتمدين، وأفعالها وسلوكياتها في التستر على الجناة وفي نشر الأكاذيب عن المذبحة والرق، بالإضافة إلى رفضها مجرد التحقيق في المذبحة.
...
جميع هذه الكيانات أفلتت من المحاسبة على الجرائم العالمية الموضوعها مذبحة الضعين والرق. وتظل هذه الكيانات المؤسسية والفردية حتى يومنا هذا بعد ثلاثين عاما مفلتة من المحاسبة والعقوبة، تحديدا بسبب أنا نعيش على مدى ما يقارب الثلاثين عاما في زمان الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة، الإنقاذ، التي كذلك أنتجت مفظعاتها الجماعية الخاصة، بمذابحها وبإبادتها الجماعية وبجرائمها ضد الإنسانية، وبالتطهير العرقي، وكذا اعتمدت ذات سياسة تسهيل الرق وتنقيل الأطفال الدينكا ومن قبائل غير الدينكا، بواسطة الضباط والعساكر والمليشيات، إلى المجتمعات العنصرية في شمال السودان، واعتمدت الاحتيال سياسة تتظاهر بها أمام المجتمع الدولي حسن سهلت تحرير عدد قليل من الأرقاء بواسطة برنامج سيواك، وما أن استقل جنوب السودان غلقت البرنامج وطوت صفحته بينما ظل آلاف الأرقاء في قبضة ملاكهم في دارفور وكردفان.
...
إن الإسلاميين قادة هذا الدولة الإسلامية غير قادرين على تقديم الجناة إلى المحاكمة أو رد الحقوق لأهلها، وهم غير راغبين في ذلك، رغم القانون الجنائي الوطني المعدل بإدراج نصوص جريمة الإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية.
غير قادرين ولا راغبين، بسبب أن خمسين منهم متهمون لدى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم مشابهة لمذبحة الضعين ولجريمة الرق، وكذا مطلوب القبض على رئيسهم عمر البشير ووزيره للدفاع عبد الرحيم محمد حسين المتهمين بجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في دارفور.
...
وفوق ذلك كله نجد بين الجناة (6) فئة المثقفين، أولئك الذين انتفضوا بالهمة لتغييب حقيقة المذبحة وحقيقة الرق، فروجوا الخرافات وأشكال التلهية من كل نوع، ومنهم من سكت يحسب أن صمته كفيل بطمس حقيقة المذبحة وحقيقة الرق وبإسكات الضحايا ومسح ذكراهم من التاريخ.

...
(14)
هكذا أرى مسؤولية الشباب إزاء المفظعات الجماعية
أما أنتم شباب الرزيقات، وشباب المسيرية، وهي التسمية بالقبيلة في طريقها إلى التلاشي، فلا مسؤولية جنائية عليكم بشأن المذبحة أو الرق مما اقترفه آباؤكم وأمهاتكم وقيادات القبيلة وعدد من مثقفيكم.
لكن، وقد تم بمحض الصدفة البيولوجية القذف بكم في هذه الحياة القبيلية المحددة مكانا وزمانا وتاريخا وثقافة، وفيها هذه الحياة القبيلية هذا الميراث الثقيل بمذابحه ورقه وخرافاته وبقية مآسيه، تظل مسؤوليتكم الأخلاقية ذات البعد المعرفي باقية لا يمكنكم التنصل عنها. وهي مسؤولية متمددة تطال جميع الشباب المثقفين في السودان وجنوب السودان.
...
ومن هنا لزوم بدئكم الإمساك بهذه القضية، فهي قضية ذات محلية قبيلية بالدرجة الأولى، بعد أن فشل أولئك المثقفون في الأربعين وما بعدها في ملامستها بغير الإنكار الضعيف أو الصمت العنيف، ومن هنا أيضا لزوم الانتقال بالتفكير لديكم إلى آفاق جديدة تستشرفونها، بما في ذلك إلى آفاق المقاومة المعرفية، بأن تطالبوا بإدراج قضية "المفظعات الجماعية في السودان"، مثل هذه المذبحة ومثل هذا الرق، في مناهج الفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والاقتصاد، في الجامعات.
...
فليست قضية مذبحة الضعين وقضية الرق مهمتين لذاتهما فحسب، ولكنهما مهمتان لأن في مقاربتهما من قِبل الشباب إمكاناتُ تحرير الفكر واعتماد الأخلاقية في مقاربة القضايا الجوهرية الراهنة، وهي قضايا تتلخص تجريبيا في حاضر إجرام الدولة الإسلامية وإرهابها وفسادها وعنصريتها.
...
فلتنظروا بمبصار مذبحة الضعين ومبصار الرق لتشريح أقوى دولة إسلامية في تاريخ الدولة الإسلامية، هذي مسخ الإنقاذ نتاج فكر الحركة الإسلامية السودانية وعدم قدرة الحركيين الإسلاميين السودانيين على التفكير.
أقوى دولة إسلامية من حيث القوة المادية والسيطرة الكاملة التي فرضتها بالقوة على جميع الأجهزة والمؤسسات وعلى الهواء ذاته، ومن حيث الموارد المالية والأصول والمعارف والتقنيات التي توفرت لها. وقوتها كذلك في نذالة الحركيين الإسلاميين ووحشيتهم.
ومع ذلك كله، عاشت هذه الدولة الإسلامية القوية عمرَها ثمانية وعشرين عاما محكوما عليها بالفشل منذ ميلادها، وهي اليوم تقارب الثلاثين ليست سوى جثة متحركة، تحديدا بسبب إسلاميتها، هذه العقيدة السياسية المحتلة مكانها مع الستالينية والنازية والفاشية مخلَّطةً بوحشية الليبرالية الجديدة، وهي هذه العقيدة السياسية إدراجُ الدين في الدولة لا تأت إلا ومعها هذي مفظعاتها الجماعية واحتيالها وفسادها.
...
هكذا تثير الذكرى الثلاثون لمذبحة الضعين الهمَّ بجميع مفظعات السودان التاريخية والراهنة. وفي هذا الهم، دائما من قبل الشباب السودانيين جميعهم، الإجابة عن التسآل الذي بدأتُ به هذا المقال، عن كيف يتخلق المثقفُ الناطقُ الصامتُ؟
والإجابة الشبابية إنما تكون بإلغاء السؤال ذاته، أن الشابة المثقفة الناطقة لا تعرف الصمت، وأنها مع الشاب المثقف غير مكترثين للمثقف فوق سن الأربعين وهو صامت، أو هو الناطق يتحدث بلسانين مقطوعين.
فمحور المقاومة الشبابية جدليةُ الأمل في التغيير الذي يتم تركيبه من المغالبة في إعمال الفكر المُحرَّر من الخرافات والغيبيات في تحليل هذه المفظعات الجماعية وفهمها وتفسيرها، واتخاذ موقف أخلاقي إزاءها يكون منسوجاً بالغضب الساطع.




المصدر:

https://www.sudanile.com/index.php/%D9%8 ... 9%8A%D9%84
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

شغل المثقف و شغل البوليس

مشاركة بواسطة حسن موسى »


1

سلام يا صفوة
و شكرا على إثارة هذا الموضوع العامر في هذا السياق
سياق الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين.

كتب عشاري :ـ
« 
في هذه الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين – الرق في السودان، أَنشغِلُ بسؤال وحيد، وهو سؤال قديم يظل محيرا دون إجابة شافية: كيف يَتَخَلَّقُ وجودياً هذا المثقفُ الناطقُ الصامتُ --وأمام ناظريه وبين يديه، في الأوراق، هذه المُفْظِعات الجماعية في السودان،"

سؤال عشاري أعلاه مهم لأنه ينطوي على محاولة مطلوبة لعقلنة مسؤولية المثقف السوداني من القضايا المهمة في الساحة الجتماعية.من هذه القضايا يختار عشاري التوقف عند قضية سياسة الحقوق في السودان المعاصر.و هو موقف يشرف عشاري كونه يقف بين القلة من المثقفين السودانيين الذين سعوا لتسليط الضوء على ما سماه بـ "مفظعات" السياسة السودانية من شاكلة " مذبحة الضعين". و أنا من الاشخاص الذين احتفوا بكتاب " مذبحة الضعين" الذي تضامن على إنجازه كل من عشاري و سليمان بلدو و دفعا ثمن موقفهما من عملة العسف الغليظ مما أشار إليه الصديق محمد محمود في كلمته التي في مطلع هذا الخيط.
و رغم أن سؤال عشاري يتعلق بالكيفية التي يتخلّق بها المثقف السوداني أمام حوادث السياسة السودانية إلا أن كلمة عشاري تهمل سؤال المثقف، الذي هو سؤال في أنثروبولوجيا الثقافة الحديثة و تسارع لإدانة و تجريم الجماعة المعرفة عنده بـ" قبيلة الرزيقات" و " مثقفها"[ د.الوليد مادبو] و قياداتها العشائرية و جملة النساء و الأطفال المحسوبين على هذه الجماعة الشريرة.و إلى جانب إدانة قبيلة الرزيقات لا ينسى عشاري أن يدين حكومة الصادق المهدي على مسؤوليتها في المذابح الممتدة بين الضعين و بابنوسة و المجلد إلخ.و لا ينسى عشاري أن يدين حكومة " الإنقاذ بأثر رجعي لدورها المرتقب في المذابح التي وقعت قبل إنقلاب الإنقاذيين [ و البحر ما بيابى الزيادة].
قرأت كلمة عشاري باحثا عن إجابته لسؤال المثقف السوداني في مواجهة " مفظعات" السياسة السودانية لكنى لم أجد سوى حنقه على قبيلة مدموغة بالشر من كبارها لصغارها.و حين أنظر في تعريف عشاري لصفة الـ " قبيلة" أجده يقول :ـ""القبيلة"، هذه المُتَخَيَّلة ذات الخرافات عن حاكورتها وتاريخها وثقافتها وفرسانها وميلشياتها ومناجمها للذهب وحكمها الوراثي، القبيلة التي تكاد تكون دولة ذات سيادة داخل الدولة بخرافاتها هي الأخرى.ـ"
و هكذا يلخص عشاري ، من منظور الأنثروبولوجي الواقف على مسافة أكاديمية من موضوع بحثه ، يلخص القبيلة ككيان "مُـتَخَيَّل" عماده خرافات المكان و الزمان اللذين تشغلهما داخل الفضاء السياسي للدولة الحديثة " بخرافاتها هي الأخرى"ـ و ضمن هذا السياق كنت اتوقع ان يعود عشاري لسيرة المثقفين المتخلقين في ظل القبيلة لكن خاب ظني لأن صاحبنا استغنى عن موضوعه بتعقب النساء الرزيقيات و الأطفال و تجريمهم بطريقة لا تليق بالباحث في أنثروبولوجيا الثقافة.يا عشاري ياخ إنت أعمل شغلك و خلي شغل البوليس لناس البوليس عشان شغلك دا إنت تأهلت له اكثر من غيرك ، و لا شنو؟و أنا بقول ليك الكلام دا عشان شايفك جبت لينا خرافة " إتحاد الشباب السوداني " تاني.
كتبت يا عشاري تخاطب هذه الفئة الـ" متخيلة" التي تعرفها بشباب الرزيقات :ـ
(2)
ولتنسوا المثقفين في سن الأربعين وما بعدها
وكذا فلْتنسوا أنتم شباب الرزيقات في عزلتكم أمرَ جميع المثقفين الرزيقات في سن الأربعين وما بعد الأربعين، الذين كانوا حاضرين بالوعي ومعاصرين بالتجربة حدث مذبحة الضعين، وغزوات قنص الرقيق بواسطة "فرسان" الرزيقات، واستغلال الأسر الرزيقية الرقيق الدينكا في البيوت بمدينة الضعين وفي كامل أرجاء "دار الرزيقات"،
« .. »
.
و عشاري في سورة عجلته يقول للشباب : »

...
(3)
ابحثوا في مشاركة بعض المثقفين في المذبحة وممارسة الرق
ولتعرفوا أن من بين هؤلاء المثقفين الرزيقات في الأربعين وبعدها من كان شارك شخصيا في تنفيذ مذبحة الضعين،"
طبعا عشاري يتهم" هؤلاء المثقفين في الأربعين و بعدها" بالمشاركة " شخصيا" في تنفيذ مذبحة الضعين.و أنا لا أستبعد أن يكون من بين منفذي مذبحة الضعين أشخاص تجاوزوا الأربعين لكن توصيف عشاري لهؤلاء القتلة بصفة " المثقفين" يبقى قولا تعوزه البينات و أهلنا قالوا : "البينة على من ادّعى ». و في هذا المقام فعشاري يدعي على الناس " المثقفين" دعاوى جسيمة. لكن عشاري الأديب يقع في شر أعماله بسبب هذه الـ "فاء" اللعينة التي يسوّغ عليهادمج فئتي المثقفين و الأطفال في مسرح الجريمة الرزيقي .و عبارة عشارى في قراءتي " البريئة" ترد هكذا :ـ
ولتعرفوا أن من بين هؤلاء المثقفين الرزيقات في الأربعين وبعدها من كان شارك شخصيا في تنفيذ مذبحة الضعين،"
فثابت أن عددا مقدرا من الأطفال الرزيقات بمدينة الضعين نفَّذوا التقتيل المباشر حرقا لأجساد الأطفال والنساء الدينكا في حوش البوليس بمحطة السكة الحديد، في سياق ذلك الهجوم واسع النطاق والمنتظم.
وأَقرأُ في أوراقي عن شباب من الرزيقات في المدرسة الثانوية بالمدينة في ذلك الوقت في منتصف الثمانينات وكانوا يتركون مدرستهم للمشاركة في غزوات النهب وقنص الرقيق، دائما من دار الدينكا.

أظن ، غير آثم، أن كلمة عشاري " في الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين " لا تضيئ " الكيفية التي يركب بها هذا المثقف [ الرزيقي] الصامت ذاتيته و هويته مما يدور في سياق السودان في ظل الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة" لكنها بالتأكيد تضيئ الكيفية التي يركب بها عشاري، المثقف الخارج من غبن تجربة نظام الإنقاذ، أدبه السياسي.
يا عشاري ياخ خليك من ناس نظام الإنقاذ و خليك من مثقفي الرزيقات، و خليك من إتحاد الشباب السوداني ذاته، بس أرحمنا أنحنا القاعدين نراعي ساكت لأدبك المبذول في فضاء العمل العام، عشان أنحنا شايفين حكاية المثقفين السودانيين الواقفين في ساحة العمل العام الليلة ،حكاية مجوبكة وخيوطها معقدة فترفق بنا ينوبك ثواب و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
سأعود
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


عودة لسالف العصر والأوان في قضية المذبحة

(1)

قرأت مثل كل القراء كتاب مذبحة الضعين ، في نسخته العربية ، وأحمد للدكتورين بلدو وعشاري مشاركتهما في العمل العام ، وعلى نفقتهما الخاصة قاما بتلك الأبحاث ، وقد وافقت على معظم ما جاء في البحث ، وأثمن الدقة في الإفادات والنقل عنها ، رغم يفاعة سن بعض الشهود ، على أساس أن الأطفال لا يكذبوا ( عادة ) ولكنني توقفت قليلاً :
في عبارة معناها أن الجيش الشعبي تمدد في مناطق غرب السودان !!!، ولم يفصل الكتاب أي تفاصيل عنها ؟!
مرّ زمان طويل أنساني العبارة ، ولكن توقفت في المعنى .
ماذا يعني تمدُد الجيش الشعبي في فترة الديمقراطية الثالثة ( 1985 – 1989 ) . يعني أن مُقاتلي الجيش الشعبي عملوا في مناطق غرب السودان . لم يكونوا مُبشرين مُسالمين ، ولكنه جيش مُقاتل ، يحتاج المؤن والغذاء والدواء ، فماذا فعل في تمدده في غرب السودان ؟؟ .
ونعرف أن قيادات الحركة الشعبية في ذلك الزمان كانت من قبيلة الدينكا ....

(2)

نعود للمذبحة
هنالك قضية غير مذكورة في حوادث سرد الجوانب المحيطة بالمذبحة :
لماذا تمت المذبحة ؟؟
أهو خبط عشواء ؟ أهو ميلٌ غريزي للقتل والشواء بالنار ؟؟
هنالك جانبٌ غائب في قضية المذبحة والشواء ، وهو السبب الموضوعي الذي تسبب في هذه المذبحة بتلك البشاعة حسب ما أعتقد. وأعتقد أن الدكتورين تناسيا ذكر الأسباب التي دعت جموع الرزيقات من تنفيذ تلك المذبحة بتلك البشاعة . لا أظن أن كُتاب الوثيقة ، سقط منهما سهواً ، قصة الثأر ماذا ؟ ماذا فعل أبناء جنوب السودان في قبائل " الرزيقات " ؟؟
نعرف الصراعات القبلية في تلك المناطق .إن فظاعة ما تم ، يستدعينا أن نعرف الأسباب ، لأن الطبيعة الشريرة المُطلقة التي أضفاها الدكتورين ، لم تُقنعني بأن القبيلة شريرة بطبيعتها ، وتلك مثالية لا أوافق عليها . حتى نحن في القصص ، نقنع بأن الناس يقتسمون الشر والخير ، فما هو الدافع وراء ذلك الثأر البَشِع ؟؟ .

(3)

قال اسحق نيوتن في الرياضيات :
( لكل فعل رد فعل ، مساوٍ له في المقدار ومُضاد له في الإتجاه ) ، ولكننا لن نأخذ مناهج الرياضيات ونطبقها قسراً على المجتمع . لأن قسوة التنفيذ لها علاقة ، حسب ما أرى :
( بقضية تمدد الحركة الشعبية ، ومُقاتلي الحركة الشعبية .)
وستظل الفرضية موضوع سؤال حتى تتم الإجابة ...
منْ يُجيبني يا تُرى ؟

(4)

الشكر لدكتور محمد محمود ، ولجميع شركاء الملف .

عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


الشكر لموزع عطر الكتابة : الأكرم : محمد سيد أحمد
حسن موسى
مشاركات: 3621
اشترك في: الجمعة مايو 06, 2005 5:29 pm

القبيلة تبدو و القبيلة تكون

مشاركة بواسطة حسن موسى »




القبيلة تبدو و القبيلة تكون [ حسب المصلحة]

القبيلة ،في تعريف المعاجم الفضفاض، كيان إجتماعي متكون من إلتئام الافراد و الأسر و العشائر على تاريخ عرقي و ثقافي مشترك مثلما يتقاسم أفراد القبيلة اللغة المشتركة و التنظيم السياسي و الاقتصادي المشترك. لكن القبيلة هي أيضا كيان رمزي منفعل بحوادث التاريخ الذي تصنعه قوى اجتماعية فاعلة خارج مجال فعل القبيلة. و في هذا المنظور فالقبيلة، كتنظيم إجتماعي، تطرح نفسها كفئة مفهومية متحولة في علاقتها بالعالم المحيط.و لو نظرنا لقبيلة الرزيقات ضمن هذا المنظور، فنحن أمام كيان متحول قائم في صيغة الجمع من واقع تعدد الظروف الذي يطرحه انتشار جسم الرزيقات من كردفان لدارفور غربا لغاية شرقي تشاد..و هكذا فقبيلة الرزيقات ،التي كانت قبل التماس مع مجتمع رأس المال ، هي غير قبيلة الرزيقات التي صارت بعد أن أدركتها حضارة السوق الرأسمالي الحديث. وكذلك الحال بالنسبة للثقافة الرمزية التي تحكم علاقات الرزيقات ببعضهم البعض و بغيرهم من أفراد و مؤسسات.كل هذا الواقع المعقد يجعل من أسقاط المصطلح " قبيلة الرزيقات"، على جماعة الضعين التي اقترفت مجزرة الدينكا نوعا من الإجحاف المنهجي في حق مفهوم القبيلة و في حق الجهود المبذولة من أجل الحقيقة حول مذبحة الضعين.لأن عشاري يجرّم كل فرد ينتمي للرزيقات بسبب أن بعض الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم كرزيقات اقترفوا مذبحة في الضعين. و بهذا المنطق فكل شمالي شايقي أو جعلي إلخ ،انخرط ، بطريقة أو بأخرى، في انظمة العربسلاميين التي قتلت مئات الآلاف في مذابح الحرب الأهلية الطويلة في جنوب السودان، هو بالضرورة مجرم زنيم يستحق العقاب.و لو تمادينا بهذا المنطق ، منطق "الكُوار" الغوغائي، إلى نهاياته فعشاري نفسه لن ينفد من طائلة الإدانة بوصفه ابن قبيلته و ابن طبقته و "مستفيد" بالضرورة من تراكم الإمتيازات و الحظوات المادية و الرمزية التي مكّنته من أن يكون ذلك المثقف العارف الطامح لتعليم الشعوب السودانية.

في طرح عشاري للقبيلة وجهان،أولهماذلك الوجه الذي "يبدو" في منظور الباحث العلمي الأنثروبولوجي [المحايد؟]كموضوع للمفاكرة، كمفهوم متحرك ،أو، كما جرت عبارة عشاري،"كـ " متخيّل"،و لو شئت قلت كـ"وهم".و ثانيهما ذلك الوجه الذي "يكون" ككيان جمعي فاعل عند تقاطع الزمان و المكان الواقعي.و حين يقوم عشاري بمخاطبة الوليد مادبو بصفته من""القبيلة"، هذه المُتَخَيَّلة ذات الخرافات " فهو ينفي وجود القبيلة ككيان قائم على أرض الواقع ، بينما هو ـ عبر مخاطبته لشباب الرزيقات ـ يعترف بالقبيلة لكنه يدعو شباب الرزيقات للتخلي عنها لأنه يلخصها كتاريخ من " المفظعات الجماعية"، فهو يقول :ـ
«  هذه الموضوعات عن الرق والمفظعات الجماعية، بطبيعتها وتعقيداتها في مناطقكم الأولية وبعلاقاتها بما يسمى "المركز"، قد تستفزكم، وقد تشعركم بخجل قبيلي، لكنها تدرِّبُكم على التفكير الحر، وعلى الانتقاد، بل فيها انعتاقكم من قيود القبيلة، كالمقدمة لمقاومة الترتيبات الراهنة المصبوغة بالعنف، ولمقاومة "اللغة الفاشلة" عن تاريخ القبيلة وفرسانها وفرادتها وثقافتها وحساسية الموقف، بينما كله إن تمعنتم فيه تجدونه خرافات ومحض كذب وخدْعاً للذات.
فما "الفرسان" إلا مجرمون تافهون، وما تاريخ القبيلة إلا هو تاريخها في تجارة الرق والعنف والنهب، إلا إذا أردتم إلغاء التاريخ فيما يتعلق بهذا الموضوع المحدد محل المحادثة، والتاريخ هنا هو تاريخ المفظعات الجماعية.
« 
ـ
غايتو ربنا يجيب العواقب سليمة عشان تاريخ السياسة السودانية عامر بـ "مفظعات" ما أنزل الله بها من سلطان.فما العمل؟

سأعود
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

اتصل بنا




























































حين يكون دماغ المثقف مسكونا بالعبيد الآبقين .. بقلم: د. عشاري أحمد محمود خليل
التفاصيل C نشر بتاريخ: 04 نيسان/أبريل 2017 <الزيارات: 400





[email protected]
أولا،

المثقف والأخلاق
(1)
في الدماغ المسكون بالعنصرية
فدماغ د. عبد الله يظل مسكونا بكراهيته العبيد، وكيانه مستحوذ بعشق السادة، ولم يجد عبد الله بعد رِدَّته من الماركسية موقعا له إلا مع السادة ملاك العبيد في سودان الرق، على المستوى التجريبي لا الاستعاري، مما تفضحه الهفوة الفرويدية تنضح بالعنصرية التي حاول عبد الله تلافيها بقوسين وقد صعب عليه تحمل مسحها، وهي الهفوة المعبِّرة عن عميق وجدان عبد الله كمثقف إسلامي عروبي يكره "الجنوبيين" بإطلاق، خاصة هؤلاء ضحايا مذبحة الضعين وضحايا الرق.
...
كيفني عبد الله في مقاله بأني الأكاديمي "الآبق"، وما الآبق في اللغة وفي الفقه الإسلامي إلا ذلك العبد الهارب من سيده، وفي اللغة تتخرَّج العنصريةُ صافية من عصبونات الدماغ المتفاعلة مع دواخل العقل المتفلت، رغم أنف الكاتب أو حيطته. لكن الوصفة بالعبد الآبق من عبوديةِ أكاديميةٍ من النوع الذي يتمرغ فيه عبد الله تظل في محلها، بمعناها الحقيقي لا المجازي، وهي وصفة صحيحة لا أرفضها.

(2)
استعراض عبد الله بأكاديميته المفروشة للفرجة
ليست هي المرة الأولى التي يستعرِض فيها عبد الله بـفرش "أكاديميته" أمام النظارة القراء، شوفوني، في سياق مناجزته ضد مخالفيه بشأن تسخيره قلمه ليل نهار لتبرير المفظعات الجماعية مثل المذابح والرق مما اقترفته المنظومة العروبية الإسلامية في السودان، وللدفاع عن سادته الإسلاميين.
فالأكاديمية الطالعة في راس عبد الله بل تتلخص عند "البروف"، كما يناغيه أحبابه الإسلاميون الأصيلون ما صدقوا في جدب عقولهم أن المدد يأتيهم من مرتد من الماركسية إلى الإسلامية مِتُّورك، تتلخص هذي "فَسْوة العلم" (الواثق) في تكثر عدد "الكتب" التي نشرها عبد الله لتسويق ذلك مشروعه العروبي الإسلامي الفاشل.

(3)
بيضة الديك
وفي استعراض عبد الله بكتبه المتكثرة وهي ليست إلا لمام مقالاته البايخة وبالعكس، قال عبد الله إن كتاب مذبحة الضعين هو "بيضة ديك عشاري"!
فليكن الكتاب كذلك هو بيضة الديك المنسوبة إلي، رغم ثبوت كذب عبد الله في هذه قولته التي اقتبسها من لغة رفيقه في الكذب على القراء، الأستاذ خالد موسى الذي، حين كذلك أعيته الحجة بعد أن قدمتُ الإثبات على كذبه وتزويره تقرير الإيكونيميست، ما وجد إلا ذات هذه الكذبة ليروِّجها.

(4)
اليساري المرتد إلى القاع
وما خطاب عبد الله على مدى الثلاثين عاما الماضية إلا التعبير عن أزمة اليساري المرتد لا يتوقف في سقوطه المتسارع إلا في حد القاع، من أقصى اليسار، حين كان عبد الله المثقفَ الملتزمَ الملهمَ وكنتُ ألزِم طلابي بالجامعة بقراءة ما كتبه عبد الله في العلاقة بين اللغة والحياة عن أحداث ما سمي بـ "هجوم المرتزقة"، 1976، وكانت تلك كتابة عبد الله أرقى ما تمت كتابته في علم اللسانيات الاجتماعية في السبعينات، ولما يتم عندئذ تأسيس العلم ذاته في جامعات العالم، فمن أقصى ذلك اليسار محل الفكر التقدمي إلى أقصى اليمين في وجودية عبد الله الراهنة في درك تسخير قدراته العلمية وكامل معرفته وما تبقى من ذكائه لترسيخ العنصرية في السودان ولخدمة طغيان الحكام وفساد الدولة الإسلامية وإجرامها.
...
وليس عبد الله، بكتابته، إلا الأنموذج السوداني الصافي لظاهرة اليساريين المرتدين في التاريخ، مما ورد بيانه في كتاب آشلي لافيل بعنوان "سياسية الخيانة: المرتدون والراديكاليون السابقون من موسيليني إلى كريستوفر هيتشينز". وفيه قصة عبد الله من الألف إلى الياء تحت أسماء أوربية وأمريكية معروفة. فالدماغ هو ذاته الدماغ في نفسانياته وفي سياقاته. ولا تنفصل الأفكار المكتوبة عن شخص صاحبها ولا عن شخصيته. فالكتابة في مجال الشأن العام هي الشخص ذاته. وكل تمييز بين ما يكتبه الكاتب وشخصه/شخصيته تمييز باطل.

(5)
الموقف السياسي الأخلاقي هو المعيار في تقييم المثقف، لا عدد كتبه
فأما وقد ضعف تفكير عبد الله وأصبح غير قادر على التفكير، تجده لا يدرك أن ما يميز المثقف في ميزان الأخلاق هو موقفه السياسي المُتطرِّف إلى جانب قضايا مجتمعه الجوهرية وإلى جانب المسحوقين ضد جلاديهم دون اكتراث لما يقوله الجلاد، لا ما ينتجه هذا المثقف من هراء ينشره كتبا ومقالات متكثرة أغلبها للتلهية ولخدمة السلطان في مثل هذه الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة.
...
ظل عبد الله يدعم إجرام الإنقاذ وفسادها وعنصريتها على مدى ثمانية وعشرين عاما لم يتغير خلالها عبد الله إلا في لحظات متواترة، كلما كان عبد الله شعر أنَّ قارِبَ الإنقاذ لا محالة غارق فركب عبد الله الموجة الجديدة بمقال، وعينه زائغة تترقب تطورات الأحداث، وما أن انحسرت الموجة حتى عاد عبد الله إلى سيرته القديمة بمقالات متكثرة في تزيين قبح الإنقاذ بلغته المكررة عن الإنقاذ الحارسانا الباقية لينا، حتى تدهمه لحظة خوف جديدة، فيبدل عبد الله مجددا جلدته في سرعة الحرباء ويتذكر للمرة الأولى أن جهاز الأمن لا يعلو فوق الحرية، وما هي إلا لحظات إضافية ويتذكر عبد الله مقتضيات الرِّدة فيندرج في تحنيس عبد العزيز البطل زميله في جهاز "سلاح الكتابة"، كلنا في الهم شرق وإخوان. وهكذا دوليك، في حياة المرتد من الماركسية.

...
(6)
الرد على عبد الله بوقائع المذبحة
فجميع القضايا التي أوردها عبد الله بالأمس في مقاله المنشور قبل ثلاثين عاما كنت فندتها في وقتها، ولأني ظللت أواصل البحث في المذبحة والرق على مدى الثلاثين عاما، لم يتغير أمر جوهري عن المذبحة أو الرق، بل أكدتْ المعلومات اللاحقة بؤس حذلقات عبد الله جميعها، مما سيجده القارئ في هذا المقال وفي المقالات التي تليه وفيها زيادات لتجلية حقيقة المذبحة والرق، وفيها الرد على ادعاءات عبد الله الاحتيالية، احتيالية لأن عبد الله ظل ينشر الهراء والمغالطات في مسعاه الدؤوب لتزوير الوقائع عن المذبحة وعن الرق.
وكل ما أكتبُه هنا مقتبس من مسودتَي كتابين عن المذبحة وعن الرق في أكثر من ألفين من الصفحات، ولست مهموما بنشر "كتاب" على طريقة عبد الله، ولا أكتب إلا كسوداني يتفاعل مع القضايا الجوهرية الراهنة في وقتها، من موقع ما يتيسر لي من وقت للبحث والكتابة، وليست لي حرية الحركة التي ينعم بها عبد الله في كنف نظام الإنقاذ بين أمريكا والسودان بجوازي سفر وبلسانين.

...
(7)
احتقار عبد الله ضحايا المذبحة
أما بشأن وقائع المذبحة، فيتلخص خطاب عبد الله في احتقاره الضحايا وسخريته من العذاب الذي لحق بهم حين تم حرق أجسادهم في مذبحة الضعين، أكثر من ألفين وخمسمائة من الأجساد الحية، في يوم واحد، وكان تسعون بالمائة من الضحايا من الأطفال والنساء بعد أن تمكن أغلبية الرجال الدينكا من الفرار على أمل أن الأطفال والنساء مصيرهم الاسترقاق المقدور عليه.
فمأساة عبد الله التي تفسر عدم تعاطفه مع الضحايا هي أنه غير قادر أصلا حتى على سبيل الخيال على وضع نفسه أو زوجه أو أطفال له تحت رحمة قوم يتضاحكون وهم يحرقونه وزوجه بالنار ويخطفون أطفاله لاستغلالهم رقيقا.
...
فالمثقف غير الحاضر بجسده في لحظة وقوع الحدث بل مطلوب منه تصور نفسه في وضعية الضحايا، واعتماد ذلك "حجاب الجهل" في فلسفة رولز، أن نتصور أن التدابير والترتيبات والوضعيات التي نؤيدها وندعمها أو لا نسجل موقفا حيالها ربما تفضي إلى الـتأثير علينا في أجسادنا.
فلو كان عبد الله دينكاويا، وهو سيقول العياذ بالله، في مدينة الضعين 1987، وكان هؤلاء أحبابه الرزيقات حرقوا زوجه واسترقوا أطفاله، لما كان عبد الله كتب هذا المقدار من الهتر في التقليل من شأن مذبحة الضعين أو الرق.
وهذا هو المقياس الأخلاقي الأساس لتقييم المثقف في مثل هذه الوضعية المحددة، المثقف الأخلاقي ذلك القادر على تصور نفسه وأسرته في وضعية الضحايا غير مكترث لما يسميه عبد الله "الموضوعية الأكاديمية"، وهي فكرة بائسة حتى في العلوم الطبيعية دع عنك في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
فأما وعبد الله غير قادر أصلا على التفكير في مثل هذه الوضعية المستحيلة عنده، أن يكون دينكاويا في مدينة الضعين، ولو في مجرد الخيال، خاصة وهو في حماية الإنقاذ، فلا نتوقع منه إلا هذا موقفه في الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين.
...
ولهذي عدم القدرة على التفكير، تجده عبد الله يعيش الأوهام ويجتر الخرافات والتجريدات عن النسيج الاجتماعي، والعلاقات، والرموز، والرزيقات ليسوا مخلب قط، والرزيقات لهم أجندة، والقتلة شخصيات في دراما اجتماعية، وبقية الكلامات الفارغة المقتبسة من أوراق صفراء، وما كان أحد يطيق سماع مثل هذا السخف حتى قبل ثلاثين عاما، دع عنك مجرد الاستماع إليه في زمان الدولة الإجرامية، وفي زمان القبيلة كمنظمة إجرامية لها الصفحة في الفيسبوك وتتصل عبر القارات بالآي فون، لكنها القبيلة تخفي حداثتها وتتخفى وراء ستر الثقافة وما قبل الحداثة، وهي القبيلة تريد أعذارا ثقافية لجرائمها، مما ينهض إليه المثقفون مثل عبد الله في دور ضباط العلاقات العامة، مهمتهم لفلفة الكلام للتلهية عن الأمور الواضحة في هذه الوضعية، أمور القوة/السلطة والمال والهيمنة والاستغلال والعنصرية.
...

ثانيا،
تجربة الضحايا وقد اشتعلت فيهم النيران، مما لا يفهمه عبد الله
(1)
مقدمة عن موقع حرق الجسد الدينكاوي في ثقافة الرزيقات
كان حرق الجسد، جسد الدينكاوي، التعبير الفاصل عن "الحل النهائي"، على المستوى النفساني في مخيال الرزيقات، كأشخاص وكقبيلة. الحل النهائي لمسألة الدينكا المعذِّبة لا تطاق. بصورها في شظايا الذاكرة الرزيقية المزحومة بالصور. صورة مقاومة العبد الدينكاوي الآبق يرفض الانصياع لسيده. وصورة اخضرار أرض هذا العبد بينما مكانه في هذه المحرقة، أرضه الخضراء مقارنة مع أرض الجفاف والقحط في كثير دار الرزيقات التي ظلت تهذي بأنها أرض الدينكا خالية من سكانها.
...
لابد كانت هذه الصور تترى في العقل الجمعي للعشرة ألفا من الرزيقات الذين كانوا جاءوا مسلحين في حالة هياج ونشوة مستحوذين بتلك عقلانية الهذيان. يريدون تنفيذ الحل النهائي، تنظيف أرض الرزيقات من دنس العبيد الدينكا الآبقين. ووضع حد للعذاب النفساني الذي سببه لهم شباب الدينكا بمقاومتهم المسلحة ضد القهر والطغيان والاسترقاق من قبل الرزيقات.
...
كان حرق الرزيقات أجساد الدينكا الأحياء في مذبحة الضعين فعلا تقنيا له بنيته ومدخلاته وأدواته ووسائله، وكذا أمكنته وزمانيته. وهو تمثل امتدادا لحرق الرزيقات مساكن الدينكا في حلة فوق، يوم الجمعة 27/3/1987، قبل يوم المذبحة، مما كان حلقة في سلسلة عمليات حرق مشهورة استهدف بها الرزيقات الدينكا. منها حرق منزل محرر الرقيق، مانجوك جيينق مانجوك في أبو مطارق، "عندو سكين، أنيانا، جون قرنق". وحرق المليشيات الرزيقية مساكن الدينكا في القرى في شمال بحر الغزال. وحرقهم مخازن الذرة في قرية الشيخ مشام أنقوي، حيث ظل الحريق مشتعلا على مدى سبعة أياما.
وهنا الآن في محطة السكة الحديد، نجد حرق الأجساد الحية، ألفين منها ويزيد، وحرق تلك التي انتزع الرزيقات منها الحياة انتزاعا بالعصي والسكاكين وبنادق الكلاشينكوف والكلاج والفال وبالحراب.

(2)
كيف كانت عملية حرق الجسد الدينكاوي (من علوم النيران)
تعيننا علوم النيران في إعادة تركيب الكيفية التي نفذ بها عشرة ألف من الرزيقات حرق أكثر من ألفين ونصف من الدينكا في سياق المذبحة، مما سيأتي بيانه في توصيف أربعة مسارح للجريمة في محطة السكة الحديد. والعشرة ألفا من الرزيقات المهاجمين هو الرقم المحافظ الذي قدمه الصادق المهدي في مؤتمره الصحفي في يوم 8 سبتمبر 1987 للتغطية على حقيقة مذبحة الضعين.

(3)
احتراق الجسد
فها هي جموع الرزيقات أطفالا ونساء ورجالا، في معية أشرار من قبائل أخرى، في ذلك اليوم 28 مارس 1987 يشاهدون على أرض الواقع جسد الدينكاوي الطفل أو جسد المرأة يحترق بالنيران، أمامهم مباشرة، وكان الرزيقات في غاية السعادة يرقصون ويغنون ويقفزون في الهواء طربا أمام المشهد.
ها هي النار بدأت بطيئة تتمسك بالجسد الدينكاوي المتخبط من العذاب، لا يقطع على النار حبل تفكيرها إلا صراخ الضحية من الألم، وها هو الجِلد بدأ يتشَيَّط ويتحرق، مع الصراخ المستغيث بإله غائب، وبدأت تظهر بُثورُ جِلد الطفل أو المرأة في شكل فقاعات مثل حويصلات هوائية. وكله مقتبس من لغة علوم النيران. وربما كان ذلك أقصى ما تعرض إليه كثيرون في حياة محمية من الرزيقات.
وها هو جسد الطفل الدينكاوي يتشنج، خلال دقائق، والآن فارَق الجسدُ الحياةَ تحت تأثير الصدمة وبسبب فقدان السوائل، لكن النار لم تترك الجسد لحاله وقد فارقته الحياة. وكذا لم يتركه الرزيقات المهللون.

(4)
استمرار عملية احتراق الجسد
علوم النيران دائما هي المصدر مقرونة بما نعرفه من الشهود. الدقائق تمر، وها هي فجوات الجسد ظهرت عيانا أمام الرزيقات المُعبِّرين عن البهجة وروعة المشهد، وها هو الجِلد على الجسد الميت المتحرك يتحرق أكثر وأكثر، عضلات الصدر تتفحم وتنكمش، تظهر الضلوع، وها هي فجوة الحلق تبدو عيانا، وها هو البخار يتصاعد من منطقة البطن، يشاهده الرزيقات المستمتعون بالمشهد، وهم يرون جِلد الأيدي الدينكاوية العاملة يتسلخ، الأيدي تدمرت كليا، ولم يعد ممكنا رؤية الأطراف.
ثم ها هي فجوات الجسد المحترق تتسع ويغلي فيها السائل الجسدي، وتبدأ المواد الصلبة والمتكسرة المتهدمة تتدفق من الفجوات، عظام وجه الطفل تكلست، وانكمش جسد المرأة المحرق خلفا أو أماما. ها هي السوائل اللزجة تتدفق من الجسد خالقة بركة دهون ودماء ومواد لزجة تحت الجسد، مما يجدد اشتعال الجسد. جذع الجسد يستمر يحترق تدريجيا، الحريق يبطأ، تظل النار الموقدة مركوزة في هذا جذع الجسد. الأعضاء الداخلية المتهدمة في الجسد بدأت تسوَد وتنكمش، تظهر الأمعاء بارزة فوق جدار البطن، عضلات الأيدي متكلسة منكمشة، وفيها كسور.
هكذا يحترق جسد الإنسان الذي كان للتو حيا، ولا يمكن اختصار عمليات الحرق والاحتراق في عبارات مجردة.
الدماغ المسودُّ انكمش، الوجه عار تماما من كل لحم، العظام بدأت تتكلس. تحولت الأمعاء إلى شبكة أشياء متناشفة، بعد أن خف التبخر من الجسد. تقوضت وتناثرت عظام الوجه. وظهر عظم الرقبة في نهاية الجمجمة.

(5)
الرزيقات في غاية الاستمتاع يشاهدون ويضحكون
ولمثل هذه المتعة في مشاهدة جسد الضحية يحترق صويحباتٌ في عمليات سحل الأمريكان السود وتعليقهم في الأشجار بينما النظارة البيض يأتون في جموع غفيرة في أبهى حللهم يتضاحكون ويتناولون مشروب البيبسي. ولنا في محرقة اليهود النازية مثال آخر، كفعل بيروقراطي لا يحرك ضمير الجناة الذين يجدون الراحة في دقة عملية الحرق للجسد.
...

(6)
وضعيات بينية لاحتراق الجسد
تكسَّر الهيكلُ العظمي ذاته بعد تغيُّب العظام التي كانت تركِّبه، ولا يربطه الآن إلا العضلات الناشفة. اليدان تدمرتا تماما. الورك تحول إلى عظمة. الجمجمة تدمرت لا تترك إلا تلك عظمة الرقبة.
كل الأعضاء الداخلية تحولت إلى رماد، واحترقت جميع الأنسجة في الحوض. ها هو الجذع انفصل، وتحطم الجسد كله.
هنا، بعد اكتمال الحريق، أمام الرزيقات المتضاحكين، تظهر بقايا عظام، متشققة، تنكمش الأعضاء الداخلية وتبدو وكأنها لعب أطفال، تتحول إلى مثل شكل السفنجة ذات القدود. تتحول الأنسجة إلى رماد تتخلله عظام. وينتهي الأمر. دائما من علوم النيران مقرونة مع توصيف الشهود وضعيات حرق الضحايا.

لكن، هنالك كذلك جثث تخمد نيرانها في مراحل وسطى بينية، في أية نقطة، بين لحظة الموت بالصدمة وفقدان السوائل في البداية، إلى مرحلة الاحتراق الكلي النهائي في وضعية الرماد المخلط بالعظام الصغيرة. ويختلف احتراق الجسد حسب الوضعية داخل عربة حديدية مغلقة، أم خشبية مكشوفة، أم في الهواء الطلق في حوش البوليس وفضاءات محطة السكة الحديد وشوارع مدينة الضعين.
وكله لإمتاع جموع الرزيقات الحاضرة.
...
مات بعض الأطفال والنساء الدينكا في العربات الحديدية بسبب استنشاقهم الدخان والغازات السامة المنبعثة من حريق القطن والقش والبنزين.
فللنظر في مسارح الجريمة الأربعة الكبرى في محطة السكة الحديد، يوم المذبحة 28 مارس 1987.
...

ثالثا،
حرق السبعمائة شخصا في حوش نقطة السكة الحديد
(1)
إسماعيل نيوبي (أ. ن. في كتاب مذبحة الضعين)
في يوم السبت 28 مارس 1987 بمحطة السكة الحديد. تعرف الشهودُ الدينكا على الرزيقي إسماعيل نيوبي، الكموسَنْجي في سوق الضعين، وله حتى في يومنا هذا في سوق الضعين دكان، وكان حيا يتنفس حتى أخر متابعتي لأحواله في العام 2015. وعرفت في ذلك العام من أحد الشهود كان بمدينة الضعين أن لنيوبي ولد في الأربعين من العمر تقريبا كان قبل أعوام قليلة يعمل في مجال الإغاثة وكان تخرج من المدرسة الثانوية.

(2)
برميل الوقود والأطفال لحرق الأطفال والدينكا
تعرف الشهود على إسماعيل نيوبي حين كان يوم المذبحة يدحرج برميل الوقود بمعاونة صِبْية الرزيقات، حتى توقف نيوبي والصِّبْية إزاء حوش نقطة شرطة محطة السكة الحديد وفيها أكثر من ألف من الدينكا المنتظرين حلا، بعد أن كانت عربات القطار العشرة امتلأت بالركاب عن آخرها ولم يعد في أي منها موطئ قدم.
...
تشير المعلومات المتوفرة من الشهود إلى أن نيوبي كان قفل راجعا من محطة السكة الحديد إلى داخل منطقة السوق لاستحضار هذا برميل الوقود الذي كان كافيا، مع أشكال الوقود الأخرى مثل القش والمراتب، لحرق سبعمائة شخصا على أقل تقدير في حوش البوليس المسوَّر، وهو تفسيري من منطلق علم النيران لفهم الكيفية التي تحترق بها الأجساد في الوضعيات المختلفة المغلقة أو المكشوفة، حيث يكفي إشعال النار في أجساد قليلة متلاصقة ومن ثم تنتقل النيران بين الأجساد المتضامة ذاتها التي تصبح بدورها وقودا لحرق ذاتها ولحرق أجساد إضافية في المكان.

(3)
الوقود لحرق الأجساد الدينكاوية
لم يكن نيوبي لوحده مع الصبية الأشقياء "يعملون"، فقد كان آخرون من الرجال والنساء الرزيقات كذلك "يعملون"، من لغة الإبادة في رواندا، فقد ذهبوا إلى المنازل القريبة لإحضار مستلزمات إضافية لحرق الدينكا مثل الشَّرْقانِيَّات وهي ألواح منسوجة من القش، والقش الناشف، والمراتب القطنية، وخِرق القماش، والملابس المستعملة. وكلها أنواع وقود، بالإضافة إلى الوقود السائل مثل الجاز المحروق والجازولين والبنزين، وهنالك الكبريت.
بالإضافة إلى إحضار الرزيقات أدوات أخرى للتكسير مثل الفؤوس التي اكتشف الرزيقات أهميتها حين واجهتهم مشكلات تكسير الأبواب والشبابيك والنفاذ إلى الدينكا المتحصنين داخل العربات الحديدية المغلَّقة.

(4)
كيف حرق الأطفال الرزيقات في معية النساء والرجال سبعمائة من الدينكا في حوش البوليس؟
فتَح الكموسنجي إسماعيل نيوبي برميل الوقود أمام حوش البوليس وأمام المسؤولين الحكوميين والأمنيين والشعبيين المجتمعين تحت شجرة النيم في المحطة، وصب من برميله للصبية في مواعين منزلية أتوا بها. فرَشَّ هؤلاء الصبية، ومعهم آخرون من النساء والرجال، رشوا الوقود على الدينكا المحاصرين داخل حوش نقطة بوليس المحطة. وقذف آخرون بالأشياء المشتعلة فوق الرؤوس.
فحرقوا سبعمائة طفلا وامرأة وبعض الرجال في هذا المكان. وقد عدَّلتُ الرقم للضحايا من خمسمائة بين سبعمائة إلى سبعمائة بين ألف، بعد مراجعة سعة حوش البوليس، والصور الفوتوغرافية للحوش، والأوصاف المقدمة من الشهود، وبعد أن قدرت أنه لابد تمكن عدد من المحاصرين في الحوش من القفز فوق السور والنجاة بأنفسهم، رغم أن الشهود كانوا يشيرون إلى أن جميع من كان بالحوش تم حرقهم، خمسمائة، طق طق طق في حساب العسكري ديو باك ديو. كذلك أضفت ستين شخصا هم الضحايا الذين كانوا محصورين في مكتب الشرطة داخل حوش البوليس وقد تم حرقهم جميعهم.

(5)
علوم النيران، مجددا
تخبرنا علوم النيران أن الجسد الحي الذي يفارق الحياة تحت أثر صدمة الحرق بالنار وبسبب فقدان السوائل، هذا الجسد وقد تحول إلى جثة محترقة يصبح رمادا مخلطا بعظام صغيرة مكسرة خلال أقل من ساعة في حال شدة النيران المضرمة. فربما حسب ديو باك ديو الأجساد المحترقة جزئيا فقط ولم يتمكن من حساب تلك التي كانت رمادا وعظاما صغيرة مكسرة.

(6)
تدليس قبيلة الرزيقات في بيانها الرسمي عن المذبحة
سجلت قبيلة الرزيقات في بيانها الرسمي المنشور عن "أحداث بحر العرب والضعين" إشارة خافتة لهذه الواقعة الفظيعة في حوش البوليس على أنها كانت في جزءا من عملية "تراشق" ثم تحولت إلى "هجوم عام" شمل حوش نقطة شرطة السكة الحديد، وسجلت القبيلة المكان محل الجريمة في كلمتين، "حوش البوليس"، في العبارة: "تطور التراشق إلى هجوم عام في ... حوش البوليس ..."، دون أن تذكر القبيلة في بيانها أي شيء عن ذلك الذي حدث في "حوش البوليس" بغير قولها الاحتيالي إنه كان من نوع "التراشق".
علما أن القبيلة ادعت لاحقا أن عدد القتلى في كامل المذبحة لم يتجاوز 210 من الدينكا، ثم أضافوا 14 شخصا من الرزيقات، وكله كان محض كذب. فحتى الجبهة الإسلامية المعروفة بالكذب وكراهية الدينكا تحدثت عما يقارب ثمانمائة ضحية من الدينكا.
...
تم إعداد هذا البيان الرسمي للقبيلة تحت إشراف د. آدم موسى مادبو، من أسرة مادبو الحاكمة في الضعين، وهو كان الوزير في حكومة الصادق المهدي، بينما وَقَّع على البيان القبيلي ونشرَه باسمه في جريدة السياسة كإعلان مخطوط باليد مدفوع الثمن في صفحة كبيرة كاملة، أحمد عقيل أحمد عقيل عضو الجمعية التأسيسية، كرئيس "لجنة أبناء الرزيقات لتوضيح الحقائق حول أحداث بحر العرب ومدينة الضعين". وكان أحمد ممثل دائرة أبو مطارق، عاصمة الرق في دار الرزيقات.
...

رابعا،
حرق 60 شخصا من الجور شول في مكتب شرطة السكة الحديد
كذلك أحرق الرزيقات بالنار ستين شخصا كانوا تحصنوا داخل مكتب نقطة الشرطة بالمحطة. أغلبيتهم من قبيلة الجور شول، عمال الدريسة بالمحطة وأسرهم، وكان معهم في الغرفة إسماعيل ود أبُّو، دينكاوي من "أولاد الخرطوم" كان يعمل نفر شرطة سكة حديد، ومرفعين أويل دينكاوي أيضا كان جاء زائرا من أويل في مهمة استلام مواد إغاثة، وهذان الأخيران كانا كسرا مخزن السلاح في نقطة الشرطة ودافعا عن نفسيهما وعن بقية الضحايا حتى الموت.
ونعرف من الصورة الفوتوغرافية لمكتب الشرطة أنه غرفة مبنية بصورة محكمة بالطوب والأسمنت ولها سقف، وشباك، مما كان سيكون له أثر في الطريقة التي احترقت بها الجثث قبل أن تفارق الحياة وبعد أن فارقت الحياة.
حيث يوجد فرق في كيفية احتراق الأجساد بين وضعيتها في غرفة مغلَّقة مثل هذا المكتب ووضعيتها في مكان مكشوف مثل حوش البوليس ذي الأسوار. وربما احترقت أجساد الموجودين في هذه الغرفة المغلقة بسرعة فائقة، بسبب ازدحامها وتلاصق الأجساد والتغليق الذي لابد حول المكتب كله إلى محرقة وقودها ستون جسدا ووقودها الترابيز الخشبية والأوراق في المكتب، مباشرة بعد أن أشعل فيه الرزيقات النيران، خاصة في سياق وجود روايات سائغة أن الموجودين بالمكتب كانوا أطلقوا النار من داخله على الرزيقات، وهي رواية ذكرها كذلك بيان الرزيقات في الإشارة إلى "المخزن" الذي كانت الطلقات تخرج عبر شباكه.
أما السبعمائة من الألف شخص في الحوش وأغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء فلابد أنهم احترقوا بطرق مختلفة، بسبب توافر الأوكسجين والهواء الطلق مما يتسبب في هروب الحرارة من الأجساد المشتعلة بالنيران، وربما بسبب تفاوت وضعيات ملاصقة الأجساد. وربما انطفأت نيران أجساد بعض الموجودين في الحوش، ولذلك دور في تصعيب إخفاء الجثث غير المكتملة الاحتراق بالمقارنة مع تلك التي تحولت إلى رماد وعظام صغيرة مكسرة.
...

خامسا،
حرق 240 شخصا في العربة الخشبية المكشوفة على القضيب الثاني
أحرق الرزيقات جميع الأفراد الدينكا ركاب العربة الخشبية المكشوفة المتوقفة على القضيب الثاني. بقذف القش إلى داخل هذه العربة وبرَشِّ الوقود فوق رؤوس ركابها وبإتْباع ذلك بقذف الخرق الملتهبة المشبعة بالوقود السائل. مائتان وأربعون شخصا، مائتان منهم من الأطفال والنساء، تم حرقهم في هذه العربة الخشبية.
وهنا أيضا لابد كان مسار حرق الأجساد الحية والميتة مختلفا عن مسار الحرق في مكتب الشرطة المغلق أو في حوش البوليس المفتوح. لأن العربة الخشبية تصبح ذاتها وقودا خشبيا إضافيا لأشكال الوقود الخارجية الصلبة لكنها المشبعة بالوقود السائل، ووقود الأجساد ذاتها من دهونها وأنسجتها.
ولابد أن الأجساد في هذه العربة الخشبية احترقت بالكامل وتحولت عظاما مكسرة ورمادا، بسبب تضافر أنواع الوقود والأكسدة في حضور الأوكسجين. ولابد أن أرضية العربة الخشبية انهارت تحت أثر الحريق لأن الأرضية كذلك خشب.
وكله تعيننا على إعادة تركيبه وفهمه علوم النيران، وهي منظومة معارف متقدمة تنظر في وضعيات الحرق المختلفة بالتركيز على حرق الأجساد البشرية واحتراقها، قبل الموت وبعد مفارقة الحياة.
هنا كانت النيران والحرارة واللهب تنطلق من الأخشاب الجانبية، ومن الأخشاب الأرضية، ومن الأشياء المشتعلة المقذوفة المشبعة بالبنزين والجاز والزيت المحروق، ومن دهون الأجساد ذاتها. وكان الأكسجين حاضرا متوفرا لتسريع عمليات الأكسدة.
...

سادسا،
حرق مئات الأشخاص في العربات الحديدية وتقتيل آخرين فيها وأمامها وفي فضاءات المحطة
(1)
صعوبة النفاذ إلى الدينكا المتحصنين في العربات الحديدية
وجدت جموع الرزيقات المعتدية أن كل واحدة من العربات الحديدية الثمانية، وكل واحدة منها فيها مطلبهم الدينكا 250 شخصا منهم في العربة الواحدة، بمجموع ألفين في العربات الثمانية، وجدت تلك الجموع المهاجِمة أن كل عربة حديدية تمثلت صعابا تقنية مختلفة وقفت حائلا بينهم والنفاذ إلى الدينكا لتقتيلهم بصورة جيدة.
فقد كان الدينكا المقاومون المتمسكون بالحياة غلَّقوا عليهم أبواب العربات الحديدية من الداخل وأمَّنوا باب كل عربة وشباكها (وهو جزء من الباب ذاته، كما في الصورة). غلقوها من الداخل بالحبال وبكل ما كان يمكن استخدامه. فلم يكن ممكنا للمعتدين الرزيقات وأعوانهم النفاذ المباشر أو المسهل إلى هؤلاء الدينكا المتحصنين في هذه العربات، لتقتيلهم وحرق أجسادهم.

(2)
ابتداع الرزيقات حلولا للنفاذ إلى الدينكا في العربات
ابتدع الرزيقات حلولا ناجعة لهذه المشكلة العملية، مباشرة حين اعترضتهم. بأن حاصروا العربات، وبحثوا في محطة السكة الحديد عن البنزين فوجدوه، وابتعثوا الصبية والنساء وعددا من الرجال إلى الأحياء القريبة وفي داخل المدينة لاستجلاب الفؤوس لتكسير الأبواب، واستجلاب الوقود السائل الإضافي للحرق، والأشياء التي ستكون وقودا إضافيا مثل القش والخِرق والمراتب القطنية، كله لتسهيل النفاذ إلى الدينكا داخل العربات أو إجبارهم على الخروج منها لتقتيلهم ونهب ما معهم.
ركز الرزيقات المعتدون جهدهم الأولي في إعمال القوة الحديدية بالفؤوس لفتح أبواب العربات الحديدية المغلَّقة. ثم حشروا الخرق المشتعلة بين الشقوق في جسد العربة الحديدية ، وأعملوا الجهد بأن أشعلوا النيران في القش والأشياء الأخرى تحت كلِّ عربة حديدية مستهدفة.

(3)
تقتيل الدينكا بعد أن تم فتح أبواب العربات الحديدية
وفي حال فتح الدينكا المتمترسون داخل العربة المستهدفة البابَ أو الشباك لطرد الدخان كان المعتدون المرابطون أمام العربات يطلقون النار على الدينكا داخل العربة، وقد مات زوج تيجوك دوت أني بهذه الطريقة بطلق ناري وهو داخل عربة حديدية فتح الدينكا بابها للهروب من ارتفاع الحرارة وتصاعد الدخان داخلها.
وفي كل حالة خروجٍ من أي من الدينكا من العربة الحديدية هربا من الحرارة المرتفعة داخلها أو من النار المشتعلة أو من الدخان فيها كان المعتدون الرزيقات المرابطون في المساحة الخارجية أمام أبواب العربات ينهالون على هذا متحديهم يريد الحياة، ينهالون عليه بالضرب وينهبون ما معه ويقتلونه تقتيلا ويحرقون جثته.
وحتى إن نجح هذا المقاوم في شق طريقه بين جموع الرزيقات المسلحين أمام العربات الحديدية التي لا تطاق، كان فرسان الرزيقات على صهوات حصين الكارو يطاردون هذا المقاوم ويطعنونه ثم يلقى ذات المصير نهبا وضربا وتقتيلا وتمثيلا بجثته وحرقها. مما كله ورد في أوصاف الشهود الذين كانوا حاضرين.
...

سابعا،
مسار المذبحة
(1)
التفكير والتخطيط وحل المشكلات وعدد القتلى
يتعين أن نفهم أن المذبحة كانت تدور في مسار زماني تخلله الانتظار أحيانا، للتفكير، ولتصميم الحلول، ولجلب الأدوات والمواد الضرورية لتنفيذ التقتيل، وأحيانا للراحة من التقتيل قبل العودة إليه مجددا، والمرور على الحكامات للاستعراض.

(2)
عدد القتلى
حرق الرزيقات وأعوانهم جميع الدينكا أحياء في ثلاث من العربات الحديدية الثمانية، "لم ينج فيها أحد"، هذه العربات الحديدية الثلاثة، وفق قول الشاهد أرياك بيول. سبعمائة وخمسون شخصا. وقتل الرزيقات وأعوانهم أعدادا أقل من الدينكا في عربتين حديديتين، لم يتجاوز عدد القتلى في كل واحدة من هاتين العربتين خمسة أو ستة أشخاصا وربما أكثر قليلا.
ولم يتم قتل أي شخص في واحدة من العربات الحديدية التي أحكم الأفراد الدينكا غلقها من الداخل، واستخدموا المراتب حاجزا بين الأقدام وأرضية العربة الحديدية التي سخَّنها الرزيقات بإشعال النار تحتها، وكان في هذه العربة الحديدية المعلم أرياك بيول، أحد أهم الشهود.
ولا توجد لَدَيَّ معلومات واضحة عن مصير الدينكا في عربتين حديديتين أخريين، لكن يمكن تقدير القتلى على أنه ربما بلغ ستين أو سبعين من مائتين وخمسين شخصا في كل واحدة.
...
بمنتصف النهار كانت المذبحة تكاد تكون انتهت، بالرغم من وجود مجموعات صغيرة من الرزيقات وغيرهم لأغراض النهب أو مزيد عدوان أو للفرجة على ما فعله الرزيقات خلال هذا اليوم. من هؤلاء أحد الزغاوة، وهو أخذ تيجوك دوت أني إلى بيته وساعدها في مغادرة المدينة والنجاة قبل عودتها إلى الضعين للبحث عن أطفالها المفقودين، حيث التقينا بها.

(3)
اختطاف الرزيقات الأطفال والفتيات من المحطة أثناء المذبحة
اختطف الرزيقات المرابطون عددا غير معروف من الأطفال والفتيات الدينكا لأغراض الاسترقاق. من هؤلاء الخاطفين الرزيقية زهرة بت العمدة التي خمشت أدوانج طفلة تيجوك الصغيرة، ومنهم مهدي جماع من أهالي أبو جابرة الذي خطف ابن تيجوك الأكبر. وتمكنت تيجوك بعد ان تلقت علاجا وقتيا من طعنة زهرة بت العمدة من البحث عن أطفالها المخطوفين فوجدت هذين الاثنين وحررتهما ووجدت اثنين آخرين، لكن بنتها الكبرى لم تعرف تيجوك لها أثرا إلى أن ماتت تيجوك في مستشفى أم درمان في العام 2010. وتحدثت مع شقيق البنت الضائعة فقال إنها لم تظهر ولا يعرفون مصيرها.

(4)
تصفية الشرطة قيادات الدينكا ورئيس الكنيسة
بعد أن هدأت عملية التقتيل في منتصف النهار، حضر إلى محطة السكة الحديد ضابط الشرطة علي المنا ومعه عسكري في سيارة اللاندروفر البيضاء المملوكة للشرطة بالمدينة، واقتادا القس بنجامين كون وشيخي الدينكا دينق لوال/لويل وماليت قوم من داخل عربتين حديديتين مختلفتين، وبعد ربع ساعة أعادا الثلاثة من القادة جثثا هامدة رمياها بين الجثث أمام العربات. وقالا إن العرب "كتلوهم".
ولنتذكر هنا أن المكان الصحيح لأخذ الجثث إليه والمعروف للشرطة وفق القانون هو المشرحة في مستشفى الضعين، لا بين أكوام الجثث في محطة السكة الحديد، خاصة وأن المقتولين الثلاثة كانوا في عهدة الضابط علي المنا والعسكري، وأن القاتل الحقيقي لابد كان معروفا للضابط علي المنا ولمرؤوسه الشرطي.
وعلي المنا هو الذي تم توصيفه في كتاب مذبحة الضعين أنه كان "انخلع ..."، فصادر عبد الله هذه العبارات من أقوال الدينكاوي ديو باك ديو وعمل بها عبد الله حفلة أنه كان يتعين علينا اعتماد الرأفة بهذا الضابط الحساس. فالواقع هو أن الضابط علي المنا حين أصابته الخلعة لم يكن ذلك لسبب الخوف الطبيعي، بل بعد أن اكتشف هذا الضابط فداحة جريمته هو، في تقاعسه عن حماية الدينكا، واستهدافه القس بنجامين كون، وفي رفضه اتخاذ التدابير الصحيحة حين كانت جاءته المعلومات الأمنية أن الرزيقات قرروا إبادة الدينكا بالمدينة.

(5)
النهب
جرد الرزيقات أجساد الدينكا من الملابس القيِّمة والأحذية والساعات وجميع الممتلكات المحمولة، ومن المبالغ المالية الصغيرة، قبل قتل هؤلاء الأشخاص الدينكا أو حرقهم أحياء، أو قبل حرق جثثهم.

(6)
الهذيان الرزيقي
أثناء عمليات إبادة الدينكا في محطة السكة الحديد، كان الرزيقات المعتدون في حالة هيجان يعبرون بإفصاح بليغ عن مشاعر اللذة والمتعة، وكذا كان التعبير عن النشوة المستثارة بأدائية تقتيل الدينكا وحرقهم ونهب ممتلكاتهم وخطف أطفالهم.
واستعرض "فرسان الرزيقات" فحولتهم أمام الحكامات شاعرات القبيلة، وأمام المسؤولين الحكوميين المتحلقين في "اجتماع مجلس الأمن" تحت النيماية. كان هؤلاء الجناة يبشرون بأيديهم وبالأسلحة فوق رؤوس المسؤولين الحكوميين ويطلقون النار في الهواء تعبيرا عن انتصارهم على الأطفال والنساء.

(7)
دوران المذبحة في أرجاء المدينة الأخرى
قتل الرزيقات في أماكن أخرى في المدينة أكثر من خمسمائة شخصا من الدينكا، في الشوارع، وبيوت الأسر الرزيقية، ومستشفى الضعين، وكماين الطوب، ومصنع الصابون، والفرنين، وربما في القَشَّارات، وفي القرى المجاورة.

(8)
مقاومة الدينكا وتشبثهم بالحياة
قاوم الدينكا معذبيهم الرزيقات المعتدين بكل ما أوتوا به من عزيمة للبقاء على قيد الحياة، قاوموا حتى آخر لحظة وإلى آخر رمق في الحياة، وكانت العزيمة والمقاومة هما اللتان أنقذتا أكثر من نصف الدينكا الذين حاصرتهم الجموع الرزيقية في محطة السكة الحديد.
فأقدِّر أن الرزيقات تمكنوا من تقتيل 1000 شخصا في العربات الحديدية الثمانية وفي فضاءات المحطة أمام تلك العربات، "مرصوصين متل الطوب ومتل البهايم" في لغة حواء إدريس، وقتلوا أيضا 240 شخصا في العربة الخشبية المكشوفة على القضيب الثاني، و700 في حوش البوليس، و60 شخصا في مكتب الشرطة، بالإضافة إلى 500 في أرجاء المدينة خارج محطة السكة الحديد. أي، أنهم قتلوا ألفين وخمسمائة من الدينكا تقريبا في يوم المذبحة بالمدينة.
ولابد من أن تخضع هذه الأرقام للمراجعة وفق بيانات لابد من الحصول عليها من أشخاص ناجين أحياء كانوا موجودين في كل واحد من مسارح الجريمة العشرين ويزيد بالمدينة. وهو موضوع خصصت له حيزا في الكتاب غير المنشور، عن كيفية إكمال الباحثين الشباب التحقيق في مذبحة الضعين.
...

ثامنا،
بعد المذبحة
(1)
عودة الرزيقات إلى بيوتهم
نهاية يوم السبت 28 مارس، عاد المعتدون الرزيقات إلى بيوتهم، الجناة الأطفال والنساء والرجال عادوا لتناول وجبة العشاء، تاركين خلفهم في محطة السكة الحديد وفي بقية أرجاء المدينة ألفين وخمسمائة من الجثث الممزقة والمحترقة جزئيا أو رمادا وعظاما صغيرة.
عاد هؤلاء الرزيقات إلى بيوتهم سعيدين بالأشياء الصغيرة التي تمكنوا من نهبها من أصحابها الدينكا، وكذا كانت ملابسهم وأيديهم وكامل أجسادهم بما فيها الأدمغة تحمل آثار جريمتهم، المخاخ المتطايرة من الجماجم الدينكاوية المهشمة، وزخات الدماء، وقطع اللحم البشري الصغيرة اللاصقة في الوجوه والشعور، وكانت مسام أجساد الرزيقات المعتدين وشعورهم وملابسهم مشبعة برائحة شواء اللحوم المحترقة.

(2)
لا يوجد أي دليل على ضحايا من الرزيقات أكثر من شخص أو اثنين
لا يوجد أي دليل يعتد به أن أكثر من شخص أو شخصين من العشرة ألفا ويزيد من الرزيقات فقدا حياتهما، ربما قتلهما دفاعا عن النفس وعن الآخرين الدينكاوي إسماعيل ود أبو، الموصوف أنه من "أولاد الخرطوم"، أو قتلهما القس بنجامين كون في إحدى الروايات حين كان بنجامين في البداية مع أهله الجور شول المحاصرين داخل مكتب نقطة الشرطة وفيه ستون شخصا أغلبهم من قبيلته، قبل أن يتحول بنجامين إلى عربة حديدية فكان أن تم أخذه منها، كما أسلفت، مع شيخين من قيادات الدينكا بواسطة الشرطة وتصفيتهم الثلاثة ثم إعادة جثتهم ورميها بين الجثث المتناثرة أمام عربات السكة الحديد.
ولم يسفر التحقيق بواسطة كنيسة نيالا في ظروف قتل بنجامين عن شيء، ولم تفصح الكنيسة المهددة عن شيء مهم. وفي جميع الأحوال، قصة بنجامين هي ذاتها قصة كل واحد من الألفين وخمسمائة اللذين قتلتهم قبيلة الرزيقات، بتواطؤ الموظفين الحكوميين التافهين المهمومين بالوظيفة والترقية والمكاسب الصغيرة وفرص الإفادة من أبقار الدينكا المنهوبة. وشاركت الحكومة وأدواتها من المثقفين أصحاب الأدوات الأشد شطنا وشناعة في التغطية على الجريمة وفي تقتيل تاريخ الضحايا وتدنيس ذكراهم.
...
جميعهم هؤلاء الجناة عادوا بعد المذبحة إلى بيوتهم، وكأن شيئا لم يكن. وكان مندسا من بينهم المثقف المرتد د. عبد الله علي إبراهيم، لم يحتقر ضحايا الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في السودان أحدٌ مثلما احتقرهم د. عبد الله علي ابراهيم.
...

تاسعا،
التغطية على الجريمة
(1)
الجثث في كل مكان
الأحد-الاثنين 29-30 مارس. في مدينة الضعين. لا أثر لدينكاوي حي إلا الأثر المغيب داخل البيوت الرزيقية لألفين تقريبا من الأطفال والفتيات والنسوة الأرقاء المحتجزين مخفيين في بيوت الأسر الرزيقية.
عندئذ، وقد انتهى حفل التقتيل والحرق، وجد الرزيقات الذين نفذوا المذبحة، وقادتُهم المخطِّطون والمحرِّضون، وكذا وجد المسؤولون الحكوميون المحليون المتقاعسون عن أداء التزامهم لحماية الدينكا، جميعهم المتحالفون وجدوا أنفسهم أمام مشكلة قانونية وصحية وفنية ومشاعرية.
وجها لوجه أمام هذا العدد المتكثر من الجثث وبقاياها، الجثث كانت مرصوصة "مِتْل الطوب ... ومِتل البهايم" مباشرة أمام عربات السكة الحديد. الأجساد الدينكاوية المحروقة بالكامل أو جزئيا، الأيدي المحروقة مرتفعة بقبضة الملاكمة تعبر عن احتجاج وتقاوم حتى وهي فارقت الحياة وتكلست عظامها، الجماجم المحطمة وقد احترق شعرها وبدت فجوات العيون الشاخصة، الأجساد التي كانت تنبض بالحياة وبالضحك وقد تحولت إلى رماد مخلط بقطع عظام صغيرة، وكذا كانت الأشلاء المقطعة مبعثرة في كل مكان بمدينة الضعين.
أكثر من ألفين من القتلى في محطة السكة الحديد، وخمسمائة إضافيون في بقية أرجاء المدينة. وكانت رائحة اللحوم البشرية المهترئة أو المشوية متمسِّكةً بأهوية المدينة.

(2)
كيف الخلاص من الجثث؟
فكيف التخلص من الجثث، وفي مخيال الرزيقات أن الجنوبي قذر، ونجس؟ كيف يكون لمس جثته أو لملمة بقاياها المتناثرة تأتي بتعقيداتها في ذهانية الرزيقي وجنونه؟
ما كان ممكنا دفن الجثث بطريقة تحترم كرامة الضحايا أو ديانة أهلهم وثقافتهم أو مشاعرهم، حتى الدينكا المسلمين ما كان ليدور في الخيال الرزيقي مجرد تصور غسلهم أو الصلاة عليهم أو دفنهم في مقابر العرب المسلمين.
سراعا، تخلص الرزيقات من بقايا الألفي جثة في محطة السكة الحديد، بأن لملموها وغيبوها في حُفر في المنطقة شمال المحطة مباشرة، ولأن أغلبية الجثث تقلصت إلى أقل من 10% من حجمها ووزنها حين كانت حية تعيش، بدت الجثث وكأنها لم تكن ألفين.
وتخلص الرزيقات من بقايا الخمسمائة جثة المتناثرة في مسارح الجريمة الأخرى بالمدينة بعدة وسائل، حرقوا بعضها بالكامل لتسهيل بعثرة الرماد والعظام الصغيرة في رمال المدينة، ودفنوا البقايا المُمَزَّعة غير المحترقة بالكامل في حفر، وجَرُّوا بعض الجثث على الأرض قذفوا بها في الخلاء خارج المدينة، وألقوا البقية في المراحيض العامة في مدينة الضعين.
...
ثم التزم الرزيقات الصمت، وتصنعوا البراءة، وكأن شيئا لم يكن.
...

عاشرا،
في تطفل عبد الله على الذكرى الثلاثين لمذبحة الضعين
فذلك الصمت على الجريمة كان هو مقال الرزيقات، وكان كافيا للتعبير عن موقفهم وحجتهم. فلم يستحق الأمر معهم مغبة تسآلهم عما حدث، خاصة وأنهم كانوا في تصور البروفيسور أطقم في دراما سياسية اجتماعية، وبقية كلامات عبد الله المعروفة.
...
لكن أخبار المذبحة تسربت إلى خارج المدينة، لم يُسكتها الصمت الرزيقي المدوي، حيث لم تكن مذبحة الضعين "جريمة كاملة"، بمعنى الدقة في شطن الإجرام، بل شاب المذبحة قدر هائل من الوحشية والبدائية والاضطراب والمفاجآت والتدبير الوقتي والخبث، واضطر الرزيقات إلى تغيير خطة الإبادة التي كانت معدة قبل أسبوعين على أقل تقدير، حين فاجأهم وصول القطار 305 من بابنوسة ولم يكونوا أصلا يتوقعون أن المذبحة التي كانوا خططوا لها ستقع في عربات السكة الحديد أو في حوش البوليس بالمحطة.
وكذا نجا من المذبحة أكثر من خمسة عشر ألفا من الدينكا بالمدينة.
...
في هذه الذكرى الثلاثين كان كتاب مذبحة الضعين - الرق في السودان موضوعا لتشنيع هذا المثقف الإسلامي عبد الله علي إبراهيم، بحماسته الأطفالية الجامحة مستخدما جواد أكاديميته البايرة وردته الفكرية للتقحم على الضحايا في أيام الاحتفاء بذكراهم الثلاثين، ولم يكن أحد دعا عبد الله إلى هذه الذكرى الخاصة، لكنه في استحواذه بمقته الضحايا من جنوب السودان، مما يفضحه كامل خطابه العنصري المشحون بالكراهية، أقحم نفسه في سعي منه لتدنيس هذه الذكرى الثلاثين، لأنها الذكرى شاهدٌ على وقوف عبد الله في الخط الأمامي للدفاع عن المفظعات الجماعية في السودان.
....

عشاري أحمد محمود خليل
[email protected]


--------------------------------------------------------------------------------
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مم

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

الابق هذه الكلمة العنصرية البغيضة
وصف بها عبد الله عشارى فى مطاعنة هو فارس حوبتها

نادرا ما تجد مقالة لعبد الله خالية من المطاعنة والهمز واللمز

وفى هذا تحضرنى طرفة
عندما صعد د عبد الله للمنصة لتقديم ورقته فى مؤتمر الثقافة السودانية بالشارقة
همس فى اذنى صديق ...طبعا عبد الله دا اكتر زول بيستخدم المطاعنة
ولم ننتظر طويلا

ابتدر ورقته وهو يقول
هذه الورقة كان من المفترض ان اقدمها فى واشنطون لولا ان تكالب عليها رماة الحدق
وهو يقصد تحرك عدد من النشطاء ضد ندوةفى واشنطون وكان على راس الحملة السفير نور الدين منان ...وطاعن عبد الله للتلميح عن دور منان بادراج رماة الحدق ..قال الكل وهو يريد الجدزء
نظر الى الصديق مبتسما ولسان حاله يقول...اها شفتا زولك


فى مقاله لعبد الله ينتقد فيها مقالة للبطل

كتب

لا اجهلك فى معرفة قوانيين بلدك
والمطاعنة للبطل للاشارة بطرف خفى لجنسية البطل الامريكية
صورة العضو الرمزية
عادل القصاص
مشاركات: 1539
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 4:57 pm

مشاركة بواسطة عادل القصاص »

سلام يا محمد سيد أحمد،

لك الشكر على افتراعك هذا الخيط المهم والذي أتوقع له مزيداً من الحيوية.
ولكن بخصوص جلبك لتعقيب عشاري على عبد الله، ربما كان الأجدى - للقراء والقارئات، ولحيوية الخيط نفسه - أن تجلب قبله مقال عبد الله الذي استدعى عشاري للتعليق، وذلك حتى تكتمل الصورة للمتابعين والمتابعات؛ ولمن يرغب/ترغب في التعليق على بعض أو كل أوجه الخلاف بين الاثنين.
أتحدث من زاوية حِرَفية.

لك مودتي.
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

[font=Arial]
أنا أوافق الأكرم : الكاتب : عادل القصاص في رأيه ،
وكنت أيضاً أنتظر رأياً مُفصلاً حول الموضوع من الأكرم : محمد سيد أحمد .
فالقضية أكبر من تعليق قصير .


*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

مذبحة الضعين شفاء الكتابة أم تشفيها: الأكاديمي "الآبق" .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

التفاصيل
نشر بتاريخ: 03 نيسان/أبريل 2017
الزيارات: 425


"قرر الدكتور عشاري بفرمان عال من فوق حصانه الأخلاقي التبكيتي الطفولي الجامح المعتاد أن يحتفل بمرور 30 عاماً على مذبحة الضعين في 1987 التي قُتل فيها نفر جم من شعب الدينكا بيد الرزيقات. ولا ندري لم اختار الثلاثين لتذكر تلك المذبحة وكتابه عنها "مذبحة الضعين والرق في السودان". والكتاب بيضة ديك عشاري الأكاديمي الآبق مما سنوفي بيانه لاحقاً. والثلاثون من الأعوام مما لا يتوقف عندها متذكر مثل مواقيت أخرى معروفة إلا من مثل عشاري الذي ينبثق التاريخ عنده متى "ترك الأحلام" وصحا. وأنشر هنا عرضاً لكتابه عن المذبحة كتبته فور صدور الكتاب ونشرته في جريدة الأيام، ثم أعدت نشره في كتابي "الثقافة والديمقراطية" الصادر في 1996. وتوسعت في محامد الكتاب ومآخذه في فصل طويل بكتابي عنوانه "أخرجت البادية أثقالها وقال الأنسان مالها". وسيصدر الكتاب في طبعة ثانية وشيكة. فإلى نص التقييم.
سيضيق نفر كثير بكتاب "مذبحة الضعين والرق في السودان" (1987 ) لسليمان بلدو وعشاري أحمد محمود، المحاضرين بجامعة الخرطوم الذي تحريا فيه الأحداث المؤسفة التي وقعت وتقع في بلدة الضعين، بغرب السودان، منذ نهاية مارس 1987 والتي راح ضحيتها عدد لم يُحصر بعد من أبناء الدينكا، الجماعة السودانية الجنوبية، قتلاً واسترقاقاً بواسطة شعب الرزيقات من عرب البقارة المسلمين. فكشف المستور في قماشة علائقنا الإثنية (العرقية) والاجتماعية ليس تقليداً فكرياً ووطنياً معلوماً.
ولذا كانت أحداث مثل أحداث الضعين (التي ليست هي الأولى في هذا الباب بالطبع) إما غابت تدريجياً في غياهب النسيان في الشمال أو روج لها أهل جنوب السودان تظاهرهم في ذلك وسائل إعلام ودوائر سياسية يشتبه أهل الشمال في نواياها. وبين الصمت من جهة واقتصار كشف ديناميكيات مثل هذه الحوادث على المجني عليهم ضاع من بين أيدينا جنس مهم من الكتابة السياسية هو التحقيق الشامل الذي يتحرى فيه الكاتب مظلمة ما من كل وجوهها ليبصر الناس بمداها، وقواها، ومغزاها، وخلفياتها، وما يترتب عليها، وما ينبغي عمله بشأنها. وهذا الضرب من الكتابة السياسية هو غير "تقرير لجنة التحقيق" الذي يصدر عن لجنة مكونة من قبل الحكومة. ولدينا عينة ناضجة من الضرب الأخير في التقرير للحكم الذي تحرى أحداث عام 1955 في الجنوب.
ونقول عرضاً هنا إنه لمن المخجل أن يسقط في الجمعية التأسيسية (1986-1989) الاقتراح الداعي لتكوين لجنة للتحقيق في أحداث الضعين، موضوع كتاب السيدين بلدو وعشاري. إن حاجتنا إلى التحري المستقل في مثل ما قام به السيدان بلدو وعشاري حاجة ماسة. فلا مستقبل لنظام الديمقراطية عندنا إذا انفردت الحكومة أو الجهة المتضررة، سواء من الحكومة أو غيرها بإذاعة وجهة نظرها في الأحداث المعينة، بوصفها الحقيقة التي لا معقب عليها. وسيحتاج كل مواطن لا يعتز برأيه فحسب، بل بالطريقة التي يكوّن بها ذلك الرأي، إلى أن يستمع إلى جلّ إن لم يكن كل وجهات النظر المعنية. إن ذلك من حق عقلنا وفؤادنا علينا كما هو أصل في المواطنة المدعوة إلى الانشغال الحق بأمر الوطن لا إلى مجرد التصفيق أو اللعن. ولهذا نحمد لبلدو وعشاري خروجهما بهذا التحقيق مفتتحين جنساً في الكتابة السياسية لا يقوم النظام الديمقراطي إلا به.
يعيب كتاب بلدو وعشاري مع ذلك ميله القوي إلى الفضح والتأجيج مما أبعده إلى حد كبير عن جنس التحقيق السياسي وقربه كثيرًا إلى عرض حال المظلوم. وقد يُعزى ضيق من ذكرنا من الكتاب إلى سيادة هذا الميل الفضحي. وربما زكى هذا الميل الكتاب لدوائر مختلفة رأت فيه أن شهد شاهد من أهله (أي أنه صارت تصدر عن بعض أهل الشمال مثل بلدو وعشاري اتهامات لأهليهم الشماليين بشأن سوء معاملة أهل الجنوب). وقد انتهى هذا الميل بالكاتبين إلى هدم عناصر التماسك واستقلال الاستقصاء في تحريهما هدماً كبيرًا.
فما يعيب كتاب خرج مؤلفاه للتحقيق في أحداث الضعين، متطوعين مستقلين،
أن يمتنعا في الوقت ذاته عن التماس رأي الرزيقات المعتدين، أو ممثلي الحكومة في الضعين. وهم الممثلون الذين شهّر المؤلفان بدور الفراجة الذي اتخذوه حيال توالي الأحداث ممن نشرا قائمة بأسمائهم على صفحتي 44 و45. ولم يتصل المؤلفان بأيٍّ من جماعة الرزيقات على معرفتهما بالمحركين والمنفذين منهم للمذبحة في الضعين وعمليات الاسترقاق. فقد اتصل المؤلفان فقط بتلميذ عمره 12 عاماً تصادف أن تطابقت روايته مع الرواية العامة للشهود من الدينكا الذين اعتنى المؤلفان بإفاداتهم. وهذه خطة في التحقيق مخلة. ولا أدري كيف ساغت للكاتبين أصلاً وهما على ما نعرفه من تمام التأهيل الأكاديمي.
ولعل أبلغ دلائل هدم المؤلفين لمنهج التحقيق هو تأخيرهما تحليل جذور المذبحة ليأتي كالفصل الرابع من الكتاب، بعد أن انشغلا في الفصول الثلاثة السابقة بملاحقة بوليسية دارجة للقتلة من الرزيقات، بوصفهم قتلة عاديين لا طاقم ممثلين في دراما سياسية، اقتصادية، اجتماعية. وهي الدراما التي فصَّل الكاتبان عناصرها الطبقية الاجتماعية بسداد كبير في فصلهما الرابع. ومن أسخف أدوار هذه الملاحقة الكيدية إشارتهما المتكررة لرجل من الرزيقات متهم عندهما بالهمة في تعقب وقتل الدينكا. أشار الكاتبان له مرة بـ "أحدهم معروف اسمه ص 23" ومرة أخرى كـ "أحد عرب الرزيقات معروف باسمه ووظيفته ص 28"، ومرة ثالثة بـ "الشخص المعروف باسمه ص 28". ولم يزح الكاتبان الستار عن هذا الشخص إلا على صفحة 43 لنعرف أن أول حروف اسمه هما (أ، ن) وأنه رزيقي وكموسنجي بسوق مدينة الضعين، وقد امتلك عربة منذ وقت غير بعيد. فلماذا هذا الطريق الطويل إلى الأذن؟ ولماذا هذه المرمطة لإنسان من حقه أيضاً أن تعرض بينات اتهامه بشكل موجز ودقيق؟ وهذا التطويل مما يذكر بمكايدات الأطفال وغير الأطفال مما لا يصح في مجال الاتهام بالذبح.
لقد أدى تأخير الفصل الرابع المتعلق بجذور المذبحة في بنية المجتمع الرزيقي، المتغير من جراء السياسات القومية والجنوبية، إلى نتيجة أخرى مؤسفة. فقد جاءت صور التضامن الرزيقي والحكومي مع الدينكا إبان المحنة (انظر صفحات 35، 47، 49، 50، 51، 52، 54، 75)، من مثل تبليغهم بقرب وقوع المذبحة، ومساعدتهم على الهرب وإيواء الناجين منهم، بلا إطار مرصود في صلب التحقيق. فقد وردت هذه الرموز الحية من التضامن كوقائع متناثرة عشوائية في سياق المذبحة. وكان خليقاً بالكاتبين، اللذين قصدا بكتابهما حماية الكيان السوداني على مبادئ حقوق الإنسان، أن يحتفلا بهذه الرموز احتفالاً كبيرًا، ويشددا عليها منهجياً. فهذه الرموز، مهما يكن من أمر، أبقى من الضحايا والقتلة والثأرات. فقد حفظت مثل هذه الرموز السودان دائماً واحداً بعد كل كارثة أو مذبحة. ولا ينبغي لكاتب يؤرقه مستقبل السودان الواحد أن يخطئ التقاط هذه الرموز وإبرازها في صميم منهجه. فالبكاء، وأمَرُ البكاء، ما كان في آخر الأمر على الحي، لا على الميت. وهو البكاء الذي يضمد الجراح حقاً حين يستأنف الوطن مسيرته الجريحة الطويلة. فمما يشفى القارئ، وهو يتابع مسلسل الأحداث الحزين، أن يقف على شهامة عمدة منطقة "أبو مطارق" الرزيقي الذي جاء إلى نجدة نسابته من الدينكا، وحملهم على اللواري إلى بر الأمان. إن إيراد الكاتبين لهذا الموقف، كواقعة عادية، يخفي النسيج الأقاربي المعقد الذي جرت فيه أحداث الضعين، وهو النسيج الذي أملى على الدكتور فرانسيس دينق بعض كتبه عن حزام العلاقات العربية والأفريقية في مناطق تداخل البقارة والدينكا.
يقصر احتفال الكاتبين بملاحقة الرزيقات كقتلة عاديين حتى عن وجهات نظر بعض شهودهم من الدينكا. فقد أظهر بعض هؤلاء الشهود سعة في النظر السياسي لم تقع حتى للكاتبين نفسيهما. فقد قال إيرياك بيول، من الدينكا، على صفحة 55 من الكتاب: إن الكتلونا إلا هم المسئولين... كتلانا حكومة... ما كتلانا مواطنين.. (لم يقتلنا أحد سوى المسئولين، قتلتنا الحكومة، لم يقتلنا المواطنون)". وهذه النظرية عينة ممتازة فيما نسميه (في التحليل الأخير). وهو عندي أصوب من نظرة الكاتبين، اللذين انشغلا عن هذا التحليل الدامغ الخطر، بغمز ولمز الرزيقات كقتلة عاديين. ومن نماذج هذا التقدير السليم لبعض شهود الدينكا ما جاء على صفحة 47 من الكتاب على لسان أحدهم يرد تقاعس ضابط بوليس الضعين إلى غريزة الخوف البشري. قال الشاهد:
- هو (ضابط البوليس) ذاتو انخلع، ذاتو خاف عديل كدي. قاعد يخاف عديل. جسمو ذاتو انقلب، انقلب عديل. راسوا انقطع، تعليمات اليقولو ذاتو (لم يعرفها). لانو بقى خايف. خاف عديل. أي قعد مرة واحدة وخلى العساكر.
وبالمقارنة مع هذه الشهادة ليس في تحليل الكاتبين مجال لخائف خانه فؤاده أو خذلته ركبته. فالتقاعس عندهما مردود إلى جذر بسيط هو التآمر. وفي الحالين، حال نظرة أرياك بول وحال تفسير تقاعس ضابط بوليس الضعين، يود القارئ لو اعتبر الكاتبان حكمة شهودهما في بعض وجهات تحريهما. وعندي أن مصدر حكمة الشهود قائم في اعتبار المذبحة استثناءً قبيحاً في علائق العيش القديم بينهم والرزيقات، وهي العلائق التي لا فكاك لهم أو للرزيقات منها، في حين يعد الكاتبان المذبحة خاتمة المطاف وسبباً لشق الجيوب.
ويعيب الكتاب أيضاً أنه مكتوب بعجل. وسنضرب صفحاً عن إيراد الكاتبين لخاتمة الكتاب، التي تحدد اتجاهات العمل حيال المذبحة ونواتجها (صفحة 69)، قبل الفصل السادس الذي تناول عودة الرق إلى السودان. والرق ناتج من نواتج المذبحة فيما ذهب إليه الكاتبان. وهذا تهويش لا أحب أن يقبله الدكتوران من طالب مبتدئ حيث يدرسان بالجامعة. وقد تَركت هذه العجلة بعض الخيوط معلقة؛ من ذلك عدد وموقف بعض جنود القوات المسلحة الذين تصادف وجودهم أثناء تعاقب أحداث الضعين. فقد جاء أنهم ثلاثة (صفحة 24 و25) بينما هم أربعة (صفحة 34 وصفحة 53). وجاء على لسان الشهود أن هؤلاء الجنود دافعوا باستقامة عن الدينكا الذين ركبوا القطار ليسوقهم إلى مدينة نيالا بعيداً عن المذبحة (صفحات 24 و25)، غير أن الكاتبين عادا ليقررا أن أقوال الشهود تضاربت حول دور أولئك الجنود أثناء المذبحة (صفحة 53). وهذا مما يفاجئ القارئ الذي لم ير، لا الكاتبين ولا الشهود، يطعنان في مسلك هؤلاء الجنود.
إنني أقدر وأتعاطف مع الروح الليبرالية (أو الثورية إن شئت) التي أملت على الكاتبين كتابهما. ولا يخفى أنهما تخطياً موانع إثنية صعبة ليقدما هذه الشهادة لصالح
الدينكا. وهي شهادة ربما دسّها الكثيرون، أو تملصوا منها بتبرير أو آخر. لقد لقي هذا الموقف تقريظ السيد بونا ملوال في "سودان تايمز" (31/8/1987) من قبلي. ولكني أختلف معهما فيما قد يترتب على هذه الروح الليبرالية إن لم تحصن نفسها بموقف دقيق بإزاء النقطة المركزية في السياسة السودانية. ألا وهي الحفاظ على الديمقراطية والسهر على غرسها عميقاً في الوطن لأنها خيار الشعب في ثورتين، وحيال مسألة الجنوب بشكل خاص. قد يكون للجماعات الجنوبية أسبابها الوجيهة أو غير الوجيهة للابتعاد عن العملية الديمقراطية التي جرت في بلادنا منذ انتفاضة أبريل 1985 ضد حكم النميري (1969-1985). لربما صدتهم مخاوفهم التاريخية أو الحاضرة عن المؤسسة البرلمانية الديمقراطية، أو ربما أغرتهم قوتهم – كجيش شعبي للتحرير – بها. وهذا كله مفهوم. وسيرتكب مع ذلك الليبراليون أو الثوريون في شمال السودان خطأً فادحاً غير مغتفر إن لجوا عن مركزية الخيار الديمقراطي ليعقدوا صفقات تفهم أو تفاهم مع الجماعات الجنوبية بمعزل عن ذلك الخيار وتبعاته. أخاف أن يتحول الليبرالي الشمالي إلى "ديمقراطي" بلا مؤسسة ديمقراطية، وأن يتحول "الثوري" إلى فوضوي قلبه على كل الحرائق الكبرى. ومخاوفي نابعة من قبول بلدو وعشاري للمنطق الذي يعقد ببجيش (شعبي / إثني – هو الجيش الشعبي لتحرير السودان) مهمة نشر الأمان لطائفة خاصة من السودانيين دون غيرها. ويقول الكاتبان في معرض قبولهما لهذا المنطق ما يلي:
"وقد تكررت هذه الهجمات الكثيرة (من جانب الرزيقات) بحدة في فبراير من ذات العام، واستمرت إلى أن كثف جيش التحرير وجوده في المنطقة في مايو – يونيو 1986، وتمكن المواطنون الدينكا من الزراعة تحت حمايته. ص 60".
ويسود هذا المنطق أيضاً في عبارة الكاتبين التالي:
"فكانت الأبقار المنهوبة أيضاً السبب الرئيسي لهجوم قوات الجيش الشعبي على منطقة سفاهة".
إننا لا نستبعد إخفاق الجيش القومي السوداني أو حتى تخاذله المبيّت عن حماية جماعة أو رقعة ما. وليس هذا ببدعة في إدارة الدولة وسياساتها. وإذا وقع مثل هذا الإخفاق أو التخاذل وجب شجبه وكسب الجيش والشعب معاً ليأتمر الجيش بدوره الدستوري. أما أن يذيع كاتب – ومن مواقع الليبرالية ومنابرها – كفاءة جيش منشق أو خارج أو حتى ثوري في الدفاع عن جماعة معينة، فهذه دعوة سافرة للفوضى. إن ذلك من باب صب الحرائق على الجراح، وهذا مما لن يذر قواماً أو مقاماً للوطن ذاته.
قدم بلدو وعشاري بصدد كشف أحداث الضعين عرضحالاً، لا تحقيقاً، كما زعما. وهو عرضحال يتطلب منا جميعاً مواجهة وقائعه الصعبة، ونتائجه المترتبة، وخيط دمائه الذي لم يجف، بأرق شديد، وحزن كثير، ودبارة حازمة. وابتداء ذلك أن تراجع الجمعية التأسيسية نفسها، وتجيز بنقد ذاتي معلن الاقتراح الذي أسقطته والرامي إلى تكوين لجنة تحقيق في أحداث الضعين وذيولها. لتخاف الجمعية الله في هذا الشعب والوطن، وإلا فكيف تسقط اقتراحاً يدعو إلى التحقيق والتحري.
وترافق مع تحول كتاب بلدو وعشاري إلى عرضحال هَدْمٌ متصل لاعتبارات مرعية في كتابة التحقيق السياسي. وأهم هذه الاعتبارات أن ينفتح المحقق على كل وجهات النظر، وأن يتمتع بحساسية عالية للتضاريس السياسية المحلية والعالمية مما ينأ به عن الكيد. وأن يحتضن في عرضه عناصر المستقبل والخير في العلاقات التي يتحراها حتى يقدم صورة للمستقبل الرازح في عنت الماضي والحاضر. وهذه الخصال في الحقيقة خليقة أن تجعل كتابه مقروءًا للجمهور الأوسع. لقد انتهى الكاتبان إلى عرضحال قوي مؤثر عن شقاء الدينكا واكتفيا من الجمهور الأوسع لكتاب في بابه بالجمهور الضيق. وقد يفسر هذا الإقبال أحادي الجانب الذي يلقاه الكتاب حالياً.

[email protected]
الرجوع إلى أعلى الصفحة
© 2017 sudanile.com
محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

رد

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام عادل
جلبنا مقال عبد الله
لك الشكر


سلام شقلينى
مقالة عشارى ردا على مقالة عبد الله محور للتعليقات
اعتقد ان التعليقات القصيرة تناسب الكتابة التفاعلية
والتعليقات القصيرة تقدم وجهات نظر متعددة تلقى الضوء على الموضوع من زوايا مختلفة

وليس بالضرورة ان يرد على المقال بمقال
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »


الأكرم : محمد سيد أحمد
لم أرد أن ترد المقال بمقال ،
ولكني أحببت أن أعرف رأيك في الموضوع ، والمطاعنات لا تهمني بقدر
ما يهمني المجزرة ومُسبباتها ، والدراسة الأكاديمية حولها
خاصة وأنت صاحب الملف


محمد سيد أحمد
مشاركات: 693
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 8:21 pm
مكان: الشارقة

مشاركة بواسطة محمد سيد أحمد »

سلام يا شقلينى
تطالبنى بالراى
طيب خد
انا ضد ان ننسى او نتجاهل ما ارتكب من مذابح


المجزرة و مسبباتها ودراسة اكاديمية حولها
دا تكليف يا زميل
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »



رغبة في إثراء الحوار نستأذن صاحب المقال ادناه
أن ننشر مقاله من أجل إثراء الحوار نوعياً ونستدني العقل الوثاب :


النص :

*


عُشاري وعبدالله.. قوموا خلوا الضيق! بقلم البراق النذير الوراق

AM April, 06 2017

البراق النذير الوراق-الخرطوم-السودان


في كتابةٍ مُستعدية بعنوان (مذبحة الضعين شفاء الكتابة أم تشفيها: الأكاديمي "الآبق") نُشرت يوم 3 أبريل 2017، أخذ الدكتور عبدالله علي إبراهيم على الدكتور عُشاري أحمد محمود والدكتور سليمان بلدو عدم التزامهما جانب الصرامة الأكاديمية في كتابهما المشترك(مذبحة الضعين والرق في السودان) والصادر في العام1987، مُعيداً مقالة في نفس الشأن نُشرت كما قال، عُقيب صدور الكتاب على صفحات الأيام. وقد قُلت مستعدية لأن مُقدمة مقالة الدكتور عبدالله علي إبراهيم شُحنت بتحرُّشٍ كانت نتيجته تحرُّشٌ مضاد من الدكتور عُشاري أحمد محمود في مقالة نُشرها يوم 4 أبريل بعددٍ من المواقع الإلكترونية. وتحرُّش عُشاري المضاد انبنى- بالإضافة للمُقدِّمة الخشنة- على كلمة خرجت من قلم عبدالله، اعتبرها عُشاري عنصرية بامتياز! وفي ظني أن لهذا التطاحن اللغوي تاريخ من الترسُّبات السالبة في العلائق بين الطرفين، حريٌ بأهل العلم والمجايلين أن يتبيَّنوا لنا مصادره.
في رأيي، وبعد أن قرأت مقالة عبدالله فإنني لم أفهم كلمة "آبق" على نحو عنصري بمثلما نحا دكتور عُشاري؛ وقراءة عُشاري لها إن أخذناها بحسن ظن فهي تأكيد لما ذهب إليه عبدالله، وإن أخذناها بغير ذلك نجدها محاولة لاستخدام تكنيك الكتابة في زيادة الشحن العاطفي لمُتلقِّي بعينه، بمثل ما يحدث في ركن النقاش الجامعي! وفي كلا الحالتين الكلمة- في رأينا المتواضع- صالحة.
وفي سياق قراءتنا للمقالتين، يمكن وضع بعض الاقتباسات هنا لفائدة الموضوع في مُجمله ولتركيز نظر القارئ حول ما نريد الذهاب إليه من كتابتنا هذه. أنظر مثلاً لما قاله عبدالله في سياق متصل مع كلمة "آبق" بحيث عنى ما ذهب إليه صدِّيق الأنصاري، أحد المُعلقين على الموضوع بصفحة الدكتور عبدالله علي إبراهيم بالفيس بوك وقد أخذته كما هو مكتوب: (اشرت الي نقطة مهمة في الكتابة الاستقصائية و هي سماع كل اقوال كل حضور الحدث سواء جناة او مجني عليهم الاهم في الكتابة الاستقصائية انك لا تقول راي انما تقدم وقائع كما حدثت و كل الشهادات الممكنة دون ان تري في بحثك. لقد صادر عنوان الكتاب راي القاري الباحث مذبحة الضعين و لو كان احداث الضعين مع اخذ شهادات الرزيقات لكنا اقرب الحق). في حين يقول دكتور عبدالله ضمن مقالته: (ولم يتصل المؤلفان بأيٍّ من جماعة الرزيقات على معرفتهما بالمحركين والمنفذين منهم للمذبحة في الضعين وعمليات الاسترقاق. فقد اتصل المؤلفان فقط بتلميذ عمره 12 عاماً تصادف أن تطابقت روايته مع الرواية العامة للشهود من الدينكا الذين اعتنى المؤلفان بإفاداتهم. وهذه خطة في التحقيق مخلة. ولا أدري كيف ساغت للكاتبين أصلاً وهما على ما نعرفه من تمام التأهيل الأكاديمي).
وأنظر كذلك لهذا المقتطف من مقالة عبدالله: (ومن أسخف أدوار هذه الملاحقة الكيدية إشارتهما المتكررة لرجل من الرزيقات متهم عندهما بالهمة في تعقب وقتل الدينكا. أشار الكاتبان له مرة بـ "أحدهم معروف اسمه ص 23" ومرة أخرى كـ "أحد عرب الرزيقات معروف باسمه ووظيفته ص 28"، ومرة ثالثة بـ "الشخص المعروف باسمه ص 28". ولم يزح الكاتبان الستار عن هذا الشخص إلا على صفحة 43 لنعرف أن أول حروف اسمه هما (أ، ن) وأنه رزيقي وكموسنجي بسوق مدينة الضعين، وقد امتلك عربة منذ وقت غير بعيد. فلماذا هذا الطريق الطويل إلى الأذن؟ ولماذا هذه المرمطة لإنسان من حقه أيضاً أن تعرض بينات اتهامه بشكل موجز ودقيق؟ وهذا التطويل مما يذكر بمكايدات الأطفال وغير الأطفال مما لا يصح في مجال الاتهام بالذبح). بالنظر لهذه المقتبسات يمكن بسهولة اعتبار أن الكلمة(آبق)، أُخرجت من سياقها والمعنى المُراد بها في قراءة دكتور عُشاري!
ولمزيدٍ من التأكيد على ذلك نجد أن عبدالله علي إبراهيم ذكر توضيحاً يخالف ما أراده عُشاري من تخريج للكلمة، ويطابق معنى التحُّيز المرفوض من أكاديمي صارم، ففي نفس المقالة يقول عبدالله: (يعيب كتاب بلدو وعُشاري مع ذلك ميله القوي إلى الفضح والتأجيج مما أبعده إلى حد كبير عن جنس التحقيق السياسي وقربه كثيرًا إلى عرض حال المظلوم. وقد يُعزى ضيق من ذكرنا من الكتاب إلى سيادة هذا الميل الفضحي. وربما زكى هذا الميل الكتاب لدوائر مختلفة رأت فيه أن شهد شاهد من أهله (أي أنه صارت تصدر عن بعض أهل الشمال مثل بلدو وعُشاري اتهامات لأهليهم الشماليين بشأن سوء معاملة أهل الجنوب). انتهى. فكيف يستقيم أن تلمح الكلمة ل"عنصرية" كما ذهب عُشاري، في حين أن كاتبها نفسه يعتبر أن دكتور عُشاري وبلدو من أهل الشمال الذين تثبُت بشهادتهم التهمة على أهلهم الشماليين؟! ومعروف هنا أن مايُقصد ب"الشماليين" المعنى الإثني والقبلي، أي إن عُشاري وبلدو ليسا من ضمن المكوِّن الذي يصلح معه الدمغ ب"العبودية" في سياق العنف التاريخي، والتمييز المُمض، والاستعلاء الهادم الذي تعرضت له الإثنيات الأفريقية من جانب الإثنية العربإسلامية ونحوها في السودان!
وبالمقابل فإن دكتور عُشاري ومع احترامنا له ولتاريخه، لم يحاول في ردِّه طرح تفسير مُقنع للخروج من تهمة التحُّيز التي لا تتوافق وأكاديميته المفترض فيها الصرامة والتي يطالبه بها عبدالله، بل ذهب لتأسيس معركة جديدة قوامها إتهام عبدالله بالعنصرية والاستعلاء؛ أنظر لقراءة عُشاري منذ العنوان (حين يكون دماغ المثقف مسكونا بالعبيد الآبقين) مروراً بالمقدمة: (فدماغ د. عبد الله يظل مسكونا بكراهيته العبيد، وكيانه مستحوذ بعشق السادة، ولم يجد عبد الله بعد رِدَّته من الماركسية موقعا له إلا مع السادة ملاك العبيد في سودان الرق، على المستوى التجريبي لا الاستعاري). وذهب عُشاري في ردِّه إلى مخاشنة زائدة عندما قال إن عبدالله: (يستعرض بكتبه المتكثرة والتي ما هي إلا لمام مقالاته البايخة وبالعكس). انتهى. وهذا مما لا يمكن قبوله إلا في سياق لغة التحرُش التي لا يسندها منطق، وهي كذلك، في باب الإغاظة وإخراج اللسان أدخل! وهو مما نأخذه على دكتور عُشاري بسمعته ومكانته المرموقة. على أننا كذلك نأخذ على دكتور عبدالله تحرُّشه الأول، وذلك بتقليله من شأن دكتور عُشاري ومنتوجه الأكاديمي حين قال ضمن مقالته: (والكتاب بيضة ديك عُشاري الأكاديمي الآبق..)! فما أنتجه وينتجه دكتور عُشاري في مجال اللغة والسياسة تعجز عشرات الكُتب عن احتماله لوزنه الثقيل، ونربأ بالدكتور عبدالله علي إبراهيم أن يكون من الساخرين، حيث لا يسخر قوم من قوم!
وبالرجوع إلى كلمة "آبق" التي قلبت النقاش بين أكاديميين يُشار لهما بالبنان، نجد أن ما يؤكد فهم عُشاري للكلمة على الوجه الصحيح أنه قال في خاتمة مقالته ما يلي: (فذلك الصمت على الجريمة كان هو مقال الرزيقات، وكان كافيا للتعبير عن موقفهم وحجتهم. فلم يستحق الأمر معهم مغبة تسآلهم عما حدث، خاصة وأنهم كانوا في تصور البروفيسور أطقم في دراما سياسية اجتماعية، وبقية كلامات عبد الله المعروفة). وفي جانب آخر يجدر بنا أن نكون أكثر حصافة في النظر لما كتبه عُشاري وتركيزه على "آبق"، باعتباره يبتعد بنا من مناقشة جذر موضوعة عبدالله علي إبراهيم، والتي ساقها في معرض ردوده على قُرّاء المقالة على صفحته بالفيس بوك، فقد قال عبدالله إن دكتور عُشاري كان (حزبياً قرنقياً في تأليفه للكتاب. عشت هذه الحقيقة عن كثب. كما في ندوات طالعنا وجهات نظر بعضنا البعض). فلماذا لم يرد عُشاري على هذه الجزئية واكتفى بعرض مظلمة لم تكن في الحسبان؟!
أردت من كل هذا أن أقول إننا في حاجة متزايدة لحثِّ عبدالله وعُشاري وأمثالهما من أعلام بلادنا، إلى فضِّ مثل هذه الاشتباكات التي تنضح بالتربُّص، بإضفاء شئ من النعومة اللغوية على مكاتباتهما، حيث إننا ما قُتلنا إلا من مثل هذه السيوف التي ستكون أمضى في مواجهة الجهل والتجهيل المُتعمّد والتعتيم المعرفي الذي يلُفنا- وهما بذلك أجدر- إلا أنها وبالمقابل، ارتدت إلى صدورنا بسبب وجودنا في وسط حرب "بسوسية" لا نعرف لها جذراً. فخليقٌ بدكتورينا والحال كذلك أولاً أن يأخذا كتابتنا على المأخذ الحسن باعتباره رأي لمُشفق، ثُمَّ، أن يهُبّا إلى ما هو أقوم، وبالله قوموا خلوا الضيق.. أو كما قال خليل فرح.


https://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2 ... 56760&rn=1

*
عبد الله الشقليني
مشاركات: 1514
اشترك في: الاثنين مايو 09, 2005 6:21 pm

مشاركة بواسطة عبد الله الشقليني »

في تعليقي على مقال الكاتب
البراق النذير الوراق

*

الحوار بين مثقفي العمل العام
*
لم نزل نتعرف في كل يوم على ميّزة استقصائية جديدة ، في تناول العمل العام وهو شأن صعب تناوله ، خاصة وأن بذل جهد خاص من دكتور بلدو ودكتور عُشاري تستحق الإشادة ، لأنه تضحية بالوقت والجهد والمتابعة والمال إضافة للمخاطر . في وقت لم يوافق البرلمان السوداني على تكوين لجنة تحقيق . وهو من أوجب موجبات الدولة .

ومن حقنا على قراء الحوارات أن يكون الحوار على جانب رفيع من قبول الآخر . والنأي عن الكيد المُبطن أو الظاهر . لأن ذلك يجلب علينا غباراً ، يُعشي الرؤية الواضحة لنقاط الاتفاق والاختلاف .

أتفق مع الكاتب البراق ، أن لبروفيسور عبد الله ودكتور عشاري ، لكل منهما رصيد في مكتبة القراء وهو أمر معروف ، وقد كتب دكتور عشاري كثيراً في قضايا القضاء ، وكذلك في فضح رواية مجلة القوات المسلحة عن المؤامرة العنصرية في الديمقراطية السودانية الثالثة ، وتضارب أقوال الصحيفة . وهي وثيقة ملآت الصحافة بالدراسة المتأنية والرصد الأكاديمي الدقيق ، للتضليل الإعلامي المقصود . وتلك أمثلة لما أقدم عليه دكتور عشاري من تنضيد الدراسات ، الأكاديمية الرصينة في الشأن العام . وقد أدت تلك الجسارة الأكاديمية إلى ملاحقته في رزقه ، وهو أمر معلوم للجميع .خاصة بعد أن تجاسر قلمه على الكتابة عن داخل مؤسسة الاستخبارات العسكرية السودانية .

إن إشادتنا بالدكتور عُشاري أحمد محمود ، أو بدكتور بلدو شهادة لا يحتاجاها الدكتورين ، لعلو باعهم في تراثهما الثقافي والأكاديمي المنشور . ولكن ذلك لا يمنع الخلاف حول تفاصيل إنجازهما . ويمكن طرح هذا الخلاف بين المثقفين الذين لهم باع في الشأن العام ،وأن يتم فيه حصر الخلافات ، وتقديم الدفوع في نقاط محددة ، حتى يتمكن القارئ أو القارئة من الاستنارة بالحوارات المتقدمة ، على النت . وندعو بعضنا من الحوار بعيداً عن محاولات كسر العظم بالسُخرية .

أعلاه رأيي ، والشكر للجميع .
*
أضف رد جديد